القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

نوفيلا هالة والادهم الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر الأخير بقلم هدى زايد كامله

 نوفيلا هالة والادهم الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر الأخير بقلم هدى زايد كامله 




نوفيلا هالة والادهم الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر الأخير بقلم هدى زايد كامله 



الفصل الحادي عشر 

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

استقلت سيارته بعد أن شكرته على معروفه معها 

لم تنبث ببنت شفه، و هو كذلك فجأة و بدون سابق إنذار توقفت سيارته و قال:

- العربية شكلها عطلت 


نظر لها و قال بإبتسامة سمجة 

- بركاتك 


لم تعقب على إهانته و التزمت الصمت بينما رد هو معتذرًا و قال:

- أنا آسف مكنتش اقصد 


تقبلت اعتذاره و هي تشبح بوجهها تجاه النافذة 

بينما هو ترجل محاولًا اصلاح السيارة، مرت دقيقة تلو الأخرى حتى مرت عشر دقائق كاملة 

و هو لا يعرف مالذي حدث في هذه السيارة تنهدت بعمق ثم أطلت برأسها عبر النافذة و قالت بتساؤل:

- ها عرفت العطل فين ؟! 


حرك أدهم رأسه يمسنًا و يسارًا بأسف ثم قال:

- للأسف لا بحاول اصلحها مش عارف 


فتحت باب السيارة و تر جلت منها متجهة نحوه 

و قفت بجواره و قالت بيأس :

- طب و العمل ؟! 


نظر أدهم حوله محاولًا اكتشاف المكان أو العثور علي أي شخص يساعده، عاد ببصره لساعة معصمه و قال:

- الوقت اتأخر أنا بقول أشوف لك تاكسي و أنا ها تصرف عشان وقفتك هما مش أمان 


ردت هالة بنبرة ساخرة و قالت:

- بقى خايف عليا افضل هنا لكن مش خايف اروح لوحدي ؟! 

- طب ها تعملي إيه يعني هتفضلي هنا و أهلك يقلقوا عليكي ؟ 

- لا طبعا، أنا ها كلم هيما اخويا و هو يجي ياخدني 


رد أدهم مؤيدًا و قال:

- احسن بردو اعملي كدا


تابع بجدية و قال :

- بس روحي اقعدي في العربية أفضل 


عملت هالة بنصيحة أدهم ، جلست في سيارته و هي تهاتف أخيها و تخبره بكل شئ، ما هي إلا دقائق و اغلقت الهاتفه، ترجلت من السيارة و أخبرته بهدوئها المعتاد:

- إبراهيم جاي في السكة متقلقش و ها يجيب معاه مكانيكي يشوف عربيتك 

- شكرًا 


ردت هالة و قالت بعفوية:

- العفو ما هو احنا ناس بتفهم في الأصول بردو 


ابتسم لها و قال:

- طب يا ستي كتر خيركم و الله 


دام الصمت للحظات قبل أن يتنحنح و يقول بفضول داخلي :

- هو ليه محمو كان بيحاول يأذيكي ؟! 


شردت في اللاشئ و قالت بنبرة ساخرة:

- عشان بيحبني ! 

- بيحبك !! و هو اللي بيحب بيأذي ؟! 

- اه 


اعتدل أدهم في وقفته و هو ينظر بعينه المليئة بالفضول في خاصتها قائلًا:

- جديدة دي !


ردت هالة باسمة و قالت:

- لا مش جديدة و لا حاجة هو مش بيقولك و من الحب ما قت.ل 

- اه 

- طب هو فضل مستني عشر سنين على أمل إني هاكون لي ربنا حقق له امنيته و بعدها بشهرين سبنا بعض فهو بقى حس إن في حاجة غلط ازاي حب سنين يروح في غمضة عين كدا ؟! 


رد أدهم و قال باسمًا:

- ما هو فعلًا ازاي حب سنين يروح في غمضة عين ؟! 

- مافيش حد بياخد كل حاجة أو بمعنى اصح راحة الباب مش في الدنيا، أنا اتجوزت مرتين و في المرتين كان اختياري غلط، صحيح كل واحد فيهم حبني بس ولا واحد فيهم فكر فيا 

- ازاي يعني ؟! 

- كل واحد منهم جري حلم الأبوة 


تابعت بنبرة مختنقة و قالت:

- هما من حقهم طبعًا بس أنا بإيدي إيه اعمله و معملتوش ؟! أنا كنت بعمل عمايل عشان ابقى أم بس إرادة ربنا فوق كل شئ


رفعت كتفيها و قالت:

- يمكن مش مكتوب لي اخلف اساسًا و يمكن ربنا رفع عني بلاء عظيم لو كنت خلفت، بس الأكيد إن ربنا ما بيعملش حاجة و حشة ولا بيبتلي حد الله عارف إن العبد دا مش قد البلاء، بس السؤال اللي دايما بسأله لنفسي هو ليه محدش فيهم اختارني و اكتفى بيا هل عشان ربنا كان يوضح لي حقيقة كل شخص منهم على حقيقته و لا عشان الإنسان بطبعه ضعيف و بيجري ورا غرايزه ؟! 


رد أدهم و قال بهدوء:

- و ليه متقوليش إن ربنا كاتب لك خير و رزق مع حد تاني يقدر صح ؟! ليه شايفة إن الحياة متمثلة في محمود و حمزة ! ليه شايفة إن الزرق زوج و اطفال و بس ؟! 


سألته هالة بنبرة مختنقة قائلة:

- و هو الرزق إيه غير إنسان يحبك و يعوضك عن هموم الدنيا و طفل ينور حياتك بضحكته ؟! 


أجابها قائلًا بعقلانية:

- الرزق ستر، صحة، حب و تفاهم بين الطرفين مش كل واحد منهم في وادي و الإسم متجوزين الرزق مش بس فلوس الرزق مش بس اطفال الرزق هو إن ربنا ينعم عليكي بشخص يقدرك صح يحتواكي يستغنى بيكي عن الدنيا كلها 


ختم حديثه قائلًا:

- طب ما هو ممكن كنتي تخلفي و ولادك يشوفوكي متبهدلة مع ابوهم و خدي عندك بقى ضربة و بهدلة هل ولادك وقتها اطفال سوية ؟! 

بالعكس و كنتي هتتحملي عشان ودلاك للأسف يا دكتورة هالة سهل اوي تبقي أم لكن صعب جدًا تخرجي طفل سوي في بيئة مليان حقد و كره

احيانا الآباء و الأمهات هما بيكونوا محتاجين التربية قبل عيالهم 


نظرت هالة له و قالت: 

- عندك حق مش أي حد ينفع يبقى أب أو أم 


دام الصمت لثوانٍ قبل أن تعود هالة إلى السيارة مرت أيامها مع من تزوجتهم و عاشت معهم في شقاء نفسي و جسدي، لم تخبر أحدًا حتى الآن عن ما فعله محمود بها خلال شهرين فقط، كانت تظنه من فرط عشقه بها يريد إشباع حاجته منها، لكنها اكتشفت بعد ذلك أنه يعاني من مرضًا نفسي جعله يمارس ساديته عليها، تحملت و كتمت كل هذا داخلها نظرت بعيناها تجاه أدهم المسند بجسده على حافة مقدمة السيارة، تهاوت دموعها رغمًا عنها كفكفتها بسرعة خوفًا من أن يكتشف ذلك لا تعلم أنه يراها بطرف عينه و يتجاهل ذلك كي لا يسبب لها أي احراج، يود معرفة سبب هذا البكاء لكنه يحترم خصوصيتها، سقطت من يدها أسوارة 

تحمل أول حرف من اسمها، مالت بجذعها العلوي لتلتقطها وقع بصرها على ساقها المشوه إثر الندبات التي تسبب فيها محمود من السوط خاصته رفضت كثيرًا طريقته تلك و منعت نفسها عنه لكنه لا يبالي لتصرفاتها تلك، بل كان يعجبه هذا التمرد .


استقامت بجسدها و هي تحرك رأسها علها تنسى تلك الأحداث المؤلمة، عادت تفكر في كلمات الأدهم الذي نظر لها في نفس اللحظه التي كانت تتابع حركته، ابتسم لها فبادلته ذات الإبتسامة لكنها أكثر حزنًا.

*******

بعد مرور يومين 


كانت هالة تمر على الجالسين تقدم لهم القهوة بعد تناول وجبة الغداء، ابتسم لها أدهم و شكرها بادلته الإبتسامة و لم ترد على كلماته البسيطة، جلست جوار ليالي تستمع لحديث والدتها الذي فاجأة الجميع حين قالت:

- و أنت بقى يا أدهم ناوي تسافر تاني؟! 


رد أدهم و قال بإبتسامة واسعة:

- و هو أنا كنت لحقت أسافر أصلًا يا طنط يا دوب بقول يا هادي 

- مش ناوي تتجوز ؟ 


فرغ فاه ليرد لكن رجاء أخته منعه حين قالت:

- و الله يا طنط بقوله كدا بس هو اللي تاعبني معاه دا أنا حتى كنت بدور له على عروسة من كام يوم و....


ردت والدة إبراهيم بعفوية شديدة قائلة:

- و تدوري ليه ما هي هالة اهي موجودة و بردو تعليم عالي و شاطرة في المطبخ و زي الفـ... 


لم تكمل عبارتها بالأحرى عرضها، وثبت هالة عن مقعدها و هي تتحدث بعصبية شديدة لا تتناسب مع الموقف أو والدتها و قالت:

-جواز جواز جواز كل ما تشوفي حد ناوي يخطب تقولي اتجوز بنتي ؟! هو أنا خلاص كدا بقت تقيلة علي قلبك طب خلاص يا ست ماما أنا ها سيب لك البيت كله و اعي لوحدي عشان ما اتقل على حضرتك 


لجمت الصدمة لسان الجميع و على رأسهم والدتها التي لم تتوقع هذا الرد من ابنتها علنًا بهذا الشكل

وقف إبراهيم و اعتذر منها و من الجميع 

- معلش يا جماعة هالة مش قصدها هو التعبير بس خانها احنا آسفين يا ماما و طبعًا ليك يا أدهم 


ردت هالة بكل ما اوتيت من قوة و كبرياء 

- أنا مش آسفة لحد طالما محدش يفكر فيا و في مشاعري أنا كمان مش هفكر و كل واحد يتحمل نتيجة تدخله في حياة التاني بدون أي حق 


وقف أدهم و ليالي في آنٍ واحد و هو يقول 

- أنا مضطر استاذن و بإذن الله لينا مقابلة تاني عشان نحدد معاد الفرح و كل شئ بعد أذنكم 


ما إن غادر أدهم المكان و قبل أن يوصد باب الشقة وصل إلى مسامعه صوتها العالِ قائلة بمرارة:

- لأول و لآخر مرة هاسمح لحد مين ما كان يكون يدخل في حياتي أنا مش هتجوز حد، لا أدهم و لا غير أدهم مافيش راجل يستاهل إني اضيع معاه اللي باقي من عمري 


كادت أن ترد والدتها لكن منعها إبراهيم قابضًا على مرفقها برفق، مازال صوتها عالِ مازالت تتألم و تخبر الجميع بأنها أقوَ نساء العالم، وصل صوتها إلى الحارة قام أدهم بفتح باب سيارته و هو ينظر للأعلى عيناه معلقتان على شرفة بيتها ما تتحدث عنه يتناقض عن ما يدور بداخلها، ياليت يستطيع أن يحدثها كما فعل قبل يومين .


****

في شقة هالة


بعد أن غادرت الردهة نظر إبراهيم لوالدته و قال بنبرة عطفٍ و شفقة:

- معلش معذورة ما هو أنتِ مسمعتيش مرات محمود قالت لها إيه عن الخلفة ؟! 

- أنا كان كل قصدي إن اطمن عليها و أشوفها مع ابن الحلال 

- معلش يا ماما بس أنتِ بردو بتضغطي جامد عليها و جت مرات محمود كملت عليها و حمزة قالها إنه خلف و مراته حامل تاني دا مع دا خلاها تنفجـ.ر معلش اعذريها و إن كان على أدهم ليالي هتفهمه و أنا هبقى اكلمه و اعتذر له 


في المساء 


ولج إبراهيم بعد أن أذنت له شقيقته، جلس على حافة الفراش و قال:

- هو الجميل مش ها يتعشى و لا إيه ؟! 

- لا مليش نفس كلوا إنتوا 

- طب دي تيجي ازاي دي بس يلا قومي يلا خلينا نتعشى 


ردت هالة بضيق من إصراره و قالت:

- مش قادرة بجد يا هيما اتعشى أنت و ماما 

- يبقى لسه زعلانة ؟ 


تابع بكذب قائلًا:

- أنتِ لو تعرفي أنا عملت إيه في ماما و زعقت ازاي عشان متكررش الموضوع مش تصدقي، قومي بقى و بطلي غلاسة أنا جعان 


بعد مرور عشر دقائق 


هيما عاوزة اقولك على حاجة بس مش عاوزك تقول لا 


أردفت هالة عبارتها و هي توزع نظراتها بين أخيها ووالدتها بينما كانت والدتها تلوك لقيماتها بهدوء متجاهلة التحدث معها منعًا للمشدات الكلامية أو أي خلاف 

- هيما أنا اخدت شقة عشان نسكن فيها بعد ما تتجـ...


ترك إبراهيم الملعقة و قال بغضبٍ مكتوم 

- و أنتِ من إمتى بتاخدي قرارت من نفسك كدا ؟ 


نظر لوالدته و قال بتساؤل:

- و حضرتك عارفة يا ماما بالموضوع دا ؟!!


ردت والدته بنبرة مختنقة إثر البكاء و قالت:

- حضرتي ملهاش لازمة في البيت و لا عاوزة تتكلم مع حضرتها أنا هقعد معاك يا ابني أنا مش ناقصة بهدلة في آخر أيامي 


تركت هالة الملعقة ثم قلبت شفتاها بتأثر من كلمات والدتها، وقفت عن مقعدها متجهة حيث ظهر تلك المسكينة انتهزت الفرصة و بكت، حاوط كتفيها من الخلف ثم مالت تطبع قبلة على خدها و قالت:

- ما عاش و لا كان مامتي يا حلوة اللي يبهدلك 

- لا عاش و كان و اهي قعدة بتزعق لي قدام الناس و بليل تصالحني كأن مافيش حاجة حصلت 


لم تتحرك هالة قيد أنملة رغم تحرك والدتها بأن تتركها و تبعد عنها، انتهَ الخلاف سريعًا 

و عادت المياه لمجراها، بدأت هالة تشرح لأخيها عن آخر قراراتها بهدوء قائلة:

- أنا عرفت إن عم أحمد الحلواني هايسيب الشقة اللي جنبنا من الشهر اللي فات رحت قلت لعم شوقي إني هاخدها مكان عم أحمد كنت ها شتريها بس هو قال لأ لأنه بيأجرها وبيتسفاد بتمنها 


ختمت حديثها قائلة:

- يعني بردو مسبناش بيتنا الشقة لازقة في الشقة بس عشان كل واحد يقعد براحته 


رد إبراهيم معاتبًا إياها قائلًا:

- و هو أنتِ بردو و لا ماما هتقلي راحتنا في إيه يا هالة؟!


ردت هالة بجدية مصطعنة قائلة:

- إنتوا اللي هتلقوا راحتي ياسيدي أنا واحدة بتحب تسهر و إنتوا ناس زي الفراخ بتنام من المغرب عشان شغلكم تقلقوني ليه بقى ؟! 


تابعت حديثها بجدية و قالت:

- و بعدين أنا صحابي بيجيوا و نعيش حياتنا في البيت زي ما أنت عارف و دا نظام اكيد مراتك هتتضايق و حقها على فكرة لأن كل واحد يحب ياخد راحته في بيته و يستقبل اللي على مزاجه وقت ما يحب مش يبقى مجبر على وضع و عليه يقبل !! صدقني يا هيما كدا احسن بكتير وبردو فضلنا مع بعض و مبعدناش ووقت ما تحب تزورنا أنت و ك

مراتك تنورنا في أي وقت يا حبيبي 


ختمت حديثها قائلة بمرح:

- بس يا ريت تتصل قبلها و تجيب حاجات حلوة و أنت جاية 


نظر إبراهيم لأمه و قال:

- عجبك كلام بنتك دا يا ماما ؟! 


ردت والدته و قالت:

- صراحة ربنا اه و موافقة كمان و بعدين هو احنا يعني هنروح فين دا أنا ممكن ادخل شقتك من باب المطبخ 


ابتسم ملء شدقيه و قال بتساؤل:

- اه دا إنتوا عاملين عليا حزب يعني ؟!!


ردت هالة قائلة: 

- تقدر تقول كدا 


******

بعد مرور شهر كامل من التحضيرات التي انتهت و أخيرًا على خير، جاء موعد حفل زفاف إبراهيم، كانت هالة تركض هنا و هناك كانت وصيفة العروسان، فعلت ما بوسعها ليمر اليوم كما يريد أخيها، تنفست الصعداء و هي 

ترَ بأم أعينها أخيها جالسًا في المكان المخصص له و زوجته، بدأت تلتقط معهم بعض الصور للذكرى، وقف جوار أخيها و على الجهة الأخرى وقف أدهم، صورة عائلية غاية في اللُطف، نظرت هالة للدرج قبل أن تطأ قدمها كادت أن تسقط لكن يد أدهم لحقت بها 

ابتسمت له و شكرته ثم غادرت، بينما جذبت 

ليالي ذراع زوجها و قالت بسعادة 

- أنا عندي ليك خبر ها يفرحك قوي ها قوله لك لما نروح 


هز إبراهيم رأسه و قال ممازحًا:

- لا ما تقوليش إنك حامل !! 


اختفت إبتسامة ليالي و قالت بنبرة مغتاظة

- إيه يا إبراهيم الهزار دا ؟! لا حاسب احسن ها موت من كتر الضحك مش قادرة !! 


تابعت بجدية قائلة:

- بقى دا كلام تقوله لعروستك يوم فرحها ؟! 

- خلاص يا روحي حقك عليا بهزر و الله إيه بقى الخبر المفرح ؟! 

- لا يا حبيبي بعد إيه خليك بقى زيك زي الغريب أعرف في الآخر 


على الجانب الآخر من نفس القاعة

كانت تهاتف صديقتها التي تأخرت أكثر من اللازم خرجت لاستقبالها أمام الفندق، عقدت ساعديها أمام صدرها و عيناها لا تبرح الطريق 

فجأة ظهر حمزة و وداد أمامها، هو يحمل طفله الأولى الذي تجاوز العام بأيام معدودة و هي تضع يدها على باطنها المنتفخة قليلًا إثر الحمل الجديد، ابتسم بتردد و هي تصافحه 

بينما رد هو و قال بنبرة تملؤها الشوق و الحنين:

- عاملة إيه يا هالة؟! 

- الحمد لله بخير، إنتوا إيه اخباركم ؟! 


رد بنبرة حزينة:

- الحمد لله، اهو ماشي حالنا 


نظرت للصغير و قالت بإبتسامة 

- شبهك يا وداد ربنا يحفظه لك 


ردت وداد و قالت:

- لا دا كله حمزة 


تابعت بإبتسامة واسعة:

- ادعي بقى اللي جاي يبقى شبهي بقى نبقى اتعادلنا أنا و حمزة 


ردت هالة و قالت: 

- ربنا يقومك بالسلامة 


أشارت بيدها للداخل و قالت:

- ادخلوا جوا الفرح بدأ من بدري 


اتجهت وداد للداخل بينما تراجع حمزة ليحدثها قبل أن يغادر مرة أخرى 

- لو جت بنت هاسميها هالة 

- متعملش كدا و توجع مراتك 

- ما هو أنا وجعتك زمان ؟! 

-بترد لها يعني الوجع ؟! على العموم دا نصيب ياريت يا حمزة تعيش و تنساني لأن مبقاش قدامك حل غيره 

- لسه مش عاوزة تحني يا هالة و تر جعي لي ؟! 


قررت أن تتركه و هي تنادي بصوتٍ مرتفع 

- مبقاش ينفع يا حمزة صدقني، أدهم أنا هنا اهو 


سارت بخطوات الواسعة و السريعة، تجاه أدهم الذي عقد ما بين حاجبيه، توقفت أمامه مباشرة بينما هو كانت عيناه معلقتان على ذاك الرجل الذي ما زال يقف يتابع حديثهما لكنه لا يعرف بالطبع عن أي شئ يتحدثون .

نظر أدهم نحو حمزة و قال:

- هو لسه واقف و بيبص علينا 


ردت هالة دون أن تستدار

- ربنا يسترها لأن قلبي مش مطمن 

- اهو دخل خلاص 

- بجد طب الحمد لله 


حركت رأسها و قالت:

- أنا آسفة اني ناديت عليك و آسفة اني عطلتك الوقت دا كله، مكنش قدامي حل غيره عشان ابعد عنه 


ابتسم لها و قال:

- و لا يهمك و لو احتاجتي أي حاجة في أي وقت أنا موجود 

- شكرًا ربنا يخليك 


بعد مرور ساعة كامل 


كانت الأمور تسير بهدوءٍ تام حتى أتى محمود و الذي كانت تنتظره هالة، كان مجيئه شيئًا متوقع كانت بداخلها ترتعد منه لكن ظاهريًا تقف أمامه تستمع لإهانته و تبتلع لعابها بمرارة

أما هو كان يوجه حديثه لأدهم قائلًا:

-أنت بقى الزبون الجديد صح ؟! اشرب يا عم الأدهم الهانم أصلًا شمال كانت ماشية معايا و هي متجوزة و لما جوزها عرف طلقها 


كاد أدهم أن يصفعه لكن يد هالة منعته و هي تقول برجاء

- بلاش يا أدهم ارجوك، بلاش تلوث ايدك مع واحد زي دا 


ابتسم محمود بتهكم و هو يغمز بطرف عينه قائلًا بوحاقة:

- دلوقت مبقتش اعجب !! الله يرحم زمان ما كنتي بتقولي إن ارجل واحد في حياتك، فاكرة هالة سرير حمزة اللي عشنا عليه أحلـ...

يتبع 

الفصل الثاني عشر 

و الأخير 

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤


كاد أدهم أن يصفعه لكن يد هالة منعته و هي تقول برجاء

- بلاش يا أدهم ارجوك، بلاش تلوث ايدك مع واحد زي دا 


ابتسم محمود بتهكم و هو يغمز بطرف عينه قائلًا بوحاقة:

- دلوقت مبقتش اعجب !! الله يرحم زمان ما كنتي بتقولي إن ارجل واحد في حياتك، فاكرة  هالة سرير حمزة اللي عشنا عليه أحلـ....


بترت باقي حديثه بصفعة مدوية و هي تهدر بصوتها قائلة:

-  اخرس با حيو.ان يا قليل الأدب، أنا اشرف منك و من ناسك كلهم، الظاهر إن الذوق و الأدب ما ينفعش مع واحد زيك !


رفع محمود كفه في الهواء و قبل أن يسقط على وجهها توقف أدهم بينهما قابضًا على رسغه بعنفٍ نظر محمود ليده ثم عاد ببصره 

تحدث أدهم بكل ما اوتي هدوء أعصاب

- المرة اللي فات أنا طردتك من المستشفى المرة دي أنا هخرجك على ضهرك 


توقفت هالة أمام أدهم و قالت من بين دموعها 

- لا بالله عليك متلوثش ايدك بد..مه  سيبه يمشي يا أدهم 


قام أدهم بثني ذراع محمود ثم ضغط عليه بقوة اقترب من أذنه و قال هامسًا:

- سوء حظك بيوقعك فيا دايمًا، المرة دي قرصة ودن المرة الجاية الله اعلم هايحصلك إيه بس طول ما أنا عايش انسى تقرب لها 


قام بكـ..سر ذراعه ثم طرحه أرضًا، ظل يتأواه 

و صرخاته تملئ المكان، أشار أدهم للحارس و قال: 

- دا حرامي يتعمل له محضر سرقة 

- سرق إيه يا فندم ؟! 

- ا تهجم على مدام هالة و كان عاوز ياخد منها الدهب 


كادت أن ترد لكن أدهم حدجها بنظراتٍ نارية التزمت الصمت حتى يمر الوضع العصبية هذا 

هدرت بصوت مرتفع ما إن هدأت الأوضاع و بقت معه بمفردها:

- ليه عملت كدا ؟ 

- هو أنتِ مش شايفة عمل إيه و لا كان ناوي يعمل إيه ؟!  و لا أنتِ عجبك اللي عمله ؟!


ردت هالة بعصبية مفرطة 

-و هو كل واحد قليل الأدب هنمد ايدنا عليه هتبقى غابة في حاجة اسمها قانون يا دكتور يا متعلم 


رد أدهم و قال بنبرة لا تقل عن نبرتها:

- و عمل لك إيه القانون لما البيه حاول يرمي عليكي مية نا ر  ؟! 


سألته بنبرة ساخرة و قالت:

- و المفر ض إنك كدا دكتور متعلم بتفكر تفرق إيه أنت بقى عن البلطجية اللي ماشين يضر..بوا الناس في الشوارع ؟! 


رد على سؤالها بعدم إكتراث:

- ايوة أنا بلطجي عاوزة حاجة ؟! 


سارت بخطواتها الواسعة و السريعة و قالت بنبرة مغتاظة:

-و ها عوز منك إيه شكرًا 


مادت ينادي بإسمها لكنه حرك رأسه بيأس و تركها تفعل ما يحلو لها، فهو كلما فعل شئ لا يعجبها

عاد إلى قاعة التي يقام فيها حفل الزفاف، جلس على أحد المقاعد وهو يطالعها بنظراتٍ تملؤها الغيظ و الغضب تمامًا كما تفعل هي، جذبتها أخته لتتراقص معه وسط القاعة، كانت تتبختر في مشيتها و قبل أن تهز بجسدها سقطت، ابتسم أدهم بداخله و تمتم بخفوت:

- احسن تستاهلي و الله 


تحول المشهد لمشهد كوميدي من الدرجة الأولى 

و مر اليوم على خير،  وصلا أخيرًا إبراهيم إلى باب شقته و قال بإبتسامة واسعة:

- حمد الله على سلامتك يا عروسة 


نظرت ليالي له ثم عادت تنظر أرضًا و هي تقول بإبتسامة خجولة:

- الله يبارك فيك يا هيما 


تابعت بجدية و كأنها شخصًا آخر و قالت:

- بقى أنا اللي افضل اتحايل عليك عشان تروح تكلم أدهم اخويا و اقولك طول بالك عليه ؟! 


سألها بنبرة داهشًا:

- هو أنتِ ملبوسة  و لا مجنونة؟! 


أجابته بإبتسامة سمجة وقالت:

- لا يا روحي أنا الأتنين مع بعض 


ابتسم لها وقال:

- سبحان الله نفس ابتسامة أخوكي هو أنتِ تقربي له ؟! 


حملها بين ذراعيه و قال مضيقًا حدقتاه 

-الظاهر كدا و الله أعلم إني اتدبست 


لكزته في كتفه و قالت:

- إبراهيييم !! 


رد بإبتسامة متراجعًا عن كلامه و قال:

- مش فيكي ياروحي اقصد اخوكي إنما أنتِ مرهم يتحط على الجر.ح يقيد نا.ر 


******


في الشقة المجاور 

كانت هالة تسرد لوالدتها ما حدث منذ صباح اليوم و حتى هذه اللحظة التي تحتسي فيها القهوة الساخنة خاصتها،  تنهدت الأم ثم نظرت لها و تسألت بنبرة حائرة قائلة:

- طب و بعدين بقى في اللي اسمه محمود دا، دا مش راضي يهمد ابدًا ؟ 

- يهمد بقى و لا لا أنا خلاص زهقت منه و من الدنيا كلها أنا بفكر اسيب البلد و اسافر 


ردت والدتها قائلة بحدة قائلة:

- تسافري ؟ على في العزم بقى إن شاء الله إلا اخوكي الراجل عملها تعمليها أنتِ؟! 

- يا ماما جاي لي عرض حلو اوي في الكويت و خسارة ارفضه 

- لا ارفضي يا حبيبتي مافيش خسارة إن شاء الله ، و اعملي حسابك طول ما أنتِ هنا بيت أبوكي  مفيش سفر لما تبقي تتجوزي إن شاء الله يعني ابقي سافري  إن شاء الله المريخ اسمها مع جوزك 


ردت هالة بضيق و قالت:

- إيه يا ماما التحكمات دي ؟! 


ردت والدتها بكل ما اوتيت من هدوء و برودة أعصاب

- أنا ولية مفترية و مابيهمهاش حد و قاسية، عندك حاجة تاني تحبي تقولي ؟! 


ردت هالة بتذمر قائلة:

- لا 


احتست والدتها القهوة و هي تلوح بيدها بلامبالاة 

و قالت:

- خلاص رفعت الجلسة على كدا 


******

بعد مرور تسعة أشهر 


كان يقف إبراهيم أمام غرفة العمليات يجوب الردهة ذهابًا إيابًا و القلق يدب في قلبه، جلس جوار والدته و قال بنبرة متوجسة:

- ليالي اتأخرت قوي يا ماما 


ختمت والدته آخر آيات القران الكريم، ربتت على كتفه و هي تقول:

- اهدأ يا حبيبي متقلقش دا طبيعي هي كدا البكرية بتاخد وقت، أنا يوم ما ولدتك قعد اولد فيك يوم بليل و اهو بقيت راجل زي الفل قول يارب 


وثب إبراهيم عن مقعده و قال بتوسل :

- يارب خليك معاها يارب 


هرولت هالة و هي تحمل حقيبة المولود في يدها 

وقفت أمام أخيها و قالت من بين أنفاسها المسموعة قائلة:

- خير يا حبيبي ليالي ولدت ؟ 


اختنق صوت إبراهيم و عيناه ازدحمت بالدموع التي ابت أن تنسدل حرك رأسه و قال:

- لسه يا هالة لسه 


ربتت هالة على كتفه و قالت بإطمئنان :

- متقلقش خير إن شاء الله 


تابعت بنبرة بحزنٍ دفين :

- بيقولوا إن الولادة الأولى بتاخد وقت خير إن شاء الله يا حبيبي 


صاحت بصوتها قائلة:

- الدكتورة طلعت يا هيما 


تسابق الأثنان على الوصول إلى الطبيبة،  توقف إبراهيم وخلفه أخته تسأل بتوجس قائلًا:

-خير يا دكتورة ليالي عاملة إيه ؟! 


ردت الطبيبة بإبتسامة واسعة:

- مبروك ولد زي القمر 


سألها بنبرة لا تقلق عن نبرته الأولى التي لا تخلو من التوتر:

- و هي عاملة إيه ؟! المهم هي ؟!


أجابته  بذات الإبتسامة الواسعة:

- اطمن هي زي الفل ساعتين و هتتنقل أوضة عادية مبروك و حمد لله على سلامتها 


تركتهم الطبيبة بعد أن باركت لهم،  خرجت الممرضة و هي تحمل بين يدها الصغير، وضعته بين ذراعيه و قالت بإبتسامة واسعة:

- مبروك يتربى في عزك يارب 


حمله بين ذراعيه نظر له ثم نظر لوالدته التي قالت بسعادة:

- كبر له في ودنه يا هيما و بعدها قول اسمه 


سارت هالة تجاه والدتها تبعها إبراهيم،  وقف مقابلة والدته وضعه بين ذراع والدته و قال:

- مهمتك دي يا ست الكل


أذنت له بالقرب من أذنه بصوتٍ خفيض، ثم قالت بنبرة حانية:

- ربنا يخليه لك و تفرح بي يا حبيبي 


تناوله منها ثم و ضعه في حضن شقيقته و قال بنبرة حانية:

- ابنك يا لولو ربي زي ما تحبي 


انسدلت دموع هالة إثر كلمات أخيها، حملت الصغير بيدٍ مرتعشة نظرت لأخيها و قالت بنبرة متحشرجة إثر البكاء:

- و أمه راحت فين يعني يا حبيبي ربنا يخليه لها 

وتربي و تشوفه أحسن الناس 


ابتسم لها و قال بنبرة حانية:

- ابني محظوظ أكتر مني و من أي حد في الدنيا دي كلها لي أب واحد و بدل الأم اتنين واحدة  


لم تتحمل هالة كلماته المؤثرة تلك، وضعته بين يده و قالت بجدية مصطنعة و هي تكفكف دموعها بظهر يدها:

- أنت واد نصا ب و بتضحك عليا بكلامك دا عشان تأكل عليا الحلاوة يا حبيبي بس على مين دا أنا هاخدها منك مرة و مراتك مرة 


بتفرقوا الحلاوة من غيري مش كفاية كبرتوني و بقيت خال و أنا لسه صغير ؟! 


أردف أدهم عبارته و هو ينضم لحديثهما،  نظر لابن  أخته الذي يتئثاب و هو يتمطع و كأنه كان مُقيد في بطن والدته،  ابتسم له و قال ساخرًا:

- شوف زي ما يكون  مقيدنه يا عيني 


رد إبراهيم ساخرًا و قال:

- أختك قوية و تعملها دي كان عليها ما تسكت بقى تعبتني كانت بتخليني احط ايدي على بؤقي من كتر الخوف 


ضحك أدهم و هو يقول بغطرسة:

- دي سيطرة بنات الشرقاوي يا حبيبي و تمشي على أي حد حتى لو لسه في بطن أمه 


تابع بجدية مصطنعة هامسًا:

- بس بيني و بينك كانت عليها واحدة أنا تعبت يا أدهم كانت بتخلي أنا شخصيًا اترعب 


ختم حديثه قائلًا بمزاح دون قصد:

- هي كدا الستات تفضل هادية و طيبة في نفسها  و أول ما تحمل تلاقيها اتحولت هرمونات مضطر تتحملها ضريبة الأمومة  بقى ياهيما 


ابتسم إبراهيم بتردد محاولًا لفت نظر أدهم الذي اختفت إبتسامته و هو يعتذر من الجميع، ابتعد قليلًا تبعه زوج أخته الذي وقف خلفه و قال:

- متزعلش يا أدهم مكنش قصدي احرجك بس 


استدار أدهم و قال بإبتسامة واسعة:

- متزعلش أنت مني يا هيما مكنش قصدي اجرحها و الله 


تنهد أدهم  و هو ينظر لها ثم عاد ببصره له و قال:

- هي لسه بردو مش موافقة ؟ 

- للاسف لسه 

- طب هي رافضاني ليه ؟ إيه سبب الرفض إني مسافر يعني ؟ 

- هالة مش رافضاك أنت بس هالة أي حد بيتقدم لها بترفضه مش حابة تكرر التجربة بتقول كفاية عليا تجربتين 


رد أدهم و قال بضيقٍ مكتوم:

- بس أنا غيرهم يا إبراهيم أنا بحبها 


رد إبراهيم و قال بسخرية :

- ماهم هما كمان يا أدهم كانوا بيحبوها وكانوا يتمنوا لها الرضا ترضى و في الآخر أخدت منهم إيه ؟! 

- يعني إيه يا إبراهيم ؟ يعني بردو مش هتخلي هالة توافق؟ 


رد إبراهيم و قال بعقلانية:

- بص يا أدهم أنت اخو مراتي و صاحبي كل دا على راسي من فوق، بس دي  حياة أختي تتطلق من دا تتجوز دا هي حرة، أنا بنفذ قرار هي بتاخده و بقف جنبها عشان أنا اخوها و ملهاش غيري فـ موضوع الغصـ.ب دا مش هتلاقي عندي عشان كدا شايف إنك تصبر يمكن ربنا يكتب لكم نصيب مع بعض مين عارف .


********

بعد مرور أسبوع 


داخل شقة إبراهيم كانت ليالي تصافح المدعوين لعقيقة ابنها،  بينما كانت هالة واقفة في المطبخ مع والدتها تنظم الصحون وضعت آخر صحن و قالت بتذكر:

- أنا نسيت اعمل طبق أدهم أنا فاكرة إنه بيحبه بـصلصة كتيرة زي هيما 


ردت والدتها و قالت:

- متعمليش  حاجة أدهم مش هيأكل دا مسافر خلاص 


سألتها هالة قائلة بلهفة:

- إيه مسافر ؟ هو لحق 


تابعت بنبرة متلعثمة:

- اقصد يعني مش كان قال هايقعد شهر ؟! 


ردت والدتها بخبث قائلة:

- لا قال إنه مش عاوز يتقل على حد و كفاية كدا و إنه زعلان إنه هايفرقنا و هو محققش اللي نفسه في 


تابعت والدتها بتذكر:

- فين السلطة ؟ و المخلل قومي هاتيها من عند هيما نسيت و حطتهم هناك وقت د.بح العجل  


ردت هالة بإحباط و هي تقف عن مقعدها:

- حاضر 


عادت و قالت بتذكر:

- صحيح أدهم هناك و قاعد لوحده روحي أنتِ أو ابعتي ليالي 


لو كان للحظ الأسود عنوان لكُتبَ عليه أدهم

مر اليوم أخيرًا بعد ركض هنا و هناك،  تجمعت العائلة من جديد في هدوء لتناول القهوة المسائية،  ربتت ليالي على كتف إبراهيم قائلة:

- هيما

التقط كفها و طبع عليه قُبلة حانيةقائلًا:

- قلب هيما من جوا 


ابتسمت له و قالت:

- هو ربنا يخليك ليا بس مكنش دا قصدي أنا كان قصدي اطلع اشرب السجاير برا عشان ابنك 


رد إبراهيم بإحراج و قال:

- ايه الإجراح دا ؟! 


تابع بجدية مصطنعة و قال:

- ماشي بس متبقيش تجيبها لي في وشي كدا أنا ليا وضعي بردو في البيت 


خرج من حجرة الضيوف و هو يحمل قدح القهوة بيد و الأخرى بها لفافة التبغ خاصته 

جلس جوار أدهم الذي أشار له كي يجلس فوق الأريكة و قال:

- تعال يا حبيبي مكنش لازم تتفرد قدامهم و تقول إنك مسيطر دي أختي و أنا عارفها 


جلس إبراهيم و قال بجدية مصطنعة:

- لا أنت فاهم غلط دا أنا لاقيتك غبت قلت ادخل اطمنك عليك مش أكتر 


مد أدهم علبة لفاف التبغ و قال بإبتسامة واسعة:

- طب خُد يا مسيطر قبل ما تدخل جوا 


ابتسم له و قال:

- لو مكنتش تحلف 


******

في مساء أحد الأيام


جلس إبراهيم يقرأ جريدته المسائية باهتمام 

بينما كان صغيره الذي تجاوز العام بأيام معدودة يجوب حوله، وضع الجريدة على سطح المنضدة الزجاجية و قال:

- أنت بتفرك كتير كدا ليه و بتزن ليه و فين أمك ؟! 


حمله عن الأرض وجده يأكل التبغ المحتر.ق الذي وضع في المنفضة، اتسعت عيناه و قال من بين أسنانه :

- كدا يا أنس كدا ؟!  دا  هالة هتربيني قبل ما تربيك من جديد تعال بسرعة اغسل لك وشك 


ركض إبراهيم حاملًا ابنه و هو يتجه نحو المرحاض، بدأ ينظف وجهه  بينما الصغير كان يرفرف بساقيه و يده تختر.ق المياه و صوت 

ضحكاته يدوي المكان،  ظل يبحث عن منشفة 

ليجفف قطرات المياه المتناثرة على وجهه

فـ لم يجد تركه علي الارض و اتجه نحو غرفة والدته نظر الصغير للمغطس، فتح فاه بسعادة ثم قام بوضع الصحن البلاستيك وقف عليه ثم قفز داخل المغطس، ظل يحرك جسده داخل المياه، صرخات عالية دوت المكان هرع 

إبراهيم نحو المرحاض ليجد أخته تشير بيدها تجاه الصغير و قالت بعصبية:

- من اللي سابك تدخل الحمام؟!! 


لوى إبراهيم فاه يمينًا و يسارًا قبل أن يتحدث بغضبٍ مصطنع ليمرر الموقف :

- ازاي سايبين الواد كدا لوحده ؟! لولا إن جيت ادور عليه كان راح فيها 


هرع تجاه ابنه و حمله من المغطس، كاد أن يخرج من المرحاض لكن سؤال أخته جعله يبتسم و هو يقول بكذب:

- ماهو أنا كنت بقرأ الجرنال وهو كان بيسحف جنبي على الأرض 


اتسعت أعين هالة و قالت بصوت مرتفع قائلة:

- ازاي تسيبه ينزل على الأرض يا مهمل أنت ؟! 


تابعت بعصبية مفرطة:

- و طبعًا فضل يمشي و يسند على الحيطة لحد ما دخل الحمام و فتح المياة 


رد إبراهيم مدافعًا عن نفسه قائلًا:

- لا لا مش كدا دا هو كان بيأكل الطفية بتاعت السجاير وكـ.....


يا نهارك أبيض و كمان قاعد بتشرب جنبه سجاير و هو بيأكلها ؟!!


أردفت هالة عبارتها و هي تأخذ بن اخيها من بين أحضان والده الذي لا يعرف قيمة ما بين يده ظلت تمتم بكلماتٍ لاذعة عن الإهمال و اللامبالاة التي يغرق فيها إبراهيم، ما إن ولجت غرفتها اجلسته على الفرش الوثير و قالت بجدية مصطنعة و هي تضع سبابتها على ثغرها:

- ششش و لا كلمة يا منكاش أنت 


وضع أنس سبابته تمام كما فعلت عمته و قام بتقليدها قائلًا:

- ششش 


ضحكت هالة على حركاته تلك، استطاع تغيير حالتها المزاجية، أنس يفعل ما يحلو له و بإبتسامة صغيرة منه يصالحها و ينتهي الأمر 

تسقط جميع حصونها و صرامتها عند أعتاب ابتسامته الجميلة، جلست جوار و بدأ في تشغيل الحاسوب النقال له، أتاها اتصال من أدهم ضغطت على زر الإجابة و قالت:

- و عليكم السلام، الحمد لله بخير أنت إيه اخبارك ؟ صوت مين دا  صوت أنس اه بقي احسن الحمد لله اه كنت مرعوبة من دور البرد بس الحمد لله عدا على خير يارب ماشي مع السلامة.


********

بعد مرور عدة أيام 

كان أمام باب شقة أخته يقف في انتظار أحدهم يفتح له لم يخبر أحد بعودته لمصر قرر أن يصنع مفاجأة لهم،  فتحت له هالة كانت متخشبة أمامه نبضات قلبها تتسارع و كأنها طبول الحر.ب تقرع بسرعة فائقة، اتسعت إبتسامتها حتى كشفت عن نواجزها 

عامًا و عشرة أيام كاملة لم تراه فيهم، فرغ فاه ليحدثها لكنها اوصدت الباب في وجهه، خطت بخطوات واسعة و سريعة تجاه المطبخ لكنها عادت من جديد و فتحت له اعتذرت له عن مابدر منها بينما رد هو و قال:

- هالة أنا عاوز اتكلم معاكي ارجوكي اسمعيني بقى ولو مرة واحدة 


هو إبراهيم رجع و لا إيه يا لولو ؟! 


أردفت ليالي سؤالها و هي تخرج من المطبخ 

اتسعت عيناها بسعادة و فرح، ركضت نحو أخيها عناقته بقوةً ربتت عليى ظهره و كلماتها لا تتوقف أبدًا:

- حمد لله على سلامتك يا حبيبي ماقلتش ليه إنك جاية كنا رحنا استبقلناك في المطار ؟ 


رد أدهم باسمًا و قال:

- محبتش ازعاجكم قلت اعملها لكم مفاجأة 


ردت بسعادة و هي تحتوي وجهه بين كفيها و قالت:

- أحلى مفاجأة يا حبيبي حمد لله على سلامتك دا هيما هايفرح اوي برجوعك 


تنحنحت هالة و هي تتجه نحو باب الشقة و قالت:

- عن أذنكم هاشوف ماما 


رد أدهم بسرعة و قال برجاء:

- هالة أنا عاوز اتكلم معاكي من فضلك 


ردت ليالي و هي تجلسها عنوة قائلة:

- طنط نايمة و أنس باشا  كمان نايم اتفضلي بقى اقعدي و اسمعي الكلمتين اللي عاوز يقولهم على ما أروح اخلص الأكل 


غادرت ليالي و بقت هالة جالسة تنظر في اللاشئ  تنهد أدهم ثم قال بهدوء:

- مالك يا هالة رافضة ليه نبقى مع بعض رغم إن علاقتنا حلوة جدًا ؟! و تقريبًا مافيش حاجة غلط ! 


جاهدت نفسها حتى لا تخبره بما يعتمل في صدرها لكن وجدت نفسها تحدثه عن مخاوفها 

قائلة:

- خايفة يا أدهم 

- من إيه ؟!  و ليه ؟! 

- خايفة اكرر التجربة للمرة التانية 


تابعت مصححة بسخرية قائلة:

- قصدي للمرة التالتة، خايفة كلام عمك يأثر عليك بعد جوازنا 


ختمت حديثها قائلة بمرارة:

- خايفة اخوض التجربة و أملي بإني أكون أم يختفي المرة دي بجد، أنا عشت فوق العشر سنين بقول لنفسي إن طالما الحب موجود جوزك مش هيفكر يبص لغيرك، اكتشفت إن الحب لوحده مش كفاية و اكتشفت إني أنانية معاهم 


سألها بنبرة متهكمة قائلًا:

- أنانية معاهم ازاي ؟! 


أجابته بمرارة و قالت:

- يعني كان المفروض أقبل بجوازهم و اعترف بي هما من حقهم يشوفوا ذرية ليهم بس أنا مقدرتش اتحمل افضل مع حد فيهم مقدرتش ابقى صفر على الشمال و دي بردو أنانية مني 


رد أدهم و قال بنبرة صادقة:

- احلف لك بإيه أنا مش هاممني موضوع الخلفة دا و لا في دماغي هالة أنا بحبك 


ابتسمت بمرارة و قالت:

- أنا أكتر واحدة سمعت كلمة بحبك أكتر واحدة كان نفسها فعلا تلاقي إنسان يحبها بجد بس و لا واحد حبني 


تابعت بحزنٍ دفين قائلة:

- تجربتي مع محمود خلتني أكره الجواز و الحب عشت معاه أسوء شهرين في عمري 


ختمت حديثها بتقزز قائلة:

- واحد مقر ف سادي و حقـ ـير عيشني أسوء أيام عمري معاه كرهت فيها اسمي و جسمي كرهت قلبي اللي طيب مع الكل و ملاقش اللي يحبه بجد 


كفكفت دموعها و قالت بهدوء عكس الضجيج الذي يسود قلبها:

- عشان كدا صدقني يا أدهم مش هقدر أكرر التجربة للمرة التالتة للأسف قلبي ما بقاش في مكان للفرحة، روح اتجوز بنت صغيرة تكون أنت أول واحد في حياتها، أنا مش هنفعك من كل النواحي 


سألها بغضبٍ مكتوم :

- مين قال كدا ؟ 


أجابته قائلة بذات النبرة:

- عمك و محمود  و حمزة و الناس و المجمتع كله  المجتمع شايف إن المطلقة دي عار و لازم يندفن تحت التراب،  ملهاش الحق تعيش وتشوف نصيبها الحلو في الدنيا،  خروجها ودخولها بحساب ولو اتنفست لازم تدي تقرير بدا ولو ضحكت بس دي مش كويس اومال اطلقت ليه ؟!  وليه اطلقت عشان مبتخلفش وليه و ليه و ليه الف كلمة ليه و الف سؤال كل واحد نفسه يسأله بس خايفة ليلاقي رد ميعجبوش 


كادت أن تقف عن مقعدها لكنه لحق بها و قال بتوسل يفيض من عيناه:

- مش ها قلك بحبك لأنك مبقتيش حاساها  زي ما بتقولي بس كفاية عليا اقلك خليكِ جنبي أنا محتاج لك جنبي محتاج وجودك في حياتي هالة أنتِ مش عارفة أنتِ بالنسبة لي 


أتت ليالي من المطبخ و قالت و هي تضع الثهوة على سطح المنضدة:

- انا بقول اغير القهوة و اجيب شربات ؟! 


وقفت جوار هالة محاوطة كتفيها بذراعها و قالت:

- ما تحن بقى يا جميل الواد بقى شبه وحيد القرن من غيرك 


ابتسمت هالة رغم محاولاتها في عدم إظهار ضحكاتها و لكن على ما يبدو أن زوجة أخيه لن تهدأ حتى توافق على هذه الزيجة،  ابتسمت ليالي وقالت بعفويتها:

- ما هو بصراحة ربنا بقى مش أنتِ تدبسيني في اخوكي و أنا اسيبك تعدي كدا عادي من تحت ايدي 


تابعت بخفوت قائلة:

- دي فرصة عشان هيما يرد كل اللي عمله في زمان بس الصراحة أنا خايفة على هيما من اخويا 


ردت هالة بإبتسامة واسعة:

- اخويا يعمل اللي يعجبه و بعدين احنا ما بنتهزش يا ماما احنا جامدين قوي 


ولج إبراهيم وجد ثلاثتهما في الردهة و الإبتسامة لا تفارق شفتاهم، ابتسم و قال بجدية مصطنعة:

- ليالي و هالة و الأدهم استر يا اللي بتستر 


في مساء نفس اليوم 

كان أدهم يختم حديثه بهدوءٍ قائلًا: 

- أنا كدا عرفتكم دنيتي فيها إيه و مش محتاجة من هالة حاجة غير شنطة هدومها حتى دي مش عاوزاها كمان 


ردإبراهيم و هو يضع ساق فوق الأخرى و قال بغطرسة:

- و الله يا أدهم ياخويا أنا كان بودي أخد وادي معاك في الكلام عادي كدا بس أنا للأسف 

واخد عهد على نفسي إن استشير أعضاء العيلة الملكة بتاعتي و لأني راجل قانون أولًا و ديموقراطي مش ديكاتوري زيك قررت إني اخد رأي الست الوالدة و بعدها رأي اختي و في الآخر رأي أختك و بما إن اجتمعت الآرار بالموافقة بالاجماع، و عليه تمت الموافقة المبدئية أما الموافقة النهائية فدي تخصني أنا 


رد أدهم و قال بغضبٍ مكتوم:

- ما تخلص يا إبراهيم هو أنت بتُخطب خُطبة مجلس الشعب !! الفرح إمتى ؟! 


يتبع 



❤ الخاتـــمة ❤


سحب إبراهيم نفسًا من لفافة التبغ ثم نظر له و قال:

- إن شاء الله من غير مقاطعة زي النهاردا السنة الجاية 


إمتى احنا متفقناش على كدا يا هيما !! 


قالتها ليالي وهي تضع أطباق الحلوى، جلست حذاء أخيها الذي نظر لها وقال:

-جوزك بيحاول يستفزني ها؟! 

- معلش يا حبيبي دلوقتي هايعرف غلطه 


بعد مناواشات عديدة أدت أخيرًا لتحديد عقد القران بعد مرور أسبوع من الآن، كانت هذه المدة المحددة لتحضير كل شئ يخص هالة 

على الرغم من قصر المدة إلا إنها لم تعترض أمام إبراهيم بناءً على تعليمات أدهم الذي كاد أن يبكي من فرط توسله له .


********


بعد مرور أسبوع 

جلست هالة على المقعد المجاور لمقعد أدهم، بينما كان هو يضع كفه في باطن كف اخيها، يردد الكلمات خلف القاضي الشرعي، و الإبتسامة لا تفارق شفتاه، انتهَ أخيرًا و ردد الجميع في آنٍ واحد.

- بارك الله لكما و بارك عليكما و جمعا بينكما في خير .


سقطت دموعها إثر فرحتها و خوفها الشديد في ذلت الوقت، وقف أدهم و معه هالة ضمها في لهفة و حب، نظر إبراهيم لزوجته و قال باستفسار:

-ألا إيه حضن كتب الكتاب دا يا ختي مكنش على أيامنا ؟! 


ردت ليالي و قالت بنبرة مغتاظة منه:

- لا كان موجود يا حبيبي بس أنت اللي كنت مستعجل في كل حاجة و ضيعت عليا أحلى أيامي 


غمز بطرف عينه و قال بإبتسامة:

-خلاص هنعملوا دلوقت 

-لا خلاص بعد إيه ؟! هي الحاجة بتيجي قبل و بعد 

-ياستي المهم تيجي 

-لا شكرًا مش عاوزاها 

-وترجعي تقولي أنا مش نكدية و إن أنا اللي نكدي اهو خليكي فاكرة !!! 


وقف أدهم يتراقص مع هالة وسط القاعة، في أضواء خافتة، لكز إبراهيم حبيبته الهائمة في هذا المشهد الرومانسي و قال:

- ما تيجي تتضمني و ننسى الدنيا زيهم 


مالت ليالي برأسها على كتفه و الإبتسامة تزين ثغرها لثم جبهتها و هو يمسد على ظهرها بحنانٍ بالغ احتوى حزنها في لحظة هادئة، رغم أن هذه المرة مرتها الثانية في الحمل إلا إنها أكثر عصبية و غضب يحاول قدر المستطاع تفهم هرموناتها تلك 

و لكن على ما يبدو أنه لن يفهمها مهما حدث .


******

بعد مرور ستة أشهر كاملة 

لم يحدث شيئًا جديدًا يذكر سوى قلق هالة الذي يتزايد داخلها و تحاول إخفائه بسبب تأخر حملها 

بينما كان أدهم يرَ أن الأمور تمر بشكلٍ طبيعي و أن لايوجد تأخر كما تتدعي، لا ينتهي الشاجر بينهما على أبسط الأسباب، و لكنها قررت أن تتوقف عن عصبيتها تلك في هذه الفترة تحديدًا، كان أدهم جالسًا جوارها يرتشف القهوة في صمتٍ تام، بينما نظرت هي له و قالت:

- هو عمك بيعمل معاك كدا ليه ؟ مش عاوزك تكبر و لا تبقى ناجح زيه ليه ؟! 

- عشان عاوزني أفضل تحت طوعه من الآخر كدا كان رسمني إني جوز بنته 


ضحكت بصوتٍ مسموع حتى انهمرت الدموع من عيناها و كأن القدر لا يريد أن يختبر غيرها، نظر لها أدهم ولا يعرف مالداعي لكل هذه السخافات التي تفعل وقت النقاش الذي يدور بينهما، وقفت عن مقعدها و قالت بجمود :

- طلقني يا أدهم 


نظر لها نظراتٍ مغتاظة ثم قال بضيق:

- بس يا هالة بس ربنا يهديكي و بطلي جنان 

- أدهم أنا مش مجنونة و بقلك طلقني 


رد أدهم و قال بعصبية لا تقل عن عصبيتها شيئًا:

- ما هو لما تقولي طلقني و احنا لسه متجوزين مكملناش ست شهور يبقى جنان لما تفضلي تتضحكي زي الهبلة و أنا طالع عيني و مش عارف أحل مشكلتي ازاي يبقى جنان لما تدوسي على كل حاجة بيني و بينك عشان حضرتك عاوزة بس تطلقي يبقى دا عين الجنان يا هالة 


غادر أدهم الشقة و هي تركض خلفه كي تلحق به و تجبره على المواجهة لكنه لم يمتثل لأوامرها تلك 

و صفع الباب خلفه بقوةً، فتحته و قالت بوعيد

- ماشي يا أدهم و الله العظيم ما هاسيبك 


صفعت الباب وجلست خلفه ضامة ساقيها أمام صدرها ظلت تبكي حتى كادت أن تفقد وعيها 

مر اليوم و لم يأتي أدهم و لا تعرف أين هو، كانت حائرة لا تعرف ماذا تفعل تخبر أخيها أم لا فإن أخيرته سيقف بجانبه كما يفعل دائمًا 

حاولت أن تصل إليه و لكن دون جدوى، ظلت

تجوب الردهة ذهابًا إيابًا و عيناها لا تبرح ساعة الحائطة لتجد أن الساعة تجاوزت الخامسة فجرًا و لم يأتي، و بعد مرور عشر دقائق تقريبًا أتى و هو لا يرَ أمامه مازال لم يتحدث معها تجاهلها متجاوزًا إياها، ولج المرحاض ثم خرج بعد أن اغتسل افترش بجسده على السرير، ارخى جفنيه وقبل أن يغط في نومًا عميق سألته بنبرة حادة قائلة:

- كنت فين يا بيه و راجع لي وش الفجر؟!و لا فاكرها وكالة من غير بواب ؟! 

- هالة لمي الدور أنا تعبان و محتاج أنام 


سألته بنبرة ساخرة و قالت:

-هو في دكتور محترم يقول لمي الدور ؟! 


رد على سؤالها بسؤالًا بنبرة لا تقل عن نبرتها و قال:

- و هو في دكتورة عاقلة تتخانق مع جوزها وش الفجر ؟! 


ولها ظهره و قال بهدوء وهو مازال مغمض العينين

-نامي وقول اللهم اغزيك يا شيـ ـطا.ن بدل ما هو راكب راسك كدا 


لم تمتثل لأمره و ظلت جالسة حتى صباح اليوم التالي، كانت الساعة التاسعة صباحًا حين كان واقفًا ينظر لصورته المنعكسة في المرآة يصفف خصلات شعره بأنامله، بينما هي كانت تأكل أناملها من فرط الغيظ، نظر لها و قال بنبرة ساخرة:

- طب و بعدين هتفضلي كدا تأكلي في نفسك كتير ؟! 


لم تعقب على سؤاله شاحت بوجهها بعيدًا عنه 

بينما هو سار تجاهها جلس على جافة الفراش 

و قال بنبرته الحانية:

-متزعليش مني امبارح كنت متعصب اوي مستقبلي كله كان على كف عفريت و اللي بنيته في سنين هايروح، و أنتِ بدل ما تطمنيني بتطلبي مني الطلاق بقى وحياتك دا كان وقته امبارح ؟! 


داعب خديها و قال بإبتسامة واسعة:

- فين إبتسامة لولو القمر اللي بتنور يومي ؟! 


ابتسمت رغمًا عنها لتقنعه بأنها مررت الموقف على خير، اليوم ستثبت لأخيه و للجميع أن أدهم خائن و الدليل الشقة التي يقضي فيها الثلاث ساعات الأخيرة من الليل يومًا.


بعد مرور ساعة تقريبًا 


وصل أدهم إلى تلك البناية التي يتردد عليها بشكلٍ يومي، كانت جالسة في سيارة الأجرة 

حين لوح بيده لحارس العقار الذي على ما يبدو أنه يعرفه جيدًا، دفعت النقود ثم ترجلت من السيارة متجهة نحو البناية انتظرت المصعد حتى توقف في الطابق السابع، ما هي إلا ثوانٍ و طلبت المصعد ولجته وضغطت على نفس الطابق الذي صعد فيه زوجها، نبضات قلبها تتسارع جميع شكوكها ستُصبح حقيقة الآن، الطابق مكون من شقة واحدة و هذا سهل عليها الأمر كثيرًا، قرعت الناقوس 

بعنف حتى فتح لها أدهم و حاول رسم الدهشة و الذهول على وجهه، تمتم بجدية مصطنعة و قال:

- هـ ا هالة ؟! أنتِ عرفتي المكان دا ازاي؟!! 


تجاوزته و هي تدفعه بعنف سارت مندفعة تجاه إحدى ادغرف بحثت في كل مكان و لم تجدها خرجت له مرة أخرى و قالت:

- هي فين ؟ 


سألها بنبرة متعجبة و قال:

- هي مين ؟! 


أجابته بعصبية:

- مراتك التانية فين ؟! 


رد أدهم بتفهم و قال:

- اه مش تقولي كدا من الاول يا شيخة خضتيني 


سار تجاهها عانق أنامله بأناملها و قال:

- تعالي معايا و أنا اخليكم تتعرفوا على بعض 


كادت أن تفلت يدها من يده لكنه قبض عليها بقوة حتى توقف عن أحدى الغرف دس يده في جيب بنطاله و قال:

- المفروض كنت عرفتك عليها من بدري وجبتك بس مشكلة وفرتي عليا حق الأجرة 


دفعته في كتفه و قالت من بين أسنانها:

- و كمان ليك نفس تهزر ؟! 


دفعها من خصرها و قال بنبرة ساخرة:

-اقرئي دا لو بتعرفي يعني يا دكتورة ؟! 


نظرت للوحة معدنية كبيرة دون عليها اسم زوجها تمتمت بخفوت قائلة:

-الدكتور أدهم أحمد الشرقاوي أخصائي النسا والتوليد و استشاري المناظير 


نظرت له و قالت بإبتسامة واسعة:

- دي عيادتك الجديدة يا حبيبي ؟! 


أومأ لها برأسه و قال:

-هي صغيرة بس تكفي الغرض 

- مبروك يا حبيـ....


ردت مقاطعة مباركتها قائلة:

- بس و أنا أعرف منين إن دي عيادتك فعلًا مش شقتك الجديدة اللي هتتجوز فيها بنت عمك ؟!!


ردت أدهم بنبرة مغتاظة و قال:

-هو أنتِ مستخسرة فيا كلمة حبيبي هو أنا للدرجة مش واثقة فيا .


لم تعقب على سؤاله بينما هو حاوط ظهرها مسندًا بذقنه على كتفها و قال:

- طب أنا بقالي معاكي ست شهور في الست شهور دي عمرك شوفتيني ببص لواحدة غيرك ؟! 


كادت أن ترد لكنه قاطعها قائلًا بسعادة:

- شفتِ اومال إيه بقى دا أنا حتى ملاك بجناحات 


نظرت له وقالت بنبرة مغتاظة:

- إيه الثقة اللي أنت فيها دي منين ؟! 

- منك يا روحي 

- متبقاش تثق فيا تاني 


ضحك علي حديثها و راح يقول بتذكر:

- قولي لي صحيح يا روحي هو إيه التخفي العظيم اللي عملتي دا ؟ يعني مش تخلي التاكسي يبعد إن شاء الله متر عشان ما شوفكيش ؟! 

- أنت شوفتني ؟! 

- دي مصر كلها شافتك ياروحي و الصراحة كنت ميت على روحي من الضحك على التخفي العظيم بتاعك 


ضحكا الثنائي الجميل و ذابت الخلافات بينهما كالعادة كما أن عادت الحياة لمجرها الطبيعي 

انشغل أدهم على مدار ستة أشهر كاملة في إثبات نفسه أمام امبراطوية عمه الذي كان يريده نسخة منه، ساعدته هالة في بناء مستقبله من جديد، على الرغم من فكرة العودة إلى المانيا مازالت مسيطرة عليه بشكلٍ كبير يا ليتها توافق.


*******


في مساء أحد الأيام 


كانت واقفة مع أخيه في ردهة المشفى في انتظار مولده الثاني، كانت تشعر بالغثيان الشديد و ماهي إلا دقائق و بدأ سائل دافئ ينساب على فخذيها، جلست جوار والدتها و أخبرتها بخفوت فردت والدتها قائلة:

- لا متاخديش مسكن اصبري دلوقتس ننزل نشوف دكتورة 


ردت هالة و قالت بحزنٍ دفين :

- على إيه يعني ياماما ما هو امبارح كان معادها فاكيد جت أنا هنزل اخد مسكن عشان أقدر اكمل اليوم 


لم تستطع السيطرة علي ابنتها ما إن تر كت والدتها انسابت دموعها على خديها، مرت على الطبيبة المتخصصة و قالت بهدوء بعد أن تحكمت في نبرة صوتها المرتعشة:

- هو احم هو أنا المفروض كان معادها امبارح بس مجتش و النهاردا حصلي وجع شديد في بطني و ضهري و بعدها حسيت بيها 


نظرت الطبيبة و قالت بهدوء:

-أنتِ متجوزة بقالك قد إيه ؟! 


ردت هالة و قالت بيضق لتعرضها لمثل هذه التساؤلات :

- أنا مش جاية اتعالج 


تابعت بجدية:

- أنا جوزي دكتور نسا وتوليد، أنا جوزي الدكتور أدهم أحمد الشرقاوي لو حضرتك تعرفي 

- طبعًا أعرفه عز المعرفة دا كان زميلي في الكلية 


تابعت بهدوء قائلة:

-أنتِ جاية عاوزة تعرفي الحمل اتأخر ليه ؟! 

- لا 


ردت الطبيبة و قالت بنبرة حائرة:

- مدام هالة أنا حقيقي مش عارفة حضرتك جاية ليه ؟! ياريت تعرفيني 

- أنا كنت متجوزة قبل كدا و محصلش حمل و لا مرة حملت و لا مرة اتأخرت عليا دايما بتيجي في معاده بالكتير بتيجي متأخرة يوم واحد بس زي كدا فأنا كنت حابة بس اخد مسكن و أشوف الوجع الشديد دا سببه إيه 


أومأت الطبيبة بتفهم و قالت:

-طب اتفضلي اقعدي على السرير عشان نشوف الرحم أخباره إيه ؟! 


جلست الطبيبة على المقعد أمام الشاشة وبدأ تحرك الأشعة يمينًا و يسارًا، كانت هالة عيناها معلقتان على الشاشة لا تفهم شيئًا لكنها في انتظار تفسير الطبيب، نظرت الطبيبة لها و قالت:

- هو أنتِ متجوزة بقالك قد إيه ؟! 


ردت هالة بنبرة متوجسة:

- سنة و شهرين 


حركت الطبيبة رأسها علامة الإيجاب و تابعت كشفها حتى سألتها هالة بتوجس 

- خير يا دكتور الرحم في حاجة ؟! 


نظرت الطبيبة لها و قالت بجدية:

- هو في حاجة بس مش قادرة أتاكد منها اوي بس خليني دلوقتي اسألك سؤال و بعدها ليكي طبعًا حرية القرار 

- خير يا دكتور ؟! قلقتيني 

- أنتِ مؤمنة بالله و عارفة إن أي حاجة ربنا بيجيبها خير

- طبعًا و الحمد لله على كل حاجة، خير يادكتورة


ردت الطبيبة و هي تقف عن المقعد ثم أشارت لها بالقيام، جلست خلف مكتبها و بدأت تدون لها بعض العقاقير الطبيبة، جلست هالة امامها لا تعرف مالذي تتدونه لها حتى قالت بإبتسامة واسعة:

- أنتِ متأكدة إن هي غيابة عن معادها يوم واحد بس ؟ 


ردت هالة بضيق من كثرة تساؤلات ادطبيبة و قالت:

- دكتورة هو في إيه بالظبط ؟ أنا مش فاهمة إيه كل الاسئلة دي ؟! 


ردت الطبيبة و قالت:

- مبروك يا هالة أنتِ حامل في تمن أسابيع بالظبط و داخلة على الأسبوع التاسع 


تمن أسابيع ازاي ؟! دكتورة حضرتك بتقولي إيه إذا كان الشهر اللي فات كانت عليـ....


أردفت هالة عبارتها المتعجبة و هي تتحدث بعدم استعياب، طرقت ثم ولج بعدها أدهم 

وقفت الطبيبة تصافحه بينما حاولت هالة أن لا تخبره بما لكن الطبيبة تسرعت و اخبرته قائلة:

- مبروك يا دكتور و ربنا يقومها لك بالسلامة 


عقد أدهم ما بين حاجبيه و قال بإبتسامة واسعة:

-هي مين ؟! 

-هو فين إيه يا جماعة كبكم مش مصدقين كدا ليه مبروك دكتور أدهم مدام هالة حامل في أسبوعها التامن و قربت تدخل على التاسع كمان 


نظرت هالة لأدهم و قالت من بين دموعها وهي تنظر لزوجها و قالت:

- أدهم هي تقصد هالة مين ؟!هالة دي اللي هي أنا ؟! أنا هابقى أم أدهم هي بتتكلم عليا أنا ؟! 


انقلب حاله و تزحامت أفكاره، ظل يهدأ من روعها حتى يعرف ما قالته الطبيبة منذ الدقائقهل حقيقة أم لا، أعطته ورقة من اللون الأبيض و الأسود بها صورة جنين في أسبوعه الثامن تحديدًا، أشارت الطبيبة بالقلم و قالت 

-هو أنا لسه مش متأكدة اوي بس الواضح كدا و الله اعلم في جنين تاني الحمل لسه ضعيف عشان مش ظاهر بأمر الله هنتأكد بعد أسبوعين تكون الدنيا أحسن مبروك مرة تانيـ....


قاطعة مباركتها و هي ترَ بأعين ذاهلة سقوط هالة فاقدة للوعي، لم تتحمل هالة هذا الكم من المفاجآت تم نقلها لغرفة عادية بعد أن عمل اللازم لها، علم الجميع بخبر حملها عمت السعادة على العائلة بينما كان أدهم في عالمًا و أخير'ا بعد طول إنتظار تحققت أمنتيه، كفكف دموعه للمرة التي فشل في عدها.


أدهم أدهم 


نادته بنبرة خافتة استدار بجسده كله لها، جلس على حافة الفراش تناول كفها بين راختيها و قال:

- قلب أدهم و عيونه و دنيته كلها 


ابتسمت تلقائيًا لتذكرها ما حدث تحسست باطنها و قالت:

- أنا حامل يا أدهم أنا طلعت بخلف و هبقى أم قريب أنا مش بحلم مش كدا ؟! 


طبع قُبلة حانية على كفها و قال:

- لا يا روحي مش بتحلمي و حقيقة،ربنا كريم و قادر على كل شئ، ربنا خيب ظن ناس كتير قوي كانت كانت


امتنع عن الكلام كي لا يجرح حبيبته بكلمات 

رغمًا تفوه بها و لأول مرة منذ سنة و أكثر 

عقدت ما بين حاجبيها و قالت بنبرة متسائلة:

- قصدك إيه ؟! 


كفكف دموعه و قال باسمًا:

- و لا حاجة يا حبيبي سيبك من الناس و كلامها و الدنيا كلها خلينا فرحتنا الحلوة دي 


سألته بإبتسامة باهتة قائلة:

- عمك كان بيقلك إني عمري ما هاخلف و لا أكون أم صح ؟! 


أومأ لها برأسه علامة الإيجابثم قال بنبرة متحشرجة إثر البكاء

- آخر مرة شفته فيها كانت يوم ما اتخانقت أنا وأنتِ كان بيحاربني بأي طريقة عشان أرجع له و أبقى تحت جناحه، وقف ضدي و مبقتش عارف اشتغل في مصر سبت له البلد كلها و سافرت أختي كانت فاهمة إن دي رغبة مني 


نظر لها أدهم و قال بأعين مليئة بالدموع

-بس الحقيقة هي إن مكنتش عارف اشتغل في مصر شغل خاص بيا كل ما افتح عيادة يقفلها بطُرقه الملتوية، كرهت البلد باللي فيها 

قررت أسافر عشان أعرف اجهز أختي بقيت ادعي ربنا يسترها معايا و أعرف اخلص جهازها و متحسش بأي حاجة أول ما ليالي اتجوزت اتشاهدت حسيت إن حِمل و راح من على قلبي، بقيت اقول لنفسي حتى لو مشتغلتش خالص مش مشكلة اهو بقيت بطولي و هعرف اشيل نفسي


تناول كفها بين راحتيه و قال بنبرة حانية و هو يطبع على ظهر يدها قبلة ناعمة:

- بس أنتِ جيتي خطفتيني و بقيت زي المجنون عاوز أأقرب بس ببعد عشان مش عارف حتى تمن أكلتي الإسم دكتور و الفعل عمي ماسكني من روحي و مضيق عليا كل الطرق و السكك و كأنه حوت بالع كل النلس في بطنه 


قلت لنفسي ما تسافر تاني يا أدهم و اعملك القرشين و تعال اتجوز و لا خدها و سفروا إيه المشكلة ما كتير بيعمل كدا عادي يعني !!


تنهد بعمق و قال :

- إصرارك على وجودك هنا في مصر خلاني مش عارف ارجع تاني المانيا و لا عارف اعيش هنا كل خطوة يظهر لي عمي و يبوظها لي 

يا كدا يا اتجوز و ادير كل اعماله، رفضت 


نظر لها و قال بقهرٍ و حسرة:

- عايرني ! تخيلي لما قلته سبني اشوف حياتي و اسافر و ابني مستقبلي زي ما أنت ما عملت قالي إيه ؟ 


ردت هالة بنبرة متعاطفة قائلة:

- إيه ؟ 

- قالي هتعمل لمين لما مراتك عقيـ.. 


لم يُكمل حديثه و قال بنبرة مختقنة:

- سيبك من كل دا خلاص بقى 


ابتسم له وقالت:

-مراتك مش هتخلف و لا ليها في الخلفة أصلًا و إنها تحمد ربنا لأنك متجوزها تقبل ترفض مش حقها و إنك مهما عملت عشان تخلف مش ها تخلف مش كدا ؟! 


عقد أدهم ما بين حاجبيه و قال:

- و أنتِ عرفتي ازاي ؟! 


ردت باسمة قائلة: 

- لا أبدًا أصله جالي مخصوص و قالي نفس الكلام و قالي لو بحبك بجد اسيبك تتجوز اللي تجيب لك اللي يشيل اسمك بدل ما أنا مليش لازمة 


عمي جه البيت و قالك الكلام دا يا هالة و أنا آخر من يعلم ؟! 


أردف أدهم عبارته الغاضبة و هو يتابع عيناها التي لا تبرح خاصته، تحسست خده و قالت بإبتسامة واسعة:

- سيبك جه إمتى و سيبك من كل دا كفاية عليا فرحتك و عوض ربنا لينا 


تابعت بسعادة غامرة و هي تضع يدها على باطنها و قالت: 

- دا طلع عوض ربنا جميل قوي يا أدهم 

- و هو دا اللي كنته بقوله لك يا هالة اصبري و كل حاجه بتتمنيها ها تتحقق 


ردت هالة قائلة:

- ايوة بس الأمنية دي اتحققت متأخرة قوي يا أدهم 


نظر لها نظراتٍ معاتبة ثم قال بعقلانية:

- مافيش حاجة ملهاش زمان و مكان و ربنا كاتب لك تخلفي بس مني، حكمة ربنا في تأخير حملك هي إن مكنش ولا أب من اللي اتجوزتيهم هو الشخص المناسب


تابع بتساؤل و هو يمرر ظهر يده على خدها و قال :

-طب و حياتي عندك كان ها يبقى حالي إيه لو كنتي خلفتي من حد فيهم و اتحملتي الضرب و الإهانة عشانهم ؟! 


مالت بوجهها على كفه طبعة قبلة ناعمة بالكاد يشعر بها ابتسمت و قالت:

- ربنا يخليك ليا يا حبيبي 


وقف عن مقعده و جلس جوارها و هو يقول بنرته الحانية:

- و يخليكي ليا يا روحي 


لحظاتٍ من الصمت الشديد قبل أن تسأله بفضول قائلة:

- دومي 

- اممم 

- هو ازاي أنا حامل و بينزل عليا د.م مش كدا يبقى غلط البيبي ؟! 


ابتسم على سؤالها و قال بنبرة حانية مطمنئة

- متقلقيش يا حبيبي دا بيحصل في حالات كتير و بيستمر لمدة تلت شهور مثلا و يمكن أقل و دا بيكون زيادة البيبي مش محتاجه


ردت باسمة و هي تقول بنبرة متعجبة 

- أنا ازاي مأخدتش بالي إني حامل لو كنت عملت عمايل 


سألها بنبرة متعجبة و قال:

- يا ستي احنا فيها قولي لي بقى هتعملي إيه 


ابتسمت ملء شدقيها و هي تعد على أصابع اليد قائلة: 

- كنت نمت على ضهر و طلبات حاجات كتيرة زي ما الستات ما بتعمل


تابعت و هي تنظر له قائلة بحماس:

- و طلبت منك أكل في وقت غير أوانه و تقعد تقضي معايا أكبر وقت و أنت بتوعد ابننا على إنك هتبقى احلى أب و هاتبطل عصبية عشان مايطلعش زيك عصبي و توصي عليا و تقول لأبننا إنـ...


بترت حديثها ثم نظرت له و هي تقول بإبتسامة واسعة من بين دموعها:

- أنا بقيت بقول ابننا يا أدهم ؟! أنا حامل و هبقى أم 


لم يعقب على حديثها الذي لم تمل منه اليوم و الذي على ما يبدو أنها لن تنتهي منه حتى ينتهي الحمل نفسه لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها .


بعد مرور شهرًا كاملًا 


كانت واقفة تنظر لصورتها المنعكسة في المرآة 

تتحسس باطنها و هي تقول بإحباط:

- هي بطني مش راضية تكبر ليه ؟! مع إن بأكل كتير ؟!!


رد أدهم و قال بنبرة وهو يعقد رابطة عنقه و قال:

- يا روحي أنتِ لسه في بداية التالت و لسه قدام شوية متستعجليش بكرا بطنك تكبر و تبقي شبه الكورة 


زفرت ما برائتيها و قالت:

-إمتى بقى بجد إمتى؟! 


التقط معطفه و قال بنبرة حانية وهو يقبل رأسها:

- متقلقيش يا روحي قريب إن شاء الله يلا باي بقى عشان اتأخرت 


ردت بتذكر قائلة:

- هات أكل معاك عشان مش هعمل أكل 


وضعت يدها على باطنها و قالت بإبتسامة واسعة: 

- حامل بقى 


القى قبلة في الهواء و هو يؤمى برأسه علامة الموافقة فهو ليس لديه أي حلًا آخر، لقد فرغت هالة طاقة العشر سنوات من الحرمان دفعة واحدة، لم يكل و لن يمل و لكن أن تمنتع عن حقوق الشرعية خوفًا على حملها هذا أكثر ما أزعجه حقًا خلال الفترة الماضية، بعد أن قرأت نصف المقالات التي كتبت عن الحمل 

و هي قررت أن تسمح له أخيرًا .


******


بعد مرور يومان 


كانت في مكتبه تجذبه من يده تجاه سرير الكشف و تقول برجاء 

- خليك جدع بقى يا دومي 


رد أدهم و قال بتعب و إرهاق 

- دومك تعبان و هلكان و أنتِ يا هالة لسه عاملة سونار امبارح و كدا غلط يا ر'حي المفروض كل أسبوعين و في الشهور الأخيرة مرة في الأسبوع أنتِ بقى غير الناس عاوزة كل يوم ؟! 


ردت بتوسل و هي تقترب محاوط يدها حول رقبته قائلة بنبرة ناعمة:

- عاوزة أشوف ابننا يا دومي و اسمع النبض تاني 


رفعت عويناته الطبية ولكنه قرر أن يعكس دفة الحوار و هو يجبرها على الخروج من غرفة المكتب و قال:

- تعالي بقى لما احكي لك زمان كانوا بيطمنوا على البيبي ازاي قبل ما يخترعوا السونار اللي واكلة دماغي بي .


دفعها برفق للخارج رغم تذمرها لكنه نجح في مغادرة العيادة، منذ أن علمت بأنها تحمل داخل أحشائها طفلين و ليس طفلًا واحدًا 

تريد أن تشاهدهما ليلًا نهارًا .


بعد مرور أشهر الحمل كاملة على خير 

وضعت هالة توأمها أنثى و ذكر، اسمتهما 

كارما و كرم، جلس أدهم على حافة الفراش يطالعهما بأعين مليئة بالفرحة و السعادةثم قال:

-بس كارما صغنونة قوي كدا ليه ؟! 


ردت والدة هالة قائلة بإبتسامة واسعة:

- الحمد لله إنها قامت بالسلامة الصغير بكرا يكبر يتربوا في عزك يا حبيبي 


جذبت هالة يد أدهم و قالت بنبرة متعبة:

- هما شبه مين يا أدهم؟! 

- شبهك يا روحي 


رد إبراهيم و هو يحمل صغيره الثاني الذي تجاوز العام بأشهر قليلة 

- شبه مين يا عم دا أنا أختي أحلى دول شبهك أنت يا أدهم 


ردت ليالي و قالت بإبتسامة واسعة وهي تلكزه كتفه قائلة:

- لا ياحبيبي اخويا أحلى 


ردت والدة هالة و قالت بنبرة ساخرة:

- دلوقتي اخوكي بقى أحلى ماهو كان بيقول على ولادك البدع وكان بينك و بينه مصانع الحداد و مستحلفة له تردي حق ولادك يوم هالة ما تولد ؟! 


ردت ليالي بجدية مصطنعة: 

- لا يا يا طنط ماهو اخويا بردو و مبحبش أبدًا يقول عنه كلمة وحشة 


ضحك إبراهيم و قال بسخرية:

- اللي بتقلك أخوها دي اخوها اشترى سكوتها بعربية و قطر لسه نازلين جداد لعيالها ووعدها بفانوس رمضان ليها قبل عيالها فـ تلاقيها في النفاق مش كدا 


ضحك الجميع على كلمات إبراهيم بينما عبست ليالي بملامحها و هي تنظر لزوجها الذي حاوط كتفها ضامها إليه و قال بجدية مصطنعة:

- بس يا عيال دي لولو العسل كله ومتعرفش تنافق 


رفعت هالة بصرها لزوجها و قالت:

- هما حلوين يا أدهم 


رد أدهم وهو يحملهما و قال بإبتسامة واسعة: 

- حلوين وحشين كفاية إنهم منك.


اغروقت عيناها بالدموع و هي تنظر إليهم، ابتسم لهما و قالت بنبرة مرتشعة إثر البكاء 

- اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك، وعدك حق يارب.


******

بعد مرور عام كامل 

كانت هالة جالسة مع أولادها في غرفة الألعاب خاصتهم، تلهو و تشاركهما معظم اوقاتهما في اللعب حتى الآن لم يرأهم أحدًا من الأصدقاء و المعارف تخشى أن تصيبهما العين و تقهر هي فيها لم يمانع أدهم علي تعليماتها الصارمة 

بالأحرى لا يقوَ أن يفعلها من الأساس، كان صغيرها يبعد عن شقيقته ليعرف ان يستمتع بالعابه بعيدًا عنها، بينما كانت الصغيرة تتذمر 

من أفعاله تلك، بدأت المشاجرة بينهما كالعادة 

حتى تتدخلت هالة لفض النزاع قائلة بجدية:

- كارما كدا غلط دا أخوكي حبيبك يلا العبـ....


قاطعها صوت رنين المنزل تعجبت و هي تنظر لساعة الحائط تمتمت و هي تسأل حالها بخفوت 

- غريبة دا مش معاد رجوع أدهم ؟! 


تابعت بتحذير لأولادها قائلة:

- العبوا هنا و محدش يعمل صوت خالص ماشي 


خرجت من غرفتهما متجه نحو باب الشقة 

نظرت من العين السحرية وجدت أخيها و زوجته و أولاده، فتحت و الإبتسامة تزين ثغرها قائلة:

- حبايبي الحلوين وحشتوني 


اختفت الإبتسامة من على ثغر أخيها و قال:

- طب قولي إني وحشتك معاهم عشان مراتي متقعدش تذل فيا في الرايحة و الجاية 


تجاوزها و هو يلج غرفة الالعاب مع أولاده و قال:

- جهزوا الغدا عشان جعان 


ما إن فتح باب الغرفة دوى صياح الأطفال ليندمج معهم إبراهيم و كأنه طفلًا، نزع عنه معطف حلته و رفع أكمام قميصه الأبيض ليبدأ معركة جديدة مع العاب الجديدة ابتاعها لهما 


على الجانب الآخر من نفس الشقة 

كانت ليالي تقطع الخضروات و هي تعاتب هالة قائلة:

- ملكيش حق بردو يا هالة هو يعني أدهم هايحسد عياله دا حتى أبوهم ماينفعش كدا يا روحي مش كل ما يقول حاجة عنهم تكسفي 


ردت هالة قائلة:

- مش قصدي و الله يا ليالي بس أنتِ متعرفيش أنا ببقى مرعوبة عليهم ازاي أنا نفسي بخاف عليهم من عيني 

- يا حبيبتي سيبك من الكلام دا و سيبها على الله هو الحارس 

-و نعم بالله 


تابعت بتذكر قائلة:

- صحيح جبتي الهدية اللي قلت لك عليها عشان أدهم ؟! 

- اه يا حبيبتي جبتها 


تابعت هالة بنبرة حزينة:

- تعرفي يا ياليالي أنا مقصرة في حق أدهم قوي و مع ذلك هو ماشتكاش أنا حاسة بي بس هعمل إيه بس أنا وقتي كله مع الولاد 


ردت ليالي و قالت:

- رتبي وقتك عندك أنا مثلا لما لاقيت إن شغلي هايجي على مسؤولية ولادي أخدت إجازة طويلة و لما حصلت مشاكل كبيرة بين عمي و أدهم و طرد اخويا قمت قدمت استقالتي و قلت الشغل اللي يجي علي اخويا وولادي مش عاوزاه جه اخوكي بعدها أجر لي شقة عشان اعملها عيادة من حاولي شهرين 

لاقيت نفسي بهمل في إبراهيم وولادي عشان ابني العيادة ولادي بيتعبوا وأنا مش جنبهم 


ردت هالة قائلة بعتاب :

- اخس عليكي يا ليالي وهو أنا ولا ماما كنا بنقصر معاهم و لا حتى إبراهيم ؟!


نظرت ليالي لها و قالت بهدوء:

- يا حبيبتي محدش فيكم قصر و أنا مقولتش دا بس عيالي يتعبوا و أنا موجودة يبقى مستحقش أبقى أم يا هالة .


في المساء 


بعد أن غادر إبراهيم و عائلته و غفى الأطفال في سباتٍ عميق، جلس أدهم يحتسي قدح القهوة في هدوءٍ تام، كان يتابع التلفاز بإهتنام شديد رغم خفض صوته بناءً على تعليمات هالة، خرجت من غرفتها في كامل زينتها 

و لأول مرة منذ قترةً طويلة، حاول تجاهل هذا الجمال لكن بحركاتها و غنجها نجحت و بجدارة في هزمه، جلست جواره و قالت بخفوت 

- هو أنت مش المفروض عندك شغل بكرا ؟! 


رد يإبتسامة سمجة وقال:

- لا بكرا الجمعة 


ابتسمت له و قالت بنغج بالغ:

- طب بما إن النهاردا الخميس و بكرا الجمعة مبيفكرش بحاجة ؟! 


رد بنفس الإبتسامة وقال:

- لا مبفكرش 

- طب افكر لك أنا 

- لا تفكيرك وحش 


تنهدت بعصبية مفرطة و هي تقف عن الاريكة و قالت:

- طب على العموم بقى النهاردا عيد ميلادك و أنا كنت ناوية اعملك مفاجأة بس أنت طلعت متستاهلش و كل سنة و أنت طيب و عن أذنك 


رد أدهم بجدية مصطنعة:

- و لازمتها إيه كل سنة و أنت طيب خديها يا مدام أنا مبحبش حد يتفضل عليا 


وقف عن الأريكة و قال:

- و من غير عن أذنك ها 


ولج حجرته و ما هي إلا ثوانٍ معدودة و تبعته 

احتضنته من الخلف و جميع عبارات الأسف التي تعرفها قالتها دفعة واحدة، لاحت إبتسامة خفيفة على ثغره، التفت لها محاوطًا خصرها بين ذراعيه بينما أعادت رأسها قليلًا للخلف 

همست من بين شفتيها قائلة بحنو و حب:

- كل سنة و أنت حبيبي 


مال بوجهه على وجهها ارتوى من رحيق شفتاها الذي لا يرتوي منه أبدًا، نظر لها و قال بإبتسامة واسعة:

- و أنتِ دنيتي الحلوة و نور عيني 


********

بعد مرور عدة سنوات من السعادة و الشقاء 

تجمعت العائلة في يوم الجمعة من كل أسبوع 

ما دام أدهم و عائلته هنا بمصر، في الأوان الأخيرة قرر السفر إلى المانيا و الاستقرار هناك 

بدلًا من تحكمات عمه الذي لا يهدأ عنه أبدًا .

ولجت كارما التي تجاوزت عامها العاشر بأيام معدودة هزت جسد خالها إبراهيم الذي للتو ارخى جفنيه، الوحيدة من بين أفراد العائلة 

التي لها هذا الحق حتى ليالي نفسها لا تملك هذا الحق، وقفت أمامه و نير ان الغيظ تأكل قلبها من أفعال ابنه، فتح جفنيه بتثاقل متسائلًا بنبرة تملؤها النعاس:

- في إيه يا كوكي ؟! 

- قوم شوف ابنك دي 


اعتدل إبراهيم في جلسته و الإبتسامة تكشف عن نواجزه تسأل في جدية مصطنعة قائلًا:

- ماله و مالك اللي مابيفهمش اللي اسمه أنس دا ؟! 

-عاوزنا نروح شرم و أنا عاوزة أروح أسوان 


حك إبراهيم مؤخرة رأسه و قال بجدية 

- و طبعًا عاوزة حكم محكمة مش كدا ؟ 

- اه قوم يلا 


بعد مرور دقائق 

جلس إبراهيم على المقعدة و انقسمت الأحفاد العشرة إلى مجموعتين، نظر أنس لأبيه الذي تجاوز الثانية عشر من عمره بأشهر قليلة و قال:

- كل واحد فينا هايقول أسبابه والدوافع اللي خلته عاوز يروح المكان بتاعه و بعدها يصدر حكم المحكمة بعد إجماع رأي الأغلبية زي ما متعودين 


رد إبراهيم بتفهم و قال بجدية مصطنعة

- مافيش مشكلة و أنا الحمد لله معروف بالنزاهة و الشفافية 


رد أنس ساخرًا من جملة أبيه 

- طبعًا طبعًا 


وقف أنس يترافع و كأنه محام له عدة أعوام 

ظلت جدته تمتم بالبسملة عليه و على لسانه الفصيح الذي لم يخطئ في حرفًا واحد.

ابتسمت والدته و قلبها يتراقص طربا على ذاك الصغير الذي يشوبه والده حد التطابق في كل شئ انتهت المرافعة و صفق له الجميع و على رأسهم الجدة و هي تقول 

- ياختي اسم الله عليك طالع لأبوك عقبال ما أشوفك وكيل نيابة يارب 


رد إبراهيم بجدية قائلًا :

- عندك غلطتين ياريت ناخد بالنا بعد كدا يا أنس 


وقف أنس و قال بعتذار:

- عذرًا سيدي القاضي و لكن ربما لأني مازلت أشعر بالتعب 


وقفت كارما عن مقعدها متجه نحو خالها، تنحنت ثم قالت بصوتها الرقيق.

- سيدي الكاضي 


ضحكت الأطفال عدا إبراهيم الذي نظر لها بعتابٍ بينما رد أنس مصححًا لها قائلًا:

-اسمها سيدي القاضي بالقاف مش الكاف 


أخرجت لسانها وقالت بلكنة شبه مصرية لكنها حاولت قدر المستطاع التحدث بها كي لا يسخر منها:

- مسألكيش أنتِ


ضحك أنس و انضم له أخوته، و اخوتها، نظرت لخالها الذي هدر بصوت عال نسبيًا و قال بجدية مصطنعة:

- محكمة 


التزم الجميع الصمت و بدأت هي تُكمل مرافعتها قائلة:

- سيدي القاضي حضرات السادة المستشوارين 


ضحك أنس بقوة و هو يردد كلماتها الركيكة و متسائلًا:

- مستشوارين ازاي يعني كانوا  بيعملوا استشوار ؟! 


دبت قدماها أرضًا بينما تابع إبراهيم قائلًا بتغزل :

- متزعلش نفسك يا جميل قول اللي يعجبك كمل و أنا سامعك بقلبي قبل قلب المحكمة 


تابعت كارما بإبتسامة واسعة و غنج:

- يرضيك يا قاضي نروح شرم في الشتا بدل ما نروح اسوان ؟! و تخلف بوعدك ليا ؟! 


لطم كرم بيده على وجهه و همس بالقرب من أنس قائلًا:

- أختي كسبتي القضية خلاص


رد أنس قائلًا:

- متقلقش أنا بقالي تلت أيام بحضر في المرافعة دي و إن شاء الله ربنا ينصرنا و بعدين القاضي عنده نزاهة متقلقش 

- أنت شايف كدا ؟! 

- اه 

- طب أشرب بقى 


رد إبراهيم على سؤالها و هو يراقص حاجبيه 

- لا طبعًا مايرضنيش يا جميلة المانيا 


تنهدت كارما ثم قالت بنبرة غنجة:

- و أنا التمس من عدالة المحكمة إنها تبص لنا بقلبها و توافق على طلباتنا 


رد إبراهيم و قال باسمًا:

- أنتِ تلتمسي قلب المحكمة و قلبي أنا كمان يا جميل 


وقف أنس و قال باعتراض:

- أنا اعترض يا سيدي القاضي 


رد إبراهيم و قال:

- اعتراض مرفوض و اهمد بقى و اقعد عشان هناخد برأي الأغلبية 


تابع بجدية قائلًا:

-اللي موافق يروح شرم يرفع إيده و اللي موافق يروح الاقصر واسوان يرفع 

ايده 


رفعت العائلة باكملها أيدهم متضامنين مع أنس نظر لهما و قال بإنتصار 

- عاش يا رجالة 


عبست ملامح كارما لخسارتها القضية، رد إبراهيم و قال بجدية مصطنعة:

- حكمت المحكمة حضوريًا و بإجماع الآراء السفر إلى مدينة الأقصر 


صاح الجميع معارضًا بينما ردد إبراهيم و قال:

- اعترضك مرفوض يا أنس باشا أنتوا عددكم تسعة و أنا وكارما حداشر 

- ازاي يعني يا بابا ؟! 

- هي واحدة و أنا عشرة و لا أنا قليل في البلد ؟! 


ردت الجدة بجدية مصطنعة و هي ترفع ذراعيها للأعلى قائلة:

- لو أنت بتحسبها كدا يا قاضي يبقى أنا كمان مش قليلة في البلدة و لا إيه يا هيما ؟! 


رد إبراهيم قائلًا بعتذر لابنة أخته:

- معلش بقى يا كوكي الحكومة حكمت 


تابع بجدية و هو يطرق على سطح المنضدة الزجاجي و قال:

- حكمت المحكمة حضوريًا بالسفر إلى شرم الشيخ عشرة أيام و محافظة الاقصر واسوان عشرة أيام رفعت الجلسة .


عمت الفرحة في المكان مع صياح الصغار و على رأسهم أنس الذي انتصر في النهاية، ركض الاطفال نحو إبراهيم مرددين كلمات أنس بسعادة غامرة:

- يعيش إبراهيم باشا 


التف الأطفال حوله و حاولوا التعبير عن فرحتهم قدر استطاعتهم، رؤية هذا البيت هكذا هذا هو الحلم الذي طال تحقيقه لدى الجدة و ها هو يتحقق بعد سنواتٍ عجاف 

كل ما تريده من هذه الحياة الآن هو أن ينعم ابنائها و أحفادها بحياة هادئة خالية من الحزن 

و التعب .


بعد مرور عامين 

تجمعت الغائلة في منزل هالة و أدهم لحفل عيد الميلاد، انجبت ثلاثة أطفال بعد توأمها الأول آخرهما أحمد تيمننًا بإسم والد زوجها 

أتمم عامه الثالث، التف الجميع حول المائدة 

يرددون الأغاني الخاصة بهذه المناسبة .


وقف الصغير بين والديه و السعادة ترتسم علي ثغره، اطفى الشمع ثم صفق و كذلك الجميع بدأ الأطفال يوزعون الهدايا عليه 

حتى أتى دور كارما طبعت قبلة ناعمة على خده ووضعت هديتها بين يده .


بعد مرور ساعة تقريبًا كان أنس يبحث عن أخيه الصغير كي يغادرون، وحده داخل غرفة 

كارما ولج بعفوية و قال بنبرة معاتبة 

- كدا يا ميمو تبهدل اوضتها دي كوكي هاتبهدلك دلوقت تعال يالـ....


قاطع حديثه ما إن سقطت عينه على صندوق من البلاستيك بها مجموعة من الخطابات، قاده فضله يقرأ هذه الاوراق الملونة، التقط واحدًا منهم و قام بفتحه قرأ ما دونته يدها بأعين ذاهلة ابتسم حتى كشفت الإبتسامة عن نواجزه تناول ورقة أخرى و قرأ جملة واحدة من ثلاثة كلمات فقط فرغ فاه ليردد كلماتها 

بخفوت ....


❤النــــهاية ❤ 


مشهد اضافي


ظل يبحث عنها في كل مكان لم يترك مكانًا إلا و بحث عنها فيه، ولج المرحاض ولم يجدها 

دارت عيناه في المكان حتى وقعت علي غسالة تفتح من الأعلى ذات حجم كبير، خرج من المرحاض ثم عاد سريعًا قام بفتحها و قال بإبتسامة واسعة 

- بتعملي إيه عندك يا حيلتها ؟! 


ابتسمت إبتسامة مزيفة و قالت:

- كنت باخد الغسيل فومين ياباشا ماعندكش غسيل 


قبض أنس على ياقة قميصها الأسود الذي يحاول أن يتذكر متى رَ هذا القميص، ساعدها في الخروج و قال:

- قدامي يا حلوة و أنا هخليكِ تمسحي بلاط القسم بلاطة بلاطة 


حاولت التملص من قبضتاه قائلة:

- مابراحة يا باشا هو أنت كنت مسكت واحدة 

نصابة 


تابعت بفخر و اعتزاز 

- أنا حرامية غسيل و بس 


رد انس وهو ينظر لها بسخرية قائلا:

- ايوة و لما سرقتي ملقتيش إلا أنا وتسرقيني 


ردت قائلة:

- ما هو المثل بيقول إن سرقت اسر ق جمل ياباشا 


وأنا أنس يا خفيفة الظل 


قالها أنس و هو يضرب على مؤخرة رأسه بقوة ترجرج جسدها حاول الحفاظ على توازنها و هي تقول 

- مقبولة منك يا باشا بس خف ايدك الله يرضى عليك و على والديك 


ختمت بغمزة من عيناها و قالت:

- ألا اسم الست الولدة إيه ؟! 

- بتسألي ليه هتطلعي لي بطاقة ؟! قدامي يلا 


دفعها خارج المرحاض مجبرًا إياها على السير لكنها ترتطدم بجسدها يمينًا ويسارًا تأواهت وهي تقول:

- ما براحة يا باشا هو أنت مسكتني مع حد انا كنت مع الغسالة 


وقف أنس عند باب الشقة يتمم على كل شئ 

صدح رنين هاتفه دس يده ليخرجه، ابتسم تلقائيًا ما أن وجد اسمها يضئ شاشته، ضغط على زر الإجابة وقال و هو يبتعد عنها بينما هي مالت بوجها قليلًا لتسترق السمع و تعرف ما يدور فشلت في سماع كلماتها لكن استمتعت لكلماته نظر لها و قال 

: أنتِ لسه عندك بتعملي إيه يابت أنتِ ومنزلتيش ليه مع اللي نزلوا 


ردت لتُلهي عقله عن ما حدث قائلة بجدية مصطنعة:

- الاه ما أنت حلو و بتقول كلام ناعمة اهو اومال معايا ما بشوفش منك الوش دا ليه ياباشا و لا اكمن أنا حرامية غسيل فـ مش قد المقام ؟! 


سار أنس بهدوء مريب تجاهها بينما دارت عيناها في المكان محاولة عدم النظر له قبض على ياقة قميصها اترعبت منه فقالت:

- إيه يا باشا ناوي على إيه ؟! 


رد أنس بنبرة ساخرة و قال 

- عاملة لي فيها الراجل الغامض بسلامته و قلت ماشي بتروحي وتيجي ومخليناني الف حولين نفسي وقلت زي بعضه عيلة و مش فاهمة إنما تبقي هبلة و تبيني دا اهو دا اللي مش قادر افهمه يعني أنتِ حرامية غسيل و قلت يلا اللي جه في بالها وقتها انما تسرقي قميصي يا كارما ؟! و كمان بتواجهيني بي عادي ؟! 


ردت كارما بنبرة متلعثمة قائلًا:

- كارما مين لامؤاخذة أنا اسمي سيدة 


ابتسم لها و قال بنبرة ساخرة

- طب يا سيدة تعالي بقى معايا القسم عشان عندي فومين غسيل و بعدها تنوري الحجز 


 تمت 


تعليقات

التنقل السريع