روايه خطايا بريئه الفصل التاسع وعشرون والثلاثون بقلم الكاتبه ريم كريم
روايه خطايا بريئه الفصل التاسع وعشرون والثلاثون بقلم الكاتبه ريم كريم
🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺
بقلم الكاتبه ♥ ريم كريم ♥
التاسع والعشرون
حين يشتد التعب بالعين، تغلق على نفسها من تلقاء نفسها كذلك نحن، وكذلك القلب.
-----------------------
ضمت جسد صديقتها المتراخي المستقر بجانبها على مقعد السيارة الخلفي وهي تشهق شهقات متقطعة حزنًا على ما أصابها فهي إلى الآن لم تستعيد وعيها.
طالعها هو من مرآته الأمامية وقال وهو يتولى قيادة سيارة "يامن" الذي غادر دونها وكأنه تقصد ذلك كي يتم ايقالتها بها:
-"ميرال"...بطلي عياط... هتبقى كويسة
نفت برأسها وقالت بنهنهة:
-انا خايفة عليها يا دي مبتنطقش لازم نروح المستشفى
تنهد "محمد" واخبرها بعقلانية شديدة لطالما كانت من شيمه:
-"ميرال" أنتِ شايفة حالتها عاملة أزاي واكيد في المستشفى هيبقى سين وجيم ومن مصلحتها ميحصلش شوشرة... هي مغمي عليها وهتفوق بإذن الله ومتقلقيش هبعت لدكتور معرفة يطمنا عليها...بس المهم دلوقتي هنروح على فين؟
هزت رأسها بإقتناع وردت حائرة وهي تكفكف دمعاتها:
-مش عارفة كنت عايزة اخدها على القصر عندي بس "دعاء" لو شافتها مش هتسكت وكمان مينفعش نوديها على بيته بعد ما طلقها ممكن يتهور ويأذيها وكمان مامته مينفعش تشوفها بالحالة دي
-هي ملهاش أهل؟
زفرت هي حانقة واخبرته:
-اللي اعرفه ان ليها في البلد بس معرفش حاجة عنهم كل اللي اعرفه وهي كانت قيلهولي زمان أن واحد فيهم كان في بينه وبين بابها مشاكل على ورث مامتها وكان طمعان فيها وعلشان كده جوزها "يامن" علشان يحميها...
تنهد "محمد" بقوة وقال وهو يشرع من جديد بالقيادة:
- طيب انا هتصرف...
-------------------
يومين لم تستيقظ من غفوتها وكأن عقلها يرفض العودة من هروبه الاضطراري، فقد أكد الطبيب أنها لا تعاني من شيء عضوي سوى بعض الرضوض بجسدها أثر المقاومة وأن ما هي عليه هو حالة من السبات الذي افتعلها عقلها كي يتهرب من الضغط النفسي التي تعرضت له، فقد وصف لها العديد من المحاليل الوريدية البديلة للطعام التي كانت تعوض جسدها كي لا يصيبه الهزل أثناء سباتها...واتخذ كافة الاحتياطات الطبية لها و طمأنهم أنها سوف تستيقظ من تلقاء ذاتها عندما تواتيها الشجاعة اللازمة كي تواجه الأمر.
فكانت "ميرال" لا تفارقها بعدما احضرهم "محمد" لتلك الشقة التي تقبع بنفس البناية التي يقطن بها... وقد حمدت ربها كون ابيها خارج البلد ولم يتعب نفسه حتى بالسؤال عنها أما "دعاء" فقد تحججت لها كونها ستسافر لبضع أيام مع رفاقها كي تتخلص من ضغط الاختبارات التي كان تعاني منها في الآونة الأخيرة وأوصت مربيتها أن تتستر عليها أثناء غيابها وتخبرها بكل جديد...
-لسه مصحتش...
سؤال صدر من "شهد" التي كانت تحمل بيدها صنية عامرة بالطعام وتضعها على الطاولة التي تتوسط تلك الردهة الواسعة
بعد أن استقبلتها "ميرال" ولحقت بها بملامح كئيبة وصوت تملك منه اليأس قائلة:
-لأ يا "شهد" انا بجد خايفة عليها وبفكر ننقلها للمستشفى واللي يحصل... يحصل
-مستشفى ايه بس دي هتبقى زي الفل والدكتور بنفسه طمنا عليها...وبعدين بلاش شوشرة البِنَية مش ناقصة كفاية اللي حصلها
أومأت "ميرال" بينما استرسلت "شهد" بحسرة:
-قوليلي هو جوزها مسألش عليها
نفت "ميرال" بحزن:
-لأ من يوم اللي حصل ومسألش "محمد " راحله علشان يرجعله العربية بس ملقهوش في البيت لا هو ولا مامته ولغاية دلوقتي مفيش أي اخبار عنه
-لا حول ولا قوة إلا بالله...والله البت دي قطعت قلبي دي طول الليل تخرف بأسمه ولو صحت وملقتهوش هتعمل ايه؟
-ادعيلها يا "شهد" تقوم بالسلامة وتتخطى الأزمة دي على خير
-والله بدعيلها وبدعيلك أنتِ كمان ربنا يريحك بالك
ابتسمت "ميرال" وقالت بإمتنان:
-ربنا ما يحرمني منك يا "شهد"
أنا حاسة أن ربنا بيحبني أوي علشان رزقني بأخت زيك ورجعلي صاحبة عمري...
ربتت "شهد" على ظهرها بحنان واضافت بمكر تشاكسها:
-اه يا اختي ونسيتي "حمود" ولا ايه؟
اعتلى جانب فمها بسمة باهتة وقالت بيأس:
-هو ...ظلمني يا "شهد" ومرضاش حتى يسمعني وحتى بعد ما "نادين" حكتله إني مظلومة متكلمش معايا ولا هان عليه يريح قلبي بكلمة
زفرت" شهد" ولعنت عقلية شقيقها المتحجرة في سرها ثم قالت راجية:
-حقك عليا أنا... ومعلش هو اه دماغه ناشفة بس والله بيحبك وبكرة لما تعاشريه هتعرفي أن حنية الدنيا فيه بس هو اللي عقله مش مريحه ولا مريح اللي حواليه
تنهدت هي بإحباط واخبرتها بنبرة تملك منها اليأس بفضل تبلده معها:
-بيحبني بأمارة ايه...ده لغاية دلوقتي عقدة لسانه متفكتش وبصراحة حاسة إني بفرض نفسي عليه
شهقت "شهد "مستنكرة وقالت تطمئنها:
-بطلي الكلام البايخ ده والله بيحبك... وبعدين متنسيش الظروف اللي حصلت هو يمكن مستني وقت مناسب
أومأت لها "ميرال" وقالت بحيرة:
-يمكن...أنا كمان ورطته معايا بعد اللي حصل ل"نادين" وجابني هنا
-اخويا راجل وعنده نخوة ومستحيل كان هيشوف ولايه زيكم عايزين مساعدة وميساعدتش
أيدتها "ميرال" بحركة من رأسها ولكن كان سؤال أخير يؤرقها وتريد أن تحصل على إجابته لذلك همهمت بترقب:
-"شهد" هي دي شقة مين؟
أجابتها "شهد" ببسمة ماكرة ذات مغزى وهي تغادر من باب الشقة وتغلقه خلفها:
-شقة "حمود"....
شهقت "ميرال" بخفوت وتوترت بشدة وهي تتمعن بكل ارجاء الشقة وكأنها لم تكن تمكث بها أيام وتراها الآن لأول مرة فكانت شقة واسعة مجهزة بشكل مرتب للغاية غير متكلف مفعم بذوق مميز اعجبها ابتداءاً من لون الحوائط الهادئة التي تبعث الراحة للعين إلى فرشها البسيط للغاية واثاثها العصري الغير مبهرج.
حانت منها بسمة باهتة ساخرة من ذاتها قبل أي شيء أخر فماذا كانت تنتظر منه فهي بالنسبة له كالكتاب المفتوح الآن ولكن هو يحتفظ بكل شيء يخصه لذاته ويبخل أن يريح قلبها حتى بكلمة واحدة.
-----------------
لانوم ولا طعام ولا حتى راحة، فذلك المنزل الذي كان يضج بالصخب الاُسري وينعم بالدفء. الآن أصبح جدرانه قاسية يلفحها الصقيع الذي يرجف الروح من وحشته وبرودته...وحتى نظافته السابقة ونظامه الذي كان لا يمدحه من قبل ولم يشغل باله حتى في أن يثني على مجهوداتها... الآن حقًا عرف الفرق
فكان يجلس على تلك الأريكة التي لطالما جاورته بها ويرمى رأسه على حجرها عندما يشعر بالضيق أو يشغله أمر ويصعب عليه حله فكانت هي تستقبله بربيع بسمتها المفعمة بالسلام و تتكفل بتمسيد جبهته وتمرر اناملها الحانية بين خصلاته إلى أن يهدأ ويستكين ضجيج رأسه ويشعر بعدها أنها منحته سلام العالم أجمع بين يديها ولكن الآن أين هي...فقد خسرها بفضل غبائه وسخطه الدائم فياليته أخضع كبريائه اللعين وتنازل عن سخطه وتغاضى عن تحريض تلك ال "منار" له وعبر عن ندمه واشتياقه لها بطريقة أخرى تليق بفداحة أفعاله فلو كان اعترف بصدق حينها بتوابع خطيئته كان ربما يتشفعله عندها و لا يداهمه ذلك الشعور المميت الذي يفتك به الآن.
هز رأسه يحاول أن ينفض ذلك الشعور عنه ثم جال ببنيتاه القاتمة محيط المكان بضيق شديد فهنا أطباق وبقايا طعام لم تنضب منذ عدة أيام وهنا ملابس متناثرة...وحتى الغبار يكسو الأرفف والأثاث وحتى المقتنيات بشكل يثير الاشمئزاز...أما في المطبخ الذي كان يضوي ضي بعهدها فهو الآن فوضوي للغاية يضج بالكثير من الأواني والأطباق المتسخة وتفوح منه رائحة منفرة تجعله يود أن يتقيأ من بشاعتها....
زفر حانقًا وهو يلعن ذاته ربما للمرة الألف بعد المائة على غبائه و انسياقه خلف رغباته اللعينة دون أن يحكم عقله فلولآ ظهور تلك المنار بحياته و إغوائها له بشتى الطرق ما كان وصل به الحال لهنا
نعم الأن يحملها هي أعباء كل شيء ويتقمص دور الضحية التي لطالما برع في تقمصه وكأنه أدرك كونه كان مغيب بفضلها ولكن بكل أسف أدرك تلك الحقيقة بعد فوات الآوان فقد خسر كل شيء...والسؤال هنا هل تستحق؟ هل أحبها لتلك الدرجة التي تجعله يخسر زوجته ويشتت ابنائه ويفقد عمله وامواله من اجلها؟ حقًا لا يملك اجابة لسؤاله كل ما يملكه هو الضياع والتشتت والندم بعد تطليقها فهو في أبعد كوابيسه المفزعة لم يتخيل كونه يتهور و ينطق بتلك الكلمة التي تفك حصارها.
مرر يده بخصلاته الفحمية بإرهاق تام وهو يحاول نفض تلك الأفكار التي تقتله بالبطيء ثم قرر أن يأخذ حمام دافئ كي يساعده على النوم وبالفعل نزع قميصه البيتي وتوجه لخزانته كي يخرج منها منشفة ولكن لم يجد ولا واحدة فيبدو أن جميعهم متسخين ولم تقم بغسل أي منهم ليلعنها بسره ويفتح خزانتها لعله يجد واحدة ولكن وهو يعبث بين الأرفف وجد شريط من الحبوب يعلمها تمام المعرفة وكيف لا؛ وهو من كان يجلبها بنفسه ل "رهف" ويصر عليها أن تواظب عليها بلا انقطاع ويفرض عليها عدم رغبته بالإنجاب مرة أخرى ولكن الآن قد انعكس الأمر وكأن القدر يسخر منه ويرد له الصاع صاعين فقد اعتصره بين يده بأنفاس غاضبة وعيون زادت قتامتها وهو يتوعد لها بأشد الوعيد حين عودتها.
-----------------
بينما هي كانت بعيدة كل البعد عن ما يشغله بل كانت تحيك لأمر آخر كي تعوض خسارتها وإهدارها للوقت مع ذلك الساخط اللعين الذي اختزل احلامها و وئد رغد عيشها
فقد مالت بِجسدها على صيدها الجديد حتى ظهرت مفاتنها أمام عينه بسخاء ثم همست بنبرة تقطر بالخبث أمام وجهه:
-قولت ايه يا "حُوسو"
اعتلى جانب فم "حسام" وقال ببسمة متخابثة لا تقل شيء عن خبثها:
-لأ...
ضربت الأرض بكعب حذائها وحاولت اقناعه من جديد:
-ليه ما كل حاجة في ايدك وتقدر تعمل كده بسهولة؟
أجابها بمكر وهو يواليها ظهره بكل برود:
-أنا مقولتش مقدرش... وللأسف طلعتِ غبية ولسه مفهمتنيش
-طب فهمني عايز ايه واكيد هنتفق...
أجابها وهو يلتفت برأسه و يتفرس بكل إنش بجسدها بطريقة وقحة اعجبتها وجعلتها تغتر بذاتها وبما تملكه من تأثير طاغي على معشرهم:
-عندي استعداد انفذ الاتفاق بس بشرط
تأهبت بنظراتها بينما هو قال وعينه يغزوها نظرة غامضة تجمع بين الرغبة وشيء أخر لم تتعرف عليه:
-عايزك تبقي ليا يا "منار "
--------------------
طرقات على باب الشقة جعلتها تهرول تفتح الباب دون تمهل وهي تعتقد أنها "شهد" ولكن خابت ظنونها عندما وجدته يقف أمامها بتلك الهالة الجدية للغاية لتتلعثم قائلة:
-"محمد"...
تلجم لسانه وهو يجول ببندقيتاه يطالع هيئتها المذهلة و يبتلع ريقه بصعوبة بالغة
فكانت ترتدي منامة وردية اللون قصيرة للغاية ذات فتحة صدر دائرية تظهر نحرها ببذخ مصحوبة بروب نفس لونها ولكن يمتد طوله إلى بعد ركبتيها تاركته مفتوح ومتهدل على ذراعيها يظهر حملات منامتها وانعكاسها على بشرتها بشكل مغري للغاية جعل دمائه تدفق برأسه ويهدر بحمئه بعدما أشاح بنظره و استغفر بسره:
-أنت ازاي تفتحي الباب بالمنظر ده
طالعت هيئتها مستغربة وهدرت بعفوية:
-ماله منظري انا...
قاطعها بعصبية شديدة نابعة من غيرته:
-أنتِ ايه اقفلي الزفت الروب واخر مرة تفتحي الباب بالمنظر ده…
لملمت مأذرها بخجل، واستغربت حمئته الغير مبررة والتي لم تتفهم المغزى منها لذلك لم تجادل رغم حنقها منه، فصديقتها برئتها وهي حاولت مرارًا وتكرارًا أن تفهمه وتجعله يستمع لها ولكن إلى الآن رأسه يابس كالحجر الصوان وحقًا في كل مرة هي من تبادر وتصرح بتمسكها به ولكن هو ولا مرة فعل…
-خدي الأكل...
انتشلها قوله وهو يزفر حانقًا ويدفع صينية الطعام جهتها كي تلتقطها لتتناولها من يده وتسير بضع خطوات وتضعها على الطاولة وإن تقدمت جهة الباب مرة أخرى وجدته مازال يقف لتشدد على مأذرها وتطالعه بنظرات حائرة حين تسأل:
-صاحبتك عاملة ايه دلوقتي
اجابته بإقتضاب:
-لسه مفقتش أنا اتصلت بدكتور تاني هيجي يشوفها
-يجي فين ومين اللي هيستقبله إن شاء الله أنتِ ...
-ايوة وفيها ايه؟
-ويا ترى بقى بالروب!
قالها بغيظ وهو يكور يده بقوة ويشعر بنيران الغيرة تأكل قلبه
ولكنها لم تتفهم ذلك واجابته بتلقائية:
-الدكتور ده بتاع العيلة ومن سن بابي وبعدين كنت هقول ل "شهد" تطلع وقت ما يجي...
هز رأسه ولم يعجبه الأمر بالمرة فهو كان يرافق الطبيب الذي يجمعه معرفة مسبقة به بنفسه ويتحجج كي يظل ولكن أن تأتي هي بطبيب وتستقبله بذاتها لا هذا غير محتمل بالنسبة له لذلك هدر بكامل صوته الأجش دون حتى أن يجليه قليلًا فصدر قويًا افزعها:
-تبلغيني أنا قبل ما يجي لازم يكون في راجل معاكم
تعلقت فيروزتاها لثوانِ تشعر بالحيرة من حديثه وقبل حتى أن تجد جواب مناسب له
كان يفوت للداخل ويديرها بتلقائية ويغلق باب الشقة بسرعة متناهية... شهقت هي وسندت ظهرها على الباب المغلق وهي تدعم ذاتها بحركة عفوية تمسكت بأحد ذراعيه وهو يقف بمواجهتها، ليبرر هو بصوت خفيض للغاية وهو ينظر من العين السحرية للباب:
-ششششش في حد نازل من على السلم وعيب يشوفوني واقف على الباب مش عايز حد يتكلم كلام ملوش لازمة
تنهدت بيأس وحاولت أن لا تتأثر بقربه المهلك منها ولكن قلبها دفعها دفع حتى تميل على ذراعه وتسند وجنتها عليه دون حديث ولكن بداخلها كان يصرخ اشتقت لك معذبي ارحم قلب اضناه الوحدة وسئم الفراق ..اتوسلك بكل عزيز أن ترأف بي وتزحزح قناعاتك الراسخة التي تعيق قربنا فلا طاقة لي على جفاك.
بينما هو كان مرتبك بشده يعتصر عينه ويتحاشى ملامسة جسدها بأي شكل من الأشكال، مشتت لايعلم ماذا يفعل كل ما كان متأكد منه حينها أنه ايضًا اشتاقها حد الجحيم ولكن يصعب عليه التعبير، فقد تعالت وتيرة أنفاسه وزلزل قاع قلبه ككل مرة تكون بذلك القرب اللعين منه، ليمنح عقله الذي يؤرقه هُدنة رادعة، ومع سكونها تهدلت ملامحه براحة واقترب برأسه يتناول نفس عميق من رائحتها المسكرة التي تنفذ لحواسه تخدرها وتأجج بداخله تلك المشاعر المستترة التي لطالما كبحها ولم يصرح بها
وعند تلك النقطة دق ناقوس الخطر واستفاق عقله من غفوته لينتفض كالملسوع ويبتعد عن حيزها وهو يستغفر الله بسره لعدة مرات ويلعن ذلك الشيطان اللعين الذي جعله يقدم على ذلك، لتطالع هي بتوجس مستغربة ردة فعله في حين هو صمت لبرهة ثم قال بعدما أجلى صوته الأجش بحمحمة قوية:
-مكنش لازم أطلع اصلًا ولولآ أن "شهد" حماتها تعبت وكانت مستعجلة تروحلها هي و"طمطم" مكنتش سمعت كلامها ولا حطيت نفسي في موقف زي ده...
نظرت نظرة حائرة مفعمة بخيبة الأمل في صميم بندقيتاه ثم تساءلت وهي تلملم خصلاتها خلف اذنها بغيظ:
-خايف على سمعتك للدرجة دي!
اجابها بعقلانية وهو يفتح باب الشقة وينوي المغادرة:
-عليكم مش عليا...
حانت منها بسمة باهتة بعيون اندثر بها لمعتها وقالت وهي تبتعد عن الباب كي تفسح المجال له:
-على العموم شكرًا وقول ل "شهد" بلاش تتعب نفسها بعد كده أحنا تقلنا عليكم اوي...انا اول ما "نادين" تبقى كويسة هنمشي ومش هضايقكم تاني
زفر هو حانقًا ولعن غبائه ومنعها من الابتعاد متمسك برسغها معتذر لها اخيرًا:
-"ميرال" انا اسف علشان مسمعتكيش...بس غصب عني مقدرتش اتحمل أنك كدبتي عليا...
احتل الحزن عيناها ثم صرحت بذلك العتاب الذي يثقل قلبها:
-بس انا مكذبتش عليك...انا خبيت علشان مخسركش لكن لما أنت عرفت صارحتك ومأنكرتش وفهمتك انا ليه عملت كده...انا مقولتش إني صح...ومقولتش كمان إني مش غلطانة ولا مظلومة اه "نادين" افترت عليا وألفت قصص وحكايات عني بس ده ميمنعش أن جزء بسيط من كلامها صح وانا عمري ما أنكرته بالعكس أنا بعترف غلطت ولما انت عرفتني مكنتش ملاك و كنت ضايعة وعمري ما انكرت ده أنا صريحة معاك من أول يوم يا "محمد"...وكنت بعبر عن مشاعري وعن احتياجي ليك بكل الطرق بس أنت دماغك ناشفة و عمرك ما كنت صريح حتى مع نفسك ولا معايا...ولا حسستني انك متمسك بيا …ومن أول غلطة اتخليت عني
عجز عن الرد حتى انها لاحظت نفور عروق يده التي تدل على تلك الحرب الضارية التي تقام بداخله لذلك حاولت أن تخترق دفعات عقله قائلة:
-أنا اللي أسفة...إني فرضت نفسي ومشاعري عليك...أنت مش مجبر تصدق كلام "نادين" ولا مجبر تصدق كلامي...والقرار بأيدك...
قالت أخر جملة بكبرياء وهي تجذب باب الشقة حتى تفتحه على مصراعيه مما جعل لسانه يتلجم ينظر لها نظرات عاجزة ذات ألف مغزى ولكن تبًا لعقله وقناعاته التي سيطرت عليه وجعلته يفر هاربًا من أمامها وكأنه يؤكد ظنونها لذلك قررت أنها لن تبادر بعد الآن فإن حقًا يحبها ويتمسك بها فهو يعلم ما يتوجب عليه فعله من اجلها.
--------------------
أما عن تلك الطامعة التي اغشى الجشع عيناها فكانت تستشيط غيظًا فإلى الآن لم يريح ذلك الغبي قلبها ولم ينفذ ما اُوكلته به...لا وما يغيظها أكثر أن التوقيت مناسب بشدة فهي تعتقد أن "ميرال" كما اخبرتها خارج البلد ترفه عن ذاته ومن الجيد أنها غائبة حتى لا تتأثر وتنهار بعد يتلقن ذلك المتعجرف درسًا قاسيًا كي يبتعد عنها...
ولكن أين الغبي الذي وكلته بذلك فمنذ أن حاكته واتفقت معه وانقطعت كافة أخباره مما جعلها تكاد تصاب بالجنون فإهدار الوقت ليس لصالحها
وها هو يجيبها بعدما هاتفته ربما للمرة الألف بعد المائة و وجدت هاتفه خارج النطاق:
-تحت أمرك يا هانم
-أنت فين يا غبي وليه منفذتش لغاية دلوقتي؟
اجابها هو بلا مبالاة وبنبرة تقطر بالإجرام:
-لمؤاخذة كده اعدلي أنا مش غبي ...ومنفذتش علشان كنت محبوس...ولسه خارج بعد ما اتورطت في خناقة واتطسيت حكم...يظهر أن قدمك قدم الشوم عليا يا هانم ومن ساعتها وأنا حالي واقف
تأففت هي بنفاذ صبر:
-افففف اخلص هتنفذ امتى؟
اجابها بخبث مقيت وبثقة مجرم مخضرم بالإجرام:
-قبل ما انفذ لازم تعرفي الجديد المحروسة بت جوزك قاعدة معاه في بيته
اتسعت عين "دعاء" وأكدت عليه وهي تلعن تلك الكاذبة بصوت جهوري وصل صداه لتلك التي كانت تسترق السمع من خلف الباب.
------------------
-يااااااااااااامن
صرخت بأسمه بعدما راودها كابوس مفزع رأت به حالها تقف على حافة الهاوية وهو يفلت يدها تاركها كي تلقي مصيرها المحتوم من غيره...وبالطبع الأمر كان بمثابة نزع روحها من جسدها حين شهقت بقوة ونهضت جالسة تجول المكان بعيناها برعب وبأنفاس متعالية.
انتفضت "ميرال" على أثر صرختها وهرولت إليها تربت على ظهرها وقالت بسعادة متناهية:
-"نادين" حمد الله على سلامتك انتِ كويسة متقلقيش
-يااااااااامن
همست بأسمه بضياع وبنبرة لاهثة متلهفة جعلت "ميرال" تعجز عن الرد، لتكرر "نادين":
-انا فين... ومين اللي جابني هنا و"يامن"...."يامن" فين؟
-انا و"محمد" اللي جبناكِ هنا بعد اللي حصل
لم تعير حديثها اهمية وقالت وهي تهب من الفراش بعدما نزعت تلك الابرة الوريدية من يدها غير عابئة بتقطر دمائها:
-يا خبر ماما "ثريا" زمانها قلقانة عليا أنا لازم أروح...
ضغطت "ميرال" على شفتها السفلية بقوة تمنع ذاتها من البكاء لوهلة ثم نطقت بحرص شديد وهي تقترب منها:
-"نادين" أنتِ مش فاكرة اللي حصل؟
نفت برأسها وهدرت بحماس ظهر جلي على وجهها الذابل دون أن تستخدم عقلها ودون أن ترهق ذاتها بإيجاد سبب مقنع لثغرات ذاكرتها :
-انا لازم ارجع البيت زمان "يامن " قلقان عليا هو قالي أنه راجع أصل لازم نحضر للفرح يا "ميرال" هو وعدني أنه هيقدمه ومفيش وقت لازم أحضر نفسي
لتضرب جبهتها وتضيف:
-تخيلي لسه ما اشترتش فستان الفرح...ياااه أنا نفسي اجيب فستان منفوش بذيل طويل وكمان "يامن" لازم أختار بدلته بنفسي هختارهاله بيضا أنا بحب اللون الأبيض اوي عليه علشان بيشبه لون قلبه ياااااه وحشني اوي...اوي يا "ميرال"
كانت تتحدث بعدم اتزان ودفعة واحدة وهي تبتسم بسمة مريبة وتدور حول نفسها بطريقة غير متزنة بالمرة جعلت "ميرال" تكتم شهقاتها بكف يدها متحسرة على حالها ولكن الآخرى كانت بالفعل على حافة الجنون حين صاحت:
-"ميرال" فين هدومي انا عايزة ارجع بيتنا "يامن" وحشني أوي وماما "ثريا "
حاوطت "ميرال "ذراعيها وقالت تحاول أن تعيدها لرشدها:
-"نادين" كفاية وفوقي ...أنتِ ازاي مش فاكرة اللي حصل...
جمدت نظراتها لوهلة ودار بؤبؤ عيناها ثم أنكرت وهي تنزل يدها:
-مفيش حاجة حصلت...مفيش ... مفيش...
ألقت حديثها بملل بوجهها وتركتها واتجهت لتلك الخزانة تفتحها على مصراعيها تبحث بها عن ملابسها ولكن لم تتعرف على شيء يخصها لذلك كانت ترتدي أول شيء طالته يدها لتلمح سترة جلدية قاتمة تعلم صاحبها معلقة داخلها لتتناولها بأيدي مرتعشة وتتمعن بها و ومضات خاطفة ظلت تترأى أمام عيناها وحين توقف عقلها عند تلك الصرخة الحارقة بأسمه شهقت شهقة ممزقة لأبعد حد وخارت كافة قواها ساقطة على ركبتيها وتلك الكلمات القاتلة تتردد بداخل عقلها تهلكه اكثر وترغمه أن يتخلى عن إنكاره المؤقت ( أنتِ طالق) (من اليوم أنتِ بره حياتي يا نادين يا راوي)
وهنا صرخت صرخة مدوية واخذت تهز رأسها بقوة لعلها تسقط كل ما فيها ولكن هيهات
كان يتردد صدى الكلمات و يتردد ويتردد وكأنها تأمرت مع الجميع كي تقضي عليها
جثت "ميرال" تؤازرها بدمعاتها قائلة :
-"نادين" اهدي...علشان خاطري اهدي
صرخت هي بقهر من بين شهقاتها التي تقطع نياط القلب:
-"يامن"...طلقني وصدق "طارق"
أنا لازم أروحله وافهمه انا لازم اقوله وهو اكيد هيصدقني
اجابتها "ميرال" بقلة حيلة:
-دورنا عليه في كل حتة وملقنهوش
قبضت هي على منكبين "ميرال" وصرخت بها بجنون وبنبرة هستيرية وهي تهزها تستنكر ما تفوهت به:
-كدب كدب هو مستحيل يسبني هو عارف أني مقدرش اعيش من غيره هو عارف إني مليش غيره ومستحيل يعمل فيا كده أنا لازم اروحله... لتتركها وتضم ركبتيها لصدرها وتتأرجح للأمام والخلف بعدم اتزان متمتمة:
-ايوة أنا لازم اقابله واقوله الحقيقة وهو اكيد هيصدقني هو بيحبني يا "ميرال "وهيسامحني هو علطول بيسامحني...
ضمتها "ميرال" لها تحاول أن توقف اهتزازها وقالت بحزن من بين شهقاتها :
-هنلاقيه وهنقوله على كل حاجة وإن شاء الله هيصدق...بس اهدي علشان خاطري وكل حاجة هتبقى كويسة
نفت برأسها وصاحت بإلحاح غريب:
-عايزة ارجع بيتنا...عايزة ارجع بيتنا وديني ل ماما "ثريا" هي هتصدقني وهتقنعه
- مش هناك والله بس هوديكِ وهريحك بس اهدي علشان خاطري
اومأت لها بهوان وترجتها وهي تتحامل على ذاتها و تنهض ترتدي سترته وتضم بها ذاتها وكأنها تستجدي قربه:
-دلوقتي يا "ميرال"...
انصاعت "ميرال" لها دون معارضة ولبت رغبتها في سبيل أن تجعلها تستوعب الأمر بذاتها.
-----------------
-كنتِ فين يا هانم
قالها بغضب شديد وهو ينقض يقبض على ذراعيها مما جعلها تتلعثم قائلة:
-كنت...كنت في النادي قاعدة مع صحابي في ايه مالك متعصب ليه كده...
-في ده يا هانم …
قالها وهو يرفع الحبوب أمام نظراتها التي زاغت لتوها حين تخلصت من قبضته و جذبته من يده متبجحة:
-انت بتفتش في حاجتي ليه!
-نعم انت هتستهبلي...أنا عايز أعرف بتاخديه ليه من ورايا
أجابته وهي تلوح بيدها ساخطة:
-يوووه بقى أنت بقيت لا تطاق بجد انا زهقت
-تعالي هنا وجاوبيني...
قالها بسخط عظيم لطالما تشاركاه وهو يقبض على ذراعيها بقوة جعلتها تهدر بوجهه دون أي خضوع وبثقة عارمة:
-عايز تعرف ليه علشان مش عايزة اجيب ولاد من واحد زيك...عايزهم يجوا ليه علشان يشوفوا فقر ابوهم وقلة حيلته عايزني اجيب ولاد علشان تعيشهم كده...
قالت جملتها وهي تنفضه عنها وتؤشر على محيط المكان بإزدراء:
-هو ده اللي وعدتني بيه يا "سُونة" هي دي العيشة اللي قعدت توصفهالي وتمدحلي فيها...انت ضيعت كل احلامي بغبائك وسبت واحدة غبية زيك تاخد فلوسك و وقفت تتفرج...
استفزه حديثها بشده لذلك كعادته جَبن عن تحمل الأخطاء وألقاها على عاتق غيره متقمص دور الضحية:
-أنتِ السبب...أنتِ اللي خسرتيني كل حاجة
حانت منها بسمة هازئة وقالت بإحتقار:
-غبائك هو السبب مترميش عليا
ليؤكد هو بإنفعال والندم يتأكل قلبه:
-أنتِ اللي خلتيني خسرتها وخسرت معاها كل حاجة أنتِ اللي اقنعتيني أنها مش ضحية وانها لئيمة وقليلة الأصل وخلتيني بكل غباء أروح اساومها على حريتها...
أجابته بنبرة مستفزة للغاية وهي تلوح بيدها:
-وحتى دي معرفتش تعملها وروحت طلقتها بكل سهولة وخلصتها منك...ودلوقتي قاعد تندب حظك زي الولايه وبصراحة بقيت مثير للشفقة
ثارت ثائرته وصرخ بها:
-أنتِ ايه شيطان...أنا أزاي كنت مخدوع فيكِ كده
اجابته بكل برود وثقة وكأن ما تقوله هو المنطق بحد ذاته:
-وانا كمان اتخدعت فيك واظن كده نبقى خالصين و اللي بينا لازم ينتهي اكرم ليا وليك
جعد حاجبيه وتساءل بتوجس:
-يعني ايه؟
-يعني أنا مبقتش طيقاك وكرهت حياتي معاك ومش مجبرة اتحمل فقرك...طلقني وياريت بالذوق احسن ما اجرجرك في المحاكم وأخلعك...
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تدخل لغرفتها وتغلق بابها في وجهه تاركته مصدوم...بل مشدوه يشعر أنه يكاد يصيبه ذبحة صدرية من حديثها... فنعم أيها الساخط كل شيء ذهب هباءً.
فقد أكرمك الله بالعَقـل ولكنك لم تستخدمه، وأهنت نفسك بأفعَالك...
---------------
عند وصولهم هرولت من السيارة ما أن توقفت أمام بوابة المنزل الخارجية لتجدها مغلقة لتطرق على الباب الحديدي بكل عزمها وهي تزعق بأسمه بنبرة راجية ممزقة:
-يامن....ياااااااامن...ماما ثرياااااااااا....ياااااااااامن افتح الباب واسمعني .....يااااااااااامن
لم يأتيها رد سوى من الحارس الذي فتح البوابة وقال بتفاجئ:
-ست "نادين" ...البيه والست "ثريا" مش موجودين ...سافروا
قبضت على مقدمة جلبابه وصرخت بجنون:
-أنت بتقول ايه هما فين...مستحيل يسبوني ويسافروا أنت كداب هما جوه صح وهو اللي قالك تقولي كده ...صح قول أنه صح....أنطـــــــــــــــــــق
كانت تتحدث بنبرة هستيرية ودمعاتها الحارقة تنهل من عيناها دون هوادة، ليؤكد الحارس بقلة حيلة وبتعاطف:
-والله يا ست هانم ده اللي صار وهما مشيوا وسابوا البيت وحتى سابوا شنط ليك فيها حاجتك والبيه بلغني أول ما تيجي اسلمهالك
نفت برأسها بحركة غير مستوعبة وكأنه لم تستمع لحديثه من الأساس واندفعت بقوة إلى الباب الداخلي للمنزل واخذت تطرق عليه تارة وتضغط على جرس الباب تارة أخرى وهي تصرخ بقهر راجية بنبرة ممزقة تعدت الألم بمراحل:
-ياااااااااامن ...انا مليش غيرك...يااااامن افتح أنت مستحيل تسبني....يااااااامن....ماما ثريا...انا مليش غيركم ...مليش غيركم هروح لمين ...هروح لمين...متسبونيش لوحدي ....ياااااااامن....افتح...
متسبنيش لوحدي...متسبنيش لوحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدي
قالت أخر جملة وجسدها يتهدل يفترش الأرض بأنهيار تام جعل "ميرال" تحتضنها قائلة بمؤازرة:
-كفاية مفيش حد جوة يا "نادين"...
-ازاي هونت عليهم...سابوني...أنا مليش غيرهم أزاي سابوني ومشوا أزاي
شددت "ميرال" على عناقها وواستها ودمعاتها تنهمر تضامن معها:
-هندور عليهم...
لتتسأل بضعف وبنبرة مرتعشة تحمل قهر العالم أجمع:
-وهيصدقني ...هيسامحني...
هيرجعلي...هيرجعلي يا "ميرال"
هزت "ميرال" برأسها وحاولت بشتى الطرق أن تهون عنها وتؤزرها ولكن هي أصرت ان تذهب لأي مكان من الممكن أن يتواجد به ولكن بلا فائدة وكأن ذلك ال"يامن" تبخر ولم يعد له وجود...لذلك عادوا سويًا لتلك المنطقة الشعبية قاصدين تلك الشقة التي مكثوا بها الأيام السابقة ولكن ما أن تدلت من السيارة بمساعدة "ميرال" اتسعت عيناها الذابلة وتعالت دقات قلبها حين وجدت آخر شخص توقعت أن تجده بانتظارها...
-----------------
هستنى توقعاتكم للجاي 🙈
وبتمنى متنسوش الڤوت ❤
♥ 🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺
بقلم الكاتبه ♥ ريم كريم ♥
الفصل الثلاثون
ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب.
--------------
عادوا سويًا لتلك المنطقة الشعبية قاصدين تلك الشقة التي مكثوا بها الأيام السابقة ولكن ما أن تدلت من السيارة بمساعدة "ميرال" اتسعت عيناها الذابلة وتعالت دقات قلبها حين وجدت آخر شخص توقعت أن تجده بانتظارها...
-ماما "ثريا"
هتفت بها وهي تهرول و ترتمي بأحضانها بقوة جعلت "ثريا" تربت على ظهرها وتضمها لها قائلة:
-استهدى بالله يا بنتي
عاتبتها بقهر:
-انتوا سبتوني ليه أنتو ليه عملتوا فيا كده انا مليش غيركم؟
-حقك عليا وحياتك عندي كان غصب عني
اهدي علشان اعرف افهمك
قالتها راجية وهي تطالع تجمهر الناس من حولها في حين اقترحت "ميرال" وهي تجذب "نادين" لها:
-"نادين" تعالي نطلع البيت الناس بتتفرج علينا
تناوبت "نادين" نظراتها الضائعة بينهم لتؤيدها "ثريا":
-تعالي يا بنتي هنتكلم وهقولك على كل حاجة بس اهدي
انصاعت لها لتسندها "ميرال" من جهة و"ثريا" من جهة إلى أن صعدوا سويًا وما أن دلفوا جلست "ثريا" على أحد الأرائك القريبة واجلستها بجوارها وأخذت تربت على خصلاتها وهي تشملها بنظرة عطوف متحسرة إلى ما توصل له حالها، بينما هدرت هي بعتاب وبنبرة ممزقة ودمعاتها تغرق وجهها:
-انا مش مسمحاه ومش مسمحاكِ
-يا بنتي اسمعي الأول لما رجع وقالي حاولت اهديه... بس دي كانت اول مرة اشوف ابني بالحالة دي وخوفت عليه…
سألتها بعتاب مضني:
-وما خوفتيش عليا…
سؤالها ألم قلب "ثريا" واحزنها ولكن يعلم الله أنها فعلت ما فعلته من أجلها لذلك ردت بحياد وبعطف أم لن تتخلى عن أبنائها مهما كانت فداحة أخطائهم:
-هو ابني وانتِ بنتي وعلشان كده مصدقتش وسبته ورجعت و كان عندي امل أأثر عليه واخليه يرجع بس هو صمم واللي في دماغه في دماغه... وعلشان كده رجعتلك علشان انتِ قبل ما تكوني مرات ابني فأنتِ وصية "غالية" و"عادل"
-طب هو فين يا ماما "ثريا" لازم يسمعني هو ليه بعد عني هو ده اللي وعدني بيه فين الحب اللي كان جواه ليا...ليه معطنيش فرصة ادافع عن نفسي ليه مسمعنيش ...ليه...ليه؟
أجابتها بعقلانية وبثوابت مشيدة:
-علشان هو راجل يا بنتي والكلام اللي سمعه مفيش راجل يتحمله ولا يقبله على نفسه...
حاولت هي الدفاع عن ذاتها باستماتة:
-بس الكلام ده غلط....انا عمري ما حبيت "طارق" ولا عمري خليته يلمس شعرة مني ...أنا فعلا كنت بقباله بس وقتها كنت ضايعة وجوايا هواجس كتير ملهاش اساس لكن لما عرفت الحقيقة حاولت ابعد وافهمه بس هو مسبنيش وكان بيطاردني... انا مش بالبشاعة دي يا ماما "ثريا"
وعمري ما فرطت في شرف ابنك
لتهز رأسها وتستأنف بنبرة هستيرية مصحوبة بنحيب قوي يدمي القلب:
- والله انا مش بالبشاعة دي انا بعترف غلطت في حقك وحقه كتير بس والله العظيم انا ندمت ...ندمت وكنت هقوله على كل حاجة بس مكنش عندي الشجاعة وجِبنت وقتها وكنت مرعوبة من رد فعله… واللي كنت خايفة منه حصل واتخلى عني يا ماما "ثريا" وهونت عليه ...
كانت تتحدث بحرقة وبنبرة صادقة، مختنقة من بين شهقاتها المتألمة مما جعل "ثريا" تضمها لحضنها وتقول بثقة وهي تربت على ظهرها في حنان:
-عارفة أنك مفرطيش في شرفه...أنتِ كنتِ طايشة بس أنا واثقة إني عرفت اربيكِ واعلمك الصح من الغلط...دلوقتي لازم تقومي معايا علشان نرجع بيتنا
تعلقت سوداويتاها التي يكسوها الدموع وسألتها بخيبة أمل:
-هو هيرضى...بعد ما رماني ورمي هدومي بالطريقة دي هيرضى يخليني أرجع البيت
تنهدت "ثريا" بأسى فهي تعلم أن ولدها مخطئ بذلك الأمر ولها كل الحق كي تعتب عليه، ولكن لو كانت رأت الحالة التي كان عليها ربما كانت عذرته...أو لو كانت علمت ما كان ينوي عليه حينها كانت ستتقبل أي شيء عوضًا عن تنفيذ ما كان يصر عليه وهي عارضته وأصرت أن لا تفسح عنه حين طمئنتها وجذبتها من جديد لدفء أحضانها:
-ملكيش دعوة بيه ده بيتي أنا ابوكِ الله يرحمه كتبه بأسمي وانا اللي اقرر انا لو كنت نفذت رغبته وقتها فكنت بسايره وبحاول اريحه علشان ميتهورش و يروح يقتل الكلب اللي عمل كده ويودي نفسه في داهية ...لكن خلاص اتأكدت أنه غار وابوه سفره...أصل اللي زي دول مفضوحين و اخبارهم مبتستخباش
هنا تساءلت "ميرال" بحيرة:
-معلش اسفه في السؤال بس عرفتي مكانا منين؟
خرجت هي من بين أحضانها تكفكف دمعاتها وقد لفت انتباهها السؤال وتأهبت للحصول على جوابه، مما جعل "ثريا" تخبرهم بتنهيدة حانقة:
-"يامن" هو اللي قالي على مكانكم
احتلت الدهشة معالم وجهها الذابل وهمست بقهر وبخيبة أمل لا مثيل لها صدرت من أخر شخص كانت تتوقع أن تصدر منه:
-يعني كان بيراقبني وبيعرف اخباري طب أزاي... انا كنت بموت من غيره...هو للدرجة دي هونت عليه يا ماما "ثريا" يقف بعيد ويتفرج عليا...ونسى كل اللي كان بينا ومفيش حاجة اتشفعتلي عنده
واستها "ثريا" بحنو وهي تربت على صدرها راجية:
-معلش حقك عليا أنا...والله بكرة يروق... ابني وانا عارفاه...هو قسى عليكِ بس وغلاوتي عندك سامحيه واعذريه...وهو مسيره يرجع ويراجع نفسه
قالتها وهي تدثرها بين أحضانها من جديد ولكن تلك المرة وهي تدعوا الله أن يزيح الغمام عن بصيرة ولدها من أجل تلك التي دفعت سعادتها وذاقت القهر بسبب تمردها السابق وتلك الهواجس البالية التي أهلكتها وجعلت توابع خطيئتها تطاردها وتطالب بالعقاب العادل لها.
------------------
احضرت عُلبة مُرتبة من الشيكولاتة وبعض الحلويات الشرقية الأخرى كي تعبر عن امتنانها لتلك الجارة العطوف التي ساندتها هي و ابنها الطبيب في محنتها...وها هم يجلسون ثلاثتهم يتناوبون الضحكات ويتجاذبون أطراف الحديث ولكن رغم أن "كريمة" شخصية ودودة غير متكلفة إلا أن"رهف" كانت متحفظة قلما ما كانت تنطق وتشاركهم الأحاديث فقط كانت تكتفي بالاستماع لهم ببسمة هادئة...
-مجبتوش الولاد ليه معاكم والله أنا عاتبة عليكم
قالتها "كريمة" لتبرر "سعاد" بخفة:
-يا طنط احنا قولنا نفصل من زنهم ودوشتهم وبصراحة خوفنا تضايقي أنتِ والدكتور ده حتى "شريف" ابن "رهف "كان نفسه يجي معانا بس "رهف" مرضتش
زغرتها "رهف" في الخفاء فنعم أبنها ألح عليها كثيرًا كونه يريد أن يرى ذلك الطبيب وكونه احبه وشجعه ولقبه بالبطل ولسبب خفي في نفسها وجدت ذاتها تمتنع بشدة من اصطحابه معها، بينما على الجانب الأخر تنهدت "كريمة" بحزن وقالت:
-يزعجني ده أيه! ليه كده يا "رهف" كنتِ جبتيه يا بنتي والله على قلبي زي العسل وبعدين "نضال" بيحب الأطفال جدًا وعمره ما يضايق منهم
تلعثمت" رهف" بحرج وردت بمجاملة وهي تزجر "سعاد" بنظراتها كي تلاحق الموقف معها:
-معلش يا طنط تتعوض بإذن الله
لتلاحق "سعاد" زلفة لسانها وتدرك أنها احرجتها:
-ايوة يا طنط اكيد "رهف" هتكرر الزيارة هي ملهاش حد و انتوا جيران والجيران ملهاش إلا بعضيها
اجابتها "كريمة" بمودة:
-النبي وصى على سابع جار وياريت يا بنتي والله دول ينوروني... ربنا يحفظلك ولادك ويخليهملك يا بنتي
أمنت "رهف" على دعواتها بشدة بينما صفنت "كريمة" لثوان تزامنًا مع وصوله لتوه ودلوفه من باب الشقة قائلًا بصوت جهوري مشاكس كعادته:
-يا كرملتي" أنا جيت وميت من الجوع ولو ملحقتنيش بلأكل هاكل حتة منك...
ابتلع باقي حديثه المشاكس لوالدته حين انتبه اخيرا لوجودهم ولاحظ تلك البسمات التي يكتموها، ليفرك أنامله بين خصلاتها الشقراء ويتلعثم بحرج:
-أحم ...ايه الاحراج ده...مش تقولي يا "كرملة" ان عندنا ضيوف
تدخلت "سعاد" مبررة:
-معلش بقى يا دكتور إحنا اللي كان مفروض نبلغكم قبلها
نفى بسبابته وقال برحابة شديدة وبوجه بشوش للغاية:
-لا انتو تشرفونا في اي وقت والله البيت نور يا مدام "سعاد"
قالها وهو يمد يده يصافحها
لتصافحه "سعاد" وإن جاء دور "رهف" كانت تكاد تموت بخجلها كلما تذكرت كونه حملها وشهد على تلك الحالة المريعة التي كانت عليها لذلك مدت يدها بحرج وهي تنكس نظراتها بتحفظ شديد دون حتى أن تبتسم بمجاملة، لوهلة تجمدت خضراويتاه عليها قبل أن يهدر بأدب:
-نورتونا يا مدام "رهف"
-شكراً
قالتها بإقتضاب شديد وهي تحث "سعاد" على المغادرة حتى أنها من شدة حرجها لم تنتبه أنها لم تشكره حتى أو تمدح شهامته حينها.
انصاعت "سعاد" لرغبتها قائلة:
-طب بعد اذنكم بقى علشان الولاد لوحدهم مع المربية وزمنهم طلعوا عينها
عاتبتهم "كريمة" بود:
-لسة بدري يا ولاد والله ما لحقتوا
-معلش يا طنط تتعوض
وإن كادوا يصلون لباب الشقة قال "نضال" بتردد وهو يمسد بسبابته منحدر انفه بحركة ملازمة له حين يتوتر:
-مدام "رهف" أنا كنت حابب ابعت معاكِ حاجة ل "شريف"...ممكن؟
تناوبت "رهف" نظراتها المرتبكة بينه وبين "سعاد" وردت :
-حاجة ايه يا دكتور؟
أجابها وهو يبتسم بسمة بشوشة للغاية:
-هدية بسيطة...أنا دورت كتير علشان ألاقيها وبتمنى تعجب "شريف"...
رفعت نظراتها التي لم يسكنها سوى الحزن مؤخرًا وهدرت بإندفاع وبشراسة غريبة احرجته وجعلت بسمته تندثر بلا عودة:
-بمناسبة ايه تجبله هدية حضرتك...أنا ولادي مش بياخدوا هدايا من حد واسفة مش هقدر اخلي الولد ياخدها منك...عن اذنك يا دكتور.
ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تغادر تاركة "سعاد" تعتذر بحرج خلفها:
-اسفة يا دكتور هي...
قاطعها هو بتفهم وبكل بساطة:
-عارف...مش لازم تبرري يا مدام "سعاد"...حصل خير
أومأت" سعاد" بحرج ولحقت بها بينما هو نظر لآثارهم بملامح لاتفسر جعلت والدته تبرر قائلة:
-معلش اعذرها يا بني اللي مرت بيه صعب على أي ست وغصب عنها عايزة تحاوط على ولادها
تنهد هو واخبرها بصدق وبطيب نية:
-ماما انا مدوستلهاش على طرف أنا بس حبيت الولد و صعب عليا وحبيت افرحه مش اكتر...
ربتت "كريمة" على كتفه بملامح يكسوها الحزن فهي تتفهم ذلك الشعور الذي يداهم ابنها عندما يتعلق الأمر بلأطفال لذلك لم تجد ما تواسيه به غير:
-ربنا يفرح قلبك يا "نضال" ويديك على أد ضميرك ونيتك...أنا هروح احضرلك الغدا
تنهد وقال وهو يتناول يدها ويقبلها:
-تسلميلي يا "كرملة"...وانا هغير هدومي واجي اساعدك
ليتوجه "نضال" لغرفته تارك والدته ترفع نظراتها للأعلى وتدعوا له بصدق وبقلب أم انفطر على حظ ولدها...
---------------
-كنتِ قليلة الذوق اوي
هدرت بها "سعاد" بتوبيخ كي تؤنبها، لتزوغ نظراتها وتتأفف:
-يووووه بقى يا "سعاد" انا مش غلطانة دول ولادي ومن حقي أخاف عليهم واقرر بالنيابة عنهم
-بس الراجل مغلطش يا "رهف" ولا اتعدى حدود الأدب أنتِ احرجتيه جامد
-"سعاد" افهمي "شريف" بيمر بمرحلة صعبة بعد انفصالي عن ابوه ومينفعش...ابتلعت غصة مريرة بحلقها واستأنفت:
-تخيلي أن في الوقت اللي ابوه مبيسألش حتى عليه... الدكتور ده قدر يحببه فيه من مرة واحدة و اقنعه انه موهوب ولازم يدرب ويسعى علشان يبقى بطل وخلى الولد يصمم ويعاندني ويلح عليا...
تنهدت "سعاد"و واجهتها بشجاعة كعادتها:
-الولد موهوب فعلا يا"رهف" وانتِ عارفة كده وكتير اتحايلتي على "حسن" أنه يسمحله يروح التدريبات وأنتِ بنفسك اللي قايلالي كده...ليه دلوقتي بترمي على الدكتور أنه بيحرض ابنك ما يمكن بيشجعه من غير أي دوافع تانية…
-"سعاد" افهميني أنا...
حاولت التبرير ولكن "سعاد" قاطعتها بتفهم:
-عارفة أنك خايفة على ولادك...بس متخليش خوفك عليهم يحبط احلامهم ويلغي شخصيتهم...حاولي زي ما صلحتي اللي ابوهم زرعه فيكِ...تصلحيه برضوا في ولادك...شجعيهم وخليكِ حافز ليهم وبلاش تضيقي حسارك على أحلامهم بحجة خوفك عليهم...
وبعدين الدكتور مغلطتش وبدل ما تشكريه احرجتيه جدًا
بشكل ما وجدت حديثها منطقي لذلك تهدلت معالم وجهها وارتمت على اقرب مقعد وهي تشعر بالندم...فيبدو أنها بالفعل مدينة لذلك الطبيب بالاعتذار ويبدو ايضًا أن ما عانته مع ذلك الساخط غيرها لدرجة أنها تخلت عن مسالمتها واصبحت عدائية لا تراعي مشاعر أحد كما كان يفعل معها وحقًا ذلك الشعور كان كفيل أن يجعلها تشعر بالخزي الشديد من نفسها.
--------------
عادت إلى قصر أبيها بعدما اطمأنت على صديقتها واوصلتها بنفسها لمنزل تلك السيدة الحنون وها هي تصعد درجات الدرج الداخلي وهي تجر حقيبتها معها في طريقها لغرفتها حين باغتتها "دعاء"قائلة بخبث لا مثيل له:
-اهلًا اخيرًا شرفتي يا "ميرال" هانم
زفرت هي بقوة وتجاهلتها، لتستأنف "دعاء":
-السفرية حلوة يا "ميرال" يارب تكوني اتبسطتي مع اصحابك
تنهدت واجابتها ببسمة بالكاد اغتصبتها على ثغرها:
-اه يا "دعاء" كانت سفرية حلوة واتبسط ...
ابتسمت "دعاء" بسمة صفراء تقطر بخبث مقيت وتهكمت:
-طب الحمد لله انا عايزة اشوفك مبسوطة بس يارب اصحابك اللي كنتِ معاهم ميبقوش اندال وميتحملكيش ويسبوكِ زي كل اللي سابوكِ…
اغتاظت من حديثها المبطن وتكونت غصة مريرة بحلقها من تهكمها الواضح لذلك هدرت بضيق:
-ولو عايزة تقولي حاجة قوليها من غير لف ودوران انا مبحبش طريقتك دي يا "دعاء"
اجابتها بمكر وهي تبتسم بسمة مستفزة للغاية:
-هلف وادور ليه يا "ميرال"انا بتمنالك الخير مش اكتر وخايفة يخذلوكِ أصلك طيبة وبيضحك عليكِ
تنهدت بسأم من طريقتها التي تثير اعصابها وباشرت سيرها وهي تتعمد أن تتجاهلها لتباغتها الأخرى هاتفة من اسفل الدرج:
-اهم حاجة تكوني اتبسطتي وعشتي يومين
لتستأنف بسرها بنبرة تقطر بالحقد:
-قبل ما حسرك عليه وأجبره يسيبك زي كل اللي سابوكِ
----------------
أما في المساء كان هو يجلس في شرفته يحتسي مشروبه الساخن وهو يسترجع ذلك الموقف السخيف الذي وضع ذاته به، فمن يصدق أن ذلك الوجه البريء المسالم تمتلك صاحبته كل تلك العدائية الغير مبررة فهو على يقين تام أنه لم يتعدى معها حدود الأدب بل كانت نواياه نحو الصغير بريئة وبدرت منه بصدق دون أي سوء نية
-"نضال"ادخل يا حبيبي الجو برد عليك
قالتها "كريمة" بأهتمام بالغ وانتشلته من دوامة أفكاره يطالعها بأعين متسعة
-أش أش أش ايه الجمال ده يا "كرملة" اوعي تكوني بتستغفليني ونازلة تقابلي والله اتبرا منك
قالها بمشاكسة مما جعل "كريمة"
تقهقه فور حديثه وتبعت قولها بضربة خفيفة من يدها على ساقه:
-اختشي هو في راجل يملا عيني بعد ابوك
ضيق خضراويتاه قائلًا بنبرة عابثة:
-سيدي يا سيدي اوعدنا يارب
-يارب يا حبيبي يفرح قلبك ويوعدك ببنت الحلال
نفى برأسه وعارضها مشاكسًا:
-لا توبة يا "كرملة" أنا جربت حظي مرة والحمد لله على كده
احتل الحزن معالم وجهها عندما تذكرت إصرارها عليه ومعاناته السابقة وهمهمت بأسى:
- يا عالم يا ابني ده النصيب وملناش يد فيه وبعدين ده انت لسة في عز شبابك وألف واحدة تتمناك.
حانت منه بسمة باهتة و أجابها بسخرية من نفسه قبل أي شيء أخر:
-الألف واحدة اللي بتقولي عليهم يا امي اكيد مفهمش واحدة هتقبل تربط مصيرها بواحد زي
غامت عين "كريمة" وهونت عنه:
-وأنت بإيدك أيه ده كل شيء بتاع ربنا وبعدين أنت ولا أول راجل كده ولا أخر راجل
تنهد بعمق وهو يرثي حاله ثم قال برضا تام:
-الحمد لله يا "كرملة"...قوليلي بقى متشيكة كده ورايحة فين؟
ابتلعت "كريمة"غصه بحلقها واجابته بشيء من التردد:
-أصل ...خالتك كلمتني وزعلانة علشان من ساعة ما أنت رجعت من السفر مزورتهاش...تلعثمت وترددت لثوان قبل أن تخبره ولكن هو حثها بعينه أن تستأنف، لتتشجع وتقول وهي مطرقة الرأس:
-"هاجر" ولدت وعاملين السبوع النهاردة وخالتك عايزاني معاها
تعلقت خضراويتاه بها لثوان ثم ابتلع غصته وأجابها:
- طب وايه المشكلة مهما حصل بيني وبين بنتها هتفضل هي اختك ولازم توديها
-يعني أنت مش زعلان يا ابني
نفى برأسه وهمهم بإقتناع وبطيبة طالما كانت من شيمه:
-ابدًا ..."هاجر" بنت خالتي قبل ماتكون طلقتي ومن حقها تبني حياة جديدة تكون مُرضية ليها ولقناعتها هي طلبت الطلاق علشان ده حقها وأنا احترمت رغبتها وانفصلنا بهدوء ومتهيألي خلاص صفحة واتقفلت في حياتنا احنا الاتنين وهي تخطيتها ولازم أنا كمان اتخطاها.
ربنا يهنيها ابقي باركلها بالنيابة عني
ربتت "كريمة" على كتفه وقالت داعية:
-ربنا يجبر بخاطرك يا بني ويعوضك خير
-يارب يا ست الكل يلا قومي علشان متتأخريش وانا شوية كده وهروح ل "سليم" اسلم عليه قبل ما ينفذ قرار نقله اسكندرية
-تمام ياحبيبي ربنا معاك
لتغادر والدته تاركته يتنهد بعمق كي ينفض تلك الذكريات القاسية التي جمعته بأبنة خالته عن رأسه فقد عاهد ذاته أن يكتفي بذاته وينشغل بعمله و بوالدته خير له أن يجور على حق أنثى أخرى ويكون سبب في حرمانها من أبسط حقوقها.
-------------
عادت بها لمنزلها وها هي تجلس فوق رأسها تمسد خصلاتها حتى غرقت في النوم بعد نوبة بكاء مرير ألمت قلبها وجعلت ضميرها يقرع ولم يرأف بها ولكن يعلم الله أنها فعلت ما بوسعها كي تتمكن أن تكون تعود لها وتمنع عنها حدوث الأسوء...زفرة قوية أزاحت بها انفاسها الحانقة التي كانت تجثم على صدرها وهي تعود بذاكرتها لذلك اليوم المشؤم
واحداثه المريعة...
فقد كانت تجلس يأكلها القلق تنتظره بالشرفة وتحاول مهاتفته للعديد من المرات ولكن بلا جدوى وبعد مرور الكثير من الوقت قفز قلبها هلعًا عندما رأته يدلف للمنزل بخطوات ؤيده يجر جسده جر إلى الداخل ....هرولت له هاتفة:
-يا لهوي في ايه يا بني ايه اللي حصل فين "نادين" ومين عمل فيك كده بالله عليك اتكلم انا هيجرالي حاجة من كتر قلقي
لم يجيبها بل دلف لداخل المنزل و ارتمى على اقرب مقعد قابله منكس يحيط رأسه بكفوف يده بإنهزام تام وكأنه كهل تكاثرت عليه نوائب الظهر
تبعته "ثريا" وكررت بقلب منقبض:
-رد عليا يا بني...ايه اللي حصل؟
و مين اللي كلمك...وفين مراتك؟
-مراتي...
همس بها بضياع وبمرارة وبعيون فارغة اندثرت بها الحياة فكان مع كل حرف بتلك الكلمة ينغرس سكين ثلم بقلبه ويذكره بكبرياء رجولته التي أهدرته هي بكل جبروت...
كررت "ثريا" برجاء:
-يا ابني الله يخليكِ اتكلم انا قلبى مش مستحمل ...مراتك فين ومين عمل فيك كده؟
حانت منه بسمة متألمة لأبعد حد واجابها بكل سلام وكأن ما تفوه به هو المنطق بحد ذاته:
-طلقتها...
لطمت "ثريا" أعلى صدرها وصرخت به:
-يا لهوي انت بتقول ايه؟
تطلقها ازاي ده فرحكم بعد كام يوم...ليه يا ابني حرام عليك...
هنا صرخ بهياج و تأهبت كافة حواسه وكأن ذلك البركان الثائر بداخله تفاقمت حممه وانفجرت لتوها ناثرة خيبات الألم التي احرقت قلبه:
-حرام عليا أنا...انا وهي مش حرام عليها تخوني... مش حرام عليها تخدعني وتمثل عليا الحب... مش حرام عليها تستغفلني وتكون على ذمتي وبتهرب من بيتي علشان راجل تاني....
مش حرام عليها تستخف بيا وبمشاعري...ليضرب موقع خافقه بقوة ويستأنف بحرقة بالغة:
-أنا كل ذنبي إني حبيتها...حبيتها وهي اتفننت بعذابي...من كتر ما كنت بتنازل وبتنازل افتكرتني معنديش احساس و استهترت بيا وفضلت راجل تاني عليا...أنا اللي عمري كله بتمنلها الرضا وسخرت حياتي ليها ولأملكها ولمشاكلها خانتني وخانت ثقتي...خانت اكتر حد في الدنيا حبها...وهن صوته و تأوه بحرقة وتمتم متألمًا وهو يعتصر موضع قلبه بيده:
-أه ه ه ه... أنا بموت يا امي بموت حاسس ان روحي بتسحب من جسمي حاسس إني عاجز من كتر صدمتي فيها هي غلطت كتير وفكل مرة كنت بقول هتعقل...هتقدر....هتفهم...لكن هي مسبتليش فرصة وغلطها المرة دي قتلتني...قتلتني يا امي...
كان يتحدث بحرقة شديدة ودمعاته تعصاه وتتهدل من عينه وكأنها هي ايضا لم تصمد وتنازلت عن عزتها وسقطت كي تنعي حال ذلك العاشق الذي انفطر قلبه بفعلتها…
تضامنت "ثريا "مع دمعاتها الغالية التي لأول مرة تراها منذ أن أشتد عوده...و حاولت تهدئته قائلة وهي تربت أعلى صدرها بحركة راجية :
-اهدي يا ابني ...اهدي الله يخليك "نادين" مستحيل تعمل كده دي بنتنا واتربيت على ايدنا ...هي كانت بتغلط وبتعاند وكان ليها اسبابها لكن مهما عملت مستحيل تخون...ولا تفرط في شرفك...
نفى برأسه بجنون وصرخ بقهر وهو يدور حول نفسه كالثور الجريح يطيح بكل شيء يطاله بيده:
-فرطت...فرطت يا امي وشوفت بعيني دليل خيانتها
-لأ...أكيد انت غلطان بنتي متعملش كده...
أهتاج على الأخير وهتف مستنكرًا دفاعها:
-كفااااااااية بقى تدافعيلها...كفاية تقفي في صفها....كفاية تيجي عليا... انا ابنك ومفروض تحسي بيا وتعملي اللي يريحني انا...
كانت حالته مريعة بشكل جعلها تكاد تموت قهرًا عليه لذلك حاولت مسايرته بقلة حيلة:
-طب اهدى وقولي ايه اللي يريحك يا ابني
-هخرجها من حياتي وللأبد
قال جملته الأخيرة وهو يندفع نحو غرفتها ويجذب أحد الحقائب من فوق الخزانة ودون ان يدع "ثريا" أن تخمن الأمر كان يلملم ملابس "نادين" وحاجيتها بكل فوضوية داخل الحقيبة مهمهمًا بحديث غير مفهوم وكأنه يطمئن ذاته أن كل شيء سيكون افضل برحيلها....
ارتمت "ثريا" على الحقيبة تغلقها كي تمنعه صارخة:
-حرام يا ابني دي ملهاش غيرنا هتروح فين...
-لأ ليها اهل...انا هكلم خالها "عبد الرحيم" يجي ياخدها...
-يالهوي....لأ ابوس ايدك يا بني أنت عارف نوايا خالها بلاش يا ابني حرام عليك...انت كده بتنتقم منها...
-لأ أنا كده هحافظ عليها من شر نفسها يمكن اللي معرفتش اعمله معاها خالها يعرف يعمله...
-مش هسيبك تفرط في وصية "غالية" و"عادل" ...ولو كنت أنت طلقتها ده مش هيغير كونها بنتي اللي كبرت على ايديا والأمانة اللي هتفضل متعلقة في رقبتي ليوم الدين...
-انتِ عملتي علشانها كتير وهي عمرها ما قدرت واذا كان على وصية أهلها فأنتِ نفذتيها
وانا كمان نفذتها أحنا ضيعنا سنين يا امي بنحافظ على حاجة رخيصة ملهاش قيمة
وهنا لم تحتمل أن يشكك بعرضها وكيف يفعل وهي بذاتها فطنت لما حدث بينهم قبل سفره ولم تتحدث كي لا تحرجها، فكم كانت تود تأنيبه حينها ولكن السعادة التي كان عليها قبل سفره جعلتها تقنع ذاتها انها زوجته وبلأخير وأن حفل زفافهم سيكون بعد أيام:
-اخرس متقولش كده أنت متأكد من عفتها ومتقدرش تنكر اللي حصل بينكم...
رأى اللوم بعيناها جليًا ورغم عدم إنكاره إلا أن عقله كأي رجل شرقي يؤمن بعرفية أفكاره ويدخ في شرايينه دماء حارة حامية ترفض المساس بطرف ثوب من ستحمل أسمه وتربي أبناءه؛؛؛؛
-مأنكرتش ومعملتش حاجة حرام بس العفة مش في الشرف بس يا أمي…
-طب استهدي بالله وحياة امك عندك ورحمة ابوك ...بلاش...بلاش يا بني...
زئر بقوة وصرخ بهياج والشيطان يغشي على عينه ويعمى بصيرته:
-بلاش أنتِ تصعبيها عليا...بدل ما أروح اقتلها واقتل الكلب اللي كانت مرفقاه عليا واخلص الدنيا من (***) سبيني ابعدها احسن أنا مش هقدر اتحمل اشوفها قدامي لازم تخرج من حياتنا وللأبد…
أعتصر قلبها بقبضة مؤلمة عندما هدد بقتل "نادين" وبقتل ذلك الكلب الذي ذكر أسمه ولم تعي على ذاتها إلا والأرض تميد بها ليتهدل جسدها بين يديه ويتلقفها هو ينزلق بجسده معها ويحيل دون سقوطها، ورغم وهنها إلا أنها لم تكف عن الرجاء:
-أنا قلبي وجعني يا ابني الله يخليك... هيحصلي حاجة وتكون أنت السبب... اهدى وغلاوتي عندك وبلاش توجع قلبي عليكم واللي تقولي عليه هنفذه بس بلاش تبلغ "عبد الرحيم" وتعذب "عادل" في تُربته
اغمض عينه بقوة وكأنه يحجم شياطينه وتراجع مرغمًا دون حديث فتفهمت هي وربتت على ظهره بحنو فما كان منه غير أن يرمي رأسه بين أحضانها لتشعر هي بأهتزاز جسده وصوت بكائه المكتوم الذي إن دل على شيء فهو يدل على هول ما يشعر به من حزن فدموع الرجل أكثر صدقًا من دموع الأنثى ولن تتساقط إلا لأمر جلّل وبالطبع فعلتها كانت كافية بأنشطار قلبه فمن كانت الروح لروحه احرقت قلبه بكل براعة وتعطرت برماده.
أفاقت من شرودها وهي تشعر بدمعاتها الساخنة تنسكب من عيناها تنعي حال فلذة قلبها فبعد انهياره بين يدها نهض بعيون خاوية جف الدمع بها وأصر أن ترافقه ويغادرون المنزل بل المحافظة بأسرها فما كان منها غير أن تسايره فقط على أمل إقناعه والتأثير عليه وخاصًة انه اخبرها من بين الحديث أن صديقة "نادين" تولت أمرها ولم تتركها ورغم قلقها العارم عليها إلا أنه لم يمنحها أي فرصة للأطمئنان بذاتها فقد حاولت وحاولت إقناعه بشتى الطرق، ولكن هو ظل على عناده وعندما يأست وعلمت بأمر مغادرة نجل المسيري للبلد أطمئن قلبها و طلبت منه أن تعود لها فلم يمانع واخبرها انه لن يعود معها فقد اخذ قراره ولا شيء سيردعه عنه...مسحت بحنان فوق خصلات "نادين" ثم دثرتها بالغطاء واطمئنت عليها و وتوضأت وظلت طوال الليل خاشعة لله ترجوه بقلب أم ملكوم ومتحسر على حال ابنائها طالبة من المولى عز وجلّ صلاح حالهم.
-------------------
ساومها كي تبرئه من كافة حقوقها و لدهشته وافقت وأصرت بقوة على الطلاق فما كان منه غير أن ينطق بها ويطلق سراحها فحقًا كان يشعر بشعور عظيم من خيبة الأمل فمن خسر من أجلها كل شيء فرت من حياته هاربة تاركته ينعي غبائه وذلك الشيطان اللعين برأ خطيئته و دفعه دفع كي ينساق خلفها كالمغيب معصوب العينين يشبه الأضحية التي تنساق لنحرها.
فها هو يجلس وحيد ينفث سجائره بشراهة وهو يطالع ذلك الفراغ الموحش بعيون دامية و وجه شاحب و ذقن مستطالة تشابه رجل الكهف...تحيطه هالة من الندم والحزن يرثى لها فكل ما يفعله هو التفكير والتفكير واسترجاع كل ما مر به إلى ان زال شتاته و وصل لذلك الضوء المنبثق من نهاية النفق المعتم الذي أقحم نفسه به بكل طواعية
فكان ينعي كل شيء، خسارته في عمله والتي تتفاقم يوم عن يوم وصعب عليه ملاحقة توابع خسارته فمن كان يعتمد أن يسانده بالمال انشقت الأرض وابتلعته وكأن القدر تأمر عليه دفعة واحدة...
فحتى زوجته ورفيقة دربه خسرها وانكر فضلها من كانت لا تكل منه يوم بسبب أي ازمة أو مشكلة بل كانت تدعمه بكل الطرق وتساعده بكل طاقتها التي بالفعل استنفذها كاملة وجعلها بعد أن كانت تستجدي حبه واهتمامه؛ أصبحت تمقته ويصعب عليها حتى أن تنطق بأسمه وتنفر حتى أن يلمسها بيده...أما عن ابنائه فقد ادرك انه لا يملك شيء بتلك الحياة أثمن منهم فهم ثمرة عمره التي بكل أسف خرب تربتها الخصبة بيده فحقًا يشعر بالخزي من ذاته ومن أفعاله فهو يفتقدهم بشدة وكم يريد أن يدثرهم بين احضانه حد الأكتفاء ولكن كيف وهو يشعر بالخزي من نفسه فبأي حق سيذهب لها بعد فعلته فكم كان يمنى نفسه الآن بأعادة يوم واحد من الماضي كي يشبع حنينه إليهم عندما كانوا
يهرولون إليه حين عودته من العمل هاتفين بسعادة مهللين لمجيئه ويستقبلوه بشقاوتهم وضحكاتهم التي كان تشعره بالضجر حينها ويتحجج صارخًا كونه ينعم بالكثير من الصخب خارج المنزل ولا ينقصه ضجيجهم حينها؛ ويا ليته لم يفعل وياليته لم ينقم على نِعم الله حينها وياليته حافظ على ذلك السلام الذي كان يأتي مرافق لربيع بسمتها.
فقد أدرك اخيرًا أن هناك خسارات كبيرة الى حد لا خسارة بعدها تستحق الحزن والندم وهو خسرها وخسر كل شيء بعدها.
-------------
أما عنه فكان يقود سيارة الأجرة التي تعينه بجانب وظيفته بأحد الشركات على تحقيق ذلك الهدف البعيد الذي يشعر أنه كالنجم الساطع في السماء يصعب الوصول إليه مهما دأب في السعي .
فقد تنهد بضيق وهو يتذكر حديثها الأخير المفعم بالكبرياء...فنعم هو أخطأ حين كان يود أن يتخلى عنها ولكن يقسم أن الأمر ليس بيسير عليه بالمرة ورغم أن صديقتها برئتها إلا أن أخذ الأمر منه وقت وفير كي يحاول أن يقنع به عقله ويزحزح تلك القناعات الراسخة التي تشقيه فنعم يحبها بل يعشقها وكم يود أن يكلل هذا الحب الطاهر بقلبه بالحلال فقد أدرك انها تستحق الوعد ولا داعي لكتمان مشاعره أكثر هي محقة لابد أن يكون واضح معها ومع ذاته وهو الآن يعلم ما عليه فعله ويقسم أنه لن ييأس وسيفعل من أجلها أي شيء.
-أنت كويس يا شقيق وحياة ابوك ركز في الطريق
انتشله من شروده صوت غليظ ساخر يأتي من المقعد الخلفي ليزفر حانقًا ويجيبه بحده:
-مركز...وأوي كمان متقلقش …
وبنظرة عابرة نحو ذلك الراكب بالمقعد الخلفي كانت كفيلة أن تجعله يتوجس منه ويفطن بفطرته كون وجهه وتلك البسمة الساخرة التي تعتلي وجهه ليست مريحة بالمرة وحتى نظراته كانت تحمل شر غريب لم يريحه لأ والانكى انه طلب منه أن يوصله لأحد الطرق الصحراوية البعيدة وبالطبع لم يرفض طلبه فهو اولاً وأخرًا يسعى لنيل رزقه ولكن لا مانع من توخي الحذر...
فقد توقف بجانب الطريق وتحجج قائلًا وهو يتدلى من السيارة دون أن يعطيه وجه للأعتراض :
-العربية سخنت و عايزة تزود ميا ثوانِ وراجع
ضيق الراكب الذي لم يكن سوى "سنقر "عينه بشك بينما هو بالفعل فتح شنطة السيارة واخرج منها أحد العدد الحادة التي يحتفظ بها في شنطة السيارة ثم رفع كنزته و وضعه بحزام بنطاله من الخلف كي لا يلفت النظر ثم تناول زجاجة المياه وتوجه بها الى مقدمة السيارة بعدما فتح كبوتها وقام بأضافة القليل من المياه ثم و اغلقه وعاد يصعد للسيارة دون حديث وباشر في قيادته، تحت نظرات "سنقر" التي ينقط منها الغدر... طال الطريق وزاد قلق "محمد" مما دفعه للعديد من الأسئلة عن المكان المقصود راوغه الأخر إلى أن اعترض طريق السيارة اثنان ملثمين يحملون عصي غليظ مدبب من الأطراف بقطع حديدية حادة، وقبل أن يستوعب الأمر كان المدعو "سنقر" يحاوط عنقه بيد وباليد الأخرى يسلط مديته على عنقه راشق طرفها بلحمه قائلًا بفحيح إجرامي يحفه التحذير:
-وقف العربية احسنلك وانزل عندنا حساب ولازم نصفيه
تعالت وتيرة أنفاسه وهو يشعر بالخطر يداهمه ويأهب كافة حواسه بالتصدي له ولكن بحكمة فقد إنصاع إليه وتوقف بتروي دون أي مقاومة...
ابتسم الأخر بإجرام وقال ببسمة سمجة للغاية وهو يسبقه ويتدلى من السيارة:
-براوة عليك يا شقيق احب الناس اللي بتسمع الكلام
وفي حركة خاطفة من "محمد" سحب الآلة الحادة من حزام بنطاله ودون أن يمهله وقت للتفاجئ حتى كان يتدلى و يكيل له ضربه عَفية على يده التي تحمل المدية جعلته يصرخ متألمًا وتسقط مديته عنه...بينما الاثنان الاخرين واحد منهم هجم عليه وحاول ضربه بالعصا ولكنه تفاداها بخفة و بحركة محكمة تمسك بالعصا تحت إبطه ثم قرب المسافة بينهم وباغته بضربة أعلى رأسه جعلته يرتد وتنفر الدماء منه ليستحوذ "محمد" على العصا الغليظ تزامنًا مع ضرب الأخير لزجاج السيارة عدة ضربات أدت إلى هشيمه وتناثر بقاياه بكل مكان ليسبه بصوت جهوري منفعل وينقض عليه بضربة قوية في منتصف ظهره جعلته يتقوس ويتلوى من شدة الألم ليكيل له عدة ضربات دون تهاون إلى أن سقطت العصا من يده ايضًا ليرفسها "محمد" بقدمه بعيدًا ويبصق عليه ثم يتوجه للمدعو "سنقر" الذي كان مازال يتلوى بالأرض و يمسد معصمه متسائلًا بأنفاس ثائرة وبغضب قاتل:
-حساب إيه اللي هتصفيه معايا يا (***) مين اللي باعتك وعايز مني ايه؟
اجابه" سنقر" بغيظ وبوعيد يقطر بالشر:
-اه يا ابن(***) بقى انا واحد زيك يعلم عليا وحياة الغالين لو مكنش اللي موصيني عليك اقرص ودنك بس أنا كنت دفنتك هنا…
منحه "محمد" ضربة قوية على ذراعه جعلته يصرخ متألمًا وتسأل من جديد:
- مين اللي باعتك يا(***) وعايز مني ايه...انطق احسنلك؟
ليجيبه "سنقر" بنبرة متألمة:
-انت متوصي عليك جامد علشان تحرم تبص لفوق وتعشم نفسك...اللي باعتني عايز يحذرك ويقرص ودنك علشان تبعد عنها ...ونصيحة يا شقيق اسمع الكلام أنا عبد المأمور وزي ما بعتتني ليك تقدر تبعت غيري ... الناس دي معندهاش رحمة فياريت تخليك عاقل وتبعد عن الشر وتغنيله
تفهم كل شيء من حديثه فمن بعثت له بذلك الكلب هي انثى وبالطبع يعلم من لها مصلحة في ذلك …فقد ألقى العصا من يده وبصق عليه وقبل أن يلتفت ليصعد لسيارته كان أحد الرجال يباغته من الخلف بضربة قوية على رأسه كانت كفيلة أن تجعله يفقد الوعي في حينها، بينما "سنقر" حانت منه بسمة متشفية مليئة بالشر وهسهس ورجاله يساعدوه بالنهوض :
-ابن (***)طلع قارح وعلم علينا
ليصيح احد رجاله الذي تغطي الدماء وجهه:
-نخلص عليه يا معلم؟
نفى "سنقر" برأسه وسار لجسد "محمد" المسجي على الأرض ثم بكل غل ركل ذراعه التي ضربه بها وهو يلعنه ويسبه بفجوج ثم أجاب رجاله:
-معندناش أوامر بقتله...بس الديابة بتاعة الصحرا والكلاب المسعورة هتقوم بالواجب...
يلا يارجالة احنا عملنا اللي علينا
لينصاعوا له ويغادرو بواسطة دراجاتهم النارية التي كانوا يصفوها بجانب الطريق تاركين الأخر غائب عن الوعي بحالة يرثى لها.
يا ترى كيف ستلقى مصيرك يا صاحب القناعات الراسخة هل ستنجو أم ستكون تلك هي نهايتك ونهاية قصة عشقك التي حجمتها وطمستها بداخلك وجعلت قناعاتك تشيد فوارق عدة تحيل بينك وبينها ...مهلاً إن كنت تظن أنك وحدك من يصنع الفوارق فاهو القدر ذكرك بواحدة من الفوارق الحقيقية التي نبهتك من قبل أنها ستكون سبب هلاكك.
--------------
ڤوت لو سمحتم 🤍
وبتمنى تشاركوني بتوقعاتكم 🙈
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق