رواية زيغه الشيطان (اضواء مبعثرة)الفصل السابع والثامن والتاسع بقلم فاطمة محمد وفاطمة سلطان
رواية زيغه الشيطان (اضواء مبعثرة)الفصل السابع والثامن والتاسع بقلم فاطمة محمد وفاطمة سلطان
الفصل السابع من #زيغه_الشيطان
#أضواء_مبعثرة
بقلم فاطمة طه سلطان & فاطمة محمد.
________
اذكروا الله.
________
"الحُب هو ألا تهون، وألا يصبح كسر خاطرِك أمرًا قابلاً للتجاوز."
#مقتبس.
________
تنكمش في جلستها أعلى الفراش تحتضن جسدها وعيناها لا تكف عن سيل الدموع...وهى ترى فستانها الممزق نتيجة لانهيارها...وصبها جام حنقها به….
فقد عاد شهاب إلى الفندق وآتى بحقائبهم التي تم وضعها أمامها من خلال العاملة لديهم…
انفرج باب الغرفة وطل شهاب من خلفه…...والجًا الحجرة مغلقًا الباب من خلفه وعيناه ترتكز عليها…..
تبدلت تعابير وجه ريما إلى أخرى قوية...مجبرة ذاتها على التوقف عن البكاء...منتفضة من جلستها...واقفة في قبالته..متحدثة بعصبية مفرطة:
- انتَ ايه اللي جابك مش قولتلك مش عايزة اشوفك…
- ريما احنا مش عيال صغيرة ولازم نتكلم مفيش حاجة اسمها مش عايزة اشوفك انتِ مراتي يا ريما وانا جوزك مينفعش تتجاهلي ده او تنسيه..عشان شوية تخاريف في دماغك…أنتِ عايزة تهدي حياتنا من قبل حتى ما نبدأها...
قالها بنبرة حانية...هادئه….
بينما عقبت هى بنبرة متوسلة لا تتحمل رؤيته...او الاستماع لصوته...فقد سقط قناع القوة عنها ما أن تفوه بتلك النبرة:
- شهاب أرجوك ابعد عني صدقني مش مستحملة اني اشوفك حتى قدامي….
اعتصر عيناه وعلق بهدوء:
- ريما لو سمحتي خلينا نتكلم..
- مفيش حاجة نتكلم فيها يا شهاب انتَ هطلقني بعد شهر بعد اتنين وانا أهلي مش هيتكلموا في حاجة، لمجرد اني اقولهم ده قراري….
- ريما بطلي جنان يعني إيه نطلق هو أنا لحقت اتجوزك عشان اطلقك؟؟؟
صاح بها ساخرًا...فتنهدت هى وقالت بهدوء زائف:
-انا مش مجنونة يا شهاب...اللي بعمله ده عين العقل...لان الجنان الحقيقي أني أكمل معاك وانتَ قلبك متعلق بواحدة متجوزه…..قلبك مش معايا...ولا عُمره هيبقى معايا..طول ما هى قدامك..وانت بتفكر فيها….
برزت عروقه وجز على أسنانه فها هى تنجح في استثاره أعصابه، مغمغم بتشنج:
- ريما حاسبي على كلامك متجننيش مش علشان عايز أصالحك ونهدي الدنيا يبقى اسيبك تتكلمي كلام زي ده..
- ايه هتمد أيدك عليا ولا إيه...هتكرر اللي امجد عمله وتضربني زي ما بتول اضربت…. مضايق اوي كدة ليه...مش دي الحقيقة يا شهاب...ها…
تنهد ومسح وجهه وحاول أن يتحدث بنبرة هادئة وهو يضع يده على ذراعيها:
- ريما متقارنيش بيني وبين حد انا عمري ما أمد أيدي عليكي لو إيه اللي حصل، بتول من يوم ما اتولدنا أنا وهى واحنا في المدارس سوا في الجامعة سوا حتى النادي سوا..خروجاتنا سوا...صحابنا هما هما…
ساد صمت ثقيل..ابتعد خلاله عنها….ساحبًا نفسًا عميقًا قبل أن يعترف لها:
-كنت مراهق ولسه داخل الجامعة وكنت بحبها….قررت أني اتقدملها وساعتها هى رفضت……
انا طول الليل بفكر….و عرفت اني غلطت ومقدرتش افهم نفسي صح..
مقدرتش افهم أن في فرق بين التعود وفرق بين الحب….وبتول انا اتعودت على وجودها...وده اللي خلاني فهمت مشاعري غلط….
عاد واقفًا أمامها...و وضع يده على رأسها برفق ثم مرر أصابعه على وجنتيها ليدق قلبها عنوة عنها، ثم أستكمل حديثه وهو ينظر في عينيها الحزينة:
- ريما انا اختارتك انتِ، لهفتي على بتول كانت لهفة على واحدة اتربت معايا اتعودت أني احافظ عليها كأنها من عيلتي…
تنهدت ريما وحاولت ألا تنخدع بكلماته فهو لم ولن يحبها يومًا فقد أصبحت ترى في عينه بتول فقط…
لن تحاول التفكير أو الشعور بشيء غير ذلك وستحاول كبت تلك المشاعر التي دبت في أوصالها أثر نبرته الهادئة ولمسته لبشرتها…
أردفت ريما بنبرة حاولت جعلها جامدة وتظهر له أنه لم يؤثر عليها أي من كلماته أو حروفه الكاذبة:
- شهاب مبقاش ينفع، ياريت اللي بتقوله كان صح انا طول عمري ماشية بقلبي وعُمره ما كدب عليا، كان نفسي أصدقك بس مش عارفة أصدقك لاني مش حساك بتقول الحقيقة، أنا عند قراري انا مش هكمل معاك ولا هيجمعني بيك حاجة أبدا….
صمتت ثوانِ ثم تابعت بتهديد:
- لو مش هتستحمل الشهرين دول... أو مش هتعرف تعدي الفترة دي من غير ما تخليني اشوفك..يبقى ارجع البيت أحسن..وماما وبابا يعرفوا وكدة كدة خربانة….
- يعني ده اخر كلام عندك يا ريما ؟؟؟
قالها بانزعاج ملتهمًا المسافة الفاصلة بينهم…. لتدفعه بعيدًا عنها مزمجرة به:
- اه اخر كلام يا شهاب، ومفيش كلام بعده وياريت متدخلش الاوضة دي من غير ما تستأذن…
- الاوضة دي اوضتي انا وانتِ على فكرة!!
- ده كان في الأول يا شهاب، وماشاء الله البيت مليان أوض... وأنا مجرد شوفتك بتعصبني…
فـ متنتظرش أني هتقبل أنك جوزي وهتعايش معاك عادي...لا أنت تشيل الفكرة دي من دماغك….
- ريما انتِ بتبوظي كل حاجة بعندك ده …
أردفت ريما بنبرة ساخرة:
- كل حاجة باظت يا شهاب كل حاجة باظت واتكسرت اللي اتكسر في قلبي مش هينفع يتصلح…
اقترب منها مرة أخرى ليتحدث بتلك النبرة الحنونة..ويداه تلمسها من جديد:
- اديني فرصة واحدة…
- متلمسنيش يا شهاب ومتحاولش تقرب مني، كلام في الموضوع ده تاني لا، بينك وبيني الف حيطة...أرجوك متضغطش عليا ..
أبعدت يده مرة أخرى عنها وابتعدت عنه، فأردف شهاب معلنًا عدم استسلامه:
- طيب يا ريما هسيبك دلوقتي وهاجي اتكلم معاكي مرة تانية تكوني هديتي عن كدة….
- انا مش مجنونة على فكرة…
- وانا مش هطلقك على فكرة وهاجي اتكلم معاكي تاني... كل اللي قولتيه انا مش موافق عليه علشان يكون في علمك..
تصبحي على خير.
قال كلماته الأخيرة بانزعاج شديد وهو يجز على أسنانه ويتجه ناحية الباب مفارقًا الحجرة صافعًا الباب بقوة جامحة…..
_________
طريحة الفراش… إحدى ذراعيها و بطنها مغطيان بالقطن و (الشاش الطبي)، ومُعلق لها بعض المحاليل ..
زوجها جوارها ممسكًا لها هاتفها ويُقربه من فمها بعدما جاء برقم شهاب وقام بتفعيل مكبر الصوت.. فليس باستطاعتها إمساكه..فالالم يسيطر عليها….
رمقها رأفت بنظرة محذرة منتظرًا اجابه شهاب حتى تملي عليه ما آمرها به….
أجاب شهاب أخيرا عليها بنبرة غاضبة من اتصالها في هذا الوقت….فكان ذهنه منشغل بزوجته…
- ايه يا رزان حد يتصل الوقت ده ..لو في حاجة في الشغل كلمي بابا بتكلميني انا ليه…
تحدثت رزان بعد أن ابتلعت ريقها حادقة رأفت بنظرات خائفة وزائغة:
- لا يا شهاب .. هو للشغل ومش علشان الشغل ..
جاءها صوت شهاب الغاضب قائلا:
- هي فزورة يا رزان أنا على أخري في إيه ؟؟
رمقها رأفت وهو يجز على أسنانه مما تفعله...
وصل لها مغزى نظراته... ألا وهى أن تسرع وتخبره ما القاه عليها وتنفذ أوامره:
- انا مردتش اتصل على بتول...اديك شوفت اللي حصل امبارح...وحبه اعرفكم اني هسافر لندن مع رأفت شهر عسل جديد وكده فقولت اقولك .. تقول لعمي فهمي وبتول .. وعلى فكرة انا كلمت هدير وهتمسك مكاني الفترة دي…
أردف شهاب بحنق واستغراب:
- لندن ايه ومن امتى انتِ بتسافري مرة واحدة كده…
- مفيش وقت اشرحلك... انا في المطار يا شهاب بس اقدر اقولك ان رأفت كان عاملها مفاجأة ليا من بليل…
تفوهت بخوف شديد من نظرات زوجها حتى جاءها صوت رأفت الذي هتف بنبرة عالية قاصدًا وصولها لشهاب:
- يلا يا رزان الطيارة هتفوتنا يا حبيبتي….
علق شهاب بلا مبالاة فهو يكفيه ما به لن يشغل نفسه باصدقائه فلقد اشغل نفسه بالكثير حتى اليوم والآن يجب أن يتفرغ لنفسه:
- ماشي .. مدام كلمتي هدير وهتمسك مكانك .. يبقي ربنا يرجعك بالسلامة .. سلام..
اغلق شهاب المكالمة ليهتف رأفت ببسمة شيطانية ممسدًا بكف يداه على خصلاتها وعيناه تمسح على مناطق جسدها المغطاه والذي قام بإحراقها عمدًا ليلة أمس….
- جدعة يا روح أمك .. احبك وانتِ بتسمعي كلام جوزك .. وبخصوص الحرق معلش كنت متعصب أمبارح وجت فيكي .. صفقة بسبب ابن **** .. ضاعت مني..
انتهى ضاغطًا بيده موضع الحرق...فـ انطلقت منها صرخة بسبب الألم الذي سببه لها:
-ااااااااه... ابعد عني يا حيوان..
بمجرد أهانتها له صفعها صفعه قوية تعودت عليها قائلا بفحيح وغضب:
- بقولك ايه يا رزان .. متفتكريش علشان في مستشفى وفي حالتك دي هطولي لسانك وهسكتلك..لا..يختي... وبعدين ده انا لسه ردك لعصمتي يا قلبي .. بلاش نخليها الطلقة الثالثة مع اني مستغناش عنك…
نظرت له بغضب وسُخط فهي تعيش في جحيم لا تدري كيف تتخلص منه فـ أسلوبه عنيف… ولا يستطع الإنجاب ..
بل تطور الأمر و أكتشفت مؤخرًا أنه يتاجر في الأسلحة والمخدرات ..
وسلسلة المطاعم والمقاهي الخاصة به ما هي إلا غطاء فوق أعماله الآخري
ليس لها أحدًا سوى بتول وشهاب وساهر اصدقائها منذ سنوات ولكن ليس بوسعهم إنقاذها فـ معها رجل يستطيع الفتك بهم وجلب الضرر لهم معها…..
__________
بعد مرور يومان…
وحيدة في غرفتهما، أو بالاصح ما كانت ستصبح غرفتهما.. لا تفتح الشرفة أبدًا ترفض محادثة أي شخص فقط تكتفي بإرسال رسالة لوالدتها من خلال موقع التواصل الأجتماعي (الفيس بوك) تخبرها بأنها سافرت مع شهاب وأنها بخير..كما أنها حاولت تسجيل رسالة صوتية ونجحت بذلك بعد محاولات عديدة باءت جميعها بالفشل…مجيدة زيف سعادتها...
دق الباب فنهضت ريما من مكانها أعلى الفراش، وفتحته بلا مبالاة فظنت أنها سعاد وتأتي لها بالطعام كعادتها…
لكنها وجدت فهمي هو الواقف أمامها…
ابتسم في وجهها وقال بحنو:
- صباح الخير يا ريما.
أجابت بنبرة خافتة وضعيفة شاحبة كهيئتها:
- صباح النور.
- اليومين اللي فاتوا كنت سايبك علشان عارف أنك مش حابة تشوفي حد او تسمعي حاجة من حد، بس جاي اجرب حظي إيه رأيك لو تنزلي تقعدي معايا في الجنينة نشرب حاجة قبل ما أروح الشغل ؟؟
لم يجد منها رد فأستكمل حديثه بنبرة هادئة وكأنه قرأ أفكارها:
- على فكرة شهاب مش هنا، انا عايز اتكلم معاكي لوحدنا…
اومأت برأسها موافقة ليبتسم لها فهمي ويهبط وتهبط من خلفه بخطوات هادئة تمامًا حتى خرجت واخذت أنفاسها في الهواء النقي سامحة له بأن يلفح بشرتها... فقد اكتفت من الظلام والبكاء حتى أنها كانت ترفض رفع الستائر لرؤية الأضواء….
جاءت الخادمة ووضعت كوب من الشاي لفهمي، وعصير برتقال لريما ثم ذهبت…
حمحم فهمي، وقال:
- قولت عصير البرتقال احسنلك من الشاي…
لم يآتيه أجابه مرة أخرى... فتنهد مغمغم:
- أنا مقدر اللي انتِ فيه، وعارف انتِ حاسة بإيه…
- عُمر ما حد هيحس باللي انا فيه يا عمو…
قالتها بألم شديد يعتصر صدرها تحاول كبح دموعها، فأردف فهمي:
- انا هكلمك بصفتي عمك فهمي مش ابو شهاب ولا حماكي، ربنا يعلم غلاوتك عندي قد إيه انتِ وياسر…
تنهدت ريما ومسحت الدمعة الفارة من عيناها وعلقت:
- انا مش واحدة بعيط ومقهورة أن فرحي باظ واتحول لبتول الحناوي اللي جوزها ضربها صدقني لو هتواسيني بسبب كده مش دي مشكلتي ولا يفرق معايا انا نفسي كنت اتمنى ان فرحي انا وشهاب يكون هاديء ومش مبالغ فيه، اللي قاهرني اني اتجوزت واحد لسه متعلق بواحدة متجوزة…
سحبت نفسًا عميقًا زفرته دفعة واحدة ثم أستكملت باقي حديثها وهى تنظر إلى فهمي لعلها تجد منه رد فعل بالايجاب او السلب:
- شهاب بيحب بتول واكيد انتَ عارف مش كدة؟
سخر فهمي وتحدث بأستهزاء واضح:
- هاتيلي راجل ملهوش ماضي قبل ما يتجوز، مش بس حب مراهقة، انا مش هكدب عليكي يا ريما... اه شهاب كان بيحب بتول واه عرض عليها انهم يتخطبوا وبتول رفضت لأنها شيفاه أخوها تحبي اقولك ايه تاني…
امسك كوب الشاي، وأرتشف منه بهدوء ثم تابع:
- لو كل واحدة اكتشفت ان جوزها كان بيحب قبلها هتعمل في نفسها كده صدقيني مفيش بيت هيكمل اومال لو كان حب بعدك؟
- حضرتك واخد الموضوع بمنتهى السهولة ومش مقدر اللي انا حاسة بيه شهاب لسه بيحب بتول ومحدش يقنعني بعكس كده عشان أنا مش عامية...
قالتها بنبرة غاضبة وعنيدة عاقدة ساعديها…
فـ عقب فهمي:
- شهاب متعلق ببتول زيه زي اي واحد شاف حاجة قصاده وكان نفسه فيها ومطلهاش وجه واحد خدها منه...كل ده تعلق.. تعود..عند...حاجة زي كده، شهاب محبش بتول وبأكدلك ان بتول لو أطلقت مش هتفرق مع شهاب، شهاب من ساعة الفرح وهو قاعد هنا في البيت مستني بس طريقة يفتح معاكي بيها كلام…
حاولت الا تظهر أنها مقتنعة فهو ابنه ومن المؤكد أنه يلتمس له الأعذار ويجمل صورته أمامها...زفر فهمي وقال:
- شهاب عيط امبارح قدامي، شهاب عمره ما عملها آخر مرة وصل انه يعيط من زعله كان وهو في اعدادي لما امه ماتت الله يرحمها، كان زعلان وعمال يقهر في نفسه بسبب حالتك واللي وصلك ليه….
- حاسس بالذنب مش اكتر…
- بصي يا بنتي انا قولتلك اللي يخلص ضميري، انتِ اتخطبتي لشهاب وانتِ عارفة انه جواز صالونات ومش من حقك تسألي عن حياته قبل ما يتجوزك، شهاب علاقته محدودة ببتول وأخره يسلم عليها في إطار الشغل...
صمت ثم استكمل حديثه وهو ينظر لها:
- محدش بيجبر حد يكمل في علاقة مش حاببها، وبقولهالك لو شهاب طلقك ده مش معناه انه هيروح لبتول لا هتيجي اللي هتعرف تربطه بيها
وتنسيه بتول والدنيا... بتول مراهقة لشهاب وعقله بيقنعه بحاجات مش حقيقة انتِ تقدري تخليه ليكي وتحافظي عليه، وتقدري تسبيه وبرضو شهاب مش هيكون لبتول سواء في وجودك أو عدمه يا بنتي…
- لو كنت انا اللي بنتك هتقبل بكسرتي؟؟
-أنتِ بنتي فعلًا عشان كدة هقولك فوقي واعرفي مصلحتك لو بتحبي شهاب فهو جوزك وهو حقك وانتِ حقه، تقدري تحاكميه من يوم جوازكم كلمت مين وعملت ايه، مش تحاكميه انه جري زي ما الناس جريت، اعملي اللي يريحك بس افتكري اني عايز مصلحتك...
نهض من مكانه مغلقًا زر بدلته مكرر كلماته على مسامعها علها تصدقه:
- شهاب مش هيكون لبتول ولا عمره كان إلا مشاعر مراهقة ولعب عيال، شهاب لو هيكون ليه مستقبل هيكون معاكي او مع حد غيرك لو انتِ سبتيه…..
________
تضع رشا الافطار على طاولة الطعام، نظرًا لغياب المرأة التي تساعدها اليوم لاصابة زوجها بحادث سير...
جاء ياسر من خلفها وتلفظ بهدوء مستعدًا لتناول الطعام ومن بعدها يذهب إلى المستشفى...
- صباح الخير يا رشا.
- صباح النور يا ياسر.
جلست رشا على المقعد وشرعوا في تناول الطعام ولكن لاحظ ياسر شرود زوجته فهى تعبث في الطعام ولا تتناول شيء....
- مالك يا رشا في حاجة !!
تركت رشا الملعقة التي كانت تمسكها وهتفت بنبرة متوترة بسبب ذلك الشعور الذي ينتابها:
- بصراحة بقى انا قلقانة على ريما ومش مطمنة...
رفع ياسر حاجبيه قائلا بنبرة قلقة ومندهشة:
- مش كانت لسه بتكلمك امبارح بليل!!
قالتلك حاجة قلقتك طيب؟
تنهدت رشا بضيق فهو لا يشعر بما تشعر به:
- يا ياسر مقالتش، انا مبقولش انها قالت حاجة انا حاسة ان صوتها غريب، مش طبيعي كأن فيها حاجة...
- لا انتِ اللي قلبك رُهيف يا رشا، البنت مع جوزها هيكون مالها يعني، ومدام مقالتش يبقي مفيش حاجة هى بنتك من امتى بتخبي عليكي حاجة...
قال ياسر كلماته في البداية بسخرية وأنهاها وهو يحاول بث الطمأنينة بها، فتحدثت رشا بقلق شديد :
- معرفش يا ياسر، انا حاسة انها مخبية حاجة عليا، معقول لسه زعلانة بسبب اللي حصل يوم الفرح أكيد طبعا زعلانة فرحتها نقصت والفرح يعتبر مكملش...
هز ياسر رأسه برفض لحديثها وأردف بنبرة هادئة:
- أكيد شهاب كلمها والموضوع خلص محدش عارف الدنيا فيها ايه ممكن موقف واحد يبوظ ترتيباتك وبعدين الموضوع كان يعتبر في أخر الفرح وخلاص اليوم عدى مش هنفضل نعمل حوار....
- بنتك مجنونة بالتصوير ده لو شهاب كان جه البيت تتصور معاه، وانا في المطبخ الاقيها جت واتصورت معايا، وتنزلهم بنتك منزلتش صورة واحدة حتى يا ياسر يعني في شهر عسلها واول مرة تسافر دبي ولا ليها ظهور...
نهض ياسر قائلا بنبرة هادئة وساخرة:
- روحي اقعدي مع اختك يا رشا، شكلك هتقعدي تفكري كتير ومش هنخلص، بنتك عروسة مع عريسها يا ام مفهومية يعني مش فاضية انها تكلمك اربعة وعشرين ساعة دي عروسة يا رشا، اتقبلي حقيقة أن بنتنا كبرت هى مش في رحلة مع صحابها وهتكلمك لغايت ما ترجع، ولو كان في حاجة كانت قالت...
رمقته رشا بغضب وهتفت بنبرة حانقة:
- ماشي يا ياسر اتريق عليا براحتك، انا ام ومش مرتاحة، طب استني نكلمها ...
قاطعها ياسر قائلا بنبرة معترضة، فهو يستخف بشعورها ويعلم أن ذلك من تعلقها بابنتهما الوحيدة:
- رشا انتِ اتجننتي الساعة لسه مجاتش تسعة الصبح، هو إيه اللي هيصحيهم دلوقتى، انا رايح المستشفى ورايا مرضى محتاجيني وانا مش ناوي اتجنن جنبك ولو هتروحي حته اتصلي بيا مع السلامة....
__________
ولج أمجد الحجرة دون استئذان حاملًا بين يداه صينية معبأة بالعديد من الأطعمة الشهية، جالت عيناه بالغرفة بحثًا عنها بعدما وجد الفراش خالي، ادرك وجودها داخل الشرفة الملاحقة لغرفتها عندما التقطت أنظاره الزجاج المفتوح على مصراعيه، وتطاير الستائر البيضاء…
دنا من الفراش وترك صينيه الطعام من يده، لاحقًا بها….
وقف خلفها مباشرة، ويداه تعرف طريقها، مطوقًا خصرها بأشتياق ولوع، دافنًا وجهه في عنقها الطويل، مستنشقًا رائحة جسدها التي طالما عشقها…
هامسًا بندم:
أنا آسف، سامحيني يا بتول.
ما كان منها سوى أنها فتحت عيناها التي أغلقتها ما أن لمسها واستشعرت جسده الذي تلاصق بها مما جعل قشعريره طفيفة تسرى بجسدها.
رفعت أناملها ودفعت يداه عنوة، ملتفته له لتقف قبالته وجهًا لوجه، متمتمة أمام وجهه:
-مش عارفة أسامحك يا أمجد، أو بمعنى أصح مش عايزة اسامحك، أنت صدمتني فيك، لحد دلوقتي مش قادرة استوعب اللي أنت عملته، وازاي مديت ايدك عليا..وسط الناس..
أطرق رأسه خجلًا مغمضًا جفونة لوهله وهو يعتصر قبضته التي تطاولت عليها فلو كان الأمر بيده لقطع تلك اليد التي أهانتها وقلت من كرامتها أمام الجميع.
كادت تغادر لا تتحمل رؤيته أمامها، فكلما رأته تذكرت تلك الليلة المشؤمة.
تحركت خطوة واحدة وما كادت تخطي الثانية حتى وجدته يقبض على ذراعيها، قائلًا بقوة:
-قوليلي اعملك إيه عشان تسامحيني، اللي هتقولي عليه هعمله، أنا مش قادر اتحمل زعلك مني، أنا عندي الموت أهون من أنك متكلمنيش، أو أن وجودي يبقى زي عدمه في حياتك يا بتول..
بللت شفتيها الجافة وقالت مبتلعة غصتها المريرة:
-مفيش حاجة تقدر تعملها، ومفيش حاجة تخليني اسامحك، غير أن الذكرى دي تتلغي من دماغي، ومظنش أنه ينفع يا أمجد، فمتحاولش.. أنت اللي عملت فينا كدة، وأنت اللي حكمت على علاقتنا و وصلتها لطريق مسدود... فمتجيش تسألني تعمل إيه..
قالت الأخيرة مغادرة الشرفة، فظل متسمرًا مكانه يستوعب مغزى حديثها الذي لم يستنتج منه سوى أنها تريد مفارقته والابتعاد عنه…
فارت الدماء لرأسه وتشنجت عروقه حتى ظهرت بوضوح في رقبته ويداه، مندفعًا خلفها، مرددًا تلك الكلمات وهو يقف في مواجهتها يعيق حركتها:
-قصدك إيه يا بتول، أنتِ عايزة تسبيني، عايزة تطلقي مني، أنتِ لو بتفكري في كدة يبقى أتجننتي أنا مستحيل اسيبك أنتِ فاهمة مستحيل…
قال الأخيرة هاجمًا على شفتيها ملتهمًا إياها بعنف وقوة، كأنه يخبرها بتلك الفعله أنها ملكه، ولن يدعها بتلك السهولة…..
طوق خصرها، موزعًا قبلاته على أنحاء وجها، شاعرًا بمشاعر متأججة تجاهها، فشعوره بأنها ستتركه جعله يچن…
كانت مستسلمة له، لا تعلم اتسعد لتمسكه بها، ام تبعده وتنهره عما صدر منه….
وبالنهاية قررت ألا تستلم له ولـ لمساته وقبلاته…
دفعته بقبضتها وكأنها قد استعادت وعيها، صارخة بهدر:
-متلمسنيش يا أمجد، مش طيقاك، اطلع برة مش عايزة اشوفك، أطلع بقولك….
صرخت وهى تردد الأخيرة مما صدمه وجعله يستسلم لها رافعًا يديه أمام مرأى عيناها، متمتم بخنوع مجبر:
-طيب طيب خارج اهدي…
خرج من الحجرة، فأزدادت وتيرة تنفسها وبكائها كارهه ضعفها واستسلامها له منذ لحظات، فكان عليها إبعاده على الفور وعدم السماح له بلمسها وتقبيلها بتلك الطريقة التي كانت ستجعلها ترضخ له.....
___________
في مكان أشبه بالعتمة عدا تلك السماء التي امتلأت وتزينت بالنجوم المنيرة...
كان يقف في حجرة المكتب تحديدًا خلف النافذة الزجاجية...رافعًا رأسه للأعلى يتأمل النجوم بهيام وابتسامة أخذت مسارها على ثغره الكبير…
فكم يعشق تلك النجوم، وذلك الظلام الذي يشبه حياته…
عبس وجهه وتبخرت بسمته عند تذكره ما حدث ليلة أمس من حديث بينه وبين جده....متمنيًا بتلك اللحظة أن يصبح نجمًا مثل تلك التي يراها....
فكلمات جده تتردد بأذنيه....دون توقف...
"لازم تتچوز غرام يا نچم دي وصية عمك قبل ما يموت....وصاني وهو بين الحياة والموت بأن غرام تبجى من نصيبك...مكنتش أنت ساعتها تعرف حسناء...ولما جيت وصارحتني بأنك عايز تتچوز حسناء ممنعتكش وقولت لسة بدري على غرام..وقولت لما تكبر نبجى نتكلم...ودلوجت أنت لازم تتچوز غرام....."
زفر بعنف يطرد تلك الكلمات.... وسريعًا ما تناهى لمسمعه صوت طرقات خفيفة على الباب...
التفت برأسه تزامنًا مع خروج صوته الرجولي أذنًا للطارق بالدخول…
ولجت الخادمة مطرقة الرأس متمتمة بتوتر طفيف، فالجميع يهابه، فكيف هى لا تفعل:
-سي رضوان طالب چنابك..
-طيب همليني أنتِ وأني هروحله..
قالها بصوت أجش، فما كان منها سوى اماءه بسيطة مغادرة الغرفة مغلقة الباب من خلفها بهدوء تام.
أما هو فحبس نفسًا عميقًا داخل صدره ثم زفره بعنف، فليس باليد حيلة وعليه الرضوخ له...وتنفيذ وصية عمه...
خرج من الغرفة بعبائته الداكنة، وبين يداه النابوت الخاص به....
تقدم من غرفة "رضوان" وطرق طرقات متتالية، آتاه على أثرها صوت رضوان يسمح له بالولوج...
أطل بجسده من خلف الباب، فوجد رضوان يجلس على مقعده القابع بحجرته، وعصاه الخاصة بين يداه، يستند بذقنه عليها..
ثم رفع رأسه يطالع حفيده الذي لبى طلبه وآتى، مستفسرًا منه:
-ها يا نچم احب اسمع قرارك....
تنهد نجم وأجابه بأحترام جلي:
-موافق يا چدي...مدام دي وصية عمي الله يرحمه….
__يتبع__
الفصل الثامن من #زيغه_الشيطان
#أضواء_مبعثرة
بقلم فاطمة محمد & فاطمة طه سلطان
_______
اذكروا الله
_______
الناس يحبون ليسعدوا.. لا ليجعلوا من حياتهم نادرة يتندر بها.
نجيب محفوظ.
_______
تسللت رقية خارج الدوار دون علم أحد...ضاربة بتحذيرات صفية والتي حستها بها على عدم الخروج دون علمهم عرض الحائط....محذرة العاملة لديهم على عدم ترك ابنها الصغير وحيدًا حتى تعود وعدم أخبار أحد بخروجها…
تاركة العنان لقدميها...تسير وسط الأراضي الزراعية..العائدة لهم....مغمضة جفونها... تستمتع بالهواء الذي يلفح وجهها....
وعلى الرغم من حرارته إلا أنها أحبت ذلك الشعور...فقد ملت من الجلوس بالمنزل....
فلا تخرج كثيرًا من المنزل.....تنفيذًا لأوامر صفية.. وأمجد...
فتحت جفونها والبسمة الواسعة تشق ثغرها....
بسمة لم تدم طويلًا...فقد رأته...يقترب منها....ممتطيا جواده الخاص به.....
لا تتوهم..او تتخيل رؤيته...بل كانت حقيقة....
ازدردت ريقها واولته ظهرها تريد الفرار...من أمامه.....
وبالفعل فعلتها...وعجلت من خطواتها...نادمة على خروجها ذلك الذي جعلها تتعرض لذلك الموقف..و رؤيه ذلك النچم.....
أعاق نجم طريقها....واقفًا بـ الجواد.. أمامها...ثم هبط من اعلاه....واقفًا قبالتها.....
رفعت عيناها تختطف نظره له...وليتها لم تفعل…
ابتسم نجم على فعلتها التلقائية....وصاح ببرود اعتادت عليه:
-لا مش مصدق عينيا...وانك خرچتي من الدوار... إيه مش خايفين عليكي ولا إيه....
استدعت رقية قوة لا تتواجد بها بالوقت الحالي..لكنها اجادت تزيفها:
-ابعد عن طريجي يا بن الحلال....أنت عايز مننا ايه...مش خلاص...!!!
ابعد عن أهلي احسنلك يا نچم...
تعمد نجم اظهار غلاظته...وتمتم ساخرًا بلهجة صعيدية...
-يم يم خاف يا نچم....بجولك إيه م
قاطعته بتوتر وعيناها تتهرب منه:
-متجولش...مفيش بينا كلام....
انتهت متحركة من مكانها....مما جعل غيظه يتكاظم...وظل يتابعها بعيناه حتى ابتعدت تمامًا.....
مستقلًا جواده مرة أخرى....وركض به بسرعة فائقة...عله غضبه يهدأ... ويزول....
بينما عادت هى للدوار...لتجد أمامها صفية تنتظرها كاشفة خروجها دون علمها…
التهمت صفية المسافة بينهم...صارخة بوجهها:
-كنتي فين يا بت...مش جولنالك مفيش خروج...كلامنا معادش يتسمع ولا إيه....
تلجلجت رقية واعتذرت قبل أن تفر من أمامها:
-معلش ياما ..اتخنقت وخرجت شميت هوا....
رحلت...متجهة لغرفة ابنها....فتحت الباب وسرعان ما أمرت العاملة بالخروج....
انصاعت لها العاملة...وما أن أغلقت الباب حتى دنت من صغيرها محتضنه إياه بقوة وذكرى لقائها مع نچم تتكرر أمام عيناها..مما يجعلها تزيد من احتضان ابنها...
_________
أهلًا فهمي بيه نورت المكتب.
تلفظ أمجد بتلك الكلمات مرحبًا بـ فهمي ببسمة بسيطة مكلفة لم تصل لعيناه مشيرًا له تجاه المقعد القابع أمامه حتى يجلس، فهو لم يتناسى ما سمعه من داليا بل لا يذهب من عقله...
جلس فهمي قبالته واضعًا قدم فوق الأخرى متحدثًا بعملية والبسمة لا تغادر ثغره:
-المكتب منور بصحابه يا أمجد، بس الحقيقة أنا زعلان منك من اللي حصل في فرح شهاب وفي نفس الوقت عذرك، داليا قالتلي أنك سمعت كلامنا…
سحب أمجد نفسًا عميقًا حبسة داخل صدره لثوانِ ثم زفره بهدوء، محاولًا التحدث بهدوء ينافي تمامًا مشاعره الثائرة..
وأخيرًا خرج صوته الرجولي متمتم بنظرات قاسية توحي بما يكنه:
-هو أنا مش حابب نكلم في الموضوع ده أحسن ولا إيه .. وبعدين كله كان في الماضي.. وانا عارف أن حماتي مش حابة جوازنا…
هتف فهمي وهو يحاول انهاء هذا الخلاف:
-وأنا مش قصدي اضايقك يا أمجد ..انا قولتلك في بداية الكلام اني مضايق وعذرك ..بس مهما حصل مكنش ينفع تمد أيدك على بتول سواء بقى قدامنا او من ورانا…
أما بقى أني عذرك فده لأني حطيت نفسي مكانك .. بس اللي عايزك تعرفه أن شهاب ابني ملوش علاقة ببتول من زمان ... اتقدملها ورفضته وكان موضوع قديم دلوقتي هما شركاء مش أكتر..
صمت فهمي بضعه لحظات يتابع قسمات أمجد التي احتدت وكأنه على وشك القتال، فـ تابع فهمي حديثه مجددًا:
-انا مش حابب ادخل في خصوصياتك انتَ وبتول .. بس بتول غالية عندي أوي يا أمجد مش بس عشان بنت صاحب عُمري، لا لأني كمان يعتبر ربيتها ومحمد لو كان عايش مكنش هيعجبه اللي حصل لبنته وانك ترفع ايدك عليها…
-واكيد انا مش مبسوط باللي انا عملته.
نظر له فهمي بهدوء، ثم هتف بعملية
- انا بس جيت عشان اوضح الصورة وداليا أنا ليا كلام معاها متقلقش…
أنهى كلماته ناهضًا عن مقعده، فكز أمجد على أسنانه وهو ينهض هو الأخر متحدثًا بهدوء مفتعل معقبًا على حديثه:
-حضرتك قمت ليه طيب دلوقتي، استنى اطلبك قهوة ت
كاد يكمل، فمنعه حديث فهمي موضحًا:
-القهوة دي للناس الغرب انا مش غريب يا امجد، وزي ما قولتلك حاول تصلح امورك مع بتول عشان هى فعلا بتحبك…
ابتسم له أمجد بخنوع، مودعًا إياه….
ثم جلس على مقعده مرة أخرى شاردًا بحديثه، فقطع شروده ذلك تلك الطرقات الخافتة على الباب، آذن للطارق بالدلوف والتي لم تكن سوى فرح مرددة:
-ملف القضية اللي حضرتك كنت طلبه..
اماء لها مشيرًا لها بالأقتراب والملل يليح على قسماته…
__________
تجفف ريما خصلاتها أمام المرآة فقد انتهت لتوها من حمامها، لا شيء جديد في تلك الأيام فقط ترسل رسائل نصية إلى والدتها تخبرها أنها بخير، وتسجل لها تسجيلات صوتية محاولة بث المرح والسعادة بهم….
ثم تجلس طوال اليوم بمفردها تمتنع حتى عن الطعام معهم، وتأتي لها سعاد بالطعام من حين لآخر..
جلست على الفراش بعدما انتهت منتشلة هاتفها كي تراسل والدتها…
دق الباب فهتفت ريما بهدوء:
- اتفضلي يا طنط..
انفرج الباب و ولج شهاب وهو يحمل الطعام غالقًا الباب بقدمه، راسمًا بسمة على شفتيه، قائلًا:
- ينفع أنا، اصل طنط لسه ماشية وراحت تجيب حاجات فقالتلي اقوم انا بالمهمة دي لان مفيش غيري في البيت...
تركت الهاتف...ونهضت بغضب شديد أثناء وضعه للطعام على الفراش جوارها…
مغمغمة بحنق فكلما تراه تتذكر قلبها العاشق له ومازال يعشقه وهذا هو ما يُغضبها...
- مش قولتلك مش عايزة اشوفك؟
- وانا قولتلك هنتكلم.. سواء النهاردة..بكرا..بعده…كدة كدة لازم هنكلم...
- وانا مش رايقه ولا حابه اتكلم معاك…
قالتها بسخرية شديدة وهى تعقد ساعديها بتحدي، فأردف شهاب وهو يقترب منها لتعود إلى الخلف تلقائيًا:
- اديني ميعاد تكوني رايقة فيه يا استاذة ريما علشان اجي اكلمك فيه….
صمت قليلًا ثم عاد مُصرًا:
-هنتكلم وهتسمعيني…
- مش عايزة أسمع .. مش عايزه أسمع منك اي حاجة مفيش حاجة هتقولها هتهديني يا شهاب مفيش حاجة ممكن تقولها هتريحني..
كانت ريما تتحدث بوجع شديد تحاول أن تتماسك قدر الإمكان حتى لا تظهر له أنها مُتيمة به ولا تفقد كرامتها أكثر من ذلك، نعم فهمي يتحدث في بعض النقاط المنطقية التي يتقبلها عقلها كون أن بتول مراهقة في حياة شهاب ويوافقه عقلها على ذلك ولا تعترض.
ولكن ماذا عن قلبها؟!!
لم يتحدث أحد فيما تشعر به لا أحد يشعر بالندوب المتواجدة في قلبها؛ كان أهون عليها تقبل حقيقة كونه إنسان لا يستطيع التعبير عن مشاعره ويستعمل عقله غالبية الوقت…
فلا تستطيع نسيان نظرته وتركه لها ولا تستطيع أيضًا محو نظراته لامجد من مخيلتها، طوال تلك الليالي حاولت ربط الأحداث ببعضها مدركة مدى غبائها…. لتصيبها نوبة هستيرية من البكاء…
عاد شهاب يتفوه من جديد بنبرة شبه متوسلة:
- ريما تعالي نبدأ من أول وجديد، ارجوكي انا مش عارف ازاي ارضيكي مش متحمل زعلك وشكلك كده علشان خاطري ....
يؤلمها توسله فاللعنة على قلبها الذي يحاول الإشفاق عليه….
محاولة إقناع ذاتها بأن والده من يُحركه، او يريد اتمام زواجه بها، أو حتى يشعر بالشفقة وتأنيب الضمير تجاهها، وفي تلك الاحتمالات لا تجد الاحتمال التي تريده، لا تجد مقابل الحُب والعشق التي تكنه له…
- شهاب لو سمحت الموضوع خلص .. ارجوك سبني لوحدي…
قالت كلماتها وهى تتوجه ناحية ( التسريحة)، فأردف شهاب باستفزاز ونبرة اغضبتها لدرجة لم يتوقعها أبدًا:
- مفيش حاجة خلصت، كفايا دلع ولعب عيال انا مش هسيبك، انتِ مراتي قدام الناس، وهتبقي مراتي انتِ سمعاني..
- هو بالغصب ان شاء الله ولا ايه انتَ فاكرني هسكتلك ولا ايه؟؟؟
قالتها بغضب جحيمي وهى تلوح بيدها في الهواء بانفعال؛ فأجاب شهاب بنبرة هادئة ولكنها صارمة وعالية:
- اه بالغصب يا ريما مش هطلقك... ويا تسبيني أصلح غلطي ونبدأ من الأول... يا خليكي كده قاعدة مع نفسك في الأوضة لغاية ما تقتنعي، وبعدين مش تقولي أنك بتحبيني اصل ده عِند وإصرار واحدة ميتة فيا وكل دي غيرة عليا…
أنتشلت الزجاجة المتواجدة فوق التسريحة وصوبتها تجاهه دون تفكير أبدًا….
ليتفادها وتأتي في الحائط ويصدع صوت انكسارها؛ فأردف شهاب بنبرة مندهشة من فعلتها..فهى تحتاج إلى مستشفى أمراض عقلية فأين ذهبت ريما الهادئة التي يعرفها:
- يا بنت المجنونة هتفتحي دماغي الله يخرب بيتك..
- ولسه هوريك الجنان يا شهاب، متحاولش تستفزني انا مبحبكش وزي ما انا جوازة صالونات بالنسبالك انت كمان مكنتش اكتر من عريس صالونات يعني ولا بحبك ولا تفرق معايا ببصلة من اصله…
قالتها بغضب وقد نفرت عروق رقبتها وهى تحاول أن تخفي حقيقة تظهر في عيناها مهما قالت…
فقد فاقم حنقها حينما ذكرها بعشقها له، فأردف بتحدي:
- لا بتحبيني وتصرفاتك دي من غيرتك...
صرخت بانفعال وغضب شديد من استنزافه لمشاعرها وضغطه على قلبها لتذهب ناحية الحقائب وتفتح الحقيبة وتخرج لوحة عليها صورته تحت استغرابه، فأردفت ريما بسخرية وهى تنظر في عيناه:
- كنت ناوية اقدمهالك لما اكون مراتك بجد في شهر العسل .. وقعدت كتير اوي أرسم فيها وكانت أغلى حاجة عندي .. بس خلاص مبقاش في حاجة غالية يا شهاب انتَ متفرقش معايا ..وهثبتلك انك ولا حاجة…
ذهبت ناحية الشرفة وهى تنوي أن تلقيها بغضب شديد فليحترق كما تحترق هى ستقوم بإلقاء اللوحة من الشرفة أما هذا الوقح..الغليظ ستخرجه من فؤادها
وما لبثت أن ترفع يدها لتهوي بها لتجده حملها من الخلف على كتفيه... لتصرخ بشده فلم يبالي لها... وادخلها الغرفة مرة اخرى والقى بها على الفراش لتسقط اللوحة على الأرض، لم يمهلها فرصة حتى للحركة كان فوقها على الفراش يحتجز نصفها الأسفل بقدمه ويحتجزها من الأعلى مكبلًا ذراعيها:
- انتَ بتعمل إيه .. لا بقولك إيه .. اياك تفكر أنك
قالتها بخوف جلي على ملامحها، ليهتف شهاب مقاطعًا حديثها بحدة أجاد صُنعها:
- لو انتِ مجنونة، أنا معايا شهادة معاملة أطفال صويتك وكل تصرفاتك المجنونة اللي انتِ بتعمليها دليل أنك بتحبيني وارمي صورتي ولا اقولك ابقي احرقيها حتى، اصلك لو عملتي كدة مش هيغير حقيقة أنك بتحبيني.
كادت أن تتحدث وتخرج حنقها وتخفي خجلها من اقترابه ولكن لم يعطيها الفرصة مستكملًا حديثه:
- انا اسف.. اسف... آسف مليون مرة أني وجعتك .. واني غلطت في حقك .. اسف على كل حاجة.. اديني فرصة انا استاهل حبك…
كان يتحدث وهو ينظر في عيناها وقريب منها لدرجة عجيبة فلا تستطع فعل شيء سوى النظر له وكأن الكلمات قد تبخرت وصوتها قد سافر بعيدًا، فأستكمل شهاب حديثه قائلا بمرح قاصد مشاكستها:
- ها قولتي ايه .. ولا اقولك ده مش وقت كلام أصلا…
قالها بخبث وهو يمد يده ليمسك طرف سترتها
فأمسكت معصمه قائلة بخجل وتوتر مانعه إياه
- خلاص خلاص ... هديك فرصة أبعد يا شهاب دلوقتي..
- بتكدبي عليا ولما أبعد هترجعي تتجنني…
كان يتحدث بمرح بينما هى على وشك الأنهيار من فرط خجلها، ودقات قلبها، فكان يستغل قربه منها لاكثر درجة:
- مش بكدب أبعد عني بس و هديك فرصة والله..
قالتها بتوتر وخجل شديد، فتخشى حتى أن يخونها قلبها التي لابد أنه استمع لخفقاته..
أبتعد عنها لتنهض فورًا فهو سيقتلها بسبب قُربه المُهلك منها، فأردف شهاب وهو يتجه ناحية الباب
- اياكي ارجع ملاقكيش واكله ... ومفيش أكل تاني لوحدك انتِ مش في حبس انفرادي، ابقي انزلي كلي مع المساجين اللي برا عادي…
خرج قبل أن يسمع منها شيء، تريد صفعه ذلك الوقح الذي تسبب في إصابة قلبها بتلك المشاعر، قام ببعثرتها دون مجهود منه أخذت اللوحة من فوق الأرض لتنظر في تفاصيلها فكم سهرت حتى تخرجها بهذا الشكل لا تظن أنها كانت ترسمها بيدها، لا فقد رسمتها بقلبها العاشق له ولكن قلبها العنيد الذي لا يريد منه عقل أو جسد، يريده كله بعقله وقلبه وكل ما به ليكن لها ..
__________
كانت تجلس على فراشها لا تخرج من حجرتها إلا للضرورة القصوى، راغبة بالأختلاء بنفسها حتى تناجيها أحزانها والآمها…
كارهة إياه… وربما تكون كارهه ذاتها لمكوثها معه واستمرارها بتلك الزيجة حتى الآن…
لم تتقبل أن يهينها أحد يومًا… لكنه فعلها… وإذا صمتت سيكرر فعلته مرة آخرى ولن يكف عن إهانتها…
بل لم يهينها فقط بل أيضًا..خذلها...إجرم في حقها عندما صفعها بقلب بارد…كتمت أنفاسها عندما شعرت بنصل حاد بفؤادها الذي يتمزق أربًا…فتلك الليلة تعاد أمامها طوال الوقت، تأبى تركها!!
كذلك قرارها الذي تفكر به منذ أن غادر غرفتها أمس مطالبًا العفو عنه…
ابتسمت بسخرية على ندمه الذي لن يفيد بشيء، فعقارب الساعة لا تعود كذلك هى لا تسامح…
رفعت أناملها والتقطت هاتفها من على الكومود القابع جوارها، مقررة مهاتفته تلك المرة بعدما تجاهلت اتصالاته طيلة اليوم حتى تخبره بقرارها الذي لا رجعة فيه، فقد اتخذته وحسم الأمر..
عبثت بالهاتف حتى تأتي برقمه، لكنها توقفت عندما تناهى لأذنيها صوت سيارته فعلمت بمجيئه..
تركت الهاتف من يديها، وانتظرت صعوده، فهى على يقين بأنه سيلج حجرتها عاجلًا أم أجلًا..
صدق حدسها، عندما وجدته يطرق الباب بهدوء طالبًا الدخول تلك المرة..
-بتول ممكن ادخل..
ابتلعت ريقها وكادت تجيبه فوجدته يلج قبل أن ترد وتمنحه الآذن ..تسلل الحجرة مغلقًا الباب بيد، والآخرى كان يحمل بها الورود المحبة لقلبها دائمًا.. لم تحرك مقلتيها، فظلت ثابتة كالصنم.. منتظرة اقترابه.
تقدم جالسًا جوارها واضعًا الورود بين يداها وعلى قدميها، مقبلًا جبهتها بحب وندم لاح بنبرته العذبة:
-وحشتيني يا بتول، عشان كدة سبت المكتب وكل حاجة ورايا وقولت اجي اشوفك، أنا مش عارف اشتغل، مش عارف اعمل أي حاجة، حاسس أني تايهه وأنتِ زعلانه مني، أنا مش متعود على كدة يا بتول، متقسيش عليا اكتر من كدة ارجوكي…
خرج صوتها جامدًا كملامحها، متجنبة النظر له، مزيحة الورود الحمراء من على قدميها واضعة إياها جوارها بلا مبالاة:
-أنتَ اللي قسيت يا أمجد مش أنا، أنتَ اللي مديت ايدك عليا، أنتَ اللي هنتني قدام الناس بسبب حاجة مليش ذنب فيها، عشان كدة متجيش تعاتبني على رد فعلي اللي هو رد على فعلك أنتَ يا أمجد.
التقط يداها بين يديه بتملك متمتم بترجي ونبرة متوسلة:
-فعلي كان مبرر لغيرتي يا بتول، انا بحبك، معترف اني غلطان، بس احنا بني آدمين واكيد بنغلط وهنغلط محدش معصوم من الغلط، ومش هنمسك لبعض على الغلطة يا بتول، كدة الحياة مش هتمشي.
-تمشي بقى متمشيش مش موضوعي انا وصلت لقرار هيريحني ويريحك.
قالتها وهى تنتشل يديها من بين قبضته، ناهضة عن الفراش موالية إياه ظهرها كمحاولة منها في مقاومته والتغاطي عن عشقها وولعها به ..انكمش وجهه ضيقًا، ناهضًا خلفها، خائفًا من قرارها فردود أفعالها توحي بأن القادم ليس مبشرًا:
-قرار إيه يا بتول؟!
أجابته بهدوء عاقدة ذراعيها أمام صدرها، رغم ما يواجهها من صعوبة لاستعدادها بنطق ما لا تحب:
-قرار بفكر فيه من امبارح يا أمجد، أنا مش عايزة اكمل معاك، لازم ننفص
كادت تكمل لولا ذراعيه التي جذبتها يجبرها على مطالعته والنظر داخل عيناه رافضًا ما يتلفظ به لسانها، مقاطعًا إياها بجنون وهستيريا:
-متكمليهاش، عشان ده مستحيل يحصل، أنتِ مراتي وهتفضلي مراتي لأخر يوم في عُمري، اللي بتقوليه مرفوض، عايزاني اسيبك يوم يومين تلاته إن شاء الله سنه لحد ما تهدي انا موافق، بس شيلي أني اسيبك من دماغك لأنه مستحيل….
صمت يبتلع ريقه بصعوبة، ثم تابع وعيناه تجوب على وجهها، والدموع تترقرق بعيناه للمرة الأولى:
-عارف أني جرحتك، بس متفكريش أنه سهل عليا، لو عايزة تقطعي ايدي اللي اتمدت عليكي وتسامحيني انا موافق اعملها…
لم تجيبه فقط تطالعه بدهشة مريبة، توقعت رفضة وإصراره على عدم الانفصال…لكنها لم تتوقع أن يبكي أمامها مثل طفل صغير، يترجى والدته بعدم الابتعاد عنه أو مفارقته..
استطرد أمجد وهو يجثو على ركبتيه أمامها، رافعًا رأسه يطالعها بعيناه التي تنهمر منها العبرات ملتقطًا يدها ثانية مقربًا إياها من وجهه يحثها على صفعه:
-لو عايزة ترديلي القلم اعمليها، اضربيني زي ما ضربتك، بس بلاش تسبيني يا بتول انا ممكن اموت من غيرك، سامحيني، سامحيني ومش هتكرر تاني...
قال الأخيرة محضتنًا خصرها بقوة، متشبتًا بها يهاب ضياعها من بين يداه…انحنت قليلًا تساعده على النهوض والصدمة لاتزال تعتريها، مطوقة وجهه براحة يديها، ماسحة عبراته بنعومة قائلة بضيق من ذاتها لتوصيلها إياه لتلك الحالة:
-كفاية يا أمجد متعيطش، انا قبل انهاردة كنت عارفة أنك بتحبني، بس انهارده اتاكدت أنك بتعشقني وأبقى عبيطة لو مسامحتكش..
انهت حديثها محتضنة إياه، فـ اسرع بمبادلتها عناقها بشوق ولهفة متمتم بصوت متحشرج:
-أنا اللي عبيط عشان مديت أيدي عليكي يا بتول، انا آسف يا حبيبتي، آسف…
أنهى حديثه مخرجًا إياها من أحضانه مقبلًا ثغرها بخوف بادلته إياها بعشق وهيام فلن تجد رجلًا يعشقها كما يعشقها هو..
_________
"بعد مرور أسبوع"
وقفت غرام أمام المرآة بجسدها الممشوق، خصلاتها تنساب على ظهرها محاوطًا وجهها الجميل، رفعت يديها معيدة تلك الخصلة المتمردة خلف أذنيها، متفحصة هيئتها وفستانها المحتشم التي اختارته بعناية شديدة ليناسب ذلك اليوم الذي انتظرته كثيرًا، بأعجاب شديد..
-إيه رأيكم تفتكروا الفستان هيعجب نجم!؟
أجابتها ياسمين وهى تقترب منها وعيناها تجوب عليها بتفحص:
-هيعجبوا بس، ده يهبل، مش بعيد يقول لـ چدي يقلبها كتب كتاب ودخلة مع بعض…
رفعت راضية الشقيقة الكبرى لـ ياسمين عيناها رامقة إياها بضيق، متحدثة بحدة:
-ياسمين احترمي نفسك، إيه الكلام الماسخ ده، لو حد سمعك مش هيحصل طيب، فـ يبقى لزمته إيه يا بنت الحلال خلينا كويسين.
امتعضت ملامح ياسمين، قائلة بتذمر عاقدة يديها أمام صدرها:
-وأنا قولت إيه يعني يا راضية، متبقيش حماقية أكدة..
كادت تجيبها راضية وتنهرها، لولا صوت غرام الذي خرج مرحًا محاولًا تخفيف حدة الوضع بينهم:
-خلاص خلاص أنتِ وهى هتتخانقوا يوم كتب كتابي على ابن اخوكم ولا إيه، وأنتِ يا راضية مجراش حاجة لما نهزر دي قاعدة بنات مفيهاش حاجة يعني..
أنهت حديثها ملتفتة تجاه المرآة مرة أخرى ولكن تلك المرة كانت تطالع انعكاسها ذلك بحالمية…
وأخيرًا ستصبح زوجتة، ستسطيع تمضية الكثير من الوقت معه..بل سيخصص وقت خصيصًا لها..
أغمضت عيناها تتخيل حالها بين أحضانه يبثها حبًا وشوقًا، فمنذ أن نضجت وهى تتمناه زوجًا لها وها هى أحلامها بأن يكن زوجها باتت حقيقة بعدما أصدر چده قراره بتزويجهم..
واليوم كتب كتابهم وزواجهم سيحدث عقب انتهائها من دراستها الجامعية….
زفرت بحرارة لا تدرك كيف ستتحمل تلك المدة المتبقية لتبقى معه بذات الغرفة….
بعد مرور بعض الوقت…
دوى صوت( الزغاريط) عاليًا بجميع أركان الدوار، فقد تم كتب كتاب نجم على ابنه عمه المتوفي، وباتت زوجته رسميًا…
اتسعت عين غرام وخفقاتها تفاقمت سعادة، منتفضة من جلستها كمن لسعها عقرب متمتمة بعدم تصديق:
-سامعين، اللي أنا سمعاه سامعين…
اتسعت ابتسامة ياسمين ونهضت هى الأخرى مقتربة منها مهنئة إياها:
-مبروك يا حبيبتي، ألف مبروك عقبال الفرح الكبير بقى.
ولج الجد رفقة والدة غرام، مقتربًا من حفيدته، مقبلًا أعلى جبهتها، قائلًا بلهجته الصعيدية:
-مبروك يا بنت ابني، هاتي القسيمة يا نوال عشان غرام تمضيها…
وهكذا باتت زوجته، متلقية التهاني من والدتها وعماتها...
خرج صوت رضوان متنهدًا بسعادة:
ودلوجتي لو جاهزة يلا عشان تتعشي ويا عريسك وتتحدثوا شوي..
هزت رأسها بلهفة عدة مرات متتالية، وقلبها يكاد يغادر جسدها ملتقطة غطاء رأسها واضعة إياه على رأسها، متحدثة وهى تناظر جدها:
-جاهزة يا جدي..
خرجت برفقة جدها لا تشعر بشيء من حولها ولا لـ باقي التهنئات الصادرة من الخدم، فكل ما يشغلها بأنهم سيبقيان سويًا بمفردهم للمرة الأولى، انتاب جسدها قشعريرة ورجفة طفيفة عند تخيلها لعيناه التي بأستطاعتها الآن التحديق بها دون خوف أو خجل….
ولجت الحجرة فوجدتها فارغة، ابتسم لها رضوان مغادرًا الحجرة مخبرًا إياها بأنه سيحضر الآن..
تحركت جالسة على الأريكة أمام مائدة الطعام الصغيرة التي أعدتها والدتها و توحيدة….
ثوانِ وكان يلج بهيئته و وسامته الرجولية الخاطفة لفؤادها صافعًا الباب من خلفه بهدوء.
رفعت عيناها ما أن وصلها عطره الرجولي الذي تعلمه جيدًا…
تخضبت بحمرة الخجل وهى تراه يطالعها وعيناه تقابل عيناها، بل شعرت بحرارة جسدها تدريجيًا مع اقترابه المميت هذا بل وجلوسه جوارها محافظًا على وجود بعض المسافة بينهم.
ازدردت ريقها، فخرج صوته هو أولًا متمتم بطريقة تسمعها تخرج من فوه للمرة الأولى بطريقته الصعيدية المحبة لقلبها:
-مبروك يا غرام، بقيتي مراتي رسمي…
بللت شفتيها واجابته بنعومة ودلال محدقة بعيناه نافضة خجلها مستغلة تلك الفرصة:
-الله يبارك فيك يا نجم، اظن دلوقتي أقدر أقول حروف اسمك من غير اي خوف منك…
ابتسم بخفة، مجيبًا إياها بصدق:
-أنتِ تجولي اللي تحبيه، كنتِ دائما تجولي أنك غرام النجم وأنا مكنتش بصدق، كنت شايفك عيلة صغيرة، بس شوفي القدر …
خلاكي مراتي يا غرام..
أغمضت جفونها لوهلة مستمعة لتلك الكلمات التي كانت كالسحر، ثم فتحت مقلتيها وقالت بحب:
-مش بس مراتك يا نجم، أنا غرامك، أنا بعشق اسمي عشان أنت اخترته وسمتني بيه….وبحب عيونك اللي مشفتش زيها….
__________
في الصباح الباكر..
كانت ياسمين تبكي بحرقة في غرفتها لا تصدق ما فعلته حتى، منكمشة على فراشها الصغير والدموع تنهمر منها دون توقف…
باغتها أحدهما بفتح الباب، لتغطي وجهها بالغطاء فورًا كي لا يري أحد هيئتها...وعيناها المنتفخة الحمراء…
دخلت راضية وكالعادة وجدتها نائمة، فـ اشعلت الضوء قائلة:
- ياست هانم، ياست هانم الكلية مش في محاضرات؟ كل يوم مخموده كده!
حاولت ياسمين أن تتصنع النعاس، فأردفت وهى لا تكشف وجهها محاولة اخراج صوتها:
- جرا ايه يا راضية، اتكلي على الله روحي المستشفى ملكيش دعوة بيا انا مش رايحة الجامعة النهاردة…
- يعني ايه مش رايحة الجامعة ما انتِ بقالك يومين عماله تغيبي علشان كتب كتاب غرام ونجم وتتحججي…
صاحت ياسمين بحنق شديد ونبرة أخرجتها طبيعية قدر الإمكان:
- راضية سبيني في حالي انا نعسانة ومش عايزة أروح بقولك، انا مش عيلة أمشي بقى عايزة انام..
هتفت راضية بحنق وغضب شديد مستنكرة فعلتها:
- الحق عليا اني عبرتك اصلا، غوري اتخمدي بإذن الله تعيدي السنة مفيش فايدة فيكي أصلا اسلوبك زبالة، لما ارجع هوريكي مش عايزة اتاخر..
قالت كلماتها الأخيرة بغضب وهي تذهب صافعة الباب خلفها بغضب، لتعلو شهقات ياسمين التي تكتمها وتنهض من الفراش بفستانها والفوضى المتواجدة بها…
نهضت لتغلق الباب بالمفتاح، وتنظر في المرآة وتتذكر ما حدث ليلة أمس عقب انتهاء كتب كتاب غرام ونجم...لتسقط أرضًا باكية وهى تضع يدها على فمها حتى لا يشعر أحد بها..
"عودة بالذاكرة"
- يخربيتك يا أيمن، هتودينا في داهية…
قالت كلماتها وهى تجلس على فراشها وتمسك هاتفها، فقد ذهب الجميع حتى يخلد إلى النوم عدا غرام التي تجلس مع نجم وعلى ما يبدو لن تتركه الليلة…
- انزلي بقى قبل ما اتقفش لازم اشوف الفستان عليكي ده انا لو حد عتر فيا هروح في حديد علشانك ..انزلي بقى وحياة أمك.
- أيمن هشوف كده لو الدنيا هادية هنزل لو مش هادية بقى شوفلك أي طريقة تخرج بيها قبل ما حد يشوفك..مش فاهمة إزاي دخلت اوضة نجم يخربيتك بجد .. هنروح في داهية…
قالت تلك الكلمات بخوف شديد فهتف أيمن مشجعًا إياها
- انزلي يا بومة بقى، بطلي فقر هشوفك وهمشي وبعدين مش قولتي الاوضة بقت فاضية ونجم نقل لأوضته القديمة تاني يلا…
- طيب طيب أقفل..
لفت حجابها بطريقة عشوائية وتأكدت من هيئتها الانثوية في المرآة ووضعت عطرها النفاذ ثم خرجت من غرفتها بهدوء شديد لتهبط إلى الأسفل فلم تجد أحد فبعد انتهاء كتب الكتاب أمرهم والدها بألا يزعجوا غرام ونجم يتركوهم يجلسوا بحرية ويتناولوا العشاء بمفردهم…
فتحت باب المنزل بهدوء شديد، وسارت على أطراف أصابعها وعيناها تزوغ خوفًا حتى وصلت ناحية الغرفة
المتواجدة في الحديقة فقد كان يقيم بها نجم الفترة الماضية لكون غرام غريبة عليه، ولكنه نقل اغراض لغرفته القديمة…
كان يراها من النافذة وما أن اقتربت من الباب وهى تنظر خلفها حتى قام بجذبها إلى الداخل غالقًا الباب بتهور شديد، فأردف أيمن بسخرية:
- ساعة علشان تيجي..
- انتَ اللي مجنون يخربيتك بجد ازاي جالك قلب تفضل هنا من ساعة كتب الكتاب..
كانت تقف وخلفها الباب، ليحتجزها قائلا بخبث وهو بالقرب منها
- علشانك، أرمي نفسي في النار وأخلي نجم يعلقني كنت هموت واشوفك بالفستان يخربيت جمالك..
قالها وهو يتفحص جسدها بطريقة مُريبة جعلتها تشعر بالخجل الشديد، فهتفت ياسمين بتوتر شديد وخجل
- خلاص يا أيمن اديك شوفتني أهو، يلا امشي أبوس ايدك..
- يابت بقولك قمر ويخربيت جمالك هتجننيني وتقوليلي امشي والله عيب عليكي…
قالها وهو يمرر يده على ذراعيها ارتعشت أثر فعلته، فمد يده وازاح حجابها بسهولة فكانت تضعه دون تثبيت او شيء يعيقه، لتهتف وهى تحاول أن تمنعه مما يفعله:
- أيمن أنتَ بتعمل إيه أبعد ايدك…
- بحبك يا ياسمين، النهاردة كان نفسي يكون كتب كتابي انا وانتِ وتكون ليلة دخلتنا مش قادر استنى سنتين لغاية ما تخلصي جامعة أبوكي محكم رأيه وكمان عنده امل ان اختك تتجوز قبلك…
كانت خفقاتها تزداد بجنون، فأردفت ياسمين بخوف شديد:
- خلاص هانت يا حبيبي أن شاء الله يعدي بسرعة الوقت ده هنعمل ايه بقى…
- نعمل كدة..
قال كلمته قبل أن يجذبها من خصرها ويهجم على شفتيها لاثمًا إياها بشغف عجيب كان يقيد معصميها وهى لم تحاول حتى أن تقاومه، لصدمتها وثانيا لقوة جسده عنها…
ابتعد عنها بعد وقت حينما شعر بحاجته لاخذ أنفاسه، فكانت تحاول أن تبتعد عنه، فقالت ياسمين بحنق رغم أنها ذابت معه…
- انتَ اتجننت ...
قاطعها واضعا يده على شفتيها فتحدث بنبرة هامسة:
- وطي صوتك يخربيتك...بعشقك يا ياسمين مش قادر أمسك نفسي، بموت فيكي ونفسي تبقي ليا، مش قادر أستني، انتِ مش بتحبيني ولا عايزاني ؟؟؟
كان يحادثها وهو يفتح سحاب فستانها، شاعرًا بأنها على وشك الاستسلام له، فهتف أيمن مطاوعًا شيطانه..
- بحبك، وعايزك ليا عايز اصبر نفسي بحاجة بسيطة….
خارت قواها أمامه واستسلمت له بجميع حواسها، فلم تكن هذه هى المرة الأولى التي يحدثها بها بتلك الطريقة ليُدرك مدي تأثيره عليها، ليست المرة الأولى لتسمح له بالحديث بتلك الجرأة وقول ما يروق له..
- وانا بعشقك يا أيمن….
بعد مضي بعض الوقت
ابتعد عنها غير مُصدقًا ما حدث وكيف فعلها، فلم يكفيه شيء ظل يطمح في المزيد والمزيد حتى أمتلكها بالكامل مطاوعين شيطانهم…
كان يرتدي ملابسه بغضب شديد وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة لا يصدق انها استسلمت له وأنه غاب عن وعيه بتلك الطريقة، أما هى لا تتوقف عن البكاء فهتف أيمن:
- بطلي عياط بطلي…
كانت نبرته قاسية عليها لم تتوقع انه سيحدثها بتلك الطريقة لم يحاول حتى تهدئتها بل على العكس تمامًا يُبث بها الخوف، خرج من الغرفة ليرى البوابة خالية ولا يتواجد الغفير فليترك المنزل بأكمله....
"عودة"
ضربت وجهها صافعة ذاتها على حماقتها واستسلامها له…
- غبية يا ياسمين حتى مفكرش يطمني…
تنهدت بخوف ثم أردفت:
- أيمن بيحبني هو أكيد لام نفسه بس ساعتها وهيكلمني اكيد..
قالت كلماتها الاخيرة وهي تحاول أن تطمئن ذاتها بأنه لن يتخلى عنها.
__________
كانت ريما تقف في غرفة الملابس بعد أن ارتدت ذلك الفستان من اللون العسلي يصل طولة إلى بعد ركبتيها ذو أكمام طويلة وواسعة ويأخذ شكل جسدها، أرتدت تلك السلسلة الذهبية التي تتواجد بها ثلاثة قلوب صغيرة مجتمعة في حلقة واحدة لتعبر عن عائلتها الصغيرة، تذكرت قولها في يوم ما أنها ستجعل الصائغ يضع لها قلب اخر ليُعبر عن شهاب الذي أصبح من عائلتها…
والآن بقى شيء واحد وهو أغلاق ذلك السحاب الخاص بالفستان، أخرجت حذاء بكعب عالي لا تفضله كثيرًا ولكن تريد أن تظهر في مظهر عروس لا تريد أن تزعج والدتها ووالدها فهى تعرف قيمتها جيدًا لديهم، وأخبرتهم بعودتها من السفر
أخذت تخرج بعض مستحضرات التجميل
لتخفي شحوب وجهها، خرجت من غرفة الملابس وفتحت الباب وصاحت ريما بنبرة مُرتفعة ليصل صوتها إلى مسامعهم:
- طنط سعاد، طنط سعاد
- أيه يا ريما هانم..
جاء صوت سعاد من الأسفل، فأردفت ريما مرة أخرى لرُبما يغلق لها احد سحاب الفستان فاللعنة على تلك الفساتين التي لا تناسبها..
- معلش ممكن تطلعي عايزاكي دقيقة..
- حاضر هدي القهوة لشهاب وهطلعلك…
ولجت ريما إلى الغرفة مرة أخرى لتستكمل وضع مستحضرات تجميلها، كانت تدندن
وانا وانا وانا انا مش عايزاك زعلان
وانا وانا وانا وانا بحكى ليالى زمان
مالك؟ وشك ماله جايب تلات الوان
وانا وانا وانا مش هحكي عليك ده لانك
وانا انا وانا يا صغير انا اكبر منك
ما انا اتعودت اضحي علشان الغلبان
مانتش اد النار م الاول طيب متعديها
واوعى تأمن ليها بتحرق اللي بيلعب بيها
وانا عندي من النار ديه زيادة لوعايز تأمر سداده
خد منها وعليها براحتك
- بقينا نغني ولابسين فساتين ده ايه التطور ده..
سقطت الفرشة التي كانت تداعب بها وجهها بمجرد سماعها صوته، لترمقه بدهشة وغيظ من تواجده، فمتى دخل ولم تشعر؟؟؟
فهي غافلة أنه يُراقبها منذ أن نادت على سعاد وتركت الباب مفتوحًا، فظن أن هناك شيء عاجل فهي لا تنادي ولا تخرج من غرفتها ولا تريد التحدث معه..
كان يُراقب هيئتها الانثوية العجيبة!!
فهي أصبحت في الأونة الأخيرة تظهر له بشكل عجيب عليه فهي في السابق كانت ترتدي ملابس رياضية وتحمل لوح ويجدها مبعثرة أغلب الأوقات وقد ترسم بعض الاشكال على وجهها بأدوات الزينة فهي عاشقة للفانتازيا، كانت طفلة دائما ولكنها الآن امرأة كاملة وناضجة تستطيع أن يُنطق الحجر بمجرد رؤيتها، فهتفت ريما بغضب وخجل حينما وجدته يحملق بها:
- انتَ خلاص اتعودت تدخل من غير ما تخبط ده إيه ده..
- هو انتِ ايه يعني علشان اخبط؟؟
قالها بمشاكسة، فهتفت بعدم فهم
- انا ايه .. يعني ايه..
أجابها شهاب وهو يقترب قليلا لتعود خطوات إلى الخلف:
- مراتي ..معتقدش أني محتاج اخبط الباب كنتي عايزة ايه صحيح .. مش مصدق اني سمعت صوتك…
أردفت ريما بحدة محاولة التغلب على خجلها وتلعثمها وغضبها أيضًا
- وانتَ مالك انا ناديت عليك يا بني آدم…
- انا وماما سعاد واحد عايزة ايه؟؟
قالها بنبرة مرحة وهو يتفحصها من أسفلها لأعلاها بطريقة جعلت الحمرة تتسلل إلى وجنتيها وتحدثت ريما أخيرًا:
- لا مش واحد يا شهاب اخرج لو سمحت .. انا مش عايزة أتكلم معاك
كانت تتعمد أن تخفي سحاب فستانها مفتوح، ولكنها أخطأت حينما كانت تقف موريه ظهرها إلى المرآة فابتسم شهاب بخبث قائلا
- خلاص يا قلبي انا عرفت لفي كده اساعدك..
رفع أصابعه على كتفيها، فوجهت سبابتها له قائلة بتحذير وهى تدفعه
- شهاب متعصبنيش ومتقوليش يا قلبي..
- ليه يا قلبي !
هتفت بنبرة عالية وحاولت جعلها غاضبة ولكن كانت ملامح وجهها تفصح عن خجلها:
- انتَ مستفز جدا وهجيب أخري.. امشي بقى..
قاطعها قائلا بنبرة هامسة، فهي باتت تشغل عقله ليلًا ونهارًا يسعى أن يراضيها:
- لفي اساعدك وأمشي..
هتفت بنبرة خافته لا تدري لما تخونها عباراتها وكلماتها ودقات قلبها العالية التي تخفق بقوة تظن أنه يسمعها:
- مش هلف ابعد يا شهاب بقولك وبعدين انا قولت هديك فرصة بس مقولتش علشان تستفزني
- مهوا انا في أول طريقي لاستغلال الفرصة.. مهوا الحياة الزوجية ايه غير مشاركة ومساعدة .. يا قلبي
قالها وهو يقترب منها تحت محاولتها لدفعه، فهو يتعمد أن يشعل قلبها وتخشى هى الأستسلام ...
انقذها حينما دخلت سعاد وتنحنحت قائلة باحراج:
- كنتي عايزة ايه يا بنتي ..آسفة أني دخلت كده بس الباب كان مفتوح ..
- مفيش حاجة يا ماما انتِ عارفة بقى ريما بتكبر المواضيع..
قال شهاب تلك الكلمات الذي ابتعد عنها قليلا، حينما رأي سعاد ولكن مد يده ليغلق سحابها مرة واحدة فنظرت له بغضب وخجل فأردف شهاب بابتسامة مستفزة:
- شفتي الموضوع أبسط من البساطة تخيلي يا ماما سعاد مطلعاكي وقرفاكي علشان سوسته…
- هقتلك...
قالتها بخفوت وهمس وخجل شديد ليسمعها ويبتسم بخبث، فعلقت سعاد وهى تبتسم لهم وتدعي أن تنتهي الخلافات بينهم…
- عايزة حاجة تانية يا ريما يا بنتي طيب قبل ما انزل..
- لا شكرا
قالتها ريما بخجل شديد فمازال يقف بجانبها، تركتهم سعاد وأغلقت الباب، وبمجرد خروجها صرخت بانفعال مبالغ به تحاول اخفاء خجلها:
- انزل يا شهاب بدل ما أقتلك
كان على وشك أن يمرح ويعبث معها قليلًا ولكن ركضت ريما إلى الغرفة تاركه القسم الخاص بالملابس، حينما سمعت صوت هاتفها وكان المتصل هو والدها.
- الو يا بابا نزلتم ولا لسه ..
- ................
- يعني ايه مش هتيجوا في حاجة يا بابا ؟؟
- ............
- لا صوتك مش عاجبني في حاجة ماما فين ؟؟
- .............
- ازاي تخبي عليا يعني أنا هاجي حالا
أغلقت ريما المكالمة فهتف شهاب بقلق
- في أيه يا ريما؟
هتفت ريما بقلق وهى تبتلع ريقها
- ماما اغمى عليها بليل وسكرها علي ومش هيجوا انا لازم اروح
- اكيد
_________
هبط شهاب وريما متوجهين إلى بيت عائلتها، وكانت طوال الطريق تشعر بالقلق الشديد حتى وصلوا، وصعدت ريما وجدت والدتها تجلس على الأريكة أخذتها في أحضانها وحمدت ربها على سلامتها فتحدث هذه الحالة كل فترة..
فهتف ياسر بنبرة مرحة وسعيد برؤية ابنته:
- أمك زي الفل .. سكرها علي شوية انتِ اللي اتخضيتي قولتلك متجيش وأحنا كنا هنيجي على بكرة
هتف شهاب بنبرة هادئة
- ازاي يعني يا دكتور متقلقش، الحمدلله حضرتك كويسة يا طنط اهو..
هزت رشا رأسها بهدوء وهى تأخذ ريما في أحضانها وكأن روحها قد عادت
الفصل التاسع من #زيغه_الشيطان
#أضواء_مبعثرة
بقلم فاطمة طه سلطان & فاطمة محمد.
________
اذكروا الله
________
'ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻨﻚ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺠﻢ ﺍﻟﺴﺎﻃﻊ، ﻻ ﺑﺪ ﺍﻥ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺭﻭﺣﻚ ﺑﺎﻟﻔﻮﺿﻰ.'
- فريدريك نيتشه.
_______
إندس شهاب لغرفتها برفقتها، عيناه تجوب بالغرفة، فلم يسبق له ورأى غرفتها..
دس يداه بجيب بنطاله، وارتفع حاجبه الأيسر وهو يتقدم تجاه الفراش ومقلتيه تتحرك يمينًا ويسارًا…
بدءًا من لون الغرفة التي تفضله أغلب الفتيات، حتى فراشها الصغير الذي لا يسع فردين..
بينما هى فكانت تقف خلفه عاقدة ساعديها، راسمة برود لا متناهي على قسماتها، مراقبة تفحصه ذلك..
دفع جسده على الفراش مربتًا عليه براحة يديه، متمتم بمرح وبسمة جذابة:
-ما شاء الله أوضتك ذوقها زي الزفت، آه والله مش عشان مراتي هجاملك وكدة، لا لا مش عندي…
تقدمت منه بعدما استطاع استفزازها، وجعلها تستغنى عن برودها ويحل محله عصبية وانفعال مفرط، متحدثة من بين أسنانها وهى تحاول قدر الإمكان المحافظة على مستوى نبرتها حتى لا يستمع والديها:
-بس متقولش مراتي، وبعدين هو حد كان سألك حلوة ولا وحشة، خلي رأيك لنفسك لحد ما اطلبه، ده لو طلبته أصلًا يا
جحظت عيناها فجأة عندما وجدت نفسها تتمدد على الفراش وهو يعتليها، فقد سحبها من يديها عنوة، جابرًا إياها على التمدد، واضعًا يديه على فمها مانعًا تلك الشهقه التي كادت تخرج من فوها الصغير، ويديه الأخرى تكبل ذراعيها..
صمت برهة يتأملها متلذذًا بمقوماتها له ودفعات جسدها له والتي لم تؤثر به محاولة إبعاده والفرار منه..
باغتها بسؤاله جاعلًا إياها تهدء قليلًا بين يداه، مرددًا:
-يا إيه، أكيد كنتي هتقوليلي يا حبيبي أو يا عمري، اكيد انا قلبي حاسس، أكيد مكنتيش هتشتمي صح..
صدر أنينًا مكتومًا من أسفل يديه محاوله اجابته، ازدادت ابتسامته اتساعًا قائلًا:
-هشيل أيدي بس أي حركة غدر كدة ولا كدة، مش هقولك هيحصل إيه والله افضحك والم عليكي البيت واقول بتتحرش بيا..
قال الأخيرة نازعًا يديه، فخرج صوتها مختنقًا منهكًا مردفة:
-أنت بتشدني كدة ليه، وكاتم نفسي ليه كنت هتخنق يخربيتك..
أجابها على الفور وعيناه تشع مكرًا وعبثًا:
-يا سلام عز الطلب، اتخنقي ولا يهمك واعملك تنفس صناعي، منفسكيش اعملك تنفس صناعي يا بت يا ريما..
امتعضت من كلماته بل من وقاحته، وحاولت فكاك يديها، فاستجاب لها مبتعدًا عنها واليًا إياها ظهره مقتربًا من المرآة وهو يدندن كأنه لم يفعل شيء، متجاهلًا ذلك الشعور الذي انتابه مطالبًا بقربها…
نهضت على الفور ملتقطة انفاسها، رامقة إياه بحنق، مقتربة منه ضاربة إياه بقبضتها في ظهره عدة مرات متتالية أجبرته على الالتفات لها والنظر لها بذعر مفتعل، فتحدتث بخفوت وعصبية في آن واحد:
-أنت قليل الأدب أصلا وبحذرك تكلم معايا بالطريقة دي تاني، انا مش مراتك ولا هكون أنت سامع..
حاول كبح بسمته، ولكنه لم يستطع فخرجت من ثغره الكبير، مما أضرم النيران بصدرها، ثم تابعت بدهشة:
-أنت بتضحك على إيه
-على حتة مش مراتك دي، كلامك يا ريمو بيضحك بصراحة، وتصحيح بس صغير لجنابك لا احنا اتجوزنا والمأذون يشهد والشهود كمان يشهدوا، واهلك يشهدوا، والناس كلها تشهد أننا اتجوزنا…
ابتسمت بوجع ومرارة، قائلة:
-والله لو قولت إيه، برضو هفضل عند كلامي و
قاطعها مطوقًا خصرها بغتة ملصقًا جسدها به، هامسًا أمام وجهها بنظرات جعلتها تتشتت وتتورد خجلًا:
-وأنا كمان عند كلامي، ومتكتريش كلام عشان مخليش أوضتك الحلوة دي تشهد هى كمان على أنك مراتي..
ازدردت ريقها مقاومة تلك الرجفة وتلك المشاعر تجاهه، مدركة مغزى كلماته، أما هو فكانت عيناه لا تفارقها معلقة بها متيقنًا ما فعلته كلماته واقترابه ذلك بها…
وأخيرًا حررها والبسمة لا تفارقه سعيدًا بذلك الخجل اللائح على فسماتها المتذمرة..
ابتعدت عنه على الفور وأولته ظهرها لاعنة خجلها ومشاعرها…
ثوانِ وكان يتحرك من مكانه قاذفًا جسده على الفراش مغمغم ببرود مغمضًا عينه وكأنه لم يفعل بها شيء..
-تصدقي يا بت يا ريما سريرك مريح رغم أنه ميشجعش بس خالف توقعاتي…
زفرت بعنف، وتملكها الحنق مرة ثانية واقفة أمام الفراش، متحدثة بنبرة شبة آمره:
-قوم يا شهاب..
فتح عين واحدة يطالعها، مرددًا بأستنكار:
-اقوم اروح فين يا قلب شهاب..
تخطت تلك الكلمة وما فعلته بها، وتابعت حديثها:
-قوم من على سريري، أنا اللي هنام عليه…
قال بهدوء فاتحًا عينه الأخرى رافعًا رأسه قليلًا يتفحص الغرفة فلا يوجد سوى الفراش ومقعد صغير بالغرفة:
-طيب تعالي هو أنا ماسكك، ده حتى السرير شرح وبرح وياخد من الحبايب شهاب وريما بس وهما حاضنين بعض، بالك لو مش حاضنين بعض هنقع والله…
قلبت عيناها وقالت بغيظ:
-اسكت يا شهاب واتفضل قوم، ده سريري والسرير مش هياخدنا احنا الاتنين، وحضرتك أنت اللي انسحبت من لسانك وقولت هتبات معايا واصريت يبقى قوم شوف هتنام فين …
نفخ مطولًا قبل أن يجيبها بغموض وخبث:
-ايه اللي اصريت دي انتِ هبلة انا جوزك .. بس اقولك سهلة أنا ممكن اطلع لحمايا حبيبي اقوله يشوفلي اوضة تانية انام فيها، إيه رأيك!
-أنت بتهددني يا شهاب ؟
قالتها وهى تعض على شفتيها فقال وهو يشير على نفسه بصدمه:
-أنا يا بنتي هددتك فين ده!
هنا ولم تتحمل فاض الكيل، صعدت بجواره على الفراش دافعه إياه بغتة محاول إسقاطه عن الفراش متمتمة:
-بقى كدة طب والله ما أنا سيباك قوم ... قوم بقولك…
سقط شهاب وارتطم جسده بالأرض، فتأوه بخفوت ناهضًا من على الأرض واضعًا يديه أسفل ظهره متمتم بتذمر:
-يا بنت المجنونه ظهري يخربيتك، وبعدين حد يعمل كدة ابوكي وامك لو سمعوا الصوت ده يقولوا إيه ها..
عضت على شفتيها لا تتحمل وقاحتة وجرأته الزائده، فسحبت الغطاء وأولته ظهرها متمددة على الفراش متجاهلة إياه، أما هو وما أن اولته ظهرها حتى ظهرت بسمته تدريجيًا سعيدًا بمشاجرته معها..
تحرك تجاه المقعد وجلس عليه وظل يراقبها مدركًا تصنعها للنوم فأنفاسها لاتزال ثائرة…!!
___________
اليوم التالي..
خرج نجم بصحبة ابنته التي فتح لها باب السيارة...وانتظر صعودها...ثم اطبق الباب من خلفها….
التف حول السيارة قاصدًا مقعدة كي يلحق إيصالها لمدرستها في وقتها المحدد…
لكن جذب انظاره..غياب الغفير عن البوابة…..انعقد حاجبيه..وتوحشت تعابيره مشتعلًا من غياب الغفير وتركه للبوابة دون حارسًا…..
دنا من البوابة وجالت عيناه بحثًا عنه لكن لم يجده…..
صرخ بصوت عالي جعل من يقف على البوابة الخلفية يهرول تجاهه...مستفسرًا منه عن ذلك الغفير...وعن سبب غيابه…
لكنه لم يفيده بشيء ولم يكن يعلم بغيابه…
اماء نجم برأسه متوعدًا له وصرخ به…
-لما يظهر عرفه أنه ملوش شغل في الدوار تاني...أنا مش مشغل بط بلدي….وانت تعال اقعد هنا..
انتهى صاعدًا سيارته...فأندفع الغفير من مكانه...فاتحًا له البوابة كي يمر…..
_________
كانت تنام على جانبها الأيسر، تململت في نومها شاعرة بأنفاس دافئة تلفح عنقها، وثقل جاثم عليها من الخلف…
فتحت عينيها وحاولت التحرك لكن يداه التي تحاوطها بقوة أعاقت حركتها…
حركت ريما مقلتيها تطالع ذلك النائم على ذات الجانب يحتضنها من الخلف…
رفعت رأسها قليلًا تطالع ذراعيه المتواجدة على خصرها..
ازدادت ضربات قلبها من ذلك القرب المُهلك والمحطم لفؤادها...
صرَّت على أسنانها ولم تعلم أتغضب، أم تصمت وتتأمله أثناء سكونه ذلك، وتستمع بتلك اللحظة التي لن تتكرر مرة أخرى…
تقلبت بهدوء تام على جانبها الآخر، فـ بات وجهها مقابلًا له..
وبدون إرادتها رفعت يديها كالمغيبة، واقتربت بها من وجهه لتسير بهدوء تام على قسماته الرجولية…
ازعجته تلك اللمسات الناعمة الذي لا يعتاد عليها، فحرك وجهه قليلًا…
انتفض قلبها واخفضت يديها على الفور واضعة إياها جوارها متصنعة النوم…
أما هو وبعدما انزعج في نومته، فتح جفونه، وكادت عيناه تجوب بالغرفة متناسيًا وجودة في غرفتها، لكن وقعت عيناه على تلك التي تتمدد جواره..
تبسم وجهه متذكرًا كيف تسلل لجوارها عقب تأكده من ذهابها في سبات عميق، ساحبًا الغطاء ممدًا جوارها محتضنًا إياها، مقتربًا بوجهه من خصلاتها وعنقها دافنًا وجهه بينهم يستنشق عبق رائحتها التي أسكرته…
تنهد متعجبًا من حاله متأملًا كل أنش بها دون كلل أو ملل..
لحظات وكانت تسيطر عليه رغبة مُلحة بضمها ثانية خاصة عند إدراكه لاستيقظها وتصنعها للنوم فصدرها يعلو ويهبط بأنفعال بفعل خفقاتها المتزايدة، مما جعله يدرك تصنعها…
رفع حاجبيه بتلذذ واقترب منها تزامنًا مع تحرك يداه وضمها له حتى التصقت به….
صدمت من فعلته والتصاقها به، فخرجت شهقة خافتة من بين شفتيها فصاح..
-اصم الله عليكي من الخضة، مالك بس اهدي، ده أنا حتى زي جوزك…
توترت….وبشدة..حاولت الأبتعاد عنه فرفض ابتعادها ذاك مزيداً من ضمة وإلصاقها به مرددًا بمرح مستمتعًا بقربها ذلك:
-رايحة فين يا قطة هو دخول الحمام زي خروجه، مدام دخلتي حضن شهاب مش هتخرجي منه…
اكفهر وجهها وبدأت بتسديد دفعات متتالية بقبضتها بصدره، قائلة:
-أبعد يا شهاب بلاش استعباط، ابعد بقولك..
رد بمكر وعبث رافضًا تركها، فعليه اغتنام تلك الفرصة جيدًا فـ سيكون أحمق إذا تركها وانصت لها:
-ولو مبعدتش هتعملي إيه يعني، وبعدين وطي صوتك عيب اهلك يقولوا إيه…
استجمعت كامل قوتها و وجدت نفسها تدفعه دفعة قوية نتج عنها سقوطه مرة أخرى..
اتسعت عيناها من صوت ارتطامه فكانت تلك السقطة أقوى من سابقتها…
نهضت تطالعه واضعة يديها على فمها بصدمة.. صدمة سرعان ما تحولت لابتسامة واسعة حاولت كبحها، فهيئته كانت مضحكة خاصة تأوه ومحاولته في النهوض واضعًا يديه على ظهره من الخلف متمتم بوجع وهو ينهض من محله، خافيًا سعادته لرؤية بسمتها على وجهها:
-يا شيخة اتقي الله، هتكسريلي ضهري، يخربيت اللي يهزر معاكي، أنا لو متجوز واحدة بتلعب مصارعة مش هتعمل فيا كدة، لا الجوازة دي جاية عليا بخسارة..
قال الأخيرة بمرح، فأماءت له من بين ضحكاتها وقالت بتأييد:
-وأنا شايفة كدة برضو، طلقني بقى يلا…
-لما تشوفي حلمة ودنك يا ريما…
هنا واختفت بسمتها وتحولت قسماتها لجمود تام عاقدة ذراعيها أمام صدرها مرددة:
-لا ما هو مش بمزاجك وهطلقني وإلا هتضطرني أني اخلعك يا شهاب..
ضرب كف بآخر متمتم بدهشة:
-وربنا مجنونة وعندك شيزوفرنيا، يعني كنتي لسة بتضحكي والضحكة من الودن للودن ودلوقتي طلعتيلي بوزك، اتفضلي يا هانم حضريلي الحمام خليني اغسل وشي، ومتجبيش سيرة الطلاق عشان متغباش عليكي على الصبح، فـ اصتبحي وقولي يا صبح…
هزت قدميها بعنف وقالت قبل أن تغادر بأنفعال طفيف:
-هحضرلك الحمام بس عشان ماما وبابا ميشكوش في حاجة، ومش هصتبح يا شهاب ومش هقول يا صبح ها..
___________
في الصعيد..
فتحت غرام باب غرفتها وهى تهتف بأسمها بإلحاح وحماس:
-ياسمين ياسمين، قومي معايا عايزاكي تدوقي الويكا اللي عملتها لنجم وتقوليلي..
توقفت عن الحديث فجأة وهى ترى قسماتها الشاحبة وعيناها المنتفخة المصبوغة بلون أحمر، والعبرات تترقرق بها، محتضنة جسدها التي باتت تنفره بيديها محاولة إيقاف تلك الرجفة التي تسري به.
أختلج قلب غرام وأغلقت الباب خلفها ثم دنت منها بلهفة جالسة بجوارها، متحدثة بقلق:
-مالك يا ياسمين، بتعيطي ليه، إيه اللي حصل؟
هنا ولم تتحمل ياسمين أن تظل حاملة ذلك السر داخلها بمفردها، مقررة قص ما حدث على أذن ابنة أخيها التي تماثلها في العُمر، قائلة بنبرة مرتجفة متقطعة:
-حصل مصيبة يا غرام، حصل مصيبة..
حركت غرام رأسها بأستفهام وقلق شديد، محثة إياها على استكمال الحديث وعدم التوقف:
-إيه اللي حصل قوليلي؟!.. متقلقنيش.
أغمضت ياسمين جفونها بقوة، شاعرة بفداحة فعلتها، مرددة بندم لن يفيد بشيء:
- بعد كتب كتابك أنتِ ونجم، أيمن كلمني وقالي أنه لسة موجود ومستنيني في أوضة نجم اللي برة اللي كان بينام فيها قبل ما يكتب عليكي..
ارتخت ملامح غرام وقالت بترقب، رغم شكوكها بحدوث شيء ولكنها حاولت نفي تلك الأفكار:
- ازاي يفضل في البيت كل ده ..وبعدين أكيد مخرجتيش ولا روحتيله مش كدة يا ياسمين...
أجهشت ياسمين بالبكاء، رافعة يديها صافعة ذاتها على وجهها مرددة بوجع:
-يارتني ما روحت يا غرام يارتني، اللي حصل كان غصب عني.... غصب عني لقيت نفسي بستسلمله...
جحظت عين غرام من هول ما وقع على أذنيها، وما أن أنهت ياسمين حديثها حتى رفعت كلتا يديها صافعه ذاتها بصدمة وعدم تصديق مرددة بخوف:
-يا نهار أسود يا نهار اسود .. ايه اللي عملتيه ده ..أنتِ عارفة جدي لو عرف هيعمل فيكي إيه، ولا نجم .. في أوضته يا ياسمين .. ليه يا ياسمين ليه، مش قادرين تستنوا لما تجوزوا .. يادي المصيبة..ايه مخفتوش من ربنا... مخفتوش نجم ينزل اوضته على غفلة….
قاطعتها ياسمين بوجع شاعرة بوجزات حادة بقلبها الذي ينزف ويتمزق أشلاًء:
-بس يا غرام كفاية انا مش مستحملة والله...
نهرتها غرام، قائلة:
-اسمعي يا ياسمين الحيوان ده لازم يكتب عليكي في اسرع وقت خليه يتصرف، خليه يكلم اخوه عامر يكلم نجم يكلم ابوكي، أي حاجة المهم يتصرف…
ازداد بكاء ياسمين معقبة على حديثها بالم:
-وهو فين أيمن، ده مبيردش عليا من امبارح يا غرام، بعد ما حصل اللي حصل قام من جمبي وشخط فيا وكلمني بأسلوب وحش اوي...
احتدت عين غرام وقالت بحدة:
-وأنتِ كنتي متوقعة منه إيه بعد ما سلمتيله نفسك و...
كادت تكمل لولا رنين هاتف ياسمين الذي صدح بالغرفة، فـ التقطته بلهفة وسرعان ما بث بها الأمل مرة أخرى، مجيبة إياه على الفور دون تردد بصوتها الباكي:
-انتَ فين يا أيمن، مبتردش عليا ليه حرام عليك...
أجابها بلامبالاه لصوتها أو لحالتها السيئة الواضحة وضوح الشمس:
-اسمعيني يا ياسمين، الساعة بتاعتي نسيتها في الاوضة عايزك تتصرفي وتجبيهالي، بدل ما يلاقيها حد وننفضح.
ازدردت ريقها ورفعت يديها تكفكف دموعها وقالت دون تردد خوفًا من أن يفضح آمرهم:
-طيب حاضر…
أغلق معها، فنظرت للهاتف وانتشلها صوت غرام مرددة:
-قالك إيه؟
-نسي الساعة بتاعته في اوضة نجم وعايزني اجيبها قبل ما يلاقيها حد…
-أنتِ اتجننتي يا ياسمين ..
قالتها غرام بصياح، فردت ياسمين بترجي:
-لازم اجيبها يا غرام، وأنتِ هتساعديني وتشغليلي نجم عشان أضمن أنه ميدخلش الاوضة عقبال ما اجيبها..
__________
خرجت غرام حديقة الدوار ترغب في جذبه داخل المنزل حتى تتمكن ياسمين من الخروج.....كما أنها تخشى أيضًا أن يعلم أنها تتستر عليها ولكن ماذا تفعل فهى حمقاء ولا تريدها أن تقع في المصائب أو تقع بين فكي نجم أو والدها سيفتكون بها دون تفكير..
قطعت المسافة بينهم....جاذبة إياه من ذراعيه منتشلة إياه من خلوته وجلسته مع ذاته مرددة:
-قووووم معايا...
رمق نجم ذراعيها التي تجذبه عنوة مردد بدهشة:
-أنتِ مجنونة يا غرام...
-مجنونة ايه بس قوم عملالك مفاجأة..
- ده ايه الدلع ده...مفاجأة مرة واحدة كدة هاخد على الدلع ده...
- من حق الكبير يدلع وانتَ كبير وسيد الناس كلها، ولازم ادلعك طبعا...مش جوزي…
تحدثت بعفوية وجرأة كعادتها، فتمتمت قائلة بإحراج بسبب ما تفوهت به:
- حاسة اني بقيت بعك معاك سيكا، اسفة لو بقيت بتعامل معاك بتلقائية زيادة، انا مش قصدي حاجة والله لو بزع
قاطعها نجم قائلا بهدوء ورزانة:
- انتِ مراتي يا غرام، ومفيش ما بينا تكليفات زي الأول…
ابتسمت له قائلة بدلال مفرط:
- ماشي يا نجم، ممكن تيجي بقى معايا المطبخ …
ضيق ملامحه وهتف باستغراب لاح على قسماته:
- مفاجأة ايه دي اللي في المطبخ...
- وهتبقي مفاجأة لو قولتلك ازاي بس، وبعدين مش انا بقيت مراتك يعني ليا كل الحق عليك تعال بس ومش هخطفك…
كانت تتحدث بمرح ونعومه مجيدة استعمال أنوثتها التي تذهب بعقل أي رجل، مكررة على مسامعه بأنها باتت زوجته...فأجاب عليها نجم بهدوء:
- طيب يا غرام يلا على المطبخ لما نشوف آخرتها معاكي إيه...
ذهبت بإتجاه المطبخ وهو خلفها تسحبه من يديه….
هبطت ياسمين من الأعلى بعد أن كانت تراقب ذهابهم لتخرج من البيت متجهه إلى غرفة نجم المتواجدة في الحديقة…..
__________
دخل نجم المطبخ خلفها لتلتقط الملعقة وتضع كمية من (الويكة) المتواجدة في الاناء، في الطبق ووضعتها على الطاولة الصغيرة وأشارت له قائلة:
- الويكة اللي أنت بتحبها يا نجم
ابتسم نجم بسمة خطفت وجدانها فقد أعدت له خصيصًا طعامه المفضل…..
تهللت أسارير الفرحة بها ودب بها الحماس متابعة بسمته التي ظهرت على وجهه الوسيم مقارنة تلك البسمة بذلك الوجوم الذي قابلها عندما أعدتها له للمرة الأولى..
جذب المقعد وجلس ثم شرع بتناول الطعام:
- تسلم أيدك يا غرام جميلة تعبتك..
-تعبك راحة...المهم انها عجبتك أنت المرة اللي فاتت مقولتش رايك فيها…
صمتت قليلًا متابعة إياه أثناء تناوله بعض اللقيمات ثم اضافت:
-صحيح..انا هروح الجامعة يوم الخميس وكنت عايزاك توصلني…
تحدثت بنبرة هادئة وهي تحاول اشغاله بأي طريقة، فرد نجم عليها محملقًا بها:
- اشمعنا ما انتِ دايما بتروحي لوحدك وساعات بتروحي مع ياسمين..
- مكنتش مرات نجم ساعتها وبعدين فيها ايه لما أحب ان جوزي يوصلني واقضي وقت معاك في الطريق انا يعتبر مش بشوفك..احنا كتبنا الكتاب علشان نتعود على بعض وانتَ ساعات بتيجي متأخر بكون انا نمت ومبلحقش اقعد معاك..
كانت تتحدث بانزعاج شديد وتزم شفتيها فنهض مقبلًا رأسها بهدوء أصابها برعشه أثر أقترابه بتلك الطريقة:
- خلاص متزعليش ياستي هوصلك…
كانت تشعر بالصدمة كونه نهض من مكانه، واقترب منها قليلًا وقبل رأسها فكيف ستتزوجه إذا كانت تشعر بالدوران بسبب قبلة منه على رأسها!!
فالكلمة الواحدة منه تقلب رأسها وحالها..
عقد حاجبيه وهتف حينما لاحظ شرودها ناهضًا من مجلسه:
- عايزة حاجة تاني يا غرام…
-آه...لا…آه
قالتها بتوتر..فنظر لها نجم قائلا بسخرية:
- إيه اللي آه لا دي...دي زي كدة اخاصمك اه اسيبك لا، ادي اخره السهوكة يا غرام…
نظرت له بصدمة غير مستوعبة أن نجم يمرح معها بتلك الطريقة التلقائية المرحة، سيفقدها عقلها لا محال..
أشارت على ذاتها متمتمة محاولة اشغاله قدر الإمكان:
- بقى انا مسهوكة يا نجم انا؟؟!
-لا أنا...
انتهى من قول الأخيرة تزامنًا مع دخول ياسمين المطبخ كي تدرك غرام بأنتهاء مهمتها بينما فارق هو المطبخ تاركًا إياهم…..
_________
في المساء.
صعد أمجد إلى الغرفة، بعد أن كان يجلس مع سمير في الاسفل يتناقشون في بعض الاشياء الخاصة بالعمل وما إن ذهب قرر أن يصعد ويراها فبالرغم من أنها سامحته ولكن مازال هناك حاجز ونقطة بينهما لم تعود كالسابق
دمرها بين الناس!!
فهو تسبب في فضيحتها أمام صديقاتها وبعض الفنانين والكثير من الناس أصبحت أضحوكه الجميع ومن وقتها تغلق هاتفها حتى لا تتحدث مع أحد..
كانت تجلس في الفراش منكمشة به وعلى وشك النعاس ليقاطعها حينما صعد على الفراش وقبل وجنتيها بهدوء:
- كنتي ناوية تنامي وأمجد حبيبك لسه مش جنبك..
- مليش حق..
قالتها بهدوء شديد وإرهاق يسيطر عليها…
- بتول انتِ مش سامحتيني مالك!؟
- سامحتك يا امجد وبحبك وكل حاجة بس لسه مش قادرة انسى محتاجة وقت يا أمجد…
قبل وجنتيها وكتفها برقة شديدة، قائلا:
- حاضر يا قلبي، براحتك المهم أننا سوا وهنعدي اي حاجة مدام سوا..
ثم تنهد وأردف بحب:
- انتِ عارفة بعد ما نمت امبارح شوفت حلم جميل أوي…
التفتت له بعد أن كانت على وشك أن توليه ظهرها قائلة بفضول:
- حلمت بـ إيه !؟
- حلمت بيكي معايا في بيت غريب يعني معرفهوش في الحقيقة ومعانا عيالنا بتجري ورا بعض كانوا اتنين وكنتي حامل، الحلم روق بالي وخلاني رايق طول اليوم، شكلك وانتِ بطنك كبيرة وحامل شيء ملوش وصف…
كان يتحدث بنبرة عاشقة حالمة وهو ينظر لها، فأستكمل حديثه قائلا
- كنا بنضحك انا وانتِ ومبسوطين اوي وكنتي بتقوليلي أنك حامل كمان، وقولتلك عقبال العاشر…
تنهدت ثم أردف امجد وهو يسخر من حاله:
- واضح ان أمنيتي بأن ربنا يرزقني بأبن او بنت منك هتبدأ تطاردني كمان في نومتي...
اعتدلت بتول وهي تأخذ نفسا طويلا فهي لا تعلم إلى متى ستنتظر لأخباره…
- امجد أنا حامل ..
هتف امجد بعدم استيعاب:
- انتِ بتحلمي برضو ولا إيه..
- لا يا أمجد قبل فرح ريما وشهاب لما نزلت أجيب الفستان واجيب حاجات كان معايا صاحبتي وأغمى عليا، ودوخت جامد، فعملت شيك أب كامل في المعمل، والنتيجة جت وطلعت حامل في شهرين يا أمجد حتي من قبل ما ابطل البرشام وقبل ما نتكلم…
نظر لها بدهشة هل ما سمعه صحيح؟؟!
بتول تحمل في أحشائها جنينهما، وضع يده على بطنها بطريقة شعرت بها بالاستغراب...
- يعني انتِ حامل يا بتول..
هزت رأسها بتأكيد ليأخذها في أحضانه بشغف وفرحة شديدة؛ ليبتعد عنها قائلا وهو يضع يدها بين كفيه:
- شوفتي يا بتول ربنا، حملتي من قبل ما تبطلي، علشان تعرفي ربنا بيكفأنا ازاي وهيكبر حبنا بالطفل ده علشان من كتر ما بحبك كنت بدعيها في كل وقت أخلف منك خمسة، عشرة مش واحد بس…. بحبك بحبك يا بتول انتِ أغلى حاجة في دنيتي..
هبط ليضع قبله على بطنها التي سيراها تكبر يوم بعد يوم متمتم:
- جوازنا عمره ما هينتهي يا بتول، ربنا باعتلنا هدية منه علشان يقولنا اعقلوا هيبقي فيه بينكم عيل، ادتيني الدنيا يا بتول بالخبر ده…
- الخبر ده اللي خلاني عايزة أسامحك يا أمجد، انا بحبك رغم كل حاجة….متخذلنيش يا امجد تاني مش هستحملها صدقني و ...
قاطعها امجد ليضع أصابعه على شفتيها:
- متكمليش يا قلب امجد صدقيني عمري ما هخذلك ولا اكون السبب في دموعك وقبلها أكون ميت؛ انتِ حبيبتي وأول واحدة دخلت قلبي، ومراتي وعشيقتي وهتبقي أم ولادي..
اسف يا قلبي اني لسه مزعلك اطلبي عيني وانا ادهالك…
- ربنا يسترها ويديم الحب ما بينا يا أمجد، انا بقول تتصل بمامتك تقولها ايه رأيك؟؟
- اه هتصل طبعا، وانتِ قولتي لمامتك؟؟
قالها بفضول، فأردفت بتول نافية:
- هبقى أقولها يا امجد لما أشوفها لاني مش عايزة أعيش في توتر الفترة دي أو خناق مع حد….
__يتبع__
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق