رواية عرف صعيدي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم تسنيم المرشدي
رواية عرف صعيدي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم تسنيم المرشدي
روايه عرف صعيدي
بقلم الكاتبه تسنيم المرشدي
الفصل السادس
( ديكتاتورية ظالمة )
***
_ لم يكن هين على الجميع ما وقع على مسامعهم، تبادلا جميعهم النظرات في صدمة جلية قد أعتلت وجوهم، تشنجت عروق مصطفى و كور يديه بقوة كما كز على أسنانه بغضب شديد يحاول كظمه، أوصد عينيه لبضعة من الوقت في محاولة إستيعابه للأمر الذي أوقعه والده بين طياته دون إكتراث لمشاعره ورفضه التام لتلك المسألة
_ خفق قلب ورد رعباً كما رجف جسدها من هول المفاجأة، ظلت تردد الرفض داخلها لعلهم يشعرون بيها ولا يقبلون بتلك الزيجة لكن كيف فالرفض يكمن داخلها وبالتأكيد ليست بتلك الشجاعة التي ستواجههم برفض زيجتها من مصطفى..
_ أما عن السيدة نادرة فقط صعقتها كلمات خليل ولم ترفع عينيها من عليه متفاجئة بطلبه فلقد تيقنت بأنه قد نسي الأمر ما أن رأت حقيبة ورد، تريد أن يلهمها الله الصبر حتى يبرد قلبها قليلاً بعد أن أشعل خليل نيرانه بحديثه..
_ أختفت الابتسامة سريعاً من على محيا السيدة سنية فور سماعها بطلب خليل، تريد الفرار بإبنتها من تلك البلدة ولا تريد أن يربطها أي شئ فيها مرة أخري، لكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن فعلى ما يبدو أن للقدر رأي آخر..
_ حمحم ماهر وهو يهضم طلب خليل الذي فاجئه به كما فاجئ الجميع، إبتلع ريقه حينما شعر بجفاف حلقه وأجابه وهو يمرق أنظاره بين شقيقته وإبنتها:-
أنت فاجئتنا يا عمدة وبصراحة مش عارف أقولك إيه يعني على الأقل سيبنا نفكر وناخد رأي ورد
_ أسرع خليل بالرد عليه بنبرة لحوحة:-
تفكروا في إيه عاد وبعدين ورد أهيه جاعدة جدامنا..
_ وجه خليل بصره على ورد وتابع:-
ها يا ورد إيه رأيك يابتي؟
_ أخفضت ورد بصرها بحياء كما تحول لون وجنتيها إلى الحُمرة الشديدة كإحمرار حبات الكرز، شكرت ربها بأن لا يراها أحد على تلك الحالة، إبتلعت ريقها مراراً في محاولة منها أن تخرج الكلمات التي إنحشرت داخلها، تدخلت نادرة قبل أن تجيب ورد وأردفت بنظرات متوعدة إلى خليل:-
البنية مستحية يا خليل سيبها عليطى راحتها وتبجي تفكر على راحتها في بيتهم، متضغطش عليها
_ أكد ماهر على حديث نادرة قائلاً:-
ايوة ياريت يا عمدة، نروح القاهرة الأول ونفكر في الموضوع ونرد عليكم
''قاهرة إيه اللي عاد يا أستاذ ماهر أني رايد الجوازة تتم في أسرع وجت يعني الكتاب يتكتب بكرة بالكاتير جوي
_ أصدرت ورد شهقة خافتة لم يسمعها سواها، ما هذا الهراء؟ إنه يغلق جميع الأبواب عليها، يريد حجزها في السجن ذاته التي تود الفرار منه، لماذا يحرم عليها الإستمتاع بحريتها لطالما إنتظرتها منذ وقت طويل، كانت تعد الدقائق لينتهي اليوم حتى تقصر الأيام وتذهب حيث جائت والأن مطالبة بإطالة مدة الحبس وعدم الإفراج!!
_ فرت دمعة موجوعة من عينيها على تلك الحياة القاسية التي تعيشها، ألا تستحق بعض الحرية والعيش في سلام، لقد خاضت تجربتها الأولى وبائت بالفشل الذي أدى إلى وفاة شريكها قبل أن يبدأ حياتهم معاً، ليست مؤهلة بعد لزيجة أخرى وفي المنزل ذاته الذي عانت فيه ليالِ عديدة قد قضتها بمفردها وحيدة ليس معها رفيق سوي دموعها..
_ نهضت السيدة سنية حاسمة للأمر:-
أعذرن يا عمدة بس محتاچين وجت نفكروا فيه أنا وبتي، هي لساتها خارجة من علاجة سابجة وجروحها مداوتش
_ نهض خليل هو الآخر متكأ على عصاه وقال بثبات:-
يبجي تجعد إهنه باجي الساعات اللي فاضلة في العدة وعنديها النهار كلاته تفكر فيه وتصلي إستخارة كماني ونعرفوا قرارها صباح اليوم التاني إن شاءالله
_ كان جميعهم في حالة ذهول من قرارات خليل الحاسمة التي تدل على جدية حديثه ونيته في إتمام الزيجة، تبادلا ماهر وسنية النظرات حائرين لا يعلمون ما يمكنهم فعله أو قوله الأن، قطع عليهم خليل حبال أفكارهم بنبرته الغليظة:-
وشوفوا انتو رايدين تجعدوا وياها إهنه في السرايا يا ألف أهلاً وسهلاً المكان ينور إما بجا لو رايدين تكونوا على راحتكم أني مهامنعش ها إيه جولكم؟
_ تولت مهم الرد في تلك اللحظة السيدة سنية قائلة بقلة حيلة:-
هنجعدوا في دارنا يا عمدة على ما نشوف قرار ورد
_ قاطعها ماهر يذكرها بموعد سفرهم:-
والقطر والسفر مش قولنا هترجعوا معايا القاهرة أنتوا الاتنين؟
_ أجابه خليل بشموخ:-
يتأجل يا أستاذ ماهر النهاردة من بكرة مفيهش فرج وبعدين مش يمكن تاخد الست سنية معاك لحالها وورد تجعد في سرايا زوچها؟
_ حاول ماهر أن يوضح له وجهة نظره:-
أنا فاهم حضرتك بس الأولاد هناك ولو حصل نصيب مش هيعرفوا يجوا البلد لوحدهم
_ أماء خليل رأسه بتفهم وأردف محاولاً أن ييسر ما يصعبه الآخر:-
عربية مخصوص تروح تجيبهم لحد عنديك يا أستاذ ماهر مش عايزك تشيل حِمل لأيتها حاجة واصل كله محلول بإذن لله بس المهم ورد توافج لاول
_ وجه خليل بصره علىى ورد وواصل قائلاً بثقة عمياء:-
وهي هتوافج!
_ يكفي هراء إلى هذا الحد، لقد بلغ ذورة تحمله لم يعد لديه ذرة صبر لسماع سخافاتٍ أخرى وكأنه نكرة لا يراه أحد، رفع بصره على والده الذي يتوسلهم ويقنعهم على الموافقة ولا يكترث لرفض ولده الذي هو أحق أن يهتم لأمره لا لتلك الفتاة وعائلتها
_ نهض وألقى بحديثه سريعاً دون أن يواجه نظراتهم التي صُوبت نحوه:-
عن إذنكم يا چماعة ورايا شغل ضروري
_ خرج ولم يلتفت، غضبه يزداد والبركان الذي يتأجج داخله على وشك الإنفجار، أوقفه عسران حين لم يطمئن لرؤيته بتلك الحالة المثيرة للقلق وسأله باهتمام:-
حوصل حاجة يا باشمهندز وجهك كيف النار الجايدة فيه
_ أجابه بتجهم مختصراً حديثه:-
مفيهش حاچة
_ لحق به عسران وحاول أن يعلم بوجهته فهو على علم بجنونه حين يغضب، لن يهدأ قبل أن يسبب كارثة، وقف أمامه فأجبره على الوقوف وقال محاولاً تهدئته:-
تعالي أهدي لاول وإمشي بعديها
_ تأفف مصطفى بضجر بائن وصاح بهدوء محاولاً كبح غضبه داخله:-
هملني لحالي يا عسران الله لا يسيئك أني ميشافش جدامي
_ أعترض عسران أن يسمح له بالذهاب وهتف موضحاً:-
عشان إكده أني مش ههملك تمشي وأنت بحالتك ديي
_ تلك المرة لم ينجح في إخماد بركانه الثائر، سحب بندقية عسران من عليطى ذراعه بقوة وسرعة لم يستطيع عسران منعه وصوبها للأعلى ثم أطلق النيران خلف بعضهم إلى أن إنتهت الرصاصات بالكامل، ألقى بها أرضاً وهرول سريعاً مبتعداً عن المكان بعد أن تنحي عسران جانباً لألى يلقى مسرعة من خلف جنونه..
_ خرج خليل وكل من في السرايا في حالة رعب شديدة قد تملكتهم إثر إطلاق النيران، وزع خليل أنظاره على المكان وحين لم يري شيئاً مريباً سأل عسران بتجهم:-
إيه ضرب النار اللي سمعته ديه؟
_ سحب عسران شهيقاً يعدل من صفوه وأجابه:-
البندجية كانت معصلجة ومكتومة فضربت عيارين في الهوا يمكن تسلك
_ حرك خليل رأسه بعدم إعجاب لتصرفه الذي أرعب الجميع، أنتبه جميعهم لحديث ماهر:-
هنستأذن إحنا يا عمدة
_ رد عليه خليل بود:-
إذنك إمعاك يا أستاذ ماهر نورت السرايا والبلد كلاتها
_ إبتسم ماهر ممتناً لذوقه وأردف بنبرة ودودة:-
منورين بأهلها يا عمدة تسلم
_ توجه ماهر برفقة سنية نحو البوابة فلحقت بيهم ورد منادية بحنجرة متحشرجة بسبب بكائها:-
أما إستني ..
_ إستدارت سنية إليها وتفاجئت بحضنها الذي إخترق صدرها، ضمتها بأسى وربتت على ظهرها بحنو أمومي
' ط'مريداش الچوازة ديي يا أما رايدة أهمل البلد كلاتها وأمشي منيها متسبنيش إهنه أبوس يدك ياما خديني معاكي''
هتفت بهم ورد من بين بكائها الذي مزق قلب والدتها تأثراً بوضعها، ملست على رأسها بحنان وأردفت بثبات:-
الله في سماه ماحد يجدر يجبرك على حاجة يا جلب ونن عين أمك، أني موجودة وهجف في وش أي حد كان مين هو ولا أجبرك على جواز أو غيره، بس مجدرش أخدك دلوك عشان هيجولوا لسه العدة مخلصتش وهطلع أني اللي مهعرفش في الأصول، عاودي أوضتك لبكرة وأني من نجمة هكون عندك ونهملوا البلد ديي
_ هدأت ورد رويداً بعد أن صغت إلى الثقة التي تحدثت بيها والدتها، إطمئنت قليلاً وإبتعدت عنها لكي تعود إلى غرفتها مرة أخري، أوقفتها سنية قبل أن تبتعد عنها بقولها:-
إبجي صلي إستخارة يا ورد
_ رفعت ورد رأسها بإستغراب فاستشفت والدتها ما خلف تلك التطلعات على الرغم من عدم رؤيتها لعينيها وفسرت معني حديثها:-
ييجي عملنا كل اللي في يدينا جبل ما نهملوا البلد عشان منقوجلش ياريت اللي جرا ما كان
_ أماءت بطاعة ومن ثم عادت إلى السرايا وتفاجئت بأعين خليل ونادرة ترمقانها متعجبين من تصرفاتها، خجلت من ركضها خلف والدتها ولم تكترث لمشاعرهم بالتأكيد يظنون عدم قبولها لزيجتها من ولدهم، هي حتماً رافضة لكنها لا تود أن تظهر بصورة وقحة في أعينهم تريد أن ترفض بلطف دون أن تمس مشاعرهم بحزن..
_ حمحمت حين تحشرجت حنجرتها من فرط خجلها مما تسبب به وقالت:-
عن إذنكم هطلع اوضتي
_ فرت من أمامهم مسرعة فصاحت نادرة بعدم قبول لما حدث منذ دقائق:-
فهمني يا عمدة إيه اللي عملته ييه، بتحطنا جدام المدفع إياك بعملتك ديي، معتشوفش زعل ولدك وغضبه من وجت ما أتحدت مع الناس كانه ميفرجش عنديك؟ ديه ولدك يا عمدة وبجا الوحيد يعني ميستاهلش نزعله واصل ونغصبه على جوازة مش رايديها، بلاها عرج الجبلاوية يهب دلوك وتركب دماغك يا خليل بكفيانا زعل وحزن مش ديه حديتك؟ رايد تدخله وسطينا ليه عاد؟
_ أخذ خليل شهيقاً عميق وأخرجه بتمهل، طالع صفاء السماء وهو يستنشق الهواء العليل وأجابها بحكمة:-
ولدك رافض الجواز نفسيه يا نادرة مش رافض البت، واللي عيجوله ديه حجج فارغة عشان نتأثروا بحديته ونوافجه، بس لاه أني عارف مصلحته زين، البت كيف الجمر تجوله جوم وأني أجعد مكانك وأخلاجها زينة وصانت عيلة جوزها، هيلاجي أحسن من إكده فين؟
حركت رأسها برفض وعدم قبول وهتفت معترضة:-
أني مريدهاش، إتجفلت من نحيتها وجلبي مهيطمنش على مصطفي معاها، ديي خلت الواد يهُرب منيها يوم الدخلة كيف هتجدر تجنع مصطفى بيها وهو رافض البنتة كلاتهم؟
_ إستدار خليل وطالعها لبرهة ولم يأتي على عقله سوي شيئ واحد فأخرجه على لسانه بصوت عالٍ:-
غيرانة منيها يا ناردة ولا إيه ؟
_ شهقت نادرة بعدم إستعياب لحديثه الذي ألقاه في وجهها، قطبت جبينها وصاحت به مندفعة غير راضية بما صرح به:-
بتجول إيه يا راچل؟ غيرة إيه ديي اللي عتتحدث عنيها أني نادرة السيد الحفني بنت السيد الحفني من كبرات البلد وأعيانها أغير من حتة بت بوها كان عامل عند جوزي؟ مهياش غيرة يا خليل لو رايد مُسميات يعني ممكن نسموها مستعناش تبجي مرت ولدي، جربنا حظنا مع واحد وربنا أفتكره بعد يومين تنين من وجودها معاه فأني إكتفيت ومش حِمل حزن وجهرة تاني ومصطفى بالذات لازم له بت بنوت وأني كلامي خلص لحد إهنه
_ تركته وغادرت المكان عادت إلى غرفتها تتمنى أن يعيد النظر في تلك الزيجة التي ترفضها البتة بينما وقع خليل في حيرة من أمره، فحديثها قد أثر به لكن يصده من الجهة الأخرى لكي لا يدع له مجالاً في التسلل داخل عقله، رفع عصاه عن الأرض وتابع سيره إلى الخارج يريد أن ينفرد بنفسه قليلاً يرتب أفكاره من جديد..
***
_ في مكانٍ ما ، يسابق الزمن مع جواده، يشعر بالتحسن كلما فرض قوته على خيله وحمسه على الركوض بسرعة فائقة لا يستطيع أحداً لمحه إن مر بجانبه فقط يشعر بإصطدام الهواء الذي يؤكد مرور شيئ ما ..
_ أوقفه تدريجياً حين وصل إلى طوالة ( استطبل ) الخيل خاصته، هبط من أعلاه بشعور مختلف تماماً عن ذي قبل، فقط يشعر بالإرتياح الأن، أعاده مكانه وتفاجئ بوقوف ضيف أمامه، تشكلت بسمة عفوية على ثغره ما إن رآه وعاتبه مستاءً:-
بجيت بتركب الخيل لوحديك ولا بتسابجني كيف زمان وأني سكِت كاتير بس المرة ديي مش هتعدي من تحت يدي
_ غمز له مصطفى وقال ساخراً:-
إتوحشت الخسارة إياك؟
_ ضاق ضيف بعينيه عليه وأجابه بتعالي:-
هاه ديي كانت مرة
_ قهقه مصطفى عالياً وأردف متابعاً لحديث صديقه بتهكم:-
اللي كسبتها
_ لكمه الآخر بعنف في كتفه وعارضه بعدم تقبل لهزيمته:-
أباي عليك لا عارف أكسبك في ركوب الخيل ولا حتى في الحديت!
_ عاد مصطفيطى إلى حصانه بعد أن أحضر له طعامه وبدأ يطعمه بيده وباليد الأخرى يملس على ظهره بنعومه، إلتوى ثغره ببمسة متهكمه حينما تذكر زيجته من أرمله أخيه وقال:-
بارك لصاحبك عاد بكره كتب كتابه
_ قطب ضيف جبينه بإستغراب لما وقع على أذنه وردد بعدم إستعياب:-
انت وافجت ميتي؟ أني سايبك الفجرية وأنت رافض إيه اللي جد؟
_ أجابه مصطفى وكل ما مر به منذ ولوجه للسرايا يُعاد في مخيلته:-
خليل الجبلاوي صدر حكم نهائي مفيهش راجعة واصل
_ حرك مصطفي رأسه ورفع شفتاه السفليى للأعلى وواصل حديثه بنبرة محتقنة:-
ديكتاتورية الجبلاوية لساتها صامدة وباينها مكملة معانا كاتير
_ دني منه ضيف عله يستشف ما يوجد خلف هدوئه المُريب لكنه فشل كـ مراته العديدة الذي حاول بهم فهم ما يدور داخل عقله لكن في النهاية يفشل بجدارة، لم يطيل تلك المرة في التفكير وسأله مباشرةً:-
هدوئك ديه ميطامنش يا ولد الجبلاوي جولي وراه إيه؟
_ تقوس ثغر مصطفي وقد إنعكست ملامحه إلى الحدة وهو يفكر بما ينوي على فعله وأجابه:-
مجدرش أعصاه ولا في يدي أجف جصاده بس في يدي أندمه على ديكتاتوريته اللي مشاها عليا
_ أحاط ضيف بكتفه وغمز إليه بمرح يريد خوضه مع أفكاره المجنونة أو ربما القاسية وأردف بحماس اضافه لنبرته:-
ميتخافش عليك يا صاحبي بس شوجتني أعرف هتعمل ايه؟
_ ثبت مصطفى بصره عليطى الفراغ أمامه وردد دون تفكير زائد:-
هنشوف، هتشوفوا كلاتكم
_ وضع المزيد من الطعام لخاصته المحبب له ولم يكترث لحكم والده الذي صدر تنفيذه فلينال والده نصيب هو الآخر من ديكتاتوريته لكن ستكون مختلفة بعض الشيئ ..
***
خرج من داره يهرول لعله يلحق بيهم قبل أن يغادروا البلدة، تفاجئ بعودة زوجة عمه وشقيقها إلى منزلهم، على الرغم من تعجبه من وجودهم في تلك الأثناء هنا إلا أنه شعر بالراحة المفرطة لكونه لم يفوت توديعهم وخصيصاً توديعه الحار لحبيبته
_ أسرع نحوهم وتحدث بنبرة لاهثة بسبب ركضه:-
كويس إني لحجتكم قبل ما تمشوا، ورد فينها معاودتش وياكم ليه عاد ؟
_ نكست السيدة سنية رأسها بحزن جلي، لم تتمني أن يعودان بدونها ناهيك عن رجعوهم للبداية من جديد، لم تكن في الحسبان تلك الزيجة وممن؟ شقيق من عانت ورد لفراقه، أاه مكلومة خرجت من فاه السيدة سنية عفوياً تسببت في خفقان قلب طاهر برعب وأعاد سؤاله بلهفة وتوجس:-
ورد فين يا مرت عمي؟
_ أجابته بنبرة مرهقة ولازالت منكسة الرأس:-
في بيت العمدة مرايدش يخرجها جبل ما عدتها تنتهي بالكامل ويسمع ردها
_ عقد ما بين حاجبيه متعجباً وسألها بفضول:-
ردها على إيه عاد؟
_ شهيقاً وزفيراً فعل السيدة سنية قبل أن تجيبه قائلة:-
طالب يدها لمصطفى ولده
_ ربما لو غرزت به خنجراً حاد سيكون هين على أن يسمع ذلك، لقد أنتظر مرور الأيام بفروغ صبر لكي يتقدم للزواج منها فور إنتهائها من عدتها، والأن يصغي إلى من سيسرقها منه مرة أخرى ويحلق بيها في سماء بعيدة عن أحلامه الوردية لطالما رسم مواقف محببة لقلبه مع من خفق الفؤاد بإسمها، لن يفوت تلك المرة ويقف يشاهد ما يحدث في صمت مثلما فعل في المرة الماضية، أن كان الحظ حالفه مرة فلن يحالفه في الأخرى
''أني رايد أتجوزها يا مرت عمي أني أولي بيها من الغريب، أستنيت اللحظة اللي أتجدم لها فيها من زمان ومهسمحش لأي مخلوج كان إنه ياخدها مني تاني''
_ ألقي طاهر بحديثه دون تردد أو خوف فاندهشت سنية وكذلك ماهر الذي لم يعلق بل ترك الأمر لشقيقته فهي على دراية أفضل بمن سيناسب ورد ..
_ فغرت فاها بعدم تصديق ورددت متسائلة:-
أنت بتجول إيه يا طاهر؟
_ ثار طاهر وصاح هاتفاً:-
أني بحب ورد ورايدها في الحلال جوليلها إكده يا مرت عمي وهي أكيد هتوافج
_ وضعت السيدة سنية راحة يدها أعلى رأسها وأوصدت عينيها تتمني أن يكون كابوساً ليس إلا، كل ما يحدث وليس فقط طلب طاهر من الزواج بورد، رددت بنبرة تميل إلى العتاب:-
ليه إكده يا طاهر بتصعيبها علينا أني وبتي ليه عاد؟
_ رفعت رأسها للأعلى ناظرة إلى السماء وهتفت:-
كنا رايدين نهملوا البلد يا رب ليه إكده ليه؟
_ تركتهم وهمت بالدخول لمنزلها فلحق بها ماهر وأقترب منها ما إن أغلق الباب خلفه محاولاً مشاركتها العبئ الذي قد وقع على عاتقها فجاءة، إنتبهت هي لسؤاله:-
هتعملي إيه يا سنية هتقولي لورد علي طاهر؟
_ جابت الغرفة ذهاباً وجيئا وهي تشعر بشتات عقلها لا تدري أي منهم أصلح تختاره زوج لإبنتها، فطاهر من المستحيلات تسمح له بالوصول إليها فلن تلقي بوحيداها في نيران حمدان وعائلته اللواتي لسن في قلوبهن رحمة، أيضاً ترفض وبقوة مكوث ورد في السرايا فهي لا تريدها تعيد معانتها لطالما لم تتحسن هي بعد
_ رفعت بصرها حيث يقف أخاها وهتفت مقررة:-
أني لا هوافج على ديه ولا على ديه أني هروح أخدها بكرة من نجمة ونعادوا معاك يا خوي
_ أماء لها بقبول ومن ثم سحب هاتفه من جيب بنطاله وقام بالإتصال على زوجته ليخبرها ببقائه الليلة عند شقيقته حتى لا تنتظر عودته هباءً ..
***
''ولاد العمدة عاملين عجد يسلموا البت لبعضيهم، بس أني مهسكتش المرة ديي مش هضيعها من يدي المرة ديي إن شالله تطير فيها رجاب''
صاح بهم طاهر بصوت عالٍ عله يفرغ غضبه الذي تبدد داخله، لم يشعر بالأذن التي وقفت خصيصاً لسماع ما يصيح به مع نفسه، ولجت للغرفة ما إن أنهى جملته بأسلوب غير حضاري وسألته بفضول:-
معناته إيه حديتك ديه يا طاهر؟
_ هدر بها شزراً من عزم غضبه:-
أنتِ واجفة تتصنتي عليا يابت أنتِ؟
_ لوت شفتيها بتهكم لسذاجته وهاجمته مندفعة:-
صوتك جايب لأخر البلد يا طاهر هتصنت إيه عاد!
_ رمقها طاهر بنظرات مشتعلة ووجه بصره يميناً ويساراً إلى أن لمح تلك المزهرية الموضوعة أعلى الكومود، هرول نحوها وأمسكها ولم يتردد في إلقائها أرضاً بكل قوته إلى أن تحطمت إلى أشلاء لا يمكن إصلاحها ..
_ صرخ عالياً من فرط غضبه فلم يعد يستطيع كظم غيظه:-
خلصت من واحد طلع لي التاني، أني بس اللي هتجوزها أني اللي أولي بيها أني اللي بحبها مش هلال ولا حتى مصطفى!!
_ صعقت صباح فور إستشفافها للأمر، دنت منه تريد التأكد من حدسها التي إستنتجته من خلف حديثه وسألته بتردد:-
كيف يعني مصطفى هو كمان رايد يتجوزها؟
_ لم يعلق طاهر بل ثار على جميع ما يمكن تكسيره بالغرفة وحالته الهائجة كانت خير رد على سؤالها، إنسحبت من الغرفة بعدما إعتلتها صدمة جلية، هرولت لغرفتها ومازالت أسفل تأثير الصدمة، جلست على طرف الفراش بإهمال ورددت بعدم إستعياب:-
كله بيحبها، كله رايدها، الكل بيتسابج مين هيتجوزها لاول، هلال وطاهر وآخرهم مصطفى!! مصطفى اللي البلد كلاتها تتمني يرمي السلام عليها هيتجوزك يا ورد! عملالهم إيه يابت عمي عشان الكل يجري وراكي إكده
_ نهضت صباح من مكانها وكزت على أسنانها بحقد واضح وتوعدت لها من بين أسنانها المتلاحمة:-
وأني إيه؟ محدش بيجري ورايا ليه؟ مشبهش ولا مشبهش!!
_ لم تنتظر لأكثر وأسرعت نحو خزانتها، إلتقطت إحدي عبائاتها وإرتدتها سريعاً ومن ثم هاتفت أحدهم، لم تعطيه فرصة الرد بل أردفت أمرة فور إجابته:-
جابلني في المكان بتاعنا دلوك متتأخرش
_ أغلقت الهاتف قبل أن تستمتع لرده فهي ليست على إستعداد لسماع رفضه الأن، هي في أمس الحاجة إلى الحديث معه أو ربما جبره على الزواج منها ..
***
_ تلفت حوله يتأكد من خلو المكان ثم أزاح وشاحه عن وجهه وأقترب من تلك الشجرة التي تقف أسفلها وسألها بحدة:-
خير جيباني على مالا وشي ليه عاد ولا تكوني مفكرة إني فاضيلك يا بنت حمدان تجبيني وجت ما تحبي؟
_ ضاقت بعينيها عليه محتقرة أسلوبه الحاد معها وهدرت به شزراً:-
أنت بتتحدت معايا أكده ليه يكنش أني اللي رامية جتتي عليك؟
_ رمقها بطرف عينيه مشكلاً إبتسامة ساخرة على محياه وأردف بتهكم:-
لاه أني اللي بجري وراكي يا صباح، نهايته رايدة مني إيه؟
_ حمحمت الأخري وقد إرتخت ملامحها كما لانت نبرتها ومالت إلي الرجاء:-
هتاجي تطلب يدي من أبوي ميتي يا ضيف؟
_ قطب ضيف جبينه بإستغراب شديد وردد بعدم إستيعاب لحديثها البعيد كل البعد عن مخيلته:-
أطلب يدك ليه ناجصني يد إياك!
_ طالعته بأعين حدتين وإندفعت به:-
أني مبهزِرش يا ضيف العمر بيجري بيا وأنت معلجني في حبال دايبة ومخابراش أخرتها معاك إيه؟
_ إنفجر ضيف ضاحكاً، لم يستطيع السيطرة على أعصابه التي تلفت بالكامل من خلف مزاحها، تشنجت بطنه من خلف ضحكاته المستمرة دون توقف فأمسك بها وردد:-
مكنتش أعرف إن دمك خفيف يا بت يا صباح
_ كانت تتابع ضحكاته بريبة من أمره، لم تصل إلى سبب واضح لضحكاته التي أثارت غيظها، إنعكست تعابيرها للغضب ما أن تفوه كلماته السخيفة وصاحت به مندفعة:-
جولت أني مبهزِرش، هتجابل أبوي ميتي ؟
_ إحتدت تقاسيم ضيف بغضب إعتلاه، دني منها وقبض على ذراعها بقوة سبب لها الألم وهمس بقرب أذنها:-
وأنتِ فكراني هركب جرون على آخر الزمن وأجي اتجوزك!! أتجوز واحدة دايرة على رجالة البلد واحد واحد ترمي نفسها عليهم
_ شد ضيف على ذراعها بقوة مضاعفة فآنت هي بألم شديد وأضاف:-
أني يوم ما أجول يا جواز أتجوز واحدة متجدرش ترفع رمشها في عين أخوها بت ناس أهلها عرفوا يربوها زين مش ماشية على حل شعرها!!
_ صدمات متتالية وقعت على صباح من خلف حديثه الذي أخبرها بحقيقته التي سحقتها، دفعته بكل ما أوتيت من قوة بعيداً عنها ونهرته مستحقرة:-
آه يا جليل الأصل والنخوة وأني اللي فكرتك راچل طلعت كيف العيل الصغير اللي بيتسلى بلعبته وبعدها يرميها لما يزهج منيها
_ عاد إليها مرة أخري وملامحه لا تبشر بالخير وصاح من بين أسنانه المتلاحمة بغضب:-
لمي خشمك عاد بدل ما ألمه بمعرفتي، وآه كنت بتسلى بيكي
_ مال عليها وواصل حديثه هامساً:-
بس ديه مش ضعف مني أنتِ اللي كنتي سهلة
_ دفعها بعيداً عنه ثم أولاها ظهره وغادر دون أن يلتفت لصراخها:-
أني مش سهلة يا ضيف والله لتشوف اللي هعمله فيك، هندمك عليطى اليوم اللي فكرت تتسلى فيه ببنت حمدان المنشاوي هوريك عرج المنشاوية على حج
_ سقطت بإهمال وهي تصرخ عليه لعل نيران قلبها المتقدة تخمد، لكن كلماته تشعلها أكثر كلما تذكرتها، ضربت الأرض بيديها وأقتلعت منها التربة، رفعت يديها للأعلى وهي تطالع الرمال التي تتساقط من ثغر أناملها وهتفت متوعدة بغضب عارم:-
أنت اللي بدأت اللعب يا ضيف هنشوف إذا كنت هتتحمل اللي ناوية عليه ولا هتخر كيف الحريم
_ نهضت بعد أن جمعت شتات نفسها، ضبطت من حالتها غير المهندمة وطالعت المكان من حولها متوجسة خيفة من رؤية أحدهم لها، أزفرت أنفاسها براحة حينما لم تجد أناس على مقربة منها وأسرعت مبتعدة عن المكان لكنها أقسمت بأن تعود إليه مرة لكن ستكون مختلفة فهو من سيتوسلها ويطالبها أن ترأف به، لن تشعر برضاها الكامل حتى يأتيها راكعاً يطلب منها السماح ..
***
_ لم يهدأ لها بال قبل أن تضع بصمتها وتقف تتابع ما يحدث بتشفي، وصلت إلى السرايا وطرقت بابها في إنتظار ترحيب أحدهم لها، فتحت صفية الباب وشكلت بسمة ودودة على شفتيها مرحبة بها:-
إتفضلي يا صباح ثواني وأناديلك ورد تاجي لك
_ لحقت بها صباح قائلة قبل أن تبتعد عنها:-
لاه أني مريداش ورد أني رايدة الخالة نادرة
_ تعجبت صفية من طلبها لكنها لم تعلق ، دعتها للجلوس في غرفة الضيافة بينما ذهبت هي تنادي سيدتها، طرقت باب غرفتها وولجت للغرفة حين سمحت لها وقالت:-
صباح بت عم ورد ريداكي ياستي
_عقدت نادرة ما بين حاجبيها متعجبة من تلك الزيارة ورددت متسائلة:-
وديي رايدة إيه هي كمان
_ رفعت صفية كتفيها للأعلى ظاهرة عدم معرفتها:-
مخابراش يا ستي أني جولت لها أناديلك ورد جالت لاه رايدة الخالة نادرة
_ إلتوي ثغر نادرة للجانب مستنكرة كلمة خالة ورددت مستاءة:-
خالة! من ميتي ديه إن شاءلله
_ ثبتت بصرها على صفية وأضافت آمرة:-
روحي ضايفيها وأني هروح أشوفها رايدة إيه
_ حركت صفية رأسها بطاعة ومن ثم إنصرفت سريعاً بينما توجهت نادرة حيت تجلس ضيفتها، أسرعت صباح للداخل حين رأت هطول السيدة نادرة ووضعت هاتفها على أذنها مختلقة مكالمة ما:-
والله ياما الست نادرة ديي على نياتها جوي كفاية أنها وافجت تجوز ولدها الحيلة لجدم الشوم بت عمي، معرفاش كيف هتطمن على سي مصطفى معاها ده هلال يا حبة جلبي معمرش معاها يومين عل بعض، كيف ما تكون عملاهم عمل البت ديي مش معجولة محدش شايف ولا حاسس إنها بتجيب الفجر (الفقر) في المكان اللي بتحط رجليها فيه، على العموم ربنا يهني سعيد بسعيدة هنكونوا عايزين إيه غير إنهم يكونوا سعدا ديي مهما كان بت عمي بردك
_ صمتت صباح وكأن والدتها تخبرها بشيئ ما فتابعت هي تمثيلها بنبرة ملهوفه:-
لا لا مجدرش أجولها حاجة زي ديي ربنا حليم ستار يا أما وهي شكلها إتعدلت من وجت ما أتجوزت هلال أو الله أعلم يمكن مش لاجية الفرصة ورايدة تعاود مع خالها عشان ترجع للي كانت بتعمله
_ تأففت صباح بضجر وواصلت حديثها معاتبة شخصية والدتها المختلقة:-
بكفيانا حديت عنيها بجا ربنا يهديها، أني هبارك للست نادرة وهعاود طوالي مش هتأخر، سلام
_ أغلقت الهاتف وأعادت وضعه في حقيبتها وظهرت شبح إبتسامة على ثغرها لنجاح ما أتت لأجله
_ في الخارج، صدمة قد أعتلت نادرة مما صغت إليه ووقع على مسامعها، فهي لم تحبها يوماً وخصيصاً بعد وفاة مدللها الصغير، ولكن بعد ما سمعته بشحمتي أذنها ستفعل المستحيل من أجل عدم إتمام تلك الزيجة
_ أخذت نفساً عميق وولجت للداخل بشموخٍ وثبات، رحبت بها صباح بحفاوة شديدة كما بادلتها الأخرى ترحيب يليق بها وقالت:-
السرايا نورت يا صباح بطلتك البهية، مش بتاجي تطلي علينا ليه عاد؟
_ أخفضت صباح رأسها وأجابتها بإستيحاء زائف:-
أبوي بيرفض خروجي عمال على بطال من الدار أني حتى جاية على لسان أمي أبارك لسي مصطفى على جوازه من بت عمي لأنها تعبانة شوية ومجدراش تاجي بنفسيها
_ رفعت نادرة إحدى حاجبيها حينما ذكرتها صباح بالزواج وردت عليها بنبرة جامدة:-
فيكي الخير أنتِ وأمك يا صباح جوليلها الله يبارك فيكي يا ثريا عجبال ما نفرحوا بولادك
_ رسمت صباح بسمة ولازالت منكسة رأسها وأردفت بنبرة رقيقة لا تشبهها قط:-
يوصل يا خالة أني عوجت جوي ولازمن أعاود دارنا
أصل أبوي يبهدلني، عن إذنك
_ إبتسمت الأخرى ورددت بإعجاب شديد لحيائها وهي تربت على ذراعها:-
يسلم بوكي اللي رباكي زين، إذنك معاكي يا حبيبتي سلميلي على ثريا كاتير
_ أجابتها مختصرة:-
يوصل
_ إنصرفت صباح من السرايا بعد أن بخت سُمها وإستطاعت النجاح فيما فعلته، وقفت نادرة ترمق الطابق العلوي بغيظ شديد، ضربت طرابزين السُلم براحة يدها ورددت من بين أسنانها بغضب:-
على جثتي لو الجوازة ديي تمت يابنت صابر وسنية
***
في غرفة ورد، يقفن الفتاتان حول ورد يحاولن إقناعها على طريقتهم حيث قالت صفاء بنبرة عفوية:-
وافجي يا ورد ومتهمليش الدار
_ أضافت هويدا قائلة بحكمة ورزانة في نبرتها:-
أني مريداش أجولك وافجي كيف صفاء لأنها بت مخبولة في عجلها، بس أن جيتي للحج سي مصطفى ميترفضش واصل أني أعرفه من وجت طاويل جوي أني أكبره بسنة واحدة وقضيت طفولتي معاه وشبابه كله كان جصاد عيني عمري ما شوفته كيف شباب چيله كان متأني وجبل ما يخطي خطوة يكون حاسب لها تمام، وعلى طول خيلان ( مرسوم ) في نفسه إكده، عاجل كيف ما يكون عمره فوج الخمسين مش شاب لساته مكملش التلاتين، فكري زين يا ورد
_ أوصدت عينيها فاختفت زرقاوتاها خلف أهدابها ورددت بعدما أخذت شهيقاً وأخرجته رويداً:-
مخابراش كل حاجة جت فجاءة، مش متخيلة أتجوز أخو جوزي الله يرحمه، مش مستوعبة أصلاً إني بجول على هلال الله يرحمه، لساتي مخرجتش من صدمة موته أجوم أدخل في صدمة جوازة تانية؟!
_ إبتعدت عنهم ورد واستلقت على الفراش بحيرة شديدة واقعة في شباكها لا تعلم كيفية التحرر منها، إقتربت منها صفاء تتوسلها برجاء:-
أني دعيت ربنا إنك متبعديش عننا واصل وأهو اللي حوصل ديه كان الرد على دعايا يعني علامة أنك توافجي
_ إستنكرت هويدا هراء صفاء الذي تحاول به الضغط عليها وأردفت موجهة حديثها إلى ورد:-
سيبك من عجل الجلوص ديي أنتِ تصلي إستخارة وبكرة ربك يحلها من عنديه
_ وجهت هويدا بصرها على صفاء وأمرتها:-
وأنتِ جومي عشان نخلصوا اللي ورانا
_ كادت أن تعارضها لكن نظرات هويدا كفيلة لأن ترعب صفاء وترغمها على الخروج معها بدون نطق حرف زائد، نهضت ورد من مكانها ما أن خرجن الفتيات من الغرفة وتوضأت وشرعت في الصلاة تستخير ربها أن يلهمها الصواب في تلك المسألة عاجلاً ..
_ في اليوم التالي، رمشت ورد بأهدابها عدة مرات لكي تعتاد ضوء الشمس التي تغازل عينيها من خلف زجاج النافذة، تقوس ثغرها الوردي بإبتسامة عفوية، مطت ذراعيها في الهواء لترخي من تشنج عضلاتها، نهضت من مكانها بنشاط على غير عادتها في الأيام الماضية
_ لمحت طيفها في المرآة فتحركت تلقائياً نحوها ووقفت تطالع صورتها المنعسكة بتفحص، إنتبهت لراحة جوفها المريبة، إتسعت مقلتيها على آخرهم وتمتمت بذهول:-
أني مرتاحة!
_ يا تري الراحة دي شاملة إيه؟
عايزين الجوازة تكمل ولا لأ؟
روايه عرف صعيدي
بقلم الكاتبه تسنيم المرشدي
الفصل السابع
( خضوع )
______________________________________
_ أحداث سريعة متتالية خلف بعضها قد حدثت دون سابق إنذار، خادمات السرايا تركضن في عجالة من أمرهن يحاولن أن ينتهوا من طهي الطعام الذي أمر به خليل ليكفي المدعوين على عقد القِران
_ يقفون عُمال الفِراشة يُعِدون الحديقة بالسُرادِق المزينة بروسومات الأعراس كما يعلقون الأنوار التي أضافت لمسة مبهجة للسرايا لم يتركوا أي أنش وزواية إلا ووضعوا بها الزينة فاليوم ليس أي مناسبة أنه زفاف مصطفي الإبن البكري للعمدة..
_ ضجة لا يوجد سواها في الوسط، الأرجاء مزدحمة بالعُمال ورجال العمدة المتراصين في كل ثغره في الحديقة حاملين أسلحتهم على أكتفاهم يستعدون لأمرٍ من العمدة للبدء فيما يجيدون فعله، بدأ المدعوين في الهطول متفاجئين بالتحضيرات المذهلة التي أقيمت في ساعاتٍ قليلة
_ مكثن النساء في مجلس قد أقيم خصيصاً لهم داخل السرايا لألى يراهم أحد من الجنس الآخر، وقفت ورد أمام فراشها تطالع عبائتها البيضاء المطرزة باللمسات الذهبية الموضوعة أعلاه، سارت نحو المرآة وصوبت بصرها على خصلاتها المموجة التي أطلقت سراحهم يتغنجن مع هواء المكيف
_ لازال عقلها غير آبِه لفكرة زيجتها من رجل آخر لا تعرف طباعه، أهو حنون ولين الأسلوب كما يخبرنها الفتيات، أم يمتلك تصرفات قاسية وطباع حادة؟
هي لم تراه سوي مرات معدودة وتعاملاته معها محدود للغاية فلم تستشف منهم أي صفه قد يكون يمتلكها..
_ عادت بذاكرتها إلى وقت وصول والدتها إلى السرايا تريد المضي سوياً مبتعدين عن البلدة ومشاكلها التي لا تنتهي حيث فاجئتها ورد بردها:-
أني مرتاحة ياما مش حاسة بالخنجة اللي كنت حساها جبل اليوم
_ رمقتها السيدة سنية بذهول فهي لم تعتقد هذا الرد منها مطلقاً، لقد حسمت أمرهم على العودة مع شقيقها ما هذا الأن؟
سترضخ أبنتها لتلك الزيجة!
كيف ستواجهه إن كُشف أمر حمدان وفعلته؟!
ط بالتأكيد ستنال جزءاً من انتقامه ولن يصدق عدم علمها بالأمر
_ حاولت سنية أن توصد جميع الأبواب في وجهها لعلها تعود إلى رشدها وتوافق على الإبتعاد عن هنا لطالما حلمتن كلتاهن بذلك لكن ظهور خليل في تلك الأثناء حتماً سيؤثر على قراراتها التي حاولت جاهدة أن تقنعها بهم.
_ قابلهم خليل بإبتسامة عريضة مرحباً بهم بحفاوة:-
السرايا نورت يا أم ورد
_ وجه حديثه مباشرةً إلى ورد بصوت متحشرج:-
قررتي إيه يا ورد عاد؟
_ إبتلعت ورد ريقها فهي لم تصل إلى إتفاق يرضيها كما يرضي والدتها، وزعت بصرها بين خليل ووالدتها لا تدري ما عليها قوله، إستشف خليل توترها التي وقعت بين طياته وحاول أن يقلل من إرتباكها بنبرته التي لانت بعض الشيئ:-
محدش هيجبرك على حاجة يا ورد جولي اللي في جوفك
_ نظرت ورد إلى والدتها النظرة الأخيرة قبل أن تجيبه بإرتباك حرِج:-
أني مخرباش أجول إيه بس حاسة إني مرتاحة مش مضايجة كيف اليوم السابج
_ تهللت أسارير خليل بسعادة غامرة قد دقت طبول قلبه، إنعكست سعادته على ملامحه فابتسم عفوياً ونادي بصوته الجهوري:-
صفية، هويدا، صفاء
_ جئن ثلاثتهن مهرولين بذعر إثر ندائاته المستمرة دون توقف، وقفن أمامه وقد تولت صفية الرد عليه بتوجس:-
خير يا عمدة؟
_ هلل عالياً ببهجة تتحدث عن نفسها:-
كل خير يا صفية
_ وزع بصره عليهم وأضاف بنبرة متحمسة، يتلهف لإخبار الجميع بموافقة ورد:-
زغرطوا يا بنات خلوا أهل البلد تسمع إن اليوم فرح مصطفى على ورد
_ شهقن ثلاثتهن من هول المفاجأة، تحولت ملامحهن تدريجياً إلر السعادة حين استشففن الأمر، تبادلن النظرات بفرحة أسرت قلوبهم من فرط جمال الخبر الذي أخبرهم به خليل
_ تعالت أصوات الزغاريد مبدين سعادتهم الواضحة كما أمر خليل رجاله بإطلاق النيران ليعلموا الغائب أن هناك مناسبةٍ في سرايا العمدة
''عسران يا عسران''
نادي خليل بنبرته الجهورية فجائه عسران راكضاً يلبي ندائه:-
أمرك يا عمدة
_ أخبره خليل بما يريده أن يفعله بقوله:-
رايدك تخبط بنفسيك على دار دار في البلد وتعزم كل أعيانها وكبراتها وتجولهم فرح ولِد العمدة النهاردة وتعاود طوالي عشان ورانا تجيهزات ياما بدنا نخلصوها جبل ما الناس تهل
_ أماء له عسران بطاعة ومن ثم إنصرف لكي ينهي ما أمره به خليل سريعاً ويعود إليه حتي ينهوا بقية الترتبيات
_ جذبت السيدة سنية ورد من ذراعها وأبعدتها عن أعين خليل وهمست محذرة وهي تطالع المكان من حولها تتأكد من عدم سماع أحدهم لما ستردفه:-
اتخبلتي في مخك إياك، تجدري تجوليلي هتجولي لمصطفيطى إيه لما يعرِف أنك بت بنوت؟
_ إتسعت حدقتي ورد بصدمة إعتلتها حينما ذكرتها والدتها بالحقيقة المريرة، حتماً ستنقلب حياتها رأساً علي عقب ما إن علم مصطفي بعدم زوال عذريتها..
_ إزدردت ريقها وسعلت بشدة، ضربت سنية على ظهرها بخفة حتى عادت ورد إلى طبيعتها، شعرت بغصة مريرة في حلقها ناهيك عن الأفكار السوداء التي عصفت بها، أوصدت عينيها لبرهة ومن ثم أعادت النظر إلى والدتها وقالت متسائلة:-
وبعدين ياما هنعملوا إيه في المصيبة ديي؟
_ حركت سنية رأسها مستنكرة تصرفها الأرعن الذي أوقع بهم في ورطة كبيرة، حاولت أن تجمع شتاتها لكنها فشلت وهي تري الجميع يركض من حولهن يعدون تجهيزات العرس، لم يعد هناك ما يمكنهم فعله حتى لا يملكون حق الرفض الأن..
_ صوبت السيدة سنية بصرها على ورد بقلة حيلة لا تملك سوي المآزرة فقط:-
منملكوش غير إننا نكملوا اللي بدأتيه يا بت بطني ونسيبها على ربنا، ربنا يستر ويعديها علي خير
_ على الجانب الآخر، وقفت نادرة تتابع ما يحدث من خلف باب غرفتها بغضب عارم وعدم رضاء، لن تتحمل هرائات خليل أكثر من ذلك، نادت عليه بنبرة مليئة بالغضب فجائها بعد مدة متسائلاً:-
رايدة مني ايه؟
_ جذبته من ذراعه وأجبرته على الدخول للغرفة ثم وقفت مقابله والشر ينطق من عينيها:-
الجوازة دي مهتمش يا خليل، البت مشيها بطال يا راجل ترضاها لولدك؟
_ قطب جبينه وردد مستاءً:-
وااه هي حصلت ترمي البت بالباطل يا ولية، جبتي منين الحديت الماسخ ديه؟
_ أشاحت بوجهها عنه ووضعت كلتي يديها في منتصف خصرها وأجابته بإزدراء:-
مش مهم جبته منين المهم إني عرفت حجيجتها وخلاص
_ نهرها بعصبية سببت بوقوف شعيرات جسدها:-
شوفتيها بعينك؟ سمعتيها بودانك؟
_ إعتدلت نادرة في وقفتها وطالعته لبرهة ثم نطقت بتلعثم:-
لاه
_ هاجمها خليل فور نفيها لأسئلته بنبرة محتقنة:-
إحنا عُمي مبنجدرش نفرج بين اللي مشيها بطال واللي بتخاف ربنا
_ إقترب منها بخطوات ثابتة وواصل حديثه المسترسل:-
عارفة اللي بيرمي الناس بالباطل عقابه إيه؟
( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
_ بصق خليل أرضاً ثم مسح على فمه بإبهامه وأضاف:-
هعمل إني مسمعتش حاجة واصل لكن لو الحديت ديه اتكرر تاني صدجيني هعمل بلي ربنا أمر بيه وإوعي من جدامي إكده
_ حركت رأسها عفوياً مع خروجه، كزت على أسنانها ببغض شديد وتمتمت داخلها:-
بكرة تندم يا خليل بس أني اللي هجف جصادك ومهتجدرش تفتح خشمك وجتها
______________________________________
''ورد يا ورد''
_ انتبهت ورد لذلك الصوت من خلفها، إلتفتت لتعلم مصدره، قطبت جبينها بغرابة حينما رأته يقف على مقربة منها يفصل بينهما باب السرايا، كادت أن تقترب منه لولا أن منعتها السيدة سنية وهي تطالعه بضيق:-
متتحدتيش معاه أني هروح أشوفه رايد إيه
_ عقدت ورد ما بين حاجبيها بتعجب من أمرها وسألتها بفضول:-
هو ناداني أني مجالش مرت عمي هشوفه رايد إيه وعاود طوالي
_ تحركت ورد مسرعة قبل أن توقفها والدتها ثانيةً وأقتربت منه تاركة بعض المساحة بينهم، حمحمت بإستيحاء ورددت متسائلة:-
محتاچ حاجة يا طاهر؟
_ آذابت قلبه بنطقها لاسمه التي إفتقد سماعه بنبرتها المبحوحة، منذ متي ولم يحدث أي حوار بينهم، إشتاق إليها وشوقه ظاهر على ملامحه وطريقته في الحديث، تعجبت ورد من عدم رده عليها وأعادت سؤالها بنبرة تميل إلى الحيرة من أمره:-
هتجف تبحلج فيا كاتير جول رايد مني ورايا تجيهزات ياما
_ إنتبه لآخر ما تفوهت به وأعاد النظر إلى ما يحدث في الحديقة من تعليق الأنوار والزينة وردد متسائلاً على أمل أن تنفي ظنونه:-
التجهيزات ديي عشان مين يابت عمي؟
_ أخرجت ورد تنهيدة ثقيلة من جوفها وأجابته وهي تتابع تعليق الأنوار بزرقاوتيها:-
فرحي على مصطفى لساك معلمتش!! ديي البلد كلاتها جالهم الخبر وهما في دارهم
_ أكدت حدسه الذي حاول جاهداً أن يقاومه ويخشي سماعه، ها هي الأن وبكل سهولة أكدت مخاوفه، طالعها من أعلى وشاحها بنظرات تحمل إشارات معاتبة لكونها سترهق قلبه مرة أخرى
_ لن يتحمل المزيد من آلام العشق الذي سيعيش معه بين أربع جدران، سيعاد كل ما عاشه منذ علمه بزيجتها من هلال ثانيةً، لا والله ليس بتلك القوة التي يراها عليه الجميع حتماً ستنهار عزيمته ما إن كُتب إسمها علي إسم رجلاً غيره
_ حسناً سيفعل آخر ما يمكنه فعله وما سيحدد مصيره في تلك العلاقة ذات الطرف الواحد، سحب نفساً عميق وهو يستعد لسؤالها لكن يخشي إجابتها كثيراً، فتح فاهه وألقى بسؤاله دفعة واحدة قبل أن يتراجع عنه:-
وأنتِ موافجة عليه يا ورد؟
_ ترددت ورد في إجابتها لكن فقط ستجيبه بما تشعر به، أوصدت عينيه لبرهة وقالت بعد أن جمعت قواها:-
مخابراش غير إني مرتاحة، مش الراحة ديي معنتاها إني موافجة بردك؟
_ أاه وألف أاه صدرت من أعماق قلبه المنكسر، ضاعفت جرعتها تلك المرة وتسببت في إشعال نيران قلبه وكما ساعدت على إحتراقه بالكامل بعد تلك الإجابة، أهي حقاً تسأله هو بالتحديد! هو الذي سعي ليجعلها زوجته وكانت الظروف جميعها ضده وبمثابة حاجز هائل يمعنه من الإقتراب منها كلما تخطاه وحاول الوصول إليها
''ربنا يسعدك يابت عمي''
_ تمني لها السعادة لكونها حبيبته لكن لا سعادة لها مع رجل غيره لن يتقبل الفكرة ولو بعد ألف عام، أولاها ظهره وتحرك مبتعداً عنها لكنها أوقفته بسؤالها:-
كنت جاي رايد حاجة؟
_ أجابها بقلبٍ يحترق دون أن يلتفت:-
معدلوش عازة اللي كنت رايده
_ إنصرف سريعاً ما إن أنهي جملته تاركها شاردة في جملته التي لم تفهم معناها، إنتبهت على صوت والدتها الذي قطع حبال شرودها:-
كان رايد إيه عاد؟
_ ردت عليها ولازالت عينيها مثبتة على طيفة الذي يختفي رويداً رويداً من أمامها:-
مجالش، كانه كان رايد يجول حاجة بس أول ما علم بجوازتي من مصطفى بطل يجول
_ حاولت سنية إشغال عقلها بعيداً عن طاهر:-
سيبك منيه تعالي نطلعوا أوضتك البنتة شيعوا للمزينة تاجي تزوجك
_ أماءت لها بقبول لكن مازال عقلها منشغل مع حديث طاهر، ودت لو أصرت عليه وعلمت منه ما يوجد خلف كلماته المريبة بدلاً أن تؤكل فصوص عقلها من فرط الفضول..
_ بحثت بعينها علي خالها وعندما لم تجده تسائلت عنه بفضول:-
خالي إختفي فين لساته كان واجف إهنه
_ ردت عليها سنية موضحة سبب إختفائه المفاجئ:-
راح يجابل مرته وعياله على أولة البلد
_ قطبت جبينها بغرابة ورددت:-
هما لحجوا يوصلوا
_ رفعت سنية أكتفاها بعدم علم كافٍ لسؤال ورد وقالت:-
مخابراش هو جالي أكده هجعد أسئله أسئلة ملهاش عازة عاد، همي بينا نطلعوا الأوضة
_ إنتبهت خبيرة التجميل من وضع آخر لمساتها من المساحيق التجميلية ونظرت لورد بتفحص تتأكد من تمام عملها ثم سألتها باهتمام:-
ها يا عروسة إيه رايك؟
_ لم تجيبها ورد فهي غارقة في أفكارها، لوحت الأخري بيدها مشيرة إليها لكي تجذب انتباهها قائلة بمزاح:-
مين سعيد الحظ اللي عتفكري فيه وواكل عجلك بالشكل ديه؟
_ تدخلت صفاء وأجابتها ببسمة عريضة:-
أكيد سي مصطفى هو في غيره
_ عادت ورد إلى أرض الواقع ما إن صغت إلى إسم مصطفى، وزعت نظراتها عليهم في حالة توهان مريبة، ضحكن الفتيات على مظهرها، قطعت ضحكاتهن هويدا حين أردفت:-
من دلوك واكل عجلك أومال كمان ساعة هياكل إيه؟
_ أضافت صفاء فور إنتهاء هويدا من حديثها قائلة:-
معلوم هياكل جلبها
_ تعالت ضحكاتهن وأخيراً استوعبت ورد ما يرميان إليه وردت عليهم بتهكم:-
بكفياكم مجلسة عليا يا بنات أني متوترة خلجة
_ رفعت صفاء يديها للأعلي ورددت بتمني:-
نفسي أتوتر كيف توترها إكده يارب
_ لم يتمالكن أنفسهن وإنفجرن ضاحكين على عفويتها في الدعاء، توقفن عن الضحك حين أعادت المزينة سؤالها باهتمام:-
بكفياكي ضحك يا عروسة وطمنيني اللوك عجبك ولا عندك تعليجات عليه؟
_ نهضت ورد من مكانها ووقف أمام مرآتها، إتسعت حدقتيها بذهول شديد حين وقع نظرها على صورتها المنعسكة، لوهلة لم تتعرف عليها وكأنها إمرأة أخري غير التي إعتادتها، فغرت فاها وهي تطالع ملامحها التي إختفت تماماً أسفل المساحيق ورددت ببلاهة:-
أنتِ عملتي فيا ايه؟
أني معرفانيش واصل كاني واحدة تانية غيري
_ إنفجرن الفتيات مقهقهين عالياً، ردت عليها من بين ضحكاتها:-
أيوة يعني زين ولا عفش؟
_ إلتفتت إليها ورد بعد أن إكتفت من النظر إلى ملامحها وأجابتها بتلقائية عابثة:-
زين زين اللوك اللي عتجولي عليه ديه
_ تقوس ثغر الأخري ببسمة عريضة مبدية سعادتها فور علمها بإعجاب ورد لزينتها وهتفت وهي تجمع أدواتها:-
على خير يا عروسة ربنا يتمم لكم على خير يارب، همشي أني عشان عيندي عروسة تانية
_ إعترضت هويدا قائلة:-
مش هتهملي البيت جبل ما تتضايفي لاول
_ حاولت الإعتراض لكنها في الأخير وافقت تحت إصرار هويدا، خرجن من الغرفة كما رافقتهم صفاء بعد خروجهم مباشرةً لكي تحضر مياه وبعض الطعام لورد ..
_ تذكرت ورد بحقيقتها التي لازالت عليها، كيف ستخبره بذلك، ليست بتلك الجرأة لكي تقف أمام مصطفى الجبلاوي وتشي بإستمرارية عذريتها، على الرغم من عدم خلق أي حوار سابق لهما سوياً إلا أنها ترتابه، له هيبة وحضور يجبر من يقف أمامه أن يخشاه، ستخبره هي أم تتركه يعلم بمفرده؟ في النهاية مهما تعجب من كونها عذراء سيسعد لكونه أول لمسة بل يكون في الإعتبار أنه اول رجلاً في حياتها..
_ رددت داخلها بكلمات تُطمئِن بها قلبها إلى أن هدأت تدريجياً، إنتبهت لطرقات الباب فسمحت للطارق بالدخول، إنتفضت من مكانها بسعادة بالغة حينما رأت بنات خالها
_ هرولت إليهن مسرعة وضمتهم بكل ما أوتيت من قوة فلقد فاق إشتياقها لهم لم تراهم منذ أشهر عدة، بادلاها العناق بحب بالغ فكلتاهن يعشقونها كما يقتدون بها لأنها أكبرهم عمراً وعقلاً ..
_ إبتعدت عنهن بصعوبة ورددت بشوقٍ بائن في نبرتها:-
إتوحشتكم جوي يا بنات
_ أجابها في نفسٍ واحد بلهجهتم المصرية:-
وأنتِ كمان وحشتينا أوي
_ هتفت إحداهن بسعادة:-
مصدقناش لما بابي قالنا أنك هتتجوزي والنهاردة فرحك لحقتي تجهزي حاجاتك؟
_ قطبت ورد جبينها وأردفت بتلقائية:-
الموضوع جه بسرعة جوي يا بنات أني الصبح جولت موافجة ودلوك توني مخلصة المكياج أهاه ومعتش إلا العباية
_ شهقت الأخرى بصدمة لم يستوعبها عقلها الصغير وأردفت بعدم تصديق:-
كل ده حصل النهاردة بس!! انا تقريباً لما أجي أحضر لفرحي هبدأ من اليوم اللي هوافق فيه على العريس عشان الوقت يكفيني
_ علقت شقيقتها الصغري على حديثها مازحة:-
وممكن متلحقيش كمان يا أسما
_ قهقهت أسما وردت عليها مؤكدة:-
عندك حق والله
_ شاركتهم ورد المزاح قائلة:-
أني بردك بدأت أحضر من وجت ما جولت موافجة يعني مفرجتش كتير ياست أسماء
_ حملقت أسماء بها لوقت ثم إنفجرت ضاحكة حين إستشفت صحة حديثها وقالت:-
طب والله أقنعتيني
_ إبتسمت لها ورد ووجهت حديثها إلى المدللة الصغيرة وسألتها مستفسرة:-
وأنتِ ياست عيشة عاملة إيه في الثانوية العامة؟
_ شهقت بصدمة جلية فتوجست ورد خيفة في نفسها مما تفوهت به وسألتها بإرتباك حرِج:-
أني جولت حاجة غلط ولا إيه؟
_ أسرعت بالرد عليها موضحة:-
عيشة إيه يا ورد؟ كويس أن محدش سمعك قوليلي أش
_ عقدت ورد حاجبيها بغرابة ورددت متعجبة:-
أش! طلعت ميتي أش ديي ما أني علي طول بجولك يا عيشة
_ إحتدت ملامح الأخري بضيق ورددت:-
أيوة ده كان زمان إنما الوقتي أش أو عائش أو ممكن تنادي بعائشة وخلاص لكن عيشة دي إنسيها خالص برستيجي يضيع لو حد سمع أن أش اللي عندها One hundred thousand followers على إنستجرام بيتقالها عيشة!، ينهار أبيض مش متخيلة بجد
_ فغرت ورد فاها ببلاهة ورددت بعدم فهم:-
طيب وان وفهمناها بجيت الحديت ديه معناته إيه؟
_ ضحكت عائشة بسخرية بينما لكزتها أسما في ذراعها لتكف عن سخافاتها الأن كما أرسلت إليها نظرات موحيه تحثها علي التوقف وقالت:-
سيبي فلورزك دول على جنب النهاردة مش وقتهم خالص
_ وجهت بصرها على ورد وأضافت مبدية إعجابها بها:-
طالعة زي القمر يا ورد بجد ما شاءالله يابخته بيكي
_ إقتربت عائشة من شقيقتها وطالعت ورد بأعين يشع منهما الحماس وسألتها بفضول:-
إلا هو فين عايزة أشوف شكله إيه؟
_ حركت ورد رأسها بتهكم وقالت:-
أني نفسي معرفاش شكله إيه بشوفه من بعيد لبعيد
_ إتسعت حدقتي عائشة بدهشة لحديثها لكنها لم تعلق كما أنها لن تتخلي عن رؤيتها له، إبتعدت عنهم وهتفت:-
انا نازلة لعمتو هي توريهولي
_ إنسحبت للخارج فور إنتهائها من الحديث فأثارت ضحكات الأخريات عليها، حركت أسما رأسها مستنكرة تصرفاتها البلهاء التي لا تليق بها ورددت مستاءة:-
مش هتتغير أبداً
_ دنت منها ورد وأمسكت ذراعها ط، غمزت إليها وسألتها بفضول:-
سيبك منيها وجوليلي مفيش جاديد مع حب عمرك
_ لم تتمالك أسما ضحكاتها التي إنطلقن من خلف عفوية ورد وأجابتها بعد مدة حين إستطاعت السيطرة على ضحكاتها:-
حب عمري ياستي والده اتوفي قريب وطبعاً كل اللي كنا مخططين له بخ طار، لأن هو وحيد ومش هيقدر يسيب مامته لوحدها ويسافر يحضر الماجستير والدبلومة في أمريكا زي ما كان مخطط فالدنيا ملخبطة أوي معاه ومش عارف ياخد خطوة الخطوبة الا لما يستقر الأول
_ طالعتها ورد بتأثر وربتت على ذراعها داعمة لها وقالت:-
ربنا يجرب البعيد وتبجوا لبعض جريب إن شاء الله
_ إلتوى ثغر أسما للجانب مُشكلة إبتسامة ممتنة لها:-
ربنا يخليكي ليا، سيبك مني ويلا نكمل بقيت التجهيزات
_ شعرت ورد بالراحة لكونها بجانبها فهي تَكِن لها الحب وتعتبرها شقيقتها وليست إبنة خالها، مدت أسما يد العون لورد بكل حب وسعادة الي أن إنتهت ورد من تحضيراتها..
______________________________________
_ بهيبة وقامة منتصبة يقف أمام مرآته يرتدي عبائته أعلى جلبابه، رمق صورته المهندمة برضاء كامل لمظهره الجذاب، أنتبه لصوته الخشن الذي أخرجه من شروده:-
كانك رضخت يا ولِد العمدة؟
_ طالع صورة صديقه المنعكسه في المرآة بتهكم وأجابه بإزدراء:-
شكلك إتوحشت الضرب يا أبو عمو
_ قهقه عالياً وهتف مازحاً:-
لا وأنت الصادج هبجي عم العيال جريب
_ حرك رأسه مستنكراً هرائاته التي لا تنتهي ولن يتوقف قبل أن يجبره هو على الصمت، إستدار إليه ورمقه بنظرات مشتعلة فتوجس الآخر خيفة في نفسه من خلف نظراته وتراجع للخلف مردداً ط:-
خلاص ياعم متبحلجش فيا إكده
_ إلتوي ثغره بثقة لهيبته التي أثارت ذعر الآخر وأردف بعجرفة:-
مصطفى الجبلاوي هيبته سابجه خطوته والكل يخافه
_ رفع ضيف شفتاه العليا بإستنكار شديد وعارضه بفرد قوته في حديثه بنبرة صارمة:-
أني اللي بديلك الفرصة يا إبن الجبلاوي أنت هتسوج فيها ولا إيه؟
_ إقترب منه مصطفى بخطى ثابتة خشاها ضيف وتراجع للخلف، قهقه مصطفي عالياً من خلف خوفه المرسوم على تقاسيمه الذكورية، ربت على كتفه لكي يطمئنه:-
إجمد إكده ومتبجاش خِرع وبتركب الهوا من مفيش
_ ضغط مصطفى على كتفه فلم يتحملها ضيف وخر واقعاً، صعق مصطفى مما رآه فهو لم يكن بتلك القوة معه إذاً ما الذي حدث ذاك؟
_ علق على وضعه ساخراً:-
يخربيت عجلك يا ضيف ده أنت مش محتاج تتجوت بالوكل ده أنت محتاج معونة من أمريكا
_ رمقه الآخر بغيظ شديد، نهض سريعاً وتحرك مبتعداً عنه، إبتلع ريقه قبل أن يردف:-
أني تحت لما تخلص إبجي تعالي بدل ما تكسرلي أيد ولا رجل
_ إنعكست ملامح مصطفيطى إلى الضيق فور خروجه ضيف من الغرفة، أوصد عينيه لبرهة يحاول أن يقنع عقله بإرتداء ثوب اللامبالاة إلى أن ينتهي اليوم بسلام..
_ شهيقاً وزفيراً فعل هو قبل أن يخرج من الغرفة إرتفعت الزغاريد في أرجاء السرايا ما إن ظهر طيف مصطفى في الوسط، لمحه خليل من على بُعد فجائه بشموخٍ يُبدي إعجابه بطلته التي دق القلب طرباً لجمالها:-
إسم الله عليك يا ولدي طلتك ولا الجمر ربنا يبارك
_ لم يستطيع مصطفى أن يجاريه هو خصيصاً فلم يعلق على ما قاله وإلتزم الصمت، لاحظ خليل صمته عن المعتاد فأظهر إهتمامه بسؤاله الذي طرحه عليه:-
مالك يا ولدي كانك مش مبسوط إن اليوم فرحك
_ بالتأكيد يمازحه، لم يتمالك مصطفى ضحكاته على سذاجة سؤال والده، حرك رأسه مستنكراً قبل أن يجيبه ببسمة زائفة:-
أكيد بتهزر يا بوي مش إكده؟ كيف يعني مش هكون مبسوط دي الليلة ليلتي وانى العريس
_ شعر خليل بالراحة تجتاحه من خلف حديث مصطفى، دنى منه وربت على ظهره بحنو أبوي وتمني له التوفيق:-
ربنا يسعدك يا ولدي وتملي لنا السرايا كوم عيال
_ رُفع حاجبي مصطفى تلقائياً بعد إصغائه لحديث والده وسايره في ترهاته:-
بس إكده عنيا التنين أنت تؤمر بس وأني أنفذ طوالي
_ ظهرت إبتسامة سعيدة على وجه خليل ثم إستأذن وانسحب للخارج لكي يرحب بضيوفه، كز مصطفى على أسنانه بغضب يحاول كظمه قدر المستطاع، وقف يجمع شتات وجدانه ثم سار على خطى والده للخارج لكي يتلقي المباركات والتهنيئات من قِبل أهالي البلدة حتى يؤدي دوره على أكمل وجه..
______________________________________
_ إجتمعن نساء البلدة في المجلس الذي تجهز خصيصاً لهن، بدأن الهمزات واللمازات بينهن فوصلت إلى آذان ورد، شعرت أنها كالعارية بدون ثياب من خلف أحاديثهم التي تؤكد بغضهم لزيجتها من الأخوين
_ لم تفارق الإبتسامة وجه السيدة نادرة على عكس نيرانها التي تتأجج داخلها كلما تقابلت مع ورد في نظرة مشتركة، لا تريدها لا ترضي كونها سرقت ولديها فالصغير رحل وفارق الحياة فلن تتحمل فراق الآخر بسبب شؤمها السيئ كما تعتقد
_ ولجت صباح برفقة ثريا باحثة بعينيها عن ورد، لا يستوعب عقلها إتمام الزواج بعد تصرفها الداهي أمس، كانت قد تيقنت بأن خطتها سارت عليطى النهج الصحيح ما إن رأت ملامح السيدة نادرة بعد سمعاها لما قالته عن ورد، إذاً ما الذي تغير الأن ليكتمل هذا الزواج اللعين؟، ازداد حقدها ما إن وقع بصرها على ورد التي تشبه البدر في ليلة تمامه، لم تستطيع الصمود أمام ما يحدث وعزمت أن تعكر صفوها في تلك الليلة
_ إقتربت منها مُشكلة بسمة ودية زائف وهللت متصعنة سعادتها البالغة:-
مُبارك عليكي يابت عمي
_ مالت بقُرب أذنها وأضافت هامسة:-
ربنا ما يغير عليكي تاني أصل يبجي حديت الناس صوح
_ إبتعدت عنها وطالعتها بنظرات متشفية وتابعت بحقد:-
بيجولوا شومك عفش ومبيعمرلكيش دار!
_ صعقت ورد مما وقع على مسامعها، شعرت بغصة مريرة في حلقها، وقعت كلمات صباح عليها كالسيف الذي شقها إلى نصفين، وأخيراً حركت قدميها وفرت هاربة بعيداً عن تلك البغيضة التي نجحت في تعكير صفوها لطالما حاولت تصنع اللامبالاة من خلف لمزات الحاضرين ..
_ مكثت ثريا في أبعد ركن في المجلس وحيدة بمفردها، جائت على مضضٍ فلقد فقدت شهيتها في الحياة من خلف شجارها الدائم مع حمدان الذي يصل نهايته إلى التطاول بالأيدي والسب المهين، أوصلتها تصرفاته للإنتحار الذي لازم تفكيرها في الاونِ الأخيرة، عادت إليها صباح بعد أن شعرت بقليل من التحسن حينما نجحت في فوران دماء ورد وتعكير صفوها ..
______________________________________
_ وضع إمضته على كافة الأوراق المطلوبة ليكتمل عقد الزواج، صدح صوت إطلاق الرصاص ما أن سلم مصطفى العقد للمأذون، إستعان ضيف بعصي أحد الحضور وسار نحو مصطفى الذي يتلقي المباركات من أقاربه وأصدقائه، لكزه في كتفه فاستدار إليه مصطفى يعلم هوية الفاعل، بالتأكيد ضيف من سيجرأ عليطى فعل ذلك غيره..
_ غمز إليه بمرح وهو يحمسه إلى الرقص مشيراً بعصاه:-
ما تورينا همتك يا عريس
_ تعالت أصوات الشباب مشجعين مصطفى على فعلها، لَقِفَ منه العصا فتعالت التصفيقات وصدح تصفير الشباب مهللين بحماس شبابي
_ أخذ ضيف عصا أخري من أحدهم وإقترب من صديقه وبدأ الرقص معه فور بدأ الدبكة الصعيدية ( المزمار )، صياح الشباب كان بمثابة تشجيع لكليهما على أن يفوز أحدهم على الآخر وبعد مدة هلل الجميع في سعادة بعد أن نجح مصطفى في إسقاط عصا ضيف أرضاً
_ تحمس الشباب أكثر وبدأو في الهطول واحد تلو الآخر يريدون التغلب عليه لكن هيهات لمصطفى لم يترك لهما مجالاً أن يصمدوا دقيقة أمامه، لقن الجميع درساً ليفكروا قبل أن يقفوا ضده بعد الآن
_ هتف ضيف مازحاً بصوت عالٍ ما إن فاز مصطفى عليهم جميعاً:-
عريس ومن حجه يدلع
_ قهقهة الشباب غطت علي أصوات الآخرين من خلف مزاح ضيف، إقتربوا منه أبناء عمته (صالح وعرفان)، حيث بدأ صالح بحديثه قائلاً:-
مبروك يا ولِد خالي عجبال ما نشيلوا عيالك
_ ربت مصطفى على ظهره وأجابه بود:-
الله يبارك فيك يا صالح عجبال ما تفرح بولادك
_ رد عليه ممتناً دون تفكير:-
تسلم يا غالي
_ شاركهم عرفان في الحديث بصوته الأجش:-
ربنا يتمم لك على خير يا حبيبي
_ أجابه بنبرته الرخيمة:-
حبيبي يا عرفان عجبالك عن جريب
_ أضاف الآخر مازحاً:-
عمتك فاتها بتجلع في شعور البنتة جوا دلوك، مش بعيد تكون إشترت بندج مخصوص عشان تخليهم يكسروه
_ ضحك ثلاثتهم على داعبة عرفان ومن ثم إنسحب مصطفى من بينهم بهدوء دون أن يلاحظه أحد، يشعر بالإختناق الشديد وكأن المكان يطبق على صدره يصعب عليه التنفس وسط ذاك الحشد الموجود بالخارج
_ ولج داخل السرايا من الباب الخلفي الذي وصل منه إلى المطبخ مباشرةً ولم يشعل المصباح الكهربي حتى لا يثير الإنتباه نحوه، توجه نحو القارورة الفخارية يرتشف بعض المياه ليبلل حلقه الجاف، أنتبه لحركةٍ ما خلفه فاستدار عفوياً ليعلم هوية الدخيل
_ في تلك الأثناء أشعلت الإضاءة وتفاجئت بوجوده في المكان، خفق قلبها رعباً حين وقع بصرها عليه فهي لم تعلم بوجود أحد في المكان، على الجهة الأخرى لم يستطيع مصطفة إبعاد نظريه عنها فلقد أشعلت لهيب الشوق في قلبه الذي إزدادت نبضاته عن معدله الطبيعي، لا يدري من أين جائت ولا يهمه لكن ما يحدث له مريب لم يشعر به من قبل
_ إنصرفت هي مسرعة إلى الخارج بارتباك جلي بسبب نظراته التي وترتها بينما لم يرفع هو نظره عن مكان اختفائها، كانت ثوانٍ معدودة إلا أنها استطاعت قلب كيانه بالكامل، إزدرد ريقه بصعوبة وحاول جمع شتات نفسه التي ضعفت تماماً أمام ذلك الجمال..
_ حمحم عالياً يعدل من نبرته المتحشرجة ثم ألقى نظرة سريعة على المكان ذاته على أملاٍ أن يراها مرة أخرى، تأكد أنه لن يجدي نفعاً بوقوفه في المطبخ فلقد تبخرت ولن يراها ثانيةً ..
_ خرج إلى الحديقة وعقله مشغول بتلك الفتاة التي رآها، هو عليطى علم بأن فتيات البلدة يخلعن وشحاهن في أي مناسبة منفصلة، من منهم هي إذاً؟
_ لم يستطيع إخراجها بتلك السهولة من عقله ومكث بقية الجلسة لا يفعل شيئ سوي رسمها في مخيلته كلما شعر بأنها تختفي رويداً رويداً من عقله إلى أن زالت تماماً منه، إحتدت ملامح مصطفى بضيق بائن وأُحبط حين نسي ملامحها الجميلة ولم يعد يستطيع رسمها مرة أخري ..
_ إنتهي العرس سريعاً علي الحاضرين إلا على مصطفى الذي شعر ببطئ مرور الوقت، يشعر بشيئ ثقيلاً في جوفه لا يريد إكمال ما يجبره والده على فعله، أليس من حقه أن يتزوج بفتاة يختارها هو بأم عينه، مثل تلك الفتاة التي رآها في المطبخ، صدفة لم تكن في الحسبان لازال قلبه يحتفظ بأثرها إلى الأن
_ وقف مصطفى أمام مجلس النساء ونادي بنبرته الرخيمة على صفية فجائته مهرولة تلبي ندائه:-
اؤمرني يا سي مصطفى
_ أجابها بإقتضاب:-
نادي ورد
_ طالعته صفية متعجبة من أمره وحاولت أن توضح له الأمر فلم يسبق له الزواج ولا علم له بتلك التقاليد:-
إدخل أنت ياسي مصطفى خد عروستك من بين الحريم مينفعش تخرج لك وحديها
_ لم يتحرك مصطفى من مكانه وأمرها بحدة:-
أني مهدخلش وسط الحريم ناديها تخرج
_ شعرت صفية بعدم تقبله للأمر ولم تعلق فليست على إستعداد أن تنال جزءاً من غضبه الواضح، إمتثلت أوامره وعادت حيث جائت تخبر ورد بأمر مصطفى..
_ تفاجئت ورد بتعلق إحديطى النساء بذراعها فالتفتت إليها فاذا هي عمة مصطفي ( جليلة )، تبسمت لها وعلقت موضحة سبب تشبثها بها:-
أني اللي هوصلك لعريسك يا ورد
_ بادلتها ورد إبتسامة ودودة ثم إرتدت وشاحها خرجت برفقة السيدة جليلة ومن خلفهم بقية الفتيات والمدعوين ولا ننسي السيدة نادرة التي تسير على مضضٍ، أوصلت السيدة جليلة ورد إليطى مصطفى وأردفت متمنية لهم السعادة:-
ربنا يسعدكم يا حبايب جلبي
_ دنى منها مصطفيطى وطبع قُبلة على جبينها مردداً:-
تسلمي يا عميمة عجبال فرحتك بعرفان
_ ربتت جليلة على ظهره ثم مد مصطفى يده بإتجاه ورد دون أن ينظر إليها، رمقت ورد يده لبرهة ثم مدت يدها هي الأخرى لتحتضن خاصته، إختفت يدها بالكامل ما إن أغلق عليها براحة يده، سرت رجفة قوية في أوصالها من خلف لمسته الخشنة، مشاعر عدة اجتاحتها لم تشعر بهم من قبل ط، مزيج من الخجل والارتباك وخليط من الرهبة والحماس ..
_ وصلا كليهما أمام غرفة مصطفي والمآوى الجديد لورد، سحب يده من بين قبضتها الصغيرة بكل هدوء فطالعته مستفسرة:-
هملتني ليه؟
_ لم يجيبها كأنه لم يصغي لسؤالها، إلتفت ونادى بنبرته الجهورية:-
صفية..
_ لا تدري من أين جائها الرعب الذي تملك قلبها وخفق أثره بإضطراب شديد كما قشعر له بدنها وتراجعت للخلف بضعة خطوات إستعداداً لمواجه ما هي مقبلة عليه...
تفتكروا مصطفى هيعمل إيه يا جماعة 🧐
وروني تحليلكم بسرعة
روايه عرف صعيدي
بقلم الكاتبه تسنيم المرشدي
الفصل الثامن
( رد فعل )
______________________________________
_ إجتمع من في السرايا إثر صوت مصطفي الذي دوى في المكان، جائته على عجالة تتعسر قدميها من خلف هرولتها، وقفت أمامه ملبية نداه:-
أمرك يا سي مصطفى محتاچ حاجة؟
_ أشار مصطفى بسبابته على بابٍ ما وقال:-
حضريلي الأوضة ديي هنام فيها
_ صدمة انسدلت وبقوة على الواقفين، فلقد حضر خليل وزوجته أثناء طلب مصطفى لإعداد الغرفة من صفية التي طالعته لوقتٍ تستوعب فيه طلبه المبهم، لا شعور يستطيع أن يوصف مشاعر ورد في تلك اللحظة، مشاعر محملة بالحسرة والخوف ناهيك عن الندم والتسرع
_ إزدرد ريقها ولم تعلم للحديث سبيل، لم تتحملها ساقيها فاضطرت إلى الإستناد على باب غرفتها الجديدة، يا حسرتاه ستمكث بها بمفردها كما في الأيام الماضية..
_ خرجت صفية من شرودها على صوته المرتفع ليجذب إنتباهها:-
واجفة عندك ليه همي جهزي الأوضة
_ أسرعت صفية متجهة نحو الغرفة المغلقة وما تسمي بغرفة الضيافة التي أُحضِرت خصيصاً لمن يأتي دون سابق إنذار، إقترب منه خليل متكأ على عصاه وسأله بجمودٍ:-
بتطلب من صفية تجهزلك الأوضة الجوانية ليه عاد ومالها أوضتك؟
_ سحب أكبر قدرٍ من الهواء لكي يتسع رحبه وأجابه بجمودٍ:-
أنت طلبت أتجوز أو بالمعني الصحيح أچبرتني وأني وفيت ومجصرتش في طلبك بس لحد إهنه يا بوي وانتهت
_ ضاق خليل بعينيه بعدم إستيعاب لمعنى حديثه وسأله بتردد:-
إيه هي اللي انتهت عاد يا ابن خليل؟
_ إحتقن وجه مصطفى وفارت فيه الدماء ناهيك عن بروز عروق عنقه الواضحة ودني من والده وأردف بحدة:-
أني مهجدرش أعمل أكتر من أكده أني مشيفهاش غير مرت أخوي وجوازي منيها مش هيغير أي حاجة!
_ أنتبه مصطفى لقدوم صفية فاستدار إليها متسائلاً:-
خلصتي؟
_ أماءت له مؤكدة إجابة سؤاله دون أن تردف بشيئ، فلقد إنحشرت الكلمات داخلها بصدمة لم يبتلعها عقلها إلى الأن، سار مصطفى بخطى متريثة إلى الغرفة الذي أمر بإعدادها واختفي طيفه خلف بابها تحن نظراتهم المصدومة التي تتجلة في أعينهم، إلتفت خليل حيث تقف نادرة فتفاجئ بنظرات التشفي وإبتسامتها التي رُسمت على وجهها بسعادة بالغة، تعجب من أمرها وردد متسائلاً:-
كانك مبسوطة بلي ولدك عمله؟
_ رفعت بصرها عليه ولم تجيبه لوقت ثم قالت بثبات:-
جوي جوي يا خليل، وديه نفسيه اللي حوصل مع هلال الله يرحمه كانك نسيته!، بس أني مههملش ولدي كيف ما هملت التاني يمشي على كيفه وأخرتها عاودلي مجتول، اني راسي براس مصطفى وكتفي في كتفه وكل اللي رايده يوحصل هيوحصل وأني اللي هسانده!
_ تركته مصدوم من خلف حديثها وسارت للأمام بضعة خطوات إلى أن وقفت أمام ورد الشاردة على ذاك الباب الذي إختفي خلفه مصطفى وهتفت بنبرة تميل إلى الشماتة:-
جدمك شوم يابت يا ورد، الرجالة عتطفش منيكي
_ إقتربت قليلاً أكثر إلى أن إلتصقت بها وهمست لها بنبرة أكثر حدة:-
ده مجامك يا بنت صابر أني عيالي كاتير عليكي
_ تركتها وغادرت بعد أن ألقت بسمة سمجة في وجهها وولجت داخل غرفتها تتغنج على ذكرى الأحداث الأخيرة التي جائت على هواها، في الخارج لم تصدر ورد أي ردة فعل عما حدث، فقط تقف مستندة علي الباب وعينيها مصوبتان أمامها كالمخدرة تماماً ..
_ إقترب منها خليل على إستحياء شديد، فاللوم وقع على عاتقه وحده هو من أجبر ولده على الزواج منها كما أصر عليها بالمكوث وعدم الرحيل مع والدتها، يا ليته تركها تغادر حتى لا يتحمل وزر تصرفات إبنه المتهورة
_ وقف مقابلها لا يعلم أي حديث يردفه أو أي كلمات ستهون عليها في ذلك الوضع المحزن والمهين، لا يدري من أين له بالجرأة التي يقف أمامها ويحادثها من الأساس، إبتلع ريقه وقبل أن يتفوه بشيئ تحدثت هي:-
متجولش حاجة يا عمي مفيش حديت يتجال، عن إذنك
_ أنهت جُملتها وولجت إلي عُشها الجديد بمفردها دون رفيق، أغلقت الباب ووقفت أمامه تطالع الغرفة الحديثة التي بدلها خليل لكي تليق بكونها عروس، إلتوى ثغرها للجانب مُشكلة إبتسامة ساخرة، أطلقت ضحكاتها وهي تطالع الغرفة بحسرة ومن ثم إختفت قهقهتها تدريجياً وتحولت إلى بكاء غزير موجوع
_ بعد مدة ليست بقصيرة إنخفض صوت بكائها رويداً وتحول إلي أنين صامت، لم تريد أن تعتلي الفراش بمفردها لطالما رُسمت عدة مواقف محببة لهما روادتها وهي تشاهد رقصه بالعصا مع أصدقائه بتريث وإتقان
_ أرادت خوض حياة طبيعية معه، لا تعلم لم هو تحديداً فلقد شعرت من قبل بالنفور مع هلال، ربما لأنها لا تريد خلق ألم آخر والعيش بين ثناياه، فقط تمنت فترة نقاهه تسترد بها إشراقة روحها التي انطفئت وتستعيد رونقها مجدداً ..
_ أحرام عليها العيش في سلام مع رجلاً يعوضها آلامها التي عاشت بينها منذ وفاة والدها؟!، أخرجت تنهيدة متألمة وهي تختلس النظر إلى الغرفة الباهتة وكأنها لا ترى ألوانها الزاهية، أوصدت عينيها بألم يكاد يخترق جوفها وينسدل على أرض الغرفة لعدم تحملها له..
_ أاه
أردفتها بأنين خافت وهي تضع راحة يدها يسار صدرها ثم حل السكون ولم يصدر لها صوت آخر..
______________________________________
_ عادت صفية إلى المطبخ بذهنٍ شارد، عقلها يتأرجح بين الذهاب والإياب لا تستوعب ما حدث أمامها، قطعت حبال أفكارها صفاء بسؤالها الفضولي:-
سي مصطفى كان رايد منيكي إيه عاد؟
_ دنت منها وهمست ببسمة ماكرة عن:-
جولي كل اللي حوصل ومتخبيش عليا أني مبجتش صغيرة
_ سحبت صفية المقعد الخشبي من داخل الطاولة وجلست أعلاه ولازال عقلها لا يصدق ما ساهمت في حدوثه، شعرت بالإختناق لطالما تذكرت تلك الفتاة التي باتت وحيدة كأيامها السابقة، لم تستبشر صفاء خيراً من خلف تلك الملامح الجامدة، أسرعت نحوها وسألتها بخوف:-
ما تجولي ياما في إيه لكل اللي أنتِ فيه ديه؟
_ وضعت صفية إحدى يدها أعلى رأسها مستنده بمرفقيها على الطاولة وأجابتها بخزي مرسوم على تقاسيمها:-
مصطفى خلاني أحضرله الأوضة الجوانية وترك البنية وحديها يا حبة جلبي في ليلة كيف ليلتها ديي!!
_ ذُهلت صفاء مما أردفته والدتها للتو، ماذا يعني هذا الهراء؟ أتُترك الفتاة يوم زفافها وحيدة بمفردها؟ وليست بأي فتاة أنها ورد ذات الأعين الحابسة للأنفاس من فرط جمالها..
_ لم تتردد صفاء في الصعود إليها فلن تتركها تعيش حزنها بمفردها ستشاركها الآلام وإن كلف الأمر تتحمله عنها لن تتردد لحظة، ركضت خلفها صفية مسرعة محاولة إيقافها إلا أن رنين الجرس أوقفها وأجبرها على التوجه عكس وجهتها التي كانت تسير عليها، تأففت بضجر لعدم إستطاعتها إيقاف إبنتها عما تنوي فعله وتابعت سيرها..
_ أدارت مقبض الباب بتذمجر فانقبض قلبها خوفاً ما أن رأت مأمور مركز الشرطة أمامها، إزدردت ريقها بصعوبة ورحبت به بتلعثم:-
اتفضل يا بيه ثواني هنادي على العمدة
_ انصرفت من أمامه مهرولة وصعدت حيث غرفة العمدة، طرقت بابه برفق فأجابها من خلفه بنبرة متحشرجة:-
مين؟
_ أردفت مختصرة:-
أني صفية، مأمور المِركز رايد حضرتك
_ حدثها وهو يلتقط عبائته التي قد خلعها لتوه:-
نازله طوالي ضايفيه أي حاچة
_ حركت رأسها بطاعة وهي تقول:-
أمر جنابك
_ ألقت بصرها على غرفة ورد بعدم إعجاب لوجود إبنتها معها في تلك الأثناء فمهما كان هن ليسوا سوى خادمات السرايا ولا يجدر بهن التواجد مع أسيادهم، إنتبهت على صوته الذي نهرها بعصبية:-
لساتك واجفة مكانك همي ضايفي الراچل
_ أسرعت صفية بخطة غير مستقيمة، تتعسر قدميها من حين لآخر وهي تركض للطابق السفلي لكي تلبي أمر خليل، خرجت السيدة نادرة خلف زوجها ربما تعرف شيئاً جديد عن قاتل صغيرها..
_ وقف خليل مقابل المأمور وردد متسائلاً بعد أن صافحه:-
ها يا حضرة المأمور جولي أخبار زينة تريح جلبي
_ أخفض المأمور رأسه بخزي شديد، لا يعلم كيف يخبره بذلك لكن عليه أن يدلي بما جاء لأجله فبالأخير سيعلم حتى وإن طال الأمر، حمحم لكي يلين من نبرته الخشنة وقال:-
بصراحة إكده يا عمدة أنا جاي أجولك إننا طول الشهور اللي فاتت ديي موصلناش لأي دليل واحد يجدر يوصلنا لطرف الخيط كن الجاتل فص ملح وداب وللأسف الجضية إتجيدت ضد مجهول!!
_ خبر صاعق إنسدل على خليل ألجم لسانه كما وقع على السيدة نادرة كالخنجر الذي طعنها بقسوة دون رحمة فكيف لقاتل صغيرها أن يتهني بحياته دون عقاب ومدللها تركد عظامه بين الرمال في ظلمة القبر الموحشة!!
_ كيف لخليل أن يرضخ لتقيد القضية ''ضد مجهول'' ولا يفعل شئ؟ هو بالأساس لا يغفل له جفن قبل أن يبعث رجاله ليقوموا بدور رجال الشرطة مراراً وتكراراً لعلهم يصلوا إلي شيئ ما وفي النهاية يعودون له يجرون أذيال خيباتهم دون جدوي، لكن هل بتقيد الشرطة للقضية تكون تلك النهاية؟ لا وألف لا لن يكون إسمه خليل الجبلاوي إن لم يأتي بقاتل ولده ويقطعه إرباً إرباً..
متشكرين يا حضرة المأمور على مجيتك لإهنه أني من لاول جولت مرايدش الحاكومة تتدخل في الموضوع ديه بس أنت ووكيل النيابة اللي أصريتوا عليا وأني أهاه بجولك متشكرين كتر خيرك بس اللي جاي بتاعي أني، أني مهسيبش دم ولدي يروح هدر
_ هتف بهم خليل بوجه محتقن وعروق بارزة من شدة غضبه، رمقه المأمور بتهكم ورد عليه مستاءً:-
كاني معارفش إنك بتخرج رجالتك كل يوم لما الليل يليل يدورا على جاتل ولدك يا عمدة أني سايبك آه بس عارف كل دبة بتحصلوا في البلد ديي مهياش سايبة إكده كيف ما أنت فاكر، وزيي ما إحنا موصلناش لحاجة أنت ورجالتك موصلتوش بردك اللوم مهيبجاش عليا وحدي واسكت
_ صمت يلتقط أنفاسه التي فرت من رئتيه إثر ثرثرته دون توقف وواصل مختصراً:-
بالإذن أني وألف مبروك لمصطفى على جوازته اللي أنت معزمتناش فيها
_ إستدار المأمور وغادر السرايا ما إن ألقى ما في جوفه كاملاً دون زيادة أو نقصان بينما تعسرت ساق العمدة ولم تتحمله لأكثر من هول الصدمة، شد بيده على عصاه لعلها تكون المنقذ له لكن هيهات لثقل بنيته علي عصا خشبية هذيلة
_ إرتطمت العصا بالأرضية الرخامية مدوية صوتاًً عالياً، وما أن إنتبهت السيدة نادرة لذلك الصوت كان قد وقع خليل بجوار عصاه مغشي عليه
_ شهقت نادرة بصدمة ناهيك عن لطمها على صدرها صارخة بأعلى نبرة تمتلكها حنجرتها:-
إلحجوني، يا خلج يلي إهنه غيتوني
_ وقعت إستغاثة السيدة نادرة على مسمع صفية التي كانت على مقربة منها، جائتها مهرولة فتفاجئت الأخرى بسيدها في حالة لا يرثي لها، هرولت نحوه وقد تعرقلت قدميها برعب شديد إلى أن وصلت إليهم فصاحت بها نادرة:-
اطلبي الداكتور ياجي دلوك
_ أماءت لها بطاعة ثم أختفت من أمامها تلبي طلبها كذلك صعدت إلى الطابق العلوي بعدما هاتفت الطبيب وأخبرها بأنه سيوافيهم في الحال، دقت بكل قوتها على باب غرفة مصطفى تستعين بمساعدته
_ فتح لها بعبوس لتلك الحالة التي طرقت بها بابه وصاح بها هدراً:-
في إيه يا صفية في حد يخبط إكده؟
_ لم تعقب على غضبه فهي تريد إخباره بشئ واحد فقط وقد أتت لتتدلي به فقالت بنبرة لاهثة:-
إلحج، العمدة، وجع من طوله
_ إتسعت حدقتي مصطفى بذهول ثم أزاحها من أمامها بيده لكي يمر ويصل إلى أبيه سريعاً، قفز على الأدراج حتى انتهوا سريعاً عكس النزول المعتاد من عليه، وصل إلى وجهة والده وجلس بجواره، وزع أنظاره بين ووالديه بتوجس وسألها بقلق:-
ماله أبوي يا اما حصله إيه عاد؟
_ رفعت بصرها عليه وحدثته بنبرة مرتجفة تخشي أن يصيبه مكروه هو الآخر:-
المأمور كان إهنه وجال إن الجضية إتجيدت ضد مجهول، هو متحملش أن حج خوك راح هدر ووجع من طوله زي ما أنت شايف إكده
_ أمسكت نادرة يد مصطفى وتابعت حديثها متوسلة:-
أبوس يدك يا ولدي شوف بوك هيحتاج إيه وأعمله أني مهتحملش خسارة تانية
_ أسرع بالرد عليها مستاءً من تفكيرها:-
متجوليش إكده أبوي هيبجي بخير هكلم الداكتور ياجي..
_ قاطعته صفية بقولها:-
أني كلمته وزمناته على وصول
_ أنهت صفية جملتها وانتبهوا جميعهم لطرقات الباب، أسرعت لفتحه وإذا به عسران يقول وهو يشير إلى الطبيب:-
الداكتور بيجول أن العُمد...
_ توقف عسران عن الحديث حين وقع بصره على خليل، إتسعت حدقتاه بصدمة وأسرع نحوه يجر قدميه خلفه بتوجس شديد وهتف متسائلاً بنبرة خشنة:-
واه ماله أبا الحاج خليل إيه اللي حوصل؟
_ نهرته صفية بضيق:-
مش وجته يا عسران المهم نطمن عليه لاول
_ وجهت بصرها نحو الطبيب ورحبت به بتلعثم:-
اتفضل يا داكتور طامنا على العمدة الله يطمن جلبك
_ حاول الطبيب أن يهدئ من روعهم الظاهر بقوله:-
اطامنوا يا جماعة أن شاء الله خير
_ إقترب من خليل وفعل اللازم فعله، سكون مريب مسيطر على المكان، الجميع مترقب وما أسوء الإنتظار في تلك الأزمات، العديد من الأفكار السيئة تراود عقولهم وخصيصاً أنه لم يستعيد وعيه بعد أن مر وقت كافي
_ تبادلا الجميع النظرات بتوجس وأعادوا النظر إلى الطبيب حيث سأله مصطفى عن حال والده:-
بوي ماله يا داكتور عنديه حاجة خطيرة ولا ايه؟
_ وقف الطبيب وأعاد وضع نظارته الطبية بإبهامه إلى عينيه بثبات وأدلى بما لديه من علم:-
بوك إتعرض لأزمة جلبية الظاهر زعل والله أعلم بس هو هيكون كويس اعطوا لعجله (عقله) فترة يستريح فيها وهتلاجوه فاج وبجا زين
_ شكره مصطفى ثم حمله بمساعدة عسران وأوصلوه إلى غرفته، وضعوه أعلى الفراش بحذر، وقف الجميع منتظرين إستعادته لوعيه لكي يطمئنوا عليه ويذهبوا حيثُ كانوا..
_ إنسحبت صفية من بينهم دون أن يلاحظها أحد وذهبت إلى غرفة ورد، طرقت على الباب بخفة وولجت للداخل قبل أن يسمحن لها من هن بالداخل، رمقت صفاء شزراً لفعلتها لكن سرعان ما رق قلبها حين صغت لبكاء ورد المكتوم..
_ اقتربت منهن وجلست بجانبهن على الأرض، ربتت على يد ورد تأزرها في محنتها وقالت:-
والله ما عارفة أجولك إيه يابتي، الله يربت على قلبك ويعدل أحوالك يارب
_ إبتعدت ورد عن حضن صفاء وإعتدلت في جلستها وأردفت من بين بكائها:-
اتعودت على الوجع
_ تقوس ثغرها بإبتسامة موجوعة وتابعت متحسرة على حالها:-
الظاهر ممكتوباليش الفرحة واصل
_ تأثرت صفاء بحديثها وأعادتها إلى حضنها مرة أخرى وأردفت بنبرة حنونة:-
أني معاكي اهاه شاوري بس وأني أنفذ حتى لو جولتي أروح اضربه على عملته ديي مهتترددش واصل
_ نهرتها والدتها بغضب لقلة حيائها:-
اتحشمي يا صفاء وجومي إنزلي تحت الست نادرة لو لجيتنا إهنه هطربج السرايا على روسنا جومي فزي
_ إلتوي ثغر صفاء بعدم إعجاب وتمتمت بوجه محتقن تفور به الدماء:-
مش حرام عليهم اللي بيعملوه في البنية ديه، بلا ست نادرة بلا...
_ قاطعتها صفية بإنفعال:-
صفاء..
_ نهضت الأخرى متذمرة من عدم حريتها في الحديث، ضربت الأرض بقدميها بطفولة وأردفت بتجهم:-
أووف الواحدة متعرفش تتحدت على راحتها واصل في السجن ييه
''سجن'' تلك الكلمة التي تتردد داخل عقل ورد طيلة الوقت، شعرت ببعض الراحة لأنها ليست بمفردها من تشعر بأنها حبيسة سجن الجبلاوي، تنهدت بصوت عالٍ ووجهت حديثها إلى صفاء قائلة:-
إسمعي حديت أمك ومتعذبيهاش أني بجيت زينة لما خدتيني في حضنك هديت شوية
_ إبتسمت لها صفاء ثم انتبهت لحديث والدتها وهي تحذرها:-
اخرجي على مهلك متعمليش غاغة لانهم كلاتهم في أوضة العمدة عيطمنوا عليه
_ قطبت صفاء جبينها وتسائلت في فضول:-
ماله العمدة عاد كان زين من دجايج
_ أخرجت صفية تنهيدة حزينة وأردفت موضحة وهي تستند علي الجدار تريد النهوض:-
وجع من طوله والداكتور كان إهنه وجال حصله سكته جلبية ربنا لا يعودها واصل
_ نهضت ورد هي الأخرى بتوجس من حديث صفية الذي لا يبشر بالخير وسألتها:-
أباه وهو كيفه دلوك؟
_ ردت عليه بحزن جلي علي تعابيرها:-
لساته مفاجش ربنا يستر
_ وجهت حديثها إلى صفاء مباشرةً بإندفاع:-
واه لساتك واجفة مكانك اتحركي يابت جبل ما حد يشوفك وتبجي ليلتنا مطينة بطين
_ تأففت صفاء متذمرة من أوامر والدتها التي لا تنتهي ودلفت للخارج بغضب قد تملك منها بينما أعادت صفية النظر إلى حيث ورد ورددت بهدوء:-
أني همشي لو احتجتي حاجة ناديلي هاجيلك طوالي
_ إكتفت ورد بإيماءة خفيفة من رأسها ممتنة لوجودها هي وإبنتها، فهن من يهونون عليها ما يحدث بينما غادرت صفية الغرفة قبل أن يراها أحد، إرتدت ورد وشاحها سريعاً ودلفت للخارج لكي تطمئن على خليل فهي لم تري منه إلا خيراً
_ إقتربت من الغرفة على إستحياء وقد لمحتها السيدة نادرة من داخل الغرفة وهي تعتلي الفراش، لم تتردد في التوجه نحو الباب بخطى ثابتة حتى وصلت إليها وأغلقت الباب قبل أن تولج هي للداخل
_ تفاجئت ورد بتصرفها الذي أجبرها على الوقوف لبرهة علها تستوعب حقيقة وقاحتها، إبتلعت ريقها وهي تحاول هضم خجلها معه، إستدارت وعادت إلى غرفتها تجر قدميها خلفها بثقل من فرط الحرج التي وقعت بين طياته ..
______________________________________
داخل الغرفة، إستعاد خليل وعيه تدريجياً إليى أن عاد لأرض الواقع بسلام، هرول جميعهم نحوه فرحين بسلامته
''حمدلله علي سلامتك يا أبا الحاج''
_ أردف بهم عسران مهللاً بسعادة بالغة فأجابه خليل بنبرة مرهقة:-
الله يسلمك
_ إقتربت منه نادرة وجلست بجواره، ملست على رأسه بحنو وعاتبته بحنو:-
خوفتنا عليك يا خليل
_ رفع بصره عليها ورد عليها بنبرة مضطربة مختصراً حديثه:-
الحمد لله كل اللي يجيبه ربنا خير
_ جاء دور مصطفى في الحديث فقال سريعاً لكي يفر هارباً من بينهم:-
حمدالله على سلامتك يا بوي
_ ضاق خليل بعينيه عليه لبرهة ثم أشاح بوجهه بعيداً عنه لا يريد خلق أي محادثة بينهم فهو لم يرضي عما يفعله مع ورد لذا فلا داعي لأي نقاش سيخلق بينهم
_ إنسحب مصطفى من بينهم حين شعر بالإختناق الشديد الذي أطبق على صدره وسبب له ضيق في التنفس، لم يريد العودة إلى غرفته وهرب من السرايا بأكلملها، لحق به عسران بعد أن أطمئن على صحة خليل وحاول إيقافه بصوته الجهوري:-
وجف يا مصطفى يا ولدي أني مجدرش ألحج خطوتك
_ توقف الآخر عن السير وإستدار إليه بملامح جامدة، توجه عسران إليه بخطى ثابتة وأردف:-
متهملش الدار دلوك إحنا في وجت متأخر تعالى أسهر معايا وانا هعملك كل اللي في نفسك
_ عارضه مصطفى بتهكم:-
سهر إيه اللي عتتحدت عنيه أني من ميتي كنت بسهر والحديت الفارغ ديه؟
_ دنى منه عسران في محاولة أخري لأن يبقيه بجواره خوفاً عليه:-
يا سيدي أني رايدك جاري هترفضلي طلب إياك
_ تأفف مصطفى بضجر بائن وحرك رأسه يميناً ويساراً مستنكراً أمره ثم أولاه ظهره وتوجه نحو بوابة السرايا فأوقفه عسران بكلماته التي إنفطر قلبه حزناً إثرها:-
خوك خرج كيف دلوك ومعادوش تاني، بلوم نفسي ليه مأجبرتوش وجتها يجعد حدايا بدل ما أشيلوا على يدي وهو غرجان في دمه..
_ إستدار مصطفى إليه وطالعه بنظرات منكسرة تحمل من القهرة والحزن قدراً، حمحم عسران وتابع حديثه بنبرة تميل إلى اللين:-
متهملش السرايا يا ولدي صدجني أنا بعتبرك أنت وهلال الله يرحمه كيف ما تكونوا ولادي اللي ربنا مكتبليش إني أخلفهم، إجعد معايا إهنه وطلع خنجتك فيا أني وبلاها الخروج في الوجت المتأخر ديه
_ إزدرد مصطفى ريقه وذكري وفاة أخيه رادوته من جديد، صوب بصره نحو عسران وتحدث بصوت متحشرج يهدد بالبكاء:-
بس أني اجوي من هلال
_ قاطعه عسران بحكمته:-
وجت الجدر بيتعمي البصر يا ولدي، اسمع الحديت وإجعد جاري علي الأجل تهون عليا شوية الوحدة اللي أني فيها ديي
_ أولاه عسران ظهره واقترب من أريكته القديمة والتي يتكأ ظهرها على جدار غرفته التي تتوسط حديقة السرايا، جلس أعلاها وأشار إليه بالجلوس فجائه مصطفى على مضضٍ فلم يخضع لأحد من قبل فماذا الذي يحدث الأن؟
قبل قليل يخضع لزواجه من إمرأة يرفضها والأن يخضع لتوسلات عسران كأنه يخشاهم!!
_ هرب بأنظاره بعيداً عن عسران كنوع من التمرد، لمح تلك الهالة السوداء التي تقف في شرفة غرفته دون ملامح واضحة، بالتأكيد عروسه هي من تحملق به، ظهرت على شفاه إبتسامة ساخرة لوضعهم، لها الحق في أن تراه كلنا أرادت بينما هو لا يرى سوى الهالة السوداء سواء من بعيد أو من قريب!!
_ انتبهت أذنيه لتلك الأغنية التي بدأت تطربها سيدة الغناء العربي السيدة ''أم كلثوم''
ياما أمر الفراق بين الخليل والخليل
شكوى وانين واشتياق قبل الوداع والرحيل
بابعد اخاف من خيالك واصورك في خيالي
مين في الوجود طال مطالك من قلب عاشق وخالي
ترخص الدمع الغالي وتلوع القلب السالي
والحب يظهر مقداره والقلب بتشعلل ناره
لما يغيب عن هالحبيب
غاب الحبيب عن عيوني ومين يداوي أسايا
من اللي يرحم شجوني ومين هواه من هوايا
تطول علي الليالي سهران أناجي النجوم
الدمع فاض بي وملالي في الوحده كاس الهموم
أصور الماضي في بالي واعيش على العهد الخالي
واللي يغيب عنه حبيبه يتقل م الدنيا نصيبه
ويعيش مابين اهله غريب"
_ مسحت عبراتها التي فرت من مقلتيها دون وعي منها وهي تصغي لكلمات الأغنية التي وصفت حالها مع مصطفى، بينما هو كالجبل المنيع لا يأثر به ريح، لم تتحرك مشاعره ولو بمقدار ذرة لا يكترث لما يدور من حوله إذا لم يكن هو المتسبب به، ثم أنه ضحية مثلها تماماً أجبر على ذلك وتم الزواج أسفل ضغط والده عليه..
_ يذهب بعيداً ويعود إلى نفس النقطة من جديد وهي إجباره على زواجه منها، لكن لكل فعل رد فعل وردة فعله ستكون قوية بمثابة حصن يمنع أحدهم من التفكير في إجباره علي شيء بعد الأن ..
_ نهض ولم يكترث لندائات عسران، عاد بأدراجه حيث غرفته التي يمكث بها، في تلك الأثناء أرادت ورد مواجهته لكي تعلم حقيقة تركها في أهم ليلة في حياة أي فتاة!!
_ وقفت أمام بابها مترددة فيما تنوي فعله، وبعد عدت دقائق مروا عليها حسمت أمرها أن تبادر بالمواجهة قبل أن تغير رأيها، أدارت مقبض الباب مسرعة فلمحت طيفه يغلق باب غرفته، كزت على أسنانها بضيق شديد فحتماً لن تذهب إلى غرفته وتبدأ بمواجهته هناك، تأففت بتزمجر ثم عادت إلى الداخل مستاءة من ترددها الذي أضاع عليها فرصة المواجهة بينهم ..
_ طالعت ذلك الفراش اليتيم التي لم يحظي بعد بنوم أحدهم أعلاه، لم يكن أمامها سوي السير نحوه وألقت بجسدها عليه فور وصولها إليه، يجب أن تنعم بقدراً من الراحة اليوم وبالتأكيد يوجد حلول جديدة ستظهر في الوسط غداً ..
_ سحبت وسادتها الناعمة واحتضنتها برفق وتمتمت بغيظ:-
هو الخسران مش أني بكره يندم
_ تقلبت على الجانب الآخر في محاولة منها على النوم سريعاً لكن هيهات لأفكارها التي حلت ما أن إستلقت على الفراش وأرادت النوم وكأن بين الأفكار الواهية والنوم عقد متفق عليه من قبلهم بأن لا يتركوها وشأنها تنعم بالقليل من الراحة!
_ رفعت الوسادة بكلتي يديها ووضعتها أعلى رأسها ورددت داخلها 'فليحترق الكون'' ستحظى بالنوم عافية إن لم يأتيها راضياً بذاته، وبعد دقائق من المعافرة إرتفعت حشرجة حنجرتها التي دلت على نعاسها ..
_ في الغرفة الأخرى أستلقى مصطفى على فراشه الذي لم يعتاده بعد، تقلب يميناً ويساراً على أملاٍ أن يسيطر عليه النعاس كما في فراشه الآخر لكن دون جدوي، توسط الفراش ووضع كلتي يديه أسفل رأسه وطالع سقف الغرفة لبرهة لتأتي فتاة أحلامه التي رآها اليوم في مطبخ السرايا، بدأت تظهر تقاسيمها رويداً رويداً إلى أن تشكلت بالكامل فابتسم هو فور تذكره
_ تذكر توتر يديها التي فركتهم بإرتباك خجل حينما تفاجئت بوجوده، ناهيك عن عضها علي شفاها السفلي التي أسرت قلبه، ماذا؟ أهناك من تستطيع أسر قلب مصطفى الجبلاوي عقل الحجر كما تلقبه والدته!
_ إنتفض من نومه ونظر أمامه لوقت قبل أن يردد:-
أجيبك منين يا شاغلة عجل مصطفي؟!
_ حرك رأسه يطرد أفكاره اللعينة التي لا تتركه وشأنه ففي النهاية هي حلم جميل قد عاشه للحظاتٍ وقد مضي وركض في سلام ولن يتكرر ثانيةً ..
_ أزفر أنفاسه بضجر بائن فهو لم يفعل سوي ما يخبره به عقله منذ زمن وحين خفق القلب لطلب واحد دون غيره لن يقدر علي تحقيقه ..
_ أخرج تنهيدة مليئة بالهموم المختلط بالإرهاق وعاد بجسده لذلك الفراش الذي لا مفر منه وحاول جاهداً أن يغفوا أعلاه لكنه فشل وبجدارة، إلتقط زجاجة المياه التي تعتلي الكومود بجانبه وارتشف الكثير منها ثم عاد ليجبر نفسه على النوم، مرت دقائق معدودة تلاها ساعاتٍ طويلة دون نوم
_ بدأ نور الصباح في البزوغ فاندمج مع زقزقة العصافير وكأنهم حاملين للنوم معهم، غفت عينيه تدريجياً ما أن شعر بالنعاس يتملكه حتى بات في ثُبات عميق...
______________________________________
_ في وقت لاحق بمكانٍ آخر، لم تكف عن التطلع علي نفسها بتفحص، قاربت على الساعة لا تفعل شيئاً سوي وقوفها أمام المرآة، تارة تداعب خصلاتها التي حررتها وتارة تملس بأناملها السمراء على وجهها وتارة أخري تختلس النظر إلي ملامحها التي تراها أسوء ملامح في الكون
_ فركت عينيها البُنية بعصبية وأنحنت على المرآة لتكون قريبة من صورتها المنعسكة وهتفت من بين أسنانها المتلاحمة ببغض:-
طلعتي سمرا كيف بوكي يا صباح، حتى خوكي أحلى منيكي ويشبه بت عمك ببياضه!، مناخيرك كيف الحلة اللي هتطبخي فيها كل يوم وعنيكي مفنجلة ومدورة معرفاش طالعة لمين بشكلها العفش دييه
_ تحسست خصلاتها وإبتسمت وهي تطالعهم بتفحص ورددت ساخرة:-
شعرك أحلى من بت عمك بس مداري ورا الحجاب معيشوفوش رجال واصل، هيشوفوا بس الخلجة العفشة ديي اللي تخليه يهرب منيكي جبل ما يشوف شعرك الزين أحلي ما فيكي
_ فرت دمعة من عينيها فمسحتها بغضب عارم، كزت على أسنانها بحقد وكلمات الجميع تلاحقها ولا تريد الإقلاع عن عقلها بسهولة، لم يرأف بها أحد يوماً، ومن وضيع الذكر أن تلك الكلمات خرجت من فاه أبويها! اللذان من المفترض أن يكونان أكبر داعمان لابنتهم الوحيدة، لم تنتهي المقارنات بينها وبين ورد منذ صغرهم حتى الأن، وبعد أن إلتحقت بالمعهد العالي للحاسب الآلي لكي تكون ذات قيمة رفيعة ومكانه مرموقة بعدما تأكدت من عدم إكمال ورد لدراستها بعد الصف الثالث الثانوي، فعلت كل ما يمكنها فعله لكي تشعر بالقليل من الثقة التي تفتقر إليها لكن دون جدوي بالأخير تأتي كلمات متدنية تدعس على كل ما فعلته بحذاء ساقط حقير تنهيها بالكامل..
_ أقسمت بألا تدع الأمور وشأنها دون وضع بصمة واضيعة يتذكرها الجميع ويعلم من تكون صباح إبنة حمدي القاتل!!
_ إستمعت إلى صوت بوابتهم التي صدر عنها حكة شديدة أثر فتحها، توجهت نحو نافذتها لتعلم من الزائر فإذا به طاهر، تشكلت بسمة خبيثة على محياها حين روادتها تلك الفكرة الشيطانية التي لن تتردد في فعلها ثانية
_ سحبت غطاء رأسها ودلفت للخارج بخطى مهرولة حتي وصلت إلى أخيها بأنفاس متهدجة إثر ركوضها قبل أن يختفي وتفشل خطتها التي لم تبدأها بعد
_ جلست بجواره على الأريكة الخشبية التي وضع الزمان عليها بصمته فهي تعود إلى جد والدها، سكون حل لبضعة دقائق قاطعته هي بنبرة لينة:-
كانك مضايج؟
_ شعر طاهر بإهانتها له فأسرع بالحديث لكي تكف عن ثرثرتها التي ليست في محلها الأن:-
صباح مش وجته اللي ناوية عليه ديه أني على أخري
_ رمقته بغيظ لكنها لم تبدي له تهكمها منه وأسرتها في نفسها، سحبت نفس وأردفت بحزن زائف:-
أني حاسة بيك يا خوي مهما مسكنا في خناج بعض في الاخر إحنا إخوات ودمنا واحد وأكيد عنحس ببعضنا وأني جلبي واجعني على حالتك ديي والصراحة عندي الحل بس خايفة من ردة فعلك
_ أوصد عينيه بتعب وأخذ زفيراً وشهيقاً لكي يواصل حواره معها بصدر يساع هرائها، أضافت هي حين لم تتلقي منه الرفض كما توقعت:-
أنت بجالك كد إيه عايش على ذكراها وهي مهتحسش بيك؟، كاتير جوي.. يبجي جه الوجت اللي تشوف نفسك فيه وتدور على واحدة تحبك كيف ما تحبها مش اللي مش شيفاك من أساسه ديي!
_ فتح طاهر عينيه فهو لن يقتنع بما أردفته فكيف له أن ينسي عشق طفولته بتلك السهولة ويبدلها بامرأة أخري؟
_ تقوس ثغره ببمسة متهكمه ساخراً على تفكيره الساذج، فهي تزوجت من غيره وبدل الرجل رجلين وإلى الأن هو موضوع أعلى ركن ضئيل لا يسعه التنفس به، ربما عليه أن يرفرف بجناحيه ويقفز من ذلك الركن الذي لم يعد يسعه مطلقاً، أخرج تنيهدة مرهقة فعقله مشتت تماماً ولا يعلم ما الطريق الذي عليه أن يسلكه ويلقي جزاء صبره في آخره ..
_ خرج من شروده على إقتراح صباح بخبث فسره هو حماس أخوي:-
إيه رأيك في البت مروة؟
_ عقد ما بين حاجبيه متعجباً من ذاك الاسم الذي شعر بترديده على مسامع أذنيه من قبل، حرك رأسه لليمين قليلاً ورمقها باستغراب فتابعت هي موضحة:-
مروة أخت ضيف صاحبك!!
روايه عرف صعيدي
بقلم الكاتبه تسنيم المرشدي
الفصل التاسع
( تَمَرُد )
_ أشرق نهاراً جديد محمل بين طياته العديد من الأقدار للجميع، خرجت من غرفتها مسرعة ما أن استيقظت لعلها تطمئن على صحة العمدة، كانت تقدم قدم وتؤخر الأخري خوفاً من تصرفات السيدة نادرة المبهمة التي لا تعلم سببها ولما تفعل معها ذلك فلم يصدر منها أي أخطاء تُعاقب عليها
_ وقفت في منتصف الطابق في ذلك المرر الذي يجمع بين جميع الغرف وقبل أن تخطوا خطوة للأمام تفاجئت بيد تدغدغها من خلفها، أصدرت صرخة متوجسة خيفة من ذاك المجهول فأسرعت الأخري بوضع يدها أعلى فمها لكي تمنع صراخها الذي حتماً سيسبب مشكلة كبيرة
_ إلتقطت ورد أنفاسها التي إنحشرت داخلها من فرط الخوف حين رأت صفاء تقف أمامها، رمقتها بغيظ ورددت معاتبة:-
حرام عليكي يا صفاء جلبي وجع في رجليا ديي عاملة تعمليها بردك
_ إلتوى ثغر الأخرى متبسمة بإنتصار فلقد أخافتها على التمام والكمال، أخذت نفساً وأجابتها بمرح:-
وليه متجوليش أنتِ اللي خفيفة وبتخافي من خيالك؟
_ عقدت ورد ما بين حاجبيها بذهول ثم إستشفت لُعبتها ولم تعقب فهي ليست بارعة فيما تبتكر صفاء في فعله، بادلتها إبتسامة راضية وقالت:-
ماشي ياستي هعديهالك بس جوليلي الست نادرة فينها؟
_ لوت صفاء شفتيها كما قلبت عينيها بتذمجر ورددت مستاءة:-
ست نادرة بتحضر الفطور للعمدة تحت
_ تنهدت ورد براحة وأردفت بتلهف:-
زين جوي هدخل أطمن على عمي خليل طوالي جبل ما هي تاجي
_ أماءت لها صفاء بقبول ثم إنسحبت للطابق الأول سريعاً قبل أن يراها أحدهم، إستغلت ورد تلك الفرصة الذهبية وتوجهت نحو غرفة خليل سريعاً قبل أن تعود السيدة نادرة لكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن فصوتها الذي دوي عالياً قد أخاف ورد وخفق قلبها رعباً إثره:-
وجفي عِندك رايحة فين كأنها تيكية بوكي تروحي وتاجي على كيفك؟
_ إقتربت منها بمشوخٍ وقامة مستقيمة ثابتة وواصلت حديثها بقوة:-
إستاذنتي جبل ما تدخلي أوضتي ولا متعلمتيهاش ديي في داركم؟
_ صعقت ورد من إهانة نادرة التي لا تنتهي وحاولت الدفاع عن نفسها بنبرة مهزوزة:-
أني كنت هستاذن من العمدة جبل ما أدخل..
_ قاطعتها الأخرى بصياح مهاجمة إياها:-
وتدخلي للعمدة وحديكي! مهتخلجيش عاد؟ ولا أنتِ متعودة على أكده
_ إتسع بؤبؤ عيني ورد بصدمة جلية رُسمت على تقاسيمها الرقيقة التي إنكمشت في نفسها من صدمتها، فغرت فاها وكادت أن ترد عليها رافضة لتلك الإهانة التي تمس كرامتها لولا خروج مصطفى من غرفته في تلك الأثناء فأسرعت والدته بمنادته بإنفعال:-
تعالى يا ولدي شوف مرتك وهي عترد عليا، أني نادرة على سن ورمح مفيش واحدة جدرت ترفع عينها عليا جبل أكده مرتك بترد عليا أني
_ حملقت بها ورد مذهولة مما تصغي إليه أذنيها لكنها لن تقف صامتة وتترك لها المجال لتقول ما ليس فيها:-
أني مجولتش ح..
''ششش اسكتي أنتِ هتردي على أمي إياك؟"
_ هتف بهم مصطفى بنبرة أمرة فكانت الصفعة الاقوى، هي الأن وحيدة بينهم ينفردون بها ولا تقدر على إعفاء نفسها أمامهم فهم من يرمونها بالباطل عمداً فماذا تنتظر منهم
_ زفيراً وشهيقاً فعلت هي ثم أردفت متعمدة تبرئة نفسها:-
أني مردتش عليها ومغلطتش وأنت زي ما سمعت منيها تسمع مني أني مرتك..
_ هاجمها مصطفى رافضاً لتلك الحقيقة التي لا يعترف بها للأن:-
متجوليش مرتي..
_ إستدار لليمين ورفع سودتاه عليها فلم يري سوي وشاحها الغبي الذي يزيده حنقاً منها وواصل بغضب :-
وسبج وجولت أني مشايفكيش غير مرت أخوي يعني كل اللي بينا حتة ورجة لا راحت ولا جت، وأمي خط أحمر وعجبك على أكده عجبك ليكي رأي تاني الباب يفوت جمل وعنزة مهتجيش عليكي
_ رجفت شفتيها مهددة بعاصفة بكاء شديدة على وشك الوصول، لقد تبخر تماسكها تماماً لطالما حاولت جاهدة بأن تتلبس ثوب القوة أمامه خصيصاً، إنهارت قوتها وتحولت إلى شهقات حاولت هي إخفائها قد الإمكان إلى أن تبتعد عنهم، فلم تستطيع النجاح في ذلك وصدرت آنه من بين آنينها وقعت على مسمع مصطفى
_ شعر بإنعدام رجولته في تلك اللحظة حين تأكده من بكائها، حسناً يعترف بأنها لا تعنيه لكنه لا يريد أن يجرح قلبها بهذا الشكل المؤذي، نعم هو حاد الطباع ولا ينظر خلفه في تصرفاته مهما كانت بلهاء لكنه قد ندم على فعلته الحقيرة تلك
_ حرك رأسه عفوياً مع سيرها بعيداً عنه لكنه سرعان ما أعتدل عن ما يراود أفكاره ونظر في الفراغ أمامه يذكر كبريائه بأنه لن ينحني لأنثي!
_ عدل من وضع وشاحه الذي يعتلي كتفيه بنظرة تحولت إلى العجرفة والتعالي وهو يذكر عقله من يكون هو، دنت منه السيدة نادرة وملست على صدره بفخر واإعتزاز شديد ورددت برضاء كامل عن تصرفه:-
عشت يا ولدي دايماً رافع راسي
_ تنهدت وسألته بفضول:-
على فين من بدري أكده ؟
_ أجابها مختصراً حديثه بعبوس:-
على الشغل
_ تراجع للخلف وأولاها ظهره ثم توجه نحو السُلم، خطاه كانت تسير على نهج بطيئ للغاية وسودتاه تطالع باب غرفته التي إختفت خلفها ورد، لا يرضي بما فعله لكن هيهات لتكبره فهو لن يتنازل ويعتذر من أجلها ..
_ أسرع من خطاه وهبط للأسفل سريعاً ليثبت لنفسه بأن الأمر لا يعنيه وأنه فقط فعل الصواب بينما ظهر طيف بسمة طفيفة على محيا السيدة نادرة بإنتصار لكونها ليست بمفردها من تتصرف بقسوة مع تلك الفتاة فبالأخير مهما طالت فترة مكثوها في السرايا ستفر هاربة منهم ..
_ عادت إلى غرفتها تتغنج وتتراقص بسعادة عكس الحالة المذرية التي كانت عليها ورد، إنهارت بالكامل كلما تردد داخل عقلها حديثهم، هي من وافقت بسهولة على تلك الزيجة إذاً فلتتحمل عواقبها..
______________________________________
في منزل آخر، إجتمع من في المنزل حول مائدة الطعام يتناولن الفطور، الصمت سيد الجلسة حيث قاطعه بقوله ساخراً:-
منوياش تهملينا انتي كمان يا صباح بت عمك إتجوزت بدل المرة تنين حتى في ديي أنصح منك
_ شرقت صباح وإرتفع سعالها، رمقه طاهر بغيظ عارم ثم نهض عن مقعده وضرب براحة يده الغليظة على ظهرها بقوة وساعدها على إرتشاف القليل من الماء لكي تبتلع كلماته التي وقفت في حنجرتها ولم تستطيع إبتلاعهم، نهره طاهر بتجهم:-
نصيبها لسه مجاش ولا أنت نسيت النصيب هو كمان؟
_ وضع حمدان قطعة الخبز التي بيده دفعة واحدة في فمه، إنتظر حتى هضمها بالكامل ثم تشجأ في وجههم وحدثه بجمود:-
لا منسيتوش يا سي طاهر وإبجي اتحدت معايا زين بدل العنتزة اللي عتحدت بيها بوك ديي
_ كز طاهر على أسنانه بغضب يحاول كظمه ثم إنسحب من بينهم ودلف للخارج بخطى مهرولة يود أن يهرب منه ومن المنزل ويترك خلفه حياته السابقة بأكملها، رفعت ثريا بصرها على حمدان وعاتبته بهجوم:-
عاجبك أكده الواد مكملش لجمته وإحنا ما صدجنا يجعد ياكل إمعانا
_ رمقها حمدان بطرف عينيه شزراً كما لوى شفتيه للجانب الأقرب لها وهمس لها بتحذير:-
كان العلجة بتاعت كل يوم إتوحشتك يا ثريا
_ سرت رجفة قوية في أوصال ثريا متوجسة خيفة في نفسها من تحذيره، نهضت عن مقعدها بهدوء وتركت له المكان يفعل به ما يحلوا له فهي ليست على إستعداد بتلقينها ضرباً مبرحاً من يديه الغليظة فعلاماتها الزرقاء لازال أثرها موجود على جسدها، نهضت صباح هي الأخرى فلن تعطيه الفرصة ليختلي بها ويسُم بدنها بالكلمات البذيئة، دلفت للخارج لعلها تلحق بطاهر حتى تواصل ما بدأته البارحة..
_ تفاجئت بوقوف طاهر مع زوجة عمها وشقيقها أمام منزلهم، لم تتردد وأسرعت خطاها نحوهم ربما تعلم أي شيئ عن تعيسة الحظ إبنة عمها
"على فين يا مرت عمي؟"
_ خرج السؤال من فاه طاهر بإهتمام فأجابته السيدة سنية بلطف:-
رايحين نطمن على ورد يا ولدي عشان نتوكل على الله نعاودا مصر جبل ما الليل يدخل علينا
_ إرتخت ملامح طاهر وباتت تعابيره جامدة لا تدل على شيئ، إستشفت سنية ما خلف تطلعاته الباردة وربتت على كتفه بآسي:-
كله نصيب يا ولدي إرضي بنصيبك وربنا أن شاءالله يعوضك بلي تستاهلك وتستاهل جلبك الطيب يا طاهر بس رايدة منيك طلب واحد
_ تحول برود عينيه إلى شغف وهم بسؤالها مهتماً:-
رايدة إيه يا مرت عمي جولي
_ تقوس ثغرها ببسمة سعيدة وشدت على كتفه بإمتنان وأردفت موضحة طلبها:-
ورد أختك يا طاهر أطمن عليها يا ولدي أني مهبجاش موجودة وانت إهنه حمايتها وجت ما تحتاج لضهر كون لها أخو حنين أني عارفاك مهتهملهاش واصل بس جلب الأم بجا لازمن أمشي وأكون مطمنة عليها
_ على الرغم من صعوبة إقتناعه بأنها شقيقته كما لقبتها زوجة عمه إلا أنه لن يتخلي عنها حتى وإن كان النصيب لا يرضيه، إلتوى ثغره للجانب مشكلاً إبتسامة متهكمة ورد عليها بشموخٍ:-
متخافيش يا مرت عمي ورد في عنيا التنين
_ بادلته إبتسامة حين روادها شعور الطمأنينة وسكن قلبها، شدت على كتفه بحب وقالت مودعة كليهما:-
أشوفك وشكم بخير
_ غادرت برفقة شقيقها وزوجته وبناته متجهين إلى السرايا ليطمئنوا على ورد قبل سفرهم، لم تتحرك بؤبؤة عيني طاهر على السيارة التي اختفوا فيها
_ ''شقيقة'' تلك الكلمة التي لا تريد الإقتلاع من عقله، يتردد صداها داخله، ألم يحين وقت الإقتناع بها؟
''أخرتها تبجي أختك؟، عالم ناجصة''
_ هتفت بهم صباح بحنق وهي تتابع طيف سيارتهم التي بدأت في الإختفاء، إلتفتت حيث طاهر وتابعت حديثها بإزدراء:-
مآنش الأوان تشوف اللي تستاهلك يا خوي؟ أنت جلبك طيب كيف البفتة البيضة وتستاهل واحدة تشبهك تعوضك عن اللي فات، وصدجني مفيش أحسن من مروة أنا خبراها زين وبأكدلك أنها المناسبة ليك..
_ سحب شهيقاً وأخرجه ببطئ ثم حرك قدميه للأمام قاصداً الخروج فأوقفته صباح بسؤاله:-
جولت إيه يا خوي؟
_ أجابها مختصراً:-
مش وجته يا صباح بعدين
_ نفخت بتزمجر شديد فهي تريد أن تتم العلاقة بينهما سريعاً لكي تلقن ذاك الضيف درساً لن ينساه مدي حياته..
______________________________________
_ رحبت صفية بضيوفهم بحفاوة عكس الشعور المسيطر داخلها فهي على دراية تامة بما حدث البارحة، صعدت للأعلى لكي تخبر ورد بوجودهم، طرقت بابها بخفة لم تسمع أي صوت أو حركة تدل على وجودها
_ أعادت طرقاتها بقوة أكبر قائلة:-
يا ورد يا بتي والدتك وخالك تحت ورايدين يطمنوا عليكي
_ فتحت الباب وظهرت من خلفه بعينين متورمة من فرط البكاء، أصدرت صفية شهقة خافتة حين وقع بصرها على حالتها المذرية، نظرت يمينها ويسارها ثم ولجت للداخل وأوصدت الباب خلفها وسألتها بإهتمام:-
مالك عاد يابتي ليه البكا ديه كلاته؟
_ مسحت ورد بسبابتها على أنفها لتجفف الماء الذي يسيل منها وردت عليها بنبرة مرتجفة:-
أني تعبت، مخابراش بيحوصلي إكده ليه؟ متهنتش بجوازتي من هلال وبعدها متهنتش بجوازتي من خوه كاني شوم كيف ما بتجول الست نادرة
_ فرت دمعة على مقلتيها حزناً حين تذكرت هجومها وإفترائها عليها في الصباح وواصلت حديثها بتلعثم:-
حتى الست نادرة حالها اتبدل أو يمكن كانت أكده واني موخداش بالي دي افترت عليا وجالت لولدها اني برد عليها وأني والله مرديت عليها ولا رفعت صوتي حتى
_ لم تستطيع التماسك لأكثر وجهشت باكية ورددت من بين بكائها:-
حتى ولدها عام على عومها وداس على كرامتي لاجل أمه
_ وضعت كلتى يديها على وجهها وانهمرت في البكاء الغزير، أشفقت صفية على حالتها التي أثرت بقلبها، إقتربت منها وضمتها لحضنها محاولة التخفيف عنها:-
والله معرفاش أجولك إيه يا بتي ربنا يعوضك خير عن اللي شوفتيه ..
_ إبتعدت عنها ورد وأردفت ما عزمت عليه:-
أني مهجعدش إهنه تاني أني مستاهلش المعاملة ديي أنا لساتي صغيرة على كل بيحوصلي ديه
_ ربتت صفية على ذراعها وأردفت مشجعة إقتراحها:-
معاكي في كل اللي هتعمليه المهم تكوني مرتاحة
_ حركت ورد رأسها عدة حركات متواصلة حاسمة أمرها على الهروب من ذلك السجن التي حُسرت بين جدرانه، شهيقاً وزفيراً فعلت ثم دلفت للخارج بعدما إرتدت وشاحها الأسود الذي لا يظهر منها أي أنش وهبطت للأسفل بتريُث
_ أسرعت خطاها ما أن رأت والدتها بتلهف، ألقت بنفسها بين أحضانها الدافئة، لا تعلم كيف تماسكت في ذلك الحضن الحنون ولم تخر قواها وبكت، إبتلعت ريقها لتتحلى بالتماسك أكثر أمامهم
_ إبتسمت لها السيدة سنية وبدأت بالحديث:-
جيت أطمن عليكي يا جلب أمك جبل ما أهمل البلد
_ دنت منها وسألتها بهمس:-
طمانيني عليكي، حوصل؟
_ أهذا الكلام بمثابة تخليها عنها؟ لا تدري حقاً لقد تشتت عقلها، طالعتها لوقت قبل أن تردف:-
هتمليني لوحدي ياما؟
_ خفق قلب السيدة سنية تأثراً بنبرتها التي شعرت من خلفها بتخليها عنها، أخرجت تنهيدة مليئة بالهموم وأجابتها بنفاذ صبر:-
مليت يا ورد من جرف حمدان اللي مهيخلصش، بيتحكم فيا كاني جارية عنديه مش أمانة خوه، طهجت يا بتي رايدة أرتاح لي شوية بس طبعاً لو جولتي لاه مههملكش وحديكي يا حبة عيني أني مليش غيرك
_ رفعت ورد بصرها وحملقت في معالم السرايا بتفحص وإهتمام، تشاور عقلها فيما نوت عليه، أتكمل فيها أم تغادرها؟
_ لكن مواصلتها للعيش في ذلك السجن لن يكون منصفاً لها وإن غادرت لن يكون منصفاً لوالدتها حتماً لن يغادروا البلدة قبل إنتهاء ورد من عدتها إن تم الطلاق دون رفض من الجهة الأخرى وستضطر لأن تتعامل مع سخافة حمدان..
_ تريد أي علامة توجهها إلى أي طريق تسلك، أعادت النظر إلى والدتها التي تنتظر إجابتها بفروغ صبر
''سافري ياما اموري بخير''
_ هتفت بيهم ولا تدري ما الذي دفعها لقول ذلك والسماح بسفرها، لم تترك لها الحياة خيار لتختار أفضلهم ففي كلتى الأمرين لن تترضي عواقبهم ..
_ أدركت أنها أكثر نضجاً الأن حين فضلت راحة والدتها على ذاتها فمن المستحيل أن تضحي من أجل أي شخص إلا لها فهي من أحبتها بصدق ولم تندم على قرارها السريع التي لم تحسب عواقبه بعد لكن حتماً سيرضيها الله..
_ لم تكتفي سنية بجملتها فهي أكثر الانُاس حفظاً لنبرتها حين ترفض شيئاً، سحبت نفس وأردفت مؤكدة:-
ليه حساكي مش بتجوليها من جلبك؟ جولي لو ريداني أجعد وحداكي المهم تكوني مبسوطة يا جلب أمك
_ رسمت ورد بسمة زائفة وردت عليها تنكر حدسها:-
أكيد ياما زعلانة عشان هنتفارجوا بس هكون مبسوطة وأنتِ مرتاحة وبعيدة عن حمدان وعمايله
_ ربتت ورد علي ذراع والدتها وتابعت مضيفة:-
سافري ياما متشليش همي أني بخير في سرايا جوزي طلع طيب وعيخاف عليا كيف أبوي الله يرحمه أنا إهنه في أمانته
_ كلماتها بثت الطمأنينة في قلب السيدة سنية وشعرت بالراحة المفرطة داخلها، ضمتها للمرة الأخيرة قبل مغادرتها ومن ثم تلاها خالها وزوجته ثم بناته الحبيبات ..
_ وقفت ورد على باب السرايا تلوح لهم بيدها مودعة إياهم وقلبها ينفطر حزناً لكونها باتت وحيدة لا يعولها أحد، أعادت يدها لجانبها ما إن إختفى طيف السيارة من أمام مرأي عينيها، حسناً لقد حان الوقت لأن تنهار قوتها وها قد بدأت عبراتها في النزول بألم شديد يكاد يخترق ثيابها من شدته ..
_ رأته يعود من جديد إلى السرايا، لا تعلم أي شعور يصف تلك اللحظة لكنها تريد معانقته لعل عناقه لها يهدئ من روعها قليلاً ويبدل حالها إلي الأفضل
_ سار بجوارها كأنها نكرة لم يراها ولم يهتم لوقوفها على تلك الحالة التي لا داعي لها، إستدارت حيث يسير ولم ترفع زرقاوتاها الذي إنطفئ وميضهم من عليه بقهرة كبيرة سكنت قلبها ..
_ عادت إلى غرفتها تجر خيباتها التي إنسدلت عليها خلف بعضهم دون رأفة لقلبها الرقيق، أوصدت باب غرفتها وببطئ شديد تركت جسدها يهبط رويداً رويداً إلى أن احتضنت الأرض التي نالت نصيبها من الدموع التي تختفي بين ثغراتها، لم تكف عبراتها في الهطول، بكاء صامت يقطعه أنين خافت من حين لآخر، ظلت على حالتها تلك إلى أن أنهال عليها التعب وغفت رغماً عنها بمشاعر جامدة خالية من أي شعور ..
______________________________________
في المساء،
جلس مصطفى برفقة والدته على المائدة يتناولون العشاء بمفردهم فلا يوجد غيرهم، حمحمت نادرة وقالت متسائلة بنبرة مندفعة:-
هتعمل إيه مع اللي ما تتسمي؟
_ إحتقن وجهه بغضب ورد عليها بعبوس:-
مخابرش مش في دماغي من أساسه، وجودها زي عدمه
_ ظهرت شبح إبتسامة على ثغر نادرة ثم أخفتها سريعاً قبل أن يلمحها مصطفى وتابعت حديثها معه:-
طليجها يا ولدي وشوف حالك بدل الإسم متجوز وإتحسبت عليك جوازة الندامة
_ أماء رأسه بقبول فهذا ما يدور في عقله لكن بطريقة مختلفة بعض الشيئ، تنهد وأردف بقوة:-
ده اللي هيحوصل بس لما بوي بنفسيه يجولي طليجها!!
_ عبست الأخرى بعدم إعجاب ولامته بإمتعاض:-
وبوك مش هيجولك طليجها ده الود وده يظبط الأمور بيناتكم يعني إنسي يا ولدي
_ طالع أمامه بجمودٍ وردد:-
العمر لساته منتهاش والبادي أظلم
_ رفعت نادرة إحدى حاجبيها بتعالي وتريث لكون ولدها بذاك الدهاء، ستنتظر لا تملك سوي الصبر فهو مفتاح الفرج وفي النهاية ستجني ثمرة صبرها ..
_ تابعوا تناولهم للطعام في صمت إلى أن شبعت بطونهم، عادت نادرة إلى غرفتها تطمئن أن زوجها قد أنهى طعامه، فلقد إمتنع عن مشاركتهم المائدة العائلية منذ إصابته بتلك الوعكة بينما إنسحب مصطفى للخارج يجلس برفقة عسران، مرت مدة ليست بقصيرة إنضم إليهم ضيف وأكملوا ثلاثتهم سهرة ذكورية على أصولها ،
فعل عسران فعلته المعتادة كل مساء وهي الاستماع إلى الطرب القديم أسفل ضوء القمر والنجوم مع إرتشاف فنجان قهوة سادة ثقيلة فذلك ما يعدل صفوه ..
_ كانت الأغنية تلك المرة مختلفة كانت تعود للشحرورة ''صباح''
أنا هنا يا ابن الحلال
لا عايزه جاه و لا كتر مال
بحلم بعش
أملاه أنا سعد و هنا
أنا هنا يا ابن الحلال
_ إستقيظت ورد إثر دندنة الأغنية، رفعت رأسها بثقل قد شعرت به في الجزء الأيسر من رأسها، قاومت حتى نهضت مستندة على الحائط إلى أن صلبت قامتها وتوجهت إلى الشرفة تتبع صوت الأغنية.
مليت لك القله.. عطشان تعالا
عطشان تعالا يا جميل يلا
مليت لك الابريق عطشان تعالا
عطشان تعالَا و سلامه طريق
أنا ورا الشباك سهرانه بستناك
علمت قلبي هواك من قبل ما تجيني ولا أتملاك
_ شعور قوي قد رادوه في تلك الأثناء ورفع بصره عفوياً على شرفة غرفته فتفاجئ بطيفها واقف كوقوفها بالأمس، لم يرفع بصره عنها وظل مثبتاً نظريه على الشرفة مع دندنة الأغنية ..
بحلم بعش
أملاه أنا سعد و هنا
أنا هنا يا ابن الحلال
_ دندنت ورد مع كلمات الأغنية التي شعرت بوصف حالها متعجبة من نظراته التي تطالعها دون غيرها :-
و إن جيتني يا مهنّي ندرن عليا
ندرن عليا العين و النني
و إن جيت تدق الباب ندرن عليا
ندرن عليَّا القلب يشيله حجاب
فرشت لك رمشي اخطر عليه و امشي
من شوقي ما بنامشي
باستنا حتا العمر مستني
بحلم بعش
أملاه أنا سعد و هنا
أنا هنا يا ابن الحلال
فى الغيبه انا شايفاك انا انا شايفاك
قلبي انكشف عنه الحجاب و لقاك
فى الغيبه انا شوفتك انا انا شوفتك
قلبي شاور لي عليك وعرفتك
انت اسمراني جميل
لك غيه فى المواويل
والقلب لك بيميل
من قبل ما يكون لي نصيب وياك
بحلم بعش
أملاه أنا سعد و هنا انا هنا يا ابن الحلال
_ أخفض بصره ما أن إنتهت كلمات الأغنية، رمق من هم بجواره ليتأكد أن الأمور تسير على ما يرام، تنهد براحة حين رآهم يتبادلون أطراف الحديث ولم ينتبه له أحد
_ لمح ضيف طيفها يظهر من خلف باب المطبخ، أعاد النظر مراراً لكي يتأكد من هويتها، إلتوى ثغره للجانب مشكلاً بسمة عذبة حين تأكد منها، نهض فجاءة وسار متجها نحوها فأوقفه مصطفى بسؤاله:-
على فين إكده؟
_ وقع قلب ضيف في قدمه فهو لم يحسب لذلك السؤال مطلقاً، إلتفت إليه وحمحم ثم أجابه بإرتباك حرِج:-
ها.. لا كنت هروح أشرب مية من القُلة اللي هناك ديي بحب ميتها
_ أماء له مصطفى متفهماً ثم إنصرف ضيف سريعاً من أمامه، أزفر أنفاسه براحة كبيرة لم يستوعبها عقله فكاد أن يفضح أمره وبالتأكيد العواقب ليست محمودة ..
_ إقترب من القارورة الفخارية ورفعها للأعلى يرتشف منها فجائته الأخرى على استحياء تاركة مساحة كافية بينهم، أخفض القارورة من على فمه ولازال محتفظ بها بين قبضتيه وطالعها بأعين مُتيمة مردداً بنبرة ولهانة:-
إتوحشتك جوي
_ أخفضت بصرها في حياء كما احمرت وجنيتها وسارت كالبندورة في تمام جنيها، إبتسمت بعذوبة وقالت:-
جولتلك بلاها الحديت ديه
_ ظهرت بسمة سعيدة على محياه فهو يعشق حيائها الذي يتعامل معه باستمرار والذي يدل على برأئتها الأنثوية، إبتلع ريقه وسألها بمرح:-
أومال أجوله ميتي؟
_ رفعت بصرها عليه وقد إنعقد حاجبيها تلقائياً كما عقدت ذراعيها بتزمجر ورددت بحنق:-
جوله وجت ما أكون مرتك حلالك كيف ما وعدتني ولا نسيت الوعد إياك؟
_ أسرع هو بالرد عليها ينفي حديثها:-
لا طبعاً منسيتهوش أني بس مستنظر الوجت المناسب اللي أجي اتجدم لك فيه عشان أليج بحضرة الداكتورة
_ لم تمنع ضحكتها التي خرجت عفوية فخفق لها قلبه وتسببت في إضطرابات مشاعره التي تحثه على التودد معها أكثر، ماذا إن سمح لهما الوقت والمكان؟
_ تقابلا في نظرة حب صادق طالت لوقت قطعها ذلك الصوت الدخيل:-
واجفة حداكي بتعملي إيه يا صفاء؟
_ إتسعت حدقتي صفاء على آخرهم بصدمة حين إنسدل سؤال والدتها عليها، رجف جسدها من فرط الإرتباك والتوتر التي إنحشرت داخلهم، حاولت أن تستيعد جزءاً من رونقها وإلتفتت إليها مجيبة إياها بتلعثم:-
كنت بملي القُلة عشان لو الغفر إحتاجوا مية
_ أوماءت لها صفية باقتناع ثم صوبت بصرها على ضيف فلم يروق لها وقوفه في الوقت ذاته مع خروج إبنتها، لم تريد أن تطيل في الأمر أثناء وجوده وأمسكت بذراعها أمرة إياها:-
همي جدامي يلا..
_ لم يرف له جفن منذ أن تفاجئ بوجود والدتها، أوصد عينيه ما أن إختفت من أمامه يتنفس الصعداء، حاول ضبط أنفاسه المتهدجة التي يصغي إلى صداها داخله ثم عاد إلى صديقه بهدوء..
_ رمقه مصطفى متعجباً من حالته المريبة وسأله مستفسراً:-
المية عجبتك للدرجة دي، مجدرتش تفوت القُلة وحديها؟
_ أنتبه ضيف لتلك القارورة التي لازالت تتوسط صدره ، ابتسم بتهكم فهو لازال أسفل تأثير المفاجأة وقال:-
مختش في بالي معلاش بجا الظاهر إني محتاج أنام، يلا تصبحوا علي خير
_ ألقى بجملته ثم إنصرف سريعاً بينما إستأذن مصطفى هو الاخر ونهض ليعود حيث غرفته التي لم يعتادها بعد، وقبل أن يولج للداخل راوده ذاك الشعور مرة أخرى فرفع رأسه للأعلى قاصداً شرفة غرفته لكنها لم تكن واقفة كما توقع، أخفض رأسه وأكمل سيره إلى الداخل حيث غرفته ثم فراشه الذي ألقى ببدنه عليه وكما أعتقد تماماً لن ينام بسهولة كسابق أيامه في تلك الغرفة اللعينة ..
______________________________________
_ إعتادت ورد على الليالي التي تقضيها بمفردها وحيده بين أربعة جدران، يزداد اكتئابها في الظهور كل يوم كما فيه الشهور الماضية من بعد وفاة هلال، منعت الطعام لفترات طويلة فقط تأكل حين تحتاج أجهزة جسدها لذلك ..
_ مر أسبوع لم يتغير به شئ، لا تبرح فراشها إلا لدخولها المرحاض، كما تزداد قساوة السيدة نادرة كل لحظة تجمعها بيها، لم يحدث بينها وبين مصطفى أي لقاء حتى وإن كان عابراً فقط تنتظر الليل لتقف في الشرفة تصغي إلى الأغنية الجديدة الذي يختارها عسران وتدندن معها بشغف قل تدريجياً مع الوقت إلى أن التزمت غرفتها ولم تعد تخرج إلى الشرفة ..
_ على الرغم من يومه الروتيني المعتاد الذي لا يتغير نظامه إلا أنه ينتظر لحظة وقوفها مع بدأ ترنيم الأغنية ثم يعود إلى غرفته التي أعتاد النوم فيها مؤخراً..
_ إستعاد خليل جزءاً من صحته وعاد يتابع أعمال أراضيه بنفسه كما كان يفعل لكن الفجوة تتسع بينه وبين مصطفى كأنه عزم بألا يحادثه مرة ثانية قبل أن يوطد علاقته مع ورد التي خربها بغشوميته
_ تزداد السيدة نادرة حنقاً وإمتعاضاً كلما مرت الأيام ولازالت تلك الفتاة تعيش معها أسفل سقف واحد لكنها لا تملك سوي الصبر لبعض الوقت لحين تتغير الأحداث بمفردها
_ إستمرت صباح في الإلحاح على طاهر لعله يوافق على ما تريده هي، إستحوذت على عقله وتفكيره بطريقة تُشبه أساليب السحر وربما تتفوق عليها فتأثير الزن المستمر أشد حقاً من مفعول السحر، لا تكِل ولا تمل لحظةٍ بل تزداد تشبثاً في تحقيق مرادها ..
_ أيام ثقال مملة تسير ببطئ شديد على الجميع لأ يحدث أي جديد بها يبدل مجري حياتهم، حسمت صفاء على إفتعال خطةٍ ما ربما تنجح في توطيد علاقة ورد ومصطفى ..
_ نهضت من الصباح الباكر وصعدت إلى غرفة ورد قبل أن يستيقظ أحدهم وطرقت بابها بخفة ثم ولجت للداخل قبل أن تأذن لها، لم تتفاجئ برؤيتها غافية فالوقت لازال باكراً، إقتربت منها بخطى خفيفة لكي لا تزعجها، جلست بجوارها تنتظر إيقاظها ..
_ مرت دقيقتان بالتمام فلم تتحمل إنتظارها للدقيقة الثالثة، إنحنت عليها وضربت على ذراعها بخفة تحاول إعادتها لأرض الواقع:-
ورد جومي صباح الخير، رايدة أخبرك بلي في راسي مجدراش استني لما تصحي ..
_ شعرت ورد بأن ذلك الصوت في أحلامها لكن مع تكراره تأكدت أنه حقيقي، فتحت أهدابها ورمقت صفاء لبرهة دون إستعياب لما يحدث بعد
_ جذبت صفاء انتباهها بحديثها الذي يحثها على النهوض ط:-
صباح الخير يا جلبي يلا جومي ورانا شغل ياما نعمله
_ نهضت ورد من نومتها وفركت عينيها بكسل فهي تشعر كأنها غفت للتو ولم تأخذ كفايتها من النوم، رمقتها بطرف عينيها وقالت بصوت متحشرج:-
في إيه يا صفاء الساعة كام؟
_ قهقهت الأخرى بمكر مع نظرة عابثة إستشفت ورد منها أن الوقت لازال باكراً، سحبت نفساً عميقاً وسألتها:-
شغل إيه عاد اللي ورانا؟
_ نهضت صفاء عن الفراش وجابت الغرفة ذهاباً وجيئا وهي تخبرها بحماس ما استحوذ على أفكارها طوال الليل لكي تحل مشكلة علاقتها بمصطفى ..
_ أنهت حديثها وسألتها بتلهف بنفس بداية حديثها:-
ها جولتي إيه؟
_ قابلتها الأخرى بجمودٍ فلقد تعكر صفوها تماماً من تلك العائلة ولا تريد خوض تجربة نسبة فشلها كبيرة، حتماً ستنتكس ما أن رأت ردة فعل لن تعجبها من خلف ما ستفعله فأسرعت بالرفض:-
بلاها الفكرة ديي أني ملياش نفس اعمل اي حاجة واصل همليني لحالي يا صفاء الله لا يسيئك
_ صممت صفاء علي تنفيذ فكرتها وأردفت بإصرار واضح:-
لا مههملكيش لحالك وهنفذوا اللي جولته بحذافيره وأني متوكدة أنك هتطلعي مجبورة الخاطر
''وإن متجبرش بخاطري وجتها اعمل ايه؟"
_ رددتهم ورد بفروغ صبر فهي حقاً باتت هاشة المشاعر ولن تتحمل خذلان آخر ، وقفت صفاء أمامها وقد إنعكست تعابير وجهها للغضب وأجابتها بإنفعال:-
تبجي تطلجي وبلاها العيشة اللي مش عيشة ديي
_ أوصدت ورد عينيها بإرهاق بادي على تقاسيمها ثم إختفت معالمها خلف يديها التي وضعتهم أمام وجهها فأشفقت صفاء على حالتها المذرية وأقتربت منها ضمتها بحنان وقالت ربما تخفف من عليها:-
مش بيجولوا أإن ربنا لما يحب عبد بيبتليه أنتِ ربنا إبتلاكي بتنين مش واحد بس
_ إبتعدت عنها ورد وقطبت جبينها بغرابة فوضحت لها صفاء قصدها:-
نادرة وولدها..
_ اإنفجرت كلتاهن ضاحكتين على مزحة صفاء التي دقت أسارير السعادة قلبها حين نجحت في رسم الإبتسامة على وجهها، تنهدت بصوت عالٍ وقالت:-
أيوة إكده اضحكي محدش واخد منيها حاجة
_ أخرجت ورد تنيهدة مرهقة وأعادت تكرار خطة صفاء التي علقت في ذهنها، رفعت زرقاوتاها عليها وأطلقت سؤالها بخجل:-
هنبدأوا كيف؟
_ إتسعت ضحكة صفاء التي طالت أذنيها من فرط سعادتها الممزوج بحماسها، وبدأت تعيد ما قصته عليها قبل دقائق معدودة ولاحظت إصغاء ورد لها بإهتمام فزدادت تلهفاً بمبادرة ما تنويان علي فعله ..
_ فعلت ورد كل ما أخبرتها به صفاء دون زيادة أو نقصان بمساعدتها ثم هرولن للخارج لمتابعة بقية خطتهن، تفاجئن كلاً من صفية وهويدا بخطة صفاء الداهية وكالمعتاد نهرتها والدتها ورفضت تدخلها لكن لم تكترث لها صفاء ووقفت أمام باب المطبخ تنتظر نزول مصطفى على أحر من الجمر ..
_ نفخت بتزمجر فالوقت يمر ببطئ عليها وهي لا تطيق الإنتظار من فرط حماسها، ها هو ظهر طيفه من ذلك الممر ثم هبط الأدراج بتريث وثبات، فصرخت صفاء ما إن رأته يقترب منهم مهللة:-
نزل نزل نزل ...
عايزة أفكار كتير عن الخطة اللي صفاء قالتها لورد ونشوف الاغلبية هيكون تفكيرهم ازاي 😉😁
عُرف_صعيدي
الفصل العاشر
( رُبَّ صُدْفَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ ميعادٍ )
______________________________________
_ أنهى مصطفى آخر درجة في السُلم فتفاجئ بخروج إحداهن من المطبخ، رفع ذراعه للأعلى أمام وجهه يمنع عينيه من التمعن بها وهتف متسائلاً بغلظة:-
مين اللي خالعة راسها ديي متعريفش أن فيه رجالة في السرايا!!
_ لم تتحمل صفاء الوقوف خلف الباب ومراقبة ما يحدث دون أن تضع بصمتها، دلفت للخارج مسرعة ولم تكترث لندائات والدتها الآمرة التي تحثها على التوقف مكانها وعدم التدخل فيما لا يعنيها، أقتربت من مصطفى وأردفت بخبث:-
دي ورد مرتك يا سي مصطفة معرِفهاش ولا إيه؟
''ورد!''
_ ردد بإسمها يستوعب حديث صفاء، إزدرد ريقه فهو ليس على إستعداد لمواجهة ذات الوشاح الأسود، لا يريد الإختلاط معها على حالتها تلك فتحسبه زواجاً حقيقياً ما إن رأها..
_ لا يوجد مفر أمامه، أخفض ذراعه ببطئ وتعمد أن يتحاشي النظر عنها لكن شئ ما جذبه لأن ينظر إليها وكأنه رأي تلك الهيئة من قبل، سمح لسودتاه أن تلتفت حيث تقف فذُهل مما وقع أمام مرأي عينيه
_ إنها هي! التي تفارق عقله في النهار ولا يعلم للنوم سبيل لصورتها التي يبدأ برسمها بوضوحٍ في مخيلته ليلاً، تمعن النظر فيها بعدم تصديق أهي كانت أمامه طوال الوقت ولا يعلم أنها نفسها من جمعتهم الصدفة ليلة زفافهم!
_ كم آراد لكم نفسه بكل قوته ندماً على هروبه منها، إضطرابات غريبة قد أصابته لحظتها ناهيك عن تدفق الادرينالين في الدم المندفع في شرايينه فتسبب في خفقان قلبه بقوة كما زاده حماساً و عنواناً ..
_ تفحص كل أنش بها بإهتمام واضح، صوب بصره على زرقاوتاها التي تشبه صفاء السماء والتي تختفي بين أهدابها الكثيفة التي تسر الناظرين، أخفض بصره قليلاً ليري وجنتيها الحمروتين وشفاها الوردية المنتفخة كحبة البرقوق، ثم تمعن النظر أكثر على إنحناءات جسدها الصارخة ذات اللون الحليبي، لم تكن نحيفة بل مليئة بعض الشئ ذات قوام ممشوق وياحبذا فستانها بنفسجي اللون الذي يتماشي بتناسق مع منحنياتها وينتهي طوله قبل ركبتيها..
_ ماهي إلا ثوانٍ قليلة إلا أنها قلبت كيانه بالكامل، إقترب منها حين إستشف أن ذاك الجمال الرباني يمكن لغيره رؤيته، هرع إليها ووقف قبالتها فخفق قلبها رعباً من طوله اليافع الذي شعرت به للمرة الأولي فعلى الرغم من كونها طويلة القامة إلا أنها شعرت بضئالتها أمامه..
_ جف حلقها من شدة التوتر التي وقعت بين ثناياه وخصيصاً بعد قربه منها لتلك الدرجة، خرج مصطفى عن صمته حين طُرق باب السرايا وهتف بعصبية:-
محدش يدخل إهنه
_ أمسك بيدها وأمرها بوجه محتقن:-
همي جدامي
_ أجبرها على السير خلفه بخطى سريعة كادت أن تتعرقل إثرها ، حركت رأسها عفوياً لتنظر إلى صفاء موحية إليها بإشارات معاتبة لخطتها اللعينة التي ستسبب لها المتاعب حتماً، غزت الإبتسامة شفاه صفاء حين طالعتها ورد ثم غمزت إليها بمرح وإنسحبت سريعاً داخل المطبخ بسعادة فلقد نجحت خطتها ..
_ وصل مصطفى إلى غرفته السابقة وأوصد الباب خلفه والغضب يتطاير من عينيه، أوقفها أمامه ونهرها معاتباً بغلظة:-
كيف توجفي في نص السرايا بخلاجتك ديي؟ متعرفيش أن فيه رجالة داخلة خارجة على السرايا إياك؟!
_ إزدردت ريقها فالتوتر والإرتباك سيديان الموقف ولقد تملكوا منها حتى كادوا ينهوها بالكامل، فتلك مرته الأولى لمحادثتها وبالأحر معاتبتها فكيف ستواصل الحوار معه؟، فغرت فاها لتبدأ بالحديث لكن الكلمات لا تريد الخروج من جوفها، إبتلعت ريقها مراراً لتبلل حلقها الجاف وقالت بتلعثم:-
الغفر بتدخل السرايا بعد ما يستأذنوا يعني مفيش حد هيشوفني
_ رفع حاجبه الأيسر بعدم إعجاب لهرائاتها وردد:-
وأبوي! هيستاذن هو كماني وهو هيمشي في سرايته؟
_ أجابته مبدية إستنكارها لحديثها الساذج:-
بوك مش حرام يشوفني أكده
_ أسرع مصطفى بالرد عليها بنبرة حادة لا تريد النقاش:-
ولو.. خجلاتك ديي أني بس اللي أشوفك بيها!
_ إزدادت نبضات قلبها كما إرتفعت وتيرة أنفاسها المتهدجة التي تسمع صداها داخلها، لم ترفع زرقاوتاها من عليه إطلاقاً فقوله لمس شئ ما داخلها لا تعلم ماهو لكنه أزاد من انجذابها إليه..
_ كذلك لم يرف لمصطفى جفن وهو يطالع زرقاوتاها بتمعن يتأكد من كونهما حقيقيان وهي نفسها من تسببت في هروب النعاس من عينيه طيلة المدة الماضية بسبب التفكير والانشغال بها، لكن ليس بتلك السهولة علي عقله يستطيع إستيعاب ما توصل إليه في دقائق معدودة، إنسحب من أمامها فأسرعت هي باللحاق به وأمسكت بيده فرجف جسده إثر قبضتها الرقيقة ..
_ إلتفت إليها مصطفى عاقداً حاجبيه مستفسراً عما تريد:-
في حاچة؟
_ ترددت في السؤال الذي تريد طرحه عليه لكن دفعته في وجهه دون تفكير زائد قبل أن تتراجع قائلة:-
لساك معتبرني مرت خوك؟
_ وقع سؤالها على عقله فنشط كل ذكرياته وقد تذكر أنها كانت إمرأة لأخيه قبله فكيف له أن يتقبل فكرة أن من انشغل العقل وطالب القلب بها نفسها زوجة أخيه رحمة الله عليه..
_ حرر يده من بين قبضتها وأولاها ظهره وانصرف من الغرفة سريعاً أسفل نظراتها المبهمة عليه، فلم يجيب على سؤالها إذا ما الذي عليها إفتراضه الأن؟ كلماته ومعاتبته لن تكون إلا لزوج لزوجته لكن ماذا عن هروبه وعدم رده عليها؟
_ نفخت بتزمجر شديد فعلى ما يبدو أن هناك المزيد من الوقت تقضيه في الإنتظار المرهق التي تكرهه من أعماق قلبها، أسوء شعور هو الإنتظار، إنتظار الأشياء التي يتمناها قلبك وتطالبها حاجتك، إنتظار كلمات حنونة صادقة تربت على القلب وما يعيشه من حزن طالت أيامه، إنتظار حدث عظيم يغير الحياة إلى الأفضل، صراع أزلي تعيشه مع ذاتك المغلقة لا يشعر بك من حولك، لا يشاركك أحدهم ذلك الإنتظار الذي يشبه الموت بحد عينه لكن ببطئ شديد..
_ عادت إلى الخلف وجلست على طرف الفراش، تشتت عقلها بالأفكار اللعينة التي تسببت في خنقتها، فهناك الأحلى فيما حدث منذ ثوانٍ وهو أنه تجرأ وأمسك بيدها ووقف قبالتها ونظر بسودتاه إلى عينيها، لقد لمست في نظراته بشئ ما، تجزم أن شعورها لن يخدعها وحدسها سيكون في محله وما شعرت به كان صحيحاً حقيقياً وأنه لم يعد يعتبرها زوجة أخيه كما أدلى من قبل لكن عقله يأبي قول ذلك ..
_ ظهرت إبتسامة عريضة على ثغرها الوردي وهي تتمني أن يصيب حدسها تلك المرة ولا تعود وحيدة كما كانت ولازالت تعيش كذلك ..
______________________________________
_ ولج للغرفة وتوجه نحو المرآة مباشرةً، وقف أمامها يطالع سودتاه التي بدت حدتان تشبه طباعه، رفع يده وأدخل إصعبين داخل عينيه وإقتلع عدساته اللاصقة ثم أعاد فعلته في العين الأخرى لتظهر عينيه بلونهما الاصلي ..
_ طالع عيونه باهتمام بالغ فالأن يبدوان كعينان ورد تماماً، تشبهان زرقاوتاها وكأنهما نفسهما، شعور ما قد تغلغل إلى أوتاره فاجبره على لوي شفتيه للجانب مشكلاً إبتسامة على ذلك التشبيه المريب ..
_ سرعان ما أختفت إبتسامته حين تردد داخل عقله سؤالها التي طرحته عليه، أهو انسحب لأن أمره قد فضح أمامها أم لأنه لا يتقبل فكرة زواجها من رجلاً آخر؟
_ رمق صورته المنعكسة في المرآة وأغلق على أسئلة رأسه داخله دون أن تخرج للحياة، لقد تمنى زوجه لم يقترب منها رجلاً غيره، فماذا الأن؟
هل سيقبل بها فقط لأنه رآها مرةٍ واحدة! كان تفكيره دوماً يعود به إليها كلما حاول نسيانها حتى لا يعيش على أمل كاذب لكن ما حدث اليوم كأنه دليل قاطع على أن الامل يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها ويكون حقيقة يلمسها بمشاعره قبل لمسها بالأيدي!
_ حرك رأسه ينفض أفكاره التي لا يتوصل معها لنهاية ترضيه، أعاد وضع عدساته اللاصقة ودلف من الغرفة وهبط سريعاً دون أن يلتفت وينظر خلفه ..
_ لمحت صفاء طيفه فانتظرت حين غادر السرايا وأسرعت نحو الطابق العلوي لكي تعلم نتيجة خطتها، طرقت على الباب ثم فتحته دون إستئذان فالحماس يكاد يتساقط منها، فلم تلحق ورد رفع عينيها على الباب فتفاجئت بولوجها، شعرت بالضيق لفعلتها المتكررة وعزمت أن تحادثها في تلك المسألة إن كررتها مرة أخرى
_ ركضت إليها صفاء ووقفت أمامها متسائلة في عجالة:-
ها جوليلي حوصل إيه؟ خطتي نجحت؟ إوعاكي تجولي لاه أزعل والله
_ نهضت ورد من الفراش وأجابتها بتهكم:-
محوصلش حاجة جالي مينفعش أجف بخجلاتي أكده والسرايا داخلها وخارجها رجالة
_ نفخت ورد بضجر بائن ورددت بعدم إستعياب:-
أني معرفاش طاوعتك كيف في اللي جولتيه ديه منابنيش غير التأنيب وبس
_ قطبت الآخرى جبينها مستنكرة حديثها وأسرعت بتوضيح اعتقادها الساذج:-
تبجي خطتي نجحت، طلاما عاتبك يبجي غيران عليكي العتاب من الحب
_ قلبت ورد عينيها غير متقبلة حديثها وأردفت وهي تحرك رأسها بعدم تصديق:-
غيرة إيه وحب ايه ده أني سألته لساك معتبرني مرت خوك سابني وخرچ من غير ما يرد عليا، تبجي غيرة كيف ديي؟
_ لم تختفي الإبتسامة من علي وجه صفاء وأوضحت لها ما تقصده:-
هو مردش عليكي يبجي أكده فيه إحتمالين يا أيوة يا لاه، لكن لما يرد عليكي يبجي حسم أمره ومهيغيرش عليكي إفهمتي؟
_ جلست ورد على الفراش بإهمال ورددت بنفاذ صبر:-
أني زهجت من كل اللي بيحوصل يارتني ما جولت لامي تسافر يارتني مشيت وياها
_ نفخت بضيق شديد تشعر به فحاولت صفاء التخفيف من عليها:-
هانت يا جلب أختك أني متوكدة أن اللي عملناه ديه هيرضيكي بس انتي إصبري وشوفي..
_ أوصدت عينيها فلقد نفذ صبرها ولم يعد له مكان داخلها، نظرت إلى الأعلى وهتفت بحنق:-
صبرت كاتير جوي يارب هون اللي جاي بجا..
______________________________________
_ عاد مصطفى إلى السرايا بعد أن بدأت الشمس في الغروب وكالمعتاد إستقبلته والدته بحفاوة شديدة وقالت:-
ثواني والوكل هيكون جاهز
_ بادلها الإبتسام فأسرعت هي إلى المطبخ تؤمر خادمتها بإعداد الطعام ووضعه على المائدة، تفاجئ مصطفى بنزول والده فتوجه نحوه دون تردد يريد مساعدته:-
يدك يابوي اساعدك
_ أبعد خليل يديه عن مصطفى وهدر به شزراً:-
لساتني واجف على رجليا ممحتاجش مساعدتك
_ هتف مصطف وهو يطالع الأرض بخجل:-
ربنا يديك الصحة يا أبوي
_ تابع خليل نزوله إلى الأسفل ثم نادي بنبرة جهورية:-
صفية يا صفية
_ جائته السيدة نادرة راكضة فلم تساعها السعادة حين سمعت نبرته تتردد في أرجاء السرايا مهللة بفرحة:-
يا ألف نهار أبيض يا عمدة حمدالله على سلامتك
_ لم يعقب على ما قالته وكرر ندائه بنبرة مرتفعة:-
يا صفية
_ جائت مهرولة فنهرها بإنفعال:-
مش بنادم عليكي مبترديش ليه؟
_ إزدردت ريقها بخوف واجابته بتلعثم:-
ستي جالتلي خليكي مطرحك وأني هشوفه بنفسي
_ مرر أنظاره بين السيدة نادرة وصفية ثم أمرها بغضب:-
بعد أكده لما أنادم عليكي بالاسم تاجي طوالي
_ أماءت رأسها بطاعة فواصل حديثه:-
جهزيلي الوكل يلا عشان اروح أشوف مصالحي
_ اؤمات برأسها وهتفت:-
أمرك يا عمدة
_ أولاته ظهرها وأسرعت داخل المطبخ لكي تكمل إعداد الطعام وهو معهم، جلس ثلاثتهم حول المائدة، بدأ خليل في تناول طعامه سريعاً حتى يغادرهم ما إن ينتهي منه، وزع مصطفى أنظاره بين الجالسين وبين باب غرفة ورد الذي يظهر منه جزءاً أمامه، تردد في فعل ذلك لكن داخله يحثه على فعلها فنادي بنبرته الرخيمة:-
صفاء..
_ لم يكرر ندائه فهي كانت متابعة لما يحدث وجائته مهرولة ما إن صغت إلى إسمها فقال:-
جولي لصفية تحضر طبج زياد واطلعي نادي ورد تاجي تاكل معانا
_ الدهشة دون غيرها قد تشكلت عليى تقاسيم الجميع، إتسعت حدقتي صفاء بذهول على أمره ورددت بعدم تصديق:-
أطلع انادم ورد تاجي تاكل وياكم!
_ رمقها بطرف عينيه وأردف مؤكداً :-
أيوة جولت حاجة غريبة إياك ؟
_ أسرعت بتحريك رأسها يميناً ويساراً نافية سؤاله وهتفت بحماس:-
هنادم عليها طوالي
_ إرتفعت نبرتها وهي تخبر والدتها بإحضار صحن زائد لورد قبل أن تصل إلى المطبخ، فحماسها قد أنساها ثباتها التي تتلبس ثوبه أمامهم، صعدت إلى الأعلى ما أن أخبرت والدتها وتلك المرة لم تتطرق باب ورد بل ولجت للغرفة مباشرةً ..
_ إنتفضت ورد من مكانها إثر دخولها المفاجئ، لم تتحمل تصرفها تلك المرة وكادت أن تعاتبها لكن لم تترك لها المجال لتتحدث وأسبقت هي بالحديث بأنفاس لاهثة:-
سي مصطفى جالي أنادم عليكي تنزلي تاكلي معاهم تحت!!
_ إبتسمت صفاء ما أن أنهت جملتها بينما عقدت ورد جبينها بغرابة ورددت متعجبة:-
جالك تجوليلي أكده ولا ديي لعبة من ألاعيبك؟
_ أسرعت صفاء بالرد عليها نافية ظنونها:-
جسماً بالله جالي كيف ما جولتلك أكده يلا إنزلي طوالي
_ إرتبكت ورد على تلك الخطوة التي لم يسبق وأن خطتها من قبل سوى مرةٍ واحدة لكن لم يكن مصطفى زوجها بعد، فهل حان فعلاً جني ثمار صبرها؟
_ إختارت عباءة باللون الأخضر مطرزة بالفضة، لا تعلم لما إرتدتها فبالأخير سيغطيها وشاحها لكنها شعرت أن عليها التألق لذاك النداء الأول ..
_ وضعت أعلاها وشاحها وهبطت الأدراج سريعاً، إرتخت ملامح خليل وقد تحولت إلى الراحة ما إن لمح طيفها ناهيك عن سعادته بطلب مصطفى لمشاركتهم المائدة، بينما لم تبعد السيدة نادرة نظريها عن مصطفى بغضب شديد لطلبه المبهم، تتآكل غيظاً من الداخل كذلك أحمر وجهها بسبب كظم غضبها، تقابلت عينيها مع أعين مصطفى فأرسلت إليه إشارة موحية بعدم رضاها عن طلبه فحاول هو توضيح الأمر لها بنظراته التي يشير بها على والده فاستشفت أنه إفتعل ذلك من أجل أن يوطد العلاقة بينه وبين والده..
_ إلتوت شفتي نادرة للجانب بتهكم ما إن رأت هطول ورد عليهم عكس إبتسامة خليل التي إتسعت بسعادة وهلل مرحباً بوجودها:-
ايوة أكده الوكل بجا له طعم تاني مع الجمر
_ أخفضت بصرها في حياء قد إنعكس على ملامحها فاحمرت وجنتيها لكن حمدلله لم يراها أحد، تنهدت وردت عليه بإرتباك حرِج:-
ربنا يخليك يا عمي
_ أسرع خليل بالرد عليها قائلاً:-
لاه جوليلي يا بوي لو تحبي يعني
_ رفعت ورد بصرها عليه بإمتنان كبير ورددت بحياء:-
أكيد طبعاً أحب أكده
_ بادلها خليل إبتسامة فسارت هي متوجهة نحو مقعدها التي إعتادته بجوار هلال، توقفت قبل أن تجلس حين وجه مصطفى حديثه لها:-
تعالي إجعدي جاري يا ورد
_ إتسعت مقلتيها بعدم تصديق لما وقع على مسامعها وطالعته من أسفل وشاحها ثم أقتربت منه وهي لازالت أسفل تأثير الذهول، نهض مصطفى ما إن جلست هي فخفق قلبها رعباً من إبتعاده عنها فهو من طلب أن ترافقه مقعده فما هذا إذاً؟
_ إقترب مصطفى من باب السرايا تحت نظرات الجميع المندهشة عليه ونادي بنبرة جهورية قائلاً:-
عسران..
_ جائه ملبي ندائه فأمره مصطفى بثبات:-
تؤمر الغفر محدش منيهم يهوب داخل السرايا واصل وأني هؤمر صفية تطل كل شوية عليهم تشوف لو محتاجين حاجة وأي دخيل تعرفني بوجوده جبل ما يدخل السرايا مفهوم؟
_ أماء له بطاعة وقال:-
مفهوم يا باشمهندز
_ أغلق الباب خلفه وعاد لمقعده، إلتفت حيث تجلس ورد وأردف بلطف:-
دلوك تجدري تخلعي وشاحك وتطلعي وتنزلي على كيفك ..
_ إنحني بقرب أذنها وواصل حديثه هامساً:-
مش بكيفك جوي يعني إعملي حساب أبوي
_ إبتعد عنها فلم تستطع هي منع إبتسامتها العذبة التي أشرقت وأضافت لوجهها حيوية وأزادته عنفواناً ..
_ كانت السيدة نادرة تتابع ما يحدث أمام مرأى عينيها بعدم تصديق، تكز على أسنانها ببغض واضح وهي تري إبتسامة ورد تزداد إشراقاً، لكنها لن تقف تشاهد في صمت بالطبع ستوقف ولدها عند حده وقبل وقوعه فيما تخشاه ..
_____________________________________
_ أعدل من وضع جلبابه ليكون مهندماً ودلف للخارج بخطى متريثة قاصداً سرايا العمدة لكي يطمئن على إبنة عمه وأمانة زوجته، توقف عن السير وردد بنبرة خافتة:-
وعشجي...
_ سحب شهيقاً عميقاً وتابع سيره متلهفاً لسماع نبرتها مع تذكره لملامحها الطفولية اخر ما يتذكره منها، أوقفه والده بسؤاله:-
على فين العزم
_ أوصد عينيه لثوانٍ ثم إستدار إليه وأجابه على مضضٍ مختصراً الحديث معه:-
على سرايا العمدة هطمن على ورد!
_ رمقه حمدان لبرهة ثم بدأت ترتفع ضحكاته في العلن بسخرية، حاول التحدث من بين قهقهته مردفاً:-
لساك عايش على الأحلام اللي معتصحاش منيها ديي
_ دنى منه حمدان وواصل سخريته:-
البت إتجوزت رملناها جامت اتجوزت خوه، خايف تترمل تاني تتجوز عسران نفسيه
_ طالعه طاهر بتقزز وقال بإزدراء ناهي الحوار:-
عتتحدث براحة غريبة أني نفسي معارفش أعيشها من يوم اللي حوصل وأني مليش علاقة بالموضوع، كانهم شالو جلبك وحطوا مكانه حجر!
_ إتسعت حدقتي حمدان بذهول لسماعه ما تفوهه طاهر، رفع ذراعه للأعلى يريد تأدبيه بصفعة تعيد إليه صوابه لكنه تفاجئ بمنعه للوصول إلى وجهه، قبض طاهر علة يد والده بقوة وهو يكز على أسنانه بغضب، كم يكرهه ويبغض تلك الحياة التي يعيشها معه أسفل سقفٍ واحد..
_ سحب طاهر يده إلى جانبه ثم توجه إلى الخارج بخطى سريعة يهرب من مخاوفه لطالما تمنى أن ينتصر عليها لكنه لا يمتلك الشجاعة فبالأخير هو والده وله حق الطاعة، نفخ بضيق شديد ربما يحاول إخراجه مع أنفاسه التي يزفرها، عاد ليكمل سيره متجهاً إلى سرايا العمدة..
_ وصل بعد دقائق ليس إلا وتفاجئ بأحد رجال الغفر يمنعه من دخول السرايا موضحاً:-
ديي أوامر الكابير، خليك إهنه على لما نعطيه خبر
_ قطب طاهر جبينه بغرابة فالأمر لم يكن هكذا من قبل لم يملك سوى الإنتظار لحين إعطائهم خبر بوجوده بينما هاتف الرجل مصطفى وأخبره بنبرة خشنة:-
طاهر ولد حمدان المنشاوي إهنه
_ ألقي مصطفى بسؤاله متعجباً:-
وديه جاي يعمل إيه عندينا؟
_ رفع الرجل بصره على طاهر وسأله بحدة:-
رايد إيه؟
_ مفاجئة أخرى قد تلقاها طاهر من خلف سؤاله المريب الذي لا يوجد له معني، حاول التحلي بالصبر قدر المستطاع وأجابه على مضضٍ:-
جاي أطمن على بت عمي
_ أخبر الرجل مصطفى ما قاله له طاهر فنهض مصطفى عن مقعده ونظر إلى ورد وأردف:-
طاهر بيجول جاي يطمن عليكي، خير يطمن عليكي من إيه؟
_ عقدت ورد حاجبيها بغرابة فالأمر بدي مريياً بعض الشيئ وخصيصاً سؤال مصطفي الذي يليه العديد من الأسئلة المحملة بالتهم وأجابته بنبرتها الرقيقة:-
مخابراش، أني هروح أشوفه رايد إيه
_ نهضت هي الأخرى فتفاجئت بيد مصطفى تمنعها من المرور قائلاً:-
خليكي إهنه أني هشوفه
_ عارضته بلطف:-
معلاش سيبني أني أشوفه رايد إيه
_ سمح لها مصطفى بإيماءة من رأسه فأسرعت هي بوضع وشاحها أعلى رأسها وأقتربت من الباب فظهر طاهر من خلفه بملامح مشدودة بسبب تصرفات هؤلاء الحمقى، وقف قبالتها وسألها بتوجس:-
أنتِ زينة؟
_ حركت رأسها مؤكدة سؤاله وقالت بقلق :-
أني بخير في حاچة جلجتني؟
_ سحب نفساً وأوضح لها سبب زيارتة:-
مرت عمي وصاتني عليكي جبل ما تهمل البلد وأني جيت أطمن عليكي لو محتاجة حاجة كيف ما جالتلي
_ شعرت ورد بالإمتنان لإهتمامه فهي حقاً في أشد الحاجة لوجود من يهتم لأمرها، كادت أن تجيبه لكن أسبق مصطفى بالحديث بنبرة جامدة:-
هيوحصلها إيه عاد وهي في سرايا العمدة؟
_ أقترب منه قليلاً وربت على كفته وواصل حديثه:-
أطمن يا طاهر ورد في حِمايا
_ رفعت ورد بصرها عليه ما إن أدلى أنها في حمايته، لم تستطيع السيطرة على نبضاتها التي إزدادت بإضطراب شديد، أجبرت عقلها على العودة إلى الواقع فليس بحين يسمح لتصرفاتها البلهاء في الحضور، نظرت إلى حيث طاهر وهتفت ممتنة:-
أني زينة متجلجش عليا وشكراً على مجيتك ديي حسستني إني ورايا أهل مش لحالي
_ تقوس ثغر طاهر ببسمة لم تتعدي شفاه وردد حديثه الذي يأباه قلبه ساخراً لكن حان وقت الإقتناع به:-
أنتِ في مجام خيتي وواجب أطمن عليكي وبما إنك زينة هستأذن أني بجا، العوافي
_ رددت ورد ممتنة له عكس نبرة مصطفى الحادة:-
الله يعافيك ..
_ أولاهم طاهر ظهره وغادر وقلبه يعتصر حزناً فأي شعور يمكن أن يصف وجهه في تلك اللحظة التي يعترف بكونها شقيقته وهي لم ولن تكون كذلك!
_ إلتفتت ورد إلى يمينها فتفاجئت بسودتاه يطالعنها وأحست أن خلفهما شي يريد قوله، انتظرته ربما يدلي ما في جوفه لكنه لم يفعل فولجت للداخل بخطى متريثة فقلبها يرقص فرحاً علي تلك الأحداث الجديدة التي حدثت اليوم ..
_ كان يقف العمدة في إنتظارها وحين إقتربت منه إبتسم في وجهها وأردف معاتباً بلطافة:-
بجا أكده بردك متاچيش تطمني عليا مش بتعتبرني كيف بوكي ولا إيه يا ورد؟
_ شعرت ورد بغصة مريرة في حلقها فهي حاولت مراراً لكنا دوماً تتلقى الرفض من السيدة نادرة، وجهت بصرها عفوياً خلف خليل حيث تقف نادرة فاستشف خليل الأمر كله من خلف نظراتها، حرك رأسه مستنكراً أفعال نادرة الدنيئة ثم حاول تغير مسار الحوار الذي بدأه:-
بس الوكل كان له طعم تاني وأنتِ مشاركانا فيه ربنا يديمها نعمة يابتي
_ إلتوى ثغرها للجانب مُشكلة إبتسامة خجولة وردت عليه بحياء:-
ربنا يخليك يا أبا الحاج ويديم وجودك بيناتنا
_ ربت خليل على ذراعها بحنو وردد:-
ويديمك في حياتنا يا بتي ويتعرف جميتك
_ قال آخر جملته وهو ينظر إلى مصطفى الذي استشف ما يرمي إليه جيداً، أخفض رأسه بخجل ثم حاول نهى ذلك اللقاء بإقترابه من ورد قائلاً:-
بكفياكي واجفة في نص السرايا إطلعي على أوضتك أو ادخلي أوضة الضيافة أهي مجفولة بردك ..
_ إنتظر تلبيتها لأمره لكنه فوجئ بحديثها:-
شيفاك عتؤمرني في الراحة والجاية كاني مش مرت خوك عاد؟
_ تعمدت ورد إلقاء حديثها لكي تأخذ منه إعتراف صريح بإعتبارها زوجته، تقوس ثغر خليل ببسمة حاول إخفائها حين فهم ما تحاول هي فعله ووقف يتابع رد مصطفى على أحر من الجمر عكس نادرة التي كانت تقف كمن يقف على جمر متقد لا ترضى نبرة تلك اللعينة التي تحادث بها والدها كما تعترض كل ما حدث من مصطفى إلى الآن فهي كانت مطمئنة حيث تري عصيانه لأمر والده وتمرده على تلك الفتاة!، خرجت من شرودها وتابعت الأحداث على مضضٍ
_ وقف مصطفى يتخبط بين إجاباته، لا يجد إجابة واضحة صريحة يرد عليها بها فهو في الأساس لا يعلم ماذا يَكِن لها داخله
_ حسناً الإنسحاب في ذلك الوقت هو الحل الوحيد، لم يتردد مصطفى في الخروج من السرايا بخطى مهرولة قبل أن تعيد سؤالها مرة أخرى والنتيجة ستكون ساحقة أمام الجميع ..
_ ظهرت شبح إبتسامة على ثغر ورد فهي توقعت هروبه لكنها لن تتراجع عن إعترافه بها زوجةٍ له وأمام من أدلى لهم من قبل أنها في إعتبار زوجة أخيه وليست زوجته!
_ عادت بأدراجها إلى غرفتها فقط يكفيها ما حدث اليوم من روائع فلقد فقدت الأمل في حدوث نصفها ، أستلقت على الفراش وهي تعيد كلماته التي همس بها في أذنها فقشعر له بدنها فلم يسبق وأن تقرب منها رجلاً بتلك الحميمة برضائها، ستعترف أنها إستمتعت بقربه كثيراً ربما لأنها أرداته هو عكس أخيه التي نفرت منه ..
______________________________________
مساءاً،
تردد قبل أن يفاتح والده في ذلك الموضوع لطالما تأخر عنه كثيراً، حسم أمره أن ينهي ذاك الحب الذي يعيشه معها في الخفاء ويخرجه للنور أمام الجميع بدلاً من اللقاءات التي تجمعهم صدفة ولا يحق له أن يحادثها على راحته بل يختلس النظر إليها كالسارق الذي يسرق شئ ليس من حقه..
_ شهيق وزفير فعل هو ثم بدأ حديثه مباشرةً قبل أن يتراجع:-
بجولك يا أبوي كنت رايد أفاتحك في موضوع أكده
_ أنتبه جميع الجالسين إليه ثم إلتقط والده جهاز التحكم وأغلق التلفاز وأجبر أذنيه على الإصغاء إليه جيداً حيث تابع الآخر حديثه بتلعثم:-
عايز اتجدم لصفاء بت عم رياض الله يرحمه
_ شهقت والدته بصدمة ورددت بدون تصديق:-
صفاء بت صفية الخدامة!!
_ تدخلت شقيقته معاتبة والدتها:-
مالها صفاء ياما بت زينة ومتتعايبش
_ استشاطت والدتها غيظاً وهدرت بها شزراً:-
اجفلي خشمك أنتِ وملكيش صالح عاد بالموضوع ديه
_ تضايقت مروة من أسلوبها الفظ معها وانسحبت من بينهم فتابعت الأخرى حديثها برفض تام:-
أنت متعرِفش انت مين ومن عيلة مين إياك عشان تطلب أننا نناسب بنت الخدامة!
_ شعر ضيف بالإختناق الشديد يجتاحه بسبب حديثها الذي تقلل به من شأن حبيبته وحاول أن ينفيه:-
صفاء في كلية الطب ياما وبت ناس محترمين وكيف ما مروة جالت ميعبهاش حاچة يبجي إيه المانع؟
_ إنتفضت من مكانها والغضب قد سيطر على تقاسميها وصاحت بإنفعال:-
الموانع كاتير أولهم أنها متناسبش عيلة الحمايدي وتانيهم متناسبش ضيف ولد أميمة، أودي وشي من الخلج فين وولدي عيتجوز بنت خدامة ومش أي خدامة ديي خدامة نادرة يعني تاكل وشي لما تِعرف
_ لقد بلغ ضيف ذروة تحمله، نهض من مقعده وأجابها بصوت عالٍ:-
ديي مش طريجة حديت ديي أني لا ليا دخل لا بنادرة ولا بغيرها اني عحب البت ورايدها في الحلال
_ دني من والدته وواصل حديثه بغضب:-
وبعدين إيه خدامة خدامة كانها عيبة! مش بتشتغل من عرج جبينها وبسبب شغلها ديه دخلت بنتها كلية الطب
_ دوي صوت والدته في المكان بعصبية بالغة:-
كلية طب كلية طب، خلاص عرفنا إن السانيورة في طب بس برده لاه لو آخر واحدة مهاتخدهاش يا ضيف، وعايز تعرف مالهم الخدامين هجولك
_ صاحت عالياً:-
بت يا عزة أنتِ يابت
_ جائتها خادمتها راكضة ملبية ندائها:-
أمرك يا ست أميمة
_ توجهت أميمة إلى الطاولة التي تبعدها بضعة سنتيمترات ثم إلتقطت الكوب من عليها وألقته أرضاً حتى بات حطاما، وجهت نظرها إلى عزة وأمرتها بتعالي :-
جمعي يابت اللي اتكسر ديه بسرعة
_ انتظرت أميمة حتى إنتهت عزة من جمعها لحطام الكوب والتنظيف بعده ثم أعادت النظر إلى ضيف وقالت بتهكم :-
يارب الرسالة تكون وصلت لمخك الضلم ديه
_ لن يخضع لها ضيف بتلك السهولة، حرك رأسه لليسار قليلاً حيث يجلس والده ويتابع ما يحدث في صمت وقال له :-
ساكت ليه يا أبوي جول حاچة
_ نهض الحاج حنفي بشموخٍ وتحدث ناهياً الحوار:-
البت متلِجش بعيلة الحمايدي خلص الحديت
_ مر بجواره دون إضافة المزيد فصعق ضيف من رده الذي حسم الأمر ، لم يرفع عيونه على مكان وقوف مكان والده بصدمة قد حلت عليه وإنعكست على تقاسميه، تركته السيدة أميمة وغادرت وهي تتمتم بالحديث:-
معتش إلا بنتة الخدامين كماني
_ إزدادت أنفاس ضيف بإضطراب فلقد شعر لوهله أنه لا يستطيع التنفس بشكل صحيح، جلس على المقعد خلفه لعله يعود إلى رشده لكن صدمته كانت أكبر وغطت على تفكيره في أي شيئ ولم يستطع أن يهدئ من روعه بسهولة..
_ نهض عن مقعده وغادر المنزل وهو يشعر بالضياع ولا يري أمامه فلقد أصبحت الرؤية مشوشة بسبب سيطرة حديث والديه الذي يتردد داخله ويمنعه من رؤية وسماع شي آخر سواه ..
_ قادته قدماه إلى حيث سرايا العمدة ربما يحالفه الحظ ويراها فيشعر بالتحسن القليل أو يصادف صديقه ويبوح له بما يخفيه لعله يشعر بالراحة ..
______________________________________
_ رفض ضيف أن يخرج ما يخبئه الأن ربما لأنه شعر بضعفه في تلك الأثناء وهو يكره ما يتفوه به في تلك الحالة ، إلتزم الصمت طيلة الجلسة على الرغم من إلحاح مصطفى عليه أن يخبره سبب تحوله هكذا لكنه دائما يتلقيى الرفض منه ..
_ كان ميعاد بداية السهرة لدي عسران فلقد أنهى جميع ما عليه من أعمال شاقة اليوم، جاء بجهاز الصوت الخاص به وحرص على تنقية أغنية مختلفة اليوم لكنها حتماً لن تبعد عن مسار الطرب القديم، فكانت تلك المرة لـ ''سعاد محمد'' ..
وحشتني عدد نجوم السما
وحشتني عدد كلام الهوى
وحشتني في كل يوم انما
وحشتني اكتر واكتر واحنا سوا
تعالى نخلي الحلم حقيقة تعالى تعالى
تعالى نعوّض كل دقيقة تعالى تعالى
من خوفي لبكرا يفرقنا
واحنا يا روح قلبي ما صدقنا
اشتقتلي ورجعتلي
وقلتلي وحشتني
_ آخر كلمات المقطع الأول كان يضغط على وتر حساس في قلب ضيف، فهو فعلياً يخشى فراقاها، هو يحبها حباً جما ولا يقدر على تحمل فكرة فراقهم، لن يتنازل عنها بتلك السهولة فإن كان للعمر بقية سينازع حتى تُكتب علي إسمه!!
_ لم يتجرأ مصطفى على رفع بصره تلك المرة على الشرفة، فليس لديه القدرة على مواجهة عينيها حتى وإن لن يراها فحتماً تراه هي بوضوحٍ، اأكتفي بسماع كلمات الأغنية وتخيل ملامحها التي فوجئ بها اليوم على تناغم الموسيقي ..
ليالي ليالي ليالي
مافارقتش ثانية خيالي ليالي
بستنى الفرحة وبستناك
وبغني وانا بحلم بلقاك
الله على لقا الحبيب بعد الغياب
حلاوتو بتخلي الهوى يرجع شباب
_ مع إنتهاء آخر كلمات المقطع الثاني تغلب مصطفى على نفسه ورفع بصره للمكان المراد النظر فيه وفوجئ بعدم وقوفها كما إعتاده في تلك الأثناء، لم يرفع بصره من على الشرفة لعله يلمح طيفها لكنها لم تفعل، تسلل القلق داخله فاليوم قد عاملها بلُطف بالغ فما المانع أن تقف؟
ياقمر ياسهر
راجعين راجعين بحنين كل العاشقين
اسهرو ونورو ليالينا
دا الشوق ياما دوب فينا
ربنا يوعدنا ويسعدنا
ولا تخلص ابدا مواعيدنا
ونقول لبكرا يستنى
ونقول لبعدو ابعد عنا
تعال نخلي الحلم حقيقه تعال تعال
تعال نعوض كل دقيقه تعال تعال
من خوفي لا بكره يفرقنا واحنا يا روح قلبي ماصدقنا
اشتقت لي ورجعت لي وقلت لي وحشتني
_ أنتهت الأغنية ولم تظهر إلي الأن، نهض مصطفى ولم يلتفت لأحدهم وسار متوجهاً داخل السرايا حيث غرفته السابقة ليعلم سبب اختفائها، طرق بخفة على الباب فلم تجيبه، أعاد تكرار فعلته مراراً والنتيجة واحدة، تملك منه القلق وقد توجس خيفة في نفسه خوفاً أن قد مسها ضراً وحسم أن يولج للداخل ليطمئن عليها ..
_ لم يجد لها أثراً في الغرفة لكن هناك مصدراً لصوت ما يأتي من داخل المرحاض، أقترب بخطى سريعة فتفاجئ بما رآه أمام عينيه وخفق له القلب والفؤاد..
ياتري يا جماعه مصطفي شاف ايه
تكملة الرواية بعد قليل
لمتابعة الرواية الجديدة زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملة من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق