رواية غرام في المترو الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم ولاء رفعت علي
رواية غرام في المترو الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم ولاء رفعت علي
* الفصل الأول *
غرام في المترو
بقلم ولاء رفعت
نسمات الصباح المنعشة والشمس ساطعة في سماء حي دار السلام بمحافظة القاهرة، وفي إحدى الحواري الشهيرة، يصدح من هذا المنزل القديم صوت الشيخ محمد رفعت الصادر من المذياع أعلي المنضدة في الردهة و المائدة الصغيرة التي تتوسطها، وُضعَ أعلاها صحن من البيض المقلي وآخر به الفلافل الساخنة ذات الرائحة الشهية وصحن ثالث به قطعة من الجبن الأبيض، صوتها يدوي في الإرجاء تنادي علي أهل المنزل
"الفطار جهز، ابتسام يا ماما يا سعيد، يلا الطعميه هتبرد"
خرجت من الغرفة شقيقتها التي تدرس في آخر صف بالثانوية العامة، كانت تغلق زر كم القميص
"بالله عليكي يا غرام أعمليلي ساندوتش طعميه وواحد جبنة، أنا لبست ومش هعرف أحضر الساندوتشات"
عقب شقيقها ذو الثلاثة عشر عاماً
"و أنا كمان يا غرام أعمليلي زي إبتسام و ضيفي ساندوتش بيض"
صاحت مازحه
"هو فيه إيه؟، ما أنا زيي زيكم وورايا شغل كمان، و مستعجلة و عايزة أمشي، مفيش حد منكم خلي عنده دم و يقولي عنك يا غرام و تعملولي الساندوتشات"
ابتسمت والدتها السيدة عزيزة، امرأة في منتصف عقدها الرابع، يبدو علي ملامح وجهها الذي يتميز بالشحوب إمارات التعب والمرض.
ربتت بحنانها الغادق علي كتف ابنتها
"حبيبتي ربنا يخليكي ليهم، أنتي سندهم و كمان هتبقي أمهم من بعدي"
ألتفت إليها بعتاب طفيف
"ربنا يديكي طول العمر و يباركلنا فيكي يا أم غرام، بالله عليكي وأول وآخر مرة تقولي كدة"
عقبت ابتسام بمرح
"أنتم هتقلبوها حزن كدة ليه، والله أنادي لكم علي طنط عدلات تيجي تضحكم"
صاحت غرام مازحة
"لاء أبوس إيدك دي بتاكل وداني من الرغي، و تشيلني ذنوب الحارة كلها من النم عليهم، الحمدلله أنا فطرت"
تناولت حقيبة اليد خاصتها و حقيبة أخري ترتديها علي ظهرها، أشارت إليها والدتها إلي الطعام
"كملي فطارك يا بنتي قبل ما تمشي"
"مش قادرة يا ماما، ما أنتي عرفاني لما بكون جعانة باكل، أنا يا دوب أشرب كوباية الشاي و هاروح ألحق أخد البضاعة من مدام رشا"
"و أنتي راجعة ماتنسيش تعدي علي أختك أحلام تطمني عليها وطيبي بخاطرها"
زفرت بضيق وأخبرت والدتها
"ليه محسساني إني قسيت عليها؟!، يعني عاجبك عيشتها مع جوزها كل أسبوع يرنها العلقة و تيجي تغضب يقوم البيه يكلمها يضحك عليها بكلمتين و لا كأنه عمل فيها حاجة، وتمشي من غير ما تقولنا و لا كأننا أهلها"
أمسكت والدتها يدها برجاء
"طيب عشان خاطري، روحي أتطمني عليها حتي من علي الباب و أرجعي، أنا خايفة ليكون المنيل سمير عمل فيها حاجة"
لم تجد مفراً من طلب والدتها حيث لا ترفض لها أمراً، فقالت علي مضض
"حاضر يا ماما، هاروحلها و بدعي ربنا إن ما شوفش خلقة جوزها، لأن لو شوفته مش عارفة ممكن أعمل فيه إيه"
"أنا عارفة إنك عاقلة و مش هاتعملي كدة"
نهضت الأخرى وهمت بالذهاب
"أستأذن أنا بقي عشان أتأخرت سلام عليكم"
صاحت شقيقتها وتركض خلفها
"استني خديني معاكي يا غرام"
و عندما خرجت كلتيهما من المنزل وجدا الجارة الثرثارة -عدلات- تبتسم بشفتيها الغليظتين وتسألهما
"رايحين فين تعالوا"
"عن إذنك يا خالتي عدلات متأخرة علي الشغل"
أشارت لهما نحو باب منزلها
"ما تتفضلوا تعالوا أفطروا"
ردت ابتسام و تهم بالمغادرة
"سابقناكي تسلمي"
خرجت و تنفست الصعداء، فقالت غرام إليها
"خدي بالك من نفسك و أول ما ترجعي قوليلي"
أومأت لها وبإجابة مقتضبة قالت
"حاضر"
※ ※ ※
ننتقل إلي مدينة الشيخ زايد حيث الفلل والقصور و المنازل داخل وحدات سكنية، و بداخل الوحدة التي تشمل الفلل، تقع فيلا عائلة الشريف، رأفت الشريف رجل أعمال شهير وصاحب علامة تجارية مسجلة في مجال الملابس «Y& N» و ذلك أول حروف من أسماء ابنيه، نور و يوسف، فالأول يبلغ من العمر الثلاثة والثلاثون ربيعاً، متزوج من «كاميليا عبيد» التي درست معه في المرحلة الجامعية و جمع بينهما علاقة حب اكتملت بالزواج وانجبت الصغيرة الشقراء «تولين» ذات الثمانية أعوام.
بينما الثاني يوسف الذي يعيش عازب مُدلل، و السبب يعود إلي والدته السيدة منيرة، و التي تبلغ منتصف عقدها الخامس، كانت لا تدرك إنه قد أصبح رجلاً راشداً ولم يُعد الابن الصغير.
و في غرفة المائدة يتجمعون أفراد العائلة، و علي رأس الطاولة السيد رأفت يبتلع قطعة الخبز الفرنسي بعد أن قام بدهنها بقطعة زبدة
"لسه ما عرفتش حاجة عن اللي بيقلد البراند بتاعنا و بيوردوا للمحلات؟"
ألتفت إليه ابنه الأكبر نور وأخبره
"أنا بعت رجالة للمحلات دي و بيسألوا أصحابها عن المورد أو التاجر اللي بيشتروا منه البضاعة و علي بكرة بالكتير إن شاء الله هيكون عند حضرتك التقرير"
انتبه رأفت إلي ابنه الآخر يوسف حيث كان شارداً في صحنه وآثار النوم مازالت علي وجهه ذو البشرة الحنطية
"و أنت يا يوسف بيه، عملت إيه في موضوع الدعايات؟"
كان سؤال ساخر من والده مثل كل مرة،
ربتت الصغيرة تولين علي ذراع عمها وتخبره ببرائتها
"أونكل چو، كلم جدو"
انتبه إلي الصغيرة وكأنه استيقظ لتوه من غفوة، فسأل والده
"حضرتك كنت بتقول إيه؟"
ابتسم والده هازئاً
"هاتسمعني إزاي صح و أنت قاعد زي المساطيل، طبعاً كنت سهران لحد الفجر زي كل يوم و لا كأن ليك أهل عايشين معاك"
تدخلت منيرة لتوقف زوجها عن توبيخ ولدها المدلل
"براحة يا رأفت عليه، دي أول مرة يسهر من شهر و أنت من بعد ما شغلته معاكم و مطلع عينه في الشركة"
حدق إليها زوجها بنظرة نارية قابلتها بعدم اكتراث
"أهو دلعك الزايد ده ليه فسده، و أنا عمال أصلحه وأشيله المسئولية، ابنك يا هانم لسه تامم التلاتين سنة يعني المفروض كان متجوز و أب كمان"
وكأنه استيقظ لتوه فأجاب علي والده
"و أنا مش هيعيش زي ما حضرتك عايز، دي حياتي و أنا حر فيها"
نظر رأفت إلي زوجته يعاتبها بحدة
"سمعتي يا منيرة هانم؟"
تدخلت كاميليا لعلها تهدأ من الوضع المشتعل
"معلش يا أونكل بالتأكيد يوسف ما يقصدش"
نهض يوسف وصاح بغضب
"لاء يا كاميليا أقصد، هو عايزني نسخة من جوزك نعم حاضر و يبقي ماليش أي رأي و لا شخصية"
نظر إليه شقيقه نور و قال معاتباً
"شكراً يا يوسف"
خالجه الحرج الشديد لما قاله للتو فأبتعد عنهم بخطوات سريعة، نهضت والدته خلفه تناديه
"يوسف، يا يوسف"
توقف فاستدار إليها
"حضرتك عايزة تقوليلي حاجة أنتي كمان؟"
لكزته في عضده وتنهره
"أتلم أنا لو قلبت عليك زعلي وحش أوي، أنا بنادي عليك عشان أقولك بعد ما تخلص شغل عدي عليا في النادي تسلم علي طنط راندا و ماهي بنتها"
بدي علي وجهه الامتعاض والضيق
"ماما ياريت تخرجيني من جو أصحابك و بناتهم، خصوصاً راندا و بنتها"
"يا سلام مش دي ماهي اللي كنت هاتجنن عليها وارتبطوا ببعض سنة و بعدين سيبتها من غير سبب؟!"
"أديكي قولتي، كنت يعني فعل ماضي وانتهي، ما ارتحناش مع بعض هي دماغها تافهة و عايزة واحد أتفه منها، و أنا ماليش في الجو ده، ياريت بقي تقفلي علي الموضوع و ما تفتحيهوش تاني"
قد وصل غضبها إلي ذروته، حدقت إليه بنظرة نارية قائلة بوعيد
"براحتك، و لو وقعت في مشكلة تاني أنا مش هقف معاك و لا أحوش ما بينك و بين أبوك"
دنا منها وقام بتقبيل جبهتها فقال
"و أنا واثق و متأكد عمرك ما هاتعمليها، باي باي موني"
غادر وتركها تشعر بالحنق، فهي بالفعل السبب في عدم تحمله المسئولية، و كم كرهت عتاب زوجها و لومه الشديد لها، كما تري في عينيه الآن نظرة ساخرة فبادلته بعدم مبالاة وصعدت إلي الأعلى.
※ ※ ※
و في الشارع الخلفي لمنزل عائلة غرام، صوت المذياع مرتفعاً فالشيخ يتلو آيات من سورة البقرة، تحمل صغيرها وتضعه علي الأريكة،
تزوجت أحلام منذ ثلاث سنوات بمَنْ أحبته ويدعي سمير، و هذا منذ خمس سنوات مضت كانت تبلغ عشرون عاماً حينها كانت تعمل بائعة في الصيدلية، والآن هي زوجته و أم ابنه محمد ذو العامين وينادونه باسم «ميدو»
تضع أمام طفلها الألعاب وتخبره
"أقعد هنا و ألعب لحد ما أشيل الأكل وهاجيبلك الزبادي اللي بتحبه"
ردد الصغير بسعادة
"بادي، بادي"
قامت بتقبيل وجنته
"هاكل خدودك المقلبظين يا روحي"
"وطي الراديو ده بدل ما أسقف لك علي خدودك أنتي علي الصبح"
كانت صوتاً رجولياً كالنشاز قاطع وصلة المرح بينها و بين صغيرها، ألتفت إليه وقالت بامتعاض
"جري إيه يا سمير من ساعة ما صحيت مش طايق نفسك، وبعدين أنا معليه الراديو عشان القرآن، خليه يملا الشقة بركة ويطرد الشياطين منها"
اقترب منها فابتعدت خطوة إلي الوراء خوفاً، قبض علي عضدها وصاح يسألها
"قصدك عليا أنا شيطان؟"
ابتلعت لعابها وأخبرته بخوف وتردد
"و الله ما قولت كدة، أنا قصدي يطرد الشياطين اللي بتوقع ما بينا وبتخليك تتخانق معايا وتمد إيدك عليا زي ما أنت عامل فيا كدة"
نفض ذراعها وقال
"أيوة زي أمك وأختك غرام كدة بالظبط، كل ما تروحي ليهم يقوموكي عليا كأني أكلت ورثهم و أنا مش عارف"
"لاء وأنت الصادق، بتذل بنتهم و بتهينها ديماً و مش بتتفاهم معاها غير بالضرب علي طول، ياريتني ما كنت أتجوزتك يا أخي"
جلس علي الكرسي أمامها ووضع ساق فوق الأخرى، يخرج علبة السجائر من جيب قميصه القطني و القداحة، يشعلها وينفث دخاناً كثيفاً، يخبرها بتعجرف
"و الله ما ضربتكيش علي إيديكي عشان تتجوزيني و أنتي عارفة طباعي كويس"
أدركت ما يرمي إليه من أمرٍ تحاول نسيانه منذ ثلاث سنوات، تتمني أن يعود بها الزمن وتغير كل ما حدث، لكن ما الفائدة من كلمة
-ياليت- كلمة ظاهرها ندم و باطنها حسرة وجرح لن يندمل.
※ ※ ※
اجتازت غرام مسافة كبيرة سيراً علي الأقدام حتي وصلت أمام متجر لبيع الملابس و مستلزمات المرأة، وقفت قليلاً تلتقط أنفاسها قبل أن تولج إلي الداخل، تعلم ما ينتظرها كل يوم في الصباح و المساء...
"سلام عليكم"
ألقت التحية فأجابت السيدة رشا بتحية مماثلة ثم أردفت
"جيتي في وقتك يا غرام، المرة دي جايبة تشكيلة عبايات و فساتين هاي كوبي من براند مشهور، العباية عندهم ممكن تعدي الألف جنيه لكن إحنا هنبيعها بـ 300 وبس و تبقي شاطرة لو خليتي العرض اللي تاخد عبايتين يبقي بـ 500 وعليهم طرحة وبندانة هدية"
ترددت غرام أن تخبرها بما يدور في رأسها، فهي تعلم خصال هذه المرأة الأربعينية، تبدو أمام الناس مرحة و ذات قلب حنون لكن يظهر معدنها عند الغضب، لذا اكتفت الأولي بقول مقتضب
"ما تقلقيش، هاعمل زي ما حضرتك قولتيلي"
ابتسمت الأخرى فأشارت إليها
"طيب أقعدي إستريحي علي الكرسي ده عقبال ما أطلع أجيبلك الحاجة ونازلة"
وقبل أن تتفوه غرام بكلمة رأت الفرح يتراقص في عينين رجب، شقيق رشا هذا الشاب الثلاثيني الذي لا يعرف معني للمروءة والشهامة، يعيش بغرائزه الحيوانية كما يحلو له، يركض خلف كل ما هو صعب المنال، و يزداد تشبثاً إذا كان هذا المنال يتجسد في غرام، الفتاة الشرسة أمام كل ضبع يظن إنها فتاة ضعيفة، فبرغم إنها لا تمتلك جمالاً ساحراً أو عيون ملونة بل ملامحها مثل أغلب الفتيات المصرية، البشرة القمحية والعيون ذات اللون البني، ترتدي وشاحاً يُغطي خصلات شعرها ما بين الأسود والبني، غالباً تعقصه علي هيئة كعكة محكمة بربطة شعر مطاطية، جسدها ما بين الرفيع و الممتلئ، و مع كل ذلك فهي أنثى بالنهاية، و لو امتلكت جمالاً وسطاً فمازال يطمع فيها أمثال رجب، فالمحرك لدي هؤلاء الضباع ما هي إلا الشهوة!
عندما ذهبت شقيقته ترك عصا النرجيلة من يده علي المنضدة ونهض فاقترب من غرام، سمع صوت زفيرها الذي يخبره عن عدم تحملها لوجوده جوارها
"مفيش صباح الخير يا رجب؟، أو عامل إيه يا ريجو؟، أي كلمة حلوة تطري علي القلب منك للغلبان، اللي هو أنا يعني"
ألتفت إليه و علي وجهها كل إمارات الغضب
"غلبان؟!، قصدك تقول أنت تِعبان، و ياريت تبعد عن وشي عشان لما بشوفك اليوم بيقفل"
اجفلها بصوته المزعج
"جري إيه يا بت؟، أنتي نسيتي نفسك و لا إيه؟!، أومال لو كنتي حلوة، ده كلك علي بعضك ما تسويش في سوق البنات قرش واحد"
"فعلاً ما أساويش قرش، لأن اللي زيي ما بيتقدروش بالفلوس، إحنا غاليين أوي، لكن أنت بقي في نفس السوق ده ما تساويش ربع جنيه"
ظل يعيد كلماتها في رأسه حتي أدرك الإهانة التي وجهتها إليه أو ربما قصف جبهة جعل دمائه تكاد تفور من الغيظ، صاح مرة أخري بغضبٍ جم
"نهار أبوكي أسو...
"إياك تجيب سيرة أبويا الله يرحمه علي لسانك"
"إيه اللي بيحصل يا رجب؟"
كان سؤال رشا التي تنزل علي الدرج وتحمل كيساً أسود كبير، سبقته غرام قبل أن يخبر شقيقته بالافتراء
"مفيش يا مدام، المعلم رجب كان بيوصيني علي البضاعة"
عاد إلي الكرسي و النرجيلة خاصته، بينما كانت رشا اللاصق بالسكين
"سيبك من أخويا و ركزي في الحاجة اللي هديهالك"
أخرجت عدة قطع من الثياب، كل قطعة مغلفة بغطاء بلاستيكي شفاف
"10 قطع أهُم، و لو خلصوا و محتاجة تاني كلميني و أبعتلك رجب بالحاجة"
قامت غرام بفتح حقيبة الظهر وأخذت تضع القطع
"حاضر يا مدام"
وبعد أن أخذت البضاعة غادرت المتجر متجهة إلي محطة المترو حيث مكان البيع المناسب لها، فهي تعمل بائعة متجولة داخل القطارات في عربة السيدات وأحياناً خارج المحطة برغم ما تتعرض له من مضايقات من المارة وأيضاً من رجال الأمن داخل المحطة.
و في الطريق أوقفها صوت صديقتها هند، تخرج رأسها من المركبة ذات الثلاث إطارات
"غرام؟، يا غرام؟"
ذهبت الأخرى إليها فتركت لها صديقتها براحاً لتجلس بجوارها
"أطلعي أركبي، جمال يوصلك عند المحطة وأنا هاكمل معاه لحد المصنع"
"يا بنتي كملوا أنتم طريقكم عشان ما تتأخريش علي شغلك"
أخبرها جمال و كان هو من يقود المركبة
"أركبي يا غرام، كدة كدة المترو في طريقي"
صعدت إلي داخل المركبة وجلست ووضعت حقيبة الظهر علي فخذيها
"إيه أخبار الشغل معاكي؟"
سألتها هند فأجابت الأخري
"الحمدلله، أهي ماشية"
"ما تقلقيش أنا سمعت الحاج عبدالتواب صاحب المصنع بيقول إن فيه أتنين هيسيبوا الشغل آخر الشهر و كلمتوا عليكي و علي أحلام أختك"
"أحلام أختي؟!"
رفعت زاوية فمها جانباً ساخرة وتابعت
"أحلام شغلنتها الوحيدة جوزها"
"هو جه خدها و لا لسه غضبانة؟"
"هما يومين اللي قعدتهم و التالت خلتنا نايمين وخدت ابنها ومشيت، هاموت وأعرف هو عاملها إيه مخليها ماشية وراه تقول آمين، يضربها تغضب وبدل ما تاخد معاه موقف ترجعله، ده لو كان ساحرلها مش هتعمل في نفسها كدة"
ضحكت هند علي حديث صديقتها وعقبت
"ده مش سحر، ده الحب ياختي، بس أختك هي اللي بتحبه، لكن هو علي عمايله معاها ما بيحبهاش"
"و الله يا هند أنا و أمي وابتسام حتي الولاه سعيد أبو 13 سنة كلنا بنقولها كدة، يعني أنا اسمع عن اللي يبيع كليته أو يبيع قرنية لكن دي اللي باعت كرمتها و ببلاش كمان"
تدخل جمال والذي كان متابعاً
"معلش علي تدخلي في الحوار يا غرام، أختك غلبانة ومالهاش أي خبرة في الناس وحظها إنه سمير ظهر في حياتها وأقدر يخليها تحبه وتتعلق بيه، يعني عندك مثلاً أنا و هند حبينا بعض وأتخطبنا ومحدش فينا يقدر يستغنا عن التاني، صح يا دودو؟"
نظرت إلي صورته في المرآة وأجابت بعشق تنضح به عينيها وتلفظ به شفتيها
"صح يا عيون هند، بس طبعاً لو فكرت تزعلني أنا مش هغضب و لا هعيط، أنا حقي هاخده بإيدي أنت ونصيبك"
"خليكي شاهدة يا غرام علي صاحبتك، عشان لو في يوم لاقيتو جثتي في أكياس أعرفوا إنها اللي عملت فيا كدة"
عقبت هند
"بعد الشر عليك يا حبيبي"
"ربنا يبارك لكم و يتملكم جوازكم علي خير، يا جمال مفيش وجه مقارنة ما بينك و ما بين جوز أختي، أنت ابن أصول لكن هو، خليني ساكتة أحسن"
"ربنا يهديه ليها، يا عالم يمكن يتغير"
"أتمني، المهم أختي تكون بخير"
"وصلنا"
توقف جمال أمام الدرج المؤدي إلي المحطة، أخرجت غرام من حقيبة يدها ورقة نقدية
"أتفضل يا جمال"
نظر إليها بعتاب ولوم ثم قال لهند
"شوفي صاحبتك يا هند"
"خلاص يا غرام، جمال زي أخوكي و جارنا"
عقب جمال
"خدي فلوسك عشان ما أزعلش وأزعل صاحبتك"
أخبرها بطريقة فكاهية فضحكت غرام
"ربنا ما يجيب زعل أبداً، أسيبكم أنا بقي سلام"
ولجت إلي داخل المحطة وقامت بشراء تذكرة القطار، و علي الرصيف فتحت الحقيبة وأخرجت قطعتين مختلفتين.
وصل القطار للتو و انفتحت أبوابه، دخلت إلي عربة السيدات وبدأت تعرض للركاب البضاعة بمهارة تجعل الجميع يلتفت إليها و يبدأ الإقبال علي الثياب و عروض الأسعار تجعل البعض منهن يشتري علي الفور.
※ ※ ※
يقف يوسف في وسط بهو الاستقبال للشركة و يتجمع من حوله الموظفون يستمعون إلي تعليماته، فبالرغم من كونه مدلل لكنه في العمل جاد و متقن للغاية
"عايزكم تسمعوني كويس، من يومين جاتلنا عينة من شغل شبه شغلنا بالظبط و عليه نفس التيكت بس طبعاً مضروب و متقلد و فرق خامات و جودة، عملنا بحث عشان نوصل لمين صاحب المصنع اللي بيقلد شغلنا بس للأسف كل ما نسأل حد يدخلنا في متاهة، و فاهمين طبعاً إنهم مش هيقوله هو مين لأن كلهم بيستفادوا، فأنا بقولكم اللي هيقدر يوصل لصاحب المصنع ليه مكافأة ست شهور"
تصاعدت الهمسات بينهم، فقال أحدهم
"ما تقلقش يا مستر يوسف، يومين و هايكون عندك اسمه وعنوانه"
ردد آخر
"أديني حضرتك يوم و ملفه هايكون علي مكتبك"
عقب يوسف قائلاً
"أنا مش عايز كلام، وروني الفعل و زي ما وعدتكم بالمكافآه، يلا كل واحد يروح علي مكتبه"
تقدمت منه احداهن تحمل بعض الأوراق وقلم
"مستر يوسف، ممكن حضرتك تمضي علي الأوراق دي؟"
صدح رنين هاتفه ويزيل اسمه في أسفل كل ورقة، أجاب والسماعة اللاسلكية في أذنه
"ألو؟"
"هاي چو أنا ميري"
"أزيك يا ميري، أخبارك إيه؟"
"طبعاً مش بخير و أنت بقي لك شهر مش معبرني و لا بتخرج معايا و نسهر زي كل مرة"
انتهي من التوقيع وأومأ إلي الموظفة لتأخذ الأوراق وتذهب ثم مضي نحو الدرج يصعد إلي الأعلى
"معلش بقي أصل عندي شغل في الشركة فبضطر أصحي بدري و أنام بدري و زي ما أنتي فاهمة"
صاحت بتعجب
"شغل؟!، Oh my God، معقول چو الشريف بقي بيشتغل؟!"
ابتسم وعقب بمرح كالعادة
"شوفتي بقي، ربك قادر علي كل شئ"
"ربنا يوفقك، أنا كنت بكلمك عشان أعزمك علي الـ party عيد ميلادي الـ week end الجاي"
"هحاول إن شاء الله"
"تحاول إيه، ده أنت لو ما جتش هاخد الشلة و نيجي نحتفل عندك في الشركة النهاردة أنت حر"
ضحك قائلاً
"خلاص هاجي أطمني"
"هستناك، أسيبك بقي عشان ما أعطلكش، باي"
"باي"
أنهي المكالمة و مازال في طريقه إلي غرفة مكتبه الخاص، توقف أمام مكتب شقيقه فوجده مشغولاً بالحاسوب، طرق الباب لتنبيهه
"ممكن أدخل؟"
رفع عينيه عن الحاسوب وخلع عويناته، تركها علي سطح المكتب وقال
"أتفضل"
جلس يوسف أمام مكتب شقيقه يخبره معتذراً
"أنا آسف علي الكلام اللي طلع مني الصبح، أنت عارف لما بتعصب ما بشوفش قدامي و بيخرج مني كلام أندم عليه"
"طب خلي بالك لأن غضبك ممكن يخسرك أقرب الناس ليك"
نهض واقترب من شقيقه ثم دنا منه رأسه
"و أدي راسك أبوسها، لسه زعلان مني؟"
ابتسم نور وأخبره
"و أنا قبلت أسفك، بس خد بالك أنت المسئول قدام بابا أنك تعرف مين اللي بيقلد شغلنا"
"اعتبره تسليم أهالي يعني؟!، عموماً لسه كنت عامل اجتماع لكل الموظفين تحت في الريسبشن، و عامل مكافأة للي هيوصل للي بيقلدنا"
"ما أنت شاطر و ذكي في الشغل أهو، أومال بقي لك شهر مدبسني في شغلك ليه؟"
صاح يوسف متباهياً
"لاء أنا أعجبك أوي، بس لما تكون دماغي رايقة"
رفع شقيقه يديه داعياً
"ربنا يزيدك روقان كمان و كمان"
أخذ الآخر يضحك، و علي بُعد أمتار حيث مكتب رأفت الشريف، يقوم بالتوقيع علي عدة أوراق و تقف بجواره «سوزي» المساعدة الخاصة به، ذات الشعر الأشقر البلاتيني و العدسات اللاصقة ذات اللون الفيروزي، ترتدي كنزة وأسفلها تنورة كلاهما يكاد يتمزق من فرط الضيق، رائحة عطرها الفواح يضرب أنفه، فعندما أنتهي من التوقيع رفع رأسه إليها وأخذ ينظر إلي ملامح وجهها المنير، سألها في هدوء يخفي نيران مشتعلة من شوق يكاد يلتهمه
"فكرتي في اللي قولتلك عليه؟"
ظلت تنظر بمكر ودلال وأجابت
"من غير ما أفكر، طبعاً موافقة، المهم هاكون مراتك يا فوفو يا حبيبي"
ابتلع لعابه، فهذه صاحبة الجمال الصارخ اختطفت لبه منذ مجيئها هنا في الشركة، لم يمر سوي خمسة عشر يوماً علي عملها ونجحت في السيطرة عليه.
"يبقي تجهزي نفسك بالليل هاجي أخدك و نطلع علي شقتنا و هناك هايكون مستنينا المحامي و اتنين شهود"
تلي حديثه رنين الهاتف وكان المتصل زوجته
«منيرة»!!
يتبع...
*الفصل الثاني *
بعد عناء يوم شاق ما بين القطار والمحطة، انتهت من بيع جميع قطع الثياب التي لديها وكما تفعل مثل كل يوم تعود بالمال إلي السيدة رشا والتي تعطيها مبلغ من المال كل يوم.
قررت أن تذهب إلي شقيقتها وحملت لها ما تحب من الفاكهة والحلوى، وقفت تنتظر سيارة أو مركبة ثلاثية الإطارات، توقفت احداها وخرج السائق رأسه
"مروحة علي بيتكم و لا رايحة مشوار؟"
ولجت إلي داخل المركبة وأخبرته
"رايحة الشارع اللي ورانا عند أختي"
نظر إليها عبر المرآة الجانبية وسألها
"و أحلام عاملة إيه كويسة؟"
كانت نظرة عينيه تخبرها عن ماضي ملخصه حب قد دفنه منذ أن دخول سمير في حياة شقيقتها و تزوجها رغماً من اعتراض الجميع، لكن سؤاله الآن مجرد الإطمئنان و ربما الفضول لديه، وهو كيف تعيش أحلام الآن مع غيره؟!
تنهدت غرام وقامت باختصار حال شقيقتها في جملة قصيرة
"الحمدلله يا عاطف، أهي عايشة"
"هو جوزها لسه بيمد إيده عليها؟"
ليس هو فقط من يعلم بهذا بل الحارة جميعها، لم يمر أسبوع أو بضعة أيام سوي يسمع الجيران صراخ أحلام وزوجها يقوم بضربها و ينعتها بصفات مشينة و هو تحت تأثير المخدرات.
"أدعيلها يا عاطف ربنا يهديلها جوزها يا يبعده عنها"
توقف عاطف أمام منزل سمير وكانت أحلام في الشرفة في الطابق الثاني، تضع الثياب المبللة علي الحبل، انتبهت إلي غرام التي تنزل من المركبة ويليها عاطف الذي رفع رأسه رغماً عنه ليراها تنظر إليه دون أن يبدو عليها أي تعبيراً علي ملامح وجهها.
"اتفضل يا عاطف"
قالتها غرام وتعطيه الأجرة، انتبه إليها ورفع يده
"أقسم بالله أبداً، أنتي كدة بتشتميني يا غرام"
"يعني أنت وجمال جايبين التوكتوك ده عشان تسترزقوا منه و لا تقضوها لله؟!"
"طب أنا راضي بذمتك عمرك شوفتي سواق ياخد من أخته الأجرة؟"
ابتسمت وهزت رأسها
"لاء"
"يلا أطلعي لأخدتك بقي ولو عايزة أي حاجة أتصلي عليا"
"تسلم يا عاطف وأبقي سلملي علي خالتي أم عنتر"
ولج إلي المركبة بعد أن ألقي نظرة علي أحلام فوجدها دلفت إلي الداخل
"يوصل إن شاء الله"
و بالأعلى كانت أحلام تنتظر شقيقتها بعد أن فتحت الباب
"إيه المفاجأة الحلوة دي؟"
و قبل أن تتفوه غرام سمعت الصغير يناديها
"أتو لام «خالتو غرام»"
"أنا أصلاً مش جاية عشانك جاية عشان مداميدو حبيب قلب خالتو اللي واحشني"
حملته وقامت بتقبيل وجنته المكتنزة، ضحك وعانقها بذراعيه الصغيرين
ألتفت إلي أحلام و ظلت تنظر إليها، بينما الأخري تحدق إلي أسفل بخجل
"و جاية عشانك برضو يا بنت عبدالرحمن المصري"
رفعت وجهها وابتسمت ثم احتضنت شقيقتها بقوة
"حقكم عليا، ديماً بيشيلكم همي وبخذلكم في الأخر"
لكزت غرام كتف الأخرى و عقبت
"إحنا أهلك يا عبيطة، لو إحنا مشيلناش همك مين غيرنا هيستحملك و يتفقع مرارته"
ضحكت كلتيهما، و ولجا إلي الداخل بعد أن أغلقت أحلام باب الشقة
وضعت غرام الصغير فوق الأريكة، لاحظت شقيقتها ما جلبته وتركته بالقرب من الباب
"إيه اللي أنتي جايباه ده هو أنتي جاية عند حد غريب؟"
"أنا جايبلك أنتي و ميدو، و ياريت ما تأكليش سمير منهم"
أخبرتها بمزاح فضحكت أحلام وهمت بالذهاب
"أدخلي أغسلي إيديكي عقبال ما أغرف نتغدي مع بعض"
أوقفتها الأخرى تمسك بيدها
"تعالي هنا أنا مش جعانة، أنا جاية أقعد معاكي شوية وأقولك حقك عليا ماتزعليش مني علي اللي قولتهولك، بيت أبوكي مفتوحلك في أي وقت"
جلست أحلام وتشعر بالحزن أكثر
"أنا اللي حقكم عليا، كل مرة لما باجيلكم غضبانة وماما تكلم سمير عشان تاخد حقي، و أنا في الآخر أرجع بيتي من وراكم"
نهضت الأخرى وجلست جوار شقيقتها، واضعة يدها علي يد الأخرى
"ماما عمرها ما زعلت منك، بالعكس هي زعلانة عليكي وعلي اللي بتعمليه في نفسك، أنا مش عايزة أفتح مواضيع و نقلب في المواجع، أنا كل اللي يهمني أنا وماما نشوفك مبسوطة"
"ربنا ما يحرمني منكم"
تجمعت الدموع في عينيها، فأخبرتها غرام
"أبوس إيدك بلاش دموع، أنا معيش مناديل أديهالك"
ابتسمت رغماً عنها وقامت
"لو مش عايزاني أعيط يبقي كولي معايا"
و علي المائدة، انتهت غرام للتو من تناول طعامها
"الحمدلله، تسلم إيدك يا حلومه نفسك في الأكل زي نفس ماما بالظبط"
"بالهنا والشفا، أغسلي إيديكي و روحي أقعدي مع ميدو عقبال ما أعملنا كوبيتين شاي ونقعد نرغي زي زمان"
※ ※ ※
عاد عاطف أمام منزله فوجد والدته ما زالت تجلس أمام الخضروات التي تقوم ببيعها، نزل من المركبة ورأي القادمة علي بُعد أمتارٍ تتمايل بخصرها مع كل خطوة لها، وصوت كعب نعليها الذي يجذب إليها رجال وشباب الحارة، يتابعها عاطف حتي وصلت أمام البناء الذي تقطن به، لاحظت نظراته إليها، فحدقت نحوه بنظرة ساخرة ثم ولجت إلي الفناء
"هو أنت تنسي أحلام وتتعلقلي بالبت سماح بنت مليجي؟!"
ألتفت إلي والدته يخبرها
"هو أنتي شوفتيني جريت وراها و لا قولتلها بحبك؟"
أمسكت كوب من المعدن و تقوم بسكب الماء منه ثم تنثره فوق ربطات الجرجير والبقدونس حتي تظل طازجة
"أومال كل ما بتشوفها بتنح ليه؟"
تهرب من الحديث مع والدته وولج خلف عجلة المقود دون أن يتفوه بحرف
"رايح فين يا ولاه؟"
"رايح أشوف أكل عيشي"
و أنطلق بالمركبة، عقبت والدته بوعيد
"بتتهرب مني؟!، ماشي يا عاطف"
و لدي سماح ذات القد الذي سحر عيون الرجال، فهي تتعمد ارتداء عباءة تجسد منحنيات جسدها، و تظهر جزء من خصلات شعرها الملونة من أسفل الحجاب، تطلق الغرة تنسدل علي جانب وجهها المليء بمساحيق التجميل.
جلست داخل غرفتها علي طرف السرير، تخلع حجابها و تزفر بضيق، أتاها صوت والدها بالخارج
"بت يا سماح أنتي جيتي؟"
ردت بصوت جهوري
"أيوة يابا، لسه راجعة من السوق"
"طيب أنا نازل هاروح القهوة أتفرج علي الماتش وراجع تكوني عملتي العشا"
"طيب"
سمعت صوت إغلاق الباب، أردفت بحنق
"طبعاً و لا علي بالك الأكل و الشرب دول بيجو منين و لا أزاي!"
صدر من هاتفها صوت تنبيه لرسالة واردة، أخرجت الهاتف من المحفظة الجلدية خاصتها، فتحت الرسالة والتي من رقم مسجل باسم
«نيكول مصلحة»
و محتوي الرسالة كالآتي
«هاي سماح... أنا نيكول اللي بعتلك من البارح علي رسايل التيك توك تبعك، فكرتي و لا شو؟»
قامت سماح بالرد كتابياً
«أيوة فاكراكي، بس كنت عايزة أعرف حاجة، هما اللي هعملهم لايف علي الخاص، عايزين مني إيه بالظبط؟، يعني أنا بعمل فيديوهات و مخبية وشي و بطلع بهدومي عادي»
رأت الأخرى الرسالة فسرعان قامت بالرد
«هتسوي نفس اللي بتسويه عادي... لكن ممكن يطلب أو تطلب منك شيء زيادة... متل تشلحي تيابك و تضلي بتيابك الداخلية عادي... ما تخافي ما بيطلبوا أكتر من هيك»
«ثواني بس يا نيكول... أنتي بتقولي ممكن تطلب؟... قصدك ستات؟»
«إي حبيبتي... و زي ما فهمتي هيك بالضبط... هدول بيدفعوا مصاري كتير... و بعدين أنتي كل اللي يهمك يتبعتلك الدولارات وبس... ما تسألي عن أشيا ما تخصك... فهمتي عليا؟»
«طيب أنا إيه اللي يضمنلي الفيديوهات دي ما ياخدوهاش و ينزلوها علي المواقع إياها»
«انتبهي شوي سماح... أنا قلتلك في المسچ الأولي أن هاد المقاطع أو اللايف كيف ما بدك تسوي منهم... كلها بتتم في غرف سرية يعني ما بيقدروا ينزلوها علي الفون تباعهم أو تتاخد إسكرين... لأن هاد شغل و بنربح منه وأنتم نفس الشىء»
«مين أنتم بقي؟»
«أوف سماح... بعيدلك للمرة المية ما تسألي عن شىء ما يخصك... عليكي تنفذي الأوامر وبس... و اه كنت بنسي لو بدك تربحي مصاري أكتر ممكن تتواصلي مع رفيقاتك... صحباتك يعني أو صبايا أو سيدات من محيط معارفك أو يقربون لإلك... لكن تعرضي الأمر عليهن بطريقة غير مباشرة»
«هو أي نعم هيبقي صعب... بس إيه هي الطريقة؟»
«انتبهي معي منيح وأنا بخبرك بكل شىء»!!!
※ ※ ※
"أنتم فاهمين سمير غلط، هو والله يبان مفتري و ظالم لكن جواه عكس كدة خالص"
كلمات أحلام سبرت أغوار شقيقتها التي كانت تداعب الصغير
"ده علي أساس إحنا ما نعرفهوش؟!، روحي بصي لنفسك في المراية يا أحلام و بصي علي درعاتك و رقبتك ووشك اللي لسه عليه آثار الضرب، و تقوليلي مش مفتري، لاء إحنا اللي بنفتري عليه و ظالمينه"
أخذت الأخرى طبق حلوي من أعلي المنضدة لتعطيه إلي شقيقتها
"اللي بيعمله معايا بيكون غصب عنه، أنا اللي بخرجه عن شعوره و بنرفزه"
وضعت غرام ابن شقيقتها بجوارها لتخبر الأخرى بحدة
"أحلام بطلي استهبال، كلنا عارفينك كويس، يا بنتي ده أنتي أكتر واحدة فينا هادية و في حالك، عمرنا ما سمعناكي بتزعقي و لا بتتخانقي، أنتي أغلب من الغلب"
"يعني عايزين مني إيه؟!، أتطلق منه عشان ترتاحوا؟"
نهضت غرام وأخذت الصحن من شقيقتها وأعادته فوق المنضدة
"بقولك إيه، أنا قايمة ماشية أحسن، عمالة افهمك من بدري أنك تعملي لنفسك شخصية و تاخدي موقف مع جوزك لما يمد ايده عليكي، لكن أنتي في ملكوت تاني"
ذهبت أحلام خلف شقيقتها
"استني بس يا غرام، إحنا بنتكلم مش بنتخانق"
"أنا علي أي حال كنت هامشي عشان أطمن علي أختك ابتسام أشوفها رجعت من الدرس و لا لسه و أخوكي سعيد اللي زمانه من الصبح وهو في الشارع"
"طب استني، خدي ده لماما ولأخواتي"
ذهبت إلي البراد و أخذت منه علبة بها الكثير من الحلويات، وضعت العلبة داخل كيس وتعطيها إلي غرام التي امتنعت عن أخذها
"عندنا و خير ربنا كتير، خليهم ليكي أنتي وميدو، و أهم حاجة خلي بالك من نفسك"
احتضنتها وفعلت المثل مع الصغير واردفت
"سلام"
"مع السلامة، أبقي سلميلي علي ماما و ابتسام وسعيد"
"يوصل"
تنزل الدرج وفي الفناء وجدت زوج شقيقتها يدخل وينظر إليها بتوتر
"سلام عليكم يا غرام"
حدقت إليه بازدراء و لم تبادله التحية وكأنه شيء مقزز تتجنبه مما جعله يستشيط من الغيظ، أسرع في الصعود وقام بالضغط علي الجرس باستمرار دون انقطاع
"شكلها نسيت حاجة حاضر جاية أهو"
قامت بفتح الباب فوجدت زوجها يقف أمامها والشر يتطاير من عينيه
ابتلعت لعابها وتتراجع إلي الوراء خوفاً من نظراته المرعبة لديها
"أزيك يا سمير، مالك فيه حاجة؟"
"أختك العقربة أرمي عليها سلام ربنا، تقوم تبصلي من فوق لتحت و ماتردش كأني لوح خشب واقف قدامها؟!"
"معلش حقك عليا، بالتأكيد ما تقصدش، أو ماخدتش بالها"
جذبها من يدها بقوة
"قصدك إن أنا بتبلي عليها و لا إيه؟"
ترتجف من الخوف وتخبره
"ما أقصدش والله، بس... بس...
قام بهزها قائلاً
"أنا ممكن كنت مسكتها و أديتلها حتة علقة، بس أنا بقول عيب ياض يا سمير، دي أخت مراتك و خالة ابنك"
رفعت يدها في وضع الدفاع علي وجهها حتي لا تتلقي منه لطمة مفاجئة كالعادة
"أنا آسفة وحقك عليا، أنا هعاتبها لما أشوفها"
دفعها بغلظة فوقعت علي الأرض، تأوهت وترفع طرف العباءة وأخذت تمسد ساقها لتخفف الألم، و بدلاً أن يشعر بالشفقة حيالها لرؤيتها في تلك الحالة المزرية، ظل ينظر إليها بشهوة، فزوجته أكثر شقيقاتها جمالاً، شعرها مثل سلاسل الذهب والبشر الشقراء، و عيون بلون العسل، ملكة جمال دار السلام كما لقبها شباب الحارة، لكن كما قالوا قديماً أن الجميلات أكثر الناس تعاسة في الحظ، و لنا في قصص السابقات عبرة، كليو باترا اختارت الانتحار من أجل فقدان عشيقها، چوليت التي تجرعت السم أيضاً لأنهم قد حرموها من حبيبها، و بين قصص المشاهير امرأة الأحزان المغنية التركية بيرجن التي تم إطلاق الرصاص عليها من طليقها و ذلك كان في أواخر ثمانينات القرن الماضي، كان مهوساً بها لكن كثيراً كان يعنفها ويضربها ضرباً مبرحاً.
حاولت أحلام أن تنهض فوجدته مازال يقف أمامها
"عايزاني أنسي اللي عملته أختك؟"
سألته بعدم إدراك منها أو ربما الطيبة الزائدة لديها تجعلها لا تبصر الأمور جيداً
"أكلمها تعتذر لك؟"
ابتسم علي صفاء ونقاء زوجته، جذبها بين ذراعيه، يحاصر خصرها بين يديه
"لاء تعالي جوة أوضتنا هقولك تعملي إيه"
و حين أدركت ما يريد، أوقفته لتخبره
"أستني بس هنيم ميدو الأول"
جذبها خلفه كالشاه
"ما هو قاعد يلعب أهو، أنا أهم"
و ولج إلي داخل الغرفة و أغلق الباب خلفه، انتبه الصغير وشعر بالخوف عندما اختفي أبويه من أمامه، ذهب اتجاه الغرفة ووقف أمامها، أخذ يطرق الباب بكفيه الصغيرين ويبكي مردداً
"ماما؟، ماما؟"
※ ※ ※
تخرج الفتيات من بوابة هذا البناء بتدافع، و ذلك بعد انتهاء المحاضرة لمادة اللغة الإنجليزية، تحتضن ابتسام المذكرة و الدفتر وتسير بمحاذاة زملائها، أخبرتها التي علي يمينها
"ابتسام كلمي"
وأشارت إليها نحو شاب في بداية العشرين من عمره، يستند بساعده فوق دراجة نارية
ابتعدت عن الفتيات وذهبت إليه وتتلفت من حولها لتطمئن أن لا يراها أحد من أهل الحارة ويبلغ شقيقتها
"إيه رأيك في المفاجأة دي؟"
وقفت أمامه وتحدق إليه بغضب
"أنت أتجننت يا عثمان؟!، جاي لحد السنتر في وسط أصحابي، وافرض حد من الحارة شافني معاك؟"
"إيه اللي هيجيب بتوع حارتنا لحدايق المعادي، أنا خلصت شغل في الورشة بدري النهاردة روحت استحميت و لبست طقم شيك و قولت أجيلك عشان وحشاني، علي الأقل تشوفيني من غير شحم و لا ريحة جاز اللي علي طول بتعايريني بيهم"
"أنا عمري ما عايرتك، بس ما ينفعش لما تحب تشوفني تيجي لي بهدوم الشغل المبهدلة، لو مش عشاني، علي الأقل عشان نفسك، يارب تكون فهمتني"
هز رأسه بسأم وأجاب هازئاً
"أنا فاهمك طبعاً"
"ما قولتليش جيبت الموتوسيكل ده منين؟"
ضحك وأخبرها
"ده اسمه Race يا حبيبتي، بتاع عيل فرفور من المعادي اتخبط منه وجابوا علي الورشة نظبطه، قولت أجربه و أخدك ونلف بيه شوية"
تراجعت بتردد
"أنا بخاف أركب الحاجات دي"
"ما تخافيش و أنا معاكي، هاتركبي ورايا و تمسكي فيا، بس تمسكي بضمير"
غمز بعينه لتدرك إنه يقصد ان تحتضنه من ظهره
"بلاش يا عثمان أنا...
حملها من خصرها ووضعها أعلي الدراجة، صعد هو أيضاً
"طيب والملزمة والكشكول احطهم فين؟"
"أقعدي عليهم"
فعلت كما قال، ووضعت يديها علي كتفيه
"جاهزة؟"
"اه، بس سوق براحة بالله عليك عشان بترعب من البتاعة ده"
ضحك و قبل أن ينطلق رأت معلم الإنجليزي يقف لدي سيارته السوداء وينظر إليها غاضباً
شهقت ورددت دون أن يسمعها عثمان
"مستر حسن!"
انتفضت عندما أنطلق عثمان بقوة فجعلها تتشبث به أكثر، و تخفي وجهها عن نظرات مُعلمها، و بداخلها تخشي أن يخبر شقيقتها بما رآه.
※ ※ ※
علي موسيقي أشهر أغاني كوكب الشرق ترقص وتميل جذعها إلي الأمام تارة و إلي الخلف قليلاً تارة أخري، تهز خصرها مع الإيقاع بمهارة أمام عينين هذا الستيني، يحدق إليها بفرح عارم لم يصدق حاله إنه أخيراً نال قسطاً من الراحة هرباً من ضغوط العمل وتعويض إهمال وتقصير زوجته تجاهه، فهذا سبب وعذراً يأخذه في كل زيجة سرية له، لكن تلك المرة هي الأفضل إليه، استطاع في خلال أسبوعين أن يقع بها ويجعلها أن توافق علي الزواج منه في السر و عرفياً أيضاً، فهو لا يريد أن تختلط نزاوته بحياته الشخصية أو أن يشارك أحداً ابنائه في إمبراطورية رأفت الشريف الذي بناها من الصفر حتي هذا الوقت الحالي.
انتهت الموسيقي و اكتفت هي بهذا القدر من الرقص، جلست جواره بدلال
"إيه يا فوفو بعرف أرقص؟"
"تعرفي إيه بس، ده أنتي أستاذة ومعلمة"
قامت بتناول علبة السجائر و أخذت واحدة فقامت بإشعالها، أخذها من أناملها
"انتي بتعملي إيه؟، هاتي البتاعة دي، إذا كان أنا بطلتها أنتي هاتشربيها"
"الله يا بيبي، أنت بتخاف عليا؟"
احتضنها بين ذراعيه و اخبرها
"اه طبعاً بخاف عليكي، مش بقيتي مراتي؟!"
قامت بتقبيل خده ثم نهضت من جواره
"لما أروح أصب لنا كاسين وراجعة لك"
"ما تتأخريش عليا"
"عينيا"
واطلقت ضحكة جعلته يصيح بسعادة
"الله أكبر، دي ليلتنا هتبقي أحلي ليلة"
أخرج من درج الكمود علبة مليئة بالأقراص، تناول منها حبة زرقاء و ابتلعها و تجرع معها الماء.
بعد قليل...
نهضت من جواره تسأله بخوف
"مالك يا رأفت فيه إيه؟"
يضع كفه علي موضع قلبه، يخبرها بصعوبة
"قلـ.. بي، ألحـ.. قينـ..
يتبع....
* الفصل الثالث *
يجلس الطبيب بجواره ويمسك معصم يد رأفت لقياس نبض قلبه متابعاً علي العداد في هاتفه، بينما الأخر يفتح عينيه كل فينه والأخرى والوهن جلي علي ملامح وجهه، علي الجانب الأخر من السرير تقف وتراقب الفحص وتبكي في آن واحد، بكائها بدافع الخوف أن يحدث مكروهاً لزوجها وتضع في محل الاتهام أمام زوجته منيرة و ولديها نور ويوسف.
لاحظ الطبيب بكائها الصامت فأخبرها ليطمئنها
"اطمني يا مدام سوزان، رأفت بيه بخير، هو بس اللي حصله إنه قلبه ما استحملش المنشط اللي خده"
ونظر الطبيب إلي رأفت وتابع
"مش من اسبوع كنت عندي يا رأفت بيه وحذرتك أنك لو هتاخد أي منشط، تيجي قبلها تستشرني؟!"
أجاب الأخر بصعوبة
"ده مستورد يا دكتور"
"مستورد و لا محلي ضررهم واحد، و أنت مريض قلب وضغط عالي، و مش أي منشط تاخده من دماغك، المرة دي الأزمة الحمدلله جتلك علي خفيف ولولا مدام سوزان لا قدر الله يا عالم كان حصلك إيه"
نزع الورقة من الدفتر وأعطاها إلي سوزي وقال
"دي الفيتامينات اللي هايمشي عليها والدوا الخاص لقلبه كتبت له علي بديل أحسن وأقوي، و راحة لمدة أسبوع لحد ما أشوفه الأسبوع الجاي"
نهض و أغلق حقيبته
"أنا مضطر أمشي عشان ورايا ميعاد كشوفات في العيادة، لو في أي حاجة أتصلوا عليا علي طول، حمدالله علي السلامة يا رأفت بيه، سلام عليكم"
"و عليكم السلام يا دكتور"
بادلته التحية وذهبت خلفه، و بعد أن غادر وأغلقت الباب ثم استندت عليه بظهرها وقالت بصوت لم يصل إلي زوجها
"و لما هو مش قد الجواز أتجوزني ليه؟!، أحسن بصراحة كنت شايلة هم الموضوع ده وأهو أتحل لوحده، عقبال يارب يبقي أسبوع الراحة يبقي سنة وبعدها أخلع منه"
※ ※ ※
تخرج من البناء التي تقطن به تتحدث في الهاتف
"صباح الخير يا جمال، بقولك يا حبيبي خمس دقايق وأنا وغرام هانكون جاهزين، أبقي عدي علينا قدام بيتها"
"ماشي يا حبيبتي، بس بالله عليكي يا هند ما تتأخروش، أول ما أزمر تطلعوا علي طول"
"حاضر، يلا سلام عشان وصلت قدام بيتها"
أغلقت المكالمة و ولجت إلي الفناء ثم ضغطت الجرس الخاص بمنزل عائلة غرام، فتحت السيدة عزيزة
"صباح الخير يا هنوده، أتفضلي"
"صباح النور يا خالتي، أومال فين غرام؟"
أشارت إليها نحو غرفة ابنتها
"أدخليلها قاعدة جوة ومش عايزة تروح الشغل، و كل ما أسألها بتقولي أهو كدة"
ربتت هند علي ذراع والدة صديقتها
"ما تقلقيش يا خالتي، هادخل أشوفها مالها"
طرقت الباب ثم ولجت خطوة
"ممكن أدخل؟"
نظرت إليها غرام وتجلس علي الأريكة ذات الطراز الشعبي
"أتفضلي يا هند، أنتي مش غريبة"
جلست بجوارها تسألها بقلق
"مالك حصل حاجة في شغلك؟، و لا أتخانقتي مع مدام رشا؟"
تشعر الأخرى بالضيق والهم، بل بالإحباط و الهزيمة، نظرت إلي صديقتها وعينيها يملأها الحزن
"عمالة أدور في ساقية و شغل كله بهدلة و مش عارفة أوفر كل حاجة لأمي و لأخواتي، اللي جاي يا دوب بيقضي بالعافية، و لا الست رشا أبيعلها كل الكمية و تيجي تديني فتافيت يا دوب يقضو مصاريف يومين بالعافية"
وضعت هند يدها علي ظهر غرام تربت عليها لتجعلها تهدأ ولو قليلاً
"أستغفري الله، كل كرب و ضيقة بعده فرج ووسع، أنتي بتسعي وربنا عالم بحالك، ما تعلميش يمكن ربنا شايلك حاجة أحسن يمكن النهاردة و يا عالم بكرة أو بعده"
مسحت دموعها بالمحرمة و عقبت
"و نعم بالله يا هند، أنا مش معترضة علي اللي ربنا كتبهولي، بس أنا بني آدمه و ليا طاقة، لما بفكر في اللي بيحصل بقول ياريتني كملت الكلية كان زماني بشتغل في شركة أو كاشير في أي مول و لا محل كبير، علي الأقل أحسن من بياعة في مترو، اللي يسوي و ما يسواش يضايقني و لا ظابط تفتيش يبهدلني إهانة وقلة قيمة، أنا أقسم بالله عمري ما حصل فيا كدة لما أبويا كان عايش"
أطلقت زخات من الدموع، تلقتها صديقتها بين ذراعيها، مازالت تربت عليها
"اهدي يا حبيبتي، بإذن الله ربنا هيرزقك من وسع، وهايعوضك بالأحسن يارب، بس أنا ياما قولتلك يا غرام، لما توافقي علي عريس محترم كان زمانك ملكة في بيتك"
"يعني أتجوز و مين اللي يصرف علي أمي و أخواتي؟!، معاش أبويا الله يرحمه يا دوب علي قد كهربا ومياه و غاز وعلاج أمي، لكن أكل وشرب و دروس ابتسام و سعيد أنا اللي بسددها"
عقبت صديقتها
"يعني لو قعدتي مش هتلاقي تاكلوا و أخواتك هيطردوا من الدروس، يلا قومي و وحدي الله، و طول الوقت استغفريه، و أدعي ربنا يرزقك و أنا قلبي حاسس هيديكي رزق كبير أوي، و بكرة تقولي هند كان عندها حق، بس أبقي أفتكريني أنا وچيمي"
ابتسمت غرام، فصديقتها تنجح دائماً في رسم البسمة والفرح علي وجهها، كلما تمر بكل ضائقة.
صدح صوت تنبيه المركبة في الخارج
"أهو جمال وصل برة، قومي بلا ألبسي بسرعة عشان نوصلك عند مدام رشا"
وهكذا استطاعت هند بأن تجعل صديقتها تنهض وتسعى إلي رزقها أفضل من الجلوس بين براثن الأفكار السلبية وتنهش من روحها كالوحش.
ترجلت غرام من المركبة أمام متجر السيدة رشا، ملوحة بيدها إلي هند وجمال الذي أنطلق نحو عمل خطيبته، لكنه توقف في منتصف الطريق ونزل ليجلس بجوارها
"فيه إيه يا جمال وقفت ليه؟"
يشعر بالهم يتسلل إلي داخله فأخبرها بما حدث معه الأيام المنصرمة
"المفروض كنا ندخل بعد شهرين لو في حال لاقيت شقة إيجار في خلال شهرين"
تابعت الأخرى بدلاً منه
"و لافيت طول الفترة اللي فاتت و مالقتش حاجة مناسبة، صح؟"
"أقسملك إنه مش بإيدي، و إن كان عليا عايز نتجوز النهاردة قبل بكرة، بس علي يدك و أنتي عارفة كل حاجة"
"أنا أن كان عليا أنت عارف ممكن أستني العمر كله، بس بابا أخر مرة قالك إنها أخر مرة نأجل فيها الجواز، هو بيحبك و متفهم ظروفك، لكن ماما زي أي أم ده غير أنا بنتهم الوحيدة وشئ طبيعي مش هايعجبها الوضع"
"طيب أنتي قوليلي أو شوري عليا أعمل إيه؟"
أثرت الصمت قليلاً قبل أن تعرض عليه هذا القرار الذي تعلم ما يخلفه من رفض تام من قِبلّ والدتها قبل والدها
"الحل إننا نتجوز في شقتكم مع مامتك لحد ما ربنا يفرجها و ننقل لشقة مقدمتها وإيجارها علي قد اللي معانا"
وقع الحل علي سمعه كالصدمة
"أنتي بتهزري؟!، أنا لو قولت لعم رمضان و مامتك كدة هيقولولي معندناش بنات للجواز إذا أصلاً ما طردونيش بعدها"
"ما تخافش يا جمال، ماما و بابا بيعملوا لي أي حاجة فيها راحتي، و راحتي هي أكون معاك حتي لو هنعيش في النار"
ابتسم وأمسك يدها يداعب أناملها، و سرعان جذبت يدها من يده
"للدرجدي بتحبيني أوي؟"
أجابت بخليط من المزاح والرومانسية
"المفروض بعد اللي قولتهولك و هو أن أتجوز وأعيش مع حماتي في نفس الشقة ده أكبر جواب و دليل"
"و مين قالك إن هابقي فرحان؟!، أنا نفسي أنا وأنتي نقعد في بيت لوحدنا خاص بيا و بيكي محدش يضايقك و لا حتي يفكر يزعلك"
"لاء يا حبيبي محدش يعرف يزعلني، بعرف أخد حقي، و لو معرفتش حبيبي هياخد لي حقي"
عقب ويقترب منها أكثر
"طبعاً هاخدلك حقك و أديكي فوقيه بوسة"
كاد يقبلها، وضعت كفها علي فمه محذرة إياه
"و بعدين؟، مش متفقين ممنوع أي تجاوزات لحد ما أبقي مراتك علي سنة الله و رسوله؟!"
صاح بسخط مازح
"لاء أنا كدة بقي هاجي لعمي رمضان و أقوله بعد ما يوافق، إننا نتجوز في خلال أسبوعين، أنا مستحمل بقالي كتير"
أخذت تضحك علي اعتراضه كالطفل المتمرد، نهض و جلس علي كرسي المقود و أنطلق بالمركبة قبل أن ينفذ صبره و يرتكب فعلاً فاضحاً في الطريق العام.
※ ※ ※
"أيوه يا عثمان عمال ترن ليه؟، أنا في المدرسة"
تتحدث بصوت خافت داخل المرحاض
"ما أنا عارف، هو ما ينفعش تزوغي من عندك؟"
"أنت بتستعبط؟، ده لو أتقفشت هاخد فيها فصل، إحنا عندنا ناظرة و لا مرات أبو لهب نفسه"
"علي فكرة أنا واقف قدام البوابة و مفتوحة و فيه طلبة بيخرجوا منها"
"دول بنات من سنة تانية رايحين في نشاط تبع المدرسة"
"الحق عليا كنت هاخدك زي فسحة إمبارح و نروح ناكل كريب وبيتزا و نحلي بالقشطوطة اللي بتحبيها ونطلع علي الملاهي أركبك الألعاب اللي بتحبيها وأروحك في ميعاد رجوعك من المدرسة"
تفكر في الأمر ملياً، وجدت العرض مغرياً للغاية، كم تحب كل ما قام بذكره، فمنذ وفاة والدها حُرمت من أغلب الرفاهية وذلك بسبب الحالة المادية التي أصبحت عائلتها تمر بها فأخبرته
"طيب أستناني و أنا هاتصرف"
و بعد دقائق كانت خلفه فوق الدراجة النارية
سألها
"مبسوطة؟"
تتشبث به أو لنقل بالأحرى تحتضنه من ظهره
"فرحانة أوي"
صاح لكي تسمعه من صوت الهواء والموتور
"ربنا يقدرني وأخليكي فرحانة كدة ديماً"
دفعت دفة الحديث في اتجاه آخر حتي لا تصل معه إلي الأمر الذي تتهرب منه دائماً، أخبرها بعد ظهور النتيجة لديها سيذهب إلي والدتها وشقيقتها الكبرى غرام لطلب يدها وبعد انتهائها من مرحلة التعليم الجامعي سوف يتزوجها، بينما هي تمتلك طموح ليس له حدود، فآخر ما تفكر به الزواج من عثمان ابن الجيران الذي أحبها منذ نعومة أظافرها، ربما سبب عدم قبول ذلك يعود إلي المستوي الاجتماعي والمادي لدي عائلته لا يقل حالاً عنها، كم تحلم أن تخرج من بوتقة تلك الحارة المتعفنة إلي حي آخر أكثر رقي كما تري في التلفاز، أحلام وردية وسط ظلام حالك يتخلله بصيص أمل تتشبث به لعل تتحقق أحلامها.
※ ※ ※
تقف غرام منذ أكثر من نصف ساعة في انتظار السيدة رشا، تنظر كل فينه وأخرى إلي ساعة هاتفها، فقد أخبرتها أن لديها أمر هام لدي مصلحة الضرائب ستنتهي منه وتأتي إليها لكي تعطيها البضاعة مثل كل يوم.
"هاتفضلي واقفة عندك في الشمس كدة لحد ما تتحرقي؟"
كان صوته البغيض يأتي من داخل المتجر وهذا سبب آخر في انتظارها بالخارج
ألتفت إليه و رمقته بابتسامة كراهية
"و أنت مالك، خليك في حالك أحسنلك"
شعر بالحرج وبداخله يكن لها وعيد عزم علي تنفيذه منذ البارحة
"براحتك خليكي عندك"
فتابع بهمس
"ما بقاش المعلم رجب لو ما كسرتش عينك ونفسك وأخلي سيرتك علي كل لسان يا غرام"
رفع هاتفه وقام بأجراء مكالمة، انتبهت إنه يتحدث في الهاتف ثم اقترب منها
"أهي واقفة يا رشا مش عايزة تدخل"
أعطي الهاتف إلي غرام وأخبرها
"خدي رشا عايزة تكلمك"
أخذت الهاتف علي مضض وترمقه بازدراء
"ألو يا مدام رشا"
"بصي يا غرام، شكلي هتأخر وحرام تستنيني كل ده، خلي رجب يديكي مفتاح المخزن فوق وخدي البضاعة اللي في أول كيس علي يمينك أول ما تدخلي"
"خلاص يا مدام مش مشكلة النهاردة، هابقي أعدي علي حضرتك بكرة إن شاء الله"
"أنا بكرة مسافرة البلد مش هابقي موجودة و رجب هو اللي هايفتح، و أنا عارفة إنك مش بتحبي تتعاملي معاه، و معرفش هاغيب قد إيه، عشان كدة بقولك خدي البضاعة اللي في الكيس كلها هتكفيكي 5 أيام لحد ما أرجع"
زفرت و صدرها يزداد ضيقاً، فقالت مرغمة
"حاضر يا مدام رشا، هاخد الحاجة ولما أبيعها هاعدي علي المعلم رجب أديهاله"
"لاء خليها معاكي أحسن"
"حاضر، ترجعي بالسلامة"
أعطت الهاتف إلي رجب والذي أعطاها المفتاح كم أخبرته شقيقته بحسن نية
تركته غرام منشغلاً في التحدث مع شقيقته و ولجت سريعاً ثم صعدت علي الدرج و قامت بفتح باب المخزن، و هو عبارة عن شقة شاغرة من الأثاث، تتخذها رشا مخزن.
وجدت الكيس الذي أخبرتها به، كان حمله ثقيلاً فقامت بدفعه جراً علي الأرض وتتجه نحو باب المخزن بظهرها حتي اصطدمت بجسد كالحائط، تركت الكيس علي الفور فزعاً و ألتفت إليه
"أنت طالع هنا ليه؟"
أغلق الباب بقدمه وبدأ بفك أزرار قميصه، و عينيه تنضح بما سيقبل عليه
"هاكون طالع هنا ليه؟"
تتراجع وتخرج من حقيبتها مبرد الأظافر دون أن تلفت النظر إليه
"أنا بحذرك يا رجب، أبعد عني أحسن لك"
"أنا قفلت باب المحل بالقفل، و المخزن مالهوش باب غير اللي دخلتي منه، يعني برضو علي المحل المقفول بابه، مش هاتعرفي تهربي و مهما صرختي محدش هايسمعك"
خلع قميصه و ألقي به علي الأرض ثم وثب نحوها فكاد يمسك بها، لكنها كانت أسرع منه وقامت بتسديد إليه طعنة بهذا السلاح الضعيف، وبالفعل أصابه لكن لم يؤذيه بل انكسر ووقع علي الأرض، شهقت بخوف، فهي الآن أشعلت جذوة الغضب لدي هذا الذئب الماثل أمامها، ظلت تجول ببصرها من حولها لعلها تجد شيئاً تدافع به عن نفسها فلم تجد، خطوة أخيرة إلي الوراء شعرت بأن أسفل قدميها شيئاً...
"هتروحي مني فين أنا قتيلك النهاردة"
مد يديه لكي يجذبها إليه، و في لمح البصر انحنت إلي أسفل حتي لا يقيدها و اختطفت هذا الشيء من أسفل قدميها، فكانت عصا معدنية في مقدمتها خطاف صغير تُستخدم في تعليق الثياب علي المشجب المرتفع في حائط العرض.
"مش عايز تبقي قتيلي خد يا روح أختك"
عبارة ساخرة تزامناً مع ضربة من العصا المعدنية علي رأسه من الخلف جعلته يترنح ويفقد الرؤية مع فقدان الوعي.
بصقت عليه وقامت بفتح الباب والركض إلي أسفل، تمكنت بفتح باب المتجر بصعوبة، أطلقت ساقها للريح حتي وجدت نفسها داخل المنزل لا تعلم كيف ومتي وصلت، ارتمت علي مضجعها ترتجف خوفاً كلما تتذكر ما كان سيحدث معها، أخذت تتلو بعض الآيات و الأذكار ليطمئن قلبها إلي أن غالبها النوم.
※ ※ ※
قد انتهت من التسوق للتو وفضلت السير علي الأقدام لترى نظرات الإعجاب و الصفير من كل رجل وشاب يراها، حية يتلوى خصرها يميناً ويساراً لخطف الأنفاس، توقف أمامها مركبة ذات الثلاث إطارات، نزل منها ونظرة التعلق التي باتت لديه منذ شهور تنضح من عينيه
"عنك يا سماح"
"تسلم يا عاطف"
تركته يأخذ من الأكياس وقام بوضعهم داخل المركبة، عاد إلي كرسي المقود و أنطلق بها، توقف بالقرب من الحارة، سألته والقلق يساور قلبها
"وقفت هنا ليه؟"
"ممكن تديني من وقتك خمس دقايق"
أطلقت زفرة يتبعها تعليقاً
"و الله كنت حاسة أخرة الجدعنة دي مصلحة، خير يا عاطف؟"
استدار ليستطيع أن يتحدث معها وجها إلي وجه
"أنا عمري ما كنت بعمل حاجة عشان مصلحة، اللي عايزك فيه حاجة بعيد عن أي مصالح"
زفرت بضيق ونفاذ صبر
"إنجز عندي غدا لسه هاعمله قبل ما أبويا يجي و يطين عيشتي"
"حاضر مش هأخرك، الموضوع و ما فيه أنا...
تردد في أن يلقي عليها هكذا دون مقدمات
"بصراحة أنا بحبك من فترة كبيرة، و عايز أجي أطلب إيدك من عم مليجي أو من عماد أخوكي"
رأى علي وجهها تعبيراً لم يكن يتوقعه بتاتاً، قد وجد سخرية بل و ضحكة هازئه للغاية
"هو أنا قولت إيه يضحكك أوي كدة؟"
توقفت عن الضحك بصعوبة فتحولت إلي شخصية أخرى لم تجل في خاطره يوماً
"اسمعني يا عاطف و ركز في كلامي أوي، أنا أبويا راجل علي قد حاله بيشتغل في فرن عيش الصبح و بعد الضهر سباك علي ما تفرج، يعني الحمدلله و بلا فخر الفقر راكبنا من ساسنا لراسنا، يعني يوم ما أطلع من بيت أبويا أروح لحد يخليني أتنفس هوا نضيف في حتة نضيفة مش أفتح البلكونة ألاقي فرشة أمك ومرصوص عليها الفجل والجرجير و لا بيتكم اللي لو بتوع الحي جم وشافوه هيطلعلوا قرار إزالة، يعني أنا وأنت علي باب الله و لو أتجوزنا هندور نشحت عشان نعيش"
كانت صدمة ضارية لم تكن في الحسبان لديه، لكن قلبه الذي أراد أن يمحو حبه القديم بآخر جديد أخفق تلك المرة في اختياره
"أنا مش فقير يا سماح، التوكتوك اللي شايفاه ده ملكي أنا وجمال، و البيت اللي بتتمسخري عليه فيه شقة ملكي، ده غير إن كل شهر يجي لي عرض سفر من عنتر أخويا عشان أشتغل معاه في الكويت"
ضحك بسخرية و عقبت
"و يا تري هاتشتغل مع أخوك إيه؟!، مبلط و لا هاتغسل صحون؟!"
"و ماله الشغل ده و لا ده، أهو كله بالحلال و رزقهم ماشاء الله يخليني أفتح بيت و أنا مرتاح"
تربت علي كتفه قائلة
"مالهوش يا أخويا، بس أنا أصلا مش عايزة أتجوز، عندك البت يمني بنت ميمي بتاعت الطماطم أتجوزها، و أمها وأمك يضموا شغلهم علي بعض ويفتحوا فرع لسوق العبور في الحارة"
كانت تضحك من بين كلماتها، و حتي لا تثير غضبه أكثر من ذلك، تناولت الأكياس من داخل المركبة ثم لوحت يدها إليه بتهكم
"سلام يا سي عاطف"
تركته وذهبت و لم ترَ ألسنة اللهب في عينيه، و وعيد بأن تأتي الفرصة وسوف يرد لها الصاع صاعين حينذاك.
※ ※ ※
أصوات الموسيقي الصاخبة تصدر من تلك السماعات المنتشرة داخل قاعة الملهى، قرع كؤوس الخمر والمشروبات يشوبها أصوات ضحكات من بين هذه و هذا، فهنا وكر الملذات حيث كل المحرمات، خمر، مخدرات ونساء عاريات موسيقي يصاحبها كلمات خليعة، تلامس وعناق و قبلات تندرج تحت بند الزنا، إنه منتجع الشيطان وأعوانه.
يجلس لدي البار ويشرب الكأس العاشر حتي ثملَ
"واحد كمان لو سمحت"
أصابته الحازوقة من فرط ما تجرع من الشراب
كاد النادل يعطيه الكأس فقام بمنعه صاحبه وأخبره
"كفاية شرب يا يوسف و يلا بينا عشان أروحك"
تدخلت احداهن
"سيبو يا رامي قاعد، ما صدقنا يرجع يسهر معانا زي الأول"
"قعدي ساكتة أنتي وهي و ملكوش دعوة"
ثم مال نحو صاحبه يخبره بالقرب من أذنه
"يلا عشان منيرة هانم قالبة الدنيا عليك و علي رأفت بيه"
نزل يوسف من علي المقعد واستند علي كتفي الأخر
"وصلني يا رامي وحياة أغلي حاجة عندك"
"يا عم من غير ما تحلفني أنا أصلاً كنت هوصلك"
ظل يسير به حتي الخارج، ركض الحارس ليفتح باب السيارة فوضع رامي يوسف داخلها، ثم ذهب ليجلس في مقعد القيادة، أخرج ورقة مالية أعطاها إلي حارس الملهى
"تسلم يا تايسون"
و أنطلق بالسيارة وجهته فيلا عائلة الشريف
※ ※ ※
وفي بهو الفيلا من الداخل، تجلس منيرة أمام التلفاز، من يراها يحسب إنها تتابع برنامج أو مسلسل ما، لكن هي تنتظر كلا من زوجها وابنها، فالوقت قد تأخر و نور ابنها الأكبر عاد من الشركة السادسة مساءً، يتمدد في غرفته علي السرير يتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، انتبه إلي زوجته تخرج من الحقائب الكثير من الثياب و المتعلقات، لديها نهم الشراء بحاجة و أغلب ما تشتريه ليست في الحاجة إليه، لكن الشراء أصبح هوساً لديها
، ترتدي ثوباً قصيراً أمام المرآة
"بيبي، إيه رأيك في الـ dress ده؟"
بدون أن يرفع عينيه عن هاتفه أجاب
"حلو"
"حلو من غير ما تبص؟!"
"كاميليا، أنتي كدة كدة إشتريتي كل اللي عمالة تقسيهم دول، يعني حلو أو وحش رأيي مش هيفرق بالنسبة لك"
ألتفت إليه بحنق
"و أنا اللي كنت عملالك مفاجأة، أوك زعلانة منك"
ترك الهاتف ونهض ليذهب إليها
"إيه يا كوكي، بهزر معاكي، يا ستي أنتي أي حاجة بتبقي تحفة عليكي عشان أنتي اللي بتحليها"
تعلقت بذراعيها حول عنقه
"بجد يا نور؟"
"بجد يا قلب نور"
قامت بتقبيل خده ثم ابتعدت لتأتي بحقيبة
"أنا بقي جيبتلك معايا هدية صغننة يارب تعجبك"
أخرجت قميص قطني أبيض بنصف أكمام
"أتفضل يا بيبي، تيشرت هتليق عليك جداً"
أخذه ويشعر بالسعادة، فأخيراً بدأت بالاهتمام به
"الله حلو أوي يا حبيبتي"
"دي القطعة الرجالي لكن الـ female منها نفس اللون، عاجبني و لاقيت البنت بتقولي عليه عرض لأنه معمول للـ couples و التيشرت بتاعك هدية"
خابت آماله إنها قد تذكرته و لو بهدية بسيطة، لكن هي لن تتذكره إلا عندما تريد البطاقة الائتمانية فقط!
أصوات شجار بالخارج، جعلته يخرج ليرى ما يحدث...
"عايزة مني إيه يامنيرة، أنا تعبان و مش فايقلك"
"هو أنا لما بسألك كنت فين عشان أطمن عليك، تقوم قالب عليا؟!"
"كان عندي شغل كتير في الشركة كنت بخلصه، ها إرتاحتي؟"
نظر نور إلي والده الذي شعر بالحرج أمام ابنه الذي يعلم أن والده غادر مبكراً من الشركة
"فيه إيه صوتكم عالي أوي كدة ليه؟"
كان صوت يوسف الثمل و يسنده أحد الحراس الذي أخبر والديه
"أستاذ رامي وصلو لحد البوابة"
كان علي رأفت استغلال موقف نجله إلي صالحه، فأشار لزوجته نحو ابنهما موبخاً إياها
"أتفضلي يا هانم تربيتك، جاية أنصاص الليالي عمال يطوح ويا عالم لو مكنش معاه رامي كان ممكن حصله إيه"
نظرت منيرة إلي يوسف بغضب فقال وهو يترنح
"ما تبصليش كدة أنا حر أعمل اللي أنا عايزه، خليكي فيه رأفت جوزك"
لم يشعر بحاله وهو يهوي علي الأريكة يستسلم للنوم
"ياريت يا منيرة تركزي مع ابنك قبل ما يضيع و يضيعنا"
كظمت الغيظ لديها، كما شعرت بالحنق، تركتهم وصعدت إلي غرفتها التي تفضل النوم بها بمفردها تاركة زوجها أيضاً في غرفة بمفرده.
عاد نور و زوجته إلي الغرفة، عقبت كاميليا
"أنا واثقة أن أونكل رأفت بيعمل حاجة من ورا طنط موني"
تمدد الأخر علي ظهره وأمسك هاتفه
"هايكون مخبي إيه مثلاً؟"
رمقته بثقة تحسد عليها
"أنا متأكدة أونكل أتجوز أو مرافق واحدة، what ever، هو sure في حياته واحدة تانية"
"الله أعلم، و لو كلامك صح ملناش دعوة"
أكتفي بتلك الإجابة المريبة بالنسبة إليها، يعني إنه ليس لديه مانع أن والده يتزوج بأخرى، و ما أثار القلق والشك في قلبها أن نور دائماً يتخذ والده قدوة ومثال يسير علي خطاه.
"بيبي أنت ممكن تتجوز عليا أو تخوني؟"
ولي إليها ظهره، و جذب الغطاء عليه
"هو أنا عندي وقت أصلاً أقعد معاكم عشان أعرف أتجوز و لا أرافق؟!، أطمني يا كاميليا أنا أكتفيت بيكي"
ابتسمت بسعادة و احتضنته من ظهره
"i love you so much, baby"
و قامت بطبع قبلة علي خده ثم تمددت بجواره، لم تنتبه إلي ضوء شاشة هاتفه، يتأمل الصور علي صفحة
«sozy salh»!!
الصفحة المفضلة لديه قبل أن ينام لا تفارق مخيلته أو أحلامه منذ أن عملت لديهم في الشركة!
يتبع....
أشرق نور الصباح ليبدأ يوم جديد، مازالت تلتزم غرفتها منذ أن عادت بالأمس، يهرب النوم من عينيها كلما تتذكر ما سيقع به من شر علي يد هذا اللعين رجب.
"أنتي لسه نايمة؟"
كان صوت عزيزة التي ينهش القلق فؤادها علي ابنتها
جلست بجوارها والأخرى تغطي جسدها كاملاً بالغطاء لا تريد رؤية أحد
"قومي يا بنتي كولي لك لقمة، ده من إمبارح الضهر و أنتي علي لحم بطنك و نايمة"
"معلش يا أمي ممكن تسيبني لوحدي، تعبانة ومش قادرة أتكلم"
"لو تعبانة قومي أخدك علي المجمع الطبي نكشف هناك"
صاحت بالرفض وصوتها وشيك علي البكاء
"أنا تعبانة نفسياً ومحتاجة أقعد لوحدي، حرام يعني تسبوني في حالي؟!"
نهضت عزيزة وتردد بحزن
"لا حول ولاقوة إلا بالله، يارب أبعد عنها الهم والحزن وريح قلبها"
استيقظت ابتسام وخرجت علي صوت والدتها فسألتها
"في إيه يا ماما مالها غرام؟"
جلست عزيزة علي الأريكة تخبرها والشجن يغزو ملامحها
"والله ما عارفة يا بنتي إيه اللي صابها، خايفة لتكون الولية اللي اسمها رشا جرحتها بكلمة ولا عملت معاها موقف، أصل أنا عارفة أختك نفسها عزيزة أوي"
صدح جرس المنزل فقالت ابتسام
"أهي هند جت، سيبينا إحنا هنفرفشها و نقومها تخلصلك علي التلاجة"
فتحت الباب و ولجت هند تلقي عليهم تحية الصباح، و سردت لها عزيزة حال ابنتها منذ أن جاءت من الخارج بالأمس حتي الآن، فأخبرتها هند
"ما تقلقيش عليها يا خالتي، أنا وابتسام عارفين هي بتفك إزاي"
ولجت كلا من ابتسام وهند بخطوات غير مسموعة إلي غرام التي تغمض عينيها وتمنع دموعها، يكفيها بكاءً منذ البارحة
لمست هند مشغل الموسيقي علي هاتفها
وبدأت الفتاتان في الغناء بشكل كوميدي، جذبت ابتسام الغطاء من فوق شقيقتها، نهضت و ظلت تنظر إليهما بغضب لن يكتمل فتحول إلي ابتسامة ثم ضحك من أفعال صديقتها وشقيقتها وطريقة غنائهم الفكاهية
"يعني الواحد ما ينفعش يقعد مع نفسه؟!"
جلست بجوارها صديقتها و عقبت بمزاح
"أومال لازمتي كصديقة ولازمة أختك إيه لما نسيبك حزينة مع نفسك؟!، ده يبقي حتي عيبه في حقنا، ما تقولي حاجة يا بوسي"
ضحكت ابتسام بمكر
"أنا ممكن أروح لخالتي عدلات وأقولها يرضيكي نسيب غرام زعلانة، و هي مش هيرضيها، هتيجي تعمل الواجب مع غرام"
ضحكت غرام رغماً عنها
"ده هيبقي عذاب مش اكتئاب"
ضحك ثلاثتهم فقالت هند
"بقولكم إيه، أنا النهاردة واخده إجازة من الشغل و جاية أخد غرام هننزل نشتري شوية حاجات و أهي منها نتفسح"
"و أنا معاكم"
كانت ابتسام فسألتها هند
"مش المفروض عندك مدرسة دلوقت؟"
"مش هتفرق من يوم إجازة أخده، ده بعد أذن غرام طبعاً"
و نظرت إلي شقيقتها تخشي أن ترفض، أومأت إليها الأخرى
"موافقة، بس قومي اعملي فطار لهند الأول"
ولجت عزيزة وتشعر بالفرح عندما رأت ابتسامة ابنتها
"أنتم خليكم قاعدين مع بعض و هعملكم أنا أحلي فطار هتاكلوه من ايدين خالتك عزيزة يا هند"
صاحت ابتسام بمرح
"الله عليكي يا ماما ياللي مدلعانا"
نظرت إليها غرام و ألقت عليها أمراً
"روحي ساعدي ماما"
ذهبت دون مجادلة أو رفض، فهي تدرك إنها تريد التحدث مع صديقاتها كاتمة أسرارها، و بالفعل بعد مغادرة ابتسام نهضت غرام وأغلقت الباب، سألتها هند بقلق
"إيه اللي حصل معاكي إمبارح؟"
بدأت تسرد غرام إليها كل ما حدث معها بالأمس، كلما تستمع صديقتها كلما تشهق من الصدمة
"يا ابن الـ... رجب، و إزاي سكتي ما روحتيش بلغتي البوليس ليه؟"
"أقولهم إيه؟!، لو راجعوا الكاميرات هايشوفوني أنا اللي داخله بإرادتي جوة المحل، و هو كلب وخسيس ممكن يأجر اتنين يشهدوا زور ضدي، و مش بعيد يلبسني سرقة حاجة من عندهم"
هزت هند رأسها بسأم
"غلطانة يا غرام، معني أنك ما تبلغيش عشان خايفة من فضيحة أو تهمة ده هيخليه يكررها تاني و تالت سواء معاكي أو مع غيرك"
"أنا مش هكمل شغل معاهم تاني، و هكلم مدام رشا هاقولها أي أعذار"
"و أنا بقولك قومي ألبسي وتعالي نروح القسم نعمل محضر عشان قلبي بيقولي إن الزفت اللي اسمه رجب مش هايسكتلك و زمانه بيدبر لك مصيبة عشان ينتقم منك"
"مش عايزة فضايح و لا بهدلة يا هند"
"و أنتي صاحبة حق، يعني هو اللي يخاف من الفضيحة مش أنتي، قومي بابا و جمال يعرفوا أمين شرطة هناك ممكن يخدمنا ويعلم رجب الأدب كمان"
ترددت غرام في الموافقة حتي رضخت في النهاية
"خلاص اللي أنتي شايفاه صح نعمله"
※ ※ ※
رائحة دخان الأرجلة يملأ المكان، صوت فقاقيع الماء داخل الوعاء الزجاجي يصاحبه صوت سعال شديد يتبعه نداء بصوته المزعج
"بت يا سماح، أنتي يا بت يا سماح"
خرجت من المطبخ تطلق زفرة بغضب تكبته داخلها خشية من الاحتكاك بوالدها وينتهي الأمر بتوبيخها بأفظع السباب والشتائم يصاحبها ضرباً مبرحاً ليصل صوتها إلي أهل الحارة.
"نعم يابا عايز إيه؟"
"مش أخوكي بعتلك فلوس إمبارح؟"
"أيوه، بس عشان تنكيس البيت اللي قرب يتهد في فوق دماغنا"
"ما عنه ما أتجدد و لا أتهبب، هاتي الفلوس"
أخبرته برفض تام
"ما ينفعش يابا، دي أمانة و ابنك لو لقاك أخدت الفلوس و معملتش حاجة في البيت مش هايبعت حاجة تاني"
نفث دخان الأرجلة من أنفه وفمه
"خلاص هاتي 500 جنيه"
"مش أنا لسه مديالك 200 إمبارح؟!، راحوا فين؟، طبعاً بتصرفهم علي الهباب اللي بتشتريه من سمير جوز أحلام الله يحرقه"
"أنتي مالك، أشتري بيهم هباب، أرميهم أتبرع بيهم ملكيش دعوة، هتجبيهم بالذوق و لا أهزقك و أبعتر بكرامتك الأرض و في الآخر برضو هاخدهم منك"
ذهبت إلي غرفتها وغابت قليلاً ثم عادت إليه
"خد"
أخذهم والدها موبخاً إياها
"ما اسمهاش خد، اسمها اتفضل يا بنت الـ... "
ترك عصا الأرجلة علي المنضدة ونهض
"أنا نازل رايح مشوار، أرجع ألاقي الأكل جاهز، و ياريت تعمليه بنفس، جاتك البلاء"
ذهب وتركها تنفث غضباً، فتذكرت أمراً هاماً عليها أن تفعله و المنزل لا يوجد به أحداً سواها الآن!
※ ※ ※
"يعني يا عم حمدي لو عملنا له محضر دلوقت هايتقبض عليه و لا لاء؟"
سألت هند أمين الشرطة صاحب والدها و خطيبها، أخبرها الآخر
"هايتقبض عليه لو في حالة إنه دخلها المحل غصب عنها و متسجل في الكاميرات كدة و كمان فيه شهود، ده غير إن محصلش اعتداء يعني لمسها، يعني مجرد محاولة و هاتكون تحت بند التحرش"
عقبت غرام بحزن
"مش قولتلك يا هند، مكنش ليه لازمة إننا نيجي هنا"
"أستني بس يا غرام، إحنا عايزين نعمل محضر عشان ما يحاولش يقرب منك تاني"
ألتفت إلي الأمين وسألته
"ينفع نعمله محضر حتي لو مش هايتقبض عليه"
"ماشي هنعملكم بلاغ و لو صدر منه أي حاجة تتصلوا بيا فوراً و أنا اللي هاتصرف معاه"
"تسلم يا عم حمدي"
و بعد قليل... خارج القسم تمسك هند بورقة
"شيلي صورة المحضر دي معاكي وخبيها لأحسن خالتي عزيزة تشوفها، و خليكي في البيت لحد ما هانشوف أخرة الشيطان رجب ده هتبقي إيه"
※ ※ ※
ترتدي الحجاب أمام المرآة، تمسك بطرفه وتخبئ نصف وجهها، لا تظهر سوي محيط عينيها حتي لا يتعرف عليها أحد من الشباب والرجال كما تفعل علي مقاطع البرنامج الشهير.
تبتعد بمسافة وتلقي نظرة علي العباءة القطنية التي تلتصق بكل إنش بجسدها و نسيج القماش الشفاف يظهر ما أسفله كما جاء إليها في التعليمات من نيكول.
تقف أمام حامل الهاتف المثبت، تضغط علي الإضاءة وترسل إليها رسالة صوتية
"أنا جاهزة يا مدام نيكول"
جاء الرد كتابياً
"تمام، أول ما يچيلك إتصال cam أفتحي في الحال، چاهزة؟"
"أيوه جاهزة"
جاء لها بالفعل مكالمة مرئية من متصل مجهول الهوية، قامت بقبول الاتصال، لم ترَ سواها حيث المتصل يراها و هي لا تراه، جاء صوت رجولي بلهجة عربية
"ابغي ترجصين هالحين"
و كالآلة دون إرادة تنفذ الأمر كما يقال إليها، أخذ ترقص و تميل بحركات خليعة حتي ألقي عليها أمراً آخر
"أخلعي هذي العباية وأرجصين"
اذعنت إلي الأمر دون تراجع فالطمع لديها من أطل حفنة دولارات جعلها تتخلي عن خجلها مع كل قطعة ثياب تخلعها.
ظلت تنفذ دون اعتراض حتي جاء الأمر الأخير وهو أن تقف أمام الكاميرا بدون ملابس تماماً، توقفت لاستيعاب الأمر ولم تلبي نداء المتصل العربي حتي جاءت إليها رسالة من نيكول تخبرها بالآتي
«ليش ما بتردي علي الزلمة؟... هاد إتفاق من الأول بيني و ما بينك و أنتي وافقتي عليه... لو انسحبتي تخسري كل شىء... الدولارات وسمعتك يا حلوة لما العالم يتفرچوا علي المقاطع تبعك»
هذا تهديد صريح و عليها أن تتجنب حدوثه، فهي من اختارت هذا الطريق الخبيث وعليها أن تتراجع مع قليل من الخسارة بدلاً من التمادي مع كم هائل من الخسائر الفادحة.
«؟»
علامة استفهام تنتظر إجابة محددة منها، وقفت أمام الكاميرا وتحاول منع دموعها في التساقط، تمد يدها إلي حمالة صدريتها اليمني ثم اليسرى ثم مدت يديها إلي خلف ظهرها لتتحرر منها، احتضنت جسدها لإخفاء ما ظهر منها حتي جاء إليها الصوت آمراً
"و أخلعين القطعة الثانية الحين"
※ ※ ※
"السلام عليكم يا عم رمضان"
ألقي جمال التحية علي والد هند والذي رحب به بحفاوة
"يا دي النور، يادي النور، ده المحل نور"
"منور بيك يا عمي"
جذب الآخر كرسي وأشار نحوه إلي جمال
"أقعد لما أجيبلك ساقع"
"مفيش داعي يا عمي، أنا مش غريب"
"لا غريب إلا الشيطان يا بني، أنت في مقام ابني اللي مخلتفهوش"
"ده شرف ليا يا عمي، ربنا يباركلنا فيك"
فتح رمضان ثلاجة المشروبات الغازية و أخذ أسطوانة مشروب شهير وأعطاه إلي الآخر
"أفتحها وأشربها قبل ما تسخن، خطيبتك أول ما بترجع من الشغل تيجي تاخدلها واحدة و تخلصها في بوق واحد"
ضحك جمال فهو علي علم بعشق خطيبته للمشروبات الغازية
"حضرتك هتقولي عليها، ما أنا عارفها، يلا خليها تشرب براحتها و أول ما نتجوز هخليها تبطلها عشان صحتها لما تكون حامل"
"يارب يا بني يتمملكم جوازكم علي خير، و تملوا علينا البيت عيال"
"ما أنا جايلك يا عمي بخصوص موضوع جوازنا"
استمع الأخر إليه باهتمام بالغ
"خير يا جمال يا بني، لسه ما لقتش شقة للإيجار و لا فيه حاجة تانية؟"
نظر إلي أسفل والحرج علي ملامحه ونبرة صوته يشوبها الخجل
"أنا عارف حضرتك صابر عليا كتير أكتر من سنتين مهلة عشان ألاقي شقة إيجار، و للأسف مش لاقي حاجة تناسبني أنا وهند أو تناسب المبلغ اللي معايا"
"أنا عارف ومقدر ظروفك، عشان كدة عرضت عليك تتجوزوا و تعيشوا عندي، وخالتك أم هند تراعيكم وتاخد بالها منكم"
تبدلت ملامح جمال من الحرج إلي الامتعاض
"لاء طبعاً مش أنا اللي أقبل أعيش في بيت أهل مراتي"
"يعني إحنا غرب بالنسبالك؟"
"أبداً والله يا عم رمضان، أنا أصلاً عايز أعيش معاها في بيت لوحدنا زي كل اتنين بيتجوزوا، بس أنا بقول كحل مؤقت، و هو...
صمت، حثه رمضان علي المتابعة
"إيه هو؟"
"إننا نتجوز مع أمي لحد ما نلاقي إيجار مناسب"
كان يتوقع الأخر هذا الحل لكنه لا يريده بل لا يريد لابنته العيش مع والدة جمال، هذه السيدة ذات الطباع الحادة والكلمات اللاذعة التي تلقيها علي ابنته وكأنها اختطفت جمال منها.
"قولت إيه يا عمي؟"
تنهد رمضان و أجاب بحيادية
"بصراحة يا بني، الأمر ما يخصنيش، يخص خطيبتك و أمها برضو، أنا هابلغهم و اللي كتبه المولي هو اللي هايكون"
※ ※ ※
"لاء و ألف لاء يا رمضان، يعني بنتي الوحيدة و اللي محلتيش غيرها أسيبها تعيش مع عطيات العقربة؟!"
صاحت بها زوجة رمضان والذي عقب علي حديثها
"ما تسمعي للأخر يا أم هند، ما تبقيش مندفعة علي طول كدة، الجدع عايز يتلم مع بنتك في بيت واحد و مش استطاعتوا يأجر دلوقتي، نقوم إحنا و الزمن عليه؟!"
"و هو كان يحلم إنها تبقي ليه، لولا إن بنتك بتحبه و هو جدع محترم مكنتش هدخله البيت، و اللي خلينا مستحملين أمه و أخته الحرباية عشان خاطره هو"
ولجت هند من باب الشقة علي حديث والدتها، شعرت بغصة تخشي رفض والدتها
"و فيها إيه يا ماما لما نتجوز مع أمه لحد ما نلاقي مكان مناسب للي معاه"
رمقتها والدتها بغضبٍ عارم
"بت أنتي ما تتكلميش خالص، أنا سمعت كلامك في كل حاجة قبل كدة، المرة دي كلامي هو اللي هيتنفذ، مفيش جواز غير لما يلاقي شقة إن شاء الله أوضة فوق السطوح بس بعيد عن الحيزبونة عطيات"
فاض الأمر لدي هند و التي ألقت ما في جعبتها غير مبالية إلي العواقب
"أنا اللي قولتله كدة مش هو، أنا قولتله مفيش حل غير نتجوز في أوضتك في شقة أهلك بدل ما بقالنا سنتين خطوبة و قبلها كل واحد فينا كان هايتجنن علي التاني، و احترمتك و احترمت أبويا لما طلب مني إننا نتعرف و نحب بعض عقبال ما ظروفه تسمح ويجي يتقدملي، و أنا اللي قولتله لاء لو عايزني تدخل البيت من بابه"
"و أنا و أبوكي وافقنا عليه عشان أخلاقه وجدع، و اضطرينا نعصر علي نفسنا و نستحمل أمه عشانه، لكن لو كان حبيبك عسل ما تلحسهوش كله، و أنا مش مستغنية عنك لما الحربوءة أمه تحرق في دمك و لا تعمل فيكي حاجة"
"و هو بيحبني و مش هايسمح لحد حتي لو أمه نفسها إنها تأذيني، و أظن مرت مواقف كتير و شوفتي بنفسك"
زفرت والدتها بنفاذ صبر
"عندك أبوكي أهو أنتي حرة أنتي و هو، بس و الله يا هند لو جيتي قولتي حماتي عملت فيا و سوت مش هارد عليكي غير بالشبشب فوق دماغك الناشفة، طالعة عنيدة زي أبوكي"
احتضنها والدها معقباً
"ده العند و كل حاجة، حبيبة أبوها هنوده"
"حبيبي يا بابا ربنا يخليك ليا، و عشان الكلام الحلو ده جيبتلك صينية البسبوسة بالمكسرات اللي بتحبها"
أخرجت الصينية من الحقيبة، صاح والدها مهللاً
"أيوة بقي يا قلب أبوكي، و هاتصلك بجمال دلوقتي هقوله موافقين وكتب الكتاب و الدخلة آخر الشهر"
قفزت هند فرحاً بين ذراعي والدها
"حبيبي يا رمضان"
زفرت والدتها من الغيظ
"براحتك أنت وبنتك، بكرة تجيلك معيطة بالدموع من اللي هاتشوفه في بيت حماتها، أبقي خلي البسبوسة أم مكسرات تنفعكم"
ذهبت إلي غرفتها و صفقت الباب خلفها، ربت رمضان علي رأس ابنته
"ما تزعليش من كلام أمك، لو حصل أي حاجة بيت أبوكي مفتوح ليكي و لجوزك"
تعلقت بذراعيها حول عنقه
"يا حبيبي يا بابا"
※ ※ ※
تفتح منيرة باب غرفة نجلها فوجدته مازال يغط في النوم بملابسه منذ الأمس، جلست جواره بهدوء، أخذت تربت علي ظهره
"يوسف، يوسف"
همهم زافراً بضيق، تقلب علي ظهره، وبصوت يغلبه النوم
"ماما please سيبيني نايم مش قادر أفتح عينيا"
"لاء هاتصحي وغصب عنك، عايز أتكلم معاك شوية"
فتح عينيه بصعوبة، الرؤية لديه ضبابية
"و هو الكلام مش هايستني لحد ما أصحي؟!"
لكزته بحنق في كتفه
"ما أنت و لا علي بالك، نايم من امبارح لحد النهاردة المغرب، كل ده بسبب الزفت اللي شربته في النايت و راجعلنا سكران"
"طيب المطلوب مني إيه دلوقتي؟"
سألها و يقاوم النوم مرغماً
"مطلوب أنك تقوم وتصحصح عشان اللي هقوله لك مش هعيدو تاني، امبارح خليت رقبتي قد السمسمة قدام أبوك، عمال يقولي شوفتي تربيتك يا هانم، هو ده اللي أتفقنا عليه من شهر يا يوسف؟"
نهض و جلس مربعاً ساقيه، يدلك عينيه لعله يستعيد وعيه
"و هو اليوم اليتيم اللي سهرت فيه بعد شهر شغل خلاص أجرمت؟"
"اه طبعاً أجرمت، أنت شايل اسم العيلة و أي حاجة بتعملها في وشنا، أنا سيباك علي راحتك و مش راضية أضغط عليك في موضوع الجواز لأنك راجل مش بنت، لكن هتسوء فيها و هتعيش حياتك بالطول والعرض مش هسمح لك"
زفر متأففاً، صاحت والدته
"ولد، بدل تنفخ واتعدل أحسن ما أعدلك، و الله لو ما أتلميت يا يوسف وصلحت من حالك لأسلم مسئوليتك لأبوك و بعد ما كنت بحوشه عنك هخليه يعمل فيك اللي هو عايزه، أقل حاجة هايسحب منك رصيدك و مفيش عربية، و يسيبك تعتمد علي نفسك لحد ما تتعلم الأدب"
جاء حديثها بنتيجة عكسية، صاح بسخط
"و أنا مش عيل صغير عشان تهدديني باللي حضرتك قولتيه ده كله، أنا عندي 30 سنة مش عيل مراهق"
ابتسمت بسخرية
"و فيه راجل ناضج يعمل اللي أنت بتعمله ده؟!، ما أخوك نور أهو من و هو أصغر منك، محترم و مستقيم، في ضهر باباك علي طول و علي شرط باباك خلاه يطلع عينه في الشركة لحد ما بقي المسئول التاني من بعده"
نهض وبدأ يفك أزرار قميصه متجهاً نحو غرفة الثياب خاصته، ذهبت خلفه توبخه
"يوسف، أنا مش بكلمك؟، بتعمل إيه؟"
أخرج حقيبة السفر وأخذ يضع داخلها ثيابه
"زي ما حضرتك شايفة كدة بالظبط"
ألتفت إليها و أخبرها بإصرار
"هسيبلكم الفيلا و العربية و كل حاجة و هاروح أعيش مع نفسي عشان ترتاحي أنتي و بابا، معلشي بقي ما هي الدنيا مش بتدي كل حاجة عندك ابن محترم زي نور و أنا الفاشل الصايع اللي هجيبلكم العار"
※ ※ ※
كانت العاشرة مساءً، تجلس ابتسام تستذكر دروسها و تتابع رسالة واردة كل حين من عثمان يخبرها كم هو يعشقها و يريد الأيام تمر سريعاً حتي تصبح زوجته، بينما سعيد الذي علي مشارف سن المراهقة يختبئ أسفل الغطاء و يضع السماعات في أذنيه يشاهد مقاطع من التطبيق الشهير، تظهر فيه الفتيات و السيدات علي شاكلة ما تفعله سماح، وقع أمامه مقطع لها بالفعل و علي يقين إنها ابنة الجيران حيث أخبره أصدقائه المراهقين إنها صاحبة حساب علي الـ TikTok باسم
«Hot Soso»
يكفي هذا الاسم المستعار الذي يدل علي محتواها الفاضح والذي تجني من خلفه مئات الدولارات، سراباً يركض خلفه ذوات النفوس الضعيفة حتي يجدن أنفسهن علي حافة الهاوية، منهن تعود إلي رشدها و تختار التوبة و كثيرات من هوت في ظلام مدقع لا نهاية له في الدنيا و جزائه الجحيم في الآخرة.
تغفو عزيزة علي الأريكة أمام التلفاز، بينما غرام تمسك بدفتر ورقي و قلم تقوم بحساب ما تبقي معها من المال و ما هو مطلوب من مأكل و دروس تعليمية و مصاريف اخوتها.
اجفلها صوت طرق عنيف علي باب منزلهم، استيقظت والدتها فزعاً، خرج كلا من سعيد و ابتسام ليرى كل منهما من هذا الزائر المرعب.
ارتدت غرام حجاب علي عجالة وفتحت الباب، وجدت جدران بشرية أمامها يرتدون ثياب غير رسمية، سألها قائدهم
"ده بيت غرام المصري"
ابتلعت لعابها خوفاً، فأجابت
"أيوة هو البيت و أنا غرام"
أمرها الضابط بحدة
"معانا علي القسم"
سألته عزيزة و تمسك بابنتها
"فيه يا حضرة الظابط، بنتي عملت إيه؟"
"بنتك متهمة في سرقة 50 ألف جنيه"
يتبع...
* الفصل الرابع *♥🚉
*الفصل الخامس*♥🚉
يستند رأسه علي زجاج النافذة شارداً في سنين حياته الماضية، كيف عاش ما بين الصخب وزحام الحياة بلا هدف، والدته لديها الحق فأنه يبلغ الآن الثلاثين و ماذا فعل خلالها؟!
انتبه إلي يد صاحبه الذي يقود السيارة يعطيه سيجاراً
"ما تفوكك من جو الكآبة اللي أنت فيه يا چو وفرفش وعيش اللحظة"
أخذ السيجار ونظر إليها فسأله
"السيجارة دي عادية و لا؟"
غمز الأخر قائلاً
"و لا طبعاً"
"خد يا رامي بصراحة مليش مزاج"
"ملكش مزاج و لا بطلت؟، ده شكل رأفت بيه قلب عليك جامد أوي، يعني لا معاك عربية و لا كريدت و جاي تقعد معايا"
مزاح صديقه لم يتحمله، زفر بغضب و صاح
"أقف هنا ونزلني"
توقف الأخر و ألتفت إليه يسأله بجدية
"فيه إيه يا يوسف، ما أنت عارف بهزر معاك، لاقيك سرحان و مخنوق قولت أفك عنك شوية"
تأمل يوسف المكان الذي توقف فيه الأخر فسأله
"إيه ده إحنا فين؟"
"أستني خليك هنا و ما تتحركش هاجيب حاجة من واحد و جايلك"
نزل رامي من السيارة وسار نحو شارع مظلم، ينتظره شاب يخفي وجهه بالقبعة، أخرج له شيء من حقيبته وأعطاه إياه فأعطاه الأخر مبلغ من المال
"المرة الجاية هجيلك في المكان التاني أحسن من هنا، اتفقنا يا... "
أخبره الأخر مبتسماً
"محسوبك سمير العو يا باشا، و لو عايز أي حاجة في أي وقت أديلي تليفون وهتلاقيني عندك"
نزل يوسف من السيارة يستنشق بعض الهواء، لاحظ وجود فتاة تسير نحوه، من مظهرها الفج ونظرتها الجريئة إليه علم لما هي تقترب منه
"أنت رامي بيه؟، ده أنت طلعت حلو أوي"
عقد ما بين حاجبيه وسرعان دار الأمر في رأسه، شعر بالضيق و الحنق من هذا الرامي الذي يقضي حياته في الملذات و العربدة
"ليلتك سودة يا رامي الزفت، أنا إيه اللي خلاني أسيب الفيلا"
جاء رامي و رأى فتاة الليل تقف أمام يوسف
"مش معقول نهي العايقه؟"
ألتفت إليه و صاحت بسعادة بالغة
"يبقي أنت رامي البرنس"
جال ببصره علي جسدها من أعلي إلي أسفل
"بس إيه الحلاوة دي يا بت، ده أنتي طلعتي أجمد من الصور"
زفر يوسف الذي يشعر بـ الازدراء منهما، بالرغم إنه يقضي لياليه في الملاهي الليلية و يحتسي الخمر لكنه لم يفعل الفاحشة يوماً، ربما احتفظ بهذا الأمر أن يكون خاص مع من تشاركه حياته أو زوجة المستقبل الذي لم يجدها إلي الآن، كثيراً من الفتيات يلتفون من حوله لكن جميعهن مثل بعضهن البعض، في الثياب العارية وعمليات التجميل والتي بدلاً من أن تبدي جمالهن بل أظهرت النقيض، كم كره كل ما هو زائف.
"رامي أنا مليش في حواراتك الشمال دي، لو عايز تسهر معاها يبقي خدها في أي حتة بعيد عن البيت"
شهقت الفتاة وقالت
"أخص عليك يا بيه يا حليوة، و أنا اللي كنت ناوية أدلعك، و أخرتها تقول عليا شمال؟!"
"معلش يا نهي أمسحيها فيا أنا، يلا أركبي ورا"
فتح رامي باب السيارة إليها فصاحت
"مش هركب غير لما صاحبك يعتذر الأول"
عقب رامي الذي كاد ينفذ صبره
"يا ستي حقك عليا، أنا اللي شمال إرتاحتي بقي"
أنطلق بالسيارة بين شوارع المنطقة ليجد مخرجاً إلي كورنيش النيل، لكن حظهم السيئ ظهرت أمامهم لجنة تفتيش
"أوبا، يوسف لو معاك أي ممنوعات أرميها من الشباك، وأنتي يا نهي لو معاكي حاجة أرميها"
ردت الأخرى
"الحمد لله معيش ممنوعات"
"بقولكم إيه الظابط لو سألكم هنقول أنك مرات عمي و تعبانة وواخدينك علي المستشفي"
عقب يوسف الذي ود أن يمسك بصاحبه ويلقي به امام رجال الشرطة
"و الله كنت حاسس أن أخرة عمايلك هنلبس في الحيط"
"أكتم بقي يا غراب البين إحنا داخلين عليهم، بت يا نهي أترمي بضهرك لورا وأعملي نفسك بتفرفري"
"حاضر"
و عادت بظهرها إلي الوراء وألقت رأسها وكان لسانها يخرج من فمها، نظر إليها يوسف عبر المرآة وعلق
"دي كدة واحدة مشنوقة مش عيانة، هو يوم باين من أوله ربنا يستر"
"طلع الرخص والبطايق منك ليه"
أمرهما الضابط ثم نظر إلي الفتاة فأخبره رامي بحزن زائف ليثير عطف الضابط نحوهم ويتركه يرحل
"دي مرات عمي يا باشا و تعبانة عاملين نلف بيها من ساعة علي عيادات و الساعة عشرة ونص مش لاقين دكتور"
رفع الضابط شاشة هاتفه ليتحقق من أمر ما وينظر إلي نهي التي تغمض عينيها و ترتعش في آن واحد
"مش كفاية تمثيل يا نهي بقي؟!، ده أنتي مطلوبة بالاسم، يلا يا حلو منك ليه أنزلوا، قال مرات عمك قال"
فتح أحد رجال الضابط باب السيارة وأخرج رامي الذي يتوسل إليهم
"و ربنا يا باشا أنا أول مرة أشوفها"
"بطل ولولة يالاه و مش عايز أسمع صوتك، في القسم أبقي اتكلم"
و داخل سيارة الشرطة، يجز يوسف علي أسنانه، و يضم قبضته
"الله يلعنك يا رامي، شوفت عملت فينا إيه؟!"
لوح الأخر دون مبالاة
"يا عم أسكت بقي مش ناقصاك، مكنتش اعرف ده هيحصل"
عقب يوسف بغيظ شديد
"شكل البت دي وراها بلوه طالما معمول كمين مخصوص عشانها، ربنا يستر و ما ياخدوناش بذنبها "
صاحت رامي من بين أسنانه
"اسكت، كفاية بقي"
"أتلم منك ليه خلي ليلتكم تعدي"
كان صوت العسكري الذي فاض الأمر به منهما
※ ※ ※
في المخفر تقف أمام مكتب الضابط حول رسغها صفد معدني متصل بأخر حول يد رجل الشرطة، تبكي والدتها و تنوح، تربت شقيقتها علي ظهر والدتها لتهدأ
"ما تخافيش يا غرام، بإذن الله مفيش حاجة والمحامي يبقي ابن عمي، أنا حكيتله كل حاجة زي ما هند قالتلي، و إن شاء الله هتخرجي"
"يا جمال أنا مظلومة، و زي ما هند قالتلك عملت محضر في الزفت اللي اسمه رجب"
"طب معاكي صورة من المحضر؟"
"في البيت"
سألتها ابتسام
"قوليلي حطاها فين و أنا هاروح أجيبهالك بسرعة قبل ما المحامي يجي"
اجابت غرام بعد أن قامت بمسح دموعها بالمحرمة
"هتلاقيها تحت هدومي في الدولاب، أول رف و هتلاقي جمبهم فلوس هاتيهم وتعالي بسرعة"
"عشر دقايق و هاكون عندك إن شاء الله"
أوقفها جمال قائلاً
"استني يا ابتسام أنا جاي معاكي أوصلك"
"شكراً يا جمال، مفيش داعي أنا هاروح و أجي بسرعة"
أطلقت ساقيها للريح، بينما ما زالت غرام في الانتظار، انتبهت إلي صياح إحدى رجال الشرطة يدفع ببعض المتهمين
"اوقفوا هنا لحد ما أدخل للظابط"
تشدقت نهي بصوتها النافر
"موبراحة يا شويش، ده لو مش عشاني، يبقي علي الأقل عشان البهوات دول"
عقب يوسف يزجرها بنظرة تحذيرية
"اسكتي مش عايز اسمع صوتك، مش كفاية جابونا هنا بسببك؟!"
"هو أنا ضربتك أنت وصاحبك علي إيديكم عشان تاخدوني معاكم؟!، لاء يا حبيبي كان كله بالاتفاق ورسايل صاحبك معايا علي الواتس أكبر دليل"
كان كلا من غرام و جمال ووالدتها يستمعون و يرون ما يحدث، أدركت غرام التهمة التي جاءوا بها إلي هنا، حدقت إليهم بازدراء مما لفت انتباه نهي والتي وبختها
"مالك أنتي كمان بتبصيلنا بقرف كدة ليه؟!، بصي علي قدك يا حلوة، ما أنتي متكلبشة زيك زينا، و مش بعيد جاية آداب، يعني الحال من بعضه يا عينيا"
زفر رامي بضيق من هذه النهي فصاح
"ما خلاص يا ست نهي، مش كفاية متكلبشين بسببك، أهي دي آخرة الشمال"
دنا جمال وأخبر غرام
"ملكيش دعوة بالأشكال دي و ما ترديش عليها"
استرقت نهي السمع فثارت كالعاصفة
"أشكال مين يا دلعدي...
لم تتحمل غرام أكثر من ذلك فمدت يدها بقدر مستطاع قائلة
"بت أنتي أنا ساكتة لك من الصبح و ربنا ما أنا سيباكي"
حاول جمال منعها وكذلك والدتها، وقف يوسف حائل بينهما حتي لا تشتبك كلتيهما معاً، كان ينظر إلي غرام تلك الشرسة فكانت تدفعه من أمامها لتنال من نهي، لكنه كان يتمتم بكلمات غضبها جعلها لا تسمعها
"اهدي يا آنسة، ما ينفعش اللي بيحصل ده خالص"
و عدم سماعها جعله ضاق به ذرعاً فصاح بغضب عارم
"كفاية بقي"
توقفت وتراجعت تستند إلي الحائط علي نقيض توقع والدتها التي خشيت أن ابنتها تقبض علي تلابيب هذا الشاب لأنه صرخ في وجهها بغضب.
قام عامل بمناداة كلا من نهي و رامي و يوسف
، و تبع قوله بأمر
"يلا أدخل منك ليها"
ذهب ثلاثتهم بينما كان يوسف ينظر إلي غرام التي تحدق إليه بامتعاض و حنق في آن واحد
※ ※ ※
أخذت ابتسام الورقة والمبلغ الذي كان في خزانة شقيقتها فغادرت المنزل مسرعة، أوقفها نداء عثمان
"ابتسام، استني عندك"
توقفت حتي لا يلفت الأنظار بمناداته لها
"هو البوليس جه خد غرام ليه؟"
أخبرته علي عجالة
"لما نرجع إن شاء الله هبقي أقولك، أصلي مستعجلة معلش"
و انطلقت من أمامه كالزئبق، تعبر الطريق المؤدي إلي الشارع الرئيسي حيث يوجد قسم الشرطة، لم تنتبه إلي السيارة التي كادت تدهسها وصوت الزمور الذي لفت أنظار الجميع، نزل من سيارته فتفاجئ إنها هي، قد قفزت علي الرصيف بأعجوبة، همت بالنهوض فوجدت يد رجولية تمتد إليها
"معلش ما أخدتش بالي و أنتي طلعتي فجأة في... "
تلاقت عينيها بعينيه
"مستر حسن؟"
أخذ يتفحصها جيداً بخوف يسألها والقلق يغزو ملامحه
"أنتي كويسة؟"
ابتسمت بخجل وأخبرته، كما تريد أن تتهرب من أمام بصره حيث كلما تجده ينظر إليها تشعر بالتوتر
"الحمدلله أنا بخير، أنا لما لاقيت العربية كانت هتخبطني رميت نفسي علي الرصيف"
"لو حاسة بأي وجع تعالي أخدك علي أقرب مستشفي"
"مفيش داعي يا مستر، الحمدلله أنا كويسة، عن إذنك"
وجدها تتجه إلي باب المخفر فأوقفها يمسك ساعدها
"أنتي داخلة القسم ليه؟"
فنظرت إليه بدهشة لاسيما نحو قبضة يده علي ذراعها، شعر بالحرج وتركها، تحمحم
"أنا آسف"
قلبها يخفق من الخجل والحرج في آن واحد
"و لا يهمك يا مستر، أنا داخلة لـ..."
"ابتسام؟"
قاطعها نداء جمال الذي خرج للتو ينتظرها، تقدم منها وهو ينظر إلي حسن باستفهام، بينما الآخر يحدق نحوه بضيق، ابتلعت ابتسام ريقها وأشارت لجمال نحو الآخر
"مستر حسن مدرس الإنجليزي"
ثم فعلت العكس، و لا تعلم لما تبرر موقفها أمام حسن!
"أبيه جمال يبقي جارنا وخطيب هند صاحبة غرام أختي"
أومأ جمال له قائلاً
"أهلاً وسهلاً يا أستاذ"
ثم سأل إبتسام
"جيبتي الحاجة؟"
رفعت الورقة من داخل حقيبتها الصغيرة
"اه جبتها وجبت الفلوس، هو المحامي جه؟"
زفر الآخر بسأم
"أتصلت عليه عشان استعجله بيكنسل، أنا هخطف رجلي لمحامي تاني معرفة، أدخلي أقفي مع غرام و مامتك عقبال ما أجي"
تدخل حسن بعد شعوره بأن هناك خطب ما يخص عائلة ابتسام
"أنا مش فاهم حاجة، بس لو عايزين محامي شاطر وجمبينا في المعادي"
و في غضون ثلاثين دقيقة قد اتي المحامي صديق المُعلم حسن، شرح له جمال كل ما حدث وقدم له صورة المحضر التي أحضرتها ابتسام، و بكل سلاسة ومهارة أمام الضابط نجح المحامي في اظهار الحقيقة أمام الجميع وبعد ضغط الضابط علي المدعو رجب و بمواجهته بما فعله في غرام مسبقاً فاعترف بكل شيء.
ينظر بخوف مستسلماً
"أيوة أنا اللي دبرتلها موضوع السرقة عشان ماتعتبش المحل تاني وتحكي لأختي علي اللي حصل"
نهضت شقيقته التي كانت تجلس أمام مكتب الضابط وصاحت بغضب عارم
"يخربيتك، إيه يا أخي دي تالت و لا رابع مرة تعملها، و أنا زي الهبلة كل ما أجيب واحدة تسوقلنا البضاعة تقوم تطفشهالي ولما أسألك تقولي حرامية، أتاري كنت بتداري علي وساختك للتفضح قدامي"
"اهدي يا مدام رشا، أموركم تناقشوها في البيت"
تدخل الضابط قائلاً ما سبق فأجابت الأخري
"معلش يا باشا غصب عني، علي طول ما بيجليش من وراه غير المصايب لكن توصل لحد أكل عيشي، يبقي خلاص كل واحد يروح لحاله، و ياريت تحبسه عشان أنا قرفت منه"
رمقها شقيقها بعتاب في مشهد هزلي
"بقي كدة يا رشا؟!، ده أنا أخوكي اللي مالكيش حد غيره في الدنيا"
نظرت بازدراء إليه
"جاتك خو، و أعمل حسابك لو اتكتبلك تخرج من هنا ما أشوفش وشك تاني و ملكش حاجة عندي، أنسي إن ليك أخت خالص"
ألقت عليه كلماتها ثم تابعت
"معلش يا حضرة الظابط، أنا هتنازل عن محضر السرقة"
تنهد الضابط وأخبرها
"تمام يا مدام رشا، بس أخو حضرتك هيشرف معانا عشان محضر التحرش ومحاولة التعدي علي الآنسة غرام"
و بعد قليل...
خرج رجب برفقة العسكري مقيد بالأصفاد، و خلفه غرام والمحامي، ركضت كل من ابتسام و والدتها
"إيه الأخبار طمنينا؟"
تحدث المحامي بدلاً من غرام ليخبرهم
"مدام رشا أتنازلت عن المحضر بعد اعتراف أخوها بكل حاجة"
صاحت عزيزة داعية
"الحمدلله يارب أنت اللي عالم بحالنا، تسلم يا بيه علي وقفتك مع بنتي"
ابتسم الأخر وقال
"العفو يا أمي، أنا معملتش غير الواجب، كفاية أنكم معارف الأستاذ حسن، أعز أصدقائي"
ألتفت غرام نحو حسن و حدقت إليه بامتنان
"شكراً يا أستاذ حسن"
ابتسم الأخر وعقب مرحباً
"مفيش بين الأهل والحبايب شكر، و ربنا يعلم أنتم بالنسبة لي إيه"
و طيف نظرة من عينيه نحو ابتسام التي ارتبكت و خالجها التوتر، لم تغفل غرام عن ما حدث للتو
"تسلم يا أستاذ حسن"
"مش كدة خلاص خلصنا و نقدر نروح؟"
سألتهم عزيزة فأجاب المحامي
"اه طبعاً يا حاجة تقدروا تروحوا"
فقال جمال
"يلا بينا يا خالتي أنا راكن التوكتوك بره"
فتدخل حسن
"معايا عربيتي برة تعالوا هوصلكم كلكم"
عقبت غرام بعد أن ألقت نظرة علي شقيقتها
"مش عايزين نتعبك معانا يا مستر أكتر من كدة"
"تعبكم راحة، أتفضلوا معايا"
ذهب كل من غرام و شقيقتها التي تتشبث في ذراع شقيقتها، كانت تخشي أن يخبر حسن غرام عن مقابلتها بعثمان و ركوبها خلفه الدراجة النارية، لم تترجم ماهية نظرات حسن بعد!
و في الرواق و هم يغادرون، تقابلت عينين غرام بخاصة يوسف الذي كان يجلس القرفصاء بجوار رامي الذي كان يجلسه مثله ويضع كفيه علي وجهه في انتظار المحامي.
※ ※ ※
تلملم والدة عاطف الخضروات في جوال بلاستيكي، رأت نجلها يقف أمام باب البناء ينفث دخان سيجاره وينظر نحو شرفة منزل سماح، كم ألمه حديثها المهين له، انتشلته والدته من براثن أفكاره
"أنت لسه واقف هنا، أنا افتكرتك روحت مع جمال ورا عزيزة و بناتها"
نفث الدخان من فمه قائلاً
"أنا متابع مع جمال علي التليفون، خرجوا و جايين في الطريق"
"و إيه اللي حصل؟"
"الست اللي بتاخد منها غرام شغل اتهمتها إنها سرقت منها مبلغ، و طلع في الأخر أخوها اللي عامل الحوار ده واعترف، فأفرجوا عن غرام"
"لا حول و لا قوة إلا بالله، ولاد الحرام ما بيخافوش ربنا، ده البت غرام يا عيني هي و أمها وأخواتها غلابة، من بعد موت أبوهم و الدنيا عمالة تلطش فيهم، يارب يا غرام يرزقك بابن الحلال اللي يهنيكي يا بنتي"
عقبت والدته حديثها بنظرة ما نحو ولدها الذي يعلم ماذا تقصد، نفث الدخان ثم ألقي بقايا سيجاره فدعس عليها بقدمه
"كل واحد بياخد نصيبه ياماه"
نظرت إليه بامتعاض تسأله بتهكم
"و نصيبك بقي سماح بنت مليجي، اللي سيرتها علي لسان الصغير والكبير في الحارة؟!"
كاد يتفوه لكنها تابعت مقاطعة إياه
"أقسم بالله لو صممت ونفذت اللي في دماغك يا عاطف لا أنت ابني و قلبي هيبقي غضبان عليك ليوم الدين"
زفر بحنق و بنفاذ صبر أخبرها
"من غير تهديد ياماه، الموضوع أصلاً انتهي من قبل ما يبتدي، و السبب فَرشة الفجل والجرجير اللي ملهاش أي لازمة لأننا الحمدلله أنا وأخواتي مش مخلينك محتاجة أي حاجة وبرضو ماسكة في بيع الجرجير"
رأت الغضب في عينيه وتهكم لاذع في حديثه
"ما له الفجل والجرجير يا عين أمك؟!، مش دول اللي علموك أنت وأخواتك وأتربيتوا لحد ما بيقتوا رجالة؟!"
لم يجد قول مناسب أو الدفاع عن موقفه الضعيف، فاستطردت والدته
"لتكون الحلوة أم عباية محزقة و شعرها طالع من نص الطرحة عايرتك بيا؟!، مش أحسن من أبوها الحشاش اللي عايش عالة علي ولاده ده غير رباهم من الحرام؟!، كفاية شوالات الدقيق المدعم اللي كان بيبعها من ورا صاحب كل فرنة يشتغل فيها، فوق يا ابن بطني لنفسك و متخليش حتة بت ما تسواش تترسم عليك و لا تعايرك، أنا ست بميت راجل من عينة أبوها، شقيت عليكم من وأنت وأخواتك لسه عيال بتلعبوا في الحارة، لا عمري مديت إيدي لحد و لا استلفت جنيه، و البيت ده"
ربتت بحدة علي حائط منزلهم
"كل طوبة اتبنت فيه من الفجل والجرجير اللي مش عاجبينك"
اقترب منها قائلاً
"خلاص ياماه حقك عليا، أنا بس كنت مخنوق و جت فيكي، أنا آسف"
قام بتقبيل رأس والدته التي قالت له
"ربنا يهديلك قلبك يابني ويرشدك للصح، قادر يا كريم"
※ ※ ※
حل الصباح وضربت أشعة الشمس عينين أحلام التي غفت في غرفة صغيرها، تشعر بألم في أنحاء جسدها تتذكر ليلة الأمس...
علمت للتو من جارتها عبر الهاتف بأن الشرطة جاءت وقاموا بالقبض علي شقيقتها، جن جنونها و أرادت أن تذهب لتطمئن عليها أو تقدم المساعدة لها، ارتدت عباءتها واستعدت للذهاب، تحمل صغيرها وتفتح باب المنزل فوجدت زوجها قد عاد للتو وكالعادة ثملاً، قبض علي ذراعها ودفعها إلي الداخل
"رايحة فين و من غير استئذان يا.... "
"سيب دراعي للواد يقع مني يا سمير، هاكون رايحة فين، مليش غير أهلي اللي رايحة ليهم"
"مش هاتروحي في حتة و يلا غوري علي جوة"
دفعها مرة أخري بقسوة فوقعت وتحتضن صغيرها بين يديها، تأوهت من الألم تاركة ابنها برفق، صاحت بألم
"يخربيت الزفت اللي كل ليلة بيخليك راجع بالمنظر ده وتبهدل فيا كدة"
حاولت أن تنهض مستندة علي الكرسي فوقفت
"إيه رأيك والله لأنا رايحة وأعلي ما في خيلك أركبه"
اتسعت عيناه بشرٍ، فبالرغم أنه ثملاً لكن خصاله السيئة في حالة وعي ويقظة، اقترب منها
"بتقولي إيه يا بنت الـ...، أصلي ما سمعتش"
آهه اخترقت سمع كل من يقطن في البناء و من يسير في الخارج، ذاك أثر ما فعله بها الآن، جذبها من وشاحها يسحبها كالشاه إلي غرفة النوم
"صوتي يا بنت عزيزة صوتي، أنتي لسه شوفتي حاجة"
أغلق الباب تاركاً صغيرهما في الخارج يبكي و يردد منادياً علي والدته و الذي قام والده بدفعها للمرة الثالثة فوق الفراش، فتراجعت بخوف تتوسل إليه وهي تراه يخلع طوق بنطاله
"خلاص يا سمير، أنا آسفة، والله ما هكررها تاني، أبوس إيدك بلاش الحزام"
"ما أنا مش هخليكي حتي تفكري تكرريها تاني، و لازم تتأدبي"
صرخاتها تتردد ما بين جدران الغرفة، كلما تهرب من أمامه وتحتمي في ركن من أركان الغرفة الأربعة، يجذبها بقسوة من خصلات شعرها بعد أن جذب وشاحها بعنف ضاري و إبرة المشبك قد جرحت جانب عنقها.
كما تكرر هذا المشهد و مازالت تتمسك بهذا الشيطان والحُجة التي لا تنطلي علي طفل صغير إنها تحبه، فكيف ذلك؟!
عادت من فلك ذاكرتها، تنعي حظها كيف تتحمل هذا الرجل الذي لا تعرف الرحمة درباً إلي قلبه.
نهضت بثقل تتحمل آلام كل إنش بجسدها، ذهبت إلي الحمام لعل المياه الدافئة تخفف و لو قليلاً من الألم الذي ينهش بها.
و في طريقها رأته يتمدد علي الأريكة في الردهة يغط في النوم، لفت انتباهها متعلقاته التي تساقطت علي الأرض، فكانت من بينها مُدية، دنت لأخذها وقامت بفتحها وإشهار النصل الحاد، تفكر في التخلص منه لكن ماذا بعد؟!
جافلتها حركة مفاجئة منه، فكان يتقلب علي جانبه الأخر، ألقت المدية برعب وركضت إلي الحمام و أغلقت الباب جيداً، فتحت الصنبور ذو الثقاب المتعددة، خلعت ثيابها ووقفت أسفله، تنظر إلي آثار الطوق علي ذراعيها وتبكي فتختلط دموعها بالماء.
※ ※ ※
ينظر نور في ساعة يده ذات التكنولوجيا الحديثة، مدت زوجته ذراعيها تعانقه من الخلف
"لابس بدري كدة و رايح علي فين؟"
استدار ليصبح أمامها يبتسم بسخرية
"يعني هاكون رايح فين علي الصبح يا كوكي؟!"
ضيقت عينيها و بمكر تخبره
"ما أنا عارفة أنك رايح الشركة، بس مش عادتك تمشي بدري حتي قبل ما أونكل يصحي، و لا تكون رايح تطمن تشوف السكرتيرة الجديدة جت في ميعادها و لا أتأخرت"
ولي ظهرها إليه ليخفي عنها التوتر الذي غزي ملامحه للتو
"و أنا مالي و مال السكرتيرة، هي مساعدة بابا مالهاش علاقة بيا"
عقدت ساعديها أمام صدرها قائلة
"أتمني"
يدرك المغزى من وراء ما قالت، لا يريد الجدال في هذا الأمر معها لأنها سوف تكشف خبايا مكنونه بسهولة و من خصاله يخشى المواجهة أو يكون في وضع المخطئ سواء أمامها أمام والديه.
"لو فيه حاجة أبقي كلميني، سلام"
تركها وغادر الغرفة، تذكر أمر شقيقه الذي يمكث لدي صديقه، قام بمهاتفته و الأخر أجاب بعد رنين استمر لثواني عديدة
"ألو يا يوسف؟"
أجاب الأخر وأثر النوم علي صوته بادية
"فيه حاجة يا نور؟، ماما كويسة؟"
"و ليك نفس تنام بعد اللي عملته امبارح؟"
استمع إلي زفرة نابعة من شقيقه الذي سأله بضجر
"نور، أنا مش فايقلك، وياريت ما تكلمنيش غير لما تكون فيه حاجة مهمة"
"تصدق أنا غلطان بكلمك عشان أطمن عليك و أقولك كفاية لعب العيال بتاعك و أرجع، لكن هقول إيه بس، بابا عنده حق لما قالك إنك دلوعة وتربية ماما"
كانت إجابة الأخر إنهاء المكالمة دون إنذار، زفر نور بحنق و يجز علي أسنانه متمتماً
"ماشي يا يوسف، شوف مين اللي هيخرجك من أقسام و لا أي داهية تاني"
※ ※ ※
تضع عزيزة أطباق الطعام علي المنضدة وتنادي علي ابنائها، فكانت غرام تتظاهر بالنوم، فما حدث افقدها النعاس منذ الأمس و كذلك الشهية، فهي لم تلج إلي مخفر أبداً من قبل سوي عندما قامت بتقديم بلاغ في رجب فقط، لم تعلم أن الأمر سيتطور إلي تلفيق مصيبة كانت ستقضي علي مستقبلها ومستقبل أسرتها.
و علي الجهة المقابلة تقف ابتسام أمام قطعة المرآة المعلقة علي الحائط، تضبط من هندمها وتتذكر نظرات حسن لها طوال الطريق حتي طلبت منه غرام أن يتوقف بالقرب من الحارة، حتي لا تتشدق الألسنة بالقيل والقال.
لما كلما تنظر إليه عينيه تشعر بالرهبة، و لهفة تنضح منه لكن يخفيها خلف وجه صارم أحياناً أخري بالأحرى عندما يراها برفقة عثمان.
انتبهت إلي صوت اهتزاز يأتي من هاتفها، تعلم من المتصل دون أن تلقي نظرة علي شاشة الهاتف فمن غير يتصل بها كل صباح ليطمئن عليها ويقوم بإيصالها إلي المدرسة.
"ابتسام؟"
سرعان استدارت وجدت غرام نهضت وجلست تنظر إليها، ابتلعت لعابها خوفاً من أن تسألها من المتصل
"صباح الخير يا غرام، ماما كانت عمالة تنادي عليكي عشان تفطري"
أشارت الأخرى إليها بجوارها
"تعالي أقعدي عايزاكي في حاجة"
جلست وتشعر بالقلق حتي تلاشي عندما ابتسمت غرام إليها و تخبرها بما لا تتوقعه بتاتاً
"و الله و كبرتي يا بوسي، وبقيتي بتتحبي كمان"
"أتحب؟، قصدك إيه؟"
قامت بالضغط علي خدها بأصبعيها
"مستر حسن أبو علي"
صدمة أخري، فكانت تظن أنها ستسألها عن عثمان
"ماله مستر حسن؟"
"ده ماله و حاله متشقلب من ساعة ما أتعين السنة دي في المدرسة عندكم، و لا نظرات عينيه اللي كل ما يبصلك بتقول شعر و مواويل"
تدلي فكها و لم تكن لديها قدرة علي استيعاب ما تلقيه عليها شقيقتها
"إيه اللي بتقوليه ده، إيه اللي هيخلي واحد زيه في مركزه يبص لتلميذة عنده والفرق ما بينهم عشر سنين؟!"
وضعت غرام ذراعها علي كتفي شقيقتها
"و إيه العجيبة في كدة يعني، كلها كام شهر و هاتدخلي الجامعة إن شاء الله وهو باين عليه إنه محترم و ابن أصول، و أنا من خبرتي في البني آدمين بقولك إنه بيحبك و وقفته معانا إمبارح تمهيد إنه عايز يقرب مننا و يدخل البيت من بابه"
تشعر بانقباضه في قلبها عندما سمعت ما سبق، بالطبع تتمني زوجاً مثل حسن كما تطمح دائماً، لكن هناك عائق بل سداً منيعاً لا يمكن أن تتجاوزه بسهولة، فإذا علم عثمان بحرف من حديث غرام لا تضمن ماذا سيفعل حينذاك، كم هو متهور وسريع الغضب.
"بس أنا... "
"سلام عليكو"
قاطعها صياح هند التي ولجت للتو فنهضت ابتسام وكأن مجيء صديقة شقيقتها أنقذها من هذا الحديث
"و عليكم السلام، هاسيبكم بقي ويادوب ألحق بوابة المدرسة ما يقفلوها"
صاحت غرام
"لما ترجعي هنبقي نكمل كلامنا"
لم تقل ابتسام شىء وغادرت علي الفور قبل أن تعطلها والدتها أيضاً
"بقولك إيه يا غرومة أنا ما فطرتش وواقعة من الجوع وخالتي عزيزة جهزت الفطار و ريحة الطعمية المحشية ما تتقاومش، قومي يلا تعالي نفطر ونبقي نرغي في اللي حصل و عندي موضوع عايزة أحكيهولك"
ما كان من غرام سوي الموافقة والذهاب لتناول الفطور مع صديقتها التي تتظاهر بالجوع لتجعلها تأكل بعد أن أخبرتها عزيزة عندما أتت بعدم تناول ابنتها الطعام منذ الأمس.
طرقات علي الباب فسألت هند بأسلوب الدعابة
"ده مين اللي حماته بتحبه جاي علي الصبح كدة؟"
فتحت غرام فوجدت الطارق شقيقتها فعقبت الأولي بسخرية وتحمل الصغير منها
"الله يرحمها أم سمير ماتت بعد ما بليتنا بابنها"
لم تعلق أحلام علي تهكم شقيقتها، لديها حق فزوجها بلاء بل ولعنة أصابتها ولم تقدرعلي قلبها أن تخلصه من تلك اللعنة.
جلست معهم و نظرت إلي الطعام دون شهية فقالت والدتها
"مدي إيديكي يا قلب أمك و كولي، أنا عاملة الطعمية المحشية اللي بتحبيها"
و قبل أن تبدأ في تناول الطعام نظرت إلي غرام وسألتها
"هو صح اللي سمعته إمبارح؟"
تركت غرام الخبز وأجابت
"أيوة، و الحمدلله الموضوع عدي علي خير وأديني قدامك أهو"
لم يكن لديها رغبة في الحديث عن كل تفاصيل ما حدث، لا تريد أن تزيد من هموم شقيقتها فيكفي همها مع زوجها الفاسد.
هزت أحلام رأسها في صمت، لكن لفت نظر شقيقتها الوشاح الذي يخفي منتصف جبهتها و كاد يصل إلي شفتيها.
"ماما؟"
تحرك الصغير من فوق فخذي خالته، يمد ذراعيه إلي والدته، رفعت أحلام ذراعيها لتأخذه فانحصر طرف كم عباءتها عن ساعديها.
خلعت لها الوشاح لتري ما يخفيه اسفله فاتسعت عينيها وتبادلت كلتيهما النظر، فكانت عينان أحلام تنضح بالانكسار بينما غرام تشتعل عينيها بألسنه من اللهب تنذر بعاصفة علي وشك الحدوث.
يتبع...
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق