رواية مابين العشق والهوس الفصل الأول والثاني والثالث حصريه بقلم امل نصر
رواية مابين العشق والهوس الفصل الأول والثاني والثالث حصريه بقلم امل نصر
الفصل الأول
في المنزل الكبير والذي توسط المنطقة الشعبية بمساحته الشاسعة وبناءه المختلف عن باقي المباني المجاورة، بعد أن اسسه قديمًا الدكتور رفعت فؤاد، فاتخذ مسكنه وأسرته في الطابق الثاني.
ليترك الطابق الأول كعيادة كبيرة لاستقبال المرضي من أهل منطقته، يُعالج مرضاهم بأسعار زهيدة، ولأجل أن ينشأ أبناءه أيضًا في هذا الوسط الذي تربى عليه، رغم تعليمهم بمدارس أجنبية.
أثمرت التربية الحسنة في ابنه الأكبر عزيز والذي تابع استكمال الرسالة في معالجة الفقراء كنفس فعل والده بل وزادهم بعيادة أخرى لزوجته في نفس المبنى؛ الذي هجره سكانه بعد رحيل الطبيب الأب.
فقد وجد كل فرد منهم طريقه، سافر شقيقاه بهجرة إلى إحدى المدن الأوربية، ولحقت بهما والدتهما أيضًا، وظل الدكتور عزيز مع الدكتورة فاطمة زوجته في الوطن وحدهم مع ابنائهم.
يسكن في إحدى المدن الجديدة ويعالج في عيادته هناك بأسعار خيالية، ثم يأتي اَخر ثلاثة أيام في الشهر ويعمل ليل نهار، بهذا المركز المتواضع لفحص الأعداد الكثيفة من الأهالي الذين سجلوا أسمائهم خلال الشهر.
وحجزوا دورهم قبل أن يأتي الميعاد لزيارة عيادة العظام خاصته، ومثلهم يكون بالضعف مع عدد النساء الاَتي يتوافدن لعيادة زوجته والتي تاتي مع مساعدت لها من طبيبات صغيرات أو ممرضات ذات كفاءة عالية.
حتى إذا انتهى الشهر وعاد الرجل مع زوجته إلى مكانهم الحقيقي بين علية القوم، يظل المنزل ساكنًا على حالته مع مراعاة الحارسين، عصام وعمران اللذين يسكنان بالمبنى الملحق بالمنزل.
عمران والذي تولى العمل به منذ سنوات عديدة بصفته احد أبناء المنطقة وبوساطة من عمه الذي كان يعمل ممرضًا للطبيب الكبير، استوطن بالمنزل منذ عمر الثالثة عشر، بعد وفاة أمه وزواج ابيه بأخرى رفضت وجوده معها في المنزل.
لعدم تقبلها له بينهم؛ بحجة أنه فتى بالغ فلا اَمان لزوجة شابة معه في منزل واحد، فانتقل للعمل في حراسة مسكن الطبيب، والمبيت في غرفة بالحديقة، حتى كبر فوصل لسن الزواج، ليكمل جميله الطبيب الكبير ببناء ملحق للمنزل قبل وفاته.
فنال نصيبه عمران بالسكن بإحدى شققه بعد ان تمكن بصعوبة ليجد من تقبل به زوجًا وهي عزة يتيمة الأب الفقيرة التي قبلت به افضل من بلوغها سن العنوسة بدون زواج، ليُتبعه شريكًا في السكن في الشقة الأخرى في نفس المبنى عصام.
الشاب الذي عُين بعد وفاة الطبيب الكبير وسفر الأشقاء والأم ليكون عونًا لعمران بحراسة المنزل، وقد أتى بزوجته ابتسام من بلدتها الريفية في تجربتها الثانية للزواج، كزوجها الذي طلق قبلها امرأة أخرى أيضًا.
وأصبح المبنى مقتصرًا على أربعتهم، وقد مضى على هذه الجيرة عامان الاَن.
❈-❈-❈
ولج عمران لداخل شقته صباحًا بعد انتهاء نوبة حراسته الليلية بمساعدة شريكه عصام، فهذا وقت استراحتهم اليومية، وقد أتى عامل الحديقة لرعايتها وأتى بعض الموظفين المكلفين بدوام عملهم في المركز الطبي، وضجت الحركة قليلًا بالبشر .
- صباح الخير.
هتف بها كتحية لزوجته التي كانت جالسة في وسط الصالة الضيقة في انتظاره، رددت خلفه وهمت بالوقوف لتتبعه ولكنه منعها على الفور:
- استني قايمة ليه؟ خليكي مكانك يا عزة مفيش داعي للتعب
تبسمت بحرج تقول بإصرار رغم امتنانها لقوله الشهم لها:
- وفين التعب ده بس يا عمران؟ انا بس هقوم اساعدك تغير هدومك، وبعدها احضر الفطار
زجرها بنظرة محذرة وهو يخلع عنه معطفه الثقيل قبل توجهه لغرفة النوم:
- بلاش توجعي قلبي بالرغي معاكي يا عزة، أنا حيلي مهدود اصلا، وجسمي مكسر، نفسي في الراحة، مش عايزة أكل خالص ، لأني فطرت والحمد لله فول من عربية عم رمضان اللي في اخر الشارع ، ولو على الهدوم فاطمني يا ستي انا عندي ايدين والحمد لله ، ما رحتش مني ايدي عشان احتاج المساعدة.
تمتمت بالأدعية الحافظة، وقد تشاءمت من لفظه لهذا الفأل السيء أمامها فشهقت قائلة بجزع:
- بسم الله الحفيظ، بلاش الكلام دا يا عمران، الفال سعد
ضحك ساخرًا من فعلها فقال يشاكسها ليستفز طيبتها وخوفها الشديد:
- كل الخوف ده من مجرد كلمة يا عزة طب وان فرضنا وحصل بالفعل، ساعتها هتعملي ايه بقى؟
صرخت معارضة بارتياع:
- يا ساتر يارب، وليه نفترض السوء حتى لو بالهزار ، بالله عليك ما تكررها تاني يا عمران
ضحك يرمقها بنظرة حانية وقد سره فعلها، وارتياعها لمجرد التخيل فقال لها ينهي المناقشة:
- هدخل اخد شاور عشان اللحق السرير واترمي عليه ، اترجاكي بس عدم الازعاج ولا تفتحي الأوضة عليا، انتي ادرى الناس بنومي الخفيف
اومأت له بطاعة مغمغمة بصوتها الخفيض كعادتها من وقت زواجه بها، فتابع لها بشبه ابتسامة قلقة اعتادت عليها منه من وقت حملها بهذه الطفل:
- وخلي بالك من نفسك ومن العيل.
قالها وذهب من أمامها لتنظر في أثره وتعيد بترديد الأدعية التي تكررها ليلًا نهارًا، حتى يحفظ هذا الطفل ويكتمل حملها على خير، فقد مر على زواجها اربع سنوات اجهضت بهما عدت مرات، أرهق بسببه جسدها الضعيف.
حتى توقفت عن الحمل بالأمر المباشر من الدكتورة فاطمة زوجة الدكتور عزيز التي تكفلت بمتابعتها لتُعطيها كورس علاج مكثف وراحة من الحمل الاَخير لأكثر من سنة، حتى يستعيد جسدها بعض القوة التي تعينه على تحمل الجديد.
دنت برأسها تتطلع لهذا البروز الصغير الذي ظهر من جلبابها البيتي الخفيف رغم مرورها بالشهر الخامس الاَن، ولكن يبدوا أن نحافتها الشديدة أيضًا سيرتُها طفلها الصغير، تنهدت بعمق رافعة رأسها للسماء.
تناجي ربها كي يستجيب هذه المرة وينجي جنينها، فما الفائدة التي تجنيها من زواج كهذا خالي من المشاعر بين الزوجين، ورجل غريب كزوجها، سوى طفل يعيد إليها دفء الأسرة التي افتقدتها منذ وفاة والدتها.
❈-❈-❈
في الشقة المجاورة دلف عصام عائدًا من نوبة عمله والسهر في الحراسة هو الاَخر ولكنه لم يجدها في انتظاره في أي ركن أمامه في المنزل، أو حتى داخل المطبخ، فخمن وحده أين هي واقفة الاَن!
- بالظبط زي ما اتوقعت، البرنسيسة قاعدة قدام المراية تتأمل في جمالها وحسنها الفتان.
قالها بتهكم لا يخلو من السخرية بعد فتحه لباب غرفته مباشرةً وقد ذهبت انظاره علي الفور نحوها.
أما هي فقابلت كلماته بعدم اهتمام لتلتف إليه متخصرة وتُجيبه بنبرة تفيض بالثقة عن قصد:
- وما له يا سي عصام، لما ابص لنفسي في المراية ويعجبني جمالي، ربنا وهبني الجمال، ليه بقى محبش نفسي، واتأمل في اللي ربنا ميزني بيه بنعمة مش عند كل الناس
أصدر من فمه صوت مستهجن وقد مل وسئِم منها ومن حديثها هذا، وهي لا تنفك تذكره بجمالها وكأنه لا يعلم، ولكن في الحقيقة هو ليس بالغبي حتى لا يعي بقصدها.
بمحاولاتها المستميتة للفلت انتباهه، حتى تحصل منه على كلمة غزل أو حتى نظرة تغذي هذا الوحش بداخلها، المتعطش وبشدة دائمًا للإطراء عليها وعلى حسنها الفتان، وكأن الأرض لم تأتي بنساء غيرها؟
تجعد وجهه بامتعاض يغمغم بالكلمات الحانقة وهو يقوم بخلع ملابسة الثقيلة، قبل أن يلتفت إليها يسألها بابتسامة سمجة متعمدًا عدم الرد على حديثها :
- ويا ترى بقى ست الحسن والجمال افتكرت تحضر الفطار لجوزها الغلبان اللي راجع من الشغل والسهر مهدود حيله؟
أخرجت من فمها زفرة طويلة محبطة، ناظرة إليه بيأس، هذا الجلف تجاهل الرد على كلماتها، ويطالبها بإعداد الطعام، وكأن أصابه العمى عن رؤية ما أنعم الله عليه به حينما تزوجها.
إنه حتى لم يلتفت لمنامتها الحريرية القصيرة بلونها الوردي والتي انعكست على لون بشرتها البيضاء لتساعد في ابراز جمالها بسخاء وإغواء؛ يعلمه جيدًا زوجها ولكنه دائمًا ما ينكر ويتصنع التغافل
-غبي.
تمتمت بها قبل أن تجيبه بنزق وهي تلملم شعرها وقد أخرجها من الحالة الجميلة التي تشعر بها كلما نظرت في المرآة بهيئتها تلك.
- استنى دقايق وبس واحضره، اصلي صاحية متأخر من النوم.....
قاطعها يهتف بحدة وقد أنهي خلع ملابس العمل وبدل لبيجامة مريحة، واقترب ليعلقهم على المشحب خلفها .
- يعني كمان حتى دي معملتهاش، تقعدي بالساعات قدام المراية وتنسي نفسك ، اكسرها خالص عشان احرق قلبك عليها ويهدا بالي، اكسرها يا ابتسام؟
أردف بها بإشارة نحو المراَة، فتغاضت هي عن الرد حتى لا تزيد من غضبه واكتفت بمط شفتيها على زاوية واحدة بضيق قبل أن تتحرك لتبديل ملابسها هي الأخرى.
فتابعها بعينيه صامتًا وقد أشعل بين أنامله سيجارة لينفث منها الدخان، ويرمقها بسهام عينيه الحادة، فهذه المرأة أصبحت كالحمل الثقيل عليه بأفعالها التي تخرج شياطين غضبه،
يعلم أنها طيبة القلب ولكنها خفيفية، لديها هوس الإهتمام بنفسها والشعور بجمالها؛ الذي انطفأ وذبل طيلة السنوات التي قضتها في زيجتها الأولى.
مع زوج لا يفقه في امور النساء ولا يعلم عن الحياة سوى العمل في الزراعة ورعاية الماشية، والطعام والنوم وتنفيذ الأمر من والديه، هذا ما فهمه وأخبرته هي به.
انتهت اَخيرًا تحدجه بنظرة معاتبة زامة شفتيها بصمت، وكأنه قد كسر بخاطرها وتنتظر أسفه، قابل فعلها بابتسامة شامتة زادت من غضبها لتخرج سريعًا صافقة الباب خلفها بقوة، فغمغم داخله بعد خروجها:
- ما في حاجة خسرتك غير الدلع يا ابتسام ، كان حقي اعمل معاكي زي ما كان يعمل جوزك القديم، لما كان يقطم ضهرك بالخدمة في بيت العيلة الكبير بالنهار، وبالليل تترمى بعبلك على السرير، حتى متعرفيش تسرحي شعرك ولا تغسلي رجلك من التعب.
❈-❈-❈
بداخل المطبخ وبعد أن وضعت الركوة على الموقد لإعداد الشاي، وقد تولت على الشعلة الأخرى تسخين الطعام، كانت تطرق على الأواني وهي تناولها بضيق وانفعال قاصدة إصدار الاصوات حتى تصل إليه بغرفته:
-عديم النظر والإحساس .
لم تعد تفهم هذا الرجل وماذا يريد، لقد كان يمطرها بكلمات العشق في بداية زواجها به، حتى ظنت أنه عوض الله إليها بعد طلاقها من جابر زوجها الأول،
فاقد الإحساس هو الاَخر بجهله التام لمعاملة النساء، وقد كانت حياتها معه ملخصة فقط في خدمة الدار الشاقة ومجابهة المكائد التي كانت تدبر لها من نساء الدار التي كن يحقدن عليها، لأنها من خارج العائلة
وليست منهن حتى فاض بها وانفصلت عنه، بعد معاناة ارهقتها وجعلتها تُبرِئه من حقوقها كاملة حتى تنجو من نيران الغيرة التي كانت مسلطة عليها في هذه الزبجة البائسة.
ثم كان نصيبها بعد ذلك عصام، الوسيم مصدر حسدها من جميع النساء حولها، والذي عرفت على يديه مكامن انوثتها على حق، وذاقت سعادة لم تتخيلها سوى في الأفلام الرومانسية التي كانت تشاهدها في التلفاز.
حتى بدت الراحة ظاهرة عليها لكل من يراها من تورد وجنتيها ونضرة بشرتها وامتلأ قدها بعد الذبول والنحافة التي اصابتها بسبب المعاناة الشديدة في الزواج من جابر، إذن ما الذي حدث الاَن؟ ولما هذا الجفاء منه والتحول الغريب أم انه قد زهد منها؟
انتفضت من شرودها فجأة على صوت الركوة وهي تفيض مع فورانها بالشاي المغلي لتطفئ من عليها سريعًا وتكمل وضع الطعام على الصنية قبل تقديمها إليه على طاولة السفرة الصغيرة بمنزلهم الصغير.
❈-❈-❈
- عاملة ايه والدتك يا عصام بعد زيارتك الاخيرة ليها؟ العلاج جايب فايدة معاها؟
سألته في محاولة لفتح حديثٍ عادي معه، فرد والطعام يملا فمه بفضل تناوله بشكل سريع:
- العلاج الجديد فايدته قوية معاها ، لكنه غالي اوي ، بياخد معظم المعاش اللي بتقبضوا شهري ، بس ان شاء الله بسعى اخليه على نفقة الدولة، دا الحل الوحيد.
تحمست سريعَا تردف إليه بالحل:
- وليه تروح لمكاتب الحكومة وتتعب بنفسك مع الموظفين في طلباتهم، كلم الدكتور عزيز لما يجي هنا على ميعاده في الشهر، اكيد يعرف يدبرلك العلاج بجرة قلم، مش فاكر اللي عملو مع عزة المرة اللي فاتت في تسمم حملها ، دا وفر عليها وعلى جوزها صرف الالافات.
شرد قليلًا يوزن الكلام برأسه وقد بدا عليه الإقتناع ، فاستطردت تكمل بحماس:
- ان كنت مكسوف من مفاتحته، اكلم انا الدكتورة فاطمة مراته تبلغه، او حتى اكلمه انا بنفسي عادي يعني.
توقف عن مضغ الطعام ليرمقها بضيق وغيظ، لهذا التحول الذي اكتسبته سريعًا بفضله وبفضل العيش في المدينة، فهذه الريفية التي أتى بها من بلدتها معه تخجل من الرد على أحدهم او حتى المصافحة.
أصبح لديها الجرأة الاَن لتتحدث مع الرجال، بل وتعرض عليه هو عصام الحل في مساعدته!
- مالك بتبصلي كدة ليه من غير ما ترد؟ مش عاجبك الحل اللي قولته؟
هتفت تسأله لتخرجه من شروده، فكظم يلوك بالطعام الذي داخل فمه قبل أن يجيبها على تمهل بسأم وكلمات محددة:
- لما نبقى نبدل الأدوار ياختي، وابقى انا الست وانتي الراجل، ساعتها يبقى يحللك تتكلمي وتعملي على كيفك.
اشاحت بوجهها عن عينيه الثاقبتين كي تزفر بعيدًا عن وجهه قبل أن تعود لترد عليه:
- متبقاش متزمت يا عصام، انا بس بعرض عليك المساعدة، مش اي حاجة تاني، والدتك دي زي والدتي، وانت تعلم بمعزتها جوا قلبي
- عارف يا اختي.
أردف بها مقتضبة مبهمة قبل أن ينكفئ على طبقه، ويكمل ما يفعله ويعود لتجاهلها، حتى سئِمت من التحدث إليه وتوقفت عن الكلام،
انتهى من طعامه لينهض عن مائدته الصغيرة وينفض كفيه مردفًا لها:
- متخلنيش اتأخر في النوم لأدان العصر، اعملي المستحيل وصحيني قبلها
اومأت رغم عدم اقتناعها لعلمها التام بنومه الثقيل وردت وهي ترفع الأطباق:
- حاضر هحاول
قطعت توقفه قبل ذهابه لغرفته:
- بس انا دلوقتي رايحة السوق اشتري حاجة البيت الناقصة من الخضار، وبعدها هروح اقضي الوقت مع عزة واساعدها في شغل بيتها
استدار عنها ليشير لها بظهر كفه في الهواء كموافقة بعدم اهتمام.
❈-❈-❈
على فراشه كان يتقلب دون هوادة وكأن أسفلة حمم من الجمر، وعقله لا يهدأ من الفكر، يحتسب الدقائق في انتظارها، لقد مر الاَن اكثر من ساعة منذ مجيئه، وهي
بعادتها لا تتعدى النصف ساعة بعد إطعام زوجها بوجبة الإفطار.
هذا الغبي الذي يرفض تناول شطائر الفلافل معه على عربة العم رمضان، وكأنه يشمئز من الرجل، زفر بضيق فقد تعد الوقت الاَن لساعتين، إذن لابد أنها ذهبت إلى السوق لابتياع الخضروات، ولكن كيف له الإنتظار لأكثر
من ذلك؟
لا هو قادر على النوم رغم احتياج جسده للراحة، ولا هو قادر على إزاحة صورتها وكل أفعالها عن عقله، رغم احتياج الاَخر أن يهدأ من صخبه بها طول الوقت، ليل نهار .
أجفل على صوت جرس المنزل وانتبهت كل حواسه حتى تبين مع فتح الباب لصوتها الذي دوى مع صوت عزة وهى ترحب بها، انتفض على الفور من فراشه يتناول المقعد الصغير الخاص بتسريحة زوجته ليجلس محله ويتابعها
بقلب يتقافز في صدره كلهو أرنب صغير من اللهفة، ثم يجلس خلف باب غرفته ويتابع من هذا الثقب الكبيرة الذي حفره بنفسه بخشبه، ليسمع ويراها جيدًا من محله من بداية جلوسها بالصالة الضيقة.
اَخذة راحتها مع عزة وهي تردف بأحاديث النساء معها، أو حينما تتبرع بمساعدة المذكورة بترتيب المنزل وجلي الأواني في المطبخ المقابل له أيضًا.
فيراقبها بتفحص مع ارتدائها للعباءة المنزلية الخفيفة؛ التي دائمًا ما تنحسر عليها قدها الملفوف، وهي الغافلة عن نظرات تخترقها دون حياء أو ضمير يذكر بحقوق الجار
وعلى مقعد الصالة المرتب بعناية رغم تواضعه جلست بأنفاس لاهثة تنزع عنها حجابها وتفتح السحاب الصغير في أعلى عبائتها السوداء كي تلتقط أنفاسها من السير والحر في زحمة السوق.
رغم هذه البهجة التي تتخلل نفسها من الداخل أيضًا بعد كلمات الإطراء والغزل التي تطرب أسماعها من الرجال في السوق:
- اه يا عزة ، الشمس برا النهاردة كانت ولعة ، رغم البرد الشديد ليلة امبارح، انا مش فاهمة ازاي يقلب الجو كدة وبسرعة؟
قالتها وهي تستريح بجلستها للخلف، فردت عزة بسجيتها كالعادة:
- ما هو دا الطبيعي، احنا دلوقتي في الخريف، وفي خناقة دلوقتي بين الصيف اللي مش عايز يسيب مكانه، والشتا اللي بيحارب عشان ياخد دورته، امي دايما كانت تقول كده
- ربنا يرحمها
تمتمت بها ابتسام بتأثر لحال جارتها التي لاتكف عن ذكر
والدتها في كل جلسة لها معها، اعتدلت لتُذهب عنها الإنجراف في الخوض في ذكرياتها مع فقيدتها، وقالت هي تخرج لها بعض الأكياس من الخضر،:
- جيبتلك كل اللي طلبيته وكتبتهولي في ورقة امبارح، من فواكه وخضار تحتاجيه عشان تتغدى انتي والنونو
تطلعت عزة لما تشير إليه وتفحصتهم بعيناها سريعًا قبل أن تخاطبها بامتنان:
- الف شكر يا قليي، والله بحس الكسوف دايما في كل مرة اتعبك معايا.
بابتسامة متوسعة افتر بها ثغرها تطلعت إليها ابتسام، قبل أن ترد بالحديث المحبب دائمًا لها وهي تلوي الخصلات المتمردة من شعرها على أطرف اناملها:
- وليه الكسوف بس يا مجنونة، دا حتى خروجة السوق دي من احب الحاجات على قلبي ، دا كفاية المعاكسة اللي بتنزل على وداني من رجالة لا اعرفهم ولا يعرفوني، شيء كدة بيزود من ثقتي بنفسي.، وتجدد شعوري بأنوثتي المهدرة مع عصام المغرور
❈-❈-❈
تطلعت عزة إليها باهتمام كي تستمع منصتة بإصغاء لهذه الوصلة المسلية من حديث جارتها؛ والتي تُتحفها بها كلما خرجت لتقضي حاجتها من السوق او حتي لتبتاع ولو شيئًا بسيطًا من محل البقالة القريب من مسكنهم، لتُنعش خيالها البرئ
في شئ حرمت منه ولا تجده كمعظم النساء،
وهو الجمال الافت للأنظار، الأنثي التي يتهافت على رؤيتها الرجال ويتسابقون لنيل رضاها، كما تقص وتحكي لها ابتسام الاَن؛ والتي اندمجت في الوصف ببهجة ظاهرة:
- فضل الراجل مدبقني يا عزة في كل حتة اروحها الاقيه ورايا، من بداية دخول السوق، لحد ما خرجت وركبت ميكروباص اجرة، ولسانه مش مبطل ولو لحظة حتى في الوصف والمدح في جمالي، وامنيته الوحيدة انه يلاقي واحدة زيي، لحد ما انا نفسي زهقت ، وكان هاين عليها اصده ولا اكلم البوليس عنده، لكني رجعت عن اللي في دماغي عشان ما اتسببش في أذيته، ما هو كمان متحرش بيا، او اتجرأ على لمسي، معملش غير المعاكسة، والتغزل في جمالي وقدي اللي يوقع اجدعها راجل، وهو راجل مسكين مش حمل الكلام ده
توقفت لتضحك بانتشاء وهي تتذكر قول الرجل والذي تعدى غزله الوقاحة بوصفه الدقيق لها وما ترتديه من عباءة مُحكمة الضيق على جسدها، مستغلًا سكوتها وعدم ردعه، بالإضافة إلى تباطُئ خطواتها وكأنها سعيدة بما تسمغه.
قطعت شرودها عزة بقولها المتردد مع هذا الشعور القلق والذي ينتابها دائمًا في كل مرة مع جارتها رغم سعادتها بالحديث الممتع وهي تحكي عن لهفة الرجال عليها بتفاخر:
لكن يا حبيبتي انتي برضو كان لازم تخافي ولا تعملي اي فعل تصديه بيه، مش يمكن يكون الراجل ده خطير مثلا ، فتلاقي منه فعل ما تتوقعيهوش،
ردت بعدم اكتراث ساخرة؛
- حبيبتي يا عزة وهو في ايده ايه يعني؟ احنا في السوق يا غالية، والحاجات دي بتحصل كتير، وانا بصراحة اتعودت على المناكشات دي، بس بقى لما الاقي انها زادت عن الحد المسموح بيه، ساعتها اقدر اوقفه وواقف عشرة امثاله.
- ربنا يحفظك يا ابتسام، انتي جميلة ويحق لك الدلال والتفاخر، مادام قادرة تحافظي على نفسك ضد غدر البشر وأطماعهم
قالتها عزة بطيبتها المعهودة رغم نبرتها الحذرة في توجيه النصيحة بشكل غير مباشر لجارتها التي تخاف عليها وتهتم بها .
غمر السرور قلب الأخرى دون أن تنتبه جيدًا لمغزى النصيحة التي وجهتها لها عزة، لتقف فجأة وقد دب الحماس بداخلها لتتناول ألأكياس الملقاء على الأرض وفوق الكنبة بجوارها، تنتوي فعل ما تفعله يوميا منذ بداية حمل عزة؛ والتي لحقتها متمتمة بحرج لتمنعها:
- بالله عليكي ما تعمل.....
- اياكي تحلفي انا مش قد الكفارة ولا الصيام
قالتها ابتسام مقاطعة لها لتكمل بإصرار:
- هغسل انا المواعين اللي في الحوض دي في ثواني، وبعدها نفطر انا وانتي، عشان تاخدي علاجك، وانا يزيد وزني بتكرار الوجبات اللي باكلها معاكي انتي مرة ، والمنيل جوزي مرة
.
ضحكت عزة مرردة خلفها:
- يا ختي زيدي زي ما انتي عايزة، دا حتى جمالك بيشع اكتر كل ما تزيدي
التفت إليها تسألها بتشكك:
- اوعي تكوني بتكدبي عليا وتجامليني يا عزة فيها دي
- وربنا ما بجامل، انا بعبر ع اللي بشوفه بعيني
قالتها عزة بنبرة صادقة زادت الحماس بقلب الأخرى لتردف:
- عشان كلامك الحلو ده هساعدك كمان في ترتيب البيت
تمتمت خلفها عزة بالكلمات الممتنة وهي تتبعها نحو الذهاب للمطبخ، فجارتها العزيزة منذ أن علمت بحملها وتوصيات الطبيبة لها بالراحة التامة وهي لم تتأخر عنها ولو بيوم واحد لمساعدتها في أعمال البيت وشراء الأغراض من السوق والبقالة.
وخلف باب الغرفة وبعد أن استمع لحديثها اليومي مع امرأته حتى حفظها وعلم بأبعاد كثيرة عن شخصيتها، تابع بمراقبته لهن عبر الثقب الصغير، حتى انتقالهم للمطبخ المقابل لغرفته مباشرة، ليعتدل بانتباه، فالمتابعة الاَن أصبحت أكثر تشويقًا والرؤية أوضح عن الصالة .
تتركز أنظاره عليها وهي واقفة بجوار حوض غسيل الأطباق التي تجليها، وينتظر بشوق انحسار العباءة عليها مع تحركاتها الدائمة داخل المساحة الضيقة.
تباسطها في الحديث مع عزة التي تساعد بخفة معها حتى لا تضر نفسها ويتأثر حملها، وضحكاتها التي تدوي بصخب وتصل إليها لتُلهب خياله المريض، فلا يهدأ ولا يسكن سوى برحيلها بعد فترة طويلة من الوقت.
ثم يأتي بعد ذلك عذاب التفكير في كل كلمة وكل همسة صدرت منها، مع صورتها التي احتلت خياله منذ قدومها مع زوجها من بلدتهم، لتصبح جارة وصديقة لزوجته، مع مشاركتهما هي وزوجها للسكن معهما بنفس الملحق وبهذا القرب بين العأئلتين الصغيرتبن،
تبقى في عقله بطلة لأحلامه، ترافقه في صحوه وتُحرم عليه النوم؛ بالتفكير المتواصل بها والبحث عن طريقة تمكنه من الوصول إليها، ولكن كيف يحدث ذلك؟
بين امرأة تعشق المراَة، ليغمرها السرور في كل مرة تنظر لنفسها وترى جمالها بها، وبين رجل يخشى النظر إليها، حتى لا ينظر لنفسه ويرى ما يجعل النساء تنفر منه، وجهه الدميم
❈-❈-❈
في الخامسة عصرًا وبعد محالاوتها المستميتة بإلحاح
استيقظ اَخيرًا عصام من نومه، بوجه متجعد بعبوسه وتجهمه، وذلك بعد أن ألقى نظرة على التوقيت بهاتفه، ليهتف حانقًا عليها:
- على خمسة بتصحيني يا ابتسام، يعني برضو ضيعتي مني اليوم
تأففت زوجته لترد وهي تصفف بالفرشاة على خصلات شعرها أمام المراَة:
- وانتي دايما كدة يا عصام تجيب اللوم عليا، تقعد تشدد عليا عشان اصحيك على تلاتة، وتطلع عيني في صحيانك اللي ما بيحصل الا بصعوبة، وفي الاَخر تحملني الذنب.
ضغط على شفته السفلي يكظم غيظه كي لا يخوض في نزال من جدال لا فائدة منه معها، ونهض عن التخت يهمس كازًا على أسنانه بعد أن وصل أليها وأصبح بقربها:
- طب اقفلي حنكك ده، اقفلي حنكك يا محروسه بدا ما اطلعهم عليكي، انا صاحي مش شايف قدامي
التوى ثغرها تنفيذًا لأمره، فهي أيضًا لا تريد سماع توبيخه الدائم لها، لتجفل على صيحته بعد ذلك:
- وسيبي شعرك دا يا غندورة، عايز الاقي الأكل جاهز مسافة ما اخلص حمامي، وقبل ما البس هدومي
اومأت برأسها له دون رد لتسمع غمغمته من خلفها:
- مش فالحة غير في السبسبة قدام المراية، هينفعني انا شعرك دا لما يتقطع عيشي ، بلا قرف
زفرت تنظر في ظهره حتى دلف لحمام الغرفة واغلق بابه عليه فتمتمت هي الأخرى:
- يا بااااي عليك وعلى برودك يا أخي، عديم الشعور والإحساس
تنهدت بالاخيرة لتذهب لمراَتها المحبوبة تحدث نفسها وهي تتلاعب بخصلات شعرها الذهبي الطويل:
- كل شوية يقطم فيا ويتهمني اني مقصرة، رغم اني قايدة صوابعي العشرة شمع، لكن البعيد مفيش اي حاجة ترضيه، ولا الاقي كلمة حلوة ولا يقدر حتى ويشكرني، اعمى البصر والبصيرة، دا حتى مخدتش باله من لون شعري الجديد
...يتبع
رأيكم يا جماعة يهمني اوي ، الرواية دي صغيرة لكن تهمني اوي
الفصل الثاني .
في الساعة السابعة
خرج عمران من شقته بالزي الرسمي للعمل، البنطال الأسود وفي الأعلى قميص باللون الأزرق، والمعطف الثقيل على ساعده يتجهز لأرتداءه، في انتظار عصام
الذي هاتفه منذ قليل.
فقد حان موعد نوبتهما الليلية في حراسة المبنى، انفتح باب الشقة ألمقابلة لشقته ليفاجأ برؤيتها هي أمامه:
-مساء الخير.
القت تحيتها بروتينية ككل مرة تراه بها، وهي تٌخرج الكيس الأسود للقمامة خارج الشقة، لا تضع عينيها بعينيه وتنظر إليه جيدًا، يعلم في قرارة نفسه ان ما يمنعها من ذلك ليس الخجل .
ولكنه النفور من التطلع إلى وجهه الملئ بالحفر، هذا بالإضافة إلى الحرق الذي شمل أكثر من نصفه، فجعل هيئته تقارب المسخ؛ بالتشوه الذي رسم كلوحة فنية بائسة تثير الفضول في النظر إليها من البعض، ويفر من أمامها المعظم.
أجلى حلقه ليرد بلهجة جعلها عادية:
-
-مساء النور، هو عصام لسة مخلصش لبس؟
أجابت وهي تدعي لف طرحتها جيدًا حول وجهها:
- خلاص اهو على وشك يخرج حالا، دقيقة وتلاقيه خارجلك، تحب ادخل استعجله؟
من جديد تجيب عن سؤاله متعمدة عدم النظر إليه، ليأخذ هو فرصته كاملة للتأمل جيدًا في ملامحها الفاتنة، هذا البشرة البيضاء الصافية التي لا تشوبها شائبة، عكس زوجته التي انعكس ضعفها الجسدي على بشرتها فجعلها دائمة الشحوب.
رغم كل ما تفعله من اهتمام بها من أقنعة طبيعية في المنزل وكريمات التغذية العلاجية من الصيدلية، فلا يفلح شئ في تصفيتها ولا بتغطية العظام البارزة لوجنتيها الغائرتين، كم ود لو كانت بوجه مستدير كهذه، وجنتين مكتنزتين بلونهما الوردي.
وكأنهن تفاحتين ناضجتبن تنادي صاحب النصيب لتذوقهما،
ويا ليته كان هو؟
ارتفعت عيناها فجأة بتساؤل فانتبه من شروده ليرد على الفور بعملية:
- ياريت ابقى شاكر ليكي، لو ناديتي واستعجلتيه يستلم النوبة مكاني دلوقتي، اصل ضروري اللحق اجيب العلاج الناقص لعزة من صيدلية وحيدة اللي بلاقيه فيها، ودي بعيدة اوي عن منطقتنا
تطلعت اليه وبدا عليها التأثر لتقول بلهفة، وقد اهمها امر عزة:
- حاضر على طول هروح اناديه.
قالتها والتفت لتجد زوجها أمامها بملابس العمل هو الاَخر يردد:
- مالوش داعي تناديني انا اساسًا خرجت لوحدي، عامل ايه سيد عمران؟
قال الاَخيرة بلهجة مازحة لرفيقه الذي تبسم له فظهرت أسنانه البيضاء وهو يرد :
- عال العال يا استاذ عصام، مشتاقين بس لرؤيتك
أطلق عصام ضحكة رنانة ليكملا الرفيقان مزاحهما
وهما يهبطان درج الملحق الذي يسكنان به، أصابتها ابتسام عدوى الضحك خلفهما، لتغلق باب شقتها سريعًا وتنضم للحديث مع جارتها في الشقة الثانية.
❈-❈-❈
جلس عصام على الكرسي البلاستيكي يرتشف من الكوب الزجاجي لمشروبه الساخن وقد جاء به عمران من القهوة القريبة في اَخر الشارع، والذي كان منشغلًا الاَن بإشعال النيران في الأسفل لتعمل على تدفئتهما وقد
زحف تيار الهواء البارد وشعرت به أجسادهم.
- كوباية سحلب سخن انما ايه، جات في وقتها يا عم عمران
قالها عصام متلذذًا بالطعم الجميل بفمه، تبسم له المذكور يرد بامتعاض
- انا مش عارف يا أخي، ايه مزاجك في الحاجات الغريبة دي؟ طب بالذمة دي ولا كوباية شاي تعدل الراس وتدفي الجسم في البرد ده
تبسم عصام يقول متفكهًا:
- اصل انا عامل زي العيال الصغيرين، يعجبني اللون الأبيض والمكسرات اللي تتاكل بالمعلقة، وربنا بحسه من امتع الحاجات، انا مستغربك انت اصلا ازاي ما بتحبهوش.
- عشان انا مش عيل
قالها عمران بابتسامة متوسعة بمرح، والتي قابلها عصام بالضحك عاليًا، حتى انتبها الاثنان على الصوت النسائي القريب منهما..
-أنت ياا. أنت يا أخ ؟
أجاب عمران على المرأة التي تبدوا في عمر الثلاثين وبجوارها فتاة تبدوا في الرابعة عشر:
- نعم يا مدام، تقصديني انا ؟
نفت برأسها سريعًا المرأة لتلتف نحو عصام تسأله بلهفة تتهرب هي وابنتها من النظر إلى عمران:
- تعرف يا اخ فين عيادة الدكتور محسن عثمان استاذ الطب النفسي، قالولي انه ساكن قريب من هنا
أجابها عصام بحرج من صديقه الذي تجاهلت المرأة سؤاله عن عمد، في حدث تكرر أمامه قبل ذلك كثيرًا، حتى انتابه الإشفاق عليه من هذه الأفعال التي تؤذي مشاعر رفيقه:
-استاذ محسن عثمان في الشارع اللي ورانا بالظبط،
دا مركز الدكتور عزيز لعلاج العظام وزوجته الدكتورة فاطمة استاذة النساء والتوليد .
ردت المرأة بمسكنة أصابته بالضيق:
- طيب فينه هو بالظبط الشارع اللي تقصده؟ اصل انا غريبة عن هنا، ولا اعرف الطريق ولا حتى اعرف اقرا اليافطات المعلقة، ممكن لو فيها تعب تيجي معانا وتشاورلنا عليه
التف لصاحبه بتساؤل لإنقاذه ولكن الاَخر ابتلع الغصة المسننة بحلقه، واغتصب ابتسامة يومئ له بذقنه مشجعًا:
- روح يا عصام وريها العنوان الصحيح، وانا قاعد هنا ومش هتحرك من مكاني على ما تيجي
تنهد عصام بضيق ليتبع المرأة نحو العنوان المذكور، ونهض عمران كي يجلس محله يرتشف من كوب الشاي الذي برد، يتطلع لانصرافهم ويراهن بداخله على شئ ما، وكما توقع التفت رأس الصغيرة لتُلقي بنظرة فضوليه نحوه، فشاكسها برفع حاجبه، مع ابتسامة ذات مغزى.
شهقت الفتاة برعب لتعود بنظرها بعيدًا عنه، لدرجة جعلته يشعر نحوها ببعض الشفقة قبل أن يعود ويذكر نفسه أنه لم يخطئ بشئ، هو لم يحُثها على الإلتفات كي تشاهد من جديد الوجه الغريب لتتسأئل عن المتسبب في تشويهه، او عن حجم هذا التشوه.
والأصح قبل كل ذلك، هو ليس مسئولًا عن هذه الهيئة التي خلق بها، وجهه الخالي من المواصفات الجمالية حتى الأقل من العادية، يشبه والدته التي كانت تًعاير من زوجها به؛ بأنها أنجبت نسخة ثانية منها، قبل أن يتوفاها الله في هذا الحريق الذي شب بمنزلهم قديمًا.
فالتهم ألأثاث والتهم نصف وجهه مع محاولاته البائسة في النجاة من النيران التي اخترقت غرفته ليلًا وهو نائم، بعد انفجار أسطوانة الغاز، إثر إشعالها بخطأ من والدته راحت ضحيته.
وبعدها يزداد الطين بله في حظه المشؤم
نفض رأسه من ألأفكار السيئة بالغوص في ذكرايات الماضي، حتى لا يجدد على نفسه شعور الحسرة والحزن، تناول هاتفه من جيب بنطاله، لتتغير ملامح وجهه.
وينبت بداخله الفرح المؤقت، بدخوله على وسائل التواصل الإجتماعي وشخصية أخرى غير شخصيته،، قبل أن يدخل بتطبيق الرسائل ويعيد محاولاته في التواصل عبر حساباته
العديدة المزيفة.
❈-❈-❈
داخل غرفة النوم والتي تقضي فيها معظم وقتها بالمنزل، تُشعل شاشة التلفاز أمامها لتشاهد مسلسلاتها المفضلة في غياب زوجها الذي يُصر دائمًا على مشاهدة مباريات كرة القدم وحلقات المصارعة الحرة.
تتكتئ على وسادتها وتتناول المسليات أو الفواكه كما تريد، مدامت ستنظف كل هذه الفوضى قبل أن يأتي أبا الغضب بعواصفه، فلا يوجد حماة تعكر صفوها بالشجار والتدخل في كل صغيرة وكبيره تخصها، ولا شقيقة تراقب عليها وتعُد عليها أنفاسها.
هذه مملكتها ولا يشاركها بها أحد، وقد حصلت عليها كتعويض من الله بعد معاناتها في الزواج السابق، فلا داعي لتذكر هذه الأيام العصيبة الاَن، حتى تستمع باسترخاء بمشاهدة الفيلم العربي المذاع أمامها.
كما تُسلي نفسها أيضًا بمتابعة هذه الرسائل المتتالية الغريبة التي تصل إلى حسابها في تطبيق المحادثات، بعدم معرفة حقيقية او حتى صداقة عابرة مع صاحبها عبر وسيلة التواصل الأكثر شهرة:
-عرفيني عن نفسك
-انا معجب.
- مفيش مرة تردي وتريحي قلبي، يا أجمل ما رأت عيني
أطلقت ضحكة مدوية بمرح يكتنفها مع قراءة الرسائل ودعوات صاحبها الحثيثة لها بالرد والإجابة منذ عدة أيام، وهي تقرأ مستمتعة ولكنها لا تريد إجابته حتى لا يظنها سهلة المنال، مع شعورها بتافهة المرسل.
بهذه الجمل النمطية والتي تتكرر معها كثيرًا برسائل عديدة تصلها من عدة أشخاص:
- روحتي مني فين يا قمر؟
- طاوعك قلبك تسيبيني انادي لوحدي مع نفسي كدة، اعطفي وردي بقى على قلب محب اتعذب في عشقك، ايه بقى؟ معندكيش اي ذرة رحمة تحني على قلب واحد مسكين زيي
- ماشي ماشي، عمالة تقري في الرسايل ولا تعبري، شكلك بتستمتعي بعذابي، صح ولا انا غلطان.
استمرت ضحكاتها بانتشاء وهي تتناول في حبات العنب الصغيرة، وعينيها تنظر بصورة الشاب صاحب الحساب الذي يراسلها وهي تشبه إحدى النجوم الأتراك المدمنة على مسلسلاتهم، بل وتعشق الرومانسية في تدليلهم للنساء، وكم تمنت أن تكون مكانهن.
إنتابها الفضول لتخرج عن صمتها وتكتب له اَخيرًا بجملة واحدة:
- قبل كل شيء، قولي الاول، دي صورتك الحقيقية ولا لأ؟
بعث لها يرد برسائل الفرح مهللًا:
- اخيرا يا ناس، اخيرا وصلني رد منك يا جميل، رق قلبك القاسي بعد طول انتظار مني
طرطقت بفمها صوت اعتراض يكتنفه الدلال قبل أن تضغط وترسل إليه:
- انا لا عطفت ولا حن قلبي القاسي، انا بس بسألك وانتي عليك تجاوب
-
انتظرت قليلًا حتى أتتها إجابته:
- لا طبعا مش صورتي بس انا احلى من الراجل دا على فكرة
فغرت فمها بعدم تصديق، تود الرد برسالة ساخرة.
وكأنه قرأ أفكارها، فتابع على الفور برسالة أخرى
- عايزاني اثبتلك، مستعد ابعتلك صورة اصلية دلوقتي حالا .
- خلاص ابعت الصورة الحقيقية وبلاها منها الحورات.
وصلتها إجابته سريعًا:
- انا مش بحور، بالعكس بقى انا هبعتلك صورتي حالا لو انتي بعتي صورتك في المقابل
أطلقت ضحكة مجلجلة لترسل له رمز ضاحك، تُظهر استخفافها بعبارته.
ثم أغلقت الهاتف بعد ذلك مرددة:
- الغبي فاكرني هبلة، قال عايزني ابعت صورتي كدة على طول ومن اول محادثة، دا باينه غبي فعلا
❈-❈-❈
أعاد الهاتف لجيب بنطاله، بعد إنتهاء المحادثة، يتأمل هذه المرة أن تأتي بنتيجة فعالة، فجميع المرات السابقة فشلت ولم يصل بها إلى نصف المسافة التي يرجوها، دائمًا ما تلاعبه وتعلقه وكأنها أدمنت الرسائل وأدمنت حب السيطرة بتعليق الرجال.
هذا الدور الذي تعشقه، ويحتل خيالها الخصب بتفكيرها الذي يذكره بالمراهقات الصغيرات قبل أن يعين على الواقع البائس، ولكنه لا يستبعد فهو كما علم من أحاديثها سابقًا مع زوجته، لم تكمل عامها الدراسي الاَخير في شهادة الثانوي الفني الصناعي.
وقد تزوجت عن عمر صغير، ويبدوا أنها حرمت من هذه الأحاسيس وتريد تعويضها الاَن ومع عصام!
تبسم بداخله على هذا الخاطر الاَخير، فجاره العزيز وصاحبه أيضًا له خبرة طويلة بعلاقاته المتعددة مع النساء جعلته يكتشف طبعها سريعًا بعد زواجهم.
وذلك ما جعله، بخيل في كلماته لها، حتى لا تتكبر عليه وقد أتى بها من بلدتهم خصيصيًا حتى تكون طوعًا له تحت أمره، فلا يكرر ما حدث معه في زواجه الاول من بنت الحضر إبنة خاله، التي كانت تعايره بتعليمها الجامعي إذا ضربها أو تشاجر معها.
- بتفكر فيا صح؟
هتف بها عصام يقطع عنه شروده بعد توصيله لهذه المرأة وابنتها للعنوان المذكور، استفاق عمران ليسأله بمرح مصطنع:
- ايوة يا روحي كنت بفكر فيك، خوفت اوي تاكلك الست دي وبنتها ولا يخطفوك، انا شوفت ده في عنيهم من قبل ما يمشوا
أطلق عصام ضحكته المدوية بصخب قبل أن يتناول الكرسي الاَخر ويقترب بجلسته من عمران:
- على النعمة انت عليك حاجات، ما حد بيعرف يضحكني زيك ، ابصم بالعشرة لو اخدت بطولة فيلم سيما ، هتقلب الدنيا بقفشاتك.
ردد ساخرًا خلفه:
- اه يا حبيبي هقلبها بس مش بدمي الخفيف، انما بشكلي الجميل والوسيم، مش واخد بالك؟
اختف الهزل من وجه عصام وحل مكانه الإشفاق والتأثر من كلماته صديقه التي كان يردف بها وهو يشير بكفه على وجهه.
تنهد بعمق قبل يقول ملطفًا:
- خلاص يا عمران، أنا مقصدتش ابدا اسخر منك يا راجل، انا بس عبرت ع اللي بحس بيه بحسن نية، يعني عمري ما هتنمر عليك .
أومأ عمران بشبه ابتسامة لا تصل لعيناه، يرد بلهجة لينة يدعي السماحة:
- ما تاخدتش في بالك يا عصام ، عارف اني نيتك بريئة، ما انا مش صغير عشان معرفش أميز بين الضحك والجد.
تنهد عصام يردد بارتياح:
- الحمد لله انك عارف باللي في نيتي، انتي صاحبي وزميلي وجاري، يعز عليا زعلك ، ومعزتك فوق راسي
- لا يا حبيبي فاهمك انا طبعا،
قالها عمران بابتسامة افضل قليلًا من سابقتها، ثم اردف يتابع:
- طب قولي عن الست دي عملت ايه معاك؟ وقالت لك ايه؟
ضحك عصام وهو يتذكر المرأة التي تركها منذ قليل قبل أن يجيبه:
-
-دي ست مجنونة يا رجل، طوال السكة وانا ماشي معاها، مش مبطلة كلام عن انها مطلقة ومستنة بس الراجل الكويس عشان تتجوز وساعتها هتسيب بنتها مع والدتها، دا غير بقى قصة وفاة والدها وورثها منه فدادين زراعية ومعانم حوس نليات بالبدايه الكبيرة والصغيرة، كان ناقص بس تقولي اتجوزني
استجاب عمران للمزاح الذي يتبادله مع رفيقه، ليرد:
- من غير ما تقول، انا شوفت في عنيها اللي رشقت فيك، بس ايه رأيك يا سيدي ما تجرب، مش يمكن تبقى فرصة بما انها خفيفة وصيد سهل لأي راجل زيك، واهي تنفعك بمالها، تهبش منها على قد ما تقدر ويمكن تشتري بيت أحلامك وتخليها تكتبه بإسمك.
تجعد وجه عصام ليرد بامتعاص وهو يدنو ليجلس حول النار ويدفئ كفيه برفكهما جيدًا:
-تغور بحالها ومالها وجمالها، وحتى البيت الملك مش عايزه من خلقتها، انا بعد خبرتي الكبيرة في علاقتي الكتيرة بصنف النسوان، اقدر اقولهالك ومن كل قلبي ، اني زهدت وقرفت، كلهم زي بعض، ومفيش واحدة فيهم تستحق حب الراجل مننا .
الكلام ده عن تجربة
غمغم عمران بداخله:
- ياريتني أمتلك نص خبرتك دي يا عصام عشان اقدر أصدق كلامك، وانا المسكين خبرتي المحدودة متتعداش عزة المتواضعة، واللي للأسف طولتها بعد عذاب وكأنها جايزة بعد رفض معظمهم ليا.
والدتي جابتني ع الدنيا دي وفارقتها من قبل ما أكبر ولا يتشد عضمي، ياريتها حتى كانت سابتلي اخت تونسني، احكي معاها وتحكي معايا، على الاقل كنت لقيت عندها القبول الفطري بحكم الأخوة ما بينا، يمكن ساعتها ما حسش بالهوة الكبيرة دي بيني وبين صنف الستات
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وفي الميعاد اليومي من الصباح كان جالسًا خلف باب الغرفة يستمع هذه المرة منها ما تقصه على عزة بشأن محادثة الأمس، تتحدث بزهو عن هذا المعتوه الذي ظل يرسل لها الرسائل بالأيام يتغزل في جمالها كي يطلب صورتها هكذا من مجرد أن ردت ببعض الكلمات عليه.
- طلب صورتي يا عزة مقابل أنه يبعتلي صورته، فاكر الشوق هيموتني عشان اشوف شكله الحقيقي، ولا يمكن فاكرني هبلة عشان اول ما يطلب ابعت على طول ومن غير تفكير
-
قطعت لتكمل ضاحكة:
- العبيط ميعرقش اني رديت عليه من الاساس بسبب الصورة الحلوة للبطل التركي اللي بحب مسلسلاته،
قطعت لتنطلق في الضحك مرة أخرى تردف:
- طب والنعمة بعد ما قفلت معاها قعدت فترة كبيرة اضحك من غير بالي.
ردت عزة ببعض القلق رغم إصابتها بعدوى الضحك على ما تتفوه به جارتها العزيزة:
- بس انتي مكنش يصح انك تردي يا ابتسام وتديه ريق حلو، كنتي سبتيه زي غيره، لا ينتهزها فرصة ويزهقك برسايله، أو يمكن يتجرأ ويبعت صور غريبة اوعريانة، زي ما حصل المرة اللي فاتت
سمعت منها وشردت قليلًا ببعض الاقتناع قبل أن تجيبها وهي تحتضن الوسادة الصغيرة:
- وربنا دا كان قراري من البداية، بس غلبني الفضول في السؤال، بعد ما اقعد يلح عليا بالرسايل، بس اطمني ، لو زود ولا بعت اي حاجة مش ولابد ، هظرفه البلوك على طول
شددت عزة بقولها الذي ينبع من دافع الخوف عليها، على أمل أن تتبع ابتسام النصيحة:
- من غير ما تستني، احظريه من دلوقتي، لا يقع الفون في ايد جوزك على مرة ويكتشف أن بتردي على رجالة، إحنا منضمنش رد فعله بعدها، ولا أنه ممكن يظن بيكي السوء.
أصدرت صوت شهقة عالية مستنكرة ابتسام، أجفلت عزة، لتردف بعدها باندفاع:
- عصام يظن بيا انا السوء! طب بأي عين بذمتك؟ دا تاريخ علاقاته بالنسوان ذكره قدامي بكل بجاحة يا حبيبتي.
دا انا معملتش ربع اللي عمله مع النسوان اللي مشي معاهم، أن كانو بنات عادية ولا ستات متجوزة حتى، هو واثق اوي عشان عارف تمامي، انا اخري ارد من باب الفضول وقتل الفراغ، أكثر من كدة معملش
تبسمت عزة تربت بكفها الصغير على كتف جارتها لتهدئ لتقول لها بمهادنة:
- انا عارفة كويس بأصلك الطيب يا ابتسام، واكيد هو كمان عارف، بس انا بوجه كلماتي من باب الحرص ، مش يحقلي برضو أن انبهك يا ابتسام
أردفت بالاَخيرة لتجد المذكورة تندفع عليها وتحتضنها بمودة صادقة تقول لها:
- يحق لك كل شيء يا عزة، انتي مش جارتي وبس، لا دا انتي اختي اللي ربنا عوضني بيها هنا، في بعدي عن أهلي والبلد .
-وفي الداخل وبعد إنصاته لمعظم الحديث نهض عن كرسيه ومراقبتة الدائمة، ليرتمي بجسده على التخت وقد اخذه التفكير العميق للبحث عن طريقة أخرى يستطيع بها التواصل معها، وقد فشلت كل محاولاته السابقة بهذه الحسابات المزيفة.
يشعر بالتشتت لأقصى حد معها، يعلم أن لديها الإستعداد مع ضعفها أمام غزل الرجال، بالإضافة إلى سذاجتها مهما فعلت وبينت غير ذلك، ولكن أين يجد الطريقة؟ عقله مشغول بها ليل نهار، يتحرق شوقًا لتبادل الحديث معها، ولكنها لا تعطيه الفرصة حتى بالنظر إليه.
لو كان رجلًا وسيمًا أو حتى يمتلك مجرد القبول، لما واجه هذه الصعوبة على الإطلاق، يملك العقل الجيد ولا يملك الطريقة التي تساعده على التواصل معها، يكتنفه شعور قوي بالعجز على حل هذه المعضلة الكبيرة.
كما تغلي رأسه بأفكار عديدة ينسجها عقله الذي يزداد تصميمًا يومًا بعد يوم للتعلق بالمستحيل، ومع ذلك هو يرى نفسه دائمًا يستطيع الإقتراب مع بحثه الدائم عن الوسيلة، نعم هي الوسيلة؛ إن وجدها لن يبقى هناك مستحيل.
ظل على حيرته هذه والتفكير المتواصل حتى غلبه النعاس مع طلب جسده للراحة بعد السهر في نوبة عمله، بالإضافة إلى هذا الإجهاد اليومي والمستمر، استيقظ بعد ذلك مجفلًا على صوت زوجته وهي تلكزه بخفة:
- عمران، يا عمران قوم اصحى.
.
انتفض مزمجرًا بصوت خشن جعلها ترتد للخلف مرتعدة مع هذه الملامح المتجهمة والنظرة المخيفة التي اعتلت وجهه:
- ايييه؟ عايزة إيه يا عزة؟
ابتعلت ريقها لتجيب بصوت خفيض وحذر:
- آسفة اني بصحيك قبل ميعادك الاصلي، بس انا مضطرة، اصل الدكتور عزيز باعتلك مع حد من عمال المركز وعايزك
-الدكتور عزيز؟!
هتف بها ينهض سريعًا من التخت ليكمل يريد معرفة المزيد:
- وايه اللي يخلي الدكتور يجي دلوقتي واحنا في نص الشهر ومش اخره؟ وكمان وقت ضهرية؟
-- معرفش، بس هو بعت لعصام كمان، شكله عايزكم انتو الاتنين
قالتها تجيبه سريعًا، لتجده يغمغم باندهاش قليلًا قبل أن يتحرك نخو خزانة ملابسه.
فخلع عنه رداء النوم ليرتدي الاَخر والخاص بالعمل حتى يلحق بمقابلة الطبيب صاحب المركز الذي يعمل لديه.
الدكتور عزيز.
❈-❈-❈
بعد قليل
كان الإثنان عمران وعصام بداخل العيادة الخاصة للطبيب داخل المركز، يحملان مع بعض الرجال الاَخرون، عدة أجهزة طبية جديدة لتحل محل القديمة، والتي قاما برفعها بعد ذلك لداخل مخزن صغير خصص للأدوات الطبية والأجهزة أيضًا.
حتى إذا انتهوا اَخيرًا وخرج الطبيب يهم بالعودة تفاجأ بتجمع عددًا كبيرًا من الأهالي على الدرج الرخامي وقد منعهم من التقدم رجلان من موظفي المركز بالهتاف لأقناعهم:
- يا جماعة بلاش اللمة وروحو على بيوتكم، مفيش فايدة من التجمع، دا مش الوقت المخصص للدكتور اصلا، الراجل جاي في مهمة محددة وخلاص على وشك أنه يمشي.
تكلمت امرأة من وسط الحشد موجهة خطابها للعاملين:
- احنا عارفين بأن عمله بيبتدي ف المركز على اخر تلاتة أيام في الشهر، لكننا في طمعانين في كرمه، يطل علينا بكشف أستثناءي، دا راجل طيب زي والده الله يرحمه الدكتور الكبير
قالت المرأة ثم دفعت بطفلتها ذات الخمس السنوات، لتتابع للرجلين:
- بنتي بتشكو من ألم شديد في رجليها، يعني مينفعش تستنى لآخر الشهر على كشفها
هتف العامل الاَخر بوجهها بنفاذ صبر :
-لا حول ولا قوة إلا بالله، وايه ذنب الدكتور في مشكلتك انتي وبنتك يا ست ؟ مل تروحي بيها على اي مستوصف ولا مستشفى حكومي، روحي بيها الله يرضى عنك، محبكتش يعني ع الدكتور وبس
ثارت المرأة بالكلمات الساخطة توبخ الرجلين حتى استنفرت باقي المجتمعين معها من أهل المنطقة، ليعلو معها صوتهم المنادي على الطبيب عزيز حتى خرج إليهم
مجفلًا على ألأصوات وخلفه كان عمران وعصام بعد إتمامهم العمل بالمخزن.
- ايه في ايه؟ وليه التجمع ده؟
هتف الطبيب بالسؤال ليفاجأ بالصياح والنداء بإسمه، من هولاء المتجمعين، مع تذمر العمال الذين كانوا يجاهدون لمنع تقدم الأفراد نحو الطيبب عزيز.
والذي حاول الإعتذار بزوق وكلمات مهذبة، ولفت نظرهم لضيق الوقت لديه وعدم مقدرته على تلبية مطالبهم.
ليقابل بالاعتراض من معظهم مع ازدياد الإلحاح من واقع عشمهم به، كما عاهدهم دائمًا بحسن أخلاقه وعدم صدهم او خذلاناهم قبل ذلك.
لم يقو عزيز على صرفهم رغم عدم تقديرهم لمسؤلياته الكثيرة والتزاماته العديدة، فاضطر
للتراجع من أمامهم لداخل المنزل ساحبًا معه عمران للهروب من الباب الخلفي من المطبخ والمؤدي للمخرج الاَخر من المنزل، وقد أمر عصام ليأتي بالسيارة إليه.
خطا الاثنان إلى داخل الممر الذي يفصل بين المبنى الكبير والملحق الجانبي الذي يسكنه الحارسان، وقبل أن يصلا إلى وجهتهم توقفا فجأة ليستديرا على إثر شهقة قوية صدرت من خلفهما، وصوتها يردد بعدم تصديق:
- الدكتور عزيز!
❈-❈-❈
وقف بينهم يتابع الحديث الدائر بأعين متربصة لا يغفل عن هفوة، وهي تتحدث بلهفة مع الطبيب تعرفه عن نفسها بأنها زوجة حارسه عصام، لتسأله ببلاهة إن كان يتذكرها أو راَها قبل ذلك، وعزيز يستمع ويتطلع إليها بأعين الإعجاب والإهتمام، فيستجيب لها بابتسامته.
لتزداد لهفتها في الحديث معه، وهذا يزداد اشتعالًا بغضب مكبوت على موقعه بينهم كالخرقة البالية، التي لا يرها ولا يشعر بها أحد، يقرأ جيدًا ما يدور برأسها الاَن نحو إعجاب الطبيب بها وما قد يشطح به خيالها في ذلك، من أفكار يعلمها جيدًا.
بحكم مراقبته الدائمة وفهمه لها فالغبية لا تعلم ان نظرة الطبيب لها لا تتعدى الإعجاب اللحظي بالمرأة الريفية التي تتحدث معه بطلاقة، بالإضافة لجمال صورتها الذي قد يبهره كرجل بوقتها.
ثم تذهب عن ذاكرته بمجرد استقلاله السيارة أو الأنخراط بعمله المرهق في علاج المرضى، او حتى بحديثه العادي مع زوجته الطبيبة التي تليق به وعلى نفس الدرجة العلمية والفكر الواحد.
فمهما كان تواضع الطبيب وحسن أخلاقه؛ فهو لن يميل سوى لمن تعادله في الطبقة، أو ع الأقل يقترب عقلها من عقله في التفاهم، والأهم من ذلك؛ أخلاقه الراقية لن تجعله يميل أو حتى يفكر مجرد التفكير في زوجة أخرى غير زوجتك.
حتى لو أراد؛ فلن يملك الوقت لفعل ذلك، هذا ما يعلمه بحكم تربيته في منزل الرجل، حينما استلم العمل مع الطبيب الكبير عن عمر الثالثة عشر.
لم يظلا كثيرًا على حالتهم حتى أتى عصام بسيارة الطبيب التي أحضرها من أمام المدخل الرئيسي للمبنى، عدة لحظات بسيطة التي مرت ولكنها كانت كفيلة بإحراقه.
خرج الطبيب ليستقل سيارته على الفور قبل أن يراه أحد الأشخاص، فلا يستطيع الفكاك من حصار اَخر، توقف عمران وعصام حتى اختفت السيارة من أمامهما ليعودا لمسكنهم من خلال الباب الخلفي للحديقة وقد انتهى عملهما مع ذهاب الطبيب.
دلف خلف عصام ليجدها مازالت واقفة محلها ولكنها كانت مستندة على جدار الملحق، ونظرة حالمة على صفحة وجهها الذي مازال محتفظًا بابتسامة السعادة، ليصله على الفور ما يدور بعقلها السازج الأحمق.
ربت على وجنتها عصام مستغربًا هيئتها تلك، ليأمرها باتباعه لدخل منزلهم قبل أن يستأذن منه ليغفى ويستريح قليلًا حتى يأتي ميعاد نوبته، خلفه هو أيضًا في الذهاب إلى عزة التي كانت تراقب من شرفتها الصغيرة في الأعلى كل ما دار منذ قليل
....يتبع
الفصل الثالث
وكما توقع كان الطبيب هو بطل الحديث الدائر بين الاثنتان، وهي تقص على زوجته كل ما تحدثت به أمام عزيز، والأخرى تستمع بانتباه، وابتسامة بالإنبهار تعلو وجهها، للجرأة التي طرأت حديثًا على جارتها.
حيث أتتها الفرصة لكي تتحدث مع الطبيب الذي تسكن بمنزله لما يزيد عن الأربع سنوات ومع ذلك لم تتمكن من رؤيته سوى بعض مرات معدودة، بفضل انشغاله الشديد، حتى وهي تعالج من قبل زوجته الطبيبة الراقية الأستاذة فاطمة.
- ساكتة ليه يا عزة؟ اتكلمي وقولي رأيك في اللي حكيته
سألتها ابتسام في محاولة منها لتسمع وتعرف برد فعل جارتها عما تتفوه به، وكان رد الأخرى ابتسامة متسعة ومرحة:
- وإيه فايدة رأيي يا ابتسام ؟ وانتي اتطورتي وبقيتي تتكلمي مع الرجالة، اتجرأتي وفشلت تربيتي فيكي، أو بالأصح انا معرفتش اربي.
قالتها بمزاح لتنطلق الضحكات الصاخبة منهن فتصل إلى هذا المتعوس الملتصق وأذنه خلف الباب المغلق، ليزداد الضجيج في عقله بالتفكير المتواصل.
لقد رحبت بالرجل وكادت أن تقع من طولها لمجرد رؤيته بالقرب منها، أوقفته واعترضت طريقه بلهفة وخفة غير طبيعية، حتى إذا افتر فاهه بشبه ابتسامة لها؛ حلقت في الفضاء بفرحة وكأنها ملكت النجوم، لتأتي وتقص على زوجته وكأنها فعلت أمر بطولي.
أو أنها التقت بنجمها المفضل في التلفاز، وحصلت منه على توقيع لتظل تفتخر به بجميع سنوات عمرها القادمة، تنهد يغمض عينيه بتمني أن يُصبح هو مكان الرجل، فينال ما يبتغيه من النساء.
نفض رأسه عن هذا الخاطر الغريب، فهو لا يحلم بغيرها ولا يوجد من النساء ما حلت برأسها كمثلها، لقد سكنت بعقله واحتلت وجدانه وسيطرت على كل حواسه، فلا يرى من النساء غيرها، ولا يسمع بأفضل من صوتها، ولا يتنشق برائحة كرائحتها التي تتركها في ركن من منزله.
على صوت الضحكات من خلف الباب مرة أخرى يقطع عنه شروده، فالتفت رأسه بحدة، وقد ضاقت أنفاسه وتعب من كثرة التفكير في التعلق بالمستحيل.
خطر إليه النهوض وطردها من منزله كي يستريح عقله ولو لدقائق من مشاغلتها له على الدوام، حتى لو كان هذا بدون قصد منها.
❈-❈-❈
في المساء وعلى ميعاد النوبة المسائية، دلفت لداخل الحجرة على صوت الهاتف الذي لا يتوقف بصوت الإتصالات العديدة التي تتواتر عليه، وزوجها واقف امام المرأة يتأنق بما يرتديه كما ينثر على ثيابه العطر، بتجاهل تام للرد
- ما ترد ع الزفت التليفون، بدل قرف الرنات اللي مبتخلصش دي.
هتفت بها نحوه مندهشة بانزعاج قابله هو بنظرة باردة لانعكاس صورتها في المراَة، ليرد بعد وقتٍ طويل وقد أحرق أعصابها بالفعل في انتظاره.
- مليش مزاج ارد، متشغليش نفسك انتي يا اختي.
صاحت غاضبة وقد أخرجها بهدوءه المستفز عن طورها:
- ازاي يعني منيلش ولا ازفت، وصوت الرن جابلي صداع نصفي، مش عايز تجاوب كنسل ولا اقفله خالص التليفون الفقر ده.
التف إليها صامتًا بنظرة مستخفة تعلمها جيدًا، ظل لعدة دقائق على وضعه، وهي تتطلع إليه بترقب، حتى تحركت شفتاه ليقول اَخيرًا:
- شايفة اتمطعتي اوي وخدتي الثقة تناطحيني في الكلام، لا وكمان بتأمريني اعمل ايه ومعملش ايه؟
صمتت تصك على فكها في انتظار المزيد، فهيئة زوجها تدل أن مخزون كلماته القاسية قد أتى ميعاد فيضانه، وكما توقعت وجدته يكمل بنظرة تشملها من اعلى رأسها حتى طرف جلبابها في الأسفل :
- اتغيرتي اوي يا ابتسام، وبقيتي واحدة معرفهاش، حياة المدينة شقلبتك في الشكل والطبع كمان، انجرأتي اوي وصوتك بقى يعلى كمان على جوزك..... وبقلة حياة.
-انا قليلة الحيا يا عصام .
هتفت بها مقاطعة له، فعلى صوته بالصياح عليها بغضب ظاهر:
- مجرد مقاطعتك ليا قلة أدب انا مرضاش بيها، ولا عندي طولة بال ولا مرارة للصبر عليكي يا ابتسام
إرتفعت عيناها إليه بتساؤل يشوبه التوتر، وهو الأعلم بما يدور على الفور برأسها الاَن بعد سماعها العبارة، فتابع يضغط على النقطة التي تخشاها دائمًا برعب، ألا وهي تكرار الفشل في زواجها والعودة مرة أخرى مطلقة ذليله في بيت أباها تنهشها أللسنة البشر بلا رحمة.
- بلاش تأمني غدري يا غالية، ممكن تشوفيني دلوقتي صابر على وقاحتك معايا، لكني ساعة ما اقرر هتلاقيني فجأة قلبت الترابيزة فوق دماغك، ومطلقك على أتفه الأسباب، ومتقلقيش، انا هعرف كويس اني اخلق الحجة قدام اهل البلد ، لما احكي عن كل اغلاطك من وقت جوازي بيكي.
وانتي متأكدة طبعا انهم هيصدقوني، لا دا كمان هيدعمونى ويقفوا في صفي، حتى أهلك يا ابتسام ، مش كدة برضو؟
توقف يرى رد فعل كلماته على وجهها الذي انسحبت الدماء منه، وانفاسها التي أصبحت تتلاحق سريعًا دون توقف من مجرد التخيل.
حتى كاد أن يتراجع مشفقًا عليها، ولكن عقله اليقظ بذكريات الماضي أبى أن يعطي فرصة لعاطفته للتأثير عليه، يكفيه ما عانى منه في زيجته الأولى من امرأة، عشقها بكل جوارحه، حتى عمي عن عيوبها، فجعلته يتغاضى عن أخطائها التي كانت تزداد يومًا بعد يوم.
وحينما انتفض بالرفض لأفعالها، لم يُعجبها اعتراضه لتذكره بتفضُلها عليه، حينما تنازلت وتزوجت بمن أهو اقل منها تعليمًا بشهادة أقل من شهادتها الجامعية،
نفض رأسه ليجلي عنها زكريات الماضي التي حفرت بالقلب ندبة عميقة لا يعتقد انه سيشفى منها أبدًا.
غلف وجهه بقناع قاسي يدعي الحكمة وقول النصيحة:
- مش قصدي اخوفك يا حبيبتي، دا بس تحذير عشان متكرريش الخطأ، وتفشلي للمرة الثانية في الجواز، وساعتها تقضي على كل فرصك الكويسة في الجواز للمرة التالتة.
انتي جربتي قبل كدة، ومعتقدتش انك نسيتي نماذج الرجالة اللي كانو بيتقدمولك كواحدة مطلقة، ما بين أرمل عايز اللي تربي عياله، أو عيل فاشل مش لاقي اللي يتجوز بيه، فيطمع بجهاز غيره مع واحدة خرج بيت مش هتكلفه شيء، ولا راجل عجوز... عايز الصغيرة اللي ترجع له شبابه
ظلت صامتة بأعين غائمة، لجمتها كلماته السامة عن الرد، وقد ذكرها بهذه الأيام العصيبة في الشد والجذب مع عائلتها التي كانت تريد سترها والموافقة على اي خاطب مهما كانت صفته، وهي لا تجد غير البكاء حيلة لردعهم عن الضغط عليها كي توافق .
تنفس أمامها بعمق شاعرًا بالأكتفاء مما فعله بها، كاتمًا هذا الصوت من الداخل والذي يدعوه لطمئنتها، لعدم نيته في فعل ذلك والإنفصال عنها، ليربط على قلبه بالالتفاف عنها ينتوي المغادرة
فتناول هاتفه وعلاقة المفاتيح ليضعهم بجيب بنطالة ثم ذهب منصرفًا دون أن يكلف نفسه عناء النظر نحوها، ومعرفة ما أصابها.
وقد سقطت بجسدها على أرضية الغرفة بعد ان تهاوت اقدامها عن حملها، وقلبها من الخوف ازداد خفقانه بصورة جعلتها تشعر بقرب توقفه، تتمنى الموت ولا العودة لهذه السنوات المريرة التي قضتها كمطلقة، حمل ثقيل على أهلها في المنزل.
وفي الخارج تتربصها الأعين أينما وطئت أقدامها، تُحاوطها الظنون والإتهامات المسبقة على أقل فعل تقوم به، مطمع لكل خسيس يظنها سهلة المنال.
كالبضاعة المستعملة يقل ثمنها مع أي خاطب من الأعداد الغفيرة التي تريد الزواج بها، ولا تجد منهم من ما يناسب او يصلح لها
❈-❈-❈
- رايحة فين يا عزة:
تفوه من خلفها فجأة لتشهق منتفضة واضعة كفها على موضع قلبها وقد أجفلها الاَن بحضوره، فتسائلت بأنفاس متهدجة:
- أنت امتي جيت يا عمران ؟
تقدم نحوها بوجه عابس فقد استفزه استمرار خوفها الغريزي منه في كل مرة تتفاجأ برؤيته رغم مرور السنوات التي جمعتها معًا، وكأنه تذكره عن غير قصد بتشوه وجهه، فقال مشدد على أحرف كلماته:
- انا اللي بدأت بالسؤال، يبقى تجاوبي مش تردي ع السؤال بسؤال.
ابتعلت رمقها لتجيبه ببعض الثبات وقد هدء ارتياعها قليلًا:
- يعني هكون رايحة فين بس يا عمران بإسدالي ده؟ هما خطوتين للشقة اللي قصادنا، رايحة اشوف ابتسام جارتي
أخفى ارتباكه لمجرد ذكرها بالإسم، وسألها بنبرة طبيعية:
- ومتجيش هي ليه؟ هي مش عارفة انك تعبانة وكتر الحركة خطر عليكِ وعلى حملك؟
أجابته بعفوية:
- عارفة طبعا وكل يوم بتيجي تساعدني وعمرها ما قصرت، لكنها اليوم متقدرش، اتصلت بيا من شوية كانت منهارة من البكا بسبب خناقة جامدة بينها وبين جوزها، وانا دلوقتي واجب عليا اروحلها واطمن عليها
سألها بفضول تملكه للمعرفة؛
- ومعرفتيش منها سبب الخيانة؟
- هعرف لما اروحلها.
قالتها سريعًا وهي تعيد لف حجابها قبل الذهاب، ولكنها تذكرت لتساله:
- بس انت مقولتيش سبب مجيتك بدري عن نوبة شغلك تحت.
لوح أمامها بالعلبة الفارغة قبل أن يذهب لوجهته في المطبخ، لتعلم انه قد أتى من أجل تعبئتها بالسكر من أجل إعداد الشاي والمشروبات الساخنة كي تساهم في تدفئته ومعاونته على السهر مع رفيقه في الأسفل، اومأت بتفهم وانصرفت بعد ذلك ذاهبة.
وبداخل المطبخ توقف مستندًا بظهره على طرف حوض غسيل الأطباق من خلفه، وقد ذهب عقله إليها، يتسائل بداخله عن المتسبب في المشاجرة التي حدثت بينها وبين عصام الذي تركه بحالة يرثى لها في الأسفل، هي منهارة في البكاء وهو متجهم الوجه بشرود.
لكم ود اختراق الشقة المجاورة الاَن ليسمع منها كل ماحدث بأذنيه كفعل ما يقوم به كل صباح، وليس تلخيص مبهم من عزة التى لا تتحدث بغير المفيد، وهو مغرم بالتفاصيل في كل ما يخصها.
❈-❈-❈
على أرض الغرفة الباردة جلست أمام الأخرى والتي كانت تردد بالكلمات الغير مترابطة، بانهيار جعلها تخرج ما يعتمل بصدرها أمام جارتها:
- بيهددني بالطلاق يا عزة وعلى سبب تافه، احلفلك بإيه أنها حاجة متسهالش حتى الكلام، بس انا عارفاه، هو عايز يتخلص مني من فترة طويلة، كل شوية يهددني يهددني، باينه عايز يتجوز واحدة تانية
كانت تهذي بالكلمات مع بكاءها المستمر دون توقف والأخرى تربت على ذراعها بدعم لتهدئتها.
- طب ليه يعمل معايا كدة؟ يتهمني اني بجحت وعينت قويت عليه، عشان بس بطلب منه يقفل الفون المزعج، عصام معدتش طايقني، هو مش عايزني من الاخر.
للمرة الثانية تقطع كلماتها بالبكاء الذي على صوته بشهقاتها، فردت عزة بأسلوبها الرزين الهادئ والذي دائمًا ما يلامس المنطق لتُذهب عنها الأفكار السيئة
- يا هبلة افهمي بقى وميبقاش مخك ضلم ، دا مجرد كلام ، بيبعبع بيه قدامك عشان يحرق دمك، قالهم في ساعة غضب والرجالة عموما في ساعة الغضب محدش ياخد على كلامهم، اللي عايز ينفذ مبيقولش، واللي بيتكلم آخره كلام، هو بس بيفرغ شاحنه غضبه فيكي، زي ما بيعمل باقي الرجالة
توقفت عن البكاء وقد لفت نظرها مغزى الكلمات، فتساءلت متناسية ظرفها وما تسبب لها في البكاء:
- وهو عمران بيعمل معاكي نفس الأمر اللي بيعملوه باقي الرجالة، في انه يفش غضبه فيكي؟
تبسمت عزة لقولها قليلًا قبل أن تجيبها بتفكه:
- وهيعملها ازاي دي بقى؟ وهو عايش ومش عايش معايا في نفس الوقت، دا انا بحس انه مش حاسس بوجودي معاه اصلا
تعقد حاجبي الأخرى بشدة وتجعد جبينها باستغراب لتسألها على الفور:
- ازاي بقى ميحسش بوجودك وهو جوزك في الأساس، اعقلي كلامك يا عزة عشان اقتنع.
هزت برأسها المذكورة بابتسامة غير مفهومة وردت متنهدة بشرود:
- مش مهم تقتنعي يا صاحبتي، لانه بصراحة مفيش منه فايدة، اصل انا عرفت بمكانتي عنده من وقت جوازي بيه، دايما ساكت وكلامه بالتتقيط. لدي مساحة محدودة في علاقتي معاه، مقدرش اتخطاها، ضيفي على كل ده، اني عمري ما حسيت معاه بالدفء الأسري اللي بيكون بين إلى الراجل ومراته، لا يحكي ولا يتكلم حتى عن تفاصيل يومه واللي حاصل معاه، دا انا حتى مش بلاقي فرصة للسؤال، في بداية جوازي بيه كنت افتح معاه في المواضيع عشان اشجعه ياخد ويدي معايا، لكن مع شعوري بعدم اهتمامه، حماسي قل شوية شوية لحد ما وصل للكلمات البسيطة اللي تتكرر بروتينية ويفضل هو في سرحانه، وصرفت أنا نظر عن محاولة كسر الجمود ما بينا، وحطيت أملي بالطفل اللي جاي، لو جات بنت هتبقى اختي وصاحبتي، ولو وقد هيبقى ابويا واخويا ، أو مش حاجة من الاتنين ويكفي انه يبقى طفلي وبس، هو في اكتر من كدة نعمة.
- طبعا يا حبيبتي مفيش أعظم منها نعمة
قالتها ابتسام قبل أن تجذب رفيقتها تضمها إليها، وهي تتمتم بالدعوات الصادقة حتى يتم الحمل على خير، وتنل صديقتها أمنيتها بهذا الطفل.
نزعت نفسها فجأة عنها لتسألها بفضول:
- بس سؤال ، ومعلش ممكن تعتبيرني حشريه ولا قليلة الادب، لكن بصراحة الفضول هيموتني، نفسي اعرف ازاي قبلتي تتجوزي واحد زي جوزك بالتشوه الفظيع اللي على وشه، مخوفتيش ولا شاورتي دماغك تنتظري الأفضل.
تبسمت عزة بمرح لالتهاء صديقتها في الحديث ونسيان البكاء ومشاجرة زوجها، فردت تجاريها:
- ماتراجعتش ولا لدقيقة واحدة، دي كانت قناعة بنيتها جوايا من اول مرة شوفته فيها، اني مبصش على شكله، يكفي يجي عليا بقلبه، لكن للأسف محصلش.، اما عن قبولي بالتشوه الكبير في وشه، فدي حاجة بتيجي بالتعود، بالتعود يقبل الإنسان كل شيء، ثم كمان انا مش ملكة جمال عشان اشوف نفسي عليه
قالتها بعدم ثقة لم تتقبلها ابتسام فهتف معترضة على الفور:
- لا طبعا الكلام دا غلط، انتي جميلة وميعبكيش شيء ، ناقصك بس شوية دهون اللي تسيب زيادة في الوزن وتدور على جميع أعضائك وخصوصا وشك، وربنا يا صاحبتي ساعتها هتبقى جملة على حق
❈-❈-❈
تحرك من أمام النار التي أشعلها منذ قليل بعد أن انتهى من صنع الشاي عليها، فاقترب يناول رفيقه بالكوب الكبير مرددًا له ببعض المرح:
-الشاي التمام، لعصام الهمام.
أومأ له بشبه ابتسامة الاَخر يتناول الكوب الساخن ليرتشف منه على الفور متلذذًا بطمعه ثم عاد لشروده مرة أخرى
يشعر بعظم ما فعله اليوم مع زوجته، ولكنه لا يملك غير ذلك، لن يكون ضعيفًا بعد اليوم لامرأة مهما كانت مكانتها بقلبه، لقد علم وعرف جيدًا أن المرأة إذا اطمانت من جانب الرجل وشعرت بامتلاكها له، لا تتورع بعدها عن الدهس عليه بكل قوتها.
مدامت تملك بيدها صك غفرانه، وإن كانت الأولى تكبرت عليه بشهادتها الجامعية، فهو لن يسمح لهذه الريفية الساذجة ان تتكبر عليه بجمالها،
- كفاية سرحان بقى يا عم وانتبه لي
قالها عمران ليخرجه من حالة الشرود التي تلبسته منذ أن اتى وجلس بجواره، وباستجابة منه التفت إليه بتساؤل، ليكمل له عمران:
- زهقت اكلم نفسي ، وعايزك تفوق معايا
أومأ له برأسه ليرد وقد استفاق قليلًا إليه:
- انا معاك يا عمران متشغلش بالك.
- يا عم مشغلش بالي ازاي بس؟ وانت بحالتك دي تغفل عن شغلك نفسه، يعني اي حتة حرامي أو هجام ممكن يضربني على راسي، وقتها مين هينجدني بقى ؟ إن شريكي نفسه مش واخد باله.
قالها عمران وهو يستند بطرف كتفه على السور الحديدي للمبنى من الداخل، ليكمل وهو يشير بكفه للأمام .
- نحنا في حي شعبي قديم، والمبنى هنا، زي الدرة مميز عن باقي المنطقة، يلفت الأنظار إليه من جميع الجهات، والنفوس الطماعة مش هيمها الخير اللي يعمله الدكتور ساعة ما نغفل احنا عن الحراسة، وتتهيء الفرصة للسرقة.
تحول وجه الاَخر للعبوس الشديد بعد سماعه لوصلة التقريع الغير مباشر من رفيقه، فنهص فجأة يعدل من ملابسه، ليقول بنبرة جدية يكتنفها اللوم:
- خلاص يا عمران ممنوش عازة الكلام ده، انا فوقت يا سيدي ومصحصح اهو رغم اني موصلتش يعني للمرحلة اللي تجيبلك القلق.
تحرك عمران من جوار السور ليقترب منه قائلًا ببعض اللطف:
- بلاش تاخد كلامي بمحمل سوء، انا كان غرضي بس انبهك وبس يا صاحبي
-لا تأخذ كلماتي على محمل السوء، لقد كان غرضي التنبيه وفقط يا رفيقي.
أومأ له المذكور يدعي التفاهم، قبل أن يتناول كوب الشاي خاصته وقال بعملية وهو يتحرك بخطواته:
- عارف يا عمران ومعاك كل الحق.
استوقفه بسؤاله:
- طب انت رايح فين دلوقتي؟
اومأ بذقنه للأمام يجيبه:
- هقوم بجولة تفقدية حوالين المبنى ، استكشف المكان وحركة الأمن حوالينا
قالها وذهب تاركًا عمران ليفعل هو الاَخر ويراقب متطلعًا بتفحص لكل ما تقع عليه عينيه، بجدية اعتاد عليها منذ الصغر وتوليه مسؤلية حرمته من الإستمتاع بمرحلة المراهقة كباقي أقرانه، ظل على بحثه حتى اطمأن.
جلس ليستريح قليلًا، فمازال ليل الشتاء الطويل لم ينتهي بعد، نظر بالساعة فوجدها قاربت على الثانية عشر مساءًا، ليخمن بعودة عزة للمنزل، فميعاد نومها يبدأ من العاشرة، إذن هي وحدها الاَن.
وربما لو رسالها قد تجيبه وتندمج في الحديث معه كرد فعل طبيعي بعد شجارها الكبير مع زوجها، هكذا يعرف عن بعض النساء أو كما قرأ، تناول الهاتف ليحاول بالإرسال من حساب الأمس، ولكنه توقف بعد تذكره لكلماتها مع عزة وتعبيرها عن تفاهة المرسل.
عاد لإحباطه يفرك بكفيه على صفحة وجهه، شاعرًا بالعجز وقلة الحيلة، يتحرق شوقًا للتواصل معها، ولا يجد الوسيلة، حتى خداعها بحسابات أخرى لا تأتي بفائدة معها، تذكر حديثها صباحًا مع الدكتور عزيز ولهفتها حينما أوقفته واعترضت طريقه.
اغمض عينيه يتسائل بحسرة، لماذا كل طريق يقطعه محملُ بالأشواك؟ لما لا يجده ولو لمرة واحدة ممهدًا أمامه كباقي البشر؟ كم ود لو أصبح مكان الدكتور عزيز، ليرى لهفتها في الحديث إليه... انتفض فجأة يقطع شروده على خاطره الاَخير.
فتناول هاتفه يتلاعب به بحرفية وقد توصل بعقله لفكرة مجنونة، يود تنفيذها والمحاولة من جديد، فربما قد أتت هذه المرة بالنتيجة المرجوة، انتهى من فعل الحساب الجديدة بوضع الصورة الجديدة والتي كانت مخزنة بهاتفه منذ فترة كبيرة.
مع كتابة الأسم والمعلومات التي يعملها جيدًا، وبدون انتظار أو طلب صداقة، بعث يراسل على الفور بالأسم الجديد ورسالة مبهمة قصيرة تثير التساؤل بغموضها:
- انتي ابتسام زوجة عصام حارس الأمن؟
ثم ترك الهاتف بعد ذلك من يده على الطاولة الصغيرة امامه ينتظر النتيجة.
❈-❈-❈
عادت من حمام سريع أنعشت به نفسها قليلًا، بعد البكاء والإنهيار الذي أصابها وحديث زوجها السام، الذي كاد أن يصيب عقلها بالجنون في التفكير عن مدى جديته والخوف الذي تملكها من المجهول الذي ينتظرها إن صدق بالفعل وطلقها هذا المعتوه .
لكي تعود مرة أخرى لبلدتها محملة بفشل التجربة الثانية في زواج، وترى باعين الحاقدين الشماتة، وتدخل الحسرة بقلوب أحبابها، ولكنها هدأت بعد ذلك، وقد ساهمت كلمات عزة بطمأنتها قليلًا.
فلهتها بمزاحها والحديث عنها وعن علاقتها بزوجها الصامت عن التفكير في مشكلتها، غطست بداخل الفراش تلمتس الدفء فالبرودة في جو الغرفة أصبحت تزداد مع اقتراب فصل الشتاء.
تلحفت بغطائها جيدًا وهمت بالنوم، فتناولت هاتفها تلقي نظرة سريعة على الصفحات والأخبار كعادة تلازمها طوال اليوم، لتجد هذا الإشعار الجديد.
ضغطت لترى هوية المرسل لتفاجأ وتتوسع عينيها بعدم تصديق، فركت على عينيها لترى الصورة التي تعرفها جيدًا، ودخلت للحساب لتجد نفس المعلومات، فتسارعت دقات قلبها، مع رجفة جديدة لا تعلم سببها، إن كان البرد أم هي رؤية هذا الشئ أمامها
ينتابها الشك ويقتُلها الفضول مع هذه الرسالة الغريبة والمبهمة، ظلت تحادث نفسها بالأسئلة عن صدق ما تراه أو الكذب، لتغلبها الحيرة الشديدة، فقامت بالرد لتفطع شكها باليقين مرسلة:
- انت مين؟
وفي الناحية الأخرى تلقى الرسالة كهلال العيد بعد انتظار دام لساعات عاد بها رفيقه وتحدثا معًا حتى ارهقمها السهر، ليتخذ كل واحدًا منهما وضعه للحراسة في جهة بعيدة عن الأخر، وقد أثر هدوء الأجواء حولهم فجعل الصمت هو سيد الموقف في جميع الأنحاء.
حاول السيطرة على خفقان قلبه السريع ليلتقط أنفاس طويلة يهيئ نفسه قبل الرد بروية وهدوء، متلبسًا شخصية الطبيب فبعث لها:
-أنا الدكتور عزيز اللي وقفتيه الصبح واتكلمتي معاه يا ابتسام
قرأتها لتكتم شهقة قوية كادت ان تصدر منها بصوت عالي وتفضحها في قلب المنطقة كلها، لتضغط بأنامل مرتجفة تريد معرفة المزيد والتأكد:
- وإيه اللي يثبت صحة كلامك؟ حسابك فاضي من الأصدقاء وخالي حتى المنشورات عادية
-
أرسل لها بالرسالة التي حضرها بعقله من البداية توقعًا لما سيدور برأسها:
-دا حساب جديد يا ابتسام، عملته من شوية بعيد عن الأساسي المتراقب من زوجتي.
رفرفرت بأهدابها لعدة لحظات تستوعب، وهي تعيد على قرائة الرسالة مرارًا وتكرارًا لفهمها والقصد من وراءها، ليُتبعها بواحدة أخرى طويلة يشرح لها باستفاضة:
- مش عايزك تفهميني غلط، ولا يروح ظنك للسوء، كل اللي عايزه بس هو الكلام معاكي، بصراحة شدني جدا برائتك وحديثك العفوي الصبح، من زمان اوي ما صادفتش انسان نقي زيك، يتكلم معايا بعيد عن الروتين والمسؤليات الكتيرة اللي على دماغي، انا مرهق ومستنزف، نفسي في الراحة يا ابتسام
كلماته الخبيثة المقصودة ضغطت على عاطفتها التي تسوقها دائمًا فلغت عن عقلها التفكير السليم، لترد متأثرة بمشاجرتها مع زوجها:
- كلنا نفسنا في الراحة يا دكتور والله، مش انت لوحدك
كتم ابتسامة الإنتصار بكفه، يود الرقص او التنطيط على الأرض بأقدامه من الفرح، فمعنى اندماجها في الرد، أن الخدعة انطلت عليها وصدقت، قبض على قبضة كفه بقوة حتى يسطير على الرجفة التي تسير بداخله.
مجموعة من الإنفعالات المختلطة تفعل بعقله الأفاعيل، تماسك يذكر نفسه ليتلبس شخصية الطبيب من جديد برسالته:
- بس انا تعبت من الجري طول اليوم في سباق مينتهيش، معنديش الرفاهية حتى اني اقف، نفسي في الراحة ومش لاقيها، ممكن اسألك ، إن كنتي سعيدة انتي كمان ما عصام ولا لا؟
أوقفها سؤاله الغريب، لتتطلع للشاشة لعدة لحظات بعجز لا تود الإجابة فقالت مغيرة دفة الحديث:
- ابعت لي صورة تانية عشان اتأكد من شخصيتك.
أجفلته بطلبها المفاجئ، اضطرب يبحث عن حجة مقنعة، فذاكرة هاتفه الجديد لا تحمل سوى هذه الصورة، أما بهاتفه القديم فهو يحمل الكثير من الصور المنفردة للطبيب والعائلية أيضًا، بحكم عمله معهم منذ سنوات طويلة، فرد يرسل إليها:
- يسعدني طلبك بالتأكيد، بس انا مضطر لانهاء المحادثة عشان أمر ضرورى..... ممكن استأذنك اني ارجع تأني واكلمك
صمتت قليلًا حتى تمكنت اَخيرًا من الرد:
- مفيش مانع طبعا، وعشان اتأكد اكتر كمان.
هم لإنهاء المحادثة ولكنه استدرك سريعًا يبعث برسالة يذكرها:
- طب طلب صغيرة منك، ارجو انك تكتمي على محادثاتي معاكي وماتقوليش عليها لحد، حتى لو قدام اختك، تعرفي اكيد بوضعي الحساس؟
لم تعرف بما تجيبه فعقلها إلى الآن لا يستوعب أن يكون هو بالفعل الدكتور عزيز، وقد ذكر لها عن لقاءها به في الصباح، وهو يناديها بابتسام، وبأسم زوجها عصام.
بالإضافة لحديثه الرزين، والخالي من تفاهات الرجال في إرسال الورود وادعاء الرومانسية بالتدليل وكأنها على معرفة قديمة بهم، ولكنه كيف عرف بحسابها الذي أسسه لها عصام في بداية زواجه بها، أيام الدلال الاولى، قبل أن ينقلب ويظهر طبعه السئ معها.
وهذه الصفحة الفارغة الذي ادعى أنها صفحة جديدة أسسها خصيصًا لمراسالتها، أيعقل أن يكون هذا حقيقًا بالفعل، أن يكون الطبيب أعجب بها كما هي أعجبت به، لدرجة جعلته يبحث عن حسابها ويصنع حسابًا جديدًا لها خصيصًا؟
أما هو فقد أنهى المحادثة ليغمره شعور الإرتياح والبهجة وكأنه فاز باليانصب، بعد تمكنه اَخيرًا من وضع قدمه على بداية الطريق، يعلم جيدًا بصعوبة ما يود تحقيقه ويرسمه في خياله.
ولكن يكفيه المحاولة الاَن بالتحدث إليها، وقد يسعده الحظ في الوصول، لا شئ مستبعد مدامت الحيلة موجودة، لقد وضع اقدامه على بداية الطريق للتعارف معها، حتى لو كان بشخصية غير شخصيته فلا يمانع، فالأهم هو التواصل معها.
انتفض فجأة على نداء رفيقه من خلفه:
-عمران يا عمران.
نهض سريعًا بارتياح حاول السيطرة عليه، والرد بلهجة تبدو عادية وهو يخطوا ليقترب منه :
- بتنده ليه؟ عايز ايه يا عصام؟
نهض إليه هو الاَخر يرد بعدم انتباه لانشغاله بالهاتف الذي لا يكف عن الإتصال به:
- يا سيدي رايح اعمل كوباية شاي، يعني لو عايز اعملك معايا
ألقى عمران نظرة بتساؤل على الهاتف الذي بيد رفيقه، قبل أن يجيبه:
- انا فعلا نفسي في حاجة سخنة في كفي البارد، ودماغي بتتنشق على كوباية شاي، ممكن لنا الاتنين لو انت كمان مشغول
اعترض برأسه عصام ليترك الهاتف على حاله متجهًا نحو النار المشتعلة في الأسفل ليُعد الشاي بتصميم، تطلع أليه عمران بنظرات متشككة ورأسه يخمن أن رفيقه يتهرب من امرأة أخرى تلاحقه، ليسب بداخله هذا المحظوظ بجمال خلقته التي تجذب إليه النساء بدون مجهود.
...يتبع
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملة من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات
إرسال تعليق