القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عرف صعيدي الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم تسنيم المرشدي

 رواية عرف صعيدي الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم تسنيم المرشدي





رواية عرف صعيدي الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم تسنيم المرشدي




الفصل الأول

( إمتناع )

______________________________________


هل تسمعني؟ هل تكترث لأمري؟

أنا هنا أحتاجك وبشدة، لقد خُلقت من ضلعك،

فأنا المغلوبة على أمري أناديك من ثنايا قلبي،

مُد يدك لتخرجني من تلك البقعة التي إنحدرت داخلها

أصبحت شريك حياتي إذاً فلتحقق لي أهدافي،

لطالما حلمت بالحرية أنت كنت ملجئ الوحيد

ها أنا أمامك الأن فهل سنغدوا سوياً إن أمنت لي حقوقي؟


***


_ صدحت أصوات الزغاريد عالياً في أرجاء السرايا، تعالت هتافات الشباب وازدادت المباركات مهللين بسعادة


_ يتوسط أدراج سُلم السرايا شاب في مقتبل العشرين من عمره يرتدي جلباب صعيدي ناصع البياض يعلوه عباءة سوداء، يلوح بيده إلى أقاربه وأصدقائه وباليد الأخرى يحتضن يد عروسه المصُون التي ترتدي فستان زفافها الأبيض لا يظهر منها أي أنش حتى وجهها مغطى بوشاح أبيض


_ إقترب منه أخيه بإبتسامة هامساً في أذنه:-

بجولك إيه اطلع انت على أوضتك العالم ديي مهتمشيش واصل طول ما انت واجف لهم اكده


_ أماء له الآخر موافقاً إياه على إقتراحه، ثم استدار وأولى ظهره للجميع وانطلق على عُشه الجديد مرفرفاً بجناحته إلي حياته الزوجية التي ستبدأ للتو فور غلقه لباب غرفتهم


_ تنفس الصعداء حينما وصل إلى غرفته، لم يعد هناك المزيد وأخيراً سيمتع نظريه برؤية عروسه لطلاما تمنى رؤيتها بفروغ صبر


_ خلع عبائته ووضعها أعلى الأريكة المجاورة له وأقترب بخطاه نحو تلك الهادئة التي لا يصدر منها أي صوت، تقوس ثغره بإبتسامة حماسية لأنه لم يعد يستطيع الإنتظار، رفع يده وأزاح ذلك الوشاح ليُفأجئ بزرقاوتاها تحملق به


_ إتسع ثغره بإبتسامة عريضة حينما وقع بصره علي شفتيها الوردية المنتفخة وردد مبدي إعجابه بجمال خلقتها:-

'بيضاء تكحلت سلبت النظر، وخديها الوردي سبحان الذي خلج'


_ لم يصدر منها أي ردة فعل إلى الأن، حسناً ربما منعها حيائها ، رفع يده وتحسس وجهها الناعم بأنامله قائلاً:-

طلعتي كيف الجمر أحلى ما توقعت كماني، يابختي بيكي


_ تفاجئ بنفورها منه وتراجعها للخلف رافعة سبابتها في وجهه معنفة إياه:-

إياك تفكر تجرب مني وإلا هموت نفسي وأجيب لك مصيبة


_ إتسعت مقلتيه بصدمة جلية تشكلت على تقاسيمه من خلف تحذيراتها، حاول أن يتحلي بالصبر معللاً سبب ذعرها:-

متخافيشي أنا لا يمكن أمسك بسوء، أكيد طبعاً إنتِ كيف البنتة خايفة في ليلة زي ديي بس أني مبخوفش صدجيني


_ إقترب منها محاولاً طمئنتها لكنها تراجعت بخطوات أسرع حتى لا يصل إليها محذرة إياه:-

جولتلك متجرِبش مني، خليك عِندك يا "هلال"


_ كز الآخر على أسنانه بغضب بدي على ملامحه وإندفع فيها عندما لم يتحمل تحذيراتها التي ليست في أوقاتها الأن:-

بجولك إيه النهاردة دخلتنا مستوعبة إنتِ يعني ايه؟ بكفياكي عاد الخبل اللي في مخك ديه وإهدي إكده عشان مطربجش حيطان الأوضة ديي عليكي


_ صُعق "هلال" حينما رآها تسحب سكين من داخل فستانها، رفعته في وجهه ورددت بما يدور في عقلها:-

أني اتچوزتك عشان تچيبلي حجي من عمي، معلوم انت ابن العمدة ويدك طايلة وهتعرِف ترچع لي ورثي من نن عنيه


_ ضرب "هلال" كفه على الآخر بذهول شديد، ليس بحين يسمح فيه سماع تلك الترهات الأن، أعاد تكرار محاولته معها مراراً عليطى أمل أن تستمع له:-

استهدي بالله يا ورد، ورث إيه بس في ليلة كيف الليلة ديي، النهاردة فرحنا يعني أني العريس وإنتِ العروسة وديي بداية علاجتنا يا نمشوها علي كيفنا ونتبسموا لما نفتكروها بعدين يا هتكون ليلة مطينة بطين مهتنسيهاش عمرك كلاته


_ لم تهتز خصلة من "ورد" بل ثبتت أقدامها بالأرض ولم ترفع يدها من أمامه لكي يكون حصن منيع يمنعه من الإقتراب منها


_ أصدر ''هلال'' صوتاً بتذمجر:-

يا صبر أيوب، إعجلي يابت الناس وفوتي الليلة على خير


_ هزت "ورد" رأسها برفض وأجابته بإصرار:-

مههداشي جبل ما تاخدلي ورثي اللي عمي نهبوا مني وعيجول أنه مهيورثش بِنِتة


_ أزفر الآخر أنفاسه بضجر واضح وأردف بإندفاع :-

أنا مليش صالح عاد بعمك يا ورد انتوا أهل وتصطفلوا مع بعضيكم اني مهدخلش بيناتكم


_ رمقته "ورد" شزراً محاولة التقليل من شأنه:-

وأني اللي جولت ضل راجل ولا ضل..


_ سخرت منه مقهقهة وتابعت حديثها مضيفة:-

ديي الحيطة طلعت ليها جيمة عنيك


_ ألقى "هلال" بحديثه مختصراً:-

يعني ديه أخر حديت عندك يا بت الناس؟


_ أماءت له مؤكدة سؤاله:-

رجوعك لورثي جصاد جربك مني!


_ حرك "هلال" رأسه يميناً ويساراً لاستيعابه حقيقة الأمر الأن، انسحب خارج الغرفة معلناً نهاية الحديث معها ، توقفت قدميه حينما سمع نداء والدته:-

أباه! إيه اللي مخرجك في وجت كيف ديه يا ولدي وليه لساتك مبدلتش خلجاتك؟


_ أخذ "هلال" شهيقاً وأخرجه ببطئ لأنه لم يرتب لتلك المواجهة، نظر إليها محاولاً الهروب من نظراتها التي حتماً سيدلي بما يخفيه في جوفه أمامها


_ عقدت الأخرى ما بين حاجبيها مستفسرة:-

بتفكر عاد هتجولي إيه؟ ما تنطج يواد إيه اللي مخرجك في ساعة كيف ديي؟


_ لم يكن أمامه سوي المواجهة لكن حتماً ليست المواجهة الحقيقة بل المزيفة، شكل إبتسامة على ثغره حتي يطمئنها وأجابها قائلاً:-

مفيش ياست الكل أني نازل أجيب مُية لأن مفيش في الأوضة


_ صوبت عينيها عليه بعدم اقتناع فهي بذاتها من تممت على الطعام والشراب قبل دخولهما الغرفة، مالت برأسها للجانب مرددة بنبرتها الحادة التي يخشاها الجميع:-

بجى مفيش مُية في أوضتك؟ كانك بتستخفلني يا هلال أني بنفسي اللي متممة علي وكلك وشربك جبل ما تدخلوا الاوضة يبجي كيف؟


_ وقف أمامها مطأطأ الرأس، بدي كأنه أبله يبحث عن كلمات ليقنعها بها، فتح فاهه ليبدأ بالحديث الذي لا يعرف له سبيل فأنقذته هي بحديثها:-

بكفياك تفكير عاد وأخرتها مش لاجي حچة تجولها روح شوف انت رايح فين بس متعوجش


_ كلماتها كانت بمثابة طوق نجاته الذي تشبث بهم وفر هارباً من أمامها، بينما نظرت الأخرى علي باب غرفته مرددة:-

عملتي في الواد إيه خلتيه يطفش من أول دجيجة


_ ضربت الأرض بتلك العصا التي تناولتها من زوجها عند عودتهم للغرفة ثم تحركت عائدة إلى غرفتها، وما أن أغلقت الباب خلفها حتى أتاها سؤاله:-

ماله هلال يا نادرة خارج في ساعة كيف ديي ليه ؟


_ إقتربت منه بخطى ثابتة، تركت عصاه الخاصة بجوار الفراش وأجابته وهي تستلقي بجانبه:-

مخابراش بس أني مش همرر الموضوع إكده عادي لازم أعرفوا عملت فيه إيه بنت سنية ووعاك يا خليل توجفني أني مش مچوزاه عشان يتسحب في نصاص الليالي كيف الحرامية ليلة دخلته


_ إستنكر "خليل" حديثها وحرك رأسه بإيماءات تدل علي رفضه التام لتدخلها بينهم وحذرها قائلاً:-

إوعاكِ انتي تدخلي بيناتهم انتي جوزتيه وخلصنا ملكيش صالح عاد بلي يوحصل


_ رمقته بنظرات حادة رافضة ما يؤمرها به وأردفت بهجوم:-

لاه يا خليل لاه أني چوزته صغير عشان يتهني بشبابه مع بت صغيرة وميعملش كيف خوه اللي عنده تشجه بخنجر ولا تجيبله سيرة الچواز، أني اللي وافجت عليها من بين بنتة البلد كلاتهم بعد ما أنت عرفتني عليها يبجي تدلع وتهنن ولدي متخلهوش يهرب منيها ليلة دخلتهم، أني من الصبح بدري هدج بابهم وأطلب المراد، جبهولي كان بيها لجيت في لوع الله في سماه لكون فضحاها في البلد كلاتها


_ ضرب "خليل" كفه على الأخر بغضب شديد قد تملك منه وهدر بها شزراً:-

الله الوكيل لو عملتي أي حاجة تضايج البت لأكون أني بنفسي اللي واجف جصادك البت لساتها صغيرة ويمكن خايفة وانتي داريه صوح ولدك وعمايله أكيد خافت منيه


_ هدرت به متذمرة غير متقبلة إلقائه للحديث عن فلذة كبدها وصغيرها:-

أبني معيخاوفش يا خليل هو عفوي ومش كل اللي يجدر عفويته ديي وهي طلاما وافجت تبجي كنة لعيلة الجبلاوي تبجي تطاطي راسها لابني وإلا أني مش هسكت لها واصل


_ رمقها "خليل" بنظرات مشتعلة وهو يومئ برأسه في حالة ذهول شديد من حديثها الذي فاجئه، هو على دراية تامة عن أولوية حبها لوالديها لكن لم يدري انها بتلك العقلية الصغيرة تجاه من يقف أمام أولادها، لم يكن ليغلق ذلك الحوار قبل أن يضع النقاط على الأحرف وأردف بنبرة متحشرجة:-

يا ولية إهمدي، بوها موصيني عليها جبل ما يموت يبجي نعاملوها بالجسوة دي؟ فين إحترام الوصية ولا نسيتي تجاليدنا يا نادرة عشان خاطر عيون سي هلال!


_ تأففت السيدة "نادرة" بصوت مرتفع مبدية تذمرها كما رفعت إحدي حاجبها بتهكم لحديثه الذي ليس له أساس من الصحة معارضة إياه:-

وصاك كيف بالله عليك وهو كان حتة عامل في أرضك لا فيه جرابة بينا ولا بيناتكم أي حديت سابج؟


_ أجابها وهو يعيد بذاكرته أخر حوار دار بينهم:-

الله يرحمه أخر أيامه كان على طول تعبان ومش جادر يصلب طوله كيف العجوز مع أنه مش كابير في العمر، لاحظت تغيره وسألته إيه اللي غير أحوالك يا صابر رد جالي أنه المرض اللي ما يتسمي ديه اتملك منيه وملوش علاچ ويدوبك أيام جليلة وعمره ينتهي، هو موصانيش مباشر بس حديته كله كان بيستنچد بحد يغيته من أخوه وعمايله، جعد كيف الحريم يولول على حال بته ومرته من بعده، كانه بيقولي خليهم أمانة عنديك يابا خليل وعشان إكده أني طلبت نجوزها لهلال لما لجيتك بدوري له على عروسة


_ قلبت "نادرة" عينيها بعدم إعجاب ورددت مستهتره أهمية حديثه:-

ميهمنيش، كل اللي يهمني عيالي وبس


_ أوصد "خليل" عينيه بنفاذ صبر وأردف بنبرة يريد بها الخلاص من ذلك الحوار العقيم الذي لا فائدة منه :-

أنا عارفك لما تجفلي مخك، جفلة ولا السد العالي لايمكن يتفتح إلا في معاده


_ أولاها ظهره وأغمض عينيه في محاولة منه على النعاس قبل أن تشتعل مشادة قوية بينهم هاتفاً بحنق:-

أهاه وأدي نومة


_ رمقته بغيظ عارم مرسوم علي تقاسميها مستاءة منه:-

نام ياخويا نام


_ أدارت ظهرها هي الأخري له متمتمة بإصرار علي ما نوت فعله:-

بكرة هيظهر المتسخبي


_ أخذت تزفر أنفاسها ببطئ شديد وكانت تلك طريقتها لتنعم بالنوم الهادئ بكل سهولة


***


عقد ما بين حاجبيه متعجباً من وقوف أخيه في ردهة السرايا في تلك الأثناء، لم يتردد في النزول إليه حتماً هناك تفسير منطقي لوجوده خارج غرفته في تلك الليلة المباركة التي ينتظرها العريس بفروغ صبر


'مالك يا خوي واجف الساعة ديي برا الدار ليه ؟'

_ أردفهم متسائلاً بقلق معانق للإهتمام، أغمض "هلال " عينيه بضيق فتلك هي ليلته الأولي مع عروسه بالله ماذا يفعل الأن في تلك الردهة التي تطبق علي صدره رغم اتساع مساحتها، أخذ يلهو بحديثه لكي يبعد أخيه عن سؤاله:-

لساك صاحي! غريبة ده أنت بتنام من العشية


ً_ ضيق مقلتيه علي أخيه عندما استشف هروبه من سؤاله، إحترم خصوصيته في عدم إخباره بحقيقة الأمر وأجابه موضحاً:-

بكرة إجازة حلاوة فرحتنا بيك


_ أماء "هلال" رأسه متفهماً وهتف وهو ينوي الرحيل:-

أه جولتلي، طيب تصبح علي خير ياخوي


_ تركه واقفاً بمفرده وعاد للداخل وهو يرمق الطابق العلوي بسودتاه، لا يعي كيفية مواجهة تلك الفتاة العنيدة، شهيق وزفير فعل هو ثم صعد للأعلي غير مستعد لخلق أي حوار بينهما بعد أن منعته من خوض تجربته الأولي معها


_ ولج داخل غرفته متعمد عدم النظر إليها، لكنه فوجئ بعدم وجودها في الغرفة، ازدادت نبضات قلبه خوفاً خشية هروبها فالذي عاشه منذ قليل لن يكون بعيداً لمحاولاتها في الهرب


_ بحث عنها في أرجاء الغرفة ولم يكن أمامه سوي الدخول والبحث عنها في المرحاض ، تنهد ببعض الراحة عندما وجد بابه مغلق من الداخل، إذاً هي من أوصدته، لا يهم الأهم الأن أنها لم تهرب وتفتح أبواب جهنم في وجهه


_ خلع عبائته ومن ثم جلبابه واكتفي ببنطاله الابيض وصدريته الخاصة بالجلباب، استلقي على الفراش واضع ذراعيه أسفل رأسه محملقاً في سقف الغرفة عله يصل إلى فكرة ما تقربه من ذات الزرقاوتين


_ في الخارج

'محتاچ حاجة يا مصطفي يا ولدي'

_ أردفهم شيخ الغفر متسائلاً بإهتمام ممزوج بالقلق لأنه يعلم جيداً موعد نومه المبكر، استدار إليه "مصطفي" مشكلاً إبتسامة علي ثغره وأجابه:-

لاه يا عسران متشكر أني مش محتاچ حاچة هطلع أنام تصبح علي خير


_ عاد إلى غرفته وأستلقي على فراشه غير أبِه لأي شئ فالغد إجازة من العمل ولن يستيقظ باكراً كعادته


***


سبحان من أشرقت الشمس بقدرته وملئت الأرض بنورها ودفئها، زقزقت العصافير فوق الأشجار معلنة عن نهار أخر يحمل للجميع أقدار جديدة


_ صدح صوتها في أرجاء السرايا تأمر خادمتها لتسرع من حركتها:-

همي يابت يا صفية نطلعوا الفطور وهو سخن إكده


_ خرجت "صفية" من المطبخ حاملة صنية الطعام الذي لا تدري أين بدايتها من نهايتها ملبية أمرها:-

جيت أهو ياستي


_ صعدت "نادرة" درجتين من السُلم قبل أن يناديها زوجها فتوفقت ونظرت إليه في انتظار سماع ما يريده، وقف "خليل" أمام السُلم من الأسفل ورفع نظره نحوها متابعاً حديثه بحدة:-

إنتِ بردك هتعملي اللي على كيفك وتصحيهم، ياست انتي إختشي وحسي على دمك، همليهم لحالهم يصحوا إبراحتهم


_أضاقت مقليتها عليه بغيظ عارم رافضة لحديثه وهتفت مبررة تصرفاتها الغير منطقية:-

أني هوصلهم الوكل وننزلوا طوالي


_ أولاته ظهرها ما إن أنهت جملتها لكي تمنع أي إعتراض ستواجهه منه، وقفت أمام باب الغرفة ولم تتردد في الطرق عليه، كانت تقف كمن يقف علي جمر متقد، لا تطيق الإنتظار تريد الدخول ومعرفة ما حدث ليلة أمس، هل سارت علي النهج المعروف أم هناك أمراً تجهله؟


_ استيقظ "هلال" علي طرقات الباب، مال برأسه إلي الجانبين مصدراً صوت طقطقة عنقه، نهض من مكانه وتوجه إلى الباب مباشرةً، تفاجئ بوجود والدته وخلفها تقف "صفية" حاملة للطعام


_ تعالت الزغاريد في المكان من قِبل "صفية" عندما رأت هلال مهللة بسعادة:-

صباحية مباركة يا عريس


_ لوهلة إستوعب "هلال" فداحة ما اقترفه، فهو لم ينتبه لثيابه الذي بات عليها كما أن الأخري لم تبرح المرحاض منذ البارحة يا لها من ورطة قد أوقع نفسه بها، رمقته "نادرة" بتفحص وأمرت صفية "قائلة":-

دخلي الوكل يا صفية چوا وهملينا لحالنا


_ أماءت لها بقبول وفعلت ما أمرتها به وهمت بمغادرة الغرفة سريعاً، انتظر "هلال" مغادرة والدته لكنه تفاجئ بعينيها ترمقان الغرفة بتفحص، حمحم ليجذب انتباهها هاتفاً:-

صباح الخير ياما


_ ثبتت أنظارها عليه مُشكلة إبتسامة متهكمة علي ثغرها وأجابته بفتور:-

صباح الخير يا ولدي، فينها عروستك مش ظاهرة ليه؟


_ ابتلع "هلال" لعابه وهرب من نظراتها الثاقبة بدخوله الغرفة ثم قال:-

في الحمام ياما لساتها داخلة وانتوا عتخبطوا مخابرش هتخرج ميتي


_ رفعت "نادرة" إحدى حاجبيها متمتمة بعدم إقتناع:-

ااه جولتلي، لا إبراحتها خالص ديي عروسة بردك ومن حجها تدلع


_ مدت يدها أمامه منتظرة إعطائها المراد التي جائت من أجله، ظهوره سيحدد أسلوب المعاملة مع تلك العروس، هز "هلال" رأسه بعدم فهم عندما نظر إلى يدها الممدودة إليه مستفسراً:-

محتاچة حاچة ياما؟


_ رمقته بطرف عينيها مستاءة من سذاجته، سحبت نفساً وحدثته في أذنه، رُسمت الدهشة تلقائياً على ملامح "هلال" لسماعه تلك الترهات والأدهي أنه لم يخطر على باله قط إذاً ما العمل الأن ؟


_ حاول أن يلهيها ويبعدها عن طلبها بإندفاعه ورفضه للأمر:-

إيه اللي عتطلبيه ديه ياما؟!


_ شهقت "نادرة" بصوت عالٍ ضاربة صدرها بيدها وهدرت به شزراً :-

وااه كانك متعرِفش أعرافنا وتجاليدنا إياك؟ أومال لو مكنتش معجون بتربية البلد ديي كنت هتعملوا ايه؟ نادي على عروستك وانا أطلبو منيها بنفسي طلاما مستحي تطلبه إنت


_ أسرع "هلال" في الرد عليها رافضاً لتلك التقاليد والأعراف المهينة:-

ياما بلاها الطلب دييه البت هتستحي منيكي


_ رمقته "نادرة" لثوانٍ ثم توجهت نحو المرحاض لكي تنهي تلك المسألة بذاتها، ركض خلفها "هلال" يحاول منعها مما تريد الوصول إليه لكن هيهات لإصرار "نادرة" فهي لن تتراجع قبل أن تري المراد رؤيته..


_ تفاجئ كليهما بفتح باب المرحاض وظهور "ورد" من خلفه، تراجع "هلال" للخلف وهو يشير إليها بنظراته التي تحثها على عدم التحدث وإخبار والدته بحقيقة الأمر


_ لم تكترث "ورد" لنظراته ووجهت بصرها الي نادرة مُشكلة إبتسامة ودودة على شفتيها قائلة بلطافة:-

صباح الخير يا ست نادرة


_ بادلتها "نادرة" إبتسامة متهكمة فهي لم تعد تستطيع تحمل تلك السخافات بعد، كانت ستطالبها بما طالبت به هلال لكن ورد فاجئتها بتلك المنشفة الملطخة بالدماء


_ لم تكن "نادرة" من تفاجئت بمفردها بل تفاجئ "هلال" هو الآخر بل وصعق، لمن تعود تلك الدماء إذا لم يحدث بينهما شئ؟!


_ ظل عقله في الذهاب والإياب لعله يصل إلى فكرة جذرية حول تصرف "ورد" لكنه فشل ولم يستطع الوصول إلى أي فكرة


_ اتسع ثغر "نادرة" بإبتسامة عريضة تدل على رضاها الكامل عن العروس الجديدة، أخذت منها المنشفة ودلفت خارج الغرفة مهللة بالزغاريد التي جمعت كل من في السرايا إثرها متسائلين عما يحدث حتى تزغرد سيدة السرايا بذاتها


_ هبطت "نادرة" أمرة شيخ الغفر بحماس شديد:-

أضربوا نار يا شيخ الغفر، سمعوا أهل البلد كلاتهم أن المراد خلاص حوصل


_ أماء لها شيخ الغفر بقبول مردداً:-

أمرك ياستي الحاچة


_ دلف خارج السرايا مهللاً بنبرة مرتفعة حتى يسمعه جميع الرجال المحاوطين للسرايا:-

أضرب نار يا وِلد منك ليه


_ إرتفعت أصوات النيران في الخارج ليبلغوا أهل القرية بإتمام زيجة "هلال" من عروسه، وقفت "نادرة" في منتصف السرايا تتمايل وتتغنج بسعادة واضحة للجميع، كما لم تتوقف الزغاريد منذ هطول السيدة "نادرة" من الأعلى بأمر منها ..


_ وقف "هلال" في شرفة غرفته يطالع ما يحدث باستنكار شديد داخله، فكل ما يحدث ماهو إلا أكذوبة إفتعلتها تلك الفتاة، سحب نفساً داخله وأزفره وهو يعود بأدراجه إليها، وقف أمامها يطالعها بإسيتاء لتصرفها وسألها بنبرة مندفعة:-

ممكن أعرف اتصرفتي كيف؟ طلع منين الدم ديه؟


_ رمقته "ورد" بأعين تتلالأ فيهم العبرات التي تتهدد بالسقوط، إبتعدت عنه وجلست أعلى الفراش ممددة ساقها اليسري أمامها ثم سحبت ثوبها القطني إلى الأعلي حيث تفاجئ "هلال" ببقعة الدماء التي تتوسط منشفة محاوطة فخذها


_ جهشت في البكاء بألم شديد شعرت به ما أن أزاحت المنشفة من عليها، شهق "هلال" بصدمة عندما رأي عُمق الجرح التي إفتعلته هي، ركض نحوها معنفاً إياها:-

ليه إكده يابنت الحلال ليه تعملي في نفسك إكده


_ أجابته من بين بكائها بنبرة متحشرجة:-

كنت رايدني اأعملوا إيه وأمك عتسألك فين المراد؟


_ حرك رأسه مستنكراً تصرفها الأرعن وهتف عالياً :-

وليه يوحصل كل ديه من أساسه ليه تمنعي نفسك عني ده أني چوزك حلالك ليه تمنعي اللي ربنا أمر بيه ونوصله للوضع اللي وجعنا فيه دييه


_ ضغطت ورد أعلى جرحها ربما تشعر بالقليل من الراحة وأردفت موضحة سبب امتناعها عنه:-

عايزاك تردلي حجي لاول وبعدها تاخد عمري كلاته مش هرفضك بس أنت رچعهولي أحب على يدك


_ نهض من مكانه غير آبِه لهرائتها التي ليست في محلها الآن وردد بأمر:-

جومي نروحوا المستوصف جرحك عايزله خياطة


_ رمقته "ورد" بملامح تعكس مدي الألم التي تشعر به قائلة:-

هنجولوا ليهم ايه؟ أكيد مهتخبرهمش الحجيجة


_ رد عليها "هلال" وهو يسحب جلبابه من على الأريكة:-

مش مهم إيه اللي هيتجال المهم نلحجوا المصيبة اللي إنتِ عملتيها ديي


_ أنهي ارتدائه سريعاً وعاد إليها، أحضر لها وشاحها وحرص على ألا يلمس جرحها وهو يساعدها في إرتدائها للثياب، تعلقت هي في ذراعه ودلف كليهما إلى الخارج


_ تعجبت "نادرة" من نزولهما وشعرت أن هناك ثمة أمراً عندما رأت ثيابهم التي تدل على خروجهم من السرايا، إقتربت منهم عاقدة حاجبيها متسائلة بحدة:-

على فين العزم؟ لساتكم عرسان ملكوش خروج


_ رد عليها "هلال" بنبرة غير قابلة للنقاش موضحاً:-

ورد بتنزف لازم نروحوا المستوصف حالاً، خلي عسران يجهز العربية بسرعة


_ لم تتحرك "نادرة" من مكانها بل نادت بصوت عالٍ:-

بت يا صفية إنتِ يا بت


_ جائتها تلهث بسبب ركضها فأمرتها قائلة:-

إطلعي خبري سيدك مصطفي ينزل طوالي، جوام يابت


_ تبادلا هلال وورد النظرات بينهما ثم تجرأ "هلال" وسأل والدته عن سبب منادتها لأخيه:-

عتنادي علي مصطفي ليه، أني هروح مع عسران


_ ضربت السيدة "نادرة" على صدرها مستاءة وهتفت بحنق:-

يادي الفاضيحة عسران إيه اللي ياجي معاكم في وضع كيف ديه، خوك سترك يا ولدي


_ تأفف "هلال" بتزمجر لا يطيق الإنتظار حتى يصل إلى المشفي لينقذ ما يمكن إنقاذه، كان ينفخ بنفاذ صبر حينما تضغط ورد على ذراعه بألم لا يمكنها البوح عنه، تحملت وتحملت إلى أن وصل أخيراً مصطفي يهرول بقلق قد إنتابه من خلف لهفة صفية في حديثها، مرر أنظاره بين الجميع وتسائل في قلق:-

في إيه ياما حوصل حاچة؟


_ هلال منع والدته من الهراء التي سوف تختلقه الأن وأجابه بنبرة تريد اللحاق بتلك المسكينة التي تتألم في صمت:-

هنروحوا المستوصف ورد بتنزف


_ رمقته "نادرة" شزراً ومن ثم هتفت ونظرها يتابع خروجهم من السرايا:-

ابجوا طمنوني يولاد


_ جهز "مصطفي" السيارة وقادها بسرعة عالية ما أن أستلقي أخيه وزوجته في الخلف، كان يظهر منها أنين مكتوم من حين لآخر حينما لا تستطيع تحمل الألم بينما كان يرتجف قلب "هلال" كلما تذكر عُمق جرحها ..


_ أوصد عينيه في محاولة منه على إلقاء تلك الذِكرة خارج عقله لكنه كان يفشل كلما شعر بألامها التي تحاول إخفائهم، وصلا إلى المشفى في وقت قياسي، ترجل ثلاثتهم وتحركوا بخطي سريعة داخل المشفي، نادي "هلال" بنبرة جهورية عند وصولهم إلى الإستقبال:-

داكتورة يا ناس يلي هنا داكتورة بسرعة الله لا يسيئكم


_ حاول "مصطفي" أن يهدئ من روع أخيه قائلاً:-

إعدي يا هلال الخلج عيتفرجوا علينا


_ لم يكترث الآخر لحديثه وضرب بيده على الحاجز الذي بينه وبين موظف الاستقبال معنفاً إياه بحنق:-

مستني إيه بجولك إطلب داكتورة تاجي إهنه


_ موظف الإستقبال أماء برأسه وسأله بعملية:-

داكتورة تخصص إيه يا فندم؟


_ رد عليه بنبرة ملهوفه:-

چراحة!!


_ حرك الموظف رأسه حينما فهم طلبه وأحضر له طبيبة جراحية، وقف "مصطفي" مستنداً على الحائط المقابل لتلك الغرفة التي أختفي خلف بابها هلال بمرافقة زوجته وطلب أخيه يتردد في عقله، علي قدر علمه بأنه فمن المفترض أن يطلب طبيبة نسائية وليست تخصص جراحة، حرك رأسه يميناً ويساراً يطرد كل أفكاره التي لا داعي لها، عدل من وقفته يتابع المارة في إنتظار خروج أخيه ..


***


_ داخل الغرفة، قامت الطبيبة بما يلزم فعله ثم نهضت متمنية لها الشفاء العاجل وغادرت الغرفة، نظر "هلال" لتلك الزرقاوتين التي ينسدل منهما الدموع معاتباً بلطف:-

إوعديني متتصرفيش من راسك تاني يا ورد أني مهتحملش يصيبك مكروه


_ رفعت نظرها عليه متمتمة بسؤال يتردد داخل عقلها:-

ليه مهتتحملش، لساتك شايفني إمبارح لحجت تحبني؟


_ عاتبها بنظراته ومن ثم جلس مقابلها وأوضح قائلاً:-

إنتِ مرتي يعني واجب عليا أخاف عليكي حتى لو كنتي رفضاني


_ أخفضت ورد رأسها كما أوصدت عينيها بتعب وأردفت بنبرة منهمكة:-

أني مش رفضاك أني رايدة حجي وبس


_ وضع "هلال" أصابعه على ذقنها رافعاً وجهها نحوه وأجابها مستاءً:-

وهو حجك مهيجيش إلا برفضك ليا؟


_ أماءت برأسها وهتفت مؤكدة حديثه:-

أيوة ، أنت وجت ما هتاخد غرضك من الچوازة ديي هتهمل الموضوع


_ تفاجئ الآخر من عقليتها المغلقة، ضرب كف على الآخر مستاءً وردد معارضاً تفكيرها الساذج:-

مخبولة في عجلك إياك، أني متچوز عشان واحدة تشاركيني حياتي وأشاركها حياتها بمشاكلها بكل بلاويها تجومي تجولي إكده أنا بجول تجفلي الخشم ديه أحسن


_ إنتفض من مكانه بذهن مشغول بحديثها الذي أثر فيه وسبب له الضيق، هتف وبصره بعيداً عنها لا يريد رؤيتها الأن:-

هطلعوا أجيب العلاج والضمادات ديي عشان مناچيش إهنه تاني متخرجيش برا الأوضة


_ أماءت له بالموافقة فأسرع هو الى الخارج دون أن ينظر خلفه، إقترب منه "مصطفي" ما أن وقع بصره عليه وسأله باهتمام:-

إيه الاخبار يا خوي؟


_ تنهد "هلال" بضجر بائن على تقاسيمه وأجابه مختصراً:-

خير إن شاء الله


_ صمت لبرهة ثم أضاف:-

هجيب العلاج ديه وأعاود طوالي


_ رفض "مصطفي" الوقوف بمفرده وصمم أن يرافقه إلى حيث يذهب، لم يستطيع أن يكتم ذلك الحديث الذي يود الإفصاح عنه وسأله بحدة:-

ليه توصلها للحالة ديي غشيم إياك؟


_ توقف "هلال" فجاءة ومال برأسه للجانب غير مصدق ما تفوه به أخيه للتو، لوهلة كان سيفصح عن حقيقة الأمر لكنه تراجع في أخر لحظة وأردف بجمود:-

أديك جولتها، غشيم!


_ أنهي "هلال" جملته وتابع سيره حيث ''أجزخانة'' المشفى، عاد إلى ورد بعد دقائق معدودة وغادر ثلاثتهم المشفى عائدين إلى السرايا، أسندت "ورد" رأسها على نافذة السيارة تتمني مرور تلك الأزمات التي لا تنتهي أبدا منذ وفاة والدها بينما لم يبعد "هلال" نظره عنها على الرغم من أنه لم يستطيع رؤيتها بوضوح بسب ذلك الوشاح الذي يغطيها بالكامل إلا أنه يكتفي بسكونها التي تعيشه الآن ..


***


_ أوقف "مصطفي" سيارته أمام باب السرايا، ترجل هلال وفتح الباب المجاور لورد كما ساعدها على النزول، دخلا إلى السرايا وتفاجئ بحضور جميع عائلة ورد


_ نظر إليها نظرة مطولة إستشف عدم قبولها لتلك الزيارة حينما لم تخطوا خطوة واحدة إلى الداخل بعد أن رأتهم، هرولت السيدة "سنية" إلى إبنتها بقلق عارم مرسوم على ملامحها وسألتها بنبرة تهدد بالبكاء:-

مالك يابتي فيكي إيه انطجي؟


_ حاول "هلال" طمئنتها بحديثه:-

متجلجيش يا خالة هي كويسة


_ إنحني عليها هامساً:-

ياريت نتكلموا فوج بعيد عن العيون اللي هتطلع علينا ديي


_ أومات سنية بقبول ومن ثم توقفت جانباً لتسمح لهم بالمرور، اقتربت منها بنظرات متشفية مُشكلة إبتسامة عريضة على شفتيها الغليظة، إنحنت بقرب أذنها وهمست:-

مش كد الجواز بتتجوزي ليه؟


_ قلبت "ورد" عينيها بضيق شديد لتلك البغيضة التي لا تروق لها وأجابتها بنبرة صارمة:-

أنتِ اللي مش كده يا بنت عمي مش أني والدليل إني واجفة في سراية إبن العمدة اللي هو نفسيه چوزي وأنتِ لساتك في بيت بوكي ولا أنتِ اتعميتي يا صباح؟


_ رمقتها بنظرات مشتعلة ودت لو تحرقها وتنفيها من على الأرض عامة لعل حينذاك تشعر ببعض الراحة، مرت "ورد" من جانبها متعمدة خبطها في كتفها بإزدراء


_ تحدث عمها متسائلاً بإهتمام زائف:-

أخبارك ايه يابتي إن شالله تكوني بخير


_ رمقته "ورد" بكُره شديد وأختصرت حديثها معه:-

بخير


_ هللت زوجة عمها متصنعة الخوف:-

جلبنا وجع في رجلينا أول ما الست نادرة خبرتنا أنكم في المستوصف حمد لله علي سلامتك يا حبيبتي


_ ردت عليها "ورد" بنبرة جامدة:-

أني بخير بس محتاچة أرتاح وهبجي زي الفل عن إذنكم


_ هتفت بهم معلنة إنتهاء الحوار بينهم ومن ثم صعدت الأدراج سريعاً على الرغم من الألم التي شعرت به بسبب حركتها العفوية التي أثرت على جرحها إلا أنها لم تبالي، فقط تريد الهروب من الجميع وأخيراً أستلقت على الفراش بعدما ألقت بوشاحها بعيداً


_ أخرجت تنهيدة متعبة كما أوصدت عينيها تستكين بعض الوقت لعل ألم جرحها يهدأ قليلاً، لم تفرح طويلاً فطرقات الباب لم تتركها وشأنها، أعتدلت في جلستها سامحة للطارق بالدخول قائلة:-

أدخل


_ ظهرت والدتها من خلف الباب بملامح حزينة، أغلقت الباب وأقتربت بخطاها منها، لم تستطع سؤالها عن ما حدث فقط هي تحمل ذاتها ما حدث لها فهي من أجبرتها على الزواج منه


_ تنهدت بصوت عالٍ ظاهرة مدي ندمها، أستشفت ورد ما خلف تلك التنهيدة وحاولت طمئنتها:-

متخافيش ياما أنا زينة نحمدوا ربنا


_ ترقرقت العبرات في عيناي السيدة "سنية" ولم تكف عن إيلام ذاتها:-

أني السبب، أني اللي فضلت وراكي عشان توافجي عليه وأدي أخرتها وداكي المستوصف من تاني يوم مني لله على اللي عملته فيكي سامحيني يابتي


_ أستنكرت ورد حديثها ومعاتبتها المستمرة، رفضت سماع المزيد من كلماتها التي ينفطر قلبها ألماً إثرها مرددة:-

ياما هو ملوش ذنب هلال حنين جوي واحد غيره مكنش عاملني بالحنية ديي بعد ما رفضت أنه يجرب مني


_ توقفت "سنية" عن النواح وصوبت بصرها على ورد متسائلة بعدم استعياب:-

كيف يعني مجربش منك؟


_ شهيق وزفير فعلت "ورد" لكي تواصل الحديث رغم إرهاقها البادي على ملامحها وكذلك نبرتها التي خرجت متحشرجة:-

أني جولتله يرجع لي ورثي اللي عمي ناهبوا جصاد جُربه مني


_ ضربت "سنية" على صدرها غير مصدقة ما أخبرتها به "ورد" للتو، حملقت بها لبرهة ثم أردفت معاتبة:-

أني خليتك توافجي عليه عشان تخلصي من ظلم عمك وجرف مرته وبته لكن بلي بتعمليه دييه كانك بتقولي للجرف اتوحشتك وكلها أيام وعاود لك تاني، يابتي طلاما الواد حنين حابي عليه بكفيانا ظلم وجهرة وحجنا عند اللي خلجنا لو مخدنهوش في الدنيا هناخده في الأخرة


_ حركت "ورد" رأسها برفض شديد وصاحت بحنق:-

أني مهرتاحش واصل إلا لما أطمن على أرضي إنها رجعت لي وأطمِن أبويا في تُربته وأجوله خلفت اللي يرد لك حجك يا بوي حتي لو كان تمنه حياتي


_ هدرت بها "سنية" شزراً:-

يابتي بلاش تفكيرك اللي هيودي في داهية دييه الله لا يسيئك ركزي في حياتك مع چوزك ومتمنعيش نفسك منيه حرام يابتي الملايكة تلعنك لما ترفضي تعطيه حجوجه إرجعي لعجلك يا ورد وعيشي حياتك يابتي وهملي كل اللي فات ورا ضهرك


_ تأففت "ورد" لأنها لم تقتنع بحديث والدتها وأصرت على إتمام ما بدأته هاتفة بعناد:-

والله لأجلعهم من عنيه التنين هو والعجربة مرته اللي ماشي على كيفها كانه نسي أنه راچل له هيبته وكلمته


_ لم تعرف السيدة "سنية" للحديث سبيل بعدما حاولت تحذيرها بشتي الطرق وبائت محاولاتها بالفشل الذريع، كادت أن تهم بالمغادرة لكنها تراجعت وسألتها مستفسرة:-

على إكده كنتي في المستوصف بتعملي إييه؟


_ رفعت ورد نظرها على والدتها وأجابتها بفتور:-

متشغليش عجلك انتي ياما


_ إستأذنت "سنية" بعدما أصرت ورد بعدم إخبارها بالحقيقة وغادرت الغرفة سريعاً لكي يعود هلال إلى جانب زوجته لعله ينجح فيما فشلت هي فيه، لا تعلم أن هلال يحاول هو الآخر من الجهة الأخري حتى يرضيها وتسمح له في بدأ حياة جديدة معها..


_ طلب "هلال" من "حمدان" عم ورد أن يحادثه على إنفراد، لبي حمدان طلبه وخرج خلفه بخطى ثابتة، أخذ هلال نفساً عميقاً حتى يستطيع فتح الحوار معه بسهولة، حمحم وإبتلع ريقه في محاولة منه أن يخرج مافي جوفه لكنه يقابل صعوبة في الحديث كلما حاول التحدث وكأن الكلمات انحشرت داخله..


_ قهقه "حمدان" عالياً على إرتباكه الواضح وردد ساخراً:-

إيه يا عريس رايد تجول إيه وصعب عليك بالشكل ديه؟


_ تقوس ثغر "هلال" إلى الجانب مشكلاً إبتسامة خجولة، لا مفر من الحديث في ذلك الموضوع الذي أخذ عليطى نفسه عهداً بأن يتممه من أجل ذات الزرقاوتين، لم يطيل أكثر وألقي بحديثه في الوسط:-

ورد طالبة ورثها من أبوها وموكلاني أتحدت معاك


_ تفاجئ هلال بقهقه "حمدان" التي إرتفع صداها في الأرجاء، توقع منه أن يثور مثلاً أو يستنكر حديثه في ذلك الأمر العائلي وفي النهاية سيكون أفضل من ضحكاته المبهمة التي لا معني لها


_ توقف "حمدان" عن الضحك فجاءةً وسحب من جيب جلبابه سلاحه الخاص وصوبه في وجه "هلال" الذي هربت الدماء من وجهه خوفاً من تهور الأخر


_ ضغط "حمدان" على زناد المسدس هاتفاً من بين أسنانه المتلاحمة:-

..................


روايه عرف صعيدي  

بقلم الكاتبه تسنيم المرشدي


البارت التاني

_ أكتفي بإيماءة خفيفة من رأسه مؤكداً ما قاله ناهيك عن تلك الإبتسامة التى غزت شفتاه حينما رأي حماسها وسعادتها أمامه، مد يده وتحسس وجنتها وردد باهتمام:-

لساتك موجوعة؟     


_ تراجعت ورد للخلف حتى تمنع لمساته في الإستمرار، تعجب "هلال" من إبتعادها عنه وسألها بنفاذ صبر:- 

لساتك بتمنعي نفسك عني ليه عاد مش ده اللي ريداه يوحصل؟    


_ حركت رأسها نافية حديثه وأخبرته حقيقة مرادها:-

أني جولت ترجع لي حجي واللي أنت جولته ديه لساته حديت ، لما ورج الأرض يبجي في يدي وجتها تعمل اللي على كيفك     


_ أوصد هلال عينيه لبرهة ثم أعاد محاولته معاها لعله ينجح في تبخر عنادها:-

أنتِ تعرفي إنه حرام تتملعني عليا وتتمنعي لما أطلبك، ديه حجي يا ورد وطلاما مفيش أسباب عذرية يبجي حرام اللي عتعمليه ديه!    


_ عقدت ورد ذراعيها بعدم رضاء للرضوخ إليه فنفخ هلال بتزمجر شديد وهو يطالع زرقاوتاها بغضب  يحاول كبحه، أولاها ظهره وتمتم بضيق:- 

أباه عليكي والله ما جعدلك فيها     


_ انسحب للخارج ودفع الباب خلفه بكل قوته، يريد الوصول إليها مهما كلف الأمر، تشبهه كثيراً تلك المقولة ' الممنوع مرغوب '، كلما إمتنعت عنه كلما زاد تمسكه بالوصول إلى ما تشتهيه نفسه     


_ لم يكن أمامه سوي الهروب من تلك السرايا، إذا مكث بها أكثر من ذلك سيفتك بتلك الفتاة حتماً ولا ينظر إلى رفضها المستمر الذي يسبب جنونه، بينما عادت ورد للإستلقاء على الفراش ترسم إسمها على أوراق الأرض الخاصة بوالدها، ظهرت إبتسامة عريضة على ثغرها الوردي هاتفة بسعادة:-

هانت جوي وأجلعها من عنيك يا حمدان أنت ومرتك     


_ إبتعد هلال عن السرايا ليجمع شتات نفسه ثم يعود عندما يشعر بالتحسن القليل ..    


_ في منزل حمدان وبالتحديد غرفة الضيافة، يصرخ على والده بعدم قبول لتلك الزيارة التي قاموا بها:-

إرتحت لما روحت شوفتها سعيدة مع جوزها! ضايجت ولدك وإرتحت يا بوي؟ يا تري جابلتكم ويدها بيده ولا نزلكم حاضنها؟ عارفه أني الواد المايع ديه     


_ حرك "حمدان" رأسه مستنكراً حديث ولده الآبله وأجابه بفتور:-

ملكش صالح عاد جابلتنا كيف، البت اتجوزت وأنت لساك عايش علي الأحلام تندبوا كيف الحريم، إسترجل يواد     


_ إحتدت تقاسيمه بحزن عميق وهو يطالع والده الذي لا يشعر ولو بمقدار ذرة به، لم ينتهي الحديث إلى هنا، هناك المزيد بداخله لن يرحل قبل إلقائه في وجه والده:-

أنت كيف جاسي إكده، جولتلك أني عحب بت عمي ورايدها في الحلال توهتني عن مرادي سنين وسنين وأول ما ابن العمدة اتجدم وافجت من غير تفكير حتي وأنت عارف ان ولدك عيحبها!!    


_ شهيق وزفير فعل "حمدان" ثم جلس على أقرب أريكة أمامه وهتف بحنق:-

ما انت مخك زنخ ومبتفكِرش غير في روحك وبس، بت عمك لو جوزها مات تعرف هتورثوا كام؟ متعرِفش معلوم ما أنت تفكيرك كله في المرجعة والحب والحديت الفارغ ديه     


                                          


              

                    


_ إلتوي ثغر "حمدان" للجانب مشكلاً إبتسامة عريضة وأضاف بحماس:-

هيطولنا ياما يواد يا طاهر من ورا الجوازة ديي     


_ إتسعت مقلتي "طاهر" بصدمة كبيرة لم يستوعبها عقله ، فتح فاهه ببلاهة لا يصدق ما سمعه لتوه وردد دون وعي:-

هي شروة يا بوي ؟ بيعتها ومستني تمنها؟ وأني المفروض أستني لما الجدر يلعب لعبته وياخد اللي ما يتسمي هلال ديه عشان ورد تعاودلي؟    


_ نهره "حمدان'" بصوت مرتفع:-

بكفياك عاد كلامك الماسخ ديه، هي لا كانت ولا هتكون ليك من صغرها أبوها جافل عليها ولا كنت عمرك بتتحدثت معاها ولا تلاجيك فاكرها من أساسه بس انت كيف بوك بتحب تسيطر على كل اللي حواليك     


_ شكل حمدان بسمة سمجة في نهاية حديثه أجبر بها طاهر على النفور من أمامه حتى لا يحدث مالا يحمد عُقباه، هرول بعيداً عن دارهم وهو يردد كلمات والده في عقله، كيف له أن ينساها ؟ أينسي زرقاوتاها التي تأسره أسراً كلما تذكرها أم وجنتيها الوردية؟ أم شفتاها التي كانت تجبره على إطالة النظر والتمعن بها بإعجاب شديد، كيف له أن ينسي نبرتها المبحوحة دوماً التي تزيده رغبة فيها!! هي أول من دق القلب لها، من نادي الفؤاد بحروف إسمها، من حُفر شكلها في أعماق عقله، لا ولن يتراجع عن استرداد حقوقه مهما كلف الثمن ..    


_ داخل المنزل ، كانت تتابع ما يحدث في صمت وعندما رأت ولدها يفر من المنزل اقتربت من حمدان متمتمة برضاء:- 

إكده تعجبني يا حمدان كبرت في نظري جوي، هكلم لك أبوي يديلك حتة الأرض اللي أنت هتموت عليها حلاوة سماعك للحديت، أنت تستاهل فدان مش أرض عشان بعدت بنت صابر ديي عن ولدي    


_ فغر "حمدان" فاهه ببلاهة مردداً بعدم تصديق بعد:-

بتتكلمي جاد؟     


_ أردفت وهي توليه ظهرها ناهية الحوار:- 

أني مبهزروش يا حمدان     


_ أوقفها "حمدان" بحديثه:- 

الواد صعبان عليا وهو هيتشحتف على البت إكده     


_ حركت رأسها نحوه ونظرت إليه قائلة باختصار:- 

بكرة يفوتها وينساها..    


''كان أبوه جدر ينسي حب عمره اللي مطالش منيها غير حديثت بعد ٢٢ سنة!!''

_ أخرج حمدان تنهيدة حارة بعدما تمتم بهم وهو يتابع خروج ثريا من الغرفة، نادي بصوته الخشن عالياً:-

بت يا صباح..    


_ جائته صباح مهرولة فأمرها قائلاً:-

روحي نادي على مرت عمك وجوليلها مفيش جعاد في الدار وحديها     


_ أماءت له صباح بقبول ومن ثم خرجت لكي تنادي زوجة عمها كما أمرها والدها، جائته "ثريا" راكضة بعدما سمعت أمر حمدان وصاحت به مندفعة:-

أنت بتجيب الولية ديي في بيتي ليه؟

ما تهملها تجعدوا مطرح ما تجعد ليه عايز تبتليني بيها من كتر حبي فيها مثلاً! أني معيزهاش في داري وأنت ودن من طين وودن من عجين كاني مش بتحدت عاد    


_ رمقها "حمدان" بنظراته الثاقبة، أقترب منها بخطي ثابتة بثت فيها الرعب، وقف قبالتها وردد من بين أسنانه بغضب شديد:-

جولنا مية مرة جبل إكده أنهم أمانه أخوي إيه اللي مهتفهمهوش بعجلك الزنخ دييه في حديتي؟      


            


              

                    


_ قهقهت "ثريا" عالياً وأردفت ساخرة:-

أمانة إيوة إيوة، حتي بالأمارة انت أخد أرض خوك ومش راضي ترجع لهم حجهم ونعمة الأمانة يا حمدان يا منشاوي     


_ صمتت حينما عادت صباح برفقة السيدة سنية، رمقتها ثريا بنظرات مشتعلة تدل على الكُره والبغض الذي تكنه لها ومن ثم توجهت إلى غرفتها لكي لا تنشب مشاجرة بينهم إذا أطالت النظر إليها     


_ رسم "حمدان" بسمة على ثغره مرحباً بها بحفاوة:-

يا أهلا يا ست سنية الدار نورت    


_ عبس بوجهه وعاتبها مضيفاً :-

مش جولنا هتجعدي إهنه معانا بدل الجاعدة لوحديكي اللي مش هطولي من وراها غير  الكأبة، مهتسمعيش الحديت ليه؟    


_ نكست "سنية" رأسها وأجابته بنبرة يملئها الحزن:- 

أني مرتاحة يا حمدان في داري هملني اجعدوا فيه إبراحتي     


_ أقترب بعض الخطوات منها معاتباً إياها على تراهها:- 

وااه، وديه بردك دارك تجعدي فيه على راحة راحتك تشاوري بس وطلباتك كلها تتنفذ جوام    


_ لا يوجد مفر أمامها تهرب إليه، أماءت برأسها بقبول عكس النفور الشديد الذي يتأجج داخلها وأردفت بقلة حيلة:- 

اللي تشوفه يا حمدان     


_ إلتوي ثغره بإبتسامة عريضة ووجه نظره إلى صباح أمراً:- 

خدي مرت عمك على أوضتها ياصباح وأي طلب تطلبه تنفذيه طوالي     


_ أماءت له بالقبول ثم قالت موجهه حديثها للسيدة سنية:- 

همي بينا يا مرت عمي     


_ غادرت كلتاهما من أمام حمدان الذي أخرج تنيهدة حارة على قلبه المحترق وهو يري ذكرياته تعود إليه من جديد كأن القدر يبتسم له مرة أخري ..    


***    


_ رفع طرف جلبابه ووضعه في فمه، أمسك بالفأس وظل يحرث الأرض بقوته التي يمتلكها، هرول نحوه أحد الفلاحين قائلاً:-

سيبه من يدك يا باشمهندز إحنا نحرثوا الحتة ديي     


_ مسح "مصطفي" حبات العرق التي تجمعت علي جبينه ثم أجابه وهو يُكمل عمله بأنفاس لاهثة:-

عاود لشغلك يا مناع أني اللي هحرث الحتة ديي    


_ أعترض "مناع" بإصرار:-

أرتاح أنت يا باشمهندسز وإحنا..    


_ قاطعه "مصطفي" بتجهم وصاح به هدراً:-

جولتلك عاود لشغلك هملني لحالي     


_ إنسحب مناع من أمامه بهدوء بعد أن تلقي عاصفة غضبه، بصق مصطفي أرضاً ومسح فمه بأصابعه ثم عاد لعمله مرة أخري     


_ انتهي من حرث الأرض بعد عدة ساعات دون أن يكل فهذا عمله الذي إعتاده، ألقي  بالفأس أرضاً وتوجه نحو الشجرة التي تبعده مسافة بسيطة، جلس أسفل ظلها لينعم ببعض الراحة ..    


_ أسند رأسه علي جزع الشجرة وأوصد عينيه بتعب شعر به في ثائر بدنه عندما إرتخت عضلاته، شعر بظل حائل لضوء الشمس وقف أمامه فجاءة، فتح نصف عين وإذا به عامله ..    


            


              

                    


_ نظر إليه متسائلاً بنبرة مبحوحة بسبب جفاف حلقه:-

محتاچ حاجة يا مناع؟    


_ مد له "مناع" يده بالقارورة الفخارية هاتفاً:- 

بِل ريجك بشوية ميه أكيد عايز ترتوي     


_ أماء له مؤكداً حديثه وأجابه ممتناً:-

متشكر جوي يا مناع أني فعلاً كنت عطشان     


_ بادله مناع إبتسامة ودودة ثم انسحب من أمامه دون زيادة في الحديث، لحق به "مصطفي" قبل أن يهم بالمغادرة وأردف بنبرة نادمة:-

متزعلش مني إكمني إتعصبت عليك بس كنت مخنوج شوية     


_ قابله "مناع" ببسمة لم يستطيع مصطفي تفسيرها وأجابه دون تكليف :-

يا باشمهندز أنت كيف أخوي الصغير  مزعلش منيك واصل     


_ نهض مصطفي من مكانه وربت على كتفه ممتناً له، صوب مصطفي بصره على عديمة الشرف التي تقف تتمايل بجسدها ناهيك عن أصوات ضحكاتها التي تعلوا في المكان، كز أسنانه بغضب وعزم بألا يصمت تلك المرة هي الجانية على روحها ..     


***

هرول بخطى سريعة نحوهم إلى أن وصل إليهم، لم ينتظر لحظة حتى إنفجر بها بعصبية:-

أنتِ جاية تعملي إيه إهنه يابت إنتِ؟، أني ساكت كرامة للنسب اللي بينا لكن الموضوع زاد عن حده جوي وإن شوفتك إهنه تاني لنادي بوكي يجي يشوف بته اللي ماشيه على حل شعرها     


_ إتسعت مقلتيها بصدمة كبيرة وأردفت متوسلة إليه:-

لاه لاه بوي لاه أني مهاجيش إهنه واصل، بالإذن     


_ ركضت مبتعدة عن كليهما بينما ردد مصطفي بتذمجر:- 

إذنك معاكي يختي، الله يحرجك ما طرح ماتروحي    


''بجا توجف حالي اكده مكنش العشم يا صاحبي''

_ هتف بهم صديق مصطفي ساخراً بينما أدار "مصطفي" بصره نحوه وملامحه لا تبشر بالخير واندفع فيه:-

المسخرة ديي متتكررش تاني إهنه يا ضيف، راعي يا أخي إن ليك أخوات بنات، ترضي حد يتسلي بيهم كيف ما بتعمل إكده    


_ إحتدت ملامح "ضيف" بضيق شديد حينما رفض عقله فكرة أن يتلاعب أحدهم بشقيقتيه وهاجم مصطفي بحديثه:-

كنت جتلته وشربت من دمه     


_ ضيق "مصطفي" عينيه عليه مضيفاً لحديثه:- 

شوفت متجبلتش الفكرة كيف، شوف بجا لو طاهر أخو البت ديي عرف! يبجي حلال أنه يجتلك ويشرب من دمك     


_ قاطعه "ضيف" بعدم تقبل لتلك المقارنة الوضيعة:-

بتقارن مين بمين عاد إيش جاب صباح بت حمدان لأخواتي!!    


_ حرك "مصطفي" رأسه مستنكراً حديثه وأردف بنفاذ صبر:-

بجولك ايه اني معاود للسرايا مش فايج لك     


_ لحق به "ضيف" قبل أن يبتعد عنه مشكلاً إبتسامة على محياه وردد:- 

ما تيجي أجوزك أختي، هلاجي أحسن منيك فين تبجي من نصيبه؟    


_ قهقه "مصطفي" عالياً وأردف من بين ضحكاته:-

بدلل على اختك يخربيت عجلك الزنخ ديه، شوف يا ضيف أني جولتها لأمي وهجولهالك يمكن تحلوا عني إتنيناتكم، أني مش هتجوز واحدة أتعرف عليها يوم الدخلة كيف عُرف الجبلاوية وعُرف معظم أهالي البلد هي مش بطيخة يا صاحبي إما تطلعوا حمرا وإما جارعة وأني المفروض أرضي وأجول نصيبي    


            


              

                    


_ رفع "ضيف" حاجبيه للأعلي متعجباً من حديثه وردد بعدم إستيعاب:- 

علي إكده مش هتتجوز واصل يا صاحبي     


_ أماء له "مصطفي" بتأكيد قائلاً:- 

لما يبجوا يطبجوا شرع الله ويسمحوا بالرؤية الشرعية وجتها تقدر تبارك لي والوقتي أني همشي عشان هلكان من صباحية ربنا وأني شغال     


_ لوح له "ضيف" بيده ساخراً من تشبياته الغريبة:-

مع السلامة يا بتاع البطيخ     


_ ظهرت شبه إبتسامة على ثغر مصطفي لم تتعدى شفاه بسبب سخرية ضيف المستمرة التي تزيده تمسك فيما يريد ..    


***    


"هلال"  جوم يا هلال الباب عيخبط 

_ أردفت بهم ورد بنبرة هادئة، فتح الآخر عينيه وتفاجئ بزرقاوتاها ترمقه، تقوس ثغره بإبتسامة عفوية لم يقصدها ..    


_ تعجبت "ورد" من إبتسامته وتابعت حديثها مندفعة:-

هتجعد تبحلج فيا وتسيب اللي عيخبط دييه واجف برا كاتير      


_ أعتدل هلال من نومه ثم نهض متوجهاً نحو الباب، فتحه وإذا بها والدته التي عاتبته لتأخيره:-

كل ديه علي لما تفتحتوا الباب، الخلج كلاتها مستنظراكم تحت     


_ عقد "هلال" ما بين حاجبيه وسألها مستفسراً:-

ناس مين اللي مستنظرانا؟    


_ أجابته "نادرة" موضحه ذلك العُرف السائد لديهم:-

جرايبنا جايين يباركوا ويهنوا     


_ إرتخت ملامح "هلال" بتهكم وقال بفتورٍ:-

مش باركوا وهنوا إمبارح في الفرح ولا هما خلج فاضية وموراهمش غيرنا عاد     


_ نهرته السيدة "نادرة" بإنفعال شديد:-

ديه عُرف وتجليد معروف وكل أهل البلد إبيعملوه بعد الفرح بيوم     


_ أزفر أنفاسه بضجر بائن ثم أماء برأسه مردداً بنبرة تريد الخلاص:-

حاضر ياما هنجهزوا وننزلوا وراكي    


_ شكلت "نادرة" إبتسامة على ثغرها وأولاته ظهرها لكنها عاودت النظر إليه مرة أخري وقالت:-

جول لورد تتزين وتتعطر وتلبسوا أحلي عباية عنديها عشان هتجعد وسطيهم من غير وشاحها     


_ أماء لها بالقبول ثم أغلق الباب بعد أن إختفت والدته من أمامه، بحث عن ذات الزرقاوتين لكي يخبرها بما قالته والدته لكنه لم يراها ، أين اختفت فجاءة، لم يكن أمامه سوي منادتها بصوته الرخيم:-

ورد روحتي فين، أمي عتجول في ناس عايزين يباركولنا وبتجولك اتزيني و..    


_ صمت حينما رآي طيفها يظهر من خلف باب المرحاض، خفق قلبه بشدة لذاك الجمال الرباني، لقد حررت خصلاتها الناعمة الطويلة ذات اللون الأسود الداكن التي يليق مع بشرتها الحليبية، ناهيك عن وضعها لأحمر الشفاه مع مورد الوجنتين، كحلت عينيها فاندمجت مع أهدابها الكثيفة منتجين أجمل عيون فسبحان الذي خلق وأبدع     


_ إبتلع هلال لعابه الذي سال على فمه وهو ينظر إليها بتفحص شديد، أخفض بصره على تلك العباءة ذهبية اللون المطرزة من جميع جوانبها، لم يكف قلبه عن النبض بصورة مضطربة، رغبته في التقرب منها وجعلها إمرأته تزداد بداخله، كم تمني أن ترأف بمشاعره التي فاضت به ..    


            


              

                    


_ ردد متسائلاً وعينيه لم تُرفع عنها:-

لحجتي تعملي كل ديه ميتي؟    


_ إقتربت منه "ورد" بثبات وأجابته قائلة:-

أني شوفت الحريم وهما عيدخلوا السرايا وعرفت أنهم جاين يباركوا لنا وچهزت حاچتي عشان منتأخروش عليهم وتبجي عيبة في حجنا     


_ أغمض الآخر عينيه وردد بعدم تصديق:-

بالله عليكي بتفكري فيهم ومعتفكريش فيا!!     


_ لم تكترث لحديثه كأنه لم يردده من الأساس، أخذت وشاحها من خزانتها ثم إرتدته سريعاً ونظرت حيث يقف هلال:- 

هتفضل تبحلج فيا كاتير هِم بينا ننزلوا    


_ خرج هلال من شروده بها وإرتدي جلبابه ورافقها إلى الأسفل، تعالت الزغاريد في السرايا حينما رآهم الجميع، جلسوا جميعاً في غرفة الضيافة حتى تكون ورد على راحتها أكثر من دون وشاحها ..    


_ تلقوا المباركات والتهنيئات من الجميع، صغى هلال لأحاديث كثيرة من الحاضرين وكانوا حافزاً له بأن يأخذ أولي خطواته إتجاها مثل:-

' صبرت ونولت يا هلال '

' عروستك كيف الجمر ' 

' أم عيون زرقا خطفت إبننا مننا '

' أني لو مكانك مههملهاش واصل '    


_ كلماتهم كانت تحمسه وتشعره بالفخر لكون زوجته جميلة إلى هذا الحد وهو فقط من يتمتع بهذا الجمال، لكن يا حسرتاه هو إلى الأن يتمني فقط لا يفعل شئ سوي التمني، لكن بالتأكيد لن يصبر على تلك السخافات التي وضعتها ورد وسينهيها هو تلك الليلة ..    


_ في الخارج، ولج مصطفي داخل السرايا وتعجب من تلك الضجة التي تملأ المكان من حوله، بحث بعينه علي أحد ربما يعلم منه ما الذي يحدث إلى أن وقع بصره على صفية التي تخرج من المطبخ حاملة صنية عليها كل ما لذ وطاب     


_ عقد ما بين حاجبيه متسائلاً بفضول:-

وااه كل ديه لمين يا صفية وإيه الدوشة اللي چوا ديي    


_ أجابته صفية بنبرة سريع لثقل الصنية:-

جرابيكم يا باشمهندسطز جاين يباركوا للعرسان     


_ حرك رأسه بتفهم ثم أردف قبل أن تدلف إليهم:- 

حضريلي الوكل يا صفية على ما ادوش    


_ ردت عليه بطاعة:- 

حاضر يا سي مصطفى    


_ صعد هو الأدراج سريعاً وولج لغرفته، خلع جلبابه ووضعها في الصندوق الخاص بالثياب المتسخة داخل المرحاض ثم وقف في منتصف المغطس الرخامي وفتح صنبوري المياه الساخنة مع الباردة لكي يتمتع بذلك المزيج الرائع وينعش جسده ..    


***    


_ إنتهت المقابلة بسلام، عادت ورد إلى غرفتها سريعاً دون أن تنتظر هلال الذي عاد إليها بسرعة البرق، أغلق الباب ونظر إليها برغبة شديدة، إرتعبت هي من نظراتها وهتفت محذرة إياه:-

بتبصلي إكده ليه

؟ إوعاك تفكر تجرب مني، كمل إتفاجك لاول وبعدها أني تحت أمرك     


_ لم يهتم كثيراً لهرائاتها التي بدت سخيفة بالنسبة له، إقترب منها وهو عازم على فعل ما تخبره به غريزته الذكورية، تراجعت "ورد" للخلف محاوله منعه من الإقتراب أكثر:-

هلال إوعاك يا هلال والله أصوت وألم عليك السرايا كلاتها    


            


              

                    


_ بادلها إبتسامة متهكمة وقال:-

صرخي بعلو حسك عشان أجولهم إني باخد حجي الشرعي اللي انتي مش راضية تديهولي، يلا صرخي سكتي ليه؟    


_ لمعت عينيها بالدموع وهي تعلم أن تلك اللحظة لن تمر مرار الكرام وبعد ذلك لن تستطيع أخذ حقوقها من عمها، دفعها هلال بقوة على الفراش فأنت هي بألم بسبب جرحها الذي تأثر بدفعته     


_ أوصدت عينيها تودع أحلامها لطالما تمنت تحقيقها، لعنت سذاجة تفكيرها التي وثقت به وأجبرها على الوثوق بذلك الرجل الذي لا يريد سوي التمكن منها والوصول إلى رغبته فقط..    


_ إنتظرت الكثير لتشعر بقربه لكن لم يحدث! أين ذهب ذاك؟ لما لم يكمل ما نوي فعله، فتحت عينيها لتظهر زرقاوتاها التي تتلألأ فيهم الدموع، تفاجئت به يطالعها بملامح جامدة لم تستطع تفسيرها     


_ أولاها ظهره دون حرف زائد ودلف خارج الغرفة دافع الباب خلفه بقوة، لم تصدق ورد ما حدث الأن أحقاً غادر ولم يفعل ما خشيته؟ إعتدلت في جلستها وإبتسمت بسعادة معاتبة أفكارها التي ندمت على الوثوق به، كَنت له الإحترام بعد تصرفه الذي لاق مع شخصيته المرسومة في عقلها ..    


_ نهضت لتبدل ثيابها بشعور مختلف كلياً قبل دقائق، شعور الأمان لطالما إفتقدته منذ وفاة والدها وتدخل عمها في كل ثغره في حياتها، تنهدت براحة كبيرة ومن ثم وقفت تطالع نفسها في المرآة بإعجاب شديد لملامحها الجميلة التي وهبها الله لها ..    


***    


لم يطيق هلال الجلوس في أي مكان يوجد به أشخاص يعرفهم، لم يكن أمامه سوي الهروب إلى ذلك المقهي في أخر البلدة لعله ينفرد بذاته قليلاً ويعيد ترتيب أفكاره التي تشتت فجاءة.     


_ لما لم يفعلها وفضل رمقها بنظراته بدلاً من إكماله ما كان في نوياه، أنها حقوقه وليس حرام إن اخذها بالقوة، لكنه لا يريد تلك القوة، إن لم يكن بكامل رضاها فلا يعنيه الأمر     


_ إذاً لما يشعر بالاختناق وكأن أحدهم يطبق على صدره، أنتبه هلال لدخان الأرجيلة التي ترتطم في وجهه، إذاً ضيق صدره من خلف تلك الأدخنة السامة     


_ وجه بصره تلقائياً على صاحب الأرجيلة وتفاجئ به، إنه طاهر إبن عم ورد، وقف "هلال" وهتف بنبرة محتقنة:-

نفث دخانك إبعيد عني يا طاهر مناجصش خنجة    


_ رفع "طاهر" عينيه عليه بتهكم وردد بجمود:-

لا هنفثوا في الحتة اللي تريحني     


_ أوصد "هلال" عينيه لبرهة وهو يحاول كبح غضبه داخله قدر المستطاع وحدثه بهدوء:-

يا أخي هتخسر إيه؟ دخانك مضايجني لف نفسك وطلعوا بعيد عني     


_ حرك طاهر رأسه برفض تام، هو يكرهه ويحقد عليه لأنه سارق، لقد سرق حلم حياته لطالما تمني أن تكون زوجته هو وليست زوجة ذلك البغيض، وها قد جائت الكرة في ملعبه الأن عليه أن يركلها جيداً ويجلس يستمتع بمضايقته ..    


            


              

                    


_ أخذ نفساً عميق من أرجيلته ثم رفع رأسه ونفث دخانها بالكامل في وجه هلال، تفاجئ الآخر من فعلته التي سببت له سعال شديد، لم يشعر بنفسه سوي وهو يركل الأرجيلة بقدمه حتى حطمها إلى أشلاء تناثرت بقاياها في زوايا مختلفة..    


_ إنتفض طاهر من مكانه وطالعه بنظرات احتقاريه مشتعلة، لقد جنى هذا الهلال على نفسه، إنقض عليه وأمسكه من تلابيب جلبابه مندفعاً به:-

أنت مين عشان تتجرأ وتعمل إكده معايا أني، والله لأجتلك وأشرب من دمك     


_ أمسك هلال يدي طاهر يحاول أن يبعده عنه وعندما فشل لكمه بكل ما أوتي من قوة على وجهه فسالت الدماء من فمه     


_ إجتمع كل من في المقهي حولهم محاولين فض الإشتباك بينهم لكن قوتهم لم ينجح أحد قبالتها، خرج عامل المقهي بعيداً عن تلك الضجة وهاتف مصطفي لكي يخبره بما يحدث..    


_ أجابه "مصطفي" بعد عدة دقائق بنبرته الرخيمة:-

أيوة يا مدحت فيه حاجة؟    


_ رد عليه بنبرة سريعة يخبره بما يحدث:-

خوك بيتعارك مع طاهر وِلد حمدان المنشاوي واتنياتهم غرجانين في دمهم ومحدش عارف يفض بيناتهم واصل     


_ إنتفض "مصطفي" من مكانه وردد بنبرة قلقة:-

أني جاي حالاً وحاول تفض بيناتهم على لما أوصل     


_ رد عليه "مدحت" مختصراً:- 

ماشي     


_ هرول مصطفي إلى الخارج وهبط الأدراج في درجة واحدة مما أثار قلق خليل ونادرة، فسأله "خليل" بقلق قد تغلغل إلى قلبه:- 

هتركض إكده ليه يا مصطفي فيه مصيبة حوصلت ولايه؟    


_ أماء له مصطفي مؤكداً سؤاله وأخبره مكالمة مدحت له، هرول خليل خلف ولده وأمر شيخ الغفر ورجاله أن يسبقوه إلى ذلك المقهي، وقفت السيدة نادرة على باب السرايا تضرب رأسها بيدها تارة وعلى صدرها تارة أخري متمتمة بتوجس شديد:-

جيب العواجب سليمة يارب، محلتيش غيرهم متخسرنيش فيهم واصل    


_ لم تستطيع الدخول قبل أن تطمئن برؤية هلال بخير أمامها وفضلت المكوث على عتبة الباب، رافقتها صفية لعلها تنجح في تهدئة روعها ولو قليلاً..    


***    


_ ترجل مصطفي من السيارة وتبعه خليل مهرولين داخل المقهي، تفاجئوا بالدماء التي تسيل من كلياهما، إقترب منهم مصطفى وشكل حاجز بينهم لكي يفض تلك المشاجرة ويمنعهم من الوصول إلى بعضهم مرة أخري، ساعده بنيان جسده الضخم على فض الإشتباك بينهم وإبعادهم عن بعض     


_ هنا جاء دور "خليل" وهو يعاتبهم بصوته الجهوري:-

ولا العيال الصِغيرة اللي ماسكين في خناج بعض، أومال لو مكنش بيناتكم نسب كنتوا جتلتوا بعض على أكده؟    


_ أخذ "خليل" نفساً عميقاً وتابع حديثه متسائلاً:-

فهموني إيه اللي حوصل عشان متزعلوش مني إتنيناتكم     


            


              

                    


_ مسح "هلال" الدماء التي تسيل من فمه وأنفه ونظر إلى طاهر بغيظ عارم وردد بغضب شديد:- 

جليل الرباية بصحيح     


_ نهره والده معاتباً:-

إتحشم يا هلال وجولي إيه اللي حوصل بدل الحديت الفارغ اللي ممنوش فايدة ديه    


_ بصق "هلال" أرضاً ليخرج الدماء المتبقية في فمه ثم مسح بأنامله على فمه وقصى لوالده ما حدث:- 

جولتله ينفث دخانه بعيد عني وهو جل أدبه معايا ونفثه في وشي وعينه في عيني كانه بيجول شكل للبيع وأني نولتله مراده     


_ صغي "خليل" من ولده وجاء دوره في إستمتاعه لطاهر، صوب نظره عليه وسأله باستفسار:-

الكلام ديه صوح يا طاهر ولا فيه حديت هلال مخبرنيش بيه     


_ وزع "طاهر" أنظاره بين الجميع وأجاب خليل وهو منكس الرأس بخذي:- 

صوح يا عمدة     


_ شعر خليل براحة داخله حينما علم أن ولده من لم يبدأ  بالمشاجرة، تنهد وأردف بنبرة صارمة:- 

كنت هطلبوا منك يا طاهر تعتذر منيه بس اللي شايفه جدامي واللي عملتوه في بعض هجبركم تعتذروا إتنيناتكم لبعض     


_ إعترض "هلال" قرار والده:- 

بس يا بوي هو اللي غلطان    


_ تدخل "مصطفى" بنبرته الآمرة:-

إسمع حديت بوك يا هلال ومتلاوعش    


_ كز "هلال" على أسنانه بغضب ثم نظر بعيد عن الجميع وردد بعدم قبول لأمرهم:- 

أني أسف     


_ وجه "خليل" نظره إلى طاهر وأمره هو الآخر بنبرة حادة:-

وأنت يا طاهر اعتذر     


_ نظر طاهر إلى هلال ببغض شديد، يتمني الموت بدلاً من ذلك الإعتذار الذي سيقدمه لذلك البغيض،  فتح فاهه وأخرج إعتذاره على مضضٍ:-

أسف     


_ ما أن أنهي جملته حتى غادر المقهي سريعاً، لا يريد أن يري أحد في تلك الأثناء، نظر "خليل" إلى مدحت بندم وهتف بشموخ:-

حساب الحاجات اللي اتكسرت ديي عندي     


_ رد عليه "مدحت" ممتناً:-

ربنا يخليك يا عمدة     


_ إنسحب خليل وتبعه مصطفي و"هلال" الذي رفض أن يركب معاهم السيارة موضحاً:-

هعاود السرايا مشي رايد أكون لحالي هبابة    


_ أنهي حديثه وأولاهم ظهره قبل أن يستمع لرفض أحدهم، لعن تلك الزيجة التي كانت السبب لما وصل إليه والأدهي إعتذاره من ذلك السخيف..    


_ مر بجوار منزل حمدان، توقفت قدماه أمام البوابة تلقائياً، يريد محادثته مرة أخري لعله يقنعه تلك المرة، لكن ماذا عن تحذيره وتهديده له في الصباح؟!    


_ حتماً أنه تهديد ليس إلا، لا يمكنه قتله بتلك السهولة التي تحدث بها، أخذ شهيقاً وأخرجه بتمهل ثم عزم أن يحادثه كما أنه لن يخرج من ذلك المنزل إلا مجبور بإستعادة حقوق ورد أو جثة هامدة!    


_ قرع الجرس وإنتظر قليلاً حتى ظهر حمدان بنفسه، إبتسم له بتهكم مرحباً بحفاوة زائفة:-

يا مرحب يا مرحب شوفتك ولا الجمر يا هلال إتفضل     


            


              

                    


_ ولج هلال خلفه فاستقبله "حمدان" في غرفة الضيافة متسائلاً:-

تحب تشرب حاجة؟    


_ حرك هلال رأسه رافضاً وبدأ حديثه مباشرةً:-

أني مش جاي أضايف أني جاي أرجع حج مرتي منيك يا حمدان     


_ رفع "حمدان" حاجبيه للأعلي لتلك الجرأة التي يتحلي بها وردد مبدي إعجابه به:-

واه واه جرأتك مجوية جلبك يا ولد العمدة     


_ سار نحوه إلى أن إلتصق به ونبرته الهادئة تحولت تدريجياً إلى نبرة حادة عنيفة:-

شكل تهديدي مفرجش معاك وفكرت إني بهزروا ، بس أني جلبي طيب لو مخرجتش من إهنه في اللحظة اللي هخلص فيها حديتي صدجني هنفذ تهديدي     


_ لم تهتز خصلة لهلال تظهر تأثره بحديثه، إنحنى بقرب أذنه وهمس له بنبرة حادة رغم هدوئها:-

أني مهمشيش من إهنه غير وورج الأرض معايا     


_ إعتدل هلال في وقفته ووضع كِلتى يديه خلف ظهره في إنتظار تنفيذ طلبه، إرتفعت أصوات ضحكات حمدان على شخصية هلال التي أعجب بها كثيراً وخصوصاً تلك الثقة التي يحادثه بها ..    


_ إبتعد عنه وفتح خزانته التي تتوسط الغرفة وسحب سلاحه المرخص وصوبه نحو هلال قائلاً:-

أني حذرتك...    


***    


_ بعد منتصف الليل، كانت تقف نادرة في شرفة غرفتها كنت يقف على جمر متقد تنتظر عودة هلال بفروغ صبر، يعتصر قلبها قلقاً بسبب تأخيره الذي لم تعتاده من قبل، لم تعد تستطيع الإنتظار بعد فلقد فاض الكيل بها     


_ عادت إلى غرفتها وأقتربت من زوجها النائم وحاولت إيقاظه بهدوء رغم نبرته القلقة:- 

يا خليل جوم أني معتش جادرة أتحمل صبري نفد جوم شوف ولدك معادوش السرايا ليه؟    


_ قلق "خليل" بسبب ثرثرتها ونظرا إليها بضيق وتمتم:-

ولدك لساته عيل صغير عشان تجلجي عليه عاد، ولدك بجي راجل وجت ما الساعة تدق إتناشر هتلاجيه عاود هو مهيتأخرش عن إكده؟    


_ رمقته "نادرة" بإمتعاض وصاحت به مندفعة:-

الساعة داخلة على أربعة يا خليل إتناشر إيه عاد    


_ تفاجئ "خليل" من حديثها وعدل وضعيه جسده والقلق قد تملك منه وأردف بذهول وهو يطالع المنبه الموضوع أعلى الكومود:-

أباه أربعة الفجر ولساته معادوش ديه عمره ما عملها     


_ ردت "نادرة" بنبرة ملهوفة حينما لاحظت تفهمه للأمور:- 

مهو ديه اللي جلجني أومال صحيتك ليه     


_ سحب خليل هاتفه محاولاً مهاتفته، جلست "نادرة" بتعب على الفراش وهتفت مستاءة:-

أني موجفتش رن عليه من وجت ما رجعت أنت ومصطفى ومبيردش عليا     


_ حدثها ولازال يحاول مهاتفته على أملاٍ أن يجيبه:-

يمكن يرد عليا أني     


_ نهض "خليل" وهو متأكد أن هناك مصيبة قد حلت على رأس ولده وتمتم بتوجس مختلط بالقلق:-

لا أكده كاتير جوي أني هنزل أخلي الغفر يدوروا عليه، روحي صحي مصطفى يروح وياهم أكيد عارف خبايا خوه    


_ لم تنتظر نادرة لحظة وهرولت مسرعة نحو غرفة مصطفى، ولجت للداخل بطريقة غير حضارية، مالت عليه لكي لا تسبب في ذعره وأردفت هامسة:- 

مصطفى جوم يا ولدي خوك معاودش السرايا وبوك باعت الغفر يدوروا عليه، جوم روح وياهم أكيد عارف هو بيجعد فين     


_ أدار مصطفى رأسه على المنبه ليعلم كم الساعة، إنتفض من مكانه حينما رآها الرابعة وخمس دقائق لم يفعلها هلال من قبل وتأخر إلى هذا الحد     


_ إرتدي جلبابه سريعاً وهبط إلى الأسفل وتفاجئ برجال والده قد ملئوا السرايا، وقبل أن يهموا بالمغاردة أنتبه جميعم الى صوت يتردد صداه في الخارج هاتفاً:- 

أبا الحاج خليل، إلحج يا أبا الحاج    


_ هرول خليل إلى الخارج ومعه مصطفى، ظهرت ملامحه عن قُرب إنه واحد من الفلاحين العاملين بالأرض، نهره "خليل" لذلك النداء التي أوقع قلبه خشية أن يسمع مكروه من خلف نبرته التي لا تبشر بالخير:-

في أيه يواد يا إبراهيم عتصرخ أكده ليه؟    


_ وقف "ابراهيم" وأجابه من بين أنفاسه اللاهثة:-

هلال... لجوه متصاب في الأرض الغربية نواحي عيلة الشرجاوي     


_ صدمة! حلت على وجوه الجميع بعدما وقع هذا الخبر على مسامعهم، سكون حل للحظات لم يتجرأ أحدهم على التحدث فالمصيبة ليست هينة لتستوعبها عقولهم.    


______________________________________    


رأيكم يهمني  ويا تري إيه اللي هيحصل لهلال؟


    

روايه عرف صعيدي  

بقلم الكاتبه تسنيم المرشدي                               


الفصل الثالث

( فجعة الفراق )    


***    


_ تُبطئ نبضات قلبه رويداً رويداً كما تنخفض وتيرة أنفاسه تدريجياً، رؤياه مشوشة ولا يستطيع تميز وجوه من هم أمامه، فقط يسمع القيل والقال وأحدهم ينوح بألم:- 

جوم يا هلال جولي مين عمل فيك أكده    


_ يقاطعه صوت آخر أشد ألماً:-

إطلبوا الإسعاف بسرعة الواد هيروح منينا     


_ تداخل الأصوات مع بعضهم مصدرين ضجة لا يسعه التفريق بين نبرات أصواتهم وتميز الأصوات التي تحثه على النهوض، فقط يستمتع لأنفاسه المتهدجة، بدأ يشعر بالإختناق وكأن الأكسجين ينسحب من رئتيه لكن ببطئ شديد بطئ يزيد من شعوره بالألم..    


_ شئ ما يؤلمه لا يدري أين تحديداً لكن هناك شعور مريب كأن جوفه مثقوب ويمر منه الهواء مصدراً حكة شديدة داخله، شعور يشبه السِن الذي ينكسر نصفه فتأخذ شهيقاً من فمك لعلك تشعر بالتحسن قليلاً فيصيبك ألم مضاعف عما كنت تشعر به     


_ صوت صافرة الإسعاف دوت بالقُرب من الحادث معلنة وصولها، هذا ما إستطاع تميزه بسبب إرتفاع صافرتها التي غطت على جميع الأصوات    


_ ألم يليه ألم آخر كلما تحرك عن الوضع الذي إستكان عليه، حملوه على الناقلة الطبية وأحد المسعفين صعد داخل سيارة الإسعاف ليضع هلال داخل السيارة على الفراش الطبي المجهز لوضعه خصيصاً     


_ وقف خليل يتابع ما يحدث في صمت غريب بعدما أغلقوا باب الإسعاف، شعر بوخزة قوية في صدره كأنها علامة لشئ ما سيحدث، حتماً لن يستطيع فقدان فلذة كبده وولده الصغير، الله رحيم ولن يبكيه على فقدان أحد أعمدته الفقرية التي يقف متسقيماً بسبب وجودهم في الحياة    


_  لم تتحمله قدميه أكثر، لم يعد يستطيع المثابرة ووقع أرضاً كأن العلامات تزداد وتؤكد له إنكسار عمود من أعمدته حقاً، لا والله لن يتحمل تلك الفجعة المؤلمة     


_ ''أنت كويس يا بوي''

سأله "مصطفى" بتوجس ممزوج بالصدمة التي لم يخرج منها بعد، رفع خليل بصره عليه وردد بنبرة متحشرجة تود الصراخ عما بداخله:-

خوك هيهملنا صوح؟    


_ إنتزع قلب مصطفى بكلمات أبيه، أوصد عينيه يتمني داخله أن يستيقظ من ذلك الكابوس المزعج، لكنه عاد للواقع بمصائبه التي لم تختفي بعد، إنحني على والده ووضع كلتي يديه خلف ظهره مساعداً إياه على النهوض     


_ ساعده أيضا على ركوب السيارة، أغلق الباب المجاور لوالده ثم سحب أكبر قدر من الهواء فقط ليستطيع الوصول إلى المشفي دون أن يفقد صوابه     


_ جلس خلف المقود وتحرك مبتعداً عن المكان، دعس على البنزين ليزيد من سرعته ويصل إلى سيارة الإسعاف التي قطعت نصف المسافة من دونهم، صمت لا يوجد غيره سيد الموقف لكن هذا هو ظاهرهم عكس باطنهم الملئ بالضجة المحملة بالأسئلة التي لا تنتهي، صراع أذلي لا يمكنهم وصف كم هو صعب لدرجة لم تستوعبها عقولهم..     


                                  


              

                    


_ وصلا الجميع أمام المشفى، ترجل رجال الإسعاف حاملين هلال على الناقلة، كان في إستقبالهم طاقم من التمريض والأطباء الذين تولوا المهمة من رجال الاسعاف     


_ أُغلق باب غرفة العمليات الذي اختفي خلفه هلال ومرافقيه من الأطباء وبعض التمريض، ساعد مصطفى والده على الجلوس في إحدي مقاعد الإنتظار بينما هو لم يطيق الجلوس، جاب المرر ذهاباً وجيئا في انتظار أي شئ يطمئنه على أخيه.    


_ في مكان آخر، لقد فاض الكيل بها هي لن تنتظر في تلك السرايا التي بدت وكأنها سجن لا تعرف الهروب منه، ستعصي أمر زوجها بالبقاء مكانها وهو سيبلغها بالجديد ما أن وصل لشئ..    


_ خرجت من السرايا لا تريد سوي رؤية ولدها الذي إنفطر القلب حزناً على ما أصابه وأي حزن تتحدث فهو آخر ما العين رأت مدللها الصغير، هي من سهرت الليالي بجانبه، من أرضعته وأول من أطعمته بيدها، أول نُطقٍ له كان يردد بإسمها، شهدت طفولته وريعان شبابه، لم تكل يوماً من الأعباء التي كان يسببها بشقاوته منذ صغره، هو نصف الروح ونصف القلب وله في الفؤاد عشقاً لا ينتهي..    


_ لا تعلم أي طريق سلكت ولا أي وقت مر عليها، فقط تسير ولا تعلم وجهتها، مقلتيها لم تجف من الدموع قط، خانتها ساقيها وتعسرت في إحدى الأحجار، وما إن إرتطمت بالأرض حتى جهشت باكية صارخة بألم شديد لم تعد تتحمله داخلها، صرخت وصرخت ربما يهدئ جوفها ولو قليل..    


_ توقفت سيارة الربع نقل أمامها، ترجلت منها "صفية" مهرولة إليها بذعر يعتلي تقاسيم وجهها، جلست القرفصاء مقابل السيدة نادرة ورددت ببكاء مرير:-

الحمد لله أني لجيتك جلبي وجع في رچليا من خوفي عليكي، مجدرتش أشوفك بتركضي برا الدار وأهملك في حالتك ديي شيعت لطه أخوي ياجي بالعربية نوصلوكي للمستوصف     


_ طالعتها بنظرة منكسرة ورددت بأنفاس متهدجة:-

ولدي.. رايدة أطمن عليه يا صفية    


_ إنهارت الأخري باكية متأثر من ضعفها التي تشهده لأول مرة، فالسيدة نادرة تُعرف بالحدة والثبات، يرتعب كل من في السرايا حينما تعبس فقط بوجهها..    


_ حاوطت صفية ذراع نادرة التي إتكأت عليها لحين وصولها إلى السيارة، طالعها "طه" بشفقة على حزنها الواضح وتمني لولدها أن يكون بخير:-

ربنا يطمنك عليه يا ست نادرة ولا يخسرك فيه واصل     


''يسمع من بوجك ربنا يا طه'' 

_ أردفتهم بمزاج غير سوي، أسندت رأسها على النافذة بحزن قد تبدد في قلبها تعد الثوانِ لكي تصل إلى صغيرها وتطمئن عليه..    


***    


_ إزدحم المرر أمام غرفة العمليات، كل من يعلم بتلك الحادثة البشعة لا يتردد في القدوم، فهلال إبناً للجميع، تمر الدقائق على الجميع كالأعوام العجاف لا خير يطمئنهم فيها     


_ فُتح باب الغرفة تلقائياً عند مرور أحد الأطباء قاصداً الخروج، كانت خطوات مصطفى أسرع من الجميع إليه كما تبعه خليل بمساعدة عسران حينما رأي صعوبة حركته     


            


              

                    


_ حالة سكون عمت المكان بعد أن كان يصعب سماع بعضهم البعض من خلف ضجتهم، الجميع منتظرين ما يسر قلوبهم على صغيرهم، وزع الطبيب أنظار بينهم ثم أردف بملامح جامدة:-

المريض إتعرض لطلج ناري عمله نازيف داخلي في الرئة وللأسف الحالة إدهورت لأنه بجاله وجت طويل إبينزف وهو داخل المستوصف منتهي، البقاء لله شدو حيلكم     


_ سكون مريب ساد للحظات يستوعب فيها الجميع حجم المصيبة التي حلت على روؤسهم، ألجمت الصدمة ألسنتهم كما أعتلت الحسرة وجوهم وقلوبهم    


_ ''ولدي'' 

صرخت بها "نادرة" متحسرة على فراق رفيق روحها الصغير، تخطت ذلك الحشد من الرجال بصعوبة بالغة مستندة عل صفية، وصلت إلى حيث يقف مصطفة ورددت بنبرة انخلع القلب لها:-

الراچل ديه يجصد مين يا مصطفى يجصد خوك يا ولدي؟ هو جال شدو حيلكم في خوك يا ولدي؟     


_ رفعت "ناردة" يدها على صدر مصطفى الذي تلقي ضرباتها عليه مضيفة بإنهيار:-

رد يا مصطفي، جولي لا مش أخويا ياما جولي هلال كيف الجبل ما يهزه ريح إنطج وجول     


_ لقد فقد صوابه من خلف بكائها وكلماتها التي أثبتت له هول المصيبة الواقع بها، حاوطها بذراعه ضامم إياها لصدره محاولاً تهدئتها لكنه لم يقدر على النطق، فكيف سيوايها في شئ لم يستوعبه بعد!!     


_ خارت قوة خليل وإنكسر عموده الذي يساعده على الوقوف ووقع أرضاً، هرول الجميع نحوه مذعورين خشية مكروه قد أصابه، نظر "مصطفى" إلى حيث تقف صفية وردد بنبرة أمرة:- 

سندي أمي     


_ أعطاها إلى صفية وركض إلى والده، إنحني أمامه وفتح أزرار جلبابه محاولاً إيفاقته، مرت دقايق معدودة إستعاد بها خليل وعيه بالكامل، لعن تلك الذاكرة التي مازالت محتفظة بتلك الذكري المؤلمة التي تزيده تحسراً     


_ تنحي جميع الواقفين جانباً مشكلين ممراً يمر منه هلال ومرافقيه من التمريض، إقترب مصطفي  منهم ووقف أمام الناقلة يرمق هذا الغطاء اللعين الذي يفصل بينه وبين شقيقه، مد يده وبهدوء حذِر سحب الغطاء من على وجهه..    


_ خفق القلب قهراً على تلك العينين الموصدة التي لن يراهم مرة أخري، مال على أخيه ووضع قُبلة الوداع أعلى جبينه، شعر برجفة قوية في أوصاله حينما لمس جبينه وشعر ببرودته، خارت قوة تحمله وفرت دمعة من عينيه هامساً بنبرة مهزوزة:- 

يا خوي....    


_ مسح دموعه سريعاً ما إن شعر بإقتراب أحدهم، إقتربت نادرة بخطي ثقيلة تجر خيباتها وقهرتها خلفها بعد أن كانت مترددة كثيراً في الإقتراب منه، مالت عليه مقبلة إياه بعدة قُبلات على ثائر وجهه، جهشت باكية وهي تندب متحسرة:-

يا وجع جلبي عليك يا ولدي، أنت عتحب أمك متهملهاش لوحديها يا حبة عيني لسه بدري عليك جوي يا هلال لساتك عريس متهنتش بشبابك يا حبيبي، جوم روح لعروستك لساتكم معيشتوش يا نن عيني، مع السلامة يا حتة من روحي مع السلامة..    


            


              

                    


_ لم يتحلي خليل بالقدرة الكافية لينظر النظرة الأخيرة التي يودع بها ولده، إكتفي برمقه من بعيد حتى لا يجن جنونه إذا إقترب منه حتماً سيندب مثل النساء متحسراً على فراقه.    


_ أعادت الممرضة الغطاء على وجه هلال وتحركت به مبتعدة عنهم وهي تبكي حزناً على حديثهم الذي أثر بها، بدأ الجميع في الإنسحاب خارج المشفي منتظرين إنهاء إجراءات خروج هلال الذي يقوم بها مصطفي برفقة عسران..    


***    


''الواد مات'' 

_ رددت بهم "ثريا" بعد أن أغلقت المكالمة التي قامت بها لتعلم وضع هلال، نظرت في الفراغ أمامها بصدمة جلية إعتلتها، صدرت شهقة قوية من "سنية" وضربت على صدرها بمرارة متحسرة عليطى أصاب زوج أبنتها:-

مات كيف، وبتي؟ الحزن بدري عليها جوي    


_رمقته بنظرات إحتقارته وهي تقترب بخطاها منه، ظلت تضرب صدره بكل قوتها وصرخت به هادرة:-

منك لله يا حمدان ربنا ينتجم منك، فاكر إن محدش جادر عليك بس ربنا منتقم جبار، مش هتفلت بعملتك ديي أني هبلغ عنك وأشفي غليلي فيك     


_ تحركت مبتعدة عنه فلحق بها ممسكاً بذراعها التي غرز أظافره به فآنت سنية بنبرة متألمة، صوب نظراته الثاقبة أمام عينيها وحذرها بنبرته التي خرجت حادة صارمة:-

فكري تعمليها وتبلغي عني وهخلي بتك تحصله، أنتِ لساتك متعرفيش حمدان وشره إتجي شري يا سنية وعاودي أوضتك ولا كانك تعرفي حاجة من أساسه     


_ دفعها بقوة فإرتطمت بالأرض إثر قوة دفعته لجسدها الهزيل، إنسدلت دموعها على مقلتيها قهراً وحزناً، إتكأت بمعصميها على الارض لكي تنهض فالحركة بدت ثقيلة للغاية من هول الصدمة     


_ عادت إلى غرفتها تعيد تهديد حمدان في عقلها بتوجس معانق لقلة الحيلة، ماذا تفعل أتخبر الجميع بحقيقة قتل حمدان المتعمد لهلال أم تصمت خشية أن ينفذ تهديده ويطيل صغيرتها مكروه؟    


_ لا تدري ما عليها فعله فقط تشعر بخلو جوفها، ضعفها وقلة حيلتها، فتحت درج الكومود وأمسكت بالصورة الفوتوجرافية التي تجمعها مع حبيب فؤادها، ملست على الصورة بأناملها فاختفت ملامح زوجها بسبب دموعها التي إنسدلت عليها، تنهدت بإختناق شعرت به في صدرها ولامته بنبرة متقطعة:-

هملتنا لخوك اللي معيعرفش ربنا ولا بيصون صلة الرحم اللي بينا، ربنا يرحمك ويغفرلك ويجرب الأيام اللي هتجمعني بيك    


_ خارج الغرفة تندب "ثريا" بيدها على قدميها مستاءة من تصرف زوجها الأرعن:- 

چبت لنا مصيبة فوج روسنا بتهورك يا حمدان، هنعملوا إيه هنطلعوا منيها كيف، جالك جلب تجتل نفس زيها زييك!     


_ صاح بها هدراً:-

أباه على الندب اللي مهيخلصشي، إجفلي خشمك ديه ووجتها محدش هيعرِف     


_ وزع "حمدان" أنظاره بين ثريا وصباح ثم إرتفعت نبرته مهدداً بنبرة محتقنة:- 

مش هسمي على حد فيكم إن الحديت إترطرط برا فاهمين ولا أعيد حديتي تاني     


            


              

                    


_ لوت "ثريا" شفتيها وردت عليه مستاءة:-

وديي حاجة نرطن بيها بردك!    


_ نهضت من مكانها وعادت إلى غرفتها تحاول بلع ما حدث، كذلك عادت صباح إلى غرفتها مذهولة من تلك الدماء التي كانت تسيل من هلال أمامها، لازالت كلماته التي يتمتم بها من بين أنينه الموجوع تتردد في عقلها:- 

''مش جادر جوفي بيتوجع، ااه'' 

ااه موجوعة خرجت منه قبل أن يحمله حمدان بمساعدة طاهر ويغادروا المنزل، رجف جسدها كلما تكرر صوت إطلاق النيران في مخيلتها، رمقت المكان من حولها برعب شديد ثم سحبت وسادتها وضمتها بقوة ربما تمتص تلك الوسادة خوفها.    


***    


جابت الردهة ذهاباً وإياباً فور علمها بما أصاب هلال من قِبل ( هويدا ) إحدي مساعدات صفية، تنتظر على أحر من الجمر أن يطمئنها أحدهم، فقط يومين عاشرت بهما حنتيه وطيب قلبه ناهيك عن لين معاملته وتشهد الله أنها لم تري منه سوءاً     


_ شعرت ورد بدوار شديد يعتلي رأسها أثر دورانها حول نفسها، جلست على الأريكة التي كانت على بُعد بسيط منها، ماهي إلا لحظات قليلة حتى صدح صوت صافرة الإسعاف على مقربة بسيطة من المنزل إلى أن صفت داخل حديقة السرايا     


_ إنتفضت ورد بذعر وهرولت نحو الباب بتوجس شديد، وقفت في صمت تشاهد نزول السيدة نادرة من سيارة مصطفي مستندة على صفية، كذلك خليل الذي يتكأ على عسران لعدم قدرته على إستقامة ظهره بمفرده    


_ بدت ملامحهم شاحبة للغاية وكأن الدماء فرت هاربة بسبب شيئ ما، حتماً هناك ثمة مصيبة لكي يظهروا بذك الضعف التي لم تراهم عليه من قبل     


_ شهقت بقوة ولم تستطيع أن تخرج أنفاسها التي إنحشرت داخلها حينما رأت تلك الناقلة المحمل عليها هلال، بالتأكيد هو ليس غيره، إغرورقت عينيها بالدموع مهددة بالنزول وهي تتابع قربه منها..    


''هلال مات يا ورد'' 

_ هتفت بهم "نادرة" متحسرة على فراقه، هنا خارت قوة ورد على التحمل وتحولت تلك العبرات إلى بحور من البكاء المرير..    


_ بدأ صدرها في العلو والهبوط، تستمع لأنفاسها التي يتردد صداها داخلها محدثة ضجة غطت على الأصوات المجاورة لها، وضعت يدها أعلى صدرها من الجهة اليسري، يعاد شريط ذكرياتها من ليلتها الأولي معه ومنعه من التمكن منها إلى أخر رفض فعلته فتسببت بهروبه خارج المنزل وها هو يعود إليها مرة أخري لكن جثة هامدة!    


_ رجفة قوية سرت في أوصالها ثم وقعت مغشي عليها من هول المصيبة التي لم يتحملها عقلها ..    


***    


_ ظهرت بعد إختفائها لبعض الوقت كانت تستعيد بعضاً من قوتها التي تبخرت بمجرد ما رأت زوج إبنتها غارق في دمائه يلفظ أنفاسه الأخيرة، أوقفها "حمدان" متسائلاً بحدة:- 

على فين؟    


_ أجابته بحنق مختصرة الحديث معه:-

على بيت بتي    


_ إقترب منها ووقف قبالتها فأجبرها على النظر إليه فتفاجئت بالوعيد الذي يشع من سودتاه التي إخترقتها وخفق قلبها خوفاً بسبب نظراته، مال برأسه بقرب أذنها وهمس مهدداً:-

إوعاكي تفكري تجولي لبتك عن اللي حوصل، صدجيني اللي وصله جوز بتك ديه بسبب عناده ووجوفه جصادي يعني أني مههفلطش بالحديت أني بنفذه طوالي     


            


              

                    


_ إرتعبت من وعيده وحدقت به مبدية إشمئزازها من جبروته:-

ربنا على الظالم والمفتري    


_ تحركت مبتعدة عنه لكنه أمسك بذراعها وأعادها إليه مردداً بحزم:-

هعديها عشان الظرف اللي أنتِ فيه، لكن إبجي حاسبي على حديتك معايا بعد أكده     


_ حاولت سحب ذراعها من بين قبضتيه المتينة لكنه أبى، داعب شاربه بسبابته سامح لعينيه التمتع بوجهها الذي يحفظ معالمه جيداً، رجفت سنية بشدة لذاك الوضع المريب فشعر هو برجفتها التي هزت كيان ذكورته وتمنى لو يعاد الزمن من جديد ويكون أول رجل بحياتها وليس أخيه..    


_ حرر قبضته سريعاً حينما ظهرت ثريا وحاول إلهاء الأخرى أمراً:-

غيري خلجاتك وروحي معاها إعملوا الواجب وأجفوا مع نسايبنا في الشدة اللي هما فيها ديي    


_ أي واجب يتحدث عنه، لقد قُتل الشاب على يديه فأي هراء ذاك الذي يأمرهم به، صاحت به ثريا مندفعة به وهي لازالت أسفل تأثير الصدمة:-

واجب!! أنت بتتحدت عن الواجب؟ أنت تعرف يعني إيه واجب يا جتال الجتلة أنت؟    


_ شعرت ثريا بحرارة الصفعه التي دوت علي وجنتها ، نهرها "حمدان" بإنفعال :-

إجفلي خشمك يا ولية، تتحدتي معايا بأدب بعد أكده وإلا مش هسمي عليكي أنتِ فاهمة    


_ إنسدلت دموع ثريا وهي تطالعه ببغض وكُره لم تشعر بهما من قبل، رمقت ثريا سنية بإنكسار وإبتعدت عنهم وهي منكسة الرأس، ناداها حمدان بتجهم:- 

أني جولت روحي وياها إعملوا الواجب مش هعيد حديتي تالت     


_ هان كرامتها لطالما كانت تعززها طيلة الوقت لكن جبروته سيمحيها إن اعترضت، قالت بعد أن تنهدت لتخرج نبرتها غير متأثرة بفعلته لكي لا تُشمِت بها سنية:-

هغير هدمتي ونمشوا     


_ إختفت خلف باب غرفتها بينما لم تتحمل سنية الوقوف معه في نفس المكان وهرولت مسرعة إلى الخارج تنتظر مجئ ثريا، عاد طاهر إلى المنزل بأمر من والده الذي تحدث فور وصوله:-

يلا عشان نروحوا نعزي ده ناسيبنا وواجب نكون أول الحاضرين وناخدوا العزا معاهم     


_ قطب "طاهر" جبينه مردداً بعدم تصديق:-

أنت كيف جامد أكده كانك مش السبب في موته، جتلنا الجتيل وهنمشوا في جنازته كيف ما بيجولوا     


_ نفخ حمدان بضجر بائن، إحتقن وجهه وبدي كالبركان الثائر الذي يود الإنفجار من كثرة هرائتهم لكنه تحلى بالصبر لبضعة لحظات وشرح له الربح العائد الذي سيحل عليهم من خلف تلك الحادثة:- 

يواد متجفلش مخك عاد وفتحه، أنت رايد تتجوز بت عمك وأهي الفرصة جت لك أهي على الطبطاب ومش أي فرصة ديي فرصة العمر يولا هتجيلك شايلة شئ وشويات من ورثها لأبن العمدة يعني جوازة ربحانة     


_ حرك "طاهر" رأسه مستنكراً لما يصغي إليه، حتماً يحلم  هذا ليس بوالده الذي عاش معه تلك الأعوام الماضية، أخذ زفيراً وأخرجه ببطئ وردد بنبرة محتقنة:-

ميتي بجيت بالجسوة دي؟ جبت جحود الجلب ديه منين؟ أني حاسس إني معرفكش واصل أنت مين؟ لا يمكن تكون أبوي كدوتي اللي بضرب بيه المثل في كل حديتي!!    


            


              

                    


_ صعق "حمدان" من حديث ولده الذي وصفه به، توجه نحوه وأشار على عقله مستاءً منه:-

جرب تبجي زيي والدنيا كلاتها هتكون في يدك     


_ أجابه بإنفعال شديد مبدي رفضه التام أن يشبه:- 

أني معايزش أكون شبهك واصل أني بخاف ربنا كيف ما علمتني وأني صغير فاكر ربنا يا بوي؟ ولا شكلك نسيته ونسيت عقابه اللي عشت تخوفني منه لو صدر مني غلطة!!    


_ إستطاع طاهر النجاح في تأنيب ضمير والده الذي إنفجر به بصوت عالٍ يمحي أي صراع سيعيشه من خلف حديثه بصراخه عليه:-

إنكشح من جدامي داهية تجرفك أنت واللي عيتحدت معاك بعد إكده    


_ تقوس ثغر طاهر بإستحقار بائن على تقاسيم وجهه، أولاه ظهره وأنسحب خارج المنزل مهرولاً لا يطيق المكوث معه في المكان نفسه، لابد أن يقف بجوار حبيبته بالتأكيد قد تبدد الحزن في قلبها،  هو تمني أن تكون حلاله يوماً بأي طريقة لكنه لم يرضي تلك الطريقة، سلك أقصر طريق يوصله إلى السرايا، عقله منشغل بعشرات الأسئلة التي تدور حول لقائه مع عائلة الجبلاوي ووالده نفسه قاتل ولدهم     


_ هل سيصمد أمام دموعهم؟ 

ستستمر مواساته وهو الجاني؟

سيقف معهم يأخذ العزاء دون شعور بتأنيب الضمير؟ 

كان يقدم خطوة ويؤخر خطوات ليس بتلك الشجاعة حتى يقف أمامهم بثبات بينما يعلم من الجاني..    


_ ليس في يده سوي تقديم المواساه حتى وإن كلف الأمر معاناته طوال قربه منهم فقط لأجل ورد!    


***    


_ تفتحت أهدابها المتلاصقة معلنة يقظتها، جابت الغرفة بزروقاتها التي أنطفئ وميضهم، تسارعت ضربات قلبها حينما تذكرت أخر ما رأته قبل أن تفقد وعيها     


_ دخول هلال محمل في النقالة الطبية مغطي بالغطاء الذي منعها من رؤيته بوضوح، إنتفضت من مكانها بذعر وكادت أن تهم بالخروج لولا ولوج والدتها قد منعها، تفاجئت السيدة "سنية" بصحوتها ورددت بشعور من الطمئنينة:-

الحمد لله إنك فوجتي أني شيعت طاهر للداكتور من جلجي عليكي، هروح ألحجه جبل ما يمشي     


_ هرولت السيدة سنية خارج الغرفة ومن ثم أخبرت طاهر بإستعادة ورد لوعيها فأزفر أنفاسه براحة كبيرة ثم عاد ليقف مع شباب عائلات البلدة     


_ عادت سنية بأدراجها إلى وحيدتها تواسي قلبها الحزين، طالعتها ورد لبرهة وذكري دخول هلال عليها بتلك البشاعة لا تفارق عقلها، إرتمت بين أحضان والدتها جاهشة في البكاء بألم الفراق الذي لا تتحمله     


_ ضمتها سنية بقوة محاولة إمتصاص حزنها بترديدها للأيات التي تحثها على التحلي بالقوة والصبر وتحتسب عند الله:- 

((وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون))    


_ توجهت سنية إلى الفراش برفقة ورد التي توسطت صدرها وأضافت:-

إحتسبي عند ربك يا حتة من جلبي هو جدره ومكتوبله يجابل ربه دلوك    


            


              

                    


_ صدرت منها شهقة قوية من جوفها المحترق، لا يستوعب عقلها ما فعلته به وهتفت صارخة بحسرة:-

أني عتوجع على اللي عملته فيه ياما، مات وهو زعلان مني هجابله كيف وجلبه مش صافي نحيتي    


_أسرعت "سنية" مجيبة بعتاب لحديثها:-

بعد الشر عنك يا جلب أمك، هلال الله يرحمه كان طيب ومهيزعلش من حد واصل     


_ اعترضت "ورد" حديثها قائلة بتهكم:-

أخر مرة شوفته كان غضبان عليا وهمل لي الاوضة ومشي يبجي كيف مش زعلان مني؟    


_ حاولت سنية التخفيف عنها ربما تكف عن إيلام ذاتها مردفة:- 

أني بنفسي شوفته وسألته عليكي وجالي أنك كويسة وكان عيتبسم وهو بينطج أسمك كيف ما يكون عاشجك    


_ إبتعدت عنها "ورد" وطالعتها بلهفة واضحة وسألتها العديد من الأسئلة بإهتمام:-

جالك أنه مش زعلان مني صوح؟ كانت نبرته مخنوجة ولا بيتحدت بعفوية كيف طريجته؟     


_ نهضت وسارت في الغرفة دون توقف مضيفة لأسئلتها:- 

كان رايح فين؟ يا تري مين عمل فيه أكده؟     


_ ثبتت بصرها على والدتها مرددة بنبرة متحشرجة من خلف بكائها المستمر:-

مين اللي معندوش جلب اللي جدر يجتله بدم بارد ويوهرب، متوجعش عليه وهو عيصرخ من الوجع؟ للدرجة دي الجلوب بجت سودة وتخوف، جدر يهملوا لحاله وهو عينزف ويتوجع!     


_ جلست على الفراش بإهمال ووضعت يدها أعلى قلبها التي ينفطر حزناً متابعة لحديثها بنبرة متألمة:- 

موجوعة عليه جوي ياما، على اللي حوصله أكتر من فراجه هو ميستاهلش أكده واصل     


_ تنهدت السيدة سنية بقلب يتمزق على عبرات صغيرتها التي تنسدل بغزارة دون توقف، كادت أن تشي بفعلة ذاك الحقير لكي ينال عقابه لكن تحذيراته كانت ترغمها على الصمت من أجل حماية صغيرتها من شره التي ذاقت مرارته اليوم..    


_ تشعر كأنها مربطة بحبال معقدة تقيدها، لم يكن في وسعها فعل أي شئ سوي أن تضم إبنتها إلى حضنها مواسية إياها بكلمات حنونة لعلها تُهدِأ من روعها قليلاً..    


***    


_ بشموخٍ وقامة منتصبة يقف بين الجميع يأخذ عزاء أخيه بعد أن ودعه إلى مثواه الأخير بعد صلاة الظهر مباشرةً، هكذا يبدو عليه الصلابة والقوة التي يتحلي بها في هذه المصيبة الفجعة عكس باطنه التي يتمزق أشلاءً ناهيك عن عقله المشوش الذي يرفض ذلك الفراق المفاجئ.    


_ لم يكن شقيقاً له فقط، قد كان خير الصديق ورفيق الطريق، كان مدلله الصغير يعتبره إبناً قبل أن يكون شقيقاً، لقد حضر يوم وضعه وهو من أسماه بـ ''هلال''، كان يعد الدقائق التي تمر وكذلك الأسابيع والشهور وهو يتابع نموه بدقة وإهتمام ليلعب معه يوماً..    


_ تذكر أثناء تسللهم من الغرفة ليلاً وهروبهم من المنزل لكي يكتشف هلال معالم القرية جيداً برفقة مصطفى صاحب الفكرة، كان يريده أن يكبر سريعاً ويعلم كل ما جمعه مصطفى من خبرة ليكونا فريقاً تشهد له القرية بقوة أولاد خليل الجبلاوي كما كان يحثهم والدهم دوماً..    


            


              

                    


_ طرقت ذكري أخري على عقله حينما ضُرب هلال من قِبل مجموعة من الأطفال وعاد إلى أخيه باكياً يشتكيه فاحتقن وجه مصطفى وبرزت الدماء في عروقه بغضب، لم يتحمل أن يصيب صغيره أي مكروه حتى وإن كان خلف ذلك أطفالاً ليس إلا، أخذه وعاد إلى مجموعة الأطفال وقام بربطهم واحد تلو الآخر حول الشجرة وأمر هلال بصفعهم مثلما فعلوا وبعد أن أخذ ثأره منهم تركهم مربطين مكانهم حتى يلقنهم درساً ويفكروا مراراً وتكراراً قبل أن يقتربوا من شقيق مصطفى الجبلاوي..    


_ مر شريط ذكرياتهم سوياً أمام عينيه في لحظات سريعة مؤلمة لم تضيف له سوي الألم والقهرة لطالما كان يداري ألمه قدر المستطاع فهو لن ينحني أمام الجميع ويظهر حزنه هو مصطفي خليل الجبلاوي لا يحزن لا يتألم لا يساعدهم في أخذ صورة الضعف وقلة الحيلة عنه، إزداد انتصاباً في وقفته وهو يطالع الجميع بأعين إحتقارية، لا يطيق رؤية كلاً منهما فهم لا يجعلوه يعيش حداده على أخيه كما يجب أن يكون، أخذ نفساً عميقاً وأخرجه ببطئ ثم توجه إلى والده وإنحني عليه بقرب أذنه هامساً:-

جول الناس دي تمشي يا بوي إحنا مهناخدش عزا    


_ أماء له "خليل" بالقبول ثم نهض بمساعدة مصطفى لكن لن يستطيع فرد ظهره الذي أنحنى قليلاً عن ذي قبل، أجبر الجميع على الإنصات إليه بنبرته الحادة الذي يخشاها الجميع:- 

سيعكم مشكور يا چماعة بس إحنا مهناخدوش عزا جبل ما ناخد إبتارنا من اللي عمل أكده في ولدي     


_ أنهي جملته وإنسحب من بين الجميع بإستقامة منحنية حتى وصل إلى غرفته، أغلق مصطفى باب السرايا بعدما هدأت الأجواء ولم يتبقي سواه في المكان، زفير وشهيق فعل لقد حان وقت إنهياره بمفرده، كاد أن يغادر لكن طرقات الباب أوقفته، عاد إلى الباب وفتحه وإذا بهم رجال الشرطة    


_ رحب بهم ودعاهم للدخول ثم أمر عسران بمناداة والده لأنهم يريدونه، صافحه ظابط المباحث قائلاً بعد حضوره:-

البقاء لله يا عمدة ربنا يچعلها آخر الأحزان إن شاءالله    


_ أجابه مختصراً حديثه بنبرة مهزوزة:-

البقاء لله وحده يا نفادي بيه بس إحنا مبناخدوش عزا جبل ما ناخدوا بتار ولدي متشكرين ليك     


_ لم يتعجب نفادي من حديث خليل فهذا هو عُرفهم السائد المتعارف عليه لديهم، لكنه حاول منعه من أي تسرع في الأمور:- 

تار إيه عاد يا عمدة اللي عتتحدت عنيه أنت راجل ناضچ وأمور أجدادنا ديي بجت جديمة خلاص الوجتي فيه جانون ياخد لك حجك من غير ما تلطخ يدك بنقطة دم واحدة      


_ لم يجيبه خليل فهو لم يقتنع بما قاله فتابع الآخر حديثه مضيفاً:- 

تحرياتنا بتجول إن الجتل ده مجصود ومترتب له تمام، كون إن الجاتل يرميه في الأرض الغربية تبع عيلة الشرجاوي يبجي عارف هو بيعمل إيه صوح، الأرض دي طالع عليها إشاعات إنها مسكونة بالجن والعفاريت ومحدش بيهوب نحيتها واصل ولا بيمشوا حتى من الطريق المجابل ليها..    


_ صدح صوت "مصطفى" الجامد متسائلاً بفتور شديد:-

من الأخر عرفتوا مين اللي عِمِلها؟     


_ أجابه محقق المركز بنبرة عملية:-

لسه يا باشمهندز بس...    


_ قاطع "مصطفى" حديثه ناهياً ذاك الحوار العقيم الذي لا فائدة منه بهجوم:-

يبجي شكر الله سايعكم تاني يا نفادي بيه، لما تجيب لنا معلومة صريحة إبجي تعالي، مش عايزين نتعبوك يا راجل الطريج طويل من المركز لإهنه     


_ أولاهم ظهره وصعد سريعاً إلى الأعلى يريد الهروب من وجوه الجميع، يريد أن ينفرد بذاته قليلاً يخرج ما به من آلام حزينة تمزق قلبه إرباً، أوصد الباب خلفه وتوجه نحو الفراش بخطة غير مستقيمة، أستلقي عليه وصورة أخيه وهو يعافر مع الموت لا يستطيع نسيانها ورميها خلف ظهره بسهولة     


_ إنفجر باكياً بمرارة فراق غاليه وردد بنبرة متحشرجة من فرط بكائه:-

هتوحشك جوي يا خوي، الحياة طلعت جصيرة جوي كنت فاكر هنشيب مع بعضينا بس أنت سبجت، متحملتش الحياة ديي إياك!!، هتحملها أني كيف بعديك؟     


_ كز مصطفي على أسنانه بغضب عارم كما إحتدت ملامحه وبدي وجهه كالبركان الثائر الذي تغلي به نيرانه وتوعد لمن تجرأ وأخذ منه أخيه مردداً من بين أسنانه المتلاحمة:-

أعرف بس هو مين وهفضل أجطع فيه نثاير نثاير، هخليه يتمني الموت ولا يطوله عشان يعرف إن اللي جتله دييه أخو مصطفى الجبلاوي اللي مابيسيبش حجه واصل     


_ إرتخت ملامحه رويداً رويداً وعادت عبراته تهطل كحبات المطر من جديد لكن تلك المرة في صمت مريب، لم يصدر أي صوت من مصطفى غير تلك الشقهات الموجوعة التي تصدر عفوياً منه من حين لآخر حينما تأكد من عدم وجود هلال ثانيةً..    


***    


_ هبطت ورد برفقة والدتها وتفاجئت كلتاهما بوجود الشرطة في السرايا، كان يحاول نفادي أن يقنع خليل أن يتخلي عن ثأره الذي بات عُرف من قديم الأزل لكنه كان يقابل فشل ذريع أمام كبير عائلة الجبلاوي     


_ تنهد "نفادي" بنفاذ صبر وألقى أخر ما تبقي في جوفه مستاءً:-

على العموم يا عمدة إحنا بردك هنعمل كل اللي شغلنا بيحتمنا عليه ولو وصلنا لحاجة هنبلغوك بيها، عن إذنك     


''إذنك معاك''

_ قالها "خليل" بجمود بينما لحقت "ورد" بالمحقق قائلة:-

إستني يا حضرة، عندي حديت يمكن يفيدك في تحجيجك    


_ توقف وإستدار إليها بنظراته الثاقبة ينتظر ما تريد قوله، وقعت جميع الأنظار على ورد وما تفوهته به لتوها، سحبت "ورد" نفساً عميقاً ووجهت بصرها إلى السيدة سنية مرددة:-

جولي ياما اللي جولتهولي     


_ خفق قلب سنية خوفاً من المواجهة التي وضعتها ورد بها، تسارعت نبضاتها بسرعة شديدة وكأن هناك من يجري خلفها، إرتبكت من خلف تلك النظرات التي تحولت جميعها عليها في إنتظار حدوث طفرة عظيمة توصلهم لشئ ما..    


_ "سنية" :-    


***    



روايه عرف صعيدي  

بقلم الكاتبه تسنيم المرشدي


الفصل الرابع

( مقلب القلوب )

______________________________________    


_ أزهر أملاً جديد في قلوب الحاضرين، الجميع ينتظر على أحر من الجمر حديث السيدة سنية التي أخبرتهم عنه ورد     


_ إهتزت سنية وهي تواجه أعينهم المتأملة، إبتلعت ريقها وقبل أن تتحدث قاطعها دخول طاهر الذي عاد ليأخذ والدته وسنية التي لم تبرحن مكانهما منذ وصولهم من عدة ساعات، كما تفاجئ بوجود الشرطة في المكان وشعر برعب داخله ناهيك عن خفقان قلبه الذي إزداد متوجساً خيفة من رؤيتهم ..    


_ شهيق وزفير فعلت السيدة "سنية" ثم أردفت بنبرة متعرقلة في حديثها متوجسة خيفة من ذلة لسانها:- 

مش حاچة مهمة يعني..    


_ أجابها المحقق بنبرة عملية:- 

أي حاچة مش شيفاها مهمة ممكن تساعدنا إحنا إذا سمحتي جولي كل اللي تعرفيه    


_ أوماءت برأسها وهي تطالع طاهر الذي كان يشير إليها بسودتاه محذرا إياها بألا تخبرهم حقيقة الأمر، حاولت تنقية كلماتها بعناية ورددت بحذر شديد:-

أني شوفته وسألته على حاله وحال ورد بس أكده    


_ أقترب منها "نفادي" متسائلاً عدة أسئلة:-

كان رايح فين؟ حد كان وياه ولا كان لحاله؟ وكانت الساعة كام أكده تجريباً؟    


_ إرتبكت هي من تلك الأسئلة التي ليس لها إجابات صريحة فهي من إختلقت لقائها مع هلال لكي تهون على قلب ورد قليلاً، أنقذتها "ورد" حينما حاولت أن تفتح لها سبيل للحديث قائلة:-

هلال هملني وخرج من السرايا كنا المغربية أكده،  وجتها أمي شافته وسألته عليا بس مخابراش إن كان معاه حد ولا لاه    


_ وجه نفادي بصره إلى السيدة سنية في إنتظار إجابات صريحة على أسئلته التي وجهها لها، أخذت شهيقاً ثم تابعت حديثها الكاذب:- 

كان لوحديه مشوفتش حد وياه    


_ صمتت وهي لا تعي أين تخبرهم بوجهته التي سلكها فهي لا تعلم من الأساس، هنا تدخل "طاهر" بحديثه يحاول إنقاذ زوجة عمه بقوله:-

ده نفس الوجت اللي راح فيه على الجهوة اللي في أخر البلد     


_ حرك "نفادي" رأسه وضاق بعينيه على طاهر متسائلاً بصرامة:-

تطلع مين أنت وعرفت كيف؟    


_ إرتعب طاهر من أسلوبه الحاد معه وحاول أن يتحلي بالشجاعة أمامه وأجابه بنبرة ثابتة:-

أني طاهر حمدان المنشاوي، مرت هلال الله يرحمه تبجي بت عمي، وعرفت كيف لأني كنت في الجهوة نفسها وشوفته حتى تعاركنا مع بعض     


_ شعر طاهر بفداحة ما أدلي به من خلف نظرات المحقق عليه، رمقه نفادي بنظرات جامدة تظهر ما يوجد خلفها من اتهامات عدة، سار بخطاه نحو طاهر الذي خفق قلبه خوفاً وهتف بسؤاله:-

وإتعاركتوا ليه؟    


_ شعر طاهر بمرارة قاسية في حلقه، إبتلع ريقه وأجابه بتوتر بائن:-

عركة شباب يا حضرة، وكل واحد أعتذر للتاني وراح لحاله     


                                  


              

                    


_ وجه بصره على العمدة وسأله ليبعد عنه الشبهات:-

مش أكده يا عمدة؟    


_ أماء له العمدة مؤكداً وردد باختصار:- 

أيوة حوصل    


_ لم يكتفي المحقق بحديث العمدة وشعر أن هناك تلاعب ما في الأمر، نظر إلى رجاله وأمرهم:-

هاتوه معانا نتوكد بنفسنا     


_ إتسعت حدقتي طاهر بصدمة كما تفاجئ الجميع بقرار المحقق الذي لم يكن يخطر على عقولهم، إقتربت ثريا من ولدها وتشبثت بذارعه وتوسلت المحقق قائلة:-

أبني ملوش صالح عاد بلي حوصل يا بيه    


_ أضاف طاهر على حديث والدته:- 

أني مجتلتش هلال عشان تاخدوني مليش صالح عاد بالموضوع دييه    


_ إكتفي نفادي برمقهم بفتور شديد لا يتأثر بتوسلات ثريا ولا حديث طاهر، إنتظر حتى انتهوا من سخافتهم كما يعتقد وقال بجمود:-

كل الحكاية هنسأله كام سؤال الموضوع مش مستاهل الجلج ديه كلاته ولا ايه يا طاهر؟    


_ إستشف طاهر ما يرمي إليه نفادي ولم يقدر على نطق حرف زائد فمهما قال لن يصغي إليه فعمله يحتم عليه ذلك لكن لن يصمت ويتحمل عقاب تلك الجريمة التي ليس له يد فيها إن أضطر الأمر سيخبرهم بالحقيقة ولا يشفق على والده هو من جنى على نفسه بقتل هلال بدم بارد، لن يقبل أن يتم سجنه بين جدران السجن ويترك الجاني يستمتع بحياته في الخارج..    


_ إقتربت رجال الشرطة من طاهر وأخذوه معهم إلى الخارج، صاحت ثريا وصرخت بكل قوتها تريد تبريئة ولدها من تلك التهمة لكن هيهات لهؤلاء الرجال لا يصغون إلى ما ترمي إليه من توسلات أمومية..    


_ وقف الجميع يتابع ما يحدث في صمت، لم تكن لديهم القدرة على الإعتراض أمام رجال القانون، صدمتهم في فراق هلال كانت كفيلة لأن تلجم ألسنتهم وتقيدهم أمام الأمور مهما كانت عظمتها..    


_ توجهت ورد مباشرةً إلى حيث يقف خليل وأرادت تبرئة طاهر قائلة:-

طاهر ميعملهاش يا عمي     


_ رمقها خليل بإرهاق بادي على ملامحه وأجابها مختصراً الحديث لكي يفر هارباً إلى غرفته:-

عارف يابتي وانتِ بنفسك سمعتي نفادي وهو عيجول أنه هيسئله كام سؤال يعني مفيش جلج     


_ أسرعت هي بالرد عليه متعشمة في لطفه:-

بس كلمتك أكيد هتفرج معاه ياريت متهملش الموضوع وتتابعه بنفسك    


_ أماء رأسه بقبول ومن ثم إنصرف سريعاً من أمامها قاصداً غرفته، بينما نظرت هي إلى زوجه عمها محاولة طمئنتها:-

متخافيش يا مرت عمي أني مش هخليه يبات هناك ليلة واحدة     


_ رفعت ثريا بصرها على ورد بندم ممزوج بالشفقة فكل ما حدث لها كانت السبب به هي وزوجها والآن هي من تدعمها وتطمئنها على ولدها، لم تتحمل وأنهارت في البكاء نادمة بشدة على ما أقترفته في حقها..    


_ حاولت ورد التخفيف عنها ببعض الكلمات الداعمة ومن ثم إنصرفت ثريا برفقة سنية التي يتوعدن لحمدان أشد الوعيد بينما عادت ورد على غرفتها تتفقد كل ركن قد حدث بينهما فيه حوار  حتي إن كان قصيراً، جلست أمام الفراش مستندة على جداره ضامة ركبيتها أمام صدرها وحاوطت قدميها بكلتي ذراعيها دافنة رأسها بينهم سامحة لعبراتها في النزول بألم شديد ..    


            


              

                    


_ في الغرفة المجاورة، ولج خليل إلى غرفته مطأطأ رأسه بهموم كثيرة قد وقعت على عاتقه، إبتعدت صفية عن السيدة نادرة حاملة لصنية الطعام وأردفت بأسى:-

رافضة الوكل ومش راضية تحط لجمة في بوجها حتى العلاج رافضة تاخده وأني خايفة السكر يعلي عليها وتدخل في غيبوبة كيف ما بيوحصلها لما تمنع الوكل     


_ أخذ شهيقاً موجوعاً وأجابها بمزاج غير سوي:-

ومين له نفس للوكل يا صفية، عمود من عمدان السرايا أتهد ناكل كيف جوليلي    


_ بكت صفية متأثرة بحديثه ورددت مواسية إياه:-

ربنا يصبركم يا سيدي    


_ صدرت منه تنهيدة حارة تدل على عمق حسرته ووجه حديثه إليها أمراً:-

هملينا لوحدنا يا صفية وسيبي الوكل إهنه     


_ أماءت له بالقبول ووضعت الطعام أعلى الطاولة ثم قامت بسحبها بالقرب منهم لكي يسهل عليهم تناوله وغادرت الغرفة داعية الله أن يصبر قلوبهم على مصيبتهم ..    


_ أستند خليل على حائط الفراش وأوصد جفنيه للحظات، أخرج كل مافي جوفه بنبرة متحشرجة:-

ياريتني كنت أني يا ولدي وأنت لاه، مجدرش أتحمل فراجك عني، كيف هعاود للدار ومتستجبلنيش ببسمتك وشجاوتك كيف ما بتعمل، مصطفى هيجف جصادي عشان مين دلوك؟ مين هيحرث حتة صغيرة من الأرض طول اليوم وعيجول إنه حرث الأرض كلاتها لوحديه، جطعت بيا يا هلال، كنت فاكر أنكم هتوصلوني لجبري وتجفوا تاخدوا عزايا مكنتش أعرف إن أني اللي هاخد عزاك لاول يا غالي     


_ خارت قوة خليل ولم يعد يستطيع إكمال حديثه وانفجر باكياً، تخرج منه شهقات قوية من آن لآخر ، أه مكلومة خرجت من صدر أب يتمزق قلبه على فراق غاليه، أين جبروت تحكماته؟ أين قوة أسلوبه وطريقته الخشنة، أين هم الأن لقد دفنهم مع صغيره في ذلك القبر الموحش ..    


_ تنسدل عبرات نادرة على الوسادة ولا تصدر أي حركة ولا آنين، فقط تبكي في صمت إلى أن تورم جفنيها ولم تعد تري بوضوح كما كانت    


_ حرك خليل رأسه ونظر إليها وأردف بنبرة أمرة:-

جومي كلي لك لجمة لحسن تطبي ساكتة    


_ أجابته بتمني لحديثه:-

ياريت وأروح لحبيبي..    


_ أوصد عينيه بتحسر علي ما أصابهم وردد مستنكراً حديثها:-

وتهمليني يا نادرة ؟ بلاش أني تهملي ولدك مصطفى؟ رايداه يتوجع على فراجك كيف ما عيتوجع على فراج خوه دلوك؟ جومي كلي عشانه هو على الأجل     


_ رفضت نادرة إدخال أي شيئ في جوفها وباتت تبكي كما تفعل لا تصغي لأي من توسلات زوجها التي يحثها على

التوقف والتحلي بالقوة لكن هيهات لكلماته أمام آلامها وأحزانها..    


في مركز القرية وبالتحديد غرفة التحقيقات، يجلس نفادي على مكتبه يطرح أسئلته على طاهر بنبرة صارمة:-

يعني إتعاركتوا عشان نفثت دخانك في وشه جولتلي، وليه تعمل حاجة زي أكده ده انتوا نسايب يا راجل يعني عيبة في حجك    


            


              

                    


_ أخذ طاهر شهيقاً يحاول طمئنة نفسه بأن الأمر لا يستحق كل ذلك الارتباك وأجابه بنبرة مهزوزة بعض الشيئ:-

كنت مخنوج وهو واضح أنه كان مهموم واإتنيناتنا طلعنا خنجتنا في بعض ديي كل الحكاية، صدجني أنا أخر واحد تفكر أنه ممكن يجتل أني مقدرش اجتل فروچ هجتل بني آدم من لحم ودم!    


_ رفع نفادي حاجبيه للأعلى كذلك رفع شفتاه السفلي لتغطي الشفاه العلوية ورد عليه بفتور:-

هنشوف يا طاهر موضوع الفروچ ديه بس لاول نشوف موضوع جتل هلال    


_ صمت نفادي وأرتشف بعض المياه ثم تشجأ بصوت عالٍ وأضاف بنبرة أشد جموداً:-

وعلى لما نوصلوا لحاچة تثبت برائتك أو تدينك هتشرف عندينا إهنه شوية     


_ صعق طاهر مما وقع على مسامعه وحاول نفي التهمة من علي عاتقه:-

يا نفادي بيه أني مليش صالح، أحلف لك بإيه عشان تصدجني وبعدين تجعدني إهنه ليه مفيش دليل ضدي عشان تؤمر بحبسي    


_ إنتفض نفادي من مكانه بعصبية بالغة وضرب المكتب بكل قوته  براحتي يده وأندفع فيه:- 

أنت هتعرفني شغلي ولا إيه وعشان حديتك ديه هخليهم يستجبلوك أحلى استجبال يليج بيك     


_ وجه نظره إلى الباب منادياً بصوت مرتفع:-

أنت يا عسكري يلي برا تعالي خد المتهم ديه    


_ ظهر العسكري من خلف الباب ما إن أنهي نفادي جملته وأمسك بذراع طاهر أمراً إياه بحدة:-

جوم ياخويا    


_ أوقفه نفادي قبل خروجه قائلاً:-

خليهم يستجبلوه زين    


_ رفع العسكري ذراعه للأعلى بقرب أذنه وهتف بطاعة:-

تمام يا فندم     


_ عاد نفادي لمقعده وقام بالاتصال على أحد رجاله وقال:-

جيبلي صاحب الجهوة اللي جامت فيها العركة وكل اللي كانوا حاضرين     


_ جائه الموافقة على ما أمر به من الجهة الأخرى فأغلق الهاتف ووجه بصره نحو الباب متمتماً:-

لما نشوف ليك يد يا طاهر ولا كيف ما بتجول ..    


______________________________________    


_ إقتحمت المنزل كالثور الهائج تبحث عن حمدان، وقفت في منتصف المنزل وصاحت بإنفعال شديد:-

حمدان انت فين يا حمدان، ولدك إتاخد في الرچلين من ورا عمايلك السودة، أنت فين رد عليا؟    


_ ظهر حمدان من خلف باب غرفته لا يعي ما قالته، أقترب منها بملامح جامدة كعادته وردد:-

بترطرطي وتجولي إيه يا ولية؟    


_ أقتربت هي منه إلى أن إلتصقت بصدره وأجابته مشمئزة منه:-

ولدك الحاكومة خدته لما عرفوا إنه إتعارك مع ولد العمدة أني مهتحملش أجعد دجيجة واحدة وإبني جوا المخروب ديه شوف لك صرفة خرجه بيها أصل اني اللي أخرجه بطريجتي    


_ ألقت أخر جملتها مهددة إياه لكي يخشاها وينفذ أمرها، كز حمدان على أسنانه بغضب يفوق الوصف ولم يشعر بأنامله التي تخللت حجاب ثريا ليُمسك بخصلاتها أو ربما ينتزعهم وجرها خلفه إلى غرفتها غير آبِه لصراخها الموجوع     


            


              

                    


_ ألقي بها أرضاً وردد بوجع محتقن قبل أن يغلق باب الغرفه:- 

ده عقاب اللي يهدد حمدان المنشاوي     


_ أوصد الباب بالمفتاح ثم أبتعد عنه فلحقت به صباح قائلة بشفقة على حال والدتها:-

يا بوي هتسيب أمي في الأوضة محبوسة أكده لميتي؟    


_ أجابها من بين أسنانه المتلاحمة بغضب:-

تلت ليالي لا تاكل ولا تشرب ولا حد يسألوا فيها أنتِ فاهمة؟    


_ عارضته صباح هاتفة:-

كاتير جوي يا بوي     


_ نهرها حمدان دون رأفة هادراً:-

ملكيش صالح عاد بلي يوحصل وأنتِ لساتك إهنه بتهببي إيه مروحتيش لبت عمك تجفي معاها في محنتها ليه؟    


_ أضاقت صباح عينيها على والدها لا يستوعب عقلها حقاً جمود حديثه كأنه ليس له يد فيما حدث، لوهلة صدقت أفعاله وحُسن نواياه من خلف ما يؤمرها به     


_ قطع حبال أفكارها بإنفعاله:-

هتفضلي تبحلجي فيا كاتير همي يابت غيري خلجاتك وروحي السرايا طوالي     


_ إختفت صباح من أمامه عائدة إلى غرفتها تلبي ما أمرها والدها به لكي لا يكون لها نصيب من عقابه هي الأخرى، بينما ردد بحمدان بعجرفة:-

كنت عارف إن ديه هيوحصل عشان أكده اتصرفت صوح    


_ ظهرت على محياه بسمة عريضة لدهائه لكن سرعان ما أختفت بسمته حينما رأى السيدة سنية تقف في نافذة منزلها، قادته قدماه إليها وطرق بابها بأسلوب غير لائق تماماً     


_ إنتفضت الأخرى من مكانها مذعورة من خلف طرقات الباب بذلك الشكل، هرولت لفتحه بقدمي تتعسر في الأرض من فرط خوفها، تفاجئت بحمدان يقف أمامها وقبل أن تعاتبه إنفجر هو بها:-

أنتِ يا ولية مصممة تعصيني ليه؟ مش جولتلك هتجعدي في داري مبتسمعيش الحديت ليه؟    


_ التقزز! قد شُكل على تقاسيم وجهها وأجابته بوجه عابس:-

أنت ملكش حكم عليا يا حمدان، أني لا مرتك ولا أخصك من أساسه عشان تبيع وتشتري فيا كاني بهيمة من بهايمك أني مرت خوك الله يرحمه تحترمني وتلزم حدود معايا    


_ صمتت السيدة سنية وإنفجرت ضاحكة على آخر ما أردفته متمتمة بسخرية:-

إحترام إيه اللي عتحدث عنيه، واحد جاتل هيعرفوا إيه عن الإحترام     


_ تحولت ملامحها إلى الاشمئزاز منه ومن دنائته وتابعت حديثها مضيفة:-

صدجني يا حمدان إن ما بعدت عني وعن طريجي  لاكون جتلاك وبدل ما يبجوا واحد جاتل في العيلة يبجوا تنين ودلوك إطلع برا دار خوك اللي مصونتش حرمته     


_ إنتظر حينما إنتهت من حديثها وأردف ببرود يميل إلى التوعد:-

همشي دلوك بس هعاود تاني ولما أرجع هجفلك خشمك ديه طول عمرك يا سنية     


_ أولاها ظهره وغادر وهو يضغط على أسنانه بغضب شديد متوجه إلى مركز القرية لكي يخرج ولده مما وقع فيه..    


***    


_ طرقت بابها ثم ولجت للداخل ما أن سمحت الأخري لها، وقفت أمامها وقالت بهدوء:-

بت عمك موجودة تحت وجاية تعزيكي     


            


              

                    


_ تأففت ورد بفتور شديد فهي ليست عليى إستعداد لسخافة صباح الأن، لكن ربما ستواسيها حقاً، أي سخافة ستُحدثها في عظمة الموت، لامت ورد نفسها على تفكيرها الذي ليس في محله وهبطت مع صفية إلى حيث تمكث صباح..    


_ أقتربت منها صباح وضمتها لحضنها فتعجبت ورد من تصرفها الذي تتعامل معه للمرة الأولى لكنها بادلتها الحضن بهدوء فهي في أمس الحاجة لوقوف الجميع بجانبها في تلك الأثناء العصيبة    


_ لكن سرعان ما إبتعدت عنها بعدما رددت صباح بتشفي:-

جلبي عندك يابت عمي الراجل معمرش معاكي يومين وجبتي أجله     


_ صعقت ورد مما صغت إليه، صدمتها كانت شديدة ولم تستوعب أن الحديث خرج من فاه ابنة عمها التي من المفترض هي من تواسي حزنها فهما الفتاتان الوحيدتان في العائلة، فلكل موقف حُرمته وتلك تعدت الحدود بمراحل جما     


_ أنتهبت ورد لحديث الأخري وهي ترمق السرايا بإبتسامة عريضة:-

ملحجتيش تتهني بالعز طول عمرك فجرية     


_ صوبت صباح بصرها على ورد متابعة حديثها بسعادة:-

صعبانة عليا يابت عمي جوي هتهملي الأوبهة ديي وترجعي بيت بوكي تاني ووجتها يا حرام مهتخرجيش منيه واصل     


_ سارت نحوها بخطيى ثابتة وأنحنت على أذنها هامسة:- 

أصلك هتكوني أرملة، والبنتة اللي زيي هما المرغوب فيهم بس هبجي أدعيلك ياجي لك عدلك ويعمر معاكي المرة ديي    


_ تراجعت صباح مبتعدة عنها وأشارت بيدها مودعة إياها:- 

زارتك العافية يا بت عمي     


_ غادرت صباح السرايا وما إن خطت للخارج حتى أحتدت ملامحها وهي تتذكر خُطاب ورد الكُثر، لا يمر أسبوع الا ويأتي به شاب يطلب يديها بينما هي التي تكبرها بخمسة أعوام إلى الأن لم يتقدم لخطبتها شاباً أو حتى أرملاً..    


_ لم تحرك ورد قدميها بعد من هول الصدمة التي وقعت في براثينها، أهي نذير شؤم مثلما لمحت صباح بحديثها، ترقرقرت عبراتها بحزن جلي لم تستطيع التغاضي عنه     


_ كان يتابعن ما يحدث في صمت لكن قلوبهم تتآكل حزناً على ورد، مشفقين على حياتها التي أنقلبت رأساً على عقب وهي لازالت عروس لم تكمل يومين     


_ لم تتحملا الوقوف ومشاهدتها تبكي بمرارة  وخرجن خلف بعضهن يريدن مواساتها والوقوف إلى جانبها بعد أن رأوا بأعينهم دنائة إبنة عمها وأستحقرن تصرفاتها     


_ أنزلت ورد وشاحها ما أن شعرت بقدوم أحدهم، لكنها تفاجئت بـ هويدا وصفاء مساعدتي صفية على ما تظن، تبسمن لها وأقتربت صفاء ضاممة إياها دون سابق إنذار، حضن صادق مخلص ربما تبث فيها الطمأنينة     


_ وضع بدي مريب لورد لأنها لم تتعامل معاهم من قبل لكن شعور الراحة قد تغلغل داخل قلبها تدريجياً إلى هدأت تماماً وتبدلت مشاعرها بعد ذلك الحضن العفوي إلى سكينة، إبتعدت عنها صفاء وأردفت بشفقة:-

إحنا جنبك يا ست ورد إعتبرينا صحابك مع إن يعني العين متعلاش عن الحاجب...    


            


              

                    


_ قاطعتها ورد مستاءة من تفكيرها الساذج:- 

متجوليش أكده تاني يا صفاء كلنا أخوات     


_ تقوس ثغر صفاء بإبتسامة سعيدة بينما رددت هويدا بنبرة حادة وهي تتذكر حوارها مع تلك الافعي:-

إحنا سمعنا كلام العجربة بت عمك أني أسفة إني بجول أكده بس اللي هيشمت في الموت يبجي جاحد ومعندوش جلب     


_ أخفضت ورد بصرها بحزن تبدد من جديد في قلبها فور تذكرها لكلمات صباح اللاذعة، أقتربت منها صفاء ورفعت وجه ورد بسبابتها مشجعة إياها:-

الوجه الجمر ديه ميطاطيش راسه واصل هي غيرانه منيكي إكمنك أحلى وأطيب منيها     


_ أخرجت ورد تنيهدة مرهقة ورددت بنفسٍ سوية:-

ربنا يهديها     


_ تعجبن الفتاتان من ردها المُسالم كما تبسمن عل لطفها وتحدثت هويدا بحب ظاهر في نبرتها:-

إحنا موجودين إهنه طول الوجت يا ست ورد وجت ما تحتاجينا متتردديش هنكونوا مبسوطين جدا لو إعتبرتينا صحابك    


_ إبتسمت ورد إبتسامة لم تتعدي شفتاها وأجابتها ممتنة:-

متشكرة جوي يا بنات بس ليا طلب عنديكم     


_ رمقنها بإهتمام منتظرين إكمال حديثها بينما تابعت هي  موضحة طلبها:-

بلاش ست ورد ديي إحنا بنته زي بعض وتجربياً نفس العمر يعني لو عايزين نكون صحاب بلاها التكلف الماسخ ديه     


_ تبسمن الفتاتان بينما هللت صفاء بسعادة:-

أني بجول إكده بردك مش بحب التكلف ديه بس جولنا تزعلي لو ناديناكي بإسمك     


_ حركت رأسها نافية حديث صفاء وقالت:-

لا مهزعلش     


_ سألتها صفاء بفضول عفوي:- 

عندك كام سنة على أكده شكلك صغير؟    


_ أجابتها ورد متحسرة على زهرة شبابها التي اقُتطفت باكراً:-

٢٢ سنة    


_ ردت عليها صفاء متحمسة:- 

وأني هكمل ال٢٠ الشهر الجاي    


_ أضافت هويدا مشاركة في الحديث:-

أني بجا عندي ٣٠ سنة يعني تجولولي ياما    


_ ضحكن جميعن لكن سرعان ما أختفت إبتسامتهم حينما رأوا هطول مصطفي من الأعلى، مر بجوارهم دون إلقاء السلام وغادر السرايا، كانت تتابعه ورد متعجبة من تصرفه كأنهم نكره لا يراهم     


_ أستشفت صفاء نظرات ورد إلى ماذا توحي ورددت موضحة:-

هو أكده جليل الكلام لكن جدع     


_ لم تكترث ورد لحديثها عن مصطفي ثم أستأذنت منهم وعادت إلى غرفتها تعيش حدادها مع نفسها بمفردها ..    


***    


_ أنتفض حمدان من مكانه بعصبية شديدة، أجميع ما خطط له لن يجدي نفعاً، لقد أجبر طاهر على السهر خارج المنزل برفقة أصدقائه لكي يكونوا شهود عيان إن حدث شئ كهذا، لم يرضي ما يحدث وصاح بالمحقق شزراً:-

عايز منيه إيه تاني عاد جبت لك شهود إنه كان سهران وياهم وكلهم شهدوا بنفس الحديت، مستني إيه عشان تخرجه من إهنه مفيش دليل واحد ضده     


            


              

                    


_ نهض نفادي هو الآخر وهاجمه بإنفعال شديد:-

أنت هتعرفني شغلي ولا إيه، وصوتك ديه يوطي أنت أهنه في المركز مش دارك ولو مخرجتش حالاً أقسم بالله أحبسك مع ولدك     


_ رمقه حمدان بغيظ عارم وحدثه بتوعد:- 

معلوم، هخرج لكن هعاود تاني ومعايا اللي هيخرجه ووجتها مش هتجدر ترفع عينك في عيني    


_ هدر به الآخر شزراً:-

لو جبتلي المحافظ بذات نفسيه مش هيخرج بردك غير بكيفي    


_ إنسحب حمدان من الغرفة وهو يتوعد لذلك المحقق المتعجرف، لم يكن أمامه سوى اللجوء إلى العمدة لكي يخرج ولده من تلك المحنة.    


_ وصل إليى السرايا بعد دقائق معدودة، دخل السرايا برفقة عسران الذي أمر صفية بمناداه العمدة، طرقت صفية الباب بهدوء وأردفت حينما إستمعت إلى صوت العمدة:- 

حمدان عم الست ورد إهنه ورايد حضرتك     


_ اجابها مختصراً:-

خارج له أهاه     


_ أرتدي خليل عبائته فوق جلبابه وسار للخارج لمقابلة حمدان الذي هرول نحوه متصنع لهفته الحزينة:- 

عارف إن مش وجته بس طاهر ولدي إتاخد ونفادي رئيس مباحث المِركز رافض يخرجه رغم أني جبت له  شهود إن طاهر كان سهران معاهم ليلتها     


_ تنهد خليل مستاءً فهذا ليس بوقته هو وولده الأن، يريد أن يستجمع قواه التي إنهارت تماماً ودفنت مع فلذة كبده، أخذ شهيقاً وأخرجه ببطئ ووجه حديثه إلي عسران:-

جيبلي المحمول من جوا لما نكلم نفادي     


_ لحق حمدان بعسران قبل أن يهم بالمغادرة قائلاً:-

بيجول لو مين كلمني مهيسمعش منيه لو روحت له أكيد هيجدر مجيتك للمركز ويطلع طاهر     


_ رمقه خليل بفتور وتهكم، أليس طلبه في تلك الأثناء دليل على قلة ذوقه كما يبدو سخيفاً للغاية؟!

سار بشموخٍ نحو سيارته أمراً عسران بنفاذ صبر:-

تعالي لما نشوفوا الموضوع اللي مش في وجته ديه     


_ تعمد إلقائه للحديث لعله يخجل حمدان من تصرفاته الغبية، لكن لم تهتز له خصلة كما أعتقد خليل هو لا يكترث لما يحدث فقط يريد النجاة لولده الأن ثم يرد الصاع صاعين فيما بعد..    


_ وصلا كليهما إلى المركز، لم ينتظر خليل ودخل المكتب فور وصوله، جلس أمام المحقق وأمره بنبرة صارمة:-

خليهم يخرجوا طاهر     


_ تقوس ثغر حمدان ببسمة عريضة وطالعه بتشفي وترك الأمر لخليل فبتأكيد لن يخرج إلا برفقة ولده، تعجب نفادي من أمر خليل وأعترض موضحاً سبب إعتراضه وهو يري نظرات حمدان المنتصرة كأنه فاز عليه في معركة ما:-

بس يا عمدة ده مشكوك في أمره أطلعه كيف     


_ أندفع به خليل بنفاذ صبر:-

أديك جولتها مشكوك في أمره يعني معندكش حاجة تدينه    


_ وزع نفادي أنظاره بين خليل وحمدان الذي لم تفارق البسمة وجهه، كز على أسنانه بغضب وعاد ببصره إلى خليل وردد بنبرة حادة لينهي بيها تلك السخافة:-

مهطلعوش يا عمدة جبل ما أتوكد أنه باعيد عن الشبهات     


            


              

                    


_ لقد بلغ ذورة تحمله، ضرب خليل الأرض بعصاه مندفعاً بعصبية بالغة:-

هطلعوا ولا أكلمك اللي يطلعك من الخدمة كلاتها؟    


_ صدرت قهقه خافتة من حمدان الذي حاول كتمها لكي لا يقع عليه عيب قبل أن يتأكد من خروج ولده، لم يكن أمام نفادي سوي الإفراج عن طاهر لعدم كفاية الأدلة، نهض خليل من مكانه بعدما طلب نفادي من العسكري إحضار طاهر من زنزانته وقال قبل أن يذهب:-

كمل تحرياتك عن طاهر ولو وصلت لحاجة بلغني     


_ تفاجئ حمدان من طلب خليل لقد أعتقد أن بخروج ولده قد أنتهى أمره من تلك القاضية، أقترب من خليل وأردف بنبرة متوسلة:-

ليه أكده يا عمدة طاهر ميعملش حاجة زي ديي واصل     


_ رمقه خليل بنظرات أحتقارية مشتعلة تظهر ما يوجد خلفها من البغض الذي يكنه له في تلك اللحظة ورد عليه بحدة:-

متنساش إن ولدك إتعارك مع هلال الله يرحمه يعني مشكوك في أمره عندي بردك     


_ صعق حمدان من حديث خليل، لم يكن في حسبانه أن إبنه سـ يمسه السوء من خلف تصرفه الدنيئ، أخرج تنيهدة محترقة على ما وقع ولده فيه دون ترتيب بينما غادر خليل وهو ينوي أن يعيد حق ولده ويقتلع عين من فعل ذلك به..    


_ سار بخطى سريعة خارج المركز وهو لا يري أمامه سوي الشر الأن، لم يستطيع والده اللحاق به فناداه قائلاً:-

أصبر يا طاهر مش عارف أسابج خطوتك    


_ توقف طاهر عن السير فجاءة وأستدار إليه بملامح تحمل قدراً كافياً من التقزز الذي يشعر به وصاح به مندفعاً:-

جبت الراجل اللي جتلتله ولده يطلعني منيها يا جبروتك يا أخي    


_ أسرع حمدان نحوه ووضع راحة يده على فمه محذراً:-

ششش أجفل خشمك ديه إحنا لساتنا جدام المِركز إتخبلت إياك    


_ دفع طاهر بيد حمدان بعيداً عنه وألقي بكلماته دون رأفة:-

أني مش جادر أبصلك مش رايد أتحدت معاك تاني، ميشرفنيش إنك أبوي بعد عملتك السودة اللي لطتني أني كمان     


_ رفع حمدان ذراعه للأعلي وأنسدل به علي وجه طاهر صافعاً إياه بغضب دوي على تقاسيمه، لم يتحمل طاهر الوقوف أمامه بعد أن صعق بفعلته وتحرك مبتعداً عنه بخطى مهرولة غير مستقيمة..    


_ بصق حمدان حيث كان يقف طاهر وردد مستاءً:-

يلعن البطن اللي چابتك    


_ طالع المكان من حوله بتفحص يتأكد من عدم سماع أحدهم للحوار  الذي دار بينهم وبين إبنه العاق وتحرك هو الآخر مبتعداً عن المكان ..    


***    


_ يركض تارة ويبطئ من حركته تارة أخري، شعر بالا٦ختناق وكأن حجراً ضخم يطبق على صدره، وقف أمام مسجد القرية ولم يطيل التفكير وولج داخله دون تردد     


_ توضأ وصلي ركعتان لله عله يشعر بالراحة، ها قد أطمئن جوفه ما أن وقف بين يدي الله وبدأ يتلوا الآيات، أنتهي من صلاته وأقترب من إمام المسجد الذي يجلس أسفل المنبر ويقرأ القرآن بصوت عذب     


_ أغلق الإمام الكتاب ما أن شعر بقربه، رفع بصره عليه وتبسم بود:-

كيفها أحوالك يا طاهر يا ولدي؟    


_ أخفض طاهر بصره للأسفل كما أرتخت ملامحه ظاهرة الهموم الذي باتت على عاتقه وأجابه بنفسٍ غير راضة:-

مش بخير يا شيخ هريدي     


_ أخرج تنهيدة مليئة بالهموم وتابع حديثه متسائلاً وهو ينظر في عينيه:- 

هي الجلوب بتتبدل يا شيخ؟ يعني ينفع راجل يكون زين وبعد أكده يتحول لراجل عفش وتصرفاته متطاجش؟    


_ أعاد الإمام الكتاب مكانه برفق وأجاب على سؤاله بسلاسة:-

والله يا طاهر يا ولدي أني شوفت من أحوال الدنيا اللي اتعجب له، ياما ناس كاتير كانت أأمة وحالها أتبدل أربعة وعشرين جيراط كانهم كفروا بربنا وليعوذ بالله 

أخطر مرض ممكن يصيب البني آدم هو البعد عن ربنا، لأنه أكده خسر أخرته     


عارف قوله تعالى "قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى" 

يعني الدنيا دي أمتعتها كاتير جوي وإما جاومتها بكل جوتك وإما وجعت فيها ونسيت أخرتك 

ديه حال ناس كاتير ربنا يردهم إليه رداً جميلاً، الإنسان أوجات بيجرب من ربنا جوي وبعد أكده يطمن ويفكر أنه خلاص عمل لأخرته ويتلهي في الدنيا ومتاعها لغاية ما يبعد عن ربنا خالص وحاله يتبدل كانه إنسان تاني متعرفهوش     


عشان أكده خلي الدعاء ديه على لسانك طول الوجت متهملوش واصل 

''يا مقلب القلوب ثبت جلبي علي دينك''

ووجت ما تحس إنك بعدت عن ربنا ردد ديه 

''اللهم ردني إليك رداً جميلاً'' 

وأجفل أي باب لمتع الحياة اللي هتنسيك أخرتك     


_ ربت الإمام على ساق طاهر وأضاف:-

الله يبعدك يا ولدي عن فتن الدنيا    


_ ظهرت شبح إبتسامة على ثغر طاهر لم تتعدي شفاه وسأله بفضول تلك المرة:- 

طب واللي يعرف حجيجة لموضوع ومجدرش ينطج عشان لو اتحدت هيأذي ناس عزيزة عليه، يكون عليه وزر يا شيخنا؟    


_ أجابه الإمام بتلاوة أية من القرآن:-

"فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"

اللي ربنا يجصدهم إهنه هو اللي عيتحدث بالباطل ويبلغ الناس بغير الحجيجة ويسكت ويكتم الحج، الساكت عن الحج شيطان أخرس    


_ طأطأ طاهر رأسه بحزن شديد قد أعتلى ملامحه وتبدد في قلبه، فهو يعرض عن الحق بل ويخفيه أيضاً، نهض من مكانه بهدوء دون إضافة المزيد وإنسحب للخارج بعقلٍ مشوش     


_ سار بإتجاه منزله وعقله محمل بالكثير من الأفكار التي تتعارض مع ذاتها، لا يوجد مخرج صريح لهما، ماذا يفعل؟

يصمت ويعرض عن تلك الجريمة من أجل والده ويتشبه بالشيطان أم يفعل ما يحتم عليه ضميره ليرضي الله     


_ حرك رأسه حينما أختار جهته الذي سيسير بها، عاد إلى المنزل ودخل غرفة الضيافة وفتح الخزانة التي تتوسطها ووقف يطالع سلاح والده الذي فعل بها جريمته وعزم أن يضعه في مكانه المناسب..    


***    


رأيكم 🤭

تحليلكم لموقف طاهر ؟


روايه عرف صعيدي  


بقلم الكاتبه تسنيم المرشدي


الفصل الخامس


( إجبار )..    


***    


_ مرت أربعة أشهر وتسعة أيام لم يدق بابهم حدث جديد وها هي ورد قد أوشكت عدتها على الإنتهاء، كما أستبعد نفادي طاهر عن القضية لعدم وجود أدلة ضده، القضية لازالت مستمرة والتحقيقات لا تنتهي، كذلك لم يغمض جفن لخليل طيلة المدة الماضية وهو يبحث عن قاتل ولده ولا يصل إلى شيئ في نهاية المطاف     


_ يقضي مصطفى يومه كاملاً في حرث الأرض وچني الزرع وإطعام البهائم كما يتابع مواعيد تطعيماتهم حتى يكونوا بصحة جيدة، يلهي نفسه في العمل نهاراً ويبدأ برحلة البحث عن قاتل أخيه ليلاً      


_ أبتعد عن الجميع مؤخراً ليس في مزاج يمسح له بخلق حديث مع أحدهم حتى مع صديقه المقرب "ضيف"، صامت طيلة الوقت ولا يكل من العمل الذي يرهق بدنه فيه يومياً على أملاٍ أن يشعر بالراحة الداخلية قليلاً ..    


_ لم تبرح ورد غرفتها طيلة الشهور التي مرت عليها وكأنها أعوام، تأني السيدة سنية لزيارتها من حين لآخر تطمئن على حالتها سريعاً وتعود حيث جائت بسبب تحذيرات حمدان التي يقف لها في الدخول والخروج ويمنعها من المكوث عند إبنتها فترة طويلة خوفاً من أن تشي عليه     


_ وقعت ورد في براثن ذلك الشعور الموحش ما يسمي'' بالإكتئاب''، ترفض الطعام عشرات المرات وتقبله مرة من بينهم عندما تضطر إلى ذلك بسبب هلوسة عقلها التي تظهر بودارها عليها كلما إمتنعت عن الطعام مدة طويلة     


_ باتت باردة المشاعر جامدة الملامح كجهاز ألي ليس إلا، لا تفتح فاها إلا في وجود والدتها، تعد الثوانِ لكي تعود إلى منزل والدها رحمة الله عليه ربما تتحسن نفسيتها إن إبتعدت عن تلك السرايا التي دوماً ما تذكرها بأفعالها الحقيرة مع هلال، تشعر بتأنيب الضمير في كل حين يمر عليها لا ينقص أبدا بل يزداد مع مرور الوقت ..    


_ وقفت أمام خزانتها تحضر جميع ثيابها وكل أشيائها الخاصة وتضعهم في حقيبتها الضخمة التي سترافقها في رحلة عودتها، أخذت نفساً عميقاً وهي تهون على نفسها بترديدها للكلمات:-

معتش إلا ليلة واحدة يا ورد هانت جوي وتعاودي دار بوكي    


_ أغمضت عينيها مستاءة مما ينتظرها وتابعت تمتمتها بتهكم:- 

وترجعي لجرف عمك وبته     


_ تأففت بضجر بائن وألقت ما بيدها على الفراش بإهمال، جلست على طرف الفراش تطالع الفراغ أمامها وعقلها مزدحم بالأفكار السودوية التي تتخيل مدي بشاعة حدوثها ما إن غادرت السرايا    


_ أخرجت تنهيدة حارة بقلة حيلة ورددت متوسلة ربها:-

دبرها من عندك يارب     


_ أجبرت نفسها على النهوض وإكمال ما بدأته لكي تنهيه سريعاً حتى لا يعطلها عن المغادرة شيئ..    


***    


_ تلفت يرمق المكان من حوله بتفحص يتأكد من أن لا يراه أحد، جلس القرفصاء ما أن وصل إلى المكان المراد، حفر بيده عُمق قليل ثم سحب جورب قطني، مد يده داخله وأخذ سلاحه الذي أخفاه بعيداً عن ولده حتى لا يكرر فعلته التي كان سيقع فيها لولا وصوله في الوقت المناسب     


                                  


              

                    


_ عاد حمدان بذاكرته إلى ذلك اليوم المشؤم حين عاد إلى منزله ورأي طاهر يقف أمام خزانته ويأخذ سلاحه، أسرع نحوه وسأله بإرتباك ممزوج بالحدة الرافضة لأخذه لسلاحه:-

وااه واجف عنديك بتعمل إيه؟ ورايد إيه من سلاحي عاد؟    


_ إلتفت طاهر نحوه ورمقه بنظرات إحتقارية ولم يتردد في الرد عليه بخشونة:-

هسلم السلاح للحاكومة أني مهكنش أخرس كيف الشيطان وأجف اتفرج على عمايلك    


_ صعق الآخر من صراحته الوقحة وأقترب منه يريد إستعادة سلاحه بأي ثمنٍ كان، رفض طاهر التخلي عن السلاح بتلك السهولة ولأن قوته مضاعفة لقوة والده الهزيلة استطاع أن يهرب من أمامه، كاد أن يغادر المنزل لكن توقفت قدميه حين إستمع لحديث والده الذي حاول التلاعب به بنبرة متوسلة:-

أني مخايفش على نفسي، أني خايف عليك أنت وأختك، خايف على سمعتكم اللي هتتلط لو إتعِرف إن أني اللي جتلت ولد العمدة، أختك حالها هيجف أكتر ماهو واجف العرسان مهدقش بابنا واصل، معلوم مين هيناسب جتال جتله؟    


_ توجه حمدان نحو طاهر بخطى ثابتة وهو يري سكونه، لابد أن حديثه سيجدي نفعاً، وقف خلفه ووضع يده على كتفه وتابع حديثه بإنكسار مزيف:- 

وأنت كمان يا ولدي خايف عليك، مين هيجبل يجوزك بته وأبوك جاتل؟ بلاش ديي تفتكر ورد هترضي تتجوزك بعد ما تعرف أن بوك هو نفسه جاتل جوزها اللي كسر فرحتها؟     


_ إستدار إليه طاهر ونظراته توحي إليه بإشارات تلومه وتعاتبه عما بدر منه والأن يطالبه أن يعرض عن الحق بتلاعبه على أوتار حساسة للغاية لديه ..    


_ أضاف حمدان وهو يتراقص داخله على سذاجة إبنه، لم يتصور أن الموضوع سيمُر دون عناء بتلك السهولة:-

أنت خابر زين سرو بلدنا وخابر إن محدش هيتعامل معاك تاني لو عرفوا الحجيجة وأنت بلي رايد تعمله ديه هتظلم نفسك وديه أولهم وتظلم أختك وأمك وديه تانيهم، لو لساتك رايد تبلغ عني روح مهمنعكش بس متبجاش تزعل من اللي هتجابله بعدين     


_ تركه حمدان وعاد إلى غرفة الضيافة، أغلق باب الخزانة متأملاً في رجوع طاهر إليه وتسليمه السلاح لكنه تفاجئ بخروجه من المنزل، إستدار ونظر إلى الباب بصدمة شديدة، أيعقل أنه لم يصغي إلى أي شيئ مما قاله؟    


_ إزدادت نبضات قلبه متوجساً خيفة من تهور طاهر، حاول أن يطمئن نفسه لكن لم يعرف للراحة سبيل، تراجع خطوة إلى الخلف وجلس بإهمال على الأريكة في انتظار مجئ الشرطة لكي يلقوا القبض عليه ..    


_ بعد وقت ليس بقصير عاد طاهر وقد تحول لون بشرته إلى الاحمرار القاتم لابد من إنعكاس الغضب الذي يتبدد داخله،  ألقى السلاح أرضاً وصاح به مندفعاً:-

أني عاودت عشان أختي وأمي مش عشانك واصل لو عليك فأني مش هتردد إني أسلمك بيدي للحاكومة    


_ ألقي ما في جوفه وغادر يلعن ضعفه وقلة حيلته التي منعته من الإبلاغ عنه، لا يرضي بتصرفه لماذا عاد أليس الله موجود وسيرعي شقيقته ووالدته؟ لما خشى أن يعرضهم للنبذ؟ ربما لأنه لن يتحمل تأنيب الضمير الذي سيأتي من خلف ما ستعيشانه بسبب فعلته؟!    


            


              

                    


_ عاد حمدان من ذكرياته وهو يبتسم بإنتصار، أعاد السلاح كما كان وألقى عليه الأتربة إلى أن إختفي تماماً، نهض ودار حول نفسه يتأكد من خلو المكان ثم غادر سريعاً قبل أن يراه أحدهم ..    


***    


مساءاً، 

إجتمع خليل وزوجته على مائدة الطعام لا يشتهون أي شيئ على الرغم من تعمد صفية في تنويع الأكلات لكي تغري أعينهم، تفعل كتلك المقولة

' العين تأكل قبل الفم '     


_ نهضت السيدة نادرة من مقعدها  مرددة بنبرة هادئة منكسرة:-

مليش نفس للوكل كُل أنت     


_ لحق بها خليل قبل أن تبتعد عنه بحديثه:-

عاودي مكانك يا نادرة خلينا ناكل كيف البني أدمين كيف ما كنا بنعملوا زمان     


_ تقوس ثغرها للجانب مُشكلة بسمة ساخرة ورددت بتهكم:-

كيف زمان؟ هنرجعوا زمان كيف يا عمدة؟ طيب لو الزمان رجع اللي فارجونا هيرجعوا تاني؟    


_ تنهد خليل بحزن ورفض أن يتأثر بحديثها وأمرها:-

جولت عاودي مكانك هتعصيني إياك!    


_ تفاجئت بحدته التي تعامل بها وعادت بهدوء إلى مكانها فمزاجها ليس في محله لكي تدخل معه في جدال لن ينتهي إلا بمشاجرة كبيرة، نادي خليل بصوته الأجش ما أن جلست نادرة:-

صفية     


_ جائته مسرعة ووقفت أمامه مجيبة على ندائه:-

نعم يا سيدي؟    


_ رمقها خليل لبرهة قبل أن يردف:-

نادي على مصطفى ياجي يتعشي معانا ومتنزليش إلا وهو معاكي، بكفيانا فراج لغاية أكده موتنا بالحياة بلي بنعمله في نفسنا ديه     


_ دقت أسارير السعاده قلب صفية وهي تراه يريد إستعادة حياتهم السابقة، تشكلت بسمة عفوية على محياها وأجابته بحماس:-

أمرك يا سيدي     


_ أوقفها خليل قائلاً:-

وبلغي ورد تنزل تاكل هي كمان ولا أجولك خدي لها الوكل عشان  مهتعرفش تاكل في وجود مصطفى    


_ امأءت له بالقبول وأسرعت إلى الأعلي مهرولة تتمني لهم صلاح الحال وأن تعود حياتهم كما كانت مليئة بالسعادة والهناء، طرقت باب مصطفى وولجت للداخل حين سمح لها، قابلته بوجه بشوش وهتفت بسعادة:-

العمدة رايدك تنزل تتعشي معاهم وجبل ما تعترض جالي متنزليش غير وهو معاكي وأنت خابر إن العمدة ميحبش كلمته تتعصي أبدا     


_ نفخ مصطفى بضجر بائن وردد بفتور شديد:-

وأني مراديش أكل جوليله لجيته نايم     


_ لم تتحرك صفية وحاولت أن تلين عقله الحجري ذاك:-

لو تاخد بنصيحتي يا مصطفى يا ولدي جوم أنزل إتعشي وسط أهلك، العيلة مبتتعوضش أبدا، رجع لمتكم من تاني وإضحكوا الحياة جاسية جوي ومشكلتها أنها مبتجفش على فراج حد واصل مهما كان غالي، بتكمل كيف الجطر اللي ماشي ومش هيجف غير في محطته حتى لو واحد من الركاب رايد ينزل في نص الطريج، بوك وأمك مهمومين وجلوبهم شايلة حزن كابير وأنت اللي في يدك ترجع لهم بسمتهم تاني، لو ليا خاطر عنديك يا ولدي جوم كُل وياهم ومتكسرش بخاطرهم    


            


              

                    


_ تأثر مصطفى من حديث صفية كما أنبهُ ضميره على حالة والديه الذي لم يفكر في التخفيف عنهم قط، لكن كيف وهو يفشل في التخفيف عن آلامه!!    


_ سحب مصطفى شهيقاً يحاول به إقناع عقله على النزول إلى الأسفل وأردف وهو ينهض من مكانه:-

هنزل معاكي     


_ ظهرت إبتسامة عريضة على وجه صفية مبدية مدي سعادتها في تلك اللحظة، هبطت إلى الطابق السفلي برفقة مصطفى الذي ما أن رآه والده حتى تبسم براحة فهو لم يصدق أنه إمتثل لأمره، لقد عاني في الأيام السابقة من عصيانه المستمر     


_ ألقى مصطفى عليهم التحية وهو يجلس مكانه:- 

مساء الخير     


_ أجاباه في نفسٍ واحد:-

مساء النور     


_ شرع الجميع في تناول الطعام، شعرت نادرة بالتحسن القليل في وجود مصطفى معهم، في تلك الأثناء همت صفية بتحضير العشاء خصيصاً لورد وصعدت إليها طرقت الباب وإنتظرت حين فتحت لها وقابلتها بود قائلة:-

إتفضلي يا صفية     


_ ولجت للغرفة ووضعت الطعام أعلى الطاولة ورددت مؤكدة بمرح:-

كلي الوكل كلاته وديه أمر من العمدة واجب التنفيذ     


_ ضحكت ورد على داعبتها وقالت بنبرة تميل إلى الرجاء:- 

ما تجعدي تاكلي لجمة معايا بدل ما باكل لحالي أكده وباجي على تاني لجمة ونفسي تتصد     


_ طالعتها صفية بشفقة شديدة ولم تعترض طلبها بل قابلته بصدر رحب مهللة:-

بس أكده عيوني التنين وكمان هنادي البنتة ياكلوا ويانا    


_ إزدادت إبتسامة ورد بسعادة دقت أبواب قلبها، خرجت صفية تنادي هويدا وصفاء اللتان جئن مهرولين، جلسن جميعهن على الأرض حول صنية الطعام وشرعن في الطعام ولم تكف إحدهن عن الثرثرة طيلة الجلسة ..    


***    


إنتهي خليل ومن معه من الطعام ونهضوا عن المائدة، أوقف خليل مصطفى قبل أن يفر هارباً كعادته ويتسلل خارج المنزل قائلاً:-

تعالي يا مصطفى رايد أتحدت معاك    


_ أماء له بقبول بينما إبتعدت عنهم نادرة لكن أوقفها خليل مردداً بصوته الجهوري:-

إستني يا نادرة رايدك تحضري أنتِ كمان     


_ إستدارت إليه وهي تريد الهروب من بينهم وتعود إلى فراشها الذي بات رفيقها في الأوانِ الأخيرة، لكن إصرار خليل أجبرها على الجلوس معهم في غرفة الضيافة ..    


_ حمحم بخشونة ثم بدأ حديثه لطالما طال التفكير فيه، لقد حان موعد إخبارهم عن قراره الذي عزم على فعله:- 

عدة ورد خلاص هتخلص بكرة     


_ رمقه مصطفى بفتور فهو لا يعي ما شأنه في ذلك الأمر، تحلي بالصبر قدر المستطاع لحين فهم ما يشير إليه أباه الذي تابع حديثه المسترسل:-

رايدك تتجوزها     


_ وقعت جملته ألجمت ألسنتهم من هولها، لم تستوعبها عقولهم حتماً يمازحهم، إنتفض مصطفى مذعوراً وعارضه بإحترام:-

بتجول ايه يا بوي ؟ أتجوز مين؟    


            


              

                    


_ نهضت نادرة هي الأخري ودعمت إبنها معارضة زوجها بحدة:-

مين يتجوز مين يا خليل إيه اللي چاب مصطفى لورد؟    


_ أضاق خليل بعينيه على نادرة مستنكراً آخر ما تفوهته وأجابها مستاءً:-

ما سبج ورديتي بيها لهلال ولا مصطفى مش زييه؟    


_ أسرع مصطفى بالرد عليه يوضح له سبب رفضه:-

أديك جولتها يا بوي     


_ حرك خليل رأسه بتهكم فهو لم يعي قصده وردد متسائلاً:-

أني جولت إيه؟    


_ أجابه الآخر بوجه محتقن:-

ورد كانت مرت هلال يعني مرت أخوي الله يرحمه    


_ أزفر خليل أنفاسه بضجر بائن للجميع وصاح به مندفعاً:-

وأنت جولت أهاه الله يرحمه يبجي إيه اللي يمنع؟    


_ إتسعت حدقتي مصطفى على آخرهم لا يصدق عقله ذلك الحوار المنتهي لديه، لقد فاجئه والده لدرجة أنه لا يدري من أين يأتي بسبب الرفض تحديداً لأن الموضوع غير مقبول لديه بالمرة      


_ حاول التحلي بالقليل من الصبر الذي على وشك النفاذ وأردف موضحاً سبب إعتراضه:-

يا بوي كيف أني وأخوي نتشاركوا حرمة واحدة؟    


_ هدر به خليل شزراً لعدم استيعابه للأمر بعد:-

تتشاركوا إيه يواد إتحشم عاد، وبعدين لا عيب ولا حرام وأنت لا أول ولا آخر واحد يتجوز مرت خوه ومن الأخر ديه عُرفنا إن الولية إن مات جوزها خوه أولى بيها من الغريب     


_ لن تجدي نفعاً العصبية الأن، أوصد مصطفى عينيه لبرهة وعاد بأدراجه إلى حيث مجلسه وتحدث بهدوء:-

العُرف ديه يتنفذ لو معاها كوم عيال لكن هي لحالها     


_ لم يقتنع خليل بحديثه وتابع بإصرار واضح:-

وعشان إكده أني رايد الجواز يتم إكمنها لحالها وعمها ديه أني مبرتحلوش واصل     


_ خرجت نادرة عن صمتها تلك المرة، لم تتحمل سماع المزيد من السخافات لأكثر من ذلك وصاحت في زوجها مبدية رفضها التام للأمر:-

مصطفى مسبجش له جواز يعني يستاهل بت بنوت مش أرملة!    


_ تقوس ثغر خليل للجانب مبدي تهكمه من هرائها:-

البنية أرملة ولدك يا نادرة، وبعدين ما كان جدامه البنتة كاتير وجبناله عرايس ياما وكان مصمم على كلمة لاه لاه مهتجوزش يبجي فرجت أرملة من بت بنوت طلاما هو رافض الفكرة نفسها     


"فرجت يا خليل يا جبلاوي، ثم أني معتش مرتاحة للبت ديي جدمها جدم الشوم، البيت خرب من أول ما دخلته سيبها تغور ونخلصوا من شومها 

_ هتفت بهم نادرة بعصبية بينما ضرب خليل الأرض بعصاه ونهرها بغضب شديد:-

رطرطت الحريم ديي متهمنيش بلا جدم بلا أربعتاشر جدم     


_ وجه خليل بصره نحو مصطفى الذي إنسحب من الحوار وسأله بتجهم:-

ها جولت إيه يا مصطفى؟    


_ لم يأتي مصطفى بفكرة يمكنها إقناع عقل خليل الجبلاوي، نعم هو الأن يتحدث كعقل عائلة الجبلاوي وليس بعقل الأب، نهض مرة أخري ووقف أمامه وألقى ما في جوفه دفعة واحدة:-

بصراحة يا بوي أني من حجي اتجوز بت بنوت كيف ما أمي جالت مش أرملة!    


            


              

                    


_ يعلم جيداً أن ما أفصح به ماهو إلا هراء فهو ليس بتلك العقلية كما أن والده يعرفه جيد المعرفة ولا يمكنه تصديقه بتلك السهولة، طالت نظرات خليل عل مصطفى بعدم إقتناع فهتف مصطفى قائلاً حين استشف ما يوجد خلف نظراته:-

يا بوي الله لا يسيئك إفهمني، ورد ديي أني مشيفهاش غيرت مرت أخوي مش هجدر أغير نظرتي ليها واصل، كل ما هبصلها هفتكر هلال الله يرحمه ولا يمكن أخد خطوة نحيتها كزوجة ليا، بالله عليك تفهمني وتجدر اللي بجوله     


_ أماء له خليل برفضٍ تام وحاول الدخول له من ثغر أخري لعلي قلبه يلين:-

ورد أمانة خوك مينفعش نهمل الأمانة، هتجف جدام خوك بعد عمر طويل تجوله مجدرتش أحافظ لك على الأمانة يا خوي؟     


_ لا وألف لا لن يقبل بتلك السخافات مطلقاً، لم يرفض الفتيات جميعهن من أجل واحدة رسمها في خياله تليق مع شخصيته ثم في نهاية المطاف يقع مع أرملة أخيه ذات الوشاح الأسود!!     


_ غادرهم دون زيادة أو نقصان، لم يكن هناك داعي لإبداء رفضه الأن فعلي ما يبدو أن والده أخذ عهداً على نفسه ولابد من تنفيذه ولا يكترث للظلم الذي سيحل على ولده بربطه بفتاه بالتأكيد لن ينظر إليها يوماً، كذلك هي سـ يمسها من الظلم قدراً لأنها تستحق حياة أفضل تعويضاً عن فراق أخيه لكن مع شخص آخر وليس هو ..    


_ تفاجئ مصطفى بوجود ضيف في حديقه السرايا ما أن خرج منها، إقترب منه وسأله بقلق:-

في حاچة ولا إيه؟    


_ أجابه ضيف يحاول إطمنأنه حين رأي القلق في عينيه:- 

كنت جاي أطل عليك غيبتك طالت جوي يا صاحبي والواحد مبيعرفش يتحدت معاك في الأرض بيحس أنك هتاكله     


_ إنفجر ضيف مقهقهاً على داعبته الأخيرة بينما بدي مصطفى جامداً لا يهتم لا لحديثه ولا لضحكاته، سرعان ما أختفت الإبتسامة من على وجه ضيف وأردف معاتباً:-

يا ساتر عليك يا أخي حتى مش هاين عليك تبتسم     


_ عقله مشوش وكلمات أبيه تتردد داخله لا يوجد مفر منها، تنهد بإرهاق حين لم يصل لحل لتلك الورطة التي وضعه والده بها، رفع بصره على ضيف وقال بعبوس:- 

تعالى نبعد عن إهنه مناجصش خنجة     


_ وافقه ضيف وإقترح هو مكان يذهبان إليه:-

تعالي نروحوا الجهوة يامة دارنا     


_ أماء له بالرفض وإعترض موضحاً:-

معايزش أشوف أي مخلوج رايد أبجي على راحتي     


_ حرك الآخر رأسه يمينا ويساراً وهو يحاول الوصول إلي مكان ما فقطع مصطفى حبال أفكاره بقوله:- 

تعالى نروح الإسطبل     


_ لم يتردد ضيف ثانية ووافق فلقد إشتاق للحديث معه كثيراً ..    


_ داخل السرايا، لم تريد نادرة الذهاب قبل أن تصر على رفضها لتلك الزيجة الذي يريدها زوجها هاتفة بحنق:- 

أني مريداش الجوازة دي تتم يا خليل كفاية جوي اللي راح مني مهتحملش التاني يروح بسبب جدمها الشوم     


            


              

                    


_ نهض خليل ناهياً الحوار معها بصوته الجهوري:-

محدش عارف هيموت ميتي يمكن أطب ساكت دلوك ده جدر ربنا مش جدمها كيف ما بتجولي وإوعي أكده بلاها حديت ماسخ     


_ تركها بمفردها تتآكل غيظاً ، أليس من حقها أن تختار عروس أبنها البكري أول ما العين رأت وأول مالقلب نبض لحبه، أول من شعرت معه بالأمومة ولانت طباعها الحادة من أجل عينيه ..    


_ لم يكن أمامها سوي الرضوخ الأن لكن لم ينتهي الحوار على ذلك هناك المزيد سيتحدثان فيه لاحقاً ..    


***    


"أنا ياما قولتلك تعالي إقعدي عندي هنا وأنتِ اللي كنتي بترفضي" 

_ أردفهم معاتباً بدافع الإخوة فأجابته الأخرى موضحة:-

مكنش ينفع أهمل ورد لحالها يا خوي أني كلمتك لما فاض بيا وعِدتها خلاص هتنتهي بكرة، أني مجدراش أجعد إهنه مع حمدان أكتر من أكده ديه حابسني في داره حاسة إني في سجن مش دار     


_ حدثها بتلقائية حين إنتهت مما تقوله:- 

الشمس تشرق وأني من نجمة هكون عندكم أخدك وأرجع بيكي على مصر أنتِ وورد     


''ياريت ياخوي الواحد كره عيشته بسبب المخلوج اللي بيرازي فيا في الداخلة والخارجة ديه'' 

_ هتفت بهم سنية بنبرة تريد الخلاص من مرارة الحياة مع حمدان الذي يغلق عليها كل السُبل والأبواب حتى أنفاسها تضطر إلى حشرهم بداخلها في بعض الأحيان لكي لا يبوخها ..    


_ أنهت المكالمة ونظرت للهاتف بحماس شديد، ستنتهي تلك المأساة التي تعيشها في القريب العاجل، تشكلت بسمة سعيدة على ثغرها وهي تتخيل لحظة التحرر من ذلك السجن النتن، مالت بظهرها على الفراش ترسم مشاهد أخرى حين تصل إلى مصر التي لم تزورها إلا مرتان فقط، ها هي الزهرة تتفتح من جديد وتطلق نسماتها، حتماً ستتبدل حياتهم إلى الأفضل فقط بمرور الغد..    


***    


"وأنت رافض ليه؟"

_ سأله ضيف بعدما أخبره مصطفى بطلب والده، رمقه الآخر بطرف عينيه وهتف مستاءً:- 

أنت ممكن تتخيل إنك تتجوز مرت أخوك؟     


_ لوي ضيف شفتيه وأجابه بهدوء:-

وإيه يعني مش أمانة أخوي    


_ تفاجئ مصطفى من رده كما إتسعت حدقتاه بذهول وصاح به:-

لاه وأنت الصادج مش موضوع أمانة خوك بس أنت ديب حريم مبتعتجش     


_ قهقه ضيف عالياً ومن ثم أوضح له إعتقداته وما يؤمن به:- 

أصل إيه الفرج يعني؟ أو فين المشكلة طلاما إكده هتجوز وإكده هتجوز فرجت هي مين؟ يا صاحبي الحريم دول نعمة كابيرة من ربنا محدش يجولهم لاه أو يرفضهم     


_ يا أخي معترضتش عليهم بس أني رايد واحدة تكون إتخلجت مخصوص عشان مصطفى الجبلاوي محدش لمسها جبلي، جلبها مدجش لحد غيري     


_ حاول ضيف التفكير معه بصوت عالٍ:-

حوار جلبها اللي دج ديه مفتكرش أنه لحج يدج يا مصطفى ده هو يوم بليلة اللي عاشتها مع خوك يعني جلبها ملحجش يدج دجاته العادية من أساسه والحوار التاني ديه مفتكرش يكون حوصل غير مرة!     


            


              

                    


_ أضاق مصطفى بعينيه على صديقه بعدم إقتناع فطريقته ساذجة للغاية ولا تقنع حتي طفلٍ صغير، حرك رأسه بإستنكار يلوم نفسه على إصغائه لتلك التراهات، طالت نظراته على ضيف الذي صاح به بإرتباك من خلف نظراته:-

إيه؟ هتفضل تبحلج فيا كاتير؟    


_ بنبرة هادئة للغاية لا تشبهه سأله متهكماً:-

أنت مصدج اللي بتجوله؟    


_ أجابه ضيف بتلقائية دون تفكير:-

لاه    


_ إنفجر كليهما ضاحكين، طالت قهقهاتهم لبعض الوقت قبل أن يواصل ضيف حديثه مضيفاً:- 

أجولك إيه يعني أني خابر زين كيف عجل عمي خليل وأنه مش هيسيب الموضوع  بسهولة إكده إلا لما ينفذه، حاولت أبين لك إن الموضوع عادي يعني     


''حاولت تجلطني مش تبين لي الموضوع عادي'

_ أردفهم مصطفي بنبرة مرهقة كما إنعكست ملامحه تماماً وتحولت إلى الضيق الشديد فهو على علم جيد بقرارات والده التي يبدأ في تنفيذها فور ترديد الفكرة في عقله وهو ليس على أتم إستعداد الأن أن ينفذ ذلك الطلب مطلقاً ..    


_ إلتزم الصمت طيلة سهرته مع ضيف وأفكاره باتت في الذهاب والعودة ولا يري سوى الرفض يتجلي داخله، أخرج تنيهدة حارة متمنياً أن يقلع والده عن الفكرة وذلك هو الوحل الوحيد أمامه..    


***    


_ صباحاً،

لم تنم ورد تلك الليلة الأخيرة من فرط تدفق الحماس المندفع في شرايينها، أمسكت بحقيبتها ورمقت الغرفة بنظرة سريعة مودعة جميع أحزانها وآلامها التي عاشتها بها، طالعت ذلك الفراش الذي بات وحيداً ومن ثم أخفضت بصرها على الوسادة التي لازالت آثار عبراتها لم تجف من عليها بعد ..    


_ شهيقاً وزفيراً فعلت هي ثم إنسحبت إلى الخارج، ربااه شعور مختلف كلياً قد تغلغل لأعماق قلبها، ها هي تستيعد جزءاً من حريتها تدريجياً وسوف تستعيدها كاملةً بخروجها من تلك السرايا     


_ أنتبه خليل لنزول ورد ممسكة بحقيبتها، لم يتفاجئ بذهابها لكنه لم يتوقع ذهابها بتلك السرعة فاليوم لم ينتهي بعد، حمحم بخشونة وأردف متسائلاً:-

على فين يا ورد من بدري أكده؟    


_ وضعت ورد الحقيبة جانباً وأقتربت منه على إستحياء، رفعت وشاحها عن وجهها فظهر جمال زرقاوتاها وأجابته بنبرة رقيقة:- 

معدلهاش عازة الجاعدة إهنه يا عمي     


_ عارضها خليل متحدثاً بالأصول:- 

لسه اليوم مخلصش يابتي تبجي عيبة في حج الجبلاوية لو خرجتي جبل ما العدة تخلص حتى لو بدجيجة     


_ طالعته ورد بذهول وحاولت إقناعه بحديثها:-

بس أمي جاية هي وخالي ياخدوني     


_ توقعت منه أن يعترض لكنها تفاجئت بترحيبه:- 

يا أهلاً وسهلاً بيهم ينوروا الدار يابتي حتى ياكلوا لجمة ويانا وبعديها نشوف موضوع الخروج ديه    


بس يا عمي..

_ قالتها ورد معترضة بينما قاطعتها خليل مردفاً:- 

مبسش يا ورد إسمعي حديتي     


            


              

                    


_ وصلت السيدة سنية برفقة شقيقها إلى السرايا، رحبت بيهم صفية ثم أمرها خليل أن تنادي السيدة نادرة لكي تستقبلهم هي الأخرى، لبت نادرة أمره ورحبت بيهم بحفاوة بعدما رأت حقيبة ورد، حتماً ستغادر السرايا وهما هنا الأن ليأخذوها، تهللت أساريرها بسعادة ما أن شعرت أن خليل قد نسي الأمر     


_ أمرت صفية بإحضار أشهي انواع الطعام لهم، لحقت بها سنية ممتنة لكرمها قائلة:-

ملوش لزوم يا ست نادرة إحنا يدوب نلحج الجطر     


_ عقدت نادرة ما بين حاجبيها بغرابة ورددت متسائلة:-

جطر! ليه عاد أنتوا رايحين على فين؟    


_ تولي شقيق سنية الرد عليها بلهجة مصرية:-

هيقعدوا عندي في القاهرة يا ست نادرة     


_ تصنعت نادرة الحزن وهتفت بلهجة تميل إلى الندم الزائف:-

أكده هتجطعي بينا يا ورد،  المهم تكوني بخير يابتي وإحنا هنبجي مطمنين طول ما أنتِ زينة    


_ إبتسمت لها ورد ممتنة وردت عليها بلطف كـ لطف ملامحها:-

تسلمي يا ست نادرة هبجي أكلمك على المحمول أطمن عليكي     


_ أزفرت نادرة بعض العبرات الزائفة وضمتها لحضنها عكس قلبها الذي يرقص طرباً من فرط السعادة وأردفت من بين بكائها:-

معلوم هنتحدت في التلافون دا أني يومي مهيبدأش إلا ما سمع صوتك اللي كيف الكروان ديه     


_ إبتعدت عنها ورد وأنحنت على يدها وطبعت قُبلة رقيقة عليها، ربتت نادرة على رأسها بحب ووجهت بصرها إلى ضيوفها وقالت بإصرار:-

محدش هيهمل السرايا جبل ما نتغدوا ويا بعض الله أعلم هشوف حبيبة جلبي تاني ميتي     


_ أردفت أخر جملتها وهي تطالع ورد ببمسة زائفة بينما إعترض شقيق السيدة سنية بذوق:-

معلش يا ست نادرة بس معاد القطر التاني هيكون متأخر أوي وده أنسب وقت نمشي فيه    


_ تولي خليل مهمة إقناعه بنبرته الرخيمة:-

يفوت الجطر نوصولك لحد دارك بعربية مخصوص ده أنت خال غاليتنا يا أستاذ ماهر     


_ تقوس ثغر ماهر مشكلاً إبتسامة خجولة ورد عليه ممتناً لذوقه:-

يسلم ذوقك يا عمدة بس..    


_ قاطعه خليل بإصرار وقد تحولت نبرته للحدة قليلاً ليجبر ماهر عليطى الموافقة:- 

مبسش يا راجل تبجي عيبة في حجنا لو مشيتوا جبل ما نجوم بواجبنا معاكم ويا سيدي أعتبرها عزومة الوداع    


_ وجه ماهر بصره إليطى سنية يأخذ موافقتها فأماءت له بقبول عكس الرفض الذي بدي على ورد ونظرت إليطى والدتها متذمرة فأشارت الأخرى إليها بأهدابها  لكي تتحلي بالصبر فلن يعد هناك إلا القليل     


_ إستقبل خليل ضيوفه في غرفة الضيافة وقبل أن يولج إليهم نادي صفية أمراً إياها:- 

نادي على مصطفى ياجي يجعد مع ضيوفنا    


_ أجابته صفية تلقائياً دون تفكير:-

مصطفى معاودش من وجت ما خرج يصلي الفجر يا عمدة     


_ إلتوي ثغره بتهكم وقال:-

جولي لعسران يشيع له حد من رجالته وميعاودش إلا بيه    


            


              

                    


_ أماءت له بطاعة ثم إنصرفت لكي تلبي ما أمره، نظر خليل متعجباً من حالة نادرة التي بدت عليها من وقت معرفتها بسفر ورد وسألها بفضول:- 

مالك عتضحكي كانك مبسوطة أن البت هتسافر     


_ إنشرح قلب نادرة بسعادة حينما وقعت كلمة سفر على مسامعها وهللت بفرحة عارمة:-

الود ودي أزغرط وأرجص بس لو الوجت يسمح     


_ حرك رأسه وهو يطالعها بشفقة على فرحتها التي لن تدوم طويلاً وعزم أن يلبي طلبها بصدر رحب وقال بإبتسامة عريضة مرسومة على وجهه:- 

هتزغرطي وترجصي متستعجليش على رزقك     


_ لم تفهم ما رمي إليه خليل الذي عاد إلى ورد وعائلتها، جلست نادرة تتسامر مع السيدة سنية وهو كذلك مع ماهر بينما وزعت ورد أنظارها عليهم بفتور وملل، تريد ترك البلدة ومافيها من هموم وأحزان كثيرة قد إنحشرت بينهم الفترة الماضية     


_ حمحم بخشونة معلناً عن وصوله، رفعت ورد وشاحها حين صغت إلى صوته الأجش التي دوت في المكان، نادي عليه خليل بصوت جهوري:-

تعالي يا مصطفى إحنا في أوضة الضيوف    


_ طل بقامته المرتفعة وبنيانه العريض الذي لاحظه الجميع، أخفضت ورد وسنية بصرهن بحياء حين دخل عليهن بينما رحب به ماهر بحفاوة قائلاً:-

أهلاً بيك يا بني     


_ صافحه مصطفى مردداً بود:-

أهلاً يا بيك يا أستاذ ماهر نورت السرايا     


_ رد عليه ممتناً:-

منورة بأهلها     


_ إستأذنت صفية للدخول فسمح لها خليل، توجهت الأنظار عليها في إنتظار سماع ما تريد بينما وضحت هي سبب مجيئها:-

الوكل جاهز يا عمدة     


_ نهض خليل من مكانه ونظر إلى ضيوفه يدعوهم للطعام:-

إتفضلوا يجماعة وإعتبروا نفسيكم أهل الدار يعني مش محتاجين نعزم عليكم في الوكل     


_ ربت ماهر على ذراع خليل بخجل من لطفه:-

تسلم يا عمدة يا أبو الكرم كله     


_ إجتمع جميعهم حول المائدة وشرعوا في تناول الطعام في صمت طال لحين قطعه خليل بسؤاله:-

شكلك معرفاش تاكلي مليح يا ورد من وشاحك ديه    


_ كادت أن تجيبه لكن وقوف مصطفى منعها، نظر إليه الجميع متعجبين من أمره فأوضح السبب بنبرته الرخيمة:-

هاكل جوا عشان تعرِف تاكل على راحتها    


_ أسرعت ورد بالرد عليه بنبرة عفوية:- 

أني إتعودت مفيش مشكلة     


_ كانت تلك المرة الأولى لأن يصغي مصطفى إلى نبرتها المبحبوحة، لم يكن هناك داعي لأن يغادر بعد أن علم بعدم تقيده لها، إنتهوا من الطعام وقامت ورد تساعد هويدا وصفاء في حمل الصحون على الرغم من رفض الجميع لذلك إلا أنها أصرت لكي تقضي آخر وقت لها في السرايا معهم ..    


_ تفاجئت ورد بذلك الحضن الذي كادت أن تسقط إثر قوته، أنها صفاء المجنونة لا تخرج تلك التصرفات التلقائية والمفاجئة إلا منها، إبتسمت ورد بسعادة وبادلتها الحضن بصدق     


_ إبتعدت عنها ورد ما إن صغت إلى أنينها، لم تتفاجئ حين رأت عبراتها تنسدل بغزارة على مقلتيها دون توقف ولامتها بدافع الحب:- 

متبكيش عاد أني صحيح همشي لكن هكلمكم على طول حتى نبجي نتحدتوا على البرنامج ديه اللي إسمه سكيب    


_ قهقهت صفاء عالياً وهتفت ساخرة:- 

يختي إسمه سكايب ، سكيب ايه عاد     


_ ضحكن الفتاتان ثم دخلت هويدا ووجهت حديثها مباشرةً إلى ورد:-

العمدة رايدك يا ورد     


_ أماءت لها بتفهم وتوجهت حيث يجلس الجميع، إلتوي ثغر العمدة ببسمة عريضة ما أن طلت ورد عليهم وأمرها بنبرة متحمسة قد إستشفها الحاضرين، جلست ورد بجوار والدتها ولم ينتظر خليل الإنتظار فبدأ حديثه قائلاً:- 

مصطفى رايد يتجوز ورد يا أستاذ ماهر ايه جولك؟


            

 تكملة الرواية من هناااااااا 

تكملة الرواية بعد قليل 

لمتابعة  الرواية الجديدة زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملة من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا






تعليقات

التنقل السريع