رواية بين الحب والقانون الفصل الخامس 5 بقلم ايه محمد حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات
رواية بين الحب والقانون الفصل الخامس 5 بقلم ايه محمد حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات
قرب منها أكتر وهمس من جديد "بتشوفيني راجل؟"
سكتت وعد، مش قادرة ترد، وصوت أنفاسها اختلط بدقات قلبها، لفها ومسك دقنها وهو باصص فى عينها قال
"توافقي تتجوزيني؟"
بصّتله وعد في عينه ونبض قلبها أسرع، بعد عنها علي وقال بهدوء:
"بهزر يا وعد… مالك؟"
حركت وعد شعرها لورا بارتباك، فقال علي:
"يعني إنتي عايزة واحد شبهي؟"
ابتسمت وعد ابتسامة خفيفة وقالت:
"معتقدش فيه حد شبهك."
رفع حاجبه باستغراب بسيط:
"ليه؟"
قالت وعد بتلقائية:
"معرفش… يمكن عشان إنت غريب… شخصيتك مختلفة شوية."
سكت علي وهو مركز معاها، ملامحها وصراحتها بتشدّه من غير ما يبين.
قالت وعد:
"دي ميزة مش عيب."
ابتسم ابتسامه خافته وقال:
"عارف… بس لو كان فيه مني اتنين، عائلات كانت هتتد.مر."
استغرب من كلامه، وقبل ما تسأل لقتُه بيطلع القنينة ويشرب منها.
قالت وعد باستغراب:
"فيها إيه؟"
بص علي للأزازة وقال ببرود:
"عصير."
قالت وعد بعدم تصديق:
"عصير؟"
أومأ علي وهو سايبها في حيرتها، وبصّ عليها وسأل فجأة:
"بدران عارف إنك جاية هنا في الوقت ده؟"
هزّت وعد راسها نفيًا وقالت:
"لأ… أنا ضغطت على مالك لحد ما قاللي."
ضيق علي عينه وهو بيردد:
"مالك؟… يعني هو اللي جابك هنا؟"
قالت وعد
"مش بالظبط… بس عرفت العنوان بالتفصيل منه."
اتكأ علي على الكنبة بإيده وسألها بهدوء غامض:
"عملتي إيه يا وعد؟"
وعد قالت
"قولت للحارس يتصل بيه ويقوله إن بابا بعتلك ملف مهم ولازم يجى عشان يوصلُهولك، بس مالك كان ف مشوار مهم، فقاله وصّلهولك إنت… فسأله ع عنوانك طبعًا، فمالك قاله.وانتِ ما سألتيش بدران بيه ليه؟ خلّيته يقول بدران بيه مشغول وقاللي أسلّمهولك إنت… عشان على طول في البيت. بس لو في حاجة، إديني العنوان بسرعة بدل التعطيل."
ابتسم علي ابتسامة صغيرة وهو شايفها بتتكلم زيهم وبتجسد له الموقف كأنها بتمثل مشهد، نظر ليها بتركيز وهي عايشة في تفاصيل كدبتها الصغيرة.
كملت وعد كلامها وهي بتحرك إيدها:
"ومالك إداله العنوان عشان مايحصلش مشكلة… وأنا اللي جيت."
سألها علي وهو بيمد إيده كأنه منتظر:
"تمام… فين الملف؟"
سكتت وعد، عينيها وقعت في عينه وقالت بصوت أوطى:
"منا جيتلك."
اتسعت ابتسامة علي الهادية وقال:
"إنتي قولتي ملف."
ابتسمت وعد بخجل وقالت:
"أنا أفضل من ملف شغل ملوش لازمة… صح ولا إيه يا ضرغامى؟"
بيبصلها علي من الدلع الى ذكرته وكانت بتقولهوله زمان بمعنى انه اسدها القوى، ووعد همست جواها بيتوسل "ما تكسفنيش".
ابتسم علي ابتسامة خفيفة وقال:
"ليه عملتي ده كله؟"
قالت وعد بخجل واضح:
"كنت عايزه أتكلم معاك… وانت قولت إنك مش جاي، فقولت أجيلك أنا."
هز رأسه وقال بنبرة شبه ساخرة:
"متغيرتيش يا وعد… لسه بترمي نفسك في الخ..طر."
قطّبت وعد جبينها وقالت باستغراب:
"خط..ر إيه؟! أنا جيتلك إنت."
سكت علي للحظة، فهو قصد نفسه بالخ..طر عليها، مش أي حد تاني.
قام من مكانه وقال وهو ماشي ناحية السلم:
"هخلي حد من رجالي يوصلك… يلا، متتأخريش."
رفعت وعد عينيها وقالت برجاء طفولي:
"ممكن… أقعد معاك النهارده؟ ونروح سوا بكرة؟"
تنهد علي ببطء وكأنه بيقاوم رغبة جواه، وقال وهو طالع على أوضته:
"اسمعي الكلام يا وعد."
سكتت وعد، ونظراتها متعلقة في ظهره لحد ما دخل أوضته وقفل الباب.
نزلت وهي حاسة بكسر..ة جوه قلبها، خرجت قدام الفيلا لقيت واحد من رجالة علي واقف جنب العربية وقال بهدوء:
"اتفضلي يا هانم."
بصّت فوق ناحية شباك أوضته… لكن مفيش أثر ليه، كأنه انسحب من الدنيا.
اتنهدت وهي زعلانه إن علي ولا حتى ودّعها، اكتفى إنه كلّم السواق يروحها.
ركبت العربية ومشت، وقلبها شايل غصة إنه سابها تمشي كده.
وصلت وعد بيتها… البيت ساكت كعادته، محدش لاحظ إنها غابت، وده الطبيعي.
طلعت على أوضتها، قعدت على السرير والذكريات بدأت تلف في دماغها.
افتكرت علي… عمرها ما حزنت منه، لأنه دايمًا كان كده: صامت، قليل الكلام، وجوده له هيبة مختلفة، وكاريزما عالية حسّتها حتى وهي طفلة صغيرة.
كانت كل مرة تشوفه واقف في صمت، تحس بدافع إنها تقرب وتوقف جنبه، لكنه كان ينسحب فجأة كأنه بيبعدها عنه من غير سبب.
افتكرت أيام زمان لما كان بيتكلم مع كل عيلتها عادي، إلا هي… كان بيتجنب النظر ليها أو الحديث معاها، وهي في براءتها افتكرت إنها زعلته من حاجة، وظلت تتساءل لسنين: "هو ليه بيبعدني؟"
وفاكرة يوم ما ارتكبت أغبى حماقة في حياتها… يوم تسللت لأوضته، مع إنها عارفة محدش يجرؤ يدخلها.
دخلت بخطوات بطيئة، قلبها بيدق بسرعة من رهبة المكان.
شافت محفظته مرمية على المكتب، مدّت إيدها بتردد… فتحتها، ولقت صورة لستة غريبة.
وقبل ما تلحق تشوف ملامحها كويس، الباب اتفتح فجأة.
دخل علي، عيونه ثابتة عليها بنظرة قاسية، صوته طالع بحدة:
"بتعملي إيه هنا؟"
ارتبكت وعد ووقعت المحفظة من إيدها، ولما حاولت توطي تجيبها، نتشها علي بسرعة وهو بيقول بحدة:
– بتلمسي حاجتي ليه؟
اتجمدت مكانها، عينيها مليانة خو..ف ودموع بتلمع فيها، مش عارفة ترد بكلمة.
قال علي بصوت جامد:
– اخرجِي من هنا.
شفايفها احمرت من الخجل، والدمعة نزلت وهي بتجري برّه الأوضة.
علي مسك المحفظة بقبضته، نظر حوالين الأوضة بتركيز، يتأكد إنها ما عبثتش في حاجة تانية، والضيق واضح في ملامحه.
وعد قعدت طول الليل حزينة، حاسة إنها غلطت أكتر، وإن بدل ما تقرّبه منها زعلته أكتر.
بعدها بكام يوم، وهي راجعة من المدرسة، شافته قاعد في الصالة.
وقفت عند الباب بتتأمله، بس أول ما بصلها بسرعة، رجعت وشها بسرعة كأنها خايفة من نظرته.
صوته ناداها فجأة:
– تعالي يا وعد.
دخلت بخطوات بطيئة، عينيها مترددة وهي بتبص له.
قال علي وهو ماسك نفسه من غير ما يوضح مشاعره:
– عايزة إيه؟
قالت وعد بصوت متردد:
– زعلان مني؟
رد علي بجمود وهو بيبعد نظره:
– متقربيش من أي حاجة تخصني… ولا حتى مني أنا.
– يبقى زعلان مني.
سكت علي من غير ما يرد، والصمت كان تقيل بينهم.
وعد نزلت شنطتها على الأرض وبدأت تفتح السوستة، ولما شافته بيقوم يسيبها، مدت إيدها بسرعة ومسكته من كفه.
علي اتجمد مكانه، نظر لها بشدة كأنه عايز يبعدها، لكنه ما عملش كده.
إيدها الصغيرة الرقيقة رجّت قلبه الجامد، واللي طول عمره حاسس إنه ميت… فجأة حس بدفا مختلف، دفا عيلة وحنان وبساطة بريئة ما لمسهاش قبل كده.
ولأول مرة من زمان، عينه اللي كانت بتتهرب منها، ثبتت عليها.
شافت وعد النظرة دي فابتسمت بخجل، وحمرة خفيفة طلعت على خدودها وهي بتحط مصاصة في إيده.
همست بابتسامة طفولية:
– دي عشانك.
فضلت تبصله في انتظار رد، قلبها بيرتعش.
علي بصلها وبص لتوفي اللي كان قاعد جنبهم، وبعدين رجع ببصره لها.
وعد سحبت إيدها بسرعة من إحراج، لكنها اتفاجئت إنه مسكها تاني… المرة دي برفق، ونزل على ركبته قدامها.
رفع راسه ونظر لها وقال بصوت هادي:
– شكراً.
اتسعت ابتسامتها أكتر، وردت بخجل:
– العفو.
وقتها، علي ابتسم ابتسامة خفيفة… ابتسامة بسيطة لكنها قادرة تفضل محفورة في قلب وعد لحد النهارده. ابتسامة حسّت بيها إنها مش أول مرة يتكلموا، بل كأنه يعرفها من زمان… كأنها بنته. يمكن لأن حقيقة إنها ابنة أخوه زرعت جواه المشاعر دي من غير ما يقصد.
من اليوم ده، كان أول حديث حقيقي بينهم… وبعده، مابقاش في نفور زي الأول. علي بقى يكلمها عادي، من غير ما يصدها، بس برضه ماكانش قريب. هو بطبعه مشغول وصامت، وهي بطبعها بتحب تلح وتفضل موجودة… تقترب بخجل، تحاول تسرق منه لحظة أو كلمة. كانت بتحب تقعد معاه حتى لو هو مشغول أو مش مركز معاها.
لحد ما جه اليوم اللي والدها خلاه يسافر عشان الشغل.
لسه فاكرة اللحظة دي كأنها دلوقتي.
كانت واقفة عند الباب، تراقب الحارس وهو بيحط شنطته في العربية. قلبها بيدق بسرعة وهي مستنية… يمكن يلف ويبصلها، يمكن يقول كلمة. لكنه ما التفتش.
جمعت شجاعتها، جريت ناحيته وقالت بخفوت:
– عمي…
التفت علي ليها، نظرها باستغراب هادي:
– مروحتش المدرسة؟
ابتسمت بخجل وقالت:
– هترجع إمتى؟
رد بكلمة واحدة كسرت قلبها:
– معرفش.
قالت وعد بصوت مليان رجاء:
– هتيجي بسرعة، صح؟
بص لها علي بعينه الغامضة وقال بهدوء:
– لما أرجع… هكون شخص تاني.
مافهمتش قصده، لكن عينيها اتكلمت بالنيابة عنها: "هفتقدك."
فاجأها لما مد إيده، وقطف وردة صغيرة من جنب العربية. مدها لها، ولما استقبلتها عينها لمعت وهي شايفاه أخيرًا بيعمل حاجة علشانها.
قال علي بابتسامة خفيفة:
– مع السلامة يا وعد.
ابتسمت من قلبها، خدت الوردة بفرحة طفولية، وباندفاع حضنته:
– متتأخرش…
سكت علي، ماقالش حاجة… بس ربت على كتفها بحنان. وكان ده آخر عناق بينهم. آخر لمسة فضلت محفورة جواها لحد النهارده.
كبرت وعد، بقت شابة، ولسه نفسها تحس بالأمان ده تاني… تحس إنه يتقرب منها زي زمان، يكلمها ويشاركها زي ما كانت بتتمنى. هي عارفة… علي من النوع اللي آخر ما يزهق بيدي اللي قدامه اللي هو عايزه، وبيتكلم لما هو يختار.
رجعت من الذكريات على واقعها، قامت بهدوء فتحت كتاب من الكتب القديمة. لقت الوردة… نفس الوردة اللي علي اداها لها يوم سفره. لحد دلوقتي محتفظة بيها.
ابتسمت وهي تبص عليها، ورفعت تليفونها صورتها، وقالت في سرها:
"هوريهاله… يمكن يفتكر."
تمدّد علي على السرير، مغمض عينه، لكن وش وعد كان لسه قدامه… ضحكتها، نظرتها، وكلامها اللي فضّل يتردّد في ودانه. الإعجاب اللي شافته في عينيها كان واضح… واضح لدرجة إنه حسّ بيه كأنه فرحة طفولية، وفي نفس اللحظة عقاب ليها إنها كشفت اللي جواها.
سأل نفسه في صمت: هي فعلاً شايفاني راجل ممكن يبقى حبيبها؟
قطع شروده صوت إشعار. مد إيده وفتح الموبايل، لقى رسالة منها. صورة كتاب، لكن مش العنوان هو اللي شدّه… كانت صورة وردة محطوطة جواه.
تحتها كاتبة: لسه فاكرها؟
بص للشاشة بثبات، قلبه اتخبط لحظة. مش مصدق إنها محتفظة بوردة بسيطة من الجنينة كل السنين دي. وردة هو نفسه نسيها… لكنها شايفاه ذكرى.
رجع بعقله لأول يوم شافها فيه. كان بطبيعته الصامتة، قليل الكلام، متجنّب الاختلاط بأغلب العيلة. الوحيد اللي كان قريب منه فعلًا هو بدران، أخوه بالمعنى الحرفي… كأنه ظلّه.
أول مرة دخل علي البيت… عيناه كانت بتراقب كل ركن فيه بريبة. لكن قبل ما يخطو للداخل، لمحه توقّف.
كانت هناك… طفلة صغيرة، بالكاد في السادسة. شعرها خفيف يتطاير، عيونها لامعة بالبراءة. في يدها زهرة، وعلى بتلاتها فراشة صغيرة.
قامت تقفز وحدها في الحديقة، تحاول تمسك الفراشة بكلتي يديها. كانت وحيدة، ومع ذلك وجهها مليان ضحك طفولي مشاكس… كأنها قادرة تخلق عالمها بنفسها، حتى لو محدش شايفها.
علي وقف متسمّر. طفلة مش شبه البيت اللي داخل له… ملامحها مختلفة، ناعمة وبريئة، وكأنها ما تنتميّش للفوضى والبرد اللي جواه.
لكن اللي زاد ارتباكه… إنها فكّرته بوجه تاني. شخص يحاول يهرب منه من سنين، ومع ذلك طيفه مسيطر على قلبه وعقله.
وعد… الطفلة دي مش مجرد طفلة.
في الليل، البيت كله هادي… بس عناد السكون كان بيخنق.
علي قاعد في سريره، عينه مفتحة، بيبص للسقف كأنه شايف حاجة محدش غيره يقدر يشوفها. النوم بالنسبة له بقا حلم صعب المنال.
فجأة سمع صوت رقيق، طفولي:مش عارف تنام؟
اتصدم، التفت بسرعة للصوت، لقى وعد واقفة جنبه على السرير.
قال بدهشة:
دخلتي إمتى؟
ابتسمت بخفة وقالت:
من شوية… الباب كان مفتوح. أنا مدخلتش من غير ما أخبط.
كأنها بتبرر نفسها عشان ميضايقش منها.
جلس علي على حافة السرير، قال وهو مركز معاها:
بتعملي إيه هنا؟
جلست جنبه وقالت ببراءة:
أنا كمان مش عارفة أنام… بس مش زيك، إنت أصلاً ما بتنامش كل يوم.
رفع نظره لها بحدة وقال:
بترقبيني يا وعد؟
أومات برأسها بخجل، وقربت منه أكتر، مدّت إيديها ومسكت وشه بين كفيها الصغيرة، وقالت بابتسامة هادية:
يلا… هساعدك تنام. غمّض عينيك.
علي اتجمد من تصرفها، صوته خرج جاف:
اخرجي يا وعد.
لكنها تجاهلت كلامه، وبدل ما تقوم… استلقت جنبه على السرير.
تنهد علي بعمق، وكأنها كسرت كل الحدود اللي هو نفسه حاططها.
وقبل ما يلحق يبعدها، لقاها بتحضنه من غير خوف… وكأنها الطفلة اللي جواه مش هي.
همست بصوت مكسور:
تعرف… إن نفسي بابا يحضني؟
سكت علي وما ردش… حضنها دافئ، دافي لدرجة إنه دفّا قلبه البارد اللي اتعود على القسوة والجفاء.
غمض عينه وهو حاسس بحاجة غريبة بتتسرب جواه… وخرج صوته بنبرة شجن تقطر حزن:
وحشتيني.
وعد استغربت الكلمة، عينيها اتسعت، لكن ابتسامة صغيرة ظهرت على شفايفها… هي بتحبه، فصدقته على طول إنه بيكلمها هي.
وعلى عكس كل لياليه السابقة… علي نام.
نام بجد، غصب عنه، وهو مش عارف إن الاختلاف اللي عملته وعد كان كبير لدرجة إنه اخترق كل حصونه.
…
لما فتح عينه بعد نوم طويل، أول حاجة حسها كانت لمسة خفيفة في شعره.
فتح عينه ببطء… شاف أصابع وعد بتلعب بخصلاته، وبعينها الطفولية البريئة كانت بتلمس أنفه وملامحه بعبث بريء.
ولما شافها… ارتسمت ابتسامة على وشها، وعيونها اتضيقت بفرحة صافية:
نمت كتير.
في اللحظة دي، دخل صوت الخادمة من بعيد:
آنسة وعد… المدرسة.
انتفضت وعد، قامت بسرعة وهي بتضحك بخفة، ولوحت لعلي بإيدها بابتسامة صغيرة قبل ما تخرج.
تركته… لكن مش زي كل مرة.
سيبت وراها أثر جوا قلبه… أثر أشبه بحريقة كبيرة بتاكل في صلابته.
غمغم علي بصوت خافت، وكأنه بيحكي لنفسه:… تشبهك.
وصل مالك للميناء، نزل من عربيته ولاقى الحراس واقفين على البوابة.
راح باتجاههم، واحد منهم وقف قدامه:
– "رايح فين؟"
رد مالك بثقة:
– "عندي أمر من علي بيه."
الحارس ضحك بسخرية:
– "علي بيه؟! المالك هنا بدران باشا… والمنطقة دي محظورة. اتفضل ارجع."
مالك شد نفسه وقال بهدوء حاد:
– "هاتلي حد مسؤول قبل ما تخسر شغلك. علي بيه أخو بدران، وبلاش تعمل مشكلة لنفسك. أنا عايز واحد من عمال السفن، هتكلم معاه دقيقة وامشي."
الحارس التاني تدخّل:
– "عايز منه إيه؟"
– "شغل يخصني، مالكش دعوة."
الراجل الأول شد نبرته:
– "أي حد يدخل هنا لازم بإذن من بدران باشا شخصياً."
قال مالك وهو بيطلع تليفونه:
– "هكلم علي بيه حالاً…"
لكن الحارس قاطعه بحدّة:
– "بقولك الأوامر من بدران باشا، ارجع أحسنلك… وإلا هنبلغ الشرطة دلوقتي."
سكت مالك لحظة، عينه فيها غضب مكتوم. لف من غير كلمة، ومشي باتجاه عربيته.
وقبل ما يركب بص عليهم من بعيد وهو بيقول في سره:
"الموضوع أكبر فعلاً… زي ما علي توقّع."
في شركة كبيرة فخمة بتصميم هندسي مبهر، كان الموظفين قاعدين في مكاتبهم في حالة توتر واضح. العيون بتتبادل النظرات القلقة، والهمسات شغّالة بينهم.
قالت واحدة وهي بتبص ناحية المكتب الرئيسي:
– "ده أخو بدران بيه… اللي ماسك فروع أمريكا."
زميلتها ردت بسرعة وهي لسه متأثرة من المشهد:
– "آه، مشفتيش دخوله؟ خلانا كلنا نقف مشدودين، وابتدى يراجع الشغل ورقة ورقة… كأنه بيدوّر على أي غلطة."
موظف تالت قال وهو مهزوز:
– "ربنا يستر… شكل نسبة الطرد النهارده هتكون كبيرة."
سأله واحد جنبه:
– "بس ليه بدران بيه ماجاش بنفسه؟ أو على الأقل قالنا؟"
رد عليه الموظف بنبرة عارف:
– "أنا سمعت من أستاذة نادين إن الشركة هتتراجع من الرئيس الأساسي، بس محددوش إمتى. كنا فاكرينها كلمة تهويش، تصحي الموظفين شوية. لكن واضح إنهم جابوا رئيس الفروع بنفسه… واللي رجّعوه من بره بعد ما سفّروه، عشان شايفينه مش كفؤ!"
سكتوا لحظة، وكل واحد فيهم قلبه بيتخبط… الجو بقى أثقل، والخوف بقى واضح أكتر من أي وقت.
دخل المدير عمرو، راجل فى الأربعين، وبص للموظفين المستنيين واقفين حوالين المكاتب:
– "انتو واقفين كده ليه؟"
ردت واحدة منهم مترددة:
– "أستاذ عمرو… الرئيس جه، وهو دلوقتي جوه مع الرؤساء."
عمرو اتجمد مكانه وقال بعصبية:
– "رئيس مين؟! وأنا أبقى إيه هنا؟ أنا المدير… إزاي حد يدخل من غير ما يبلغني ويتكلم مع موظفيني كمان؟!"
صوته علا، والموظفين اتسمروا مكانهم مرعوبين. فجأة الباب اتفتح وخرج علي بخطوات هادية وواثقة.
عمرو شدد صوته أكتر وهو بيحاول يسيطر:
– "أي حاجة تتعمل هنا تبقى بأمري أنا… فاهمين؟!"
جملة ما خلصتش، إلا وصوت غاضب قطع الجو:
– "إنت بترفع صوتك ليـــــه؟!"
الصوت جه من ورا عمرو، ولما لف… عينه وقعت على علي. اتجمد مكانه، اتسعت عيناه بدهشة ورعب، ولسانه اتلخبط:
– "ع… عـلي بيه؟!"
الموظفين كلهم بصّوا لمديرهم اللي ارتبك فجأة، والجو بقى مليان رهبة.
عمرو حاول يدارى ارتباكه، وبص للي حواليه وقال بصوت واطي:
– "ليه مقلتوش إنه أخو بدران بيه؟! يا متخلفين!"
رد موظف مرتبك:
– "حاولنا نقول لحضرتك بس…"
– "بس! اخرس!"
التفت بسرعة لعلي، وانحنى باحترام ظاهر:
– "أنا ماكنتش أعرف حضرتك، يا علي بيه… اعذر جهلي."
علي وقف قدامه بثبات ونظرة حادة:
– "صوتك مايعلاش تاني. دي شركة… مش زريبة. وكلامك بيعكس صورتنا. فهمت؟"
أومأ له عمرو وقال:
– حاضر يا علي بيه…
قال علي وهو بيبصله بصرامة:
– يلا يا "مدير"، تعالى وريني مسؤوليتك من الشغل إلى هنا
ارتبك عمرو، والموظفين حاولوا يكتموا ضحكتهم، لكن بسرعة اتلموا لما شافوا علي داخل المكتب وهو وراه في رهبة واضحة.
في نفس الوقت، نزل يوسف من عربيته قدام الشركة. قرب منه الأمن بابتسامة:
– أهلاً يوسف بيه.
رمى له يوسف المفتاح وهو ماشي، لكن وقّف لحظة لما عينه وقعت على عربية مألوفة قدامه. اتعجب شوية، بس كمل طالع الشركة.
دخل لقى الموظفين قاعدين على مكاتبهم في حالة توتر غريب، كله مركز في شغله، والجو فيه رهبة غير عادية.
فتح باب مكتب عمرو، لقى الراجل قاعد وسط كومة ملفات، بيقلب في أوراق باين عليه مرتبك.
قال يوسف بحدة:
– إيه اللي بيحصل هنا؟
رفع عمرو راسه بخضة:
– يوسف بيه! حضرتك جيت إمتى؟
كرر يوسف السؤال بصرامة:
– سألتك… إيه اللي بيحصل؟
تنهد عمرو وقال بصوت واطي كأنه بيستغيث:
– أنقذني يا استاذ يوسف… علي بيه طالب مني أعيد صياغة كل الملفات والعقود على برنامج جديد هو اللي اختاره!
يوسف بدهشة:
– علي هنا؟
بلع عمرو ريقه وقال بخوف:
– أيوة… لو بدران بيه عرف، هيولّع فيّ. وأنا بصراحة… مش قادر أواجهه.
مشي يوسف وساب عمرو، وراح على المكتب الأساسي.
كان علي قاعد قدام اللابتوب، مركز على الشاشة.
فتح يوسف الباب ودخل بخطوة واثقة:
– عمي هنا بنفسه… مش كنت تعرفني عشان أستقبلك صح؟
رفع علي عينه ليه وقال بهدوء فيه حدة:
– مش محتاج استقبال يا يوسف… أنا جاي شركتي.
ابتسم ابتسامة ساخرة وأردف:
– وبعدين، مش ف باب تخبط قبل ما تدخل؟
يوسف قال– إيه القلق اللي عاملتهه في الشركة؟ وبرنامج إيه اللي انت حاطه؟
قال علي – ده نظام جديد.
يوسف هز راسه وقال:
– بس كده هتحط الناس دي تحت ضغط… كلهم شغالين برعب.
رد علي بهدوء بارد:
– مش أحسن ما يكونوا قاعدين مستريحين ومفيش حد عارف يمشي الدنيا هنا؟
يوسف ضيّق عينه وقال:
– بابا عارف باللي بتعمله؟
ابتسم علي ابتسامة جانبية وقال بسخرية:
– ملكش دعوة ببدران… زي ما مشيت الدنيا بره من غير ما يشيل هم، همشيها هنا.
يوسف سجت، وكأن علي بيقوله إن أبوه من غيره ولا حاجة.
وفجأة دخلت نادين، بصوت مرح:
– هاي يوسف!
مشي يوسف وساب المكتب،
نادين استغربت وسألت:
– ماله؟
بصلها علي وهو بيركز تاني في اللاب:
– معادك إمتى يا نادين؟
ابتسمت وقربت منه بخطوات هادية:
– اتأخرت 5 دقايق… أنا عارفة.
وقفت جنبه وقالت بنبرة خفيفة:
– بلاش تعاملني زي الموظفين… أنا فرحت إنك هنا.
رد علي ببرود محسوب:
– علاقتنا الشخصية برا الشغل.
ابتسمت نادين ابتسامة صغيرة:
– حاضر… في تعليق تاني؟
– لا.
سكتت لحظة، بعدين غيرت الموضوع:
– بخصوص الشغل… تحب أجيبلك تفاصيل العقود الجديدة يا مستر علي؟
– الإيميل.
– ماله الإيميل؟
– سجليه ع اللاب عندي.
أومأت بابتسامة وهي تكتب:
– حاضر.
…
على الطريق، بدران كان سايق عربيته ومسك الموبايل على السماعة:
– يعني علي في الشركة؟
يوسف رد وهو متضايق:
– آه يا بابا… طالب نحط برنامج جديد، وده هيشتت الموظفين وانت عارف.
سكت بدران لحظة وبنبرة حازمة قال:
– ماعرفتوش كده ليه؟
يوسف – قولتله يا بابا… بس هو في دماغه إن أي حاجة بيعملها صح. ساعات بحسه مبرمج، ماشي على خطة أو مسار مش هيخرج منه.
بدران رد بحدة هادية:
– خلاص… أنا هكلمه بنفسي.
قفل الخط، وتنهد يوسف وهو ماسك تليفونه. فجأة لقى اتصال جديد، اسم سهير منوّر على الشاشة.
– ألو؟
قالت سهير بصوت ناعم:
– هتيجي النهارده يا حبيبي؟
– هحاول… عندي ضغط شغل كتير في الشركة.
ابتسمت سهير بنبرة أنوثة واضحة:
– يبقى هستناك.
…
في مكتب علي، كان قاعد قدام اللاب توب بيراجع ملفات. رن تليفونه، شاف اسم بدران. رفع السماعة:
– ألو… يا بدران، فينك؟
جاء صوت بدران من الطرف التاني:
– أنا عندي شغل في المخزن… إنت في الشركة مش كده؟
ابتسم علي وقال:
– طالما اتصلت، يبقى أكيد عارف إني في الشركة. قول بقى… اتصلت ليه؟
قال بدران:
– تمام يا علي، انت عارف إن الشركة ماشيه بسيستم. لما تيجي وتقولهم يلغوا كل ده ويبدأوا بسيستم جديدة، ده هيكون له أثر رجعي سلبي… فـ الغي قرارك ليهم.
قاطعه علي:
– السيستم اللي انت حاطه بايظ يا بدران. في عقود غير مكتملة لدرجة إن شركات بدأت تلغي عقودها معانا. متنساش إني شريكك، ومصلحة الشركة هنا أو في أمريكا تهمني. أنا حطيت نظام جديد يمشوا عليه، ولو عندك نظام محكم في دماغك ممكن نتناقش فيه مع الموظفين.
سكت بدران لحظة، ثم قال:
– علي… فهمتني.
رد علي بصرامة:
– فهمتني يا بدران؟
قال بدران بصوت أثقل:
– إنت شوفت حاجة تقلقك؟
قال علي:
– اللي اسمه عمرو… كان قاعدلك على مكتب، مسمي نفسه مدير، ومخلي الموظفين يشتغلوا وهو قايم بدور صاحب الشركة.
تنهد بدران وقال:
– اعمل اللي انت شايفه صح. وبلغ يوسف بالبرنامج بتاعك عشان يفهمك أكتر.
…
أنهى علي المكالمة، لكن ملامح وجهه انقلبت مية درجة. لم يعد هذا الوجه هو وجه علي… ابتسامته صارت خشبية، وشفاهه متخشبة. وقف قدام المرآة يحدق في انعكاسه، كأنه بيأكد لنفسه مينساش هو مين بالظبط.
الهرج والمرج… انفصام.
والحقيقة… انفصام آخر.
في المساء، كانت وعد قاعدة في أوضتها بتذاكر. فجأة سمعت صوت عربية واقفة تحت. قامت بسرعة وبصّت من البلكونة… ابتسمت أول ما شافت عربية علي.
دخل علي أوضته وهو لسه بيقفل الباب، لكن تفاجئ بوعد داخلة وراه. وقف لحظة يبصلها باستغراب.
قالت وعد بلهفة:
– كنت فين كل ده؟
قال علي بهدوء:
– في الشركة… وانتي؟ مروحتش كليتك النهارده؟
قالت وعد بخجل:
– روحت… وجيت على أمل إنك تكون رجعت هنا.
ابتسم علي من كلامها وقال:
– عايزة تقولي حاجة؟
هزّت راسها نافية، لكن عينها فضلت معلقة بيه. وهو من غير ما يطوّل، بدأ يفك أزرار قميصه.
قالت بسرعة:
– بتعمل إيه؟
قال علي ببساطة:
– بغير هدومي.
قالت وعد متوترة:
– استنى… لما أخرج.
لكنه ما اهتمش لوقوفها. فتح دولابه وأخد طقم هدوم. نظرت وعد بارتباك ناحية بنطلونه
– إيه ده…
قربت وعد من مسدسه. في لحظة، مسك علي إيديها الاتنين بيده الواحدة، رفعها فوق، وثبّتها على الحيطة بقوة.
بصّت له وعد بعناد وقالت:
– في حاجة يا عمي؟
نظر علي في عينيها مباشرة وقال بصوت هادي لكنه حاد:
– هافضل أقولك لحد إمتى… متحطيش نفسك في الخط.ر.
قالت وعد وهي تحاول تبرر:
– أنا مش بشوفك خ.طر… ولا قصدي إني لمستك. أنا… مكنتش أقصد حاجة.
قرب منها علي أكتر، عروقه ظاهرة وملامحه مشدودة بشكل يخوف… كأن الخطر بيقرب فعلًا. قال بصوت واطي وهو بيناديها:
– وعد…
ردت هي مترددة:
– نعم؟
قال علي بصعوبة:
– أنا… بحاول. ومحاولاتي هتقف هنا.
ما فهمتش قصده، وملامحها ارتبكت. مد إيده القوية ولمس رقبتها، جسدها اتخدر بين دراعاته وماقدرتش تتحرك.
وفجأة… اتفتح الباب. دخل مالك.
بصّت وعد بسرعة لمالك، بينما علي سابها بهدوء وخد خطوتين لورا.
كانت وعد لسه مرتبكة، ومالك واقف بيشوف المنظر. قال بهدوء كأنه متحير:
– أجيلك وقت تاني؟
رد علي بحزم وهو مش باصص غير لوعد:
– لا… امشي يا وعد دلوقتي.
أومأت وعد بخفة وخرجت من الأوضة تحت نظرات مالك اللي كانت بترقبها لحد ما اختفت.
قال علي بجدية:
– تعالى يا مالك.
دخل مالك وقفل الباب وراه، وبص لعلي وهو بيتنهد بعمق.
قال مالك:
– إنت كويس؟
رد علي بنبرة ضعيفة مش معتادها:
– لو فضلت كده… مش هكون كويس.
– حصل حاجة؟
علي تنهد وقال بصراحة لأول مرة:
– مشاعري بتتحرك… وأنا طول عمري مفكرتش في واحدة.
– وعد قصدك؟!
بص له علي لانه عرفها،، قال مالك
– وعد… هي اللي مأثرة عليك كده؟
علي حرك راسه بإقرار، وأضاف وهو متضايق من نفسه:
– بغلط في نفسي كتير… بس بييجي وقت بستسلم.
حاول مالك يغير مسار الكلام بسرعة وقال:
– لو عايز واحدة… إنت عارف إنك تقدر تتصرف.
علي بصله بنظرة غضب مكتوم. فهم مالك قصده وقال بجدية:
– بس وعد مستحيل. أي واحدة من بره، وأنهي الموضوع… لكن بلاش تخاطر يا علي.
سكت علي… لأنه عارف إن مفيش واحدة بتأثر عليه غيرها. مسح وشه بكفه كأنه بيرجع لطبيعته وقال:
– عملت إيه يا مالك؟
رد مالك وهو فاكر السبب الأصلي لزيارته:
– هو ده اللي أنا جيتلك عشانه. منعوني أدخل هناك.
علي عقد حواجبه:
– منعوك إزاي؟!… ومتصلتش عليا ليه زي ما قولتلك؟
قال مالك:
– لسه كنت هخليك تكلمهم، مسمعوليش وزعقوا إني أمشي. قولتلهم هاتوا حد قديم… بس باين إنهم محرصين أوي، والموضوع شكله أمر من بدران نفسه وبس.
قام علي، خد قميصه وهو بيبدل بسرعة.
بص له مالك باستغراب وقال:
– رايح فين؟
قال علي وهو بيلبس:
– هروحلهم.
اتسعت عينين مالك وقال:
– إنت بتهزر صح؟ ده طريق سفر.
رد علي بنبرة حادة:
– إنت مش مدرك ليه الموضوع يهمني.
مشي علي وخد تليفونه ومفتاح عربيته. مالك ما استناش، تبعه بسرعة ولما لقاه لسه بيركن العربية ركب جنبه. علي ما قالش ولا كلمة، بس من ملامحه باين إنه مستعجل، وانطلق بيهم.
في شقة المعادي، الأجواء كانت خافتة، أنوار ملونة بتدي إحساس كأنه ديسكو صامت.يوسف دخل، لقى حد بيحضنه من وراه، وصوتها الناعم قال:
• اتأخرت ليه؟
التفت بسرعة، شاف سهير واقفة قدامه بفستانها المغري، ابتسامتها كلها إغراء.
قال وهو بيلمس دقنها:
• خلصت شغل… وجيتلك.
ضحكت بخفة وقالت:
• انت وحشتني أوي يا يوسف.
رد بابتسامة:
• وإنتي كمان… أنا بجيلك هربان من كل حاجة، حتى من نفسي.
مسكت إيده، قبلتها بابتسامة صافية وقالت:
• بحبك.
نظر لها يوسف لحظة طويلة وقال:
• مخرجتيش النهارده؟
ردت وهي بتعدل شعرها:
• لا… لما رجعت امبارح فضلت هنا.
قال باستغراب:
• حصل حاجة؟
قالت بصوت متردد:
• ساعات بحس إني متراقبة.
استغرب يوسف:
• إزاي؟
تنهدت وقالت:
• مش عارفة… كأني في حد ماشي ورايا، سواء في الكباريه أو حتى في الشارع. إنت عارف إني بتجنب أتعامل مع أي حد.
قال يوسف وهو بيمسك إيدها:
• إنتي متأكدة؟
سكتت لحظة، وبعدين همست:
• ممكن أكون بتوهم.
قرب منها يوسف وقال بحزم:
• سهير…
قطعت كلامه بابتسامة صغيرة:
• متقلقش عليا… إنت عارف إني مبخافش. من ساعة ما دخلت حياتي وأنا مش بخاف.
حضنته بقوة وقالت:
• بلاش حاجات ملهاش لازمة تضايقنا.
شدها يوسف أكتر في حضنه بتملك و..
---
بدران لسا كان راجع من بره قابلته رانيا وهى ترتدي روب ستان رقيق، قالت
-على رجع بدرى عنك
قال بدران-- قالولى إنه خرج تانى
قالت رانيا - مش بيعقد ف البيت كتير بحسه عنده حاحه مهمه ميعرفهاش حد غيره
مش بيرد عليها بتقلعه الجاكت الى لابسه قالت بابتسامه
- تعبان اكيد من الشغل صح
قال بدران- يوسف فين ووعد
قالت رانيا - يوسف مرجعش ووعد نايمه فى اوضتها
قام بدران بصيتله باستغراب قالت - رايح فين
مردش عليها راح أوضة وعد شافها بالفعل نايمه، كان قليل لما بيشوفها قرب منها شاف ملامحها كل ما تكبر كل ما ملامحها تبعد عم إنها تكون شبه كأنها قطعه بريئه منه، بيشوف كتباها مفتوح راح قفله بس لقى ورده متحنطه فيه استغرب بدران وبص لبنته النائمه، منين الورده دى وهل غاليه ع بنته عشان تحطها فى كتاب وتكون فتحاه ونايمه جنبه كده
كانت رجالة واقفة على بوابة ضخمة في نفس المكان اللي جه علي منه قبل كده.
وقف بالعربية، نزل بخطوات ثابتة. مالك بصله وقال بقلق:
— هتعمل إيه يا علي؟
لكن علي ما ردش، كمل في طريقه متقدّم من غير أي رهبة.
الحراس وقفوا مستغربين، واحد فيهم قال:
— إنت تاني؟
قرب علي أكتر، مسك واحد منهم من هدومه بقوة وقال بصوت غاضب:
— مين اللي منع مالك إنه يدخل ويشوف شغله؟
الراجل اتوتر وقال بعناد متكلف:
— إنت إزاي تمسكني كده؟!
صرخ علي في وشه:
— افتح البوابة حالًا… لو مش عايز تخسر شغلك النهارده قبل بُكره.
الحارس التاني اتدخل وقال بشك:
— إنت مين أصلًا عشان تتكلم كده؟
علي شد نفسه أكتر، عروقه بارزة من الغضب، وقال وهو بيزقهم بعنف:
— أنا علي بيه… ولو متعرفنيش، هتتعرف عليا لما أطردكم أول ناس من هنا!
الرجالة اتبدلت نظراتهم من عناد لخوف حقيقي، واحد فيهم بص لزميله مرتبك:
— ده… ده علي بيه.
على طول فتح واحد اللاسلكي وهو مرعوب:
— في إذن… نفتح البوابة لشخص اسمه علي.
لحظة صمت اتبدلت بعيون متسعة من الرعب لما عرفوا مين واقف قدامهم.
قال الراجل المرتبك وهو بيبعد:
— آسف يا علي بيه… والله ما كنت أعرف حضرتك.
علي زعق فيه بنفاد صبر:
— انجززززز!
فتحوا البوابة بسرعة وهم بيتهامسوا بخوف، وعلي دخل بخطوات تقيلة كأن المكان كله بيتأهب لوجوده.
دخل على قابله راجل كبير في المكتب.
الرجل الكبير استقبلَه متصنّعًا:
— علي بيه… أهلاً وسهلاً. معرفش إن في زيارة من حضرتك في الوقت ده.
رد علي بحزم:
— فين العمال؟
الراجل تلعثم:
— أنت عارف… العمال دلوقتي مريحين و…
قاطعه علي بحدة:
— أنا عارف إن مفيش راحة في الشغل. في ناس بتخلص وناس تستلم. أنا عايز مين؟
قال علي بصرامة:
— عايز كل العمال اللي كانوا هنا من سنتين فاتت. لازم يحضروا حالًا.
الراجل حوَّل وجهه مترددًا:
— عمال مين بالظبط؟ بتوع الفنّاير ولا التعبئة ولا…؟
رد علي بلا تردد:
— عمال حمل السفن — دول اللي أنا عايزهم.
حاول الرجل يتهرّب:
— بس يا علي بيه… مفيش حد منهم هنا. ناس استقالوا واتنقلوا.
سُمِع صوت شاب من آخر القاعة:
— أنا كنت موجود!
التفت علي وشاف شاب لابس زي عمال السفن — علي عرفه. الرجل الكبير اتجه له بغضب وتهديد:
— ده سيف! لسه شغال؟ اوعد انى هعاقبه على الكذبة دي.
رد سيف بثبات:
— أنا مش بكدب.
المشهد وقف للحظة على نبرة التحدّي في صوت سيف وانتظار رد علي.
قال الرجل الكبير بصوت غاضب:
— اسكت خالص! ده علي بيه، مش فاضي يضيّع وقته. وبعدين إنت مكنتش هنا من سنتين!
سيف ثبت مكانه وقال بثقة:
— أنا عارف البيه بيدوَّر على إيه… وأنا هقدر أساعده.
سكت لحظة، وقبل ما الراجل يزقه ويمشيه، علي رفع إيده وقاطعه:
— كنت هنا من سنتين؟
رد سيف وهو واقف قدامه من غير خوف:
— آه.
علي ضيّق عينيه وقال بصرامة:
— أنا بكره الكذب.
سيف شد نفسه وقال بنبرة هادية:
— وأنا عمري ما أكذب على حضرتك.
بصله علي شوية، وبان على وشه إنه مصدّقه، بعدها أشارله بإيده:
— تعالى ورايا.
ثم التفت للراجل الكبير وقال ببرود:
— روح شغلك.
الراجل اتلخبط:
— أكون معاك يا بيه؟
قال علي وهو بيرميه بنظرة جامدة:
— بقولك روح شغلك.
الراجل اتوتر ومشي، ما نسيش يبص بغِل لسيف قبل ما يختفي. سيف اتحرك بسرعة ورا علي، والاتنين وصلوا لآخر الجسر، ناحية صف طويل من السفن المرصوصة.
وقف علي ونظر حواله وبعدين قال بحدة:
— تعرف إيه عن اللي حصل من سنتين يا سيف؟
سيف بلع ريقه وقال:
— أنا فعلاً شغال قريب…
علي قاطعه وهو مركز عليه:
— يعني كذبت.
سيف اتلخبط:
— لا لا يا باشا! أنا مكدبتش. كنت باجي هنا مع أبويا… كان شغال عندكم.
صوت علي هدى فجأة وقال:
— وأبوك فين؟ عايز أسأله عن حاجة.
سيف— مات.
بصله علي بشده ـ فهل غرق أيضًا في السفينة؟
قال سيف ـ جاله جلطة من سنة واتوفى.
سكت علي.
قال مالك ـ شكله مش هيفيد بحاجة
قال سيف ـ أنا كنت باجي هنا كتير مع بابا… كنت بساعده عشان مريض. مش إنت برضو عايز عمال السفينة اللي غرقت من سنتين؟
بصله علي بقوة لأنه عرف هو عايز إيه.
قال سيف ـ صح يا بيه ولا؟
قال علي ـ تعرف إيه؟
قال سيف ـ إنت عايز تعرف إيه بالظبط؟
قال علي بحده ـ السفينة غرقت إزاي؟
قال سيف ـ اتحط حمل زيادة فيها ومحدش اهتم للعطل اللي فيها… ولا حتى بالبداية اللي هتغرق. لما كنت هنا مع بابا سمعت حديث بين اتنين. الأول كان بيقوله إن الحمل لازم يخف، عشان السفينة مش هتستحمل توصل بسبب العطل اللي فيها. بس التاني قاله ملكش دعوة، وإنه ياما عمل كده ووصلوا بالسلامة… والضغل كان تمام. طبعًا حاول يفهمه إن فيه خطر على حياة الناس اللي في السفينة، وإنها ممكن تغرق. بس التاني قاله شوف شغلك ونفذ أوامر بدران بيه.
سكت علي لما سمع كل حاجة، هو كان عارف إنها صح.
قال سيف ـ أنا كنت خايف على بابا وقتها ومنعته يركب. قولت إني تعبان وقتها، فاستبدلوه بشاب اسمه تامر.
قال مالك لعلى ـ ده ابن الست منى.
قال سيف ـ معرفش… بس بابا الحمد لله عاش، وبعدها بسنة مات. كأن إرادة ربنا مكتوبة ومفيهاش مفر.
كان علي ساكت، وده كان دليل على ضيقه. بص لمالك وقال ـ هاته معانا.
قال مالك ـ حاضر.
مسك إيد سيف.
قال سيف ـ في إيه؟ أجي فين، أنا عندي شغل.
قال مالك ـ أمشي وانت ساكت يا سيف.
خرجوا من هناك، قابلهم المسؤول.
قال ـ خير يا علي بيه، الواد ده عمل حاجة؟
زقه علي بعيد عن وشه. ابتسم سيف، لأنه طول عمره نفسه يشوف رؤسائه بيتُهانوا. خرجوا وركبوا العربية ومشوا.
فى الصباح وعد نزلت تحت، قابلت فاطمة اللي استقبلتها بابتسامة.
قالت فاطمة:
– أعملك حاجة تشربيها يا وعد قبل ما تروحى الكليه؟
ابتسمت وعد وقالت:
– شكراً يا طنط فاطمة. أمال فين رنا؟
قالت فاطمة:
– الهانم مخليّاها تعمللها شوية حاجات.
في اللحظة دي دخلت رانيا على السيرة، وبصّت لهم بحدة:
– إيه اللي موقفك هنا يا وعد؟ ما قولتلك المكان ده للشغل.
ردت وعد وهي متماسكة:
– أنا واقفة في مطبخ بيتي عادي يا ماما.
رانيا رفعت حواجبها بسخرية:
– عادي؟! عادي تقفي مع الخدم؟ أظن إني كلمتك قبل كده، وانتي برضه مصرّة تعاندي.
وعد اتضايقت جدًا لأنها بتكلمها قدامهم. فاطمة لمحت الجو المشحون، فانسحبت عشان تسيب لهم مساحة يتكلموا براحتهم.
رانيا قالت بنبرة جدية:
– والدة حازم كلّمتني بخصوص خروجة… تنزلي انتي وهو، وبالمرة تتعرفي عليه أكتر، يمكن تحبيه زي ما إنتي عايزة.
بصّت لها وعد بقوة وقالت:
– هو الحب عندك بالساهل كده؟! طالما قلتلك إني مش متقبلاه، يبقى مش هحبه. وبلاش تحاولي بقى. إنتي مهتمة بالموضوع أكتر من بابا نفسه.
رانيا رفعت صوتها:
– لأني بفكّر في مصلحتك، وإنتي بتردّي عليا بالشكل ده؟
ردت وعد بحِدة:
– بعد اذنك ده يخصنى؟! إنتي مش بتفكري فيا… إنتي بس عايزة تبعديني عن بابا.
رانيا — إيه اللي بتقولي ده؟!
وعد — الحقيقة… أنا قلت لبابا إني رفضته خلاص.
رانيا باستغراب وغضب:— رفضتيه؟!
وعد بلا مبالاة:— آه. استريحي بقى.
رانيا زفرت بتعصّب:— لا مستريحة بجد! إنتي فعلاً غبية لو رفضتي واحد زي حازم. متخيّلة حد أحسن منه؟ العروض اللي جاتلك مقطوعة، وانتِ رافضة بسبب سبب تافه ده؟
وعد بصوت مقطوع من الغضب:
— الحب ده اللي مض بيبقى موجودبتكون علاقه منتهيه وانتى عارفه كويس انا اقصد، لما اتجوز واحد مش بيحبني ويروح يحب ويتجاوز عليا هتستريحى انا مش عايزه اكون زيك
قالت رانيا بغضب - انتى عمرك ما هتبقى زييي اصلا لا دلوقتى ولا بعدين سمعتينى
بصيتلها وعد قربت رانيا منها قالت
—أنا مبخادش واحد من مراته زي أمك؟
بين الحب والانتقام
بارت٥
خلاص ياست رانيا ده انتى مرات اب جدا😠
تكملة الرواية من هنااااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملةمن هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق