روايه خطايا بريئه الفصل الحادى عشر والثاني عشر بقلم الكاتبه ريم كريم
روايه خطايا بريئه الفصل الحادى عشر والثاني عشر بقلم الكاتبه ريم كريم
🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺
بقلم الكاتبه ♥ ريم كريم ♥
الفصل الحادي عشر
على قدر حب المرأة يكون انتقامها، وعلى قدر غباء المرأة يكون سقوطها.
(شكسبير)
--------------------
اخبرني ما هي خطيئتي، التي تعاقبني عليها، بما قصرت، وكيف تمكنت بكل قسوة ان تختزل سنوات عمري، وآمالي التي تخليت عنها من أجلك، ماذا ينقصني كي لا استحق إخلاصك لي، أخبرني بربك لمَ، وأرح انين قلبي المدمي بطعنة خيانتك
ذلك ما كان يصرخ به عقلها وهي تقف تستند بثقل جسدها على باب المرحاض من الخارج وكأن ساقيها أصبحوا كالهلام ولم يعدوا يستطيعون حملها، فكانت عيناها جاحظة، ملامحها شاحبة، وأنفاسها كانت متلاحقة لا تستطيع التحكم بوتيرتها، وحتى جسدها يرتجف وأسنانها تصطك ببعضها وكأنها تعاني إحدى نوبات الفزع
ورغم انها كانت قاب قوسين أو أدنى من أن يغشي عليها إلا أنها تماسكت وكتمت صوت أنفاسها بيدها كي تحفز ذاتها للقادم فلابد أن تواجهه وتصرخ بأعلى صوتها لمَ أيها الخائن!
وإن كادت تطرق باب المرحاض الذي يتوارى خلفه كي تعلن ثورتها تدخل عقلها صارخًا ماذا تتوقعين منه هل سيخضع تحت قدمك ويبرئ خطيئته أم سينكر الأمر ويختلق كذبة مناسبة يقنعك بها وإن عارضتِ وأصريتِ بناءً على ما سمعتيه بأُذنك؛ حينها سيتهمك بالجنون
ولذلك أنصتي إلي و تراجعي...
وبالفعل فعلت ذلك بأخر لحضة ملبية رغبة عقلها فهو محق؛ فلن تخوض حرب تعلم أن سر نجاحها الخُدعة وهو خير أهل لذلك، وإن لم تثبت بدليل ملموس ضده سيظل على نكرانه ولن يعترف بخطيئته.
وبعد تفكير طاحن دام لثوانٍ معدودة وجدت ذاتها
تجر قدميها و تتحامل على ذاتها متوجهة لغرفة أطفالها تدلف للداخل وتغلق الباب خلفها، وظلت كلماته التي كان يغدق بها الأخرى تتردد برأسها مرة بعد مرة فما كان منها غير تنفي برأسها بهستيرية وكأنها تود ان تنفض ما يتردد بها بعيدًا، ولكن الوضع ازداد سوء عليها عندما شعرت أن خافقها يعتصر بألم بين ضلوعها لتصدر من بين شفاهها المرتجفة آنة ممزقة بقهر لا مثيل، وتخور بها قدميها بوهن شديد على أرضية الغرفة وهي تدعو الله أن يرأف بها من أجل أطفالها، ومع أبتهالها ودعواتها كانت تحرك جسدها للأمام والخلف بحركات غير متزنة ولكنها بطريقة ما وجدتها داعمة لها، كي تتماسك وتستطيع أن تلملم تلك الخيوط أكثر فأكثر داخل رأسها، وكم ارادت حينها ان تصرخ وتصرخ وتطلق العنان لـ عبراتها ان تنفث عن ما يختلج بأحشائها ولكنها جاهدت بقوة و أبت أن تدع دمعتها تفر تنعي حالها، وقد اقسمت أنها لن تتهاون بحق ذاتها بعد الأن ولن تكون مثيرة للشفقة كغيرها،
لدقائق معدودة كانت مازالت تحت وطأة صدمتها ساهمة في نقطة وهمية في الفراغ و لم يصدر منها أي ردة فعل تذكر إلا أن استمعت لصوته يصيح بأسمها، فقد انتفضت من جلستها ومسحت وجهها بيدها كي تستعيد ثباتها ثم نهضت وتوجهت لفراش طفلتها تضمها لصدرها وتدعي استغراقها في النوم، وما ان فتح هو باب الغرفة صدر من فمه صوت ساخر ألمها ودون اي اكتراث او أدنى شك منه كان يغلق الباب مرة آخرى ويتوجه لغرفة نومه بمزاج رائق للغاية وهو يمني نفسه أنه سيرى تلك المثيرة في الغد
أما هي فقد ضمت أطفالها لحضنها وظلت طوال الليل متشبثة بهم وكأنها تستمد منهم القوة لمواجهة القادم
--------------------
أما عند تلك المتمردة فقد شعرت بلمسات ناعمة تدغدغ حواسها، وبأنفاس ساخنة تلفح وجهها، ولكن كان النعاس يسيطر عليهاوكأنها لم تنعم بذلك الدفء من قبل ومع صوت دقات قلبه وجدت ذاتها تفرج عن سوداويتها وتستوعب الأمر تدريجيًا فهي بفراشه وبجانبه وها هو يطالعها بنظرات حالمة تشتتها وتزعزع عزيمتها، حاولت أن لا تكترث ولكن كيف وهو يهمس بتلك البحة المميزة بصوته أمام وجهها:
- صباح الخير يا مغلباني و مطيرة النوم من عيني
ابتلعت رمقها ببطء ثم ابتسمت بسمة باهتة وهي تحاول أن تعتدل بنومتها وتخرج من حصار يده التي تطوقها بحميمية تكاد تودي بثباتها، ولكنه رفض ذلك بشدة وشدد عليها أكثر يرفض فك وثاقها ببسمة مشاكسة وترتها كثيرًا وخاصةً أن وجهه قريب للغاية من وجهها الذي تشعر به يشتعل لتوه ولا تعلم هل من شدة غضبها، أَم خجلها
اتسعت أبتسامته المشاكسة وهو يتمعن بها وكم راقه الأمر بشدة وحمسه لخطوة تالية فقام بدس أنفه داخل خصلاتها وتناول نفس عميق من اريجيها ثم تحرك ببطء مميت برأسه و وضع قبلة عميقة مفعمة بالحب على وجنتها مما جعلها تنتفض بين يده وتتعالى وتيرة انفاسها وتدفعه برفق من منكبيه قائلة كي تراوغه وتفض ذلك القرب الخطير الذي يعبث بها:
-انت صاحي من بدري
نفى برأسه وهمس بعذوبة وهو يسبل اهدابه كي يزيدها عليها أكثر ويتمتع بردود افعالها:
- انا منمتش اصلًا، مكنش ينفع افوت ثانية واحدة في النوم وانتِ جنبي
رفعت نظراتها المشتتة إليه وتلك النبضة العاصية بقلبها تطعن بها، لتجد ذاتها تتمعن به بطريقة هي ذاتها لاتعلم المغزى منها وتقول متسرعة بأخر شيء توقعت ان يصدر من بين شفاهها:
-للدرجة دي بتحبني؟؟
تنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه وأجابها بصدق مشاعره وهو يتيه بليل عيناها ويغلغل أنامله بسلاسل شعرها بحركة حنونة بعثرتها:
-الحب كلمة تافهة، بسيطة، ملهاش أي معنى قصاد اللي بحسه نحيتك
ليحل وثاق خصرها بيده الأخرى ويسحب يدها ويضعها على خافقه ويقول بنبرة حالمة مفعمة بالمشاعر:
-حاسة بدقاته، بتصرخ باسمك
وبتعلن عصيانها عليا وبتنتمي ليكِ، انتِ الروح لروحي وكل دنيتي يا "نادين"
قال أخر جملة بهمس مهلك وهو يستند بِجبهته على خاصتها وناعستيه الثائرة تتركز على شفاهها وكم تشجع حين وجدها تغلق عيناها بتنهيدات حارة أثلجت قلبه و جعلته يتأمل أن تدعه يتذوق رحيقها
أَما هي فقد انتابتها قشعريرة لذيذة بكافة حواسها وهي تشعر بأنفاسه الساخنة تلفحها وشفاهه المتعطشة تكاد تلامس شفاهها، لوهلة واحدة فقدت ارادتها و اغمضت عيناها وتمنت أن تتخلى عن ما برأسها وتشاركه تلك المشاعر الصادقة التي بعثرتها للتو ولكن تمردها سيطر عليها وخاطبت قلبها بأخر لحظة
أُصمد أيها القلب، إِياك أن تنخدع
وحينها أزاحت رأسها بعيدًا عنه تجاهد كي تتحكم بوتيرة انفاسها و تحرك رأسها دليل على رفضها، وكم أحزنه الأمر وجعله يطالعها بنظرة عميقة معاتبة بعد ان أبتعد بجسده عنها واستند بظهره على جذع الفراش فما كان منها غير أن تنتفض وكأن اصابتها صاعقة من السماء وتقول بأنفاس مضطربة تذكره باقتراح أمس الذي بررت به استكانتها بين يديه:
-أظن سرقنا وقت كفاية من الزمن ولازم نرجع لأرض الواقع
تنهد بضيق شديد بعدما تمكنت ببراعة بوئد سعادته وحالة الهيمنة التي كان عليها، فحقًا سأم من عدم اكتراثها لمشاعره ولكن دائمًا يوجد داخله يقين خاص أن لا شيء يمنح بالقوة فحتى هو لن يرضى أن تسايره فقط، هو يريد إقرارها بانتمائها له نابع من قرارة نفسها، ولذلك لن يضغط اكثر عليها ولن يفرض عليها مشاعره مرة آخرى
نهض من الفراش مواجه لها وقال بخزي من نفسه و ببسمة باهتة بالكاد اغتصبها على فمه:
-عندك حق، انا مكنش لازم اتعشم في اكتر من كده انا يدوب جوزك على الورق بس
جعدت حاجبيها المنمقين من تلك النبرة التي استشفتها بصوته، ولا تعلم لمِ وجدت قلبها يرق له، ولكنها عاندت مشاعرها وتمردت بقولها تؤيد يقينه الدائم نحوها:
-انت صح...
تعلقت ناعستيه الثائرة بها وأضاف بمغزى وهو يربت على ذراعها:
-ياريت كان قرار قلبي بأيدي... صدقيني مكنتش هتردد ثانية
نفضت يده بعدما فهمت المغزى من قوله وقالت متأفأفة كي تفض ذلك الحوار الذي يزعزع ثباتها:
-يووه مش وقت كلامك ده، زمان خالي صحى ومستنينا علشان نفطر معاه
وانا كمان عندي محاضرات ومش عايزة اتأخر عليها
قالتها وهي تتناول ملابسها خاصًة الأمس من جانب الفراش وتتوجه بخطى واسعة نحو المرحاض تاركته يستشيط غضبًا من عنجهيتها و يلعن قلبه الذي يميل لها.
بينما هي ما أن أغلقت الباب جلست على طرف حوض الاستحمام بتشتت تجاهد تلك الحرب الضارية بين عقلها اللعين وتلك النبضة العاصية بقلبها
----------------------
كانت بحالة يرثى لها منذ عودتها للمنزل بلأمس، فقد كانت مجهدة تجاهد إلحاح عقلها وحالة التعود التي تمكنت منها في الآونة الأخيرة، فمنذ ما دار بينهم لم تنم ولم يغمض لها جفن وظلت تلك اللحظات الحانية منه تترأى أمام عيناها وحديثه المشجع يتردد بعقلها يحثها على الأمتناع عن تلك الحبوب اللعينة التي تسلبها كافة إرادتها، لا تنكر انه تمكن من إقناعها وأثر عليها بمنطقه، ولكن دون إرادة تشعر أنها بأمس الحاجة لها الآن
انتشلها من حالتها دخول زوجة أبيها إليها قائلة بتهكم وهي تشعل الأضاءة كي تنير تلك العتمة التي تسيطر على الغرفة:
- هي الهانم معندهاش جامعة ولا ايه هتفضلي نايمة كده كتير
طالعتها "ميرال" دون اكتراث واستكانت من جديد تدثر جسدها بالفراش ولكن
"دعاء"استهجنت فعلتها وصرخت بها:
-انا بكلمك لازم تحترميني وتردي عليا
لم تجيبها ايضًا بل لم تعطيها اهمية من الأساس مما جعل "دعاء" تستشيط غضبًا وتهدر بتوعد مليء بالخبث:
-طيب انا لازم اخلي" فاضل" يشوف صرفة في قلة ادبك و استهتارك ده
- بنتي مش قليلة الأدب يا "دعاء"
قالها "فاضل" بحدة وهو يقف على أعتاب الغرفة و"مُحبة" تقف خلف ظهره
ارتبكت "دعاء" وقالت وهي ترشق
" مُحبة "شذرًا فهي تعلم انها هي من اتت به لهنا:
-انا مش قاصدي وبعدين انا عايزاها تروح جامعتها وتبطل استهتار لكن يظهر كلامي معجبهاش بدليل انها منطقتش بكلمة من ساعة ما دخلت الأوضة ومقدرتنيش
تنهد "فاضل" بعمق وهو يدعوها للخروج بيده قائلًا:
- اتفضلي يا "دعاء" وياريت بعد كده متدخليش في حياة بنتي و متضغطيش عليها
ربعت "دعاء "يدها ورفعت حاجبيها تستشيط غضبًا من هجومه الغير معتاد عليها، لتقول بتهكم كي تذكره بِمعضلته:
-واللهي انا بحاول اساعدك علشان متخرجش من تحت طوعك زي امها وتدور على حل شعرها
لطمة قوية نزلت على وجنتها كالصاعقة جعلتها ترتد للخلف من شدتها تزامنًا مع شهقة "مُحبة "المتفاجئة و قوله بصوت جهوري منفعل:
-اخرسي و متفتحيش بؤك بكلمة تانية فاهمة
وضعت يدها على موضع صفعته غير مستوعبة ما حدث صارخة بوجهه:
-انت بتمد ايدك عليا يا "فاضل "!
-وبحذرك لو مخرجتيش دلوقتي مش هخليكِ على ذمتي يوم واحد
كانت تستمع لكل ما يدور وهي مغمضة العينين تدعو الله أن تفقد وعيها كي تهرب من ذلك الواقع المرير التي ترفضه ولكن عندما ذكرت " دعاء "والدتها لم تشعر بذاتها إلا وهي تنتفض من الفراش متسألة بتوجس وبنبرة واهنة:
- انتِ قولتي ايه؟
أجابتها "دعاء" بغيظ كي تشعل فتيل الماضي وتحرق قلبه وقلبها كي تفض غليلها:
- اللي سمعتيه واللي ابوكِ عمره ما اقدر يعترف بيه امك هربت علشان راجل تاني ورمتك
جز "فاضل" على نواجذه وكادت عينه تطلق شرار ولكنها لم تتأثر فهي تعلم أن حالة الغضب التي هو عليها ستتلاشى نهائيًا عندما تستغل مدى تأثيرها عليه، ولذلك نظرت له نظرة طويلة معاتبة ثم أضافت قبل أن تخرج من الغرفة:
-انا هخرج بس اللي حصل ده مش هعديه يا "فاضل"
أطرق "فاضل" رأسه بينما هي التوي ثغرها وتحركت لخارج الغرفة وما أن وصلت لموقع "مُحبة" مالت برأسها عليها قائلة بنبرة كارهة متوعدة:
-إن شاء الله لسانك ده هقطعهولك قريب يا حيزبونة
صدر من فم "مُحبة" صوت ساخر ثم لوحت بيدها بلا مبالاه وتحركت من امامها كي لا تتمادى معها وتخسر عملها، لتضرب "دعاء" الأرض بحذائها وهي تستشيط غضبًا وتقسم انها ستجعلهم جميعًا يدفعون الثمن.
بينما هي كانت تحاول أن تستوعب ما تفوهت به تلك الصفراء لتوها فما كان منها غير أن تتساءل بعيون زائغة و بتوجس شديد:
-الكلام ده صح يا بابي
زفر "فاضل" انفاسه بحنق ثم هز رأسه يؤكد لها، لتشهق هي بعدم استيعاب وترتمي على أحد المقاعد بالزاوية قائلة:
-يعني امي اتخلت عني بسببه؟؟
جلس "فاضل" بالمقعد المواجه له يحتضن رأسه بين يده ويتنهد تنهيدات مثقلة بذكريات ماضي أليم يخجل من ذكرها ولكن لابد أن تخبرها الحقيقة الآن على أي حال، فبعد أن أخبرته
"مُحبة "بمحاولة انتحارها وحالات الهياج التي تنتابها قرر أن يزيح ذلك العبء الثقيل من فوق كاهله:
-حاولت كتير اخبي علشان صورتها في عينك متتهزش وقولت كفاية عليكِ تعرفي أنها انانية، وكنت بقول فكرتك عنها انها كده أحسن بكتير ما تكون خاينه
تهدلت دمعاتها بحزن يدمي القلب وصرخت مشككة وهي تنهض وتتحرك بعدم اتزان:
-انت اكيد غلطان انت بتقولي كده علشان اكرهها ومفكرش فيها اكيد داده قالتلك... صح
نفى برأسه وصرح لها:
-دي الحقيقة يا "ميرال" انا لما اكتشفت علاقتها بالتاني واجهتها وكنت فاكر انها هتنكر أو تركع تحت رجلي وتطلب مني اسامحها بس هي كانت بجحة وبررت انها بتحبه وكمان طلبت الطلاق علشان تبقى معاه؛ كنت هقتلها بس خوفت اسيبك لوحدك بوصمة عار العمر كله وعلشان كده قررت اعاقبها بطريقة تانية، محستش بنفسي غير وانا بضربها وبكسر البيت كله وبعد كده طردتها وطلقتها ورفضت اخليها تاخدك معاها ورغم أنها حاولت كتير تأثر عليا أنها تاخدك بس انا رفضت، ولما فكرت فيكِ وشُفت أد ايه أنتِ محتجاها قُلت حرام احرمك منها؛ فخيرتها انها تبعد عنه وتعيش ليكِ وبس وكنت هتكفل بيها بس هي رفضت واخترته، وقتها كان غضبي عاميني وكبريائي بينقح عليا و مقدرتش امنع نفسي من اذية الراجل اللي فضلته عليا؛ خسرته شغله و لفقت له قضية وقبل ما يتم الحكم فيها هرب برة البلد و أخدها معاه
نفت برأسها بهستيرية وتسألت من جديد ولكن تلك المرة بنبرة مختنقة معاتبة من بين شهقاتها الحارقة:
-وانا كان ذنبي ايه في كل ده ليه كل واحد فيكم قرر يعند و ينتقم من التاني بيا
انت حرمتني منها وهي اثبتت لك انها محت الماضي ونست وجودي، واكتفت براجل تاني وبحياة تانية عن الدنيا كلها
نهض "فاضل" وحاول تهدئتها بعيون مثقلة بالحزن:
-ده كان اختيارها يا بنتي وانا عمري ما فكرت أأذيكِ انا عملت كل ده علشان احافظ عليكِ هي كانت عايزة تاخد من الدنيا كل حاجة بس انا مكنش هاممني غيرك
ارتمت على طرف الفراش و وضعت يدها على وجهها وظلت تنتحب بقوة وكانها فقدت عزيز لتوها، مما جعل دمعاته تشاركها بؤسها و يجاورها ويحتضنها قائلًا بحنو وبملامح متهدلة بحزن وحديث "محبة" يتردد بعقله يذكره بمحاولة انتحارها وكيف كان سيفقدها لولآ تدخلها في اللحظة الأخيرة:
-حقك عليا...انا عارف أن الشغل واخد كل وقتي وبعيد عنك بس كل ده علشانك وعلشان اضمن لك مستقبلك... اهدي يا بنتي علشان خاطري انتِ الحاجة الحلوة الوحيدة في حياتي وعايش علشانها بلاش تعملي في نفسك وفيا كده ليقبل رأسها بحنو ابوي ويستأنف بقلب أب يخشى فقدان فلذة كَبِده:
-سامحيني يا بنتي لو كنت بقسى عليكِ؛ بس ببقى خايف تسبيني وتبعدي عني زيها
نفت برأسها وهي بين احضانه واخبرته من بين شهقاتها الواهنة:
-انا عمري ما هسيبك يا بابي انا مش زيها...
ربت "فاضل" على ظهرها بحنان ودثرها أكثر بأحضانه وهو يشعر بالخزي من أفعاله السابقة التي كان يظنها بنوايا بريئة وخاصةً كونه أخفى الحقيقة عنها، غافل كون معرفتها للحقيقة بذلك التوقيت سيقلب كافة موازينها.
------------------
أَما عن ذلك الساخط الذي لا يعرف أين يكمن الرضا
فقد استيقظ للتو من نومه وتمطأ وهو ينظر بساعة الحائط ليجدها لم تتعدى السابعة بعد لينفض نفسه كي يستعد للقاء مثيرته كما خطط بلأمس ولكنه تفاجأ من السكون الذي يعم المكان على غير المعتاد، بحث بعينه عنها بالمطبخ وباقي الشقة فلم يجدها ليتوجه لغرفة أطفاله ليجدهم مازالوا نائمون ولم يستعدوا بعد لمدرستهم ... لعن تحت أنفاسه الغاضبة فأين ذهبت يا ترى أتته الإجابة مخطوطة بخط يدها على ورقة علقتها على باب المبرد تخبره بها بكلمات مقتضبة للغاية أن يجهز أطفاله ويعد لهم الفطور
كور الورقة بين يده وألقاها على مداد ذراعه وهو يلعنها بسره فهي حتمًا تريد أن تخرجه عن طوره فمنذ متى وهي تخرج دون علمه لا والأنكى ما الشيء الذي جعلها تتخلى عن التفاني في واجباتها على غير عادتها ...زفر بغضب يمرر يده بخصلاته الفحمية وهو يحاول أن يهاتفها ولكن أتاه رنين الهاتف من داخل الغرفة ليتيقن أنها تركته بالمنزل ولم تأخذه معها وحينها جن جنونه منها، وبعد بعض الوقت يأس و لم يكن أمامه غير تنفيذ ما خطته له بسخط تام وهو يتوعد لها حين عودتها.
فقد انهكوه أطفاله بارتداء ملابسهم وتحضير حاجياتهم، حتى أنه وقف كالتائه يفتح المبرد ويغلقه لايعلم بما يبدأ او ماذا يعد لهم بينما أطفاله كانوا يتذمرون ويطالبون بالطعام مما جعله يأخذ القرار بأن يعد بعض الشطائر البسيطة لهم، فقط خبز وجِبن سيفي بالغرض ... وإن انتهى من مشاحنات اطفاله وضجيجهم اليومي الذي جعل رأسه تدق ك الطبول اوصلهم لعربة المدرسة الذي كان سائقها مستاء من تأخيرهم الغير معتاد بالمرة ليضطر أن يعتذر منه و
يعود للبيت وهو يتوعد لها بأشد الوعيد.
----------------
تنهدت بأرتياح عند مغادرة خالها وكأن حملاً ثقيلاً قد انزاح عنها، وبعد أن تحضرت اخبرته انها ستذهب لجامعتها فما كان منه غير الموافقة و أغدقها بتعليماته المعتادة التي تحفظها عن ظهر قلب، وحين غادرت المنزل واستقلت سيارتها مبتعدة مسافة كافية عن المنزل لفت انتباهها سيارة فارهة تعرف هوية مالكها تمام المعرفة تتبعها و تحاول أن تلحق بها وإن اقتربت بالفعل حثها سائقها على التوقف فما كان منها غير أن تنصاع لرغبته وتتوقف بجانب الطريق وهي تلعن تحت انفاسها،
ثوان معدودة وكان يفتح باب سيارتها و يجاورها قائلًا بغيظ:
- ما انتِ حلوة أهو وبتخرجي لوحدك ... لأ وكمان البيه جايبلك عربية وفك حصاره عليكِ أمال منفضالي ليه؟؟؟
زفرت حانقة وأجابته بسأم:
- دي أول مرة أخرج بالعربية لوحدي و كنت هكلمك...
احتدت سوداويتاه بعدم تصديق وهدر مشككًا وحديث "ميرال" بشأنها يتردد برأسه:
-واللهي عليا برضه الكلام ده يا "نادو"
نفخت أوداجها وقالت متحججة:
-"طارق" انا كان عندي مشاكل الفترة اللي فاتت ومكنتش فايقة وبعدين انا نبهت عليك الف مرة متتصلش بيا بس أنت كنت بتتغابى وكنت هتودينا في داهية
زمجر غاضبًا وهو يضرب على تابلوه السيارة منفعل:
-انا كنت هتجن وانتِ ولا على بالك انا بقالي كذا يوم بحاول اكلمك واخر ما زهقت فضلت واقف تحت بيتك وشوفتك وأنت خارجة معاه وضحكتك من الودن للودن
اعتلى حاجبيها وتساءلت بغيظ:
- انت بتراقبني يا "طارق"
أجابها بنبرة مفعمة بإصرار مخيف:
-ايوة براقبك وعندي أستعداد اعمل أي حاجة علشان تكونِ معايا
ابتلعت رمقها بوجل من إصراره العجيب ذلك وقالت بدهاء طالما كانت تجيده كي تسايره:
-طب ممكن تهدى انا اهو معاك
وهانت يا "طارق" كلها ايام وهبقى ليك لوحدك
نظر لها نظرة عميقة يحاول ان يستشف صدق حديثها ولكن كيف وهي تبتسم تلك البسمة الآسرة التي جعلت كافة غضبه منها يتبخر ويذهب أدراج الرياح فما كان منه غير أن يهدأ ويسحب يدها بين يده قائلًا:
-انا بحبك يا" نادو"وبحس بنار بتاكل قلبي لما بتكوني معاه، وبجد مبقتش قادر أصبر لما يجي اليوم ده
رغم أن لهفته و حديثه ارضى غرورها ولكن لا تعلم لمَ شعرت بالنفور منه وحتى انها جذبت يدها التي يحتضنها لتوه مستنكرة فعلته بملامح مشتتة تفهمها هو انها خجل حين عقبت وهي تضع خصلاتها خلف اذنها بتوتر ظهر جليًا على وجهها:
-حاسة بيك بس أنت عارف ان كل حاجة مفروضة عليا ومش بإيدي
أومأ لها متفهمًا لتضيف هي ببهوت:
-طيب خلاص متزعلش
ابتسم بدوره لتشاركه هي ببسمة بالكاد اغتصبتها على ثغرها قائلة بحماس مصطنع:
-طب ممكن بقى تنزل تركب عربيتك وتخلينا نلحق المحاضرة
-ماشي يا "نادو" أنتِ تأمري وانا أنفذ لغاية لما أشوف أخرتها معاكِ
قالها بنبرة عابثة مصحوبة بغمزه من عينه قبل أن ينصاع لها بينما هي ما أن تدلى من السيارة اندثرت بسمتها و لعنته ولعنت ذاتها ربما للمرة الألف بعد المائة فكل شيء حولها يشتتها ويزعزع قناعاتها السابقة.
--------------------
كان يدور حول نفسه كالثور الهائج عندما مرت عدة ساعات على غيابها ولا ينكر أن قلبه تأكله وشعر بالقلق عليها و أنقبض بشدة بعدما يأس من محاولات الاتصال بكل من خطر بباله أن يهاتفه ويسأل عنها ولكن لم يتوصل لشيء فالكل أخبره أنهم لم يروها ولا يعلمون شيئاً، مماجعل الظنون تغزو كيانه بالكامل ويقرر أن ينزل و يبحث عنها بنفسه ويدعو الله أن تكون بخير ولم يصيبها سوء ولكن تبدد ذلك الشعور بتاتًا وحل محله غضب عارم حينما وجدها تفتح باب الشقة، وعندها انقض عليها والشرار يتطاير من قاتمتيه يسألها:
- كنتِ فين يا هانم؟؟؟
أجابته بثبات أجادته وبنبرة هادئة تثير الريبة:
-مكنتش؟؟
-نعم...أنتِ بتستهبلي
قالها بنبرة قوية نفضتها وهو يقبض على رسغها مما جعلها تنفض يده بكل هدوء مُصرحة له بنصف الحقيقة:
-كنت مخنوقة شوية ومحتاجة افصل علشان اجدد طاقتي
ضرب كف على آخر ساخطًا وهدر من بين أسنانه بغيظ:
-يا برودك أنتِ سايباني هنا محتاس مع عيالك وبتروقي على نفسك ده ايه الاهمال بتاعك ده
احتل الحزن تقاسيم وجهها الذابل الذي لم يلحظه ولم يعطيه أي اهتمام وأجابته منفعلة على غير عادتها:
-انا عمري ما كنت مهملة... وبعدين فيها ايه لما خليتك تشاركني يوم واحد وتتحمل مسؤولية ولادك، ما انا عمري ما اشتكيت وشايلة كل حاجة على كتافي وياريت بشوف تقدير منك
عقب بكل تبجح وبتفكير رجل شرقي متمسك بعرفية أفكاره:
-تقدير ايه اللي انتِ مستنياه!
ده واجبك يا هانم وكل الستات بتعمل كده
حانت منها بسمة متخاذلة لابعد حد وقالت بعتاب لأول مرة يصدر منها تجاهه:
-وانت واجباتك ايه يا "حسن"؟؟
انك تعيش لنفسك وبس مش كده؟؟
ياريت قبل ما تتحامل عليا و تتهمني بالإهمال تفكر ألف مرة في اللي عليك
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تدلف لغرفتها وتغلق بابها
تاركته يزمجر غاضبًا ويحاول أن يستوعب ماذا حل بها وحين اسعفه عقله انها من الممكن أن تكون علمت بشأن الأخرى، تقلصت معالم وجهه و انتابته الرهبة مرة أخرى.
---------------------
بينما على الجانب الأخر كانت هي تستشيط غضبًا عندما لم يأتي للعمل ولم يحاكى والدتها كما وعدها و حتى كافة اتصالاتها يتجاهلها إلى ان اغلق هاتفه تمامًا، فكم متردد ذلك ال" حسن "واستنفذ وقتها فكلما ظنت انها أثرت عليه بطريقتها المتلاعبة واصبح كالخاتم بأصبعها يتهرب منها ويماطل ولذلك قررت انها لن تجلس مكتوفة الأيدي فلم تتعود على الخسارة بتاتًا ولذلك هدرت متوعدة بعدما يأست من مهاتفته:
-ماشي يا "حسن" وحياة أمي لخليك تركع تحت رجلي تطلب الرضا
لتبتسم متشفية وهي تتخيل الأمر، وكم راقتها تلك الفكرة العابثة التي حاكتها برأسها
----------------------
أما هناك بأحد قرى الصعيد فقد وصل "عبد الرحيم" حانقًا من تلك الزيارة التي لم تجدي نفعًا ولم تأتِ بثمارها وها هو يجلس على طاولة الطعام برفقة زوجته تلك المرأة ضخمة البِنية مخيفة الملامح التي تتلفح بالسواد و يجاورها ولدهم، أثناء تناول العشاء،ليشرع "حامد" في الحديث بملامح بشوشة وبود يخالف طباع أبيه الفظة:
-توحشناك جوي يا بوي
أومأ له "عبد الرحيم" وتسأل وهو يجول محيط داره:
-فين مرتك الپور؟؟
تحمحم "حامد" بعدم رضا من ذلك اللقب الذي يطلقه والده على زوجته نظرًا لعدم إنجابها وأخبره بضيق شديد:
-عند امها في سوهاج جالت هتوديها لحكيمة شاطرة
التوى فم "ونيسة "بينما لوح "عبد الرحيم "بسأم قائلًا:
-واه جولتلك ألف مرة طلجها واچوزك ست ستها تچبلك الواد بس انت لساتك مصمم عاد تزعج في أرض پور مفيش منيها صالح
لتعقب "ونيسة" مشككة:
-شكلها سحراله يا "عبد الرحيم "
نفى "حامد "برأسه مستنكرًا وقال مدافعًا:
-دي غلبانة يا اما وهتحبني بلاش تظلميها
وبعدين هملوا الحديت ده دلوقت ممنوش فايدة عاد ده قضاء ربنا وانا راضي بيه
هزت "ونيسة "برأسها تنصاع لولدها ثم وجهت سؤالها لزوجها:
-جولي ايه اخبار زيارتك لبت غالية مفيش چديد
نفى "عبد الرحيم" برأسه وأخبرها بحنق:
-مفيش يا "ونيسة" وده اللي جاهرني ، الغريب وامه شايلينها على كفوف الراحة وحتى البت بذاتها جالت انها مرتاحة معاهم
لتعقب "ونيسة" بخبث يضاهي خبث زوجها:
-واه وانت هتهملها إكده وتسيب مال خيتك يا "عبد الرحيم" يروح للعجربة وابنها
تجشأ "عبد الرحيم" بصوت مقزز وأجابها بعدما سطع المكر بعينه:
-متجلجيش يا ام حامد انا بس مستني يرچعلها أملاكها و وجتها هيكون خرابها على يدي
ليربت على يد "حامد "ويخبره بنبرة تقطر بالخبث بذلك الحلم القديم الذي خربه "عادل" عليه قبل موته:
-بكرة هطلجها من الغريب غصب عنِها وهچوزهالك يا ولدي واهو زيتنا في دجيجنا
ليبتسم بسمة سامة تقطر بنواياه الخبيثة:
-و وجتها حج خيتي هيبجى تحت يدنا، احنا اولآ بيه من الغريب والعجربة أمه
غص "حامد "بطعامه وجحظت عينه من نوايا أبيه الغير بريئة بالمرة وكاد أن يعترض ويرفض المشاركة بلأمر ويبرر أنه يعشق زوجته ولا يريد أن يستبدلها بأخرى لولآ أن زغرته
"ونيسة "بنظرة قاسية جعلته يبتلع اعتراضه بجوفه وهو يلعن سطوتهم عليه وضعفه أمامهم.
فياترى ماذا تخبأ الأيام القادمة لكِ أيتها المتمردة الغبية، هل ستعدلِ عن افكارك البالية وتتركيه يفرض عليكِ حصون أمانه المشيدة أم ستنفذي ما برأسك وتقعي فريسة لأطماعهم.
----------------------
🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺
بقلم الكاتبه ♥ ريم كريم ♥
الثاني عشر
"القـوة ليست دائماً فيما نقول ونفعل ..
أحياناً تكون فيما نصمت عنه ، فيما نتركه بإرادتنا ، وفيما نتجاهله .."
➖ نيلسون مانديلا
----------------------
اطمأنت على أطفالها و أطعمتهم وقامت بكل الأمور الروتينية ككل يوم ولكن دون أن تعطيه أي أهمية فكانت تكتفي فقط بإيماءات رأسها وبسمات باهتة دون حديث مما أثار ريبته وجعله يتوجس خِيفة من حالتها تلك فهي دائمًا لا تكف عن الثرثرة حتى تسرع رأسه، لا ينكر أنه كاد يفقد أخر ذرة تعقل به من شدة قلقه عليها أثناء غيابها فلأول مرة تكون هي موضعه وحينها عذرها حين يتغيب ولم يطمئنها، تنهد تنهيدة مضطربة وهو ينظر لها أثناء تسطحه بجانبها داخل الفراش، فكان يسند ظهره على جذعه ويدعم رأسه بأحد كفوف يده، والأخرى ينفث بها دخان سيجارته حانقًا وهو يستغرب كونها تغط في نوم عميق قبله فهي على غير طبيعتها بتاتًا اليوم ولذلك السبب تحديدًا داهمته الشكوك بشأن علمها بأمر الآخرى، ولكن وجد ذاته يستبعد الأمر ويرفض عقله حتى التفكير في احتمالات حدوثه، ليطفئ سيجارته داخل المنفضة أعلى الكومود ويميل بجزعه عليها ويضع قبلة حانية اعلى رأسها هامسًا بأخر شيء توقع أن يصدر منه:
-كنت هتجنن النهاردة من غيرك
اوعي تسيبيني يا "رهف"
لايعلم لمَ تفوه بذلك، ولكن شيء ما كامن بداخله يخبره أنه يكن الكثير لها، ربت على خصلاتها وطالعها بنظرة نادمة مغلفة بشيء من تأنيب الضمير ثم وجد ذاته يجذبها إليه ويحتضنها بقوة وكأنه يكتمل بها كي ينفض شيطانه و يعاند هواجسه وينقم عليها.
أما هي كانت تدعي النوم وتشعر بكل ما يصدر منه ولكنها كانت منهكة في التفكير تسترجع احداث الصباح فمع اول خيوط النهار وجدت ذاتها تود ان تفر تُروح عن ذاتها ورغم أنها لا تحبذ أن تطلع أحد على اسرار بيتها كي تحافظ على صورته ولكن تثاقل العبء عليها وشعرت انها بأمس الحاجة أن تبوح ويشاركها أحد ويقوم بنصحها ولطالما كانت تثق في "سعاد" وبحكمتها ولذلك توجهت لها دون أن تدع مجال للتراجع، فقد قصت عليها ما حدث و استمعت "سعاد" لها بكل اهتمام إلى النهاية ولكن بالطبع حيائها منعها من ذكر الكثير و"سعاد" لم تضغط عليها بل تفهمتها وهدأت من روعها حتى انها انصاعت لرغبتها وانكرت وجودها حين هاتفها يسأل عنها، ونصحتها بالأخير أن تتروى في الحكم عليه فهي للآن تجهل هوية الأخرى وتجهل نواياه بشأن أخبارها، وكم اراحها الأمر حين واستها بقولها انها من الممكن ان تكون نزوة عابرة لاتستحق هدم بيتها من أجلها، ورغم كافة نصائحها إلا أن جملة واحدة هي ما كانت تتردد بذهنها(دوري وراه، واوعي تستسلمي وتسبيه لغيرك)
ولذلك وجدت ذاتها
تستغل أنه استغرق في النوم، وتنهض بحذر شديد من الفراش وتتناول هاتفه المغلق و تتوجه به لخارج الغرفة وهي تقسم أن قلبها سيسقط بين قدميها من شدة توترها، اتخذت أحد الأركان المظلمة بزاوية ردهاتها مخبأ لها وكم كانت أناملها ترتجف وهي تضغط على زر تشغيله، ثوان معدودة وصدق حدثها حين وجدته يؤمن شاشته برقم سري، لتترقب بذعر حقيقي وهي تلعن تحت انفاسها فلم تتوقع كونه حويط لذلك الحد؛ وكيف تفعل وهي لم تبحث خلفه قط وتثق به ثقة عمياء.
أطلقت زفيرمتقطع من فمها وحاولت السيطرة على رجفة يدها المتعرقة من شدة توترها ونقرت على شاشته بعض الأرقام التي تتوقع أنه استخدمها ولكن مرة وأخرى بلا جدوى، لوهلة اتتها فكرة عابرة لتجرب تاريخ إنشاء شركته ولسوء حظه وحُسن حظها استجاب الهاتف لها، ارتمت على أقرب مقعد وهي تشعر أن ساقيها كالهلام ولم يعدو يحملوها عندما تفقدت أحد مواقع التواصل الاجتماعي لديه(whatsapp)، ورغم حيطته الشديدة التي تفاجأت بها فقد غامت عيناها وعلت وتيرة أنفاسها وكادت تفقد السيطرة على رجفتها حين وجدت عدة محادثات مشتعلة من رقم يسجله هو بأسم "يامن" كي يضلل فعلته ولا يثير شكوكها عندما تهاتفه، فكان يغازلها وتتدلل عليه، يغدقها بتلك المشاعر والأقاويل المعسولة التي يبخل عليها بها ويمنحها ببذخ لأخرى، وعندما تابعت و سقطت عيناها على تلك الكلمات التي تخبره بها أن والدتها هي من منعتها عنه الفترة السابقة حتى يتخذ قرار قطعي بعلاقتهم، حانت منها بسمة متألمة غير متزنة بالمرة وهي تتأكد من تاريخ المحادثة الذي يطابق تاريخ تلك الأيام التي انقلب حاله بها رأسًا على عقب، ولكن لم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل كانت مشدوهة واضعة يدها المرتجفة على فمها تحاول عدم افلات تلك الشهقة الخافتة التي صدرت من بين شفاهها عندما وجدت رسالة آخرى تؤكد ما سمعته فكم تخبره تلك المدعوة انها تعشقه ولا تطيق صبرًا حتى يعقد قرانهم وكم هي ممنونة له كونه سيلبي كافة شروط والدتها، تجمدت نظراتها على شاشة الهاتف لثوان وهي تشعر بتوقف العالم من حولها فكيف، ومتى، ولمَ!
أهذا ما تستحقه هي...هاجمتها أفكارها وتصارع قلبها مع عقلها كي يجعله يتوارى قليلًا لكي يستوعب الأمر ولكن الأمر فاق استيعابها لتعاندها دمعاتها تلك المرة وتفر من عيناها ولكن ليس لتنعي حالها بل حاله هو وبما سيحل به منها إن لم يعدل عن نواياه.
- بتعملي ايه عندك يا "رهف" ؟؟
صوته أوقف قلبها وجعل الدماء تهرب من اطرافها ولكنها لملمت فتات نفسها ودست بحركة بديهية هاتفه بجيب منامتها وقالت بثبات بالكاد اجادته وهي تضع يدها تجفف دمعاتها متظاهرة انها تتفادى الأضاءة القوية التي اشعلها لتوه:
- مش جايلي نوم ....هو انت صحيت ليه؟؟
كان يفرك عينه بنعاس ولم يلحظ هيئتها ولذلك أجابها:
-رايح الحمام
اومأت له بهدوء عكس انتفاضة دواخلها وحزن عيناها مما جعله يقترب منها كي يستشف ما بها وهو ينحني بجذعه عليها و يكوب وجنتها بين يديه:
- انتِ كويسة ....تعبانة او حاسة بحاجة
أيهمك أمري الآن تبًا لتبجحك ....كيف استطعت خداعي لذلك الحد وكيف كُنت غافلة انا عن خطيئتك بحقي...ذلك ما كانت تفكر به ولكن ما نطقت به كان:
- بتحبني يا "حسن"
صدر سؤالها بنبرة مهزوزة ضائعة وهي تبحث داخل بُنيتاه عن شيء يخصها... أو ربما شيء يخفف ذلك الألم اللعين التي تشعر به الآن ينخر قلبها.
يعلم ان سؤلها متكرر ولكن لا يعلم لمَ شعر بالريبة الشديدة منه تلك المرة، ولذلك قرر يطمأنها بتلك الكلمات التي لم تخمد ألمها بل ألهبتها أكثر:
- أنتِ أم ولادي وعِشرة عمري يا "رهف" ازاي مش بحبك ....اكيد طبعًا مش محتاجة سؤال يعني
لمَ بربك لم تنطق بها دون تلك المبررات الاعتيادية خاصتك...لمَ لم تخبرني إياها مفعمة بالحب مع نظرة حانية من عينك انا بأشد الأحتياج لها الآن.
استراب من شرودها وانقبض قلبه حين راودته تلك الأفكار مرة آخرى ولذلك توتر و سألها بعيون زائغة مترقبة:
-"رهف" ....مالك النهاردة مش طبيعية ليه؟
فاقت من ذلك الصراع بداخلها على سؤاله من جديد لتتدارك الأمر وتهز رأسها بأن كل شيء على ما يرام
يعلم انها لطالما كانت صادقة معه واضعف بكثير أن تخفي اي شيء عنه ولذلك وجد نفسه يبتسم ويجذبها لمستواه ويحتضنها بلطف قائلًا ببعض من تأنيب الضمير:
-أنا عارف إني كُنت عصبي اوي الفترة اللي فاتت وضغط على أعصابك سامحيني و حقك عليا... كان غصب عني...اناااا...
انحصر الحديث بحلقه ولا يعلم بما يبرر لتربت هي على ظهره بتفهم وبِملامح شاحبة تحاكي الموتى قائلة بثبات بالكاد اجادته:
- متحاولش تبرر ...انا فاهمة كل حاجة
أخرجها من بين يده ببسمة واسعة وقال وكأنه يَمنٌ عليها بِمشاعره:
- بحبك...
ابتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها وكأنها فقدت شغفها بمشاعره، ليهمس هو بعبث ليس بمحله ابدًا قبل أن ينهض و يتوجه للمرحاض:
- استنيني في اوضتنا عشر دقايق مش هتأخر عليكِ
أومأت له وعادت لغرفة نومهم بخطوات وئيدة متعثرة، وقبل أن تغلق هاتفه من جديد لتعيده لموضعه كانت تسجل الرقم على هاتفها، وإن انتهت وضعته كما كان، و تمددت على الفراش وهي تحمد ربها انه لم ينتبه لفعلتها، لتحتضن جسدها بذراعيها وتهمس لذاتها كي تحفزها على ما هو قادم بعيون تفيض ألم وبقلب مدمي دمٍ:
- انا قوية...قوية...مش هنهار... أكيد نزوة .....اكيد مش هيعمل فيا كده... مش هسيبها تاخده مني ...اهدي يا "رهف" وافتكري ولادك لازم تبقي قوية علشانهم ...كانت تجاهد ذاتها كي تظل على ثباتها و لا تشعره بشيء حين عودته ورغم هشيم دواخلها إلا أنها بالفعل تمكنت من ذلك ببراعة
------------------
أما في صباح يومٍ جديد داخل الحرم الجامعي
فقد كانت نظراته وبسماته العابثة تصدر كل حين وأخر لها اثناء يومهم الدراسي، مما جعلها تشعر بالحنق منه وكم أرادت أن توبخه على غبائه فهو يكاد يفضح أمرهم بحركاته الصبينية تلك،
زفرت وهي تهبد كتبها اعلى الطاولة داخل كافتيريا الجامعة وجلست تنفخ أوداجها بقوة بمزاج عكر للغاية بفضل ذلك الغبي الذي يجلس على بعد منها وعينه لا تفارق موضعها وكم اغضبها ذلك وجعلها حقًا تسأم منه
-مالك يا "نادين" سرحانة في ايه؟؟
قالتها "نغم " باهتمام صادق وهي تجاورها وتتبع مرمى بصرها، مما جعل "نادين" تجيبها بتوتر:
-مفيش موضوع تافه متشغليش بالك
لاحظت "نغم" ما بها وألتقطت نظرات الآخر التي تظهر بوضوح أمام الجميع مما جعلها تقول بانفعال:
-الحيوان اللي هناك ده هو السبب مش كده
نفت "نادين "برأسها ونظرت إلى ما تشير إليه "نغم" بعينها وثأثأت بتوتر:
-هاااا قصدك "طارق"... لأ
زفرت "نغم" وأخبرتها بِفطنة:
-اصله بجح وعينه متشالتش من عليكِ، وبرغم انه عارف انك مكتوب كتابك وفي عصمة راجل لكن معندوش ذرة نخوة ولا رجولة
ابتلعت "نادين" رمقها بوجل وأجابتها تدعي عدم الاكتراث:
-وانا مالي هو ميشغلنيش اصلًا
تنهدت "نغم" وربتت على يدها المسنودة على الطاولة قائلة بثقة ليست ابدًا بِمحلها:
-انا بثق فيكِ وعارفة انك ذكية ومش هتغلطي ابدًا، انا بس واجبي إني أنبهك الولد ده سمعته وحشة وكل الجامعة بتتكلم عن مغامراته وكفاية اللي عمله في صحبتك
ثقتها التي تفوح من حديثها جعلت "نادين" تشعر بالخزي من نفسها حتى أن ملامحها قد تهدلت بحزن بَين ذكر "نغم"بتلك الطفلة البائسة ذات الضفائر الطويلة التي فقدت والدتها مما جعلها تنتشلها بقولها المتلهف:
-"نادين" مالك انتِ كويسة
أومأت لها "نادين" ببسمة باهتة تقاوم ذلك الشعور الذي داهمها متسائلة:
-صحبتي مين؟؟
-"ميرال" نسيتيها ولا ايه؟ والله البت دي صعبانة عليا جدًا ولما بشوفها قلبي بيوجعني
شيء ما هناك بأحشائها حثها على التساؤل مرة أخرى:
-ليه مالها "ميرال"؟
تنهدت "نغم"واسترسلت بكل عفوية:
-البنت علطول قاعدة لوحدها وكتير بنات بيشفوها في الحمام بتعيط ده غير أن محدش سيبها في حالها وأولهم سي زفت ده من يومين كان بيرخم عليها وفرج عليها كافتريا الجامعة كلها وكل واحد ترجم الحكاية على مزاجه وطبعًا هو مش خسران حاجة بس البنت المسكينة دي من ساعتها مظهرتش واكيد علشان عارفة ان سيرتها بقت على كل لسان
زاغت نظراتها تجاهد بقايا ضميرها وتساءلت مستغربة بنبرة مهزوزة بعض الشيء:
-ليه متعاطفة معاها مش يمكن زي ما بيقولوا عليها؟
نفت "نغم" برأسها وقالت بِفطنة وصلاح نية:
- معتقدش، وحتى لو؛ ربنا يهديها، بس عارفة رغم أنها من الشلة اياها إلا أن احساسي بيقولي أن جواها كويس ومحتاجة بس حد ياخد بأيدها وبعدين ربنا ما بيفوتش و كل اللي بيتكلموا عنها ممكن يبقوا مكانها في يوم من الأيام
كانت مع كل كلمة تطعن بها دون قصد حتى أنها أيقظت بحديثها ضميرها الكامن بعيد يتوارى خلف تمردها وعنجهيتها، مما جعلها تشعر بالحنق من ذاتها فماذا لو كانت هي بموضعها؟ طال تفكيرها في حديث صديقتها التي تجهل تمامًا أنها هي الرأس المدبر لكل ما يقال
ولا تعلم حينها لم شعرت بالخزي من ذاتها فحقًا لا تعلم لمَ كل شيء حولها يتكاتف كي يزعزع قناعتها
غيرت "نغم "سير الحديث وهي تناولها دفتر من حوزتها:
-سيبك بقى من الكلام ده، خلينا في المهم انا نقلتلك كل المحاضرات اللي فاتتك هنا ولو مش فاهمة حاجة ابقي كلميني اشرحها لك
حاولت "نادين" قدر المستطاع الثبات والتخلي عن تلك الحالة الغريبة التي تتملك منها وقالت بود و ببسمة صادقة:
-هو أنتِ علطول جدعة كده...
أبتسمت "نغم" وأجابتها بمحبة خالصة لها:
-احنا مش اصحاب يا "نادين" احنا اخوات ولازم نخاف على مصلحة بعض
اومات "نادين" بامتنان وقبل أن تتفوه بأي شيء آخر كانت "منه" تجلس على طاولتهم قائلة بعتاب:
-اهلًا يا بنتي فينك مختفية ليه ده الشلة هتتجنن من غيرك
كادت "نادين" تجيبها لولآ "نغم" سبقتها بهجوم:
-ويتجننوا ليه إن شاء الله من غيرها
اجابتها "منه" بنبرة مستخفة:
-براحة عليا يا شيخة "نغم" أنا مش قدك
تأففت "نغم" وصاحت بها:
-اتكلمي كويس ولازم تعرفي أن "نادين" مش شبهكم انتوا شلة منفلتة والجامعة كلها ملهاش غير سيرتكم
تدخلت "نادين" كي تلاحق الموقف:
-"نغم" اهدي ومتكبريش الموضوع مش مستاهل
زفرت "نغم" بغيظ من ردها فكم أرادت أن تؤيدها ولكنها كعادتها أثبت لها انها لن تتخلى عن تسليط الأضواء الخادعة عليها لتنهض وتجيبها وهي تلملم كُتبها:
-هو فعلًا مش مستاهل انا ماشية قبل ما تفقعي مرارتي اكتر من كده... سلام
حاولت "نادين" منعها ولكن "نغم" لم تستمع لها مما جعل "نادين" تستاء مما حدث فطالما كانت "نغم" مميزة بالنسبة وكم تعشق حين تكون معها على سجيتها بعيدًا عن كل شيء.
-غريبة اوي "نغم" دي معرفش انتِ مصحباها ازاي!!
قالتها"منه"مستغربة بنبرة تحمل السخرية بطياتها مما جعل "نادين" تقول بدفاع قوي وكأنها عادت لسابق عهدها:
-ملكيش دعوة بيها و متجبيش سيرتها "نغم" طريقة تفكيرها مختلفة عنكم وملهاش في حوارتكم
-خلاص مش هفتح بؤي بس بجد يا بختها "نادين الراوي" بذات نفسها بتدافع عنها
قلبت عيناها بسأم وزفرت حانقة:
-سيبك بقى من كل ده وقوليلي ايه الأخبار؟
اشرأبت" منه" برأسها وكأنها ستخبرها سر من أسرار الحرب وتابعت:
- هقولك اصل الجديد كله عندي يا "نادو"
---------------------
-خلاص بقى يا "دعاء"انتِ اللي استفزتيني وقولتي كلام مايتقلش
قالها "فاضل" بعدما مل من مراضتها كثيرًا ولكنها لم تقبل بعد ان تغفر له حتى أنها هتفت بغيظ:
-كان لازم بنتك تعرف حقيقة أمها وبعدين انا مغلطتش و مهما عملت يا "فاضل" مستهلش انك تمد ايدك عليا قدام بنتك والحيزبونة اللي اسمها "مُحبة"
زفر "فاضل" في ضيق واسترسل كي يبرر لها:
-حقك عليا اتعصبت وكمان كنت زعلان على البنت تخيلي "محبة" قالتلي انها كانت عايزة تموت نفسها لولآ لحقتها في أخر لحظة
شهقت "دعاء" متفاجأة:
-هي حصلت تموت نفسها بنتك اتجننت
زفر بضيق وأضاف:
-انا مش متخيل إني كنت هخصرها يا "دعاء"علشان كده طلبت منك متضغطيش عليها، البنت نفسيتها متدمرة حاولي تقربي منها وتصحبيها
مطت "دعاء" فمها بحركة مدللة وعاتبته:
- بعد ايه بقى ما انت ضربتني وكسفتني قدامهم يعني ده جزاتي إني كنت خايفة على مصلحتها
ربت "فاضل"على خصلاتها بحنان وطلب منها راجيًا:
-لأ... بس انا مش عايز نضغط عليها بعد كده سبيها براحتها يا "دعاء" انا معنديش استعداد اخسرها، ده انا كمان بفكر اعرضها على دكتور نفسي
أومأت له بنعومة مغلفة بالفتنة تعرف تأثيرها عليه وهمست بدلال وهي تستند على صدره و تعبث بأزرار قميصه:
-حاضر بس ده ميمنعش اني لسة مخصماك
ابتسم هو وسايرها بكل طواعية:
-قوليلي ايه يراضيكِ؟
طلبت بعدما التمعت عيناها بوميض يعلمه جيدًا ويعلم ما سيأتي بعده:
-تشتريلي البيوتي سنتر اللي كان نفسي فيه وتكتبه بأسمي
تنهد هو وأومأ برأسه يوافق على مطلبها ولكنها لم تكتفي كعادتها وتابعت:
-ومش بس كده عايزة أغير العربية
تنهد "فاضل" بقلة حيلة وعقب:
- ماشي كل طلباتك مجابة
لتتهلل أساريرها وتحتضنه وهي تشعر بسعادة عارمة كونه سيحقق لها أحلامها التي كانت تظنها بعيدة كنجوم السماء لولاه
بينما هو لم يكن حانقًا بسبب تطلُبها بل يتفهم تمامًا أن تلك المعادلة الصعبة بينهم وتلك الفجوة بين اعمارهم لم تكن تندثر لولآ المال ولذلك لديه يقين دائم انه كفيل ان يعوض به كل شيء
-------------------
لم يعد يحتمل ان يراها امامه دون ان يحدثها او يتمتع بقربها فهو يقسم ان طوال اليوم كان يود أن يجذبها من بين الجميع ويصرخ بأعلى صوته انها حبيبته، ولكن مجبور هو على الصمود من أجلها ورغم أنها صعبة المراث وإلى الآن لم تريح قلبه بكلمة واحد، إلا أنه لن ييأس فلم يتبقى شيء على تحقيق غايتها، ورغم تفهمه وتشديدها عليه إلا أنه وجد ذاته ينتظرها خارج الحرم الجامعي يود أن ينعم ولو دقائق بقربها، فكان يستند على مقدمة سيارتها ينتظرها بكل حماس دون أن يحسب حساب ذلك الذي كان يقترب من موضعه تزامنًا مع خروجها واقترابها من السيارة
فقد تخشبت قدميها وهي ترى ذلك الغبي ينتظرها
وعلى فمه بسمة عابثة تكاد تصيبها بالغثيان
وإن كادت تسير نحوه كي تنهره اتسعت عيناها حين لمحته من بعيد و كرد فعل سريع منها لوحت له ببسمة واسعة كي تنبه ذلك الغبي أمامها وتحثه على الابتعاد وبالفعل تفهم حانقًا وانسحب بخفة وهو يشعر أن الغيرة تفتك به.
لتسرع هي بخطواتها نحو "يامن" كي تلهيه وتسأله بعيون زائغة:
-ايه المفاجأة دي
أبتسم هو وأجابها:
-كنت في مشوار قريب من هنا و قولت اشوفك قبل ما تروحي
هزت رأسها وهي تجول بعينها تتأكد أن ذلك الغبي تفهم الوضع وإن لم تجد أثر له تنفست بأرتياح، استراب من ردة فعلها وسألها:
-مالك بتدوري على حد
نفت برأسها وحاولت أن تستعيد ثباتها قائلة:
-لأ ابدًا حبيت المفاجأة
تنهد يحاول أن يتغاضى عن توترها المبالغ به واقترح:
-طيب تحبي نشرب قهوة في اي كافيه
-هااااا اه قهوة...
قالتها قبل أن تزفر وتطلب راجية:
- بس نشربها واحنا بنتمشى على الكورنيش
هز رأسه موافقًا وسار نحو سيارتها قائلًا:
-معنديش مانع بس خلينا نروح بعربيتك علشان عربيتي ركنتها بعيد عن الزحمة
أومأت له ببسمة ماكرة وقالت مشككة:
-والله تلاقيك لا كنت في مشوار ولا حاجة وبتشتغلني
قهقه هو وأجابها بمشاكسة:
- على طول قفشاني كده
لتتسع ابتسامتها الآسرة وتسأله بكل غرور:
-تنكر إني وحشتك
تنهد تنهيدة عميقة وأجابها وهو يشرع بالركوب بفتح الباب الذي يوازي بابها:
-مقدرش أنكر يا مغلباني
لتلتلمع عيناها بزهو لا مثيل له و تجلس خلف الموقد وتنطلق به، غافلة عن عيون الآخر التي تتربص بها وتتوعد بأشد الوعيد إن كانت تتلاعب به
------------------------
-أنتِ كويسة؟؟
سؤال لعين كاد يفتك برأسه ليعرف أجابته وقد كتبه برسالة نصية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي(whatsapp) لأكثر من مرة وقام بحذفه، فمنذ ما حدث في أخر مرة اوصلها بها وهو لا يعلم شيء عنها وقد أخبرته مربيتها انها لن تغادر المنزل ولن تذهب لجامعتهامما جعله يكاد يجن ويطمئن عليها، حقًا لا يعلم ما حل به ولا يريد تفسير الآن كل ما يعلمه أنه قطع وعد لها ولابد أن يفي به
ولذلك تشجع وضغط على شاشة هاتفه ليتم الأرسال وعندها وجد نفسه يتلهف لردها بشدة ولكن بلا جدوى لم تجيبه حتى شعر باليأس وفكر جديًا أن يهاتفها مباشرتًا وفي خضم أفكاره وجد الهاتف يُأخذ عنوة من يده بواسطة يد صغيرة سارقة يعرف صاحبتها فمن غيرها "فاطمة" ابنة شقيقته المشاكسة التي لا يتجاوز عمرها الست سنوات، رفع حاجبيه بغيظ من فعلتها ولكنها رمقته بطرف عيناها قائلة بتذمر طفولي:
-زهقانة و عايزة العب يا خالو
هز "محمد" رأسه وضرب كف على آخر بقلة حيلة عندما وجدها بالفعل تقوم بتشغيل احد الالعاب التي ترغمه أن يحتفظ بها على هاتفه، لينقض عليها مشاكسًا يقبض على مقدمة ملابسها من الخلف:
- بت انتِ رخمة ليه كده مش تستأذنيني الأول قبل ما تاخدي التليفون من ايدي مش يمكن موافقش
رفعت عيناها الشقية له وثأثأت:
- انت خالو... و مش تقولي لأ
-والله ده أيه العشم ده يا اوزعه!
شهقت واستنكرت قوله:
-انا مش اوزعه... يا ابو رجلين طويلة
هز رأسه بلا فائدة و ضربها بخفة على جبهتها قائلًا:
-بَطلي لماضة احسن هعلقك في النجفة
نفت برأسها قائلة وهي تمط فمها وتنظر له نظرة جرو وديع:
-مش ههون عليك يا حمود
قهقه "محمد" على شقاوتها وتلك الطريقة التي تحدثت بها ليوافقهاقائلًا:
-ماشي يا اوزعه بس جيم واحد بس علشان تروحي تكتبي الواجب
قهقهت هي بحماس وجرت نحو الفراش تتوسطه تدعوه بمشاكسة:
-ماشي تعال بقى ألعب معايا
فما كان منه غير ان ينصاع لها ربما يلهي ذاته ويكف عن التفكير في صاحبة الفيروزتان البائسة
---------------------
أما هي فقد قررت أن تتم ما برأسها بعد أن علمت هوية صاحبة الرقم التي سجلته وجعلت أحد أصدقاء "سعاد" أن يساعدها و يأتيها بكافة المعلومات عنها فقد اكتشفت أن غريمتها صائدة رجال و تعمل لديه بشركته ولذلك لم تتردد وخاصةً انه اخبرها في الصباح انه سيذهب ليعاين أحد المواقع التي يشرف على تنفيذها و وها هي
تقف امامها بكل ثبات وثقة تتأمل هيئتها بتدني تعمدته، تحاول ان تجد ما يميزها عنها، ولكنها واقفة الآن أمام امرأة تناقضها بكل شيء، فهي ذات خصلات شقراء مموجة وعيون حادة ماكرة تلمع بالثقة وانف شامخ وشفاه منتفخة قامت بطلائها بلون قاني لم تجرؤ هي حتى أن تضعه لزوجها، أما هيئتها فكانت ترتدي جيب قصير للغاية يظهر ساقيها ببذخ وبلوزة بيضاء تلتصق على منحنياتها.
عكس هيئتها تمامًا فهي بسيطة الملامح وملابسها محتشمة لحد كبير ولكن ذلك لا يمنع جاذبيتها وجمالها الألهي فهي تتمتع ببشرة خمرية وعيون رمادية وخصلات بُنية متوسطة الطول تناسبها كثيرًا، قد تكون لا تتمتع بذلك الجسد الصارخ بالأنوثة كالذي لدى الآخرى ولكن لنقول أن جسدها متناسق بفِتنة خاصة بها، قطعت "منار" وصلة تأملها قائلة:
-افندم مين حضرتك؟
تنهدت "رهف"وظلت تتمعن بها بشعور لا يضاهيه شيء قط، فأسوء شيء من الممكن أن يحبط المرأة ويهدم كبريائها انها تضع ذاتها مقارنتًا بأنثى أخرى لا تمت لطبيعتها بشيء و الأنكى أن زوجها مال لها رغم كم التناقض بينهم، طال صمتها مما جعل "منار" تزفر حانقة من نظراتها الغير مبررة:
-في حاجة حضرتك؟
أجابتها "رهف" بنبرة واثقة وهي تجلس مقابل لها :
- فيه حاجات .......وعلشان كده جيت يا أنسة ......مش انسة برضو ولا انا غلطانة ؟!!
رفعت "منار" نظراتها لها وأخبرتها ببسمة خبيثة:
- غلطانة...
-أممم اكيد مُطلقة ..... مش كده ......او ممكن عانس ياحرااااام
قالت أخر كلمة بأسف مصتنع وهي تمط فمها مما جعل الآخرى ترشقها بنظرات حاقدة مشتعلة، لتسترسل "رهف" وهي تنظر لها بتدني واضح:
- على العموم في الحالتين حقك !!
لم تفهم "منار" إلى ماذا ترمي وسألتها بغيظ:
- حق ايه مش فاهمة وانتِ مين اساسًا علشان تتكلمي معايا كده؟
احتدت نظرات "رهف" بشراسة قتالية هي ذاتها استغربت أنها تكمن داخلها واستطردت قائلة وهي تشرأب برأسها نحوها تتعمد أن ترهبها:
-حقك تستغلي أي فرصة و تكشفي لحمك وتعملي في نفسك البِدع علشان تعوضي حظك براجل زي جوزي
مهلًا الآن تفهمت كل شيء فتلك هي زوجته الساذجة وقد تفهمت لمَ يتهرب منها ولذلك
أطلقت ضحكة صاخبة ثم أجابتها بكيد وهي تضع ساق على آخر:
- مش محتاجة استغل الفرص يا مدام ...وبعدين جوزك هو اللي هيتجنن عليا ومش ذنبي أنك مش مالية عينه
نخرت الغيرة قلبها ولكنها تمالكت ذاتها وردت بتدني أغاظ الأخرى وجعلها تطلق شرار من عيناها:
- لو مال ليكِ فهو معذور أصل الحاجة الرخيصة بتبهر و بتزغلل العين لترفع سبابتها أمام نظراتها وتحذرها بجدية شديدة جعلت الآخرى تريد الفتك بها:
- القرار راجع ليكِ...ابعدي عنه أحسنلك، علشان اللي بتخططيله ده مش هيحصل... خليكِ عاقلة ووفري على نفسك الفضايح والجُرص
فااااااهمة ولا اعيد تاني...قالت تحذيرها الأخير وهي تعتدل في وقفتها وترشقها بنظرة قاتلة متوعدة من عيناها حتى انها غادرت دون ان تعطي فرصة للآخرى أن ترد
لتصرخ "منار" بغيظ وتتوعد لها:
-يا أنا يا أنتِ يا "رهف" هانم
أما هي فبعد أن خرجت من مكتبها كادت تخور قدمها من شدة توترها ولذلك احتمت بأحد الأركان وأخذت تحاول أن تطلق زفرات متتالية كي تهدأ من روعها فيبدو أن قناع الشجاعة والقوة التي كانت تتقمصه سقط عنها وإن استعادت شيء من ثباتها هرولت للخارج وهي تحمد ربها أنها استطاعت أن تتخطى تلك اللحظة الحاسمة بحياتها
-------------------------
-بحاول ابقى كويسة
كلمة مقتضبة ظهرت على شاشة هاتفه كإشعار مما جعله ينتفض مرة واحدة ويجذب الهاتف من يد الصغيرة متحججًا:
-يلا يا طمطم كفاية لعب انت وعدتيني تكتبي الواجب
نفت "فاطمة" برأسها واجابته بِلماضة:
-عايزة ألعب شوية كمان وبعدين عادي ما انت وعدتني من شهر توديني الملاهي ومودتنيش
زفر "محمد" بنفاذ صبر و وعدها من جديد كي يتخلص منها ويتفرغ لمحادثة تلك التي تحتل كافة تفكيره:
-حقك عليا، و وعد لو كتبتي الواجب؛ هوديكِ بكرة
صفقت في حماس وقفزت على الفراش بسعادة عارمة ثم انصاعت له، ليزفر هو براحة ويتطلع لهاتفه ليجدها مازالت متصلة ليراسلها على النحو التالي قائلًا:
-قلقت عليكِ وكنت متردد أكلمك
غاب ردها مما جعله يلعن تسرعه ولكن أتاه اخيرًا مطمئننًا:
-ياريتك ما ترددت انا بجد محتاجة اتكلم مع حد
زفر براحة وباشر محادثتها بواسطة الكتابة:
-وانا معاكِ وهسمعك للأخر و تأكدي أن وقت ما تحتاجيني هتلاقيني
-انت جدع اوي يا "محمد "وبجد شكرًا على كل حاجة
ابتسم بحبور من مدحها وكم شجعه ذلك أن يطالب بـ إجابات صريحة لتلك التساؤلات برأسه ولكنه كعادته لم يشأ أن يضغط عليها خوفًا أن تتخذ موضع هجوم ضده ولذلك لعن فضوله اللعين نحوها وقرر أن يتركها تخبره ماتوده هي، وبالفعل ذلك ما حدث و استرسلت بالحديث معه لساعات عدة دون أي شعور بالوقت وكم كان هو متفهم يستمع لها دون كلل يحاورها بعقلانية شديدة ويحفزها ان تتخطى كل شيء وتبدأ من جديد وهو يشعر أن نخوته و وعده لها بالمساعدة هم الدافع وراء اهتمامه لا يعلم أن بمكان هناك بصدره يتورط بها رويدًا رويدًا،
بينما هي كانت تشعر بأمتنان عظيم له كونه أَنس وحدتها وكان وجوده يشبه لهيب شمعة انارت عتمتها، غافلة أنها لن تدوم طويلًا وستذوب قهرًا من أجلها
------------------------
عاد لشركته وهو يتعمد أن يلهي ذاته عنها ويتهرب من مواجهتها متحجج بإنشغاله ولكنها دخلت بثورتها قائلة:
- اتفضل دي استقالتي أنا لا يمكن استنى في الشركة دي دقيقة واحدة بعد اللي حصل
أغمض عينه بقوة كي يهيأ ذاته كي يواجهها ولكن كيف الخلاص وهي تقف الآن أمامه بكامل اثارتها و تتخصر بجسدها، مما جعله يبتلع ريقه ويسألها بثبات بالكاد تمكن منه:
- إيه اللي حصل؟
ألتقطت نظراته التي ارضت أنوثتها وتقصعت أكثر بوقفتها قائلة بإنفعال:
- انا عرفت ليه بتتهرب مني... يا سيدي لو عايز ترجع في كلامك مكنش ليه لازمة تبعتلي مراتك تبهدلني وتتهمني بالرخص
أندثرت نظراته وشحب وجهه وبرقت عينيه وهب واقفًا يهمس بعدم استيعاب:
- "رهف"...مستحيل!!
-مستحيل ليه مش انت اللي باعتها
حل رابطة عنقه وهو يشعر أن الارض تميل به وقال بنظرات مهتزة بعدما تأكد أن شكوكه بِمحلها :
- ابعتها فين انتِ مجنونة انا معرفش انها عارفة اصلًا، ورغم إني شكيت بس عمري ما اتوقعت انها تجيلك هنا
ادعت الوداعة واسبلت عيناها بعتاب وقالت بنبرة متألمة اجادتها:
- ده كل اللي يهمك ....ومش هامك انها بهدلتني وسمعتني كلام زي الزفت بسببك لأ وكمان هددتني وعينها بعيني من غير ما تعمل اعتبار ليك
لتجهش بالبكاء وتقول وهي تنظر له نظرات تعرف تأثيرها عليه:
-ترددك هو السبب لو كنت صارحتها من الأول مكنتش حطيتني في موقف زي ده
لتمسد جبهتها وتترنح وكأنها ستفقد وعيها مما جعله يهم إليها يدعمها بذراعيه فما كان منها غير أن تستند على صدره وتسبل عيناها أكثر تدعي الوهن:
-انا همشي من شركتك وهخرج من حياتك كلها وهدوس على قلبي...وياريت تنساني زي ما هحاول أنساك يا سُونة
إلى هنا وقد ذهبت مقاومته أدراج الرياح، فكيف لذكر مثله أن يصمد أمام أنثى منكسرة تحبه مثلها، ليجد ذاته يضرب بكل شيء عرض الحائط ويقول وهو يتأكلها بعينه:
- لا مش هقدر... صدقيني حاولت كتير أنساكِ وابعد عنك معرفتش ...
مرغت وجهها بصدره كالقطط وقالت تدعي الوداعة وهي تشهق ودموع التماسيح خاصتها تتراقص على وجنتها:
-بس هي مش هتسبني في حالي دي هددتني
نفى مستنكر قولها واجابها بفكر عقيم وهو يمرر يده بين خصلاتها الشقراء:
-متقدرش تعمل حاجة "رهف"أضعف من كده بكتير، وطالما عرفت خلاص يبقى مبقاش في حاجة أخاف منها وغصب عنها لازم تقبل
-يبقى لو بتحبني تستعجل وتكتب عليا
اومأ لها كالمغيب تحت وطأة رغبته، مما جعلها تبتسم وتصرح له بهمس مغري للغاية وهي تقترب بشدة من وجهه:
-بحبك يا "سُونة" ومقدرش اعيش من غيرك
لم يمهلها لقول المزيد فقد جذبها من مؤخرة رأسها وأنقض بشراسة على ثغرها وكأنه يود أن ينفث عن تلك الرغبة المُلحةالتي تكاد تقضي عليه، ولكنها لم تكن به رحيمة ابدًا، فقد بادلته بجرأة غير عادية وأججت تلك الرغبة أكثر فأكثر فما كان من جسده غير ان يطالب بها ويتحرك من تلقاء نفسه يعتصرها و يستبيح بيده الماجنة أن يتحسس كل أنش بجسدها؛ وهي بالطبع لم تمنعه تلك المرة بل كانت تتعمد أن تثيره أكثر بآناتها وملامسته بحميمية وخبرة مسبقة حتى جعلته منتشي حد الجحيم لا يقوى على التحمل أكثر وبالطبع ذلك ما كانت تخطط له عندما كان يتهرب منها؛ فتعمدت هي أن تشعله حد الأحتراق لنيلها ثم تتركه يتوسل قطرة غيث تطفأ ناره المؤججة؛ وبالفعل تمكن شيطانه أن يسيطر عليه واستغل لحظة ضعفه وبرأ تلك الخطيئة التي مهما ادعى أنها بريئة لم تكن أبدًا؛ إلا ماجنة آثمة بحق زوجته
--------------------
كم كان الوقت يمر سريعًا وهو برفقتها فقد احتسوا القهوة ثم سارو معًا للكثير من الوقت حتى ألمتهم اقدامهم وقررو يستريحون على أحد المقاعد الرخامية على ضفاف النيل، ورغم انه كان يأمل أن تتجاذب معه أطراف الحديث ولكنها لم تنبس ببنت شفة فقد كانت فقط شاردة وكأنها تفكر في معضلة عويصة تؤرقها، وهو لم يريد أن يفرض حصاره عليها بالحديث بل فضل أن يمنحها مساحتها الخاصة ويكتفي كونه برفقتها دون جدل
أما هي كانت بعالم موازي مليء
بالتخبطات لا تعلم ما يحل بها فقط كل تعلمه أن بداخلها صخب يؤرقها وكم تتمنى أن تتخلص منه و تنعم بشيء من السَكينة والأطمئنان، لوهلة شعرت بفراغ بجانبها، وإن كادت تبحث بعيناها عنه وجدته يقف على مقربة يبتاع تلك الحلوى التي تعشقها، حانت منها بسمة حنين تحمل بين طياتها الكثير فكم ذكرها ذلك المشهد بطفولتها حين كانت تركض على البائع وتجبر والدتها ان تبتاعها لها وحين تنفذ رغبتها بالحصول على أكثر واحدة كانت تحتضنها تنعمها بدفئها وتخبرها بحنو أنها ستؤذي اسنانها، لكنها لم تقنع قط إلا أن خربت اسنانها بالفعل ولكن ليس بفضل دلال والدتها فقد كانت رحلت حين ذاك، بل بفضله هو فكلما كان يغضبها ويريد مراضاتها يجلبها لها
انتشلها هو من دوامة ذكرياتها قائلًا وهو يمد يده بلفافة وردية كبيرة هشة من الحلوى:
-عارف انك بتحبي غزل البنات
تناوبت نظراتها المشتتة بين الحلوى وبينه وتناولتها من يده واخذت تنظر لها بعيون مسبلة تغيم بالذكريات، تفهم هو ما أصابها ولكونه يعرفها عن ظهر قلب قال مواسيًا وهو يربت على ظهرها:
-عارف أنها وحشتك بس مفيش حاجة بأيدنا غير ندعيلها
كانت تقرص على شفاهها وتطرق رأسها دون أن تعقب حتى أنه ظن انها لن تفعل ابدًا وندم حين جلب لها تلك الحلوى التي يعلم بما ذكرتها لذلك وجد ذاته يعتذر وهو يرفع بأنامله خصلاتها التي تعيق رؤيته لوجهها بحركة حانية للغاية:
-اسف مكنش قصدي أفكرك
نفت برأسها وهمست بنبرة تحمل بطياتها الكثير من الألم:
-عمري ما نسيت علشان تفكرني
تنهد بعمق وهو يلعن ذاته بسره وصمت كي لا يزيدها عليها بحديثه، وبعد عدة ثوانٍ همست هي:
-فاكر زمان كنت لما بزعل وتحب تصالحني؛ تجبهالي لغاية ما سناني كلها سوست بسببك
أبتسم بحنين لتلك الأيام وقال مشاكسًا كي يستغل الأمر ويخفف عنها:
-فاكر يا مغلباني، كنتِ مطلعة عيني بتتلككي ليا دايمًا ولو قولتلك صباح الخير من غير قصد كنتِ بتمسكِ فيا وانا كنت كل مرة أجري اجبهالك من مصروفي علشان تصلحيني
استعادت رباط جأشها وحانت منها بسمة صادقة نابعة من قلب تلك الطفل ذاتها حين أخبرته:
-أنت كنت رخم وبتاخد حاجتي
فاكر يوم عيد ميلادي و العروسة بتاعتى اللي "حسن"جبهالي عملت فيها ايه
ابتسم حين تذكر حنقه من أبن خالته المتلاعب حينها، وتذكر فعلته الشنعاء بتلك الدمية المسكينة ولكنه أنكر قائلًا ببراءة:
-مش فاكر؟
وكزته هي بكتفه قائلة في غيظ:
-لأ فاكر ...يومها صحيت من النوم لقيت العروسة مقصوص شعرها ومتشخبط على وشها وفستانها مقطع ومربوطة بحبل من رقبتها فوق سريري وانت قولتلي انها روح شريرة
أنفجر هو ضاحكًا عندما تذكر كيف كانت مذعورة حينهاوظلت لأيام تجبر ابيها أن ينام برفقتها وهي مقتنعة تمامًا بحيلته
وكزته مرة أخرى بكتفه ولم تستطيع منع نفسها من مشاركته ضحكاته قائلة بلا فائدة:
-طول عمرك رخم
أجابها مشاكسًا:
-أنتِ اللي كنتِ مبتسمعيش الكلام اعملك ايه قولتلك بلاش تاخديها منه وإني جايبلك واحدة أحلى منها بس انت عاندتي ورمتي عروستي واخدتي بتاعته وطلعتيلي لسانك
كان يتحدث بعفوية تامة وحركات جسده متناغمة تمامًا مع بسمته البشوشة الهادئة التي تزين وجهه مما جعلها دون أي تعمد وجدت ذاتها تهيم به وتلك النبضة العاصية بقلبها يزداد وجيبها، استكانت ملامحه حين ألتقط نظراتها ووجد ذاته يغوص بدفء عيناه بليل عيناها المشتتة وكم تمنى أن يرى بصيص أمل بداخلها ولكنه كان كالغريق الذي يظن أن نجاته تعتمد على المعافرة و قدرة تحمله على الصمود
دام ذلك التواصل البصري لعدة ثوان كانت كفيلة أن تجعل ذلك الصخب الذي يعتمرها يسَكن ويهدأ تمامًا، حتى انها وجدت ذاتها تصرح له دون أي تفكير مسبق:
-تعرف إني مبقتش أخاف منك
حانت منه بسمة حالمة تجيش بما يختلج بصدره وأجابها بنبرة صادقة للغاية وهو يرفع يدها ويلثمها ببطء أمام نظراتها المشتتة:
- آسف لو اتعمدت اخوفك قبل كده، كان غرضي أخليكِ تتمسكِ بوجودي جنبك وتحسسيني إني الوحيد القادر على حمايتك
ليتنهد تنهيدة حارة مثقلة وهو يحتضن كفها البارد بين راحتيه ويستأنف بنبرة تدل على قلة حيلته في عشقها:
-صدقيني غصب عني ببقى عايز أطمنك بعديها وأخبيكِ بين طيات روحي جنب قلبي وأحميكِ حتى من نسمات الهوا اللي بتعدي جنبك، أنت الروح لروحي يا "نادين "و وجودك جنبي دليل على حياتي
كانت تستمع له بعيون لامعة وقد لامست كلماته الصادقة شغاف قلبها وزعزعزت قناعتها بكل براعة وحينها دق ناقوس الخطر وأعلن عن بدء تلك الحرب الضارية بين قلبها وعقلها ولكنه لم يمهلها الوقت لذلك فقد جذبها بقوة إليه ودفنها بين جنبات صدره واضعًا قبلة حانية على قمة رأسها وكأنه يود أن يكلل تلك اللحظات بقربها، بينما هي كانت تنوي أن تدفعه عنها وتحجج كون ذلك غير لائق بالطريق ولكن لحسن الحظ كان المكان معزول خالي من أي مارة، مما جعلها تستكين وتشعر بطمأنينة غير عادية وكأن صدره هو المأوى والمأمن الوحيد لها
انتظر أن تتفوه بأي شيء من أجل أن تخلد تلك اللحظات بذاكرته ولكن طال صمتها مما جعله يهدر بمشاكسة وهو يأخذ قطعة كبيرة من الحلوى ويدسها بفمها:
-مش هتنطقي ولا ايه؟ فين لسانك السبعة متر دلوقتي يا مغلباني؟
لملمت شتاتها وتناولت نفس عميق كي تحفز ذاتها ثم خرجت من بين يده مبتسمة بمكر وهي تستمتع بذوبان السكر بفمها قائلة وهي تتناول قطعة أخرى بتلذذ غير عادي:
-كَلته القطة يا رخم و قوم بقى جبلي واحد تاني
قهقه من جديد وقال وهو يمط فمه:
- طِفسة
-رخم
قالتها ببسمة مشاكسة وهي تخرج لسانها له و تدفعه كي ينهض عن المقعد و يمتثل لرغبتها، ليضرب هو كف على آخر وتتعالى صوت ضحكاته، فرغم أنها ستتم الواحد وعشرون بعد أيام معدودة إلا أنها مازالت بمشاكسة تلك الطفلة ذات الضفائر الطويلة التي أحبها منذ أن سقطت عينه عليها.
بينما هي أخذت تتناول الحلوى بتلذذ لا مثيل له مستمتعة بتلك اللحظات التي تظنها لم تؤثر بها ولن تجعلها تحيد عن ما برأسها
----------------------
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق