القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية غرام في المترو الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر بقلم ولاء رفعت علي

التنقل السريع



    رواية غرام في المترو الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر بقلم ولاء رفعت علي







    رواية غرام في المترو الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر بقلم ولاء رفعت علي




    *الفصل الحادي عشر*


    تولت اليوم الوظيفة الجديدة، أصبحت المساعدة الخاصة بيوسف وهذا بعد أن أشاد بها إلي والده بأنها من ساعدته علي معرفة المصنع المحتال الذي يقلد منتجاتهم ويغرق السوق بها بثمن بخس فذلك أدى إلي خسارة فادحة إليهم. 


    "ده فيديو فيه شرح بالصوت والصورة عن كل المهام اللي هاتطلب منك، و لو فيه أي حاجة أبقي أسأليني، أنا رايح علي مكتبي دلوقت و في البريك نتقابل" 

    كان قول يوسف وقابلته غرام بإيماءة يصاحبها ابتسامة امتنان 

    "شكراً أوي يا مستر يوسف، بجد بجد مش عارفة من غيرك كان ممكن أعمل إيه" 


    "العفو يا غرام، و بجد بجد لو قولتي مستر يوسف دي تاني مش هارد عليكي" 


    ضحكت وليتها ما فعلت ذلك، ملامحها تتسم بالبساطة وليست صارخة الجمال كالفتيات التي تركض خلفه أو مثل ماهي التي تلتصق به كالبق أينما رأته لكنه يرى في غرام ما هو ليس في بقية الفتيات، جمالاً ينبع من داخلها يطغى علي ملامحها فيجعلها ساحرة لمن يتحدث معها، تولج إلي القلب سريعاً دون استئذان. 


    "عارفة إن ضحكتك حلوة أوي" 

    إطراء بل كلمات عصفت بداخلها، ابتلعت لعابها بخجل، رسمت الجدية علي ملامح وجهها 

    "أوك يا مستر يوسف، هاشوف الفيديو و هاطبق الشرح و هابقي أبلغ حضرتك" 


    رفع يده وأخذ يعد بأصابعه

    "مستر يوسف أدي مرة، و حضرتك أدى مرتين، طب والله ما أنا رادد" 

    اثار حديثه بأسلوب فكاهي ضحكتها مرة أخرى، نهض قائلاً

    "مش هارد و لا هاعاكس برضو" 

    ذهب إلي مكتبه و كان من هناك ينتظر خروجه ليذهب هو إليها، طرق الباب حتي جاء صوتها إليه

    "أتفضل" 


    فتح الباب و ولج إلي الداخل، نهضت وتحاول استرجاع ذاكرتها عن هويته

    "خير، مين حضرتك؟" 


    ابتسم إليها و مد يده للمصافحة

    "أنا مستر رامي، و تقدري تقوليلي يا رامي من غير ألقاب، مسئول عن قسم الـ IT في الشركة وصاحب يوسف ونور ويوسف أكتر" 


    رددت في عقلها

    "و ده كمان جاي يقولي مفيش ألقاب، هو إيه الحكاية، أنا جاية أشتغل و لا أتشقط؟!" 


    "أهلاً وسهلاً بحضرتك يا مستر رامي" 


    ظلت يده في الهواء دون مصافحة، أعادها جانبه بحرج 

    "علي فكرة أنا مش جاي أضايقك، أنا برحب بيكي كموظفة جديدة عندنا، أصلنا كلنا هنا أسرة واحدة" 


    "تمام يا مستر رامي، أنا اسمي غرام وبشتغل سكرتيرة مستر يوسف، و شغلي بيقتصر علي طلبات قسم التسويق وبس" 

    تفهم رفضها الجلي للتعارف وتبادل الأحاديث بينهما، فزاد إصراره علي التقرب منها لكن في وقت لاحق ليس الآن حتي لا تنفر منه. 


    "تمام يا آنسة غرام، عن إذنك" 

    ذهب ولم ينتبه إلي يوسف الذي خرج للتو من غرفة مكتبه ليراه يغادر من غرفة غرام، داهمه الشعور بالانزعاج كثيراً، اقتحم مكتب الأخر دون استئذان

    "رامي، أسلوب الشقط الرخيص اللي بتعمله مع أي بنت بتعجبك ده تنساه خالص هنا، إلا و أقسم بالله ما هخليك تعتب باب الشركة ده نهائي" 


    أوقفه رامي مدافعاً عن نفسه

    "تعالي هنا فهمني، شقط و زفت إيه اللي بتكلمني عليه؟!، هي لحقت السكرتيرة تبلغك؟، واضح بدأت تشوف شغلها كويس" 


    "أنا لسه شايفك بعينيا وأنت خارج من المكتب عندها، طبعاً داخل بترحب بيها علي طريقتك" 


    وقف أمامه بتحدي

    "اه كنت برحب بيها، بس بأدب وبإحترام، فيها حاجة يعني؟!، و لا رأفت بيه مانع الموظفين يتعرفوا علي بعض؟! " 


    زفر يوسف بنفاذ صبر، رفع سبابته كإشارة تحذيرية 

    "لأخر مرة بحذرك يا رامي، ملكش دعوة سواء بيها أو بغيرها هنا في الشركة، و لسه علي تهديدي" 

    غادر في الحال تاركاً دماء الأخر تفور كماء المرجل، يتمتم بوعيد وحقد دفين

    "واضح من كلامك إنها مش مجرد سكرتيرة وبس، لما نشوف يا يوسف مين فينا اللي هيفوز بيها الأول" 


                            ※ ※ ※


    تتقلب علي فراشها وكأنها ترقد علي جمر من النار، تبكي بحسرة علي ما حدث لها في ليلة أمس، تذكرت كيف كانت مسلوبة الإرادة من تأثير المخدر الذي جعلها ما بين الوعي ونقيضه، شعرت بكل ما حدث معها، انتهاك جسدها بأبشع الطرق أمام كاميرات التصوير و أعين الرجال، وقعت ضحية لعصابة الإتجار بالبشر. 


    لما الندم الآن وهي من سلكت درب من دروب إبليس من أجل المال، باعت جسدها إلي عيون الرجال وتظن بإخفاء وجهها خلف الوشاح هذا سيمحو الإثم الذي اقترفته، و ها هي أصبحت سلعة للمشاهدة وللمس أيضاً، كانت تريد الشهرة والمال و لا يهم الوسيلة، لذلك لا تلوم في روايتها سوي حالها. 


    صوت صرير باب غرفتها وصل إلي سمعها، علمت من الزائر 

    "بت يا سماح، أنتي يا بت كل ده نوم، قومي ياللي تنام عليكي حيطة" 


    نهضت و لا تريد هم فوق همها، يكفي الجحيم الذي وقعت به

    "نعم يابا، الأكل عندك في التلاجة" 


    "هو أنا هصحيكي عشام الأكل، أنا عايز فلوس" 


    زفرت وعلي وشك أن تنفجر 

    "مش لسه مدياك إمبارح 500 جنيه؟!، راحوا فين؟" 


    صاح بغضب زائف مثل كل مشاجرة ليبث داخلها الخوف من ثورته 

    "أختك عديت عليها إمبارح لاقيتها محتاجة فلوس أديتلها منهم و الباقي جبت بيه طلبات للبيت، و بعدين أنا حر أصرفهم زي ما أنا عايز ملكيش دعوة" 


    تمسك رأسها من ألم الرأس الملازم لها منذ أن استيقظت

    "حاضر يابا، أنا معيش حالياً غير 200 جنيه" 

    وضعت يدها أسفل الوسادة لتأخذ محفظة نقودها فاختطفها منها وقام بفتحها ونهب كل ما بها من مال

    "أخص عليكي، بت جاحدة، كل دي فلوس مخبياها علي أبوكي" 


    "يابا، دول شايلاهم لوقت زنقة، أنت أي قرش معاك بتخلصه علي الهباب اللي بتشربه ومعاشك برضو بتصرفه علي نفسك" 


    دفعها بعنف في كتفها

    "ملكيش فيه، كيفي مش هبطله، وأعملي حسابك أنا أول حمار هيجي يتقدملك هوافق عليه، حتي لو كان شحات، أهو يخلصني منك، جاتك البلا وأنتي شبه أمك الله يجحمها" 

    غادر المنزل وتركها تنعي حظها، أب جاحد بلا قلب و حياة قاسية اتخذت كليهما حجة واهية لتفعل ما تريد دون رادع، كان أمامها طريقين الخير والشر، اختارت الأخير وعليها أن تدفع الثمن. 


    صدح هاتفها بتنبيه رسالة واردة، انتفضت لأنها تعلم من المرسل، قامت بفتح الرسالة فوجدت محتواها كالتالي

    «صباحية مباركة يا فنانة، شوفتي وعدتك هتبقي نجمة، خليتك بطلة و الفيديو بتاع إمبارح هيشوفوا الباشوات اللي بيدفعوا بالدولارات، شدي حيلك بقي وبكرة زي ميعاد إمبارح هتكوني عندي و لو مجتيش مش هقولك أنا هعمل إيه، كفاية الحاج مليجي وأخوكي و كل أهل الحتة عندك يشوفو فيلمك و فيديوهاتك الخاصة علي التطبيق إياه، ده كله كوم و وصولات الأمانة اللي مضيتي عليها دي كوم تاني، قدامك تلات إختيارات يا تكملي معانا، يا لفضيحة أو السجن يا حلوة

    سيدك ومعلمك عوني القرني» 


                            ※ ※ ※

    صوت الموسيقي والغناء يتردد في منزل عائلة هند، فالليلة هي ليلة الحناء، بعد مرور سنوات من الحب والعذاب حتي جاء اليوم الذي ستصبح مع من تعشقه قلباً وقالباً


    و بداخل غرفة هند كانت غرام تقوم بوضع لها الحمرة علي شفتيها

    "و كدة خلصت يا عروسة" 


    نظرت هند إلي المرآة بفرح

    "تسلم إيديكي يا غرام، عقبال لما أحضر يوم حنتك يارب"


    "يا عالم بقي ده ممكن يحصل و لا لاء" 


    "قلبي بيقولي هيحصل وقريب أوي كمان، ربنا هيكرمك بإذن الله بعريس اسمه يوسف" 


    لكزتها غرام في كتفها بمزاح

    "ده أنتي هتخليني أحرم احكيلك حاجة تاني، و بعدين دي مجرد أحلام، أنا فين و هو فين" 


    "مفيش حاجة بعيدة عن ربنا، أدعي وبإذن الله هايكون من نصيبك" 


    ابتسمت ودعت ربها بأن يرزقها بالخير وأن لا يعلق قلبها بحلم يستحيل تحقيقه، يكفي ما رأته في معاناة شقيقتها أحلام بسبب ما يسمي بالحب. 


    ولجت والدة هند 

    "ها يا بنات العروسة جهزت و لا لسه؟" 


    استدارت هند إليها، فتحت والدتها فمها بسعادة 

    "بسم الله ماشاء الله اللهم بارك، ربنا يحميكي يا بنتي من شر العين" 


    احتضنت الأخرى والدتها

    "حبيبتي يا ماما ربنا ما يحرمني منك" 


    نظرت والدتها إلي غرام وشقيقتها ابتسام

    "عقبالكم يا بنات" 


    "تسلمي يا طنط" 


    "يلا يا هند أطلعي سلمي علي حماتك وأخوات جوزك مستنينك برة" 

    انقبض قلبها وأثرت ذلك في نفسها، لكن لاحظت والدتها تغير ملامحها فجأة

    "أنا عارفة إنك داخلة علي هم لا يعلم بيه إلا ربنا، خليكي ذكية وناصحة و حاولي تكسبي حماتك وبناتها عشان محدش فيهم يضايقك" 


    "ما تقلقيش يا ماما، حماتي في عينيا، أنا مقدرة سبب معاملتها عشان جمال ابنها الراجل الوحيد وخايفة لأبعده عنها أو أخليه يتغير من ناحيتها" 


    "حبيبتي عين العقل، يا زين ما ربيت" 

    ابتسمت هند وعقبت غرام تخبر والدة صديقتها

    "ماتخافيش يا طنط علي هند، محدش يقدر يضايقها وجمال معاها" 


    "ما هو ده اللي مطمن قلبي يا غرام، أن جمال بيحبها و ما بيستحملش عليها حاجة" 


    "ربنا يهنيهم ويسعدهم يارب" 

    دعت غرام بذلك ردن جميعاً 

    "اللهم آمين" 


    و في الخارج كانت عطيات وبناتها الثلاث دلال و ثناء و رضوى، جميعهن في انتظار العروس القادمة نحوهما، همست رضوي إلي ثناء

    "بت يا ثناء البت هند طلعت حلوة أوي" 


    حدقت إليها الأخرى بسخرية

    "هي عشان حاطة شوية مكياچ تبقي حلوة؟" 


    "اه حلوة ماشاء الله عليها، ربنا يسعدها هي وأخويا" 


    "يارب أمي تسمعك" 


    نظرت رضوي إلي شقيقتها بابتسامة صفراء، بينما عطيات كانت تخبر ابنتها الكبري دلال

    "افرضي بوزك، الناس واخدة بالها منك" 


    أخبرتها ابنتها بألم وحزن يشوبه الحقد

    "عايزاني أفرح إزاي و جوزي سايب البيت بقاله أسبوع ومعرفش عنه حاجة" 


    "هتلاقيه مسافر في شغل زي كل مرة" 


    "لاء ياماه، قلبي بيقولي إن بقاله شهر متغير و سفرياته غير اللي قبل كدة، حاولت أدور وراه و أشوف مخبي عليا إيه، مش عارفة" 


    "عدي عليا بدري بكرة الصبح نروح عند الشيخة أم حسنات خليها تفتحلك المندل وتعرفلك المستخبي" 


    "بالله عليكي ياماه بلا أم حسنات و لا أم سيئات، أنا جتتي بتتلبش من الولية دي و من اللهم أحفظنا اللي عليها" 


    "ملكيش دعوة أنا اللي هروحلها، بس و انتي جاية هاتيلي حاجة من قطر جوزك" 


    انتهت هند من تلقي تهنئة أقاربها ومعارفها وذهبت إلي حماتها وبناتها اللاتي لم تنهض أي واحدة منهم لها سوي رضوي التي هللت بسعادة

    "الله أكبر، زي القمر يا مرات أخويا" 


    ابتسمت هند وتبادلت معها العناق وقبلات الإستقبال

    "ده أنتي اللي قمرين يا رضوي" 


    "أزيك يا خالتي" 

    مدت يدها لتصافح حماتها، فقامت عطيات بمد يدها بوضع انها تنتظر من هند تُقبل ظهر يدها

    "ازيك يا حبيبتي" 


    نظرت هند إلي يد حماتها ثم إلي والدتها التي تقف بجوارها، أومأت إليها والدتها لكسب ود هذه المرأة التي ستقيم معها ابنتها الأيام القادمة

    قامت هند بتقبيل يد حماتها علي مضض ورفعت وجهها فوجدت نظرة هذه السيدة تخبرها ما هي مقبلة عليه. 


                           ※ ※ ※

    قامت غرام باستئذان صديقتها للعودة إلي منزلها لأن سيأتي إليهم ضيوف وستخبرها في الغد من هم و ما هي سبب الزيارة، كانت حريصة أن لا تبوح بشىء أمام شقيقتها ابتسام كما طلب منها حسن في مكالمته لها! 


    "أنا داخلة أنام عايزين حاجة؟" 

    كان سؤال ابتسام فأجابت غرام

    "هتنامي و الساعة لسه ماجتش تسعة!، خليكي قاعدة معانا عشان جايلنا ضيوف" 


    "مين اللي جاي؟" 


    ابتسمت غرام فصدح رنين جرس المنزل

    "هاتعرفي دلوقتي، أدخلي أنتي بس الأوضة و لما أندهلك تعالي" 


    تعجبت ابتسام من أمر شقيقتها واللغز الذي ستعلم به الآن، فتحت غرام الباب فظهر حسن يحمل علبة تحتوي علي حلوي وباقة ورود

    "السلام عليكم" 


    "و عليكم السلام، أتفضل يا مستر حسن" 


    نظر إلي خلفه 

    "أتفضلي يا أمي" 


    ولجت سيدة عجوز برفقته، تزين الابتسامة شفتيها، ألقت التحية فاستقبلها كل من غرام ووالدتها التي كانت لديها علم بمجيئهم 

    "يا أهلاً وسهلاً، البيت نور" 


    عقبت والدة حسن 

    "منور بيكم يا أم ابتسام" 


    ذهبوا جميعاً وجلسوا علي المقاعد في الردهة، سألتهم غرام

    "تحبوا تشربوا إيه؟" 


    أجاب حسن

    "ما تتعبيش نفسك إحنا مش ضيوف" 


    عقبت عزيزة 

    "يا خبر و دي تيجي، أنتم فعلاً مش ضيوف، أنتم أصحاب بيت، بس لازم واجب الضيافة، روحي يا غرام صبي الساقع" 


    "حاضر يا ماما" 


    أوقفها حسن قائلاً

    "استني يا غرام تعالي وبعد ما نتكلم هنشرب الساقع" 


    "خير يا بني؟" 


    "خير إن شاء الله يا أمي، أنا مهدت الموضوع لغرام قبل ما أجي، قولتلها أنا طالب إيد ابتسام علي سنة الله ورسوله" 

    اخترقت كلماته سمع ابتسام التي تختبئ خلف باب الغرفة، في حالة صدمة ودهشة، المعلم حسن جاء لطلب يدها للزواج! 


    "أنا غرام أول ما قالتلي بصراحة من فرحتي مصدقتش، من كتر ما بتشكر لي فيك غرام وقالتلي إنك مكنتش بتاخد فلوس الدرس منها وخلتها تفهم أختها إنها بتدفعلك عشان منظرها قدام أصحابها، بقيت أدعيلك في كل صلاة ربنا يكرمك ويرزقك باللي نفسك فيه" 


    ابتسم الآخر وقال

    "و أنا نفسي أكمل نص ديني مع ابتسام، و زي ما حضرتك عارفة أنا بشتغل مدرس إنجليزي بقالي سنة متعين بعقد، عندي 25 سنة، حالتي المادية ميسورة والحمدلله، عندي شقتي في حدايق المعادي" 


    تابعت والدته

    "الشقة جاهزة علي العفش واللي هتختاره عروستنا، حسن ابني وحيد ربنا رزقني بيه أنا وأبوه الله يرحمه بعد عشر سنين جواز، كنت خلاص فاقدة الأمل لحد ما ربنا رزقني بيه وعرفت بحملي في ليلة القدر" 


    عقبت عزيزة 

    "ماشاء الله، ربنا يباركلك فيه وتفرحي بأحفادك" 


    "ما هو لما حكالي عن ابتسام من أخلاق وأدب و جمال وإنها متفوقة كمان، فرحت طبعاً لأن طول عمري أدعيله ببنت الحلال، و من مجرد سيرتها و من غير ما أشوفها ارتحتلها نفسياً، أومال هي فين؟" 


    نظر غرام نحو باب الغرفة المفتوح قليلاً

    "تعالي يا ابتسام" 


    انتفضت الأخرى وترددت قبل أن تخرج، ألقت نظرة علي هيئتها في المرآة ثم خرجت إليهم وتنظر بخجل

    "اللهم بارك زي القمر عروستك يا حسن" 


    ابتسم حسن وينظر إلي ابتسام، يستمتع لرؤية حمرة خديها من الخجل


    "تعالي يا ابتسام سلمي علي الحاجة أم حسن" 


    مدت الأخرى يدها فصافحتها والدة حسن واحتضنتها

    "أزيك حضرتك يا طنط" 


    "الحمدلله يا حبيبتي، تعالي اقعدي جمبي" 


    سألت عزيزة ابنتها

    "ها يا ابتسام بالتأكيد سمعتي طلب حسن، إيه رأيك؟" 


    رفعت وجهها ونظرت إليهم فوجدت حسن يبتسم إليها ونظرة الحب التي كان يخفيها دائماً الآن أصبحت واضحة للعيان. 


    "موافقة، بس بشرط" 


    قال حسن لها

    "قولي و بإذن الله هعملك اللي أنتي عايزاه" 


    "نتجوز بعد ما أخلص الجامعة" 


    تفهم حسن طلبها لهذا الأمر، تخشي أن لا يجعلها تكمل دراستها

    "و ممكن تكملي و إحنا متجوزين، و وعد مني قدام مامتك وأختك هفضل جمبك لحد ما تتخرجي بتقدير إمتياز، نجاحك هيبقي نجاحي " 

    تراقص قلبها فرحاً، بينما هناك من تمكث في الظلام داخل الغرفة، تبكي و تنعي حظها بأنها قد تزوجت من سمير وانتهي الزواج و انتهت كل سعادتها مع كل لحظة ألم قد عاشتها معه. 


    بالعودة إلي حسن وابتسام، قالت والدة حسن

    "طالما الحمدلله متفقين و كل حاجة متيسرة بأمر الله يبقي نقرأ الفاتحة" 


    نهضت غرام و نظرت إلي شقيقتها قائلة

    "دقيقة نحط الساقع والجاتوه ونقرأ الفاتحة" 


    وبالفعل تم قراءة سورة الفاتحة صاحبها زغاريد أطلقتها غرام، كم هي سعيدة من أجل شقيقتها الصغري. 


                           ※ ※ ※


    تتظاهر بغيابها عن الأجواء لكنها كانت كالصقر، تراقب الجميع عن كثب، تعلم ما يفعله زوجها من ورائها، لكن يبدو ليس لديها علم من هي غريمتها و ما الكارثة التي وقع بها زوجها وولدها الكبير! 


    تشرب آخر رشفة في فنجان القهوة وتنظر إلي هاتفها تنتظر إتصالاً هاماً، هاتفها يرن فأجابت

    "ألو؟" 


    "صباح الخير يا منيرة هانم" 


    "قول اللي عندك علي طول" 


    "يوسف ابنك رجع للشغل في الشركة بقاله كام يوم" 


    "عارفة، فين الجديد؟" 


    "ما هو حضرتك ماتعرفيش السبب اللي ورا رجوعه، بنت جديدة اشتغلت سكرتيرة ليه، اسمها غرام، عرفت إنها جت تبعه و تبع نور، و عرفت إنها اللي عرفتهم عن اللي كان بيوقعنا في السوق و بيبيع تقليد البراند" 


    "قدامك لحد بالليل تجيبلي كل حاجة عنها عيلتها، ساكنة فين" 


    "من قبل ما حضرتك تطلبي، جيبتلك قرارها، اسمها غرام المصري، يتيمة الأب، عايشة مع أمها وأخواتها في حارة شعبية في دار السلام" 


    تجهم وجهها فسألته ما يتردد داخل عقلها

    "علاقة يوسف بيها وصلت لحد فين؟" 


    "اللي أنا متأكد منه هو معجب أو حبها فعلاً" 


    "أنت لازم تتصرف قبل ما العلاقة تطور أكتر من كدة" 


    "حضرتك عايزة إيه و أنا تحت أمرك" 


    "هاقولك علي اللي هاتعمله و قصاده مليون جنيه هيكونوا في رصيدك لما تنجح في مهمتك" 


    "أمرك يا منيرة هانم" 


    "هاستني الجديد منك، سلام" 

    أنهت المكالمة وتركت هاتفها علي المنضدة، تضيق عينيها بوعيد قيد التنفيذ

    "بقي كدة يا يوسف، ترفض جوازك من ماهي بنت الحسب والنسب عشان حتة بت من حارة، الظاهر دلعتك كتير أوي و جه الوقت اللي لازم أوقفك عند حدك" 


          

    يتبع...     

       *الفصل الثاني عشر *


    تجلس خلف الحاسوب تطبق كل ما تتعلمه جيداً، لم تخيب ظن يوسف و كم أسعده أنه اثبت لوالده إنه لم يعد الشاب الثلاثيني المدلل كما كان ينعته والده دائماً. 


    طرق علي الباب جعلها توقفت


    "أتفضل" 


    تخشي أن يكون الطارق هذا الرامي، فهي لا تتحمل وجوده أو التحدث معه نقيض يوسف صاحب الظل الظريف، نظراته لها مليئة بالاحترام بينما الأخر نظراته تفيض بنواياه الخبيثة. 


    "ممكن أدخل؟" 


    ابتسمت وأشارت إليه


    "اتفضل طبعاً" 


    جلس أمام مكتبها فنهضت احتراما وذهبت لتجلس علي المقعد المقابل له، سألها باهتمام


    "إيه الأخبار، مرتاحة و لا متضايقة من حاجة؟" 


    "الحمدلله مرتاحة جداً، و لو ضايقتني حاجة أنا بعرف أتصرف كويس" 


    ابتسم من ذكائها، أدرك إنها قد علمت سبب سؤاله عن المضايقة والتي تتمثل في رامي


    "الحمدلله كدة أنا مطمن، أنا جيت أشكرك مرة تانية علي إنك كنتي السبب نعرف صاحب المصنع اللي بيقلدنا، قبضوا عليه ورفعنا عليه قضية، و من بعد ما الخبر أتنشر زادت مبيعاتنا"


    "ماشاء الله، ربنا يزيد و يبارك، أنا يعتبر ماعملتش حاجة، ربنا اللي بيسبب الأسباب" 


    أخرج من جيب سترته الداخلي ظرف أبيض وضعه أمامها


    "أتفضلي مكافأتك"


    "هو أنا لحقت أشتغل؟!" 


    "لاء دي مكافأة مالهاش علاقة بشغلك، دي من أرباحنا اللي زادت" 


    "معلش مش هقدر أقبلها، أنا هاخد مقابل شغلي و بس" 


    نهض وأخبرها


    "أعتبريها مبروك علي الشغل، ونسيت اقولك أنا قدمت أوراقك للجامعة نظام انتساب عشان تقدري تيجي الشغل براحتك، و الجامعة قبلت أوراقك" 


    قفز قلبها من الفرح، ها هي ستحقق أول حلم كان علي وشك أن يذهب سدي في الأيام السابقة


    "يوسف، شكراً جداً علي اهتمامك ودعمك ليا" 


    ابتسم وعينيه تخبرها الكثير


    "عايزة تشكريني، يبقي تذاكري و تنجحي بتقدير ما يقلش عن إمتياز، اتفقنا؟"


    أومأت إليه والسعادة تنضح من عينيها 


    "اتفقنا " 


    ※ ※ ※


    "ألو؟، مستر حسن؟" 


    " فيه واحدة تقول لخطيبها مستر؟!" 


    ضحكت ابتسام وعقبت بخجل


    "معلش، لسه مش مستوعبة اللي حصل" 


    "أنا كنت ناوي أجي أطلب إيدك بعد ما تخلصي إمتحانات، لكن مقدرتش أصبر أكتر من كدة" 


    أنتظر رداً منها أو تعقيباً لكن تلقي الصمت، نظر إلي شاشة الهاتف ليتأكد إنه مازال قيد المكالمة


    "ابتسام؟" 


    "نعم" 


    "ساكتة ليه؟"


    "بسمع حضرتك" 


    "حضرتي!، أنا فاهم إنك لسه مش مستوعبة اللي حصل، بس عايز أقولك مع الأيام هاتعرفي إن أنا بحبك قد إيه وبخاف عليكي" 


    خفق قلبها من اعترافه الصريح ونبرة صوته الأجش لها وقع علي سمعها، تشعر برجفة تسري علي طول العمود الفقاري لديها، توقع كيف تلقت اعترافه ذلك والدليل صمتها مرة أخرى


    "مش مصدقاني، أيوة بحبك، خطفتي قلبي من أول يوم شوفتك فيه" 


    شعرت الأخرى بأحد ولج داخل الغرفة فوجدت شقيقتها أحلام تتمدد علي السرير الموازي لها


    "معلش هكلمك بعدين، أصل ماما بتنادي عليا" 


    "سلميلي عليها" 


    "الله يسلمك" 


    "خدي بالك من نفسك و ذاكري كويس عشان عندك إمتحان الأسبوع الجاي" 


    ابتسمت وقالت


    "حاضر" 


    "لا إله إلا الله" 


    "محمد رسول الله، سلام" 


    انتهت المكالمة وأطلقت زفرة بأريحية، تتمدد بجسدها علي الفراش مبتسمة وتنظر إلي السقف حتي اختفت ابتسامتها عندما تحدثت أحلام 


    "أوعي تديله الأمان، لا هو و لا غيره، كلهم صنف واحد، غدارين وخاينين" 


    ألتفت الأخرى لها لتعقب 


    "مش كل الرجالة سمير يا أحلام، أنتي اللي أخترتي غلط برغم حذرناكي منه، لكن برضو صممتي عليه و كأنه أخر راجل في العالم" 


    تساقطت دمعة من عينها و بنبرة أوشكت علي البكاء


    "نصيبي و قسمتي، عينيا مكنتش شايفة غيره، كنت بحبه لدرجة عمري ما أتخيلت أعيش بعيد عنه" 


    "و أديكي قدرتي، و بقيتي أحسن، علي الأقل أرتحتي نفسياً وقاعدة في وسط أهلك معززة مكرمة، عكس الجحيم اللي كنتي عايشة فيه معاه" 


    تردد صوت سمير في أذنها بمعايرته التي لم يكف عن تذكيرها بها، يمر أمام عينيها كل ما كان يفعله بها من ضرب و إهانة حتي تحول حبها له إلي كراهية. 


    اجهشت في البكاء فنهضت ابتسام لتربت عليها


    "معلش حقك عليا، والله ما قصدت أضايقك بكلامي" 


    "أنا مش مضايقة منك، أنا مضايقة من نفسي و اللي كنت بعمله في حالي، اتحملت حاجات كتير فوق طاقتي بسبب قلبي" 


    احتضنتها الأخرى وظلت تربت عليها، تركتها تطلق عبراتها دون توقف لعل ألمها يزول مع كل قطرة من دمعها. 


    ※ ※ ※


    اقترب وقت العمل علي الانتهاء، فذهبت إلي المرحاض تغسل يديها ووجهها، عادت إلي غرفة مكتبها فوجدت باقة ورود حمراء يتوسطها زهرة بيضاء، مرفق بها بطاقة ورقية مطوية، قامت بفتحها وقرأت المدون بها


    "من يوم ما نورتي الشركة وأنا شايفك زي الوردة البيضا اللي جوة الورد الأحمر، مميزة وجميلة أوي


    رامي" 


    عقدت ما بين حاجبيها بضيق


    "ابتدينا بقي، أنت اللي جيبته لنفسك يا رامي"


    حملت الباقة و ذهبت إلي غرفة المكتب الخاصة به، دفعت الباب بعنف، ألقت الباقة أعلي المكتب، ترفع سبابتها بتحذير


    "المرة دي رمتلك الورد علي المكتب، المرة الجاية هرميه في وشك، شغل العيال المراهقة ده أنا فهماه كويس، أنا بنت بلد و عارفة إيه اللي ورا الحركات دي، ياريت ما تحطش أمل لأن ده مكان شغل وليه احترامه" 


    لم تعط له فرصة للحديث فتابعت


    "لحد دلوقتي مارضتش أقول لمستر يوسف أو نور بيه، أو رأفت بيه بذات نفسه، ياريت بقي تخليك في حالك و تسيبني في حالي" 


    أخذ يضحك ليثير حنقها وأخبرها بحديث مبهم تدرك معناه جيداً


    "لو حاطة أمل علي غيري، غيري عمره ما هيبقي ليكي، و لو أهتم بيكي شوية أول ما تبقي ليه هايسيبك زيك زي أي واحدة عرفها قبلك، لو سكتك دوغري وراسمة علي جواز، ده هيبقي عاشر المستحيلات لأنك زي ما أنتي شايفة بعينيكي، هو من عيلة مين، اللي زيي و زيك أخرهم يبقوا لبعض لو بصوا لفوق هيقعوا واقعة مش هيقوموا منها، يارب تكون رسالتي وصلت" 


    رفعت زاوية فمها جانباً بسخرية


    "وصلت يا أستاذ رامي، بس اللي حضرتك ماتعرفهوش إن أنا علاقتي بغيرك في حدود الشغل مش أكتر من كدة، و عمري ما بصيت لحاجة أنا مش قدها، بالنسبة لكلامك الأخير بتاع شبهي و شبهك، أنا عمري ما هابقي شبهك حتي لو إحنا في مستوي مادي واحد، عارف الفرق ما بينا إيه؟، أنا سكتي يمين، لكن اللي زيك سكتهم علي طول شمال حتي لو أتجوزوا، عن إذنك"


    حديثها كان بمثابة الصفعة علي خده، جعلته يزيد من إصراره للظفر بها مهما فشلت جميع محاولاته. 


    ※ ※ ※


    و في طريقها إلي غرفة المكتب الخاص بها، ذهبت إلي يوسف، عندما رآها أشار إليها بالدخول 


    "تعالي يا غرام، عايز أخد رأيك في حاجة" 


    ذهبت ووقفت جواره لتنظر نحو ما يشير إليها


    "دي التصميمات الجديدة لسه مبعوته من فريق التصميم، وإحنا مسئولين عن تسويقها، إيه رأيك فيها؟" 


    كان قربه كفيل بتشتت انتباهها وعدم التركيز، يكفي عطره الفواح الذي جعلها تغمض عينيها لتستمتع باستنشاقه 


    "غرام؟، غرام؟" 


    يناديها بعد أن لاحظ صمتها وألتفت دون أن تدري ليجدها أسيرة قربه منها، هيهات وانتبهت إلي ندائه 


    "مع حضرتك، معلش سرحت شوية" 


    ابتسم وسألها بمكر


    "عاجبك البرفيوم؟" 


    "اه، لاء، برفيوم إيه اللي حضرتك بتسأل عنه" 


    علم إنها تتهرب من الإجابة الذي يريدها


    "مقولتيش إيه رأيك في التصميمات؟" 


    أشارت نحو شاشة الحاسوب


    "التاني و الرابع والسادس و التامن، أجمل من الباقي" 


    "تعرفي إن ده كان نفس إختياري؟" 


    "بجد؟"


    سؤالها كان ذو نبرة يبدو عليها التوتر، ذهبت للجلوس علي المقعد أمام مكتبه، فأجاب


    "اه بجد، واضح إن فيه حاجات مشتركة ما بينا" 


    حمحمت فانتابها سعال فجأة، تناول زجاجة المياه من أمامه والكوب


    "خدي أشربي" 


    أخذت الكوب وقامت بشرب القليل من الماء، بينما هو قام بغلق الحاسوب وتناول سترته من فوق ظهر المقعد ليرتديها


    "روحي هاتي شنطتك من المكتب وتعالي عشان أوصلك في طريقي" 


    توردت وجنتيها من الخجل والحرج لأنها أخبرته 


    "معلش يا مستر يوسف، مش هاينفع أركب مع حضرتك" 


    تفهم رفضها فقال


    "خلاص هطلبلك أوبر يوصلك" 


    ابتسمت لتخفي الحرج الذي تشعر به


    "متشكرة، أنا بعرف أروح من هنا" 


    "بتركبي إيه؟" 


    ابتسمت وأجابت


    "المترو" 


    "أنا حبيت المترو أوي، ممكن أروح معاكي وهنزل في آخر محطة و من هناك هاخد أوبر لحد الفيلا، أظن المترو وسيلة عامة مليانة ناس مفيهاش حاجة لو جيت معاكي" 


    لم ترده خائباً 


    "خلاص أنا هاروح أجيب شنطتي وهاستني حضرتك قدام المكتب" 


    "و أنا هاعمل مكالمة و هعدي عليكي" 


    ذهبت مسرعة إلي غرفة عملها، بينما في أخر الرواق حيث المصعد، خرجت كل من كاميليا برفقة ماهي


    "كوكي، تفتكري يوسف هيفرح لما يشوفني؟" 


    أجابت الأخرى بطيف ابتسامة


    "يمكن اه و يمكن لاء" 


    "و لاء ليه بقي؟" 


    ابتسمت بمكر تعلم سر عودته للعمل في الشركة عندما سمعت زوجها وأبيه يتحدثان عن يوسف المواظب علي العمل بجد ونشاط


    "مش يمكن فيه حاجة تانية مشغول بيها" 


    أخذت تفكر فيما تلقيه كاميليا من معاني غامضة و في النهاية لم تعط أدني اهتمام لحديثها، ذهبت تبحث عن غرفة مكتب يوسف. 


    و لدي كاميليا داهمت مكتب زوجها فوجدت سوزي تقف بالقرب منه تعطيه عقود يقوم بالتوقيع عليها ورقة، ورقة فانتبه لولوج كاميليا المفاجئ، ابتعدت سوزي من جواره عندما تلاقت عينيها بالأخرى، كاميليا كانت تحدق إليها بابتسامة دبت الرعب في قلب الأخرى، يبدو إنها أصعب وداهية أكثر من السيدة منيرة. 


    جلست علي المقعد تضع ساق فوق الأخرى


    "إيه رأيك في المفاجأة دي يا بيبي، أصلك وحشتني أوي قولت لما أعملك مفاجأة وأشوفك"


    نهضت ومالت بجذعها نحوه لتقبله أمام أعين سوزي التي حمحمت بحرج


    "عن إذنك يافندم" 


    "أستني عندك" 


    كان أمر من كاميليا فألتفت إليها سوزي


    "نعم يا كاميليا هانم" 


    أشارت إليها بتعجرف


    "روحي هاتيلنا إتنين آيس تشوكيلت من الأوفيس" 


    نظرت سوزي بصدمة ثم نظرت إلي نور لإنقاذ الموقف، أومأ لها بعينيه ثم عاد ببصره إلي زوجته يخبرها


    "كوكي حبيبتي، آنسة سوزي تخصصها سكرتيرة مش أوفيس بوي" 


    نظرت نحوها بازدراء ثم عقبت علي جملة زوجها


    "و ليه، مش هي بتقدم القهوة لأونكل رأفت؟"


    هنا تخلت سوزي عن الصمت 


    "لاء يا مدام كاميليا، مش بقدم أي مشروبات، و ساعات إحنا بنخدم نفسنا بنفسنا، يعني اللي عايز حاجة يعملها بنفسه، عن إذنك ورايا شغل مهم" 


    و بادلتها نظرة الازدراء كما تفعل معها الأخري. 


    بالعودة إلي ماهي وجدت مكتب يوسف ودخلت بخطوات لم يشعر بها الأخر، وضعت كفيها علي عينيه 


    "أنا مين؟" 


    أبعد يديها عن عينيه


    "أهلاً ماهي" 


    "وسهلاً يا چو، أنا حبيت أعملك مفاجأة وأخدك نتغدي بره أنا وأنت، و كوكي برضو هنا هتاخد نور و هيتغدوا بره هما كمان" 


    "معلش يا ماهي خليها في وقت تاني" 


    صاحت بدلال و رجاء


    "بليز چو، عشان خاطري هي ساعة و هانروح علي طول" 


    أخذ يتردد قبل أن يوافق وقد نسي أمر غرام التي تنتظره وفي طريقها إليه 


    "تمام، ساعة واحدة مش أكتر من كدة" 


    و إذا بها صاحت بتهليل وفرح، قامت بمعانقته، فكان الباب مفتوحاً للمنتصف، كادت غرام أن تدخل فرأت هذا المشهد، تراجعت علي الفور، كانت ستصطدم بالذي يقف خلفها، استدارت علي الفور فوجدته رامي، يضع يديه في جيوبه يخبرها بانتصار


    "دي ماهي عمار المنوفي، بنت النائب العام السابق و والدتها تبقي صديقة مدام منيرة مرات رأفت بيه، و كنا سامعين الفترة اللي فاتت إنهم هيتخطبوا" 


    لم تجب علي حديثه المقصود وأكتفت بالنظر إليه بازدراء ثم ذهبت قبل أن تنفجر باكية، ويتردد في سمعها تحذيراته. 

    يتبع... 


    *الفصل الثالث عشر*

    دروس الحياة ليست مثل النصائح الإرشادية المدونة خلف الكتب الدراسية، بل هي تجارب نعيش داخلها ونمر بها إجبارياً. 


    في حي قريب داخل قاعة لإقامة حفلات الأعراس، يصدح صوت الأغاني يتراقص عليها الشباب والفتيات، كما يتراقص قلب هند التي يمسك بيدها جمال غير مصدق أنه ظفر أخيراً بحب حياته لكن هناك ما يقلق دواخله، يخبره حدسه أن سكون والدته وترحابها للعيش معهما هو وزوجته لن يمر هكذا كمرور الكرام، يخشي ما تضمره والدته تجاه هند، سيقع حينها داخل بوتقة من المعاناة، لذا يدعو ربه أن يخيب ظنه. 


    توقفت هند عن الرقص قليلاً واقتربت منه تسأله

    "مالك يا حبيبي، سرحان في إيه؟" 


    ابتسم وأخذ يحدق في عينيها ذات النظرة التي سلبت لبه بسحرها فأخبرها 

    "مش مصدق نفسي، أخيراً أنا وأنتي هنعيش مع بعض بعد ليالي سهر وشوق و نعد الأيام وكنت أقولك امتي بقي نتجوز" 


    توقفت الأغاني الصاخبة وبدأت موسيقي هادئة، ابتعد كل من علي ساحة الرقص ليتثني للعروسين الرقص بمفردهما، صوت صفير وتهليل، وضعت يديها أعلي كتفيه بينما هو أحاط خصرها بين يديه، مالت برأسها نحو كتفه وواصلت حديثهما 

    "أنا اللي حاسة أني في حلم" 


    عقب بالقرب من أذنها

    "يخلص الفرح و أخدك ونروح ولما يتقفل علينا باب واحد، هخلي لك الحلم يبقي حقيقة"


    و بعد إدراكها مرمي حديثه أصابها الخجل ولكزته في كتفه ودفنت رأسها بين كتفه وعنقه


    وعلي بُعد أمتار قليلة يجلس شقيقاته الثلاث حول المائدة، يتابعن بل يراقبن العروسين، علقت احداهن بحقد ينضح من عينيها

    "شوف البت وبجاحتها، عماله تحضن في أخويا قدام المعازيم من غير خشىّ ولا حياء" 


    ردت شقيقتها

    "ما تحضنه و لا تبوسه يا دلال، ما هو بقي جوزها حلالها" 


    "ليهم أوضة هتلمهم لما يروحوا، و لا لازم شوية المُحن دول يتعملوا قدام الناس!"


    "ما تبطلي بقي نفسنة وحقد يا دلال، و لا عشان جوزك منكد عليكي عيشتك فهطلعي عقدك علي غيرك؟!" 

    هنا تفوهت والدتهما وتنظر لهما بغضب

    "ما تتلمي منك ليها، عايزين تفضحونا في وسط المعازيم؟!" 


    "يعني عاجبك كلام دلال ياماه؟"


    "خلاص، خلص الكلام" 


    ثم عادت بنظرها نحو ابنها وعروسه مازال يرقصان فاخفضت صوتها وتخبر ابنتها دلال

    "و انتي بطلي برطمة، لحماة أخوكي و لا حد من قرايبهم يسمعوكي" 


    "يعني حرام أتكلم ياماه؟" 


    "لاء يا قلب أمك، قولي اللي نفسك فيه بس لما بابنا يكون مقفول علينا، هنا أهلها و قرايبها متراشقين في كل حتة، وأنا مش ناقصة مشاكل خلي ليلة أخوكي تعدي علي خير" 


    اقتربت من ابنتها أكثر لتخبرها ظناً منها أنه لا يوجد أحد يسمعها غيرها، أكملت

    "مش هي اختارت أنها تعيش معايا، تستحمل بقي اللي هاعمله فيها بنت رمضان وخيرية" 


    ألتقي حاجبي ابنتها وعلامة استفهام يشوبها فضول تتخلله ابتسامة شر مدقع 

    "ناوية علي إيه ياماه؟" 


    ابتسامة شيطانية تجلت علي ثغرها

    "هاتعرفي كل حاجة في أوانها" 


    انسحبت غرام من خلف حزب الشيطان هذا دون أن تلفت الأنظار، يضرب الخوف فؤادها علي صديقة دربها، تريد أن تحذرها لكن تخشي تعكير صفو تلك الليلة ما بين صديقتها وزوجها و بين أهله. 


    اقترب الحفل علي الانتهاء، و بدأ الجميع في المغادرة واحد تلو الأخر، ولدي هند وجمال


    "مش هوصيك علي هند يا جمال، شيلها في عينيك أوعي تزعلها و لا تسمح لحد يجي جمبها" 


    "ما تقلقيش يا غرام، هنوده جوه عينيا و علي راسي ومحدش يقدر يجي جمبها طول ما أنا موجود" 

    و امسك يد عروسه وقام بتقبيلها أمامهم، جزت والدته علي اسنانها وحاولت إخفاء ما تكنه من كراهية لزوجة ابنها، بينما غرام رأت تلك النيران المندلعة داخل عينين هذه الشمطاء وابنتها الحاقدة


    اقتربت غرام من صديقتها وعانقتها، تلقي بالنصائح الأقرب إلي التحذير

    "ربنا يتتملكم علي خير يا حبيبتي، و لو حصل أي حاجة أوعي تيجي علي نفسك و لا تتهاوني في حقك" 


    قد فهمت هند مغذي تحذير صديقتها لها

    "ما تقلقيش علىّ، صاحبتك قدها وقدود" 


    ※ ※ ※


    شعور بالاختناق يكاد يقرب إلي الشعور بالسحق بين المطرقة والسندان، هي التي سلكت أول خطوة من خطوات إبليس دون رادع، لن تعلم قانون الكارما ينص علي لكل فعل ردة فعل يضاهيه في القوة، زرعت فحصدت ثمار الفسق وعليها أن تجنيها.... 


    اهتزاز هاتفها يعلن عن استقبال رسالة واردة، امسكت بالهاتف وقرأت فحواها ما بين تهديد ووعيد هذا المدعو عوني القرني

    «أتأخرتي ليه عن الميعاد يا موحة؟... التأخير مش في مصلحتك خالص... و لا تحبي امسي عليكي بمشهد من فيلمك اللي منور شاشة اللاب قدامي دلوقتي» 


    ما أن انتهت من قراءة الرسالة وجدت مقطع مرئي صغير، قامت بتشغيله و يا ليتها ما قامت بمشاهدته، أغلقت شاشة الهاتف علي الفور وركضت إلي الخارج متجهة نحو الحمام، أغلقت الباب بعد أن ولجت وأطلقت لعبراتها العنان، وقعت عينيها علي علبة صغيرة موضوعة فوق الرف الزجاجي المرتفع أعلي الحوض، يحتوي علي شفرات حادة الخاصة بالحلاقة، تنظر إليها تارة و إلي صورتها في المرآة تارة أخري، تحاول العودة عن ما يوسوس به لها الشيطان، تمد يدها بتردد لتمسك بالعلبة و مرت الثوان كالساعة، شهقت وكأنها استيقظت للتو من تأثير التنويم، ألقت ما بيدها في الحوض وتراجعت للوراء، تضع كفها علي فمها، تمنت أن تستطيع العودة عن ما هي مُجبرة عليه كما تراجعت عن فكرة الإنتحار بملء إرادتها! 


    بعد قليل... 

    انتهت من وضع المساحيق، ارتدت قناع الخلاعة خوفاً من الفضيحة لتستمر في خطأ أكبر، عُذر أقبح من كبيرة من أضل الكبائر. 


    تسللت كالعادة من المنزل بعد منتصف الليل، ترتدي عباءة سوداء تخفي ما ترتديه أسفلها من ثياب فاضحة، تلك تعليمات الشيطان الذي ينتظرها في وكره، خرجت من الفناء تتلفت يميناً ويساراً، اطمأنت أن سكان الحارة نيام ولم يراها أحد، لا تعلم هناك زوج من العيون تتربص لها في الظلام، تحرك صاحبها حينما رآها تسرع من خطواتها نحو الطريق، لم يأبه لرفضها له أو جرح كرامته عندما قامت بمعايرته بفقره المماثل لها و بعمل والداته بائعة الخضروات الورقية. 


    لن يهتم إلي كل هذا، فهدفه الآن هو معرفة ماذا تفعل أو ماذا تعمل في ذلك البناء الذي ذهبت إليه في السابق، ورغم تعرضه للأذي والضرب من حراس الأمن حينها، مازال علي إصرار معرفة ما تقترفه سماح ومواجهتها إذا ثُبت له شكوكه الصحيحة. 


    توقفت علي قارعة الطريق تقرأ رسالة أخرى، يخبرها هذا الخنزير القرني، بوجود سيارة قادمة إليها، أغلقت شاشة الهاتف وكادت تضعه داخل حقيبتها، وجدت يد تقبض علي ذراعها ليجعلها في مواجهته يسألها بغضب مستطير

    "رايحة علي فين يا سماح؟" 


    حاولت نزع ذراعها من قبضته

    "ملكش دعوة بيا يا عاطف، وخليك في حالك أحسن لك" 


    "مش هخليني في حالي غير لما أعرف رايحة فين، و كنتِ بتعملي إيه المرة اللي فاتت فوق في البرج" 


    شعرت بألم أثر غرز أنامله في ذراعها

    "سيب إيدي بدل ما أصوت و ألم عليك الناس"


    "صوتي عشان يشوفوكي في ساعة زي دي و بمنظرك اللي شبه البنات اللي لا مؤاخذة بيشتغلوا في الشقق إياها" 


    كلماته في المقام الصحيح و بدلاً من إنكارها أو الدفاع عن نفسها ولو كذباً، قامت بالغير متوقع بالنسبة إليه 

    "و هما مالهم بيا، أيوه بشتغل في شقة زفت، و اللي ليه حاجة عندي يجي ياخدها، و أنت لو اتعرضت ليا تاني مش هيحصلك كويس" 


    كانت عينيه علي وشك مغادرة محجريهما من شدة ما يشعر به من صدمة ما قد أُلقىّ علي مسامعه الآن، ترك ذراعها وحاول تكرار كلماتها داخل رأسه حتي وصلت سيارة سوداء توقفت وهبط منها حارس شخصي يرتدي بدلة سوداء ذو بنية جسدية ضخمة، قبل أن تستقل السيارة تابعت 

    "و إياك حسك عينك تمشي ورايا تاني، المرة دي هاسيبك ترجع الحارة علي رجليك، المرة الجاية ممكن ما ترجعش تاني" 

    وأشارت له نحو الحارس ذو المظهر المخيف، تركته في حالة يرثي لها وصعدت إلي داخل السيارة ذات الدفع الرباعي وصعد خلفها الحارس. 


    ※ ※ ※


    انتهت للتو من تبديل ثوب الزفاف خاصتها بثوب من الحرير الأبيض، خصلات شعرها الغجري تنسدل بحرية علي ظهرها، تمسك زجاجة العطر وتضغط علي المكبس، تتناثر ذرات العطر الأخاذ في أرجاء الغرفة، طرق علي الباب يتبعها صوت زوجها الأجش

    "هنودي حبيبتي، ممكن أدخل؟" 


    "اتفضل" 


    فتح الباب فنهضت و ألتفت إليه، وقف متسمراً في مكانه، يتأمل ملاكه الذي أسر فؤاده منذ سنوات. 

    ابتسمت علي مظهره وملامحه الثابتة وكأنه تمثالاً 

    "مالك يا چيمي واقف عندك كدة ليه يا حبيبي؟" 


    تحرك نحوها ومع كل خطوة ترتفع دقات قلبه، توقف أمامها مباشرة، أمسك يديها

    "اللهم صلِّ علي النبي، اللهم بارك، معقولة القمر ده بقي ملكي و بين إيديا!" 


    ابتسمت ونظرت إلي أسفل بخجل 

    "بس بقي أنا بتكسف" 


    جعل يديها بين كفيه 

    "لاء كسوف إيه في ليلة زي دي، أنتي خلاص بقيتي حلالي وأنا حلالك و ملكك، أنتي كمان من النهاردة بقيتي كل حاجة بالنسبة ليا، مراتي وحبيبتي وبنتي وكل أهلي وناسي" 


    زفر ثم ألتقط انفاسه وتابع

    "ما تتصوريش يا هند بعد موافقتك أننا نتجوز في شقة أهلي، الموضوع ده فرق بالنسبة لي قد إيه، كنت خلاص فاقد الأمل و أنتي رجعتهولي من جديد" 


    رفعت إحدى يديها ووضعتها علي وجنته 

    "طول ما إحنا مع بعض وأنت بتحبني و بتخاف علىّ، مستعدة أتحمل أي حاجة عشانك" 


    "و أنا يا حبيبتي بوعدك للمرة التانية، طول ما أنا فىّ نفس هاسعدك و مش هخلي نفسك في أي حاجة" 


    تصاعدت انفاسها النابعة من جوف قلبها الذي يعشقه، ظلت تحدق إليه بتيم ووله فافترقت شفتيها لتخرج كلمات بأعذب ألحان الهيام

    "أنا بحبك أوي يا چيمي" 


    تراقص فؤاده علي لحن عزفها فجذبها بين يديه 

    "و أنا عاشق وبموت فيكي يا قلب و عقل وروح چيمي" 


    هنا توقف الحديث كما توقفت الأنفاس و ساد الهدوء، فغير مسموح بالتحدث سوي لصوت الحب، و بدأ أول ليلة تجمع ما بين قلبين اضناهما الشوق بعد ليالٍ عديدة. 


    ※ ※ ※


    في الصباح الباكر حيث رائحة نسمات الهواء النقية التي تنعش الصدور، و هنا لدي غرام كانت تنعم بالعطلة الأسبوعية، لا تعلم لماذا كلما تتذكر التي تدعو ماهي وهي برفقة يوسف، تشعر بالضيق والاختناق، أطلقت زفرة عميقة وصوت عقلها يتحدث لا يسمعه سواها

    "جري إيه يا غرام، معقول لحقتي تتعلقي بيه؟!، لاء فوقي لنفسك هو ابن الأكابر و أنتي بنت الحارة، و لو علي وقوفه جمبك دي جدعنة وشهامة منه مش أكتر، ما تخليش خيالك يسرح لبعيد" 


    فاقت من حديث النفس هذا علي اهتزاز هاتفها للمرة الثلاثون دون أن تجيب، و كان المتصل يوسف وهناك رقم مجهول لاتعلم من صاحبه لكنها تجاهلته أيضاً. 

    ※ ※ ※


    العودة إلي عصفورين الحب، مازال يغط كليهما في النوم بعد ليلة من آلاف ليالي العشاق، تتقلب يميناً ويساراً بضجر، كيف لها أن تنعم بنوم هادئ وصوت شخير زوجها المزعج يدوي صداه في أرجاء الغرفة، ابتعدت قليلاً عنه و أخذت وسادة صغيرة لتضعها فوق رأسها وتستطيع النوم في سلام، و من أين يأتي السلام وهناك زوار قد أتوا للتو و صوت بكاء وعويل، انتفضت ظناً منها الضوضاء تلك آتية من الشارع، بينما الحقيقة مصدر الصوت من قلب ردهة المنزل. 


    نهضت سريعاً تبحث عن مأزر الحريري الطويل، ترتديه سريعاً فوق غلالتها العارية، تحكم ربطة المأزر جيداً وتلملم خصلات شعرها المبعثرة


    "جمال، أصحي يا جمال فيه حد برة في الصالة عمال يعيط" 

    تلكزه في كتفه لكي يستيقظ، همهم بعدم الرغبة في الاستيقاظ وصوت يغلب عليه النعاس

    "بس حرام عليكي، سيبيني أنام" 


    "بقولك فيه حد بره في الصالة، يمكن مامتك ومعاها حد" 


    نهض بجذعه يتثائب 

    "و إيه اللي هايجيب أمي وأختي علي الصبح، أمي قالتلي أنها هاتقعد عند دلال كام يوم" 


    انتهي من حديثه فسمع صوت والدته 

    "كفاية يا بنتي عياط، أهو غار في داهية بكره هيجيلك سيد سيده" 


    نهض جمال وبحث عن قميصه القطني ليرتديه حيث كان عاري الجذع

    "خليكي هنا هاخرج أشوف إيه اللي بيحصل" 


    و في الخارج، دلال تبكي و تنوح وتردد

    "أنا؟!، أنا يعمل فىّ كده بعد ما وقفت جمبه؟!"


    خرج جمال يحاول إدراك ما يحدث

    "خير يا أمي فيه إيه؟" 


    و ما أن رأته والدته لتبدأ في ملحمة العويل 

    "تعالي يا جمال شوف اللي حصل لأختك، تعالي يا بني ياللي ملناش غيرك" 


    اقترب من شقيقته وجلس جوارها

    "حصل إيه يا دلال؟" 


    أجابت من بين دموعها

    "جوزي الندل الجبان، بعد ما استحملت ظروفه وفقره سنين، طلع طفشان عشان متجوز علىّ وبلغ صاحب العمارة إنه مش هيدفع إيجار تاني لأنه مسافر وأتجوز ومش راجع دلوقتي" 


    كان يستمع إليها وغير مصدق

    "إزاي؟!، هو اتجنن و لا إيه؟، فاكرها سايبة؟" 


    نهض وجموح الغضب تملكت من زمام صبره

    "وربنا لأروح لأهله وههد الدنيا فوق دماغهم" 


    أمسكت والدته يده ترجوه 

    "بلاش يا ضنايا، إحنا خلاص مش عايزين منهم حاجة، و لو هو مش عايز أختك قيراط إحنا كمان مش عايزينه فدان" 


    وألتفت إلي ابنتها تخبرها

    "وأنتي بطلي عياط وفوقي لنفسك هو اللي خسران" 


    "خلاص ياماه مابقاش ليا حد" 


    صاحت والدتها تنهرها وعينيها نحو باب الغرفة الذي فُتح الآن وخرجت منه هند 

    "ما بقاش ليكي إزاي يا قلب أمك، بيت أبوكي مفتوح و لو مشالتكيش الأرض أنا وأخوكي نشيلك جوه عنينا، و لا إيه يا جمال يا بني؟" 


    أومأ بالموافقة مُعقباً

    "أيوه يا أمي بيتها ومطرحها، و مش هاسيب الحيوان ده غير لما يجيلها راكع قدامها"


    "ربنا يخليك لينا يا بني، ومعلش إننا جينا وقلقنا منامكم، أديك شايف مابقاش لأختك مكان غير هنا" 


    "يا أمي ده بيتك ومطرحك و إحنا اللي ضيوف فيه" 


    ألتفت فوجد هند تقف تري وتسمع ما يحدث في صمت ومحاولة إدراك أن ما ينتظرها من معاناة وصراع قد بدء للتو! 


    ※ ※ ※


    وبالعودة إلي غرام، يتجمعون هي ووالدتها واشقائها الثلاث حول مائدة الإفطار

    "ما بتاكليش ليه يا احلام؟" 


    ألتفت أحلام إلي والدتها بوهن

    "مليش نفس يا ماما" 


    سألتها غرام بقلق

    "حاسة بتعب و لا إيه؟" 


    "لاء مصدعة شوية ومليش نفس" 


    قامت الأخرى بصنع شطيرة فلافل وخضروات واعطته لها

    "لازم تاكلي عشان تخلصي جرعة العلاج، لو مكنش عشانك، يبقي عشان ابنك" 


    نهضت أحلام 

    "معلش يا غرام مش قادرة أؤكل، أنا هاقوم أخد علاجي وهنام ولما هاصحي هاكل مع ابني" 


    كادت الأخرى توقفها فمنعتها والدتها

    "سبيها يا بنتي براحتها، أنتي عارفاها طالما نفسها مسدودة لو عملتي إيه مش بتاكل، اللهي يسد نفسه اللي كان السبب" 


    كانت أحلام قد ولجت إلي داخل أحد الغرف، عقبت غرام بصوت خافت

    "خلاص يا ماما قفلي علي سيرة الزفت ده، ما تشيلنيش ذنوب بسببه علي الصبح" 


    "الحمدلله، هاقوم أغسل إيدي وألحق طابور المدرسة قبل ما يخلص، المديرة بقت تذنب اللي يجي متأخر و تخليه واقف لمدة حصتين و يتاخد غياب كمان" 


    عقب سعيد شقيقهم الصغير

    "ما تخافيش خطيبك مش هيخليهم يعملولك حاجة" 


    ضربته بخفة علي خلف رأسه

    "خليك في حالك يا سوسة" 


    و قبل أن تغادر أوقفتها غرام 

    "خدي بالك من نفسك، كل اللي ما بينك و ما بين مستر حسن مجرد خطوبة، أظن أنتي فهماني" 


    "ما تقلقيش علىّ، أنا بعرف أحط حدود كويس ما بيني و ما بين أي حد حتي لو كان خطيبي" 


    ربتت غرام علي ذراع شقيقتها

    "جدعة، يلا روحي و ما تتأخريش و خدي معاكي سعيد في سكتك و ماتمشيش غير لما تشوفيه دخل جوه حوش المدرسة" 


    غادرت ابتسام المنزل برفقة شقيقها ونهضت عزيزة لتنخرط في مهمام المنزل اليومية، بينما غرام تنظر في هاتفها الذي مازال يهتز والمتصل مجهول، كادت تجيب فأوقفها صوت رنين جرس المنزل

    "شوفي يا غرام مين علي الباب، شكله أخوكي هتلاقيه نسي السندوتشات بتاعته" 


    ذهبت غرام لتفعل ما أمرتها به والدتها ظناً منها أن الطارق شقيقها، لذا كانت لا ترتدي وشاحاً علي رأسها

    "استني يا... 


    توقفت الحروف علي لسانها عندما رأت أن الزائر هو رامي الذي وقف يحدق إليها 

    "ممكن أدخل؟"


    شهقت حين أدركت أنها تقف دون حجاب أمامه، صفقت الباب في وجهه! 


    يتبع.. 


    *الفصل الرابع عشر *


    عالمي وعالمك مختلفان، مشاعرنا متشابهة، واقع منوط بآمال زائفة ربما تصبح حقيقة بعد معاناة... 


    كان جالساً علي الأريكة ذات الفرش القديم، يتأمل أثاث وجدران هذا المنزل البسيط، لكن تلك الخصلات الغجرية السوداء لم تذهب عن باله، فبعد أن أغلقت الباب في وجهه ركضت إلي داخل غرفتها باحثة عن وشاح ترتديه علي رأسها، بينما قامت والدتها باستقباله بعدما أخبرها بهويته. 


    "أهلاً وسهلاً يا بني" 


    كان شارداً في صورة غرام المعلقة في زاوية برفقة والدها، كما هي رائعة ابتسامتها لما تلك البسمة غادرت شفاها حالياً! 


    انتبه إلي ترحيب السيدة عزيزة، فألتفت إليها مبتسماً


    "تسلمي يا أمي، أومال غرام فيـ... 


    بتر سؤاله ظهورها عندما خرجت من باب الغرفة ترتدي وشاحاً أسود وثوب فضفاض، و بشبه ابتسامه رحبت به


    "أهلاً مستر رامي، يا تري إيه سبب الزيارة؟"


    شعر بالحرج لكنه أخبرها رغم ذلك


    "كنت بتصل عليكي من إمبارح و ما بترديش، كان فيه ورق مش لاقيه وعايزه ضروري، فقولت أجي بنفسي أسألك، أخدت عنوانك من الـ HR" 


    زفرت بضيق لاحظته والدتها


    "كان ممكن حضرتك تستني بكرة" 


    انتشلته والدتها من الحرج فأخبرته بفرح


    "أصل غرام من امبارح عقبالك كان فرح صاحبتها هند، فكانت مشغولة معاها" 


    نظر إلي غرام ويعلم جيداً عدم ترحيبها بوجوده


    "ألف مبروك، عقبالك يا غرام" 


    "يسمع من بوقك ربنا يا بني أصل... 


    "ماما، شوفي مستر رامي يشرب إيه وأنا داخلة أجيب له الورق اللي عايزه"


    قاطعت والدتها علي الفور قبل أن تتفوه بأمور لا تحب ذكرها أمام هذا الرامي الذي لا تحبه


    نهضت عزيزة


    "تشرب إيه يا بني؟" 


    "أي حاجة من إيديكي يا أمي" 


    ذهبت عزيزة، فتقدمت منه غرام وتحاول لجام زمام غضبها


    "أنت إيه اللي جابك هنا؟" 


    نهض واقترب منها فتراجعت بخوف وتوتر


    "جيت عشان اشوفك، ليكي عندي كلام كتير نفسي أقوله لك و أنتي مش بتردي علي مكالماتي، مالقتش حل أحسن أن اخد بعضي و أجيلك" 


    أطلقت زفرة تستعين بالصبر والاستغفار في نفسها


    "بص يا أستاذ رامي مع حفظ الألقاب والحدود اللي ما بينا، كل اللي بيني و بينك شغل وبس و جوه الشركة، جو الصحاب و تليفونات ده ماليش فيه خالص" 


    طرقت فكرة في رأسه للتو، ربما يكسب قليل من الود وتنقشع غيمة النفور منه لديها


    "ممكن تقعدي و نتكلم بكل هدوء واحترام، أنا جاي وعارف أنك مش عايشه لوحدك، أنا ابن بلد وأفهم في الأصول، و عارف ظروفك اللي تشبه ظروفي" 


    تنهدت ثم جلست بالحفاظ علي مسافة بينهما


    "اتفضل قول اللي عندك، سمعاك" 


    شعور بالنصر وبسمة ظافر كسب المعركة قبل الخوض في حرب 


    "بعتذر علي أي كلام قولته ليكي في الشركة، ماكنتش أقصد أجرحك و لا أقل منك، بالعكس كنت عايز انبهك قبل ما تقعي في فخ يوسف الشريف زي أي بنت قبلك" 


    "الظاهر يا أستاذ رامي، ماكنتش سمعتني كويس لما قولتلك إن أنا كل اللي بيني و بين مستر يوسف شغل وبس، مش محتاجة حضرتك توضحلي أي حاجة أو تعتذر" 


    "ما أنا مش جاي أعتذر وبس" 


    ابتلع ريقه قبل أن يتردد فأخبرها


    "أنا جاي أطلب إيدك من والدتك علي سنة الله ورسوله" 


    ❈-❈-❈ 


    علي كلمات وألحان أحد الأغاني التي يعترف بها العاشق لمحبوبته عن حبه و كيف هي أسرت جوارحه في محراب قلبها، فكان ذلك علي غرار ما يشعر به حسن، الذي استسلم للحب من أول نظرة إلي ابتسام، لن يكن في علمه يوماً أنه سوف يجلس جوارها علي كورنيش النيل كما اختارت، يتبادلان الأحاديث المرحة وأخرى جادة، لكن هي المستمع غالباً بينما هو المتحدث أكثر. 


    "علي فكرة يا بوسي من وقت ما جينا وقعدنا وأنتي قليل لما بتتكلمي، وأنا اللي عمال أتكلم عن نفسي وأحكيلك عن حياتي كلها، حسك مضايقة، متوتره، أنا قولتلك مستأذن من ماما عزيزة و من غرام، يعني ما بنعملش حاجة من وراهم" 


    لا يعلم ما يدور في ذهنها والذنب الذي يؤرقها منذ ليالي، تتذكر رسالة واردة من عثمان و كان محتواها سؤاله عن حالها و يذكرها بحبه وشوقه إليها، وسوف يبذل قصارى جهده في العمل والحصول علي مبلغ يؤهله لتأسيس عش الزوجية، كيف ذلك وهي قد أصبحت لغيره بإرادتها، تشعر بالخيانة بالرغم أنها لم تحبه يوماً كما أحبها! 


    "ابتسام، ابتسام؟" 


    يناديها ويلوح بيده أمام عينيها حتي انتبهت إليه


    "آسفه، سرحت شوية" 


    "يا تري كنتي سرحانة في إيه؟" 


    دفنت ما تشعر به خلف ابتسامة زائفة وتخبره كذباً


    "كنت بتخيل اليوم اللي هخلص فيه الامتحانات و النتيجة طلعت و جيبت مجموع يدخلني كلية من كليات القمة، وأخلي ماما وغرام يفرحوا ويتفاخروا بيا" 


    "بإذن الله هيجي اليوم ده، بس عايزك تحطي في دماغك حاجة، و هي أنك لما بتبني مستقبلك ده بيكون عشانك أنتي، مش عشان حد، و مش كل النجاح متمثل في كليات القمة، ممكن تكوني خريجة أي كلية سواء العملية أو النظرية بس تشتغلي شغلانة مالهاش علاقة بدراستك، و تكوني ناجحة جداً فيها بسبب خبرة اكتسبتيها من خلال التعاملات أو التدريبات والكورسات، ما تحطيش سقف لطموحك" 


    "فعلاً كلامك صح، وعندي أحلام كتير نفسي أحققها" 


    "ما تقلقيش يا حبيبتي، هافضل في ضهرك وهاكون أكبر داعم ليكي لحد ما تحققيها، و أتمني أكون من ضمن أحلامك" 


    مد يده ليمسك بيدها فانتفضت ونهضت تتهرب من الموقف الحرج


    "شوفت خدنا الكلام وكنت هانسي ميعادي مع منة صاحبتي، هاعدي عليها هاخد منها ملزمة مراجعة العربي" 


    ابتسم وأمرها 


    "خليكي مكانك دقيقة واحدة" 


    نهض وسار نحو سيارته، وكانت تجلس بمفردها فإذا بثلاثة شباب يبدو علي وجوههم معالم الفسق وفساد الأخلاق، تقدم احدهم عن صاحبيه يقول بخلاعة


    "الحلو قاعد لوحده ليه، مصلحة ولا مروحه يا مزه؟" 


    اتسعت عينيها بصدمة ولم تستطع الإجابة، تنظر من حولها بذعر


    "إيه يا حلوة، القطة كلت لسانك ولا.... 


    "أنا اللي هاقطعلك لسانك ده يا.... منك ليه"


    صاح حسن كالوحش الثائر، مصاحباً صياحه لكمات أخذ يوجهها لكل واحد من الفتية علي حده، صرخت ابتسام لاسيما بعد أن استطاع احدهم بتكبيل ذراعي حسن خلف ظهره


    "حسن" 


    صرخت بها وتري الشاب الثاني يقف أمامه ويكيل له لكمة قوية، استطاع حسن أن يتفادها، هبط بجذعه لأسفل وفك ذراعيه


    "ألحق يا حسن" 


    تنبهه من الضربة التي كادت تصيبه خلف رأسه، وخلال ثوان بعد شجار حاد صدح صوت تنبيه سيارة الشرطة، انتبه الشباب إليها فتوقفوا عن مهاجمة حسن وأطلقوا ساقهم للريح. 


    هبط الضابط من سيارة الشرطة


    "روح أنت وهو هاتولي العيال ولاد..... وخدوهم علي القسم" 


    وألتفت إلي حسن و كاد يوبخه ظناً منه أنه شاب يتسكع مع فتاه علي الطريق، صاح بمرح


    "إيه ده أبو علي؟" 


    اعتلت الدهشة ملامح حسن الذي ردد


    "سامي البنا؟!" 


    تصافح كليهما ويبدو أنهما علي سابق معرفة، تبادلان الحديث 


    "سامي يا ابتسام يبقي كان جاري وصاحبي لحد ما كنا ثانوية عامة، بعد كدة اختفي لما اتنقل هو وأهله للتجمع" 


    "أهلاً وسهلاً بحضرتك" 


    "أهلاً يا عروسة، ربنا يتمملكم علي خير، وأوعدك العيال ولاد الـ.... هربيهم وهخليهم لو شافوا أي بنت يلفوا من أي شارع تاني" 


    اكتفت بإيماءة شكر وطيف ابتسامة، ربت حسن علي كتف الأخر


    "قدها وقدود يا حضرة الظابط" 


    "مضطر أسيبكم بقي يا دوب أرجع علي القسم أنفخ العيال دول، ماتنساش تتصل بيا يا أبو علي، و أبقي اعزمني علي فرحكم هستناك" 


    "بإذن الله" 


    وبعد ذهاب صاحبه الضابط عاد ينظر إليها أطلق زفرة وسألها والقلق جلي داخل عينيه


    "أنتي كويسة؟" 


    أومأت له بنعم ثم قالت


    "ممكن نمشي؟" 


    "اتفضلي" 


    أشار لها لتذهب وتدخل إلي سيارته ليعود بها إلي منزلها وكان الصمت رفيقهما الثالث طول الطريق أو ربما هي مَنْ أثرته. 


    ❈-❈-❈ 


    بعد مرور يومين... 


    كانت تتجنب الظهور أو التعامل المباشر مع رامي وخاصة بعد مطلبه المرفوض بالنسبة إليها، فهي تسعي هنا داخل الشركة من أجل العمل، وبالنسبة إلي يوسف كان كلما أراد التحدث إليها في نطاق خارج العمل كلما فرت بإطلاق حُجة زائفة، لكن داخل قلبها قد وُلد شعور نحوه تريد وأده قبل أن يترعرع ويكون بداية النهاية لقصة حب تتحدي المحال. 


    ولننتقل إلي مكتب رأفت الشريف، لم يأت بعد وكانت سوزي تجلس خلف مكتبه، ترتب الأوراق، انتبهت إلي إطار الصورة التي تجمع رأفت بزوجته وولديه، أخذت تنظر إلي ملامح منيرة الصارمة، أخرجت لسانها وكأن الأخرى تراها


    "مش عارفة جوزك طايقك إزاي؟!" 


    فُتح الباب فجأة، تركت الإطار بتوتر ظناً أن الذي ولج للتو رأفت فوجدته نور، أغلق الباب خلفه سريعاً


    "وأنا قالب عليكي الشركة، أتاريكي قاعدة هنا؟" 


    نهضت واقتربت منه بدلال سخي


    "حبيبي يا نور عيوني، معلش كنت مشغولة وبحضر أوراق وعقود هيمضيها رأفت بيه أول ما يجي" 


    ابتلع ريقه وتحركت حنجرته «تفاحة آدم» صعوداً وهبوطاً


    "تولع الأوراق والعقود، أنا بقالي كذا يوم مش عارف أشوفك أو نتكلم بسبب الشغل، أنا خلاص ما بقتش قادر أبعد عنك أكتر من كده" 


    انهي حديثه وجذبها بين ذراعيه وانهال علي شفتيها بقبلات همجية، تحاول التملص منه ومن قبلاته


    "أوعي يا نور، كفاية جنان، رأفت بيه زمانه جاي" 


    "ما يجي، أنا قافل الباب من جوه" 


    استطاعت الانفلات من يديه وذهبت نحو الباب تحاول فتحه


    "بطل تهور، هنا في الشركة ما... 


    تلاشت الحروف من بين شفتيها عندما فتحت الباب ووجدت رأفت أمامها، وجد ابنه يقف خلف مساعدته، نظراته تكفي بأن تجعلها ترتجف من داخلها، هيهات وكالأفعى تمكنت من إخفاء جميع الشكوك لدي زوجها


    "أهلاً وسهلاً يا رأفت بيه، حضرت لحضرتك الأوراق والعقود وكان نور بيه بيراجعهم معايا قبل ما اسلمهم ليك"


    نظر إلي نور وأشار بعينيه إلي الخارج


    "ارجع علي مكتبك وحضر ملف خط الإنتاج" 


    "أمرك يا بابا" 


    وغادر المكتب علي الفور، تتابعه سوزان حتي وجدت من يجذبها إلي الداخل، وصفق الباب بقوة ثم أغلق القفل 


    "فيه حاجة يا رأفت ولا إيه؟" 


    أطلقت صرخة ويجذبها من رسغها، دفعها نحو الباب حيث يلتصق نصف وجهها وخصلات شعرها في قبضة رأفت، وذراعها الأخر يثنيه خلف ظهرها، هسهس بالقرب من أذنها محذراً إياها


    "لو شوفت الباب مقفول عليكي أنتي وأي واحد حتي لو ابني مش هاقولك أنا ممكن أعمل فيكي إيه" 


    هز خصلاتها ورأسها بعنف


    "أنتي فاهمة؟" 


    "حاضر، حاضر" 


    ترك شعرها فألتفت إليه وبمكر حرباء تتمكن من السيطرة والتلون بنجاح


    "حقك عليا يا بيبي، مش هاكررها تاني، أهم حاجة مش عايزاك تزعل مني" 


    اقتربت منه وقامت بتقبيل وجنته، تطلق كل ما تمتلكه من شباكها كأنثى العنكبوت، تمكنت من تهدئته واللعب علي رغبته التي لا تكل و لا تمل نحوها، تهمس جوار أذنه بفحيح أفعى ساحرة


    "وحشتني أوي يا رأوفتي" 


    ابتعد عنها وحاول التظاهر أمامها بعدم التأثر بسحرها الأسر، جلس خلف مكتبه وهيهات وخارت قواه


    "تخلصي شغلك النهاردة وتسبقيني علي شقتنا" 


    أطلقت ضحكة تجلجل صداها بين الأرجاء


    "عينيا يا باشا، و هعملك أحلي أكل تاكل صوابعك وراه" 


    حدق إليها بشوق ورغبة سافرة


    "لما نشوف"


    "هاروح أجيبلك باقي الأوراق ومعاها القهوة اللي بعملهالك بإيديا" 


    تركته وغادرت الغرفة، وفي الخارج توقفت تتنفس الصعداء حتي لاحظت بطاقة ورقية مقلوبة أعلي مكتبها، أمسكت بها وقرأت المدون عليها بقلم نور


    «هستناكي بعد ما نخلص شغل في شقتك الجديدة يا حبيبتي» 


    ❈-❈-❈ 


    ولدي مكتب يوسف، غارقاً بين مهام مراجعة بعض الأعمال علي الحاسوب، توقف عن النقر علي لوحة المفاتيح ونظر إلي ساعة هاتفه وردد في نفسه


    "معقول ماجتش لحد دلوقت" 


    رفع سماعة الهاتف الداخلي، أتاه صوتها


    "أمرك يا مستر يوسف؟" 


    "جيتي أمتي؟" 


    "وصلت من شوية وبحضر لحضرتك الملفات" 


    "سيبي اللي في إيديكي وتعالي عايزك" 


    "حاضر" 


    وضعت السماعة وتسأل نفسها بتعجب


    "يا تري عايزني فيه إيه؟، معقول رامي حكي له عن اللي حصل؟" 


    نهضت وفتحت باب الغرفة فوجدت باقة من الزهور الحمراء أمامها مباشرة، يمسكها رامي وينزلها قليلاً ليظهر وجهه مبتسماً من خلف الورود 


    "صباح الخير" 


    نظرت بضيق 


    "صباح النور، عن إذنك مشغولة" 


    أمسك رسغها وأوقفها


    "غرام، أنا مازالت مصمم علي طلبي لحد ما توافقي، أنا بحبك وعايز أتجوزك" 


    أطلقت زفرة بضيق، تجذب رسغها من يده


    "لو سمحت ياريت تلتزم حدودك" 


    "آسف، مكنتش أقصدك أمسك إيدك، بس عايز منك رد بدل هروبك مني زي كل مرة" 


    وبالعودة إلي يوسف، كان يحتسي قهوته وينظر من خلف النافذة الزجاجية، لاحظ تأخير غرام، انتهي من قهوته، ترك القدح أعلي المكتب وقرر أن يذهب إليها، وما أن فتح الباب ليجد ماهي قد خرجت للتو من المصعد وهرولت نحوه بسعادة


    "good morning Jo, imiss you" 


    لم تعط إليه فرصة الرد فقامت بعناقه بل وتقبيله من وجنته، كان ذلك المشهد للمرة الثانية تراه غرام، تشعر بغصة علقت في حلقها، لاحظ رامي سبب وقوفها وإلي أين تنظر، وقف خلفها واقترب بشفتيه بالقرب من أذنها يوسوس إليها


    "تعرفي إن ماهي دي دوخته سنة بحالها لحد ما رضيت تكلمه، أصل يوسف طول عمره كده، يجري ورا أي واحدة تقوله لاء" 


    عقبت بصوت لا يسمعه سواهما


    "وأنا عمري ما كنت هقول اه، كل واحد فينا من عالم غير التاني" 


    وقف أمامها مباشرة يقطع مشهد قرب ماهي من يوسف أمام عينيها، يخبرها برجاء زائف ربما حقيقي داخله لكنه ينكر ذلك


    "اديني فرصة، مش يمكن موافقتك دي بداية أن أتغير علي إيديكي، ما تخافيش هاتكون فترة خطوبة"


    لم تنتبه إليه إطلاقاً بل كانت تراقب يوسف وماهي التي تمسك بيده وتضحك


    "ها يا غرام، قولتي إيه؟" 


    تخطه وابتعدت عنه وذهبت نحو يوسف لتقطع علي ماهي ضحكتها


    "مستر يوسف، حضرتك كنت عايزني في حاجة؟" 


    ألتفت لها جاذباً يده من يد ماهي


    "اه، كنت عايزك في...


    قاطعه مشهد رامي القادم نحوهم والابتسامة من الأذن إلي الأذن الأخرى، كان عليه استغلال ذلك الموقف كما تلقي التعليمات جيداً أو كما هو أراد هذا حقاً


    "مش تباركلنا يا چو؟" 


    "أباركلكم؟، أنت ومين علي إيه؟" 


    نظر إلي غرام التي لا تقل عن حال يوسف، تحاول إدراك ما يخبرهم به رامي في ذهول وصدمة وذلك بعد جوابه


    "أنا وغرام اتخطبنا، عقبالك أنت وماهي" 


    ألجمت الصدمة لسانها، تري ألسنة اللهب في عينين يوسف، فحديث العيون أبلغ من آلاف الكلمات


    عقبت ماهي التي وجدت أنها الفرصة وعليها أن تغتنمها، أمسكت يد يوسف واخبرتهم


    "مبروك يا رامي أنت وغرام، أنا و چو برضو خطوبتنا قريب" 


    ونظرت جوارها وسألت يوسف الذي ظل يرمق غرام بنظرات نارية وهي تهز رأسها تنفي ما تسمعه


    "صح يا چو؟" 


    كادت غرام تنكر حديث رامي، بينما صدمة أخرى يوقعها يوسف عليها انتقاماً


    "ألف مبروك يا غرام، أنا عازمكم الجمعة الجاية علي خطوبتي أنا وماهي" 


    ❈-❈-❈ 


    قد استسلم إلي النوم في ساعة متأخرة حيث كان ينتظر زوجته التي قضت أغلب اليوم في مهام المنزل بأكملها، تعمد كل من والدة زوجها و ابنتها ترك الأشغال المنزلية علي العروس، وبعد أن انتهت زوجته من عمل كل ما سبق ذكره ارتمت علي الفراش من فرط التعب، ومضت الليلة مثل حال الليالي السابقة. 


    وفي الخامسة فجراً استيقظ علي صوت ضوضاء مزعجة آتيه من الردهة، نهض ليري السبب، ارتدي قميصه القطني علي جذعه العاري، خرج فوجد شقيقته تشاهد التلفاز وصوته مرتفع أكثر من المعدل الطبيعي. 


    "جري إيه يا دلال، أنتي عايشة لوحدك هنا و لا إيه؟، ما توطي المخروب ده بدل ما أجي أكسره" 


    أمسكت بجهاز التحكم وقامت بالضغط علي كاتم الصوت ونهضت ثائرة بغضب جم


    "أنت اللي مالك بيا، أنا حره، أتفرج وأعلي وأوطي التليفزيون براحتي، قاعدة في بيت أبويا واللي مش عاجبه الباب يفوت جمل" 


    طرقت فوق حديد ساخن فازداد اشتعالا، صاح بصوت جعل زوجته ووالدته استيقظا بذعر


    "اتلمي يا دلال أحسنلك، أنتي من وقت ما جيتي وعمالة تعملي حركاتك اللي من تحت لتحت، و لا مراتي اللي سايبين كل حاجة عليها كأنها خدامة" 


    وضعت يديها علي جانبي خصرها وتشدقت


    "الله، الله، قول بقي كدة، الهانم اشتكت لك ولحقت تقومك علينا، كل ده عشان جيت أقعد في بيت أهلي اللي ماليش غيره، و علي رأي المثل البيت بيت أبونا والغرب جايين يطردونا"


    اقترب منها كالوحش الضاري، يكور يده جانبه


    "اتلمي يا دلال وحطي لسانك جوه بوقك، بدل وعزة جلال الله هاتشوف وش مني عمرك ما شوفتيه" 


    خرجت هند تمسك بتلابيب المأرز، تحاول استيعاب ما يحدث


    "إيه اللي بيحصل يا جمال؟" 


    "فيه إن جوزك بيعلي صوته علي أخته الكبيرة و كله بسببك يا حربوقه" 


    اتسعت عينان هند بصدمة من اتهامها ظلماً وإهانتها 


    رفع يده في الهواء


    "لفظ تاني هاتقوليه لمراتي لهاكون.... 


    "إيه، هاتمد إيدك علي أختك وأنا لسه عايشة يا جمال"


    قاطعته والدته 


    "عجبك يا ماه اللي بنتك بتعمله و كمان بتقل أدبها علي مراتي؟" 


    نظرت إلي ابنتها بتحذير لتصمت 


    "ادخلي علي أوضتك وملكيش دعوة بحد" 


    ثم نظرت إلي زوجة ابنها


    "وأنتي خدي جوزك ويلا علي أوضتكم" 


    اقتربت هند من زوجها تمسك ذراعه ليعود معها إلي غرفتهما، توقف قبل أن يولج إلي الداخل وأخبر والدته بالأحرى حديثه موجهاً إلي شقيقته


    "أنا كرامة مراتي من كرامتي، و اللي هايفكر يجرحها بكلمة هيلاقيني فمحدش فيكم يجي يزعل مني علي اللي هاعمله" 


    ترك والدته وشقيقته يشتعل كليهما من الغيظ والحنق، نظرت عطيات إلي ابنتها بلوم 


    "عاجبك كده؟!، هو ده كان اتفقنا برضو؟، أديها نجحت تخليه في صفها ووقف قصادك وقصادي بيهددنا، كل ده عشان خاطر بنت خيرية" 


    وبالداخل كان يجلس علي طرف الفراش، ربتت هند علي ذراعه علّه يهدأ قليلاً


    "خلاص يا حبيبي حصل خير، اعذرها ظروف طلاقها واللي حصل معاها مخليها في الحالة اللي هي فيها" 


    "علي نفسها مش علينا، تقعد باحترامها زي ما احنا قاعدين باحترامنا، و تحترمك قبل مني" 


    "قوم اتوضا، الوضوء هيطفي نار الغضب اللي جواك، و أنا هاروح أعملك كوباية عصير ليمون باللبن تروق أعصابك" 


    تبدلت ملامحه من الغضب إلي اللين، يمسك يدها وظل يتأمل ملامحها الوديعة الصافية، سألها مبتسماً


    "أنت حلوة كده إزاي؟" 


    احمرت وجنتيها خجلاً من إطرائه فتابع


    "شكلك وروحك و قلبك كل حاجة فيكي حلوة، أنا ربنا بيحبني أوي عشان رزقني بيكي، مستحملة ظروفي و ظروف أهلي برغم معاملتهم الوحشة معاكي" 


    "أنا اللي ربنا بيحبني عشان رزقني بيك، بتحبني و بتخاف عليا ومش بتسمح لأي حد يمسني بكلمة" 


    أمسك يدها ووضعها بين كفيه


    "أوعدك قريب أوي هلاقي شقة إيجار ننقل فيها، مفيهاش حد يضايقك و هتبقي شقتك مملكتك تعملي فيها اللي أنتي عايزاه" 


    "أنا أي مكان وأنتي معايا بيبقي مملكتي، وجود جمبي عندي بالدنيا بحالها" 


    صاح مهللاً بسعادة


    "وعدي يا وعدي، أنا كدة ملك زماني و محدش قدي" 


    "وطي صوتك ليسمعوك بره، خليك هاروح اعملك العصير وراجعالك بسرعة" 


    أوقفها يمسك يديها


    "مش عايز أشرب عصير" 


    سألته دون إدراكها لما يقصده


    "أومال نفسك تشرب إيه يا حبيبي؟" 


    جذبها فوقعت جواره، همس بالقرب من أذنها


    "مش عايز أي حاجة غيرك أنتي" 


    وتبع القول فعلاً وكان للعشق سطوة لن يستطع المحبين مواجهتها، سرعان تنجرف القلوب داخل عاصفة من المشاعر الحارة. 


    ❈-❈-❈ 


    تجتمع عائلة الشريف حول المائدة، لاحظت منيرة غياب زوجها الذي لم يأت منذ الأمس، و كذلك ابنها يوسف. 


    "ماتعرفش حاجة عن باباك وأخوك؟" 


    ابتلع نور ما بفمه فاخبرها


    "بابا قالي أنه هيبات في الشركة سهران علي مراجعة شوية أوراق، و يوسف مشي بدري إمبارح وجه علي هنا، هتلاقيه في أوضته نايم لسه" 


    "صباح الخير" 


    أطلق يوسف الذي ظهر للتو تحية الصباح، نظرت إليه والدته


    "صباح النور، لما أنت كنت هنا إمبارح من بدري ما نزلتش اتعشيت معانا ليه" 


    جلس علي كرسي المائدة وأخبرها باقتضاب 


    "تعبان شوية" 


    حدقت إليه بدهاء وسألته بمكر


    "و هو فيه واحد المفروض خطوبته بعد أسبوع، يبقي قاعد مكشر وزعلان كده؟" 


    تركت كاميليا الشوك والسكين 


    "oh my god " 


    ابتسمت وتابعت


    "مين دي يا چو اللي قدرت توقعك وتقنعك بالخطوبة والجواز" 


    عقب زوجها ساخراً


    "يمكن اتغاظ من رامي صاحبه اللي خطب البنت السكرتيرة اللي اسمها غرام" 


    طيف ابتسامة علي شفتيها، يتضح النصر في عينيها، سرعان اخفت البسمة والنظرة 


    "رامي وغرام مين دول جمب أخوك يوسف وماهي بنت الحسب والنسب، وجميلة وشيك" 


    "عن إذنكم" 


    نهض يوسف فجأة دون تعليق وترك كل ما يقال خلف ظهره، يكفي ما يشعر به من نيران الغيرة والغضب لاسيما ذكر شقيقه لإعلان خطوبة صاحبه علي الفتاة الوحيدة التي أحبها بصدق، أجل اختطفت قلبه من أول نظرة دون الاكتراث إلي الفروق التي بينهما، فهي مختلفة عن الفتيات اللاتي تعارف عليهن من قبل، هي التي في حضورها يصبح عقله غائب وفؤاده في حرم عشقها أسير. 


    ❈-❈-❈ 


    و لدي غرام كانت في نوبة من البكاء، أقل وصفٍ لما تشعر به منذ البارحة هو الاحتراق، تحترق من الداخل، كانت تنكر كل مشاعرها حقاً حتي ظهرت عندما تلاقت عينيها بخاصته و كليهما يسمع خبر الخطبة، رغماً أن الخبر الخاص بها زائف، فكان السؤال الذي دار بينهما بلغة العيون الأمس هو -لماذا؟- لماذا تفرقنا قبل أن نجتمع، لماذا وأد الحب قبل أن يعترف كل منهما إلي الأخر؟! 


    اقتربت أحلام وجلست جوارها، قامت غرام سريعاً بتجفيف دمعها. 


    "لسه برضو مش عايزه تقولي مالك؟، عياطك ده بيقول أن ورا دموعك راجل، مين ده بقي اللي قدر يخلي غرام بنت عبدالرحمن المصري اللي عمرها ما اعترفت بحاجة اسمها حب، قدر هو وخلاها تحبه؟" 


    "معلش يا أحلام مش قادرة أتكلم، أنا قايمة ألبس وهامشي لأتأخر علي الشغل" 


    أوقفتها شقيقتها بسؤال اهتز له قلبها


    "أنتي حبيتي الجدع اللي اسمه يوسف؟" 


    هنا لن تتحمل وانهارت كل حصونها فاطلقت العنان لعبراتها من جديد، تخبرها بحقيقة لم تكن تتوقع الاعتراف بها يوماً


    "أنا بحب يوسف يا أحلام"


    يتبع.... 


     تكملة الرواية من هناااااااا 


    لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

    بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

    متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

    الرواية كامله من هناااااااااا

    مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

     مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا



    تعليقات