رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الثالث والثلاثون 33بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الثالث والثلاثون 33بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
ـ ٣٣ ـ
~ أسيرة حب ~
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصباح..
كان حسن قد ارتدى ثيابه واستعد للخروج من غرفته، وإذا به يسمع طرقات خفيفة على الباب، تلاها دخول عمر.
ـ صباح الخير يا حسن.
قالها عمر بهدوء، فأومأ حسن، وقال:
ـ صباح الخير..
ساد الصمت لحظة، قبل أن يتساءل عمر مترددًا:
ـ إنت خارج ولا إيه ؟!
ـ أيوة .. رايح أشوف زينب.
هزّ عمر رأسه بهدوء، ثم قال:
ـ خدني في طريقك لحد الكومباوند أجيب عربيتي.
ـ تمام..
قالها حسن باقتضاب، فبقي عمر واقفًا مكانه، ينظر إلى أخيه بعينٍ تبحث عن مدخل للاعتذار، قبل أن يتمتم:
ـ حسن.. أنا آسف.
التفت إليه حسن نصف التفاتة، وقال:
ـ على إيه؟
لكنّه لم يمهله حتى يُكمل، فأردف بمرارة خفيفة:
ـ آآه.. آسف لأنك قلت لي إني عاوز أعيش طول عمري مختوم على قفايا.. مش كده؟
تنحنح عمر وقال في محاولة للتخفيف من حدة ما قاله:
ـ يا عم متزعلش بقى.. كانت ذلة لسان يعني ومش هتتكرر .
تنهد حسن بعمق، ثم التقط قنينة عطره، نثر منها حول عنقه وأعادها إلى مكانها، قبل أن يتقدّم خطوات نحو عمر قائلاً:
ـ ماشي يا عمر.. عالعموم أنا مش زعلان منك.
ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة مُتعَبة كأنها رُسمت جبرًا، وقال:
ـ أنا أزعل من الدنيا كلها إلا إنت.. ده إنت حبيب أخوك يالا.
عانقه عمر بقوة، فربت حسن على كتفه هامسًا:
ـ ربنا ما يحرمنيش منكم.
ابتسم عمر بفرحة صافية، وقال:
ـ ولا يحرمنا منك يا برنس البرنسات.. يا أحلى عقرب في عيلة مرسال.
انفجر حسن ضاحكًا، لكن ضحكته ما لبثت أن خفتت تدريجيًا حين فُتح باب غرفة چيلان، لتخرج منه بخطوات واثقة رصينة، ترتدي بدلة نسائية أنيقة بلون أزرق فاتح، ينسدل جاكيتها بخطوطه الحادة ليمنحها وقارًا يليق بامرأة تعرف قيمتها. شعرها مربوط بعناية، وملامحها تعكس استعدادًا ليوم عمل طويل.
وقفت عند العتبة، ترمق الأخوين للحظة، قبل أن تقول ببرود مقصود:
ـ صباح الخير.
التفت حسن إليها بذهولٍ صامت، وكأن الزمن تباطأ للحظة وهو يتأمل ملامحها الأنيقة في بذلتها الزرقاء. حين قطع عمر ذلك الشرود بابتسامة هادئة وهو يقول:
ـ صباح النور يا چيچي.
لكن حسن سرعان ما تدارك ارتباكه بابتسامة عابثة وأضاف:
ـ صباح الجمال.
اكتفت چيلان بنظرة سريعة حملت هدوءًا متجمّدًا؛ فالإرهاق بادٍ على وجهها بعد ليلة بلا راحة، ولم تجد في نفسها طاقة للرد. مضت بخطوات ثابتة نحو الدرج، بينما تبعها عمر وحسن. عندها رفع حسن صوته متعمّدًا أن يصل إليها فقال :
ـ مش عارف أشكرك إزاي يا عمورة على الواجب اللي عملته معايا امبارح.. ألف شكر.
نظر إليه عمر قاطبًا جبينه، عيناه مليئتان بتعجب صامت، كأنه يحاول أن يلتقط خيطًا خفيًا في كلمات أخيه. لم يفهم لماذا يشكره حسن على شيء لم يقم به، فتجمّدت نظراته عليه، وكأن ذهنه يعيد تكرار الجملة ليكتشف مغزاها المخفي .
التفتت چيلان في طريقها للهبوط، فالتقطت نظراته الماكرة الموجّهة إليها، وأوشكت ابتسامة أن تفلت من شفتيها، لكنها كبحتها بسرعة وأكملت سيرها حتى خرجت إلى الحديقة.
توقف حسن أمام باب غرفة والده، وقال لعمر :
ـ أبوك كان تعبان بالليل .. خلينا نبص عليه الأول قبل ما نمشي.
نظر إليه عمر متعجبًا وقال :
ـ نبص عليه؟! بعد اللي عمله ؟!
تنهد حسن بأسى وقلة حيلة، وقال :
ـ هو إحنا هنربيه يعني يا عمر ؟! هنبص عليه ونمشي مش هنقعد يعني..
وطرق باب غرفة والده، وفتح الباب ليضع عمر أمام الأمر الواقع ، ولكنهما لم يجدا والدهما بالغرفة أساسًا .. فنظر إليه عمر وزم شفتيه ساخرًا وقال :
ـ تعبان جدا الصراحة..
أوصد حسن الباب مجددا ونظر إلى عمر بحيرة، ثم قال :
ـ أكيد في المكتب..
ليجيبه عم بفتور :
ـ مع نفسك بقى.. أنا هستنى في العربية .
وسبقه إلى الخارج، بينما ترجل حسن ودخل إلى غرفة المكتب، فوجد والده جالسًا خلف مكتبه، ممسكًا بالهاتف، يتحدث فيه، وما إن رأى حسن حتى أشار إليه وقال مبتسما:
ـ تعالى يا حسن..
لم يسع حسن سوى أن يرسم ابتسامة هادئة على شفتيه وهو يتقدم إلى الأمام ويقول :
ـ صباح الخير.
ـ صباح الخير.. اقعد على ما أخلص كلام مع نادر ..
جلس حسن، فعاد سالم يتحدث إلى نادر من جديد، وقال :
ـ أيوة يا نادر ، كنا بنقول ايه ؟
جاءه صوت نادر عبر الخط:
ـ كنت بقول لحضرتك إنهم وصلوا من ساعة تقريبا .
فقطب سالم جبينه وتساءل بتعجب:
ـ مش فاهم، تقصد مين ؟!
ـ عاصم ونسيم يا باشا ..
اشتعل الغضب من جديد في عينيّ سالم، وقال بضيق ساخر :
ـ آه.. حمدالله على السلامة .. يعني أخيرًا الهانم هتفتح تليفونها ونعرف نوصل لها ..
وتريث قليلا، ثم أضاف:
ـ على العموم ماشي يا نادر.. هكلمك بعدين .
وأنهى الاتصال، ثم نظر إلى حسن وقال :
ـ رايح فين يا حسن ؟!
نظر إليه حسن بهدوء، وقال :
ـ ورايا كام مشوار هقضيهم وبعدين رايح على المزرعة أشوف وصلوا لفين !
أومأ سالم موافقًا، ثم قال :
ـ تمام .. أختك رجعت النهارده، روح لها اطمن عليها واعرف منها إذا كانت الأمور ماشية تمام ولا ايه ؟! بدل ما جوزها يفكر إنها ملهاش أهل .. وخد عمر معاك.. طبعا من غير ما تعرفها إني أنا اللي قايل لك تروحوا تشوفوها.. كأنك إنت اللي رايح من نفسك يعني .
تأمل حسن ملامح والده بدهشة صامتة، وكأن عقله يرفض استيعاب هذا التناقض الصارخ؛ كيف يتبرأ بالأمس من ابنته أمام الجميع بلا رحمة، ثم يطالبه اليوم بزيارتها وكأن شيئًا لم يكن؟! شعر حسن بارتباك داخلي، تتنازعه الحيرة والريبة، أهو خوف صادق بدافع الحفاظ على صورتها أمام زوجها؟ أم أنه كان مجرد انفعال عابر أمس وانطفأ مع الوقت؟
انعكست الدهشة في عينيه، ثم ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه، لكنها ابتسامة مشوبة بالذهول والتساؤل، قبل أن يرد على والده بنبرة دافئة تخفي خلفها عاصفة من الاستغراب :
ـ حاضر ..
أومأ سالم برأسه علامة انتهاء الحديث، فنهض حسن واقفًا، وهمّ بالخروج من المكتب، لكن صوت والده استوقفه حين قال :
ـ وانت خارج ابعَت لي زينب.
تجمد حسن في مكانه، كأن قدميه التصقتا بالأرض. التفت ببطء، وعيناه تتسعان دهشة، قبل أن يثبت نظره على أبيه باستغراب ممتزج بريبة. ظل يحدق فيه طويلاً، وكأن عينيه تحاولان النفاذ إلى أعماقه؛ كيف يسأل عن زينب وهو نفسه الذي تركها على جنبات الطريق بالأمس ؟! أيعقل أن ينسى شيئًا بهذه الجسامة؟ أم أن في الأمر ما هو أبعد من مجرد نسيان؟
ازدادت حدة نظرات حسن، بينما سالم ينظر إليه بدوره، مستغربًا طول التحديق، عاقدًا حاجبيه في صمت لا يخلو من ضيق، كأنما يستفهم عن سبب هذا الجمود غير المبرَّر.
قطع حسن لحظة الصمت بصوت خفيض لكنه صارم:
ـ زينب ؟!
لم يظهر على سالم أي رد فعل، فانزلق ريق حسن لا اراديًا، وقال :
ـ زينب هترجع البيت إزاي بعد اللي عملته فيها ؟!
تجمّد وجه سالم لوهلة، كأن عقله قد تاه عنه، ثم أطبق جفنيه وأعاد فتحهما ببطء، مستجمعًا شتات تركيزه. اعتدل في جلسته على الكرسي، شبك أصابعه فوق سطح المكتب، ورفع رأسه متصنعًا رباطة الجأش.. ثم قال بصوت بارد، ونبرة لا مبالاة محسوبة:
ـ أقصد أحلام الممرضة .. أنا بس اتلخبطت لأن اسم زينب على لساني دايما ..
ظلّ حسن واقفًا في مكانه، يحدق فيه بريبةٍ عميقة، كأن ما سمعه لا ينسجم مع عقله ولا يستوعبه، ولا يستسيغه من الأساس .
أما سالم، فبقي متماسكًا، يواجه نظرات ابنه بثبات مقصود، ثم تراجع بجسده قليلًا في مقعده، محاولًا أن يخفي اضطرابه وراء وقار مصطنع.
بدا في عينيه بريق قلق عابر، سرعان ما غلفه بتجهم وصرامة مفتعلة، لكنه لم ينجح في محو الأثر الأول الذي التقطه حسن.. أثر الذهول من مواجهة لم يكن يتوقعها.
خرج حسن من غرفة والده بخطوات ثابتة، لكن داخله لم يكن ثابتًا قط. كان وجهه شاردًا، ملامحه متجهمة، وعيناه تائهتان كأنهما تبحثان عن خيط يفسّر ما جرى للتو. ارتسمت على محياه علامات ارتباك وريبة، وكأن سؤال والده ظل يتردّد في ذهنه مثل صدًى لا ينطفئ.
استدعى الممرضة وأمرها بالذهاب لوالده في مكتبه، ثم خرج.
حين بلغ السيارة، وجد عمر جالسًا في المقعد المجاور يترقبه في صمت. فتح حسن الباب وجلس، لكن حركة جسده لم تكن كسائر الأيام؛ جلس متثاقلًا، أسند ظهره للمقعد، أطلق زفرة طويلة، وعيناه ما زالت غارقتين في شرودٍ ثقيل، يدلّ بوضوح أنه مشغول بما رأى وسمع، غائب الذهن عمّن حوله.
ولكن عمر لم يفته أن يتأمل وجه أخيه، فالتقط على الفور شروده وثِقَل تفكيره. فسأله مترددًا:
ـ مالك يا حسن؟ فيك إيه؟
انتبه حسن من شروده، وأسرع بنفيٍ متعمّد وهو يشيح بنظره عبر النافذة:
ـ مفيش… مفيش حاجة.
لكن نبرة صوته، وارتباك عينيه، وسرعته عندما قاد السيارة، كلها خانت ما ادّعاه، وأكدت لعمر أنّ أخاه يخبئ وراء هذا الإنكار همًّا ثقيلاً لم يشأ أن يبوح به.
༺═────────────────═༻
استيقظ فريد في صباحٍ ثقيل، يثقل صدره ضيقٌ لم يعرف له سببًا محددًا، غير أنّ القلق كان ينهش داخله كدودة لا تهدأ. جلس على حافة الفراش، مرّر كفّيه على وجهه ببطء، ثم مدّ يده إلى الهاتف الذي كان أول ما وقعت عليه عيناه، وكأنّه طوق النجاة من غرق أفكاره.
ضغط الأزرار سريعًا، واتصل بمدير الكومباوند قائلا بصوت متوتر:
ـ صباح الخير.. قل لي، ايه الأخبار عندك ؟!
فجاءه الرد مطمئنًا بأن الصحفيين قد غادروا مع الفجر، فتنفّس الصعداء قليلًا، وإن لم يزل الضيق ساكنًا في صدره.. ثم تنهد وقال :
ـ خلي بالك كويس لأنهم ممكن يرجعوا في أي وقت، مش عايز أي مضايقه من أي نوع للآنسه نغم وهي داخله أو وهي خارجه.. أي شكوى منها او إزعاج ليها أنا هضطر اتعامل معاكم انتم .
وما إن أنهى الاتصال حتى فتح حاسوبه المحمول، وراح يتصفّح رسائل البريد بسرعة، كأنّه يبحث عن يقين يبدّد اضطرابه. ثم اتصل بالشاب المكلَّف بمراقبة نغم قائلًا:
ـ إيه الأخبار عندك ؟!
تنحنح الشاب قليلاً، ثم انطلق يحدثه :
ـ عربية عمر بيه ما زالت موجودة في الكومباوند، الصحفيين مشيوا من كم ساعه، والٓنسه نغم لسه ماخرجتش من البيت.
أغمض فريد عينيه للحظة، لكنه لم يجد راحة. كل كلمة يسمعها تتحول في ذهنه إلى سؤال جديد، وكل تفصيل صغير يبدو له كأنه خيط يقوده إلى سر مخفي. لم يصدّق تمامًا، ولم يرفض تمامًا. عقله المرهَق أخذ يفتّش وراء الكلمات، وراء الصمت، وراء كل لحظة لم يرها بعينيه.
وقال ببطء، كمن يُلقي وصية أخيرة:
ـ اسمعني كويس.. أنا عايز تقرير بكل حركة، حتى لو قامت تبص من الشباك. كل شيء يخصها لازم يوصلني فورًا.. فاهم؟
فأجابه الشاب بطاعة مطلقة:
ـ حاضر يا بيه، زي ما تأمر.
أنهى فريد الاتصال ببطء، وألقى الهاتف إلى جواره، ثم مال برأسه إلى الخلف وأغمض عينيه، لكن عقله ظل مفتوحًا كجُرح لا يلتئم. كان يسمع في داخله أصواتًا متقاطعة.
لم يكتفِ بذلك، بل مدّ يده إلى الهاتف مجددًا، هذه المرة ليتصل بمديرة الدار. وحين أجابته، قال بنبرة آمرة تخفي وراءها قلقًا مضطربًا:
ـ صباح الخير يا مس رئيفة .
ـ صباح الخير يا فريد بيه .
ـ إيه الأخبار ؟! الولاد كويسين ؟
ـ الولاد بخير يا فندم.. بيسألوا حضرتك راجع إمتا نفسهم يشوفوك .
تنهد وقال:
ـ قريب إن شاء الله.. المهم ، أخبار نغم إيه ؟
ـ كنت لسه حالا هكلم حضرتك في النقطة دي، المفروض إنها كانت تيجي من كام يوم علشان تبدأ شغلها في الدار لكنها اختفت فجأة ومش بترد على تليفونها.. تحب حضرتك أشوف حد غيرها ؟!
زفر بيأس ثم قال :
ـ لأ طبعا.. كلميها تاني وقولي لها ان مكانها مستنيها ولازم تبدأ شغل في أقرب وقت..
ـ حاضر.. اللي تشوفه حضرتك .
تنهد أخيرًا، ثم قال :
ـ تمام يا مس رئيفة، على العموم لو في أي حاجه أو الولاد ليهم أي طلب بلغيني فورا ..
ـ ربنا يباركلنا فيك يا فريد بيه، الحقيقة بشمهندس عمر بييجي كل أسبوع تقريبا وبيقعد مع الولاد ويجيبلهم هدايا كمان ..
أومأ فريد مبتسما بدفء، ثم قال :
ـ تمام.. مع السلامه.
أنهى فريد المكالمة، وأسند ظهره إلى المقعد، يزفر زفرة طويلة.. أطبق جفنيه للحظة، لكن عقله لم يعرف السكون حيث أنّ هاتفه لم يلبث أن اهتز بين يديه معلنًا عن اتصال جديد. وكان المتصل هذه المرة "جيرالد". ضغط زر الإجابة، فجاءه صوت الرجل عبر الخط:
ـ فريد، كيف حالك؟
أجابه فريد باهتمام، وقال:
ـ مرحبا جيرالد، أنا بخير .
ـ لا بد أن نلتقي اليوم. هناك تفاصيل تخص الافتتاح بعد أيام قليلة، ولا يمكن تأجيلها.
فأجابه فريد بجدية وحزم:
ـ نعم، علينا أن نلتقي. حدّد الوقت والمكان، وسأكون هناك.
ـ الساعة العاشرة مساءًا في سينتاغما ، سأشارك معك الموقع بمجرد وصولي .
ـ حسنًا ، سأكون في الموعد .
ثم أغلق الخط، وبقي جالسًا للحظة يحدق في الفراغ، وعيناه مثبتتان على الصورة التي رسمها لنغم المعلّقة أمامه. تماوجت مشاعره بين حنين جارح وعتاب صامت؛ كأن نظراته وحدها قادرة أن تنطق بكل ما يعجز قلبه عن قوله.
كان وجهها في الصورة يثير في داخله ألف شعور دفين، فارتسمت على ملامحه ابتسامة باهتة سرعان ما ذابت في غصّة مريرة. اشتياقه كان ينهشه من الداخل؛ اشتاق إلى دفء ابتسامتها التي كانت تطفئ حرائق قلبه، وإلى تلك القبلة الأولى التي ما زالت محفورة في ذاكرته كوشم لا يمّحي.
كانت على غفلة، لحظة سُرقت من الزمن بلا ترتيب ولا انتظار؛ ارتباك عابر جمع بين أنفاسهما، ولقاء مفاجيء أغرق شفتاهما في ومضة لم تدم طويلًا، لكنها كانت كفيلة بأن تقلب كيانه رأسًا على عقب. بقي أثرها عالقًا فيه، كجُرحٍ حلو المذاق، كلّما حاول نسيانها ازداد تعلقًا بها. قبلة لم يكن لها مثيل، قبلة لن يقبل بغير صاحبتها أبدًا .
نهض، وسار نحو الرسمة، مدّ يده المرتجفة ببطء، ليلامس بإصبعه أطراف ملامحها على الورق، كأنه يبحث في برودة الصورة عن دفء وجودها الحقيقي. في داخله تعمقت رغبة ملّحة أن تكون له وحده؛ أن تغدو زوجته التي يستيقظ على صوتها، وأم أولاده التي تحمل ملامحه وملامحها معًا، أن تكون ملاذه حين ينهار، وصدرها مأواه حين يبكي.
ازدادت غصته ثقلاً، فعاد مكانه، وأسند رأسه إلى مسند المقعد، يغمض عينيه بقوة كأنه يحاول حبس دموعٍ عنيدة أبت أن تنحدر، معلنة أنّ الرجل الذي يتظاهر بالصلابة، لم يكن في داخله إلا طفلًا يتيمًا يتوق إلى عناقٍ واحد.. عناق نغم.
༺═────────────────═༻
كان حسن يقود السيارة في طريقهما إلى الكومباوند. طوال الطريق ظلّ صامتًا، يشيح بنظراته عن أخيه بين الحين والآخر، وكأن داخله فوضى لا يريد أن يبوح بها.
ولكن عمر هو من بدد ذلك الصمت حين قال:
ـ مش هتروح لزينب ؟!
أومأ حسن بعد أن أطلق تنهيدة مثقلة وقال :
ـ هروح.. تيجي معايا ؟!
ـ لأ.. أنا رايح الدار .
غالب حسن حزنه بابتسامة ماكرة، ثم رمق عمر بنظرة جانبية وغمز بعينه في خفّةٍ مازحة وقال:
ـ أيوة يا عم الله يسهل لك.
فابتسم عمر بهدوء وقال :
ـ إنت واخد فكرة غلط خالص عن الموضوع ، أنا بروح أتهزأ وأرجع .
نظر إليه حسن متفاجئًا وقال :
ـ بذمتك مش مكسوف من نفسك ؟! ما ليها حق تعمل أكتر من كده.. ما هي لو شايفاك راجل صدغ كده كانت عملتلك اعتبار..
ـ راجل إيه ؟!
ـ صدغ. ناشف يعني .. الواحدة لو مشافتش الراجل قدامها خشن كده وهيبة مش هيملى عينيها.. سيبك بقا من جو العيال النص سوا دي..
أومأ عمر مؤيدًا وقال :
ـ صح .. إنت معاك حق ! أنا من هنا ورايح هبقا صدغ فعلا.
ليربت حسن على صدره وهو يقول بفخر وزهو :
ـ امشي ورايا تكسب !
ـ حاضر ..
بقوللك صح.. أبوك بيقول إن نسيم رجعت، عاوزين نروح نزورها ونطمن عليها .
ـ معاك طبعا .. خلاص إنت تخلص مشوارك وأنا كمان ونروح لها .
ـ تمام.
توقف أمام بوابة الكومباوند فترجّل عمر، لم يستطع حسن أن يمنع قلبه من الانزلاق ناحية نغم، وكأن قلبه يجرّه نحوها، وأخذ يفكر، هل يدخل ويطمئن عليها ؟! فيما العقل يثنيه ويذكّره بما كان، وبما سبّبه لها من جراح لم تندمل بعد.
شعوره كان خليطًا مريرًا: شوقٌ عارم لرؤيتها والاطمئنان عليها، ورغبة صادقة في أن يمدّ يده ليمسح عنها ما خلّفه من ألم… لكن في المقابل كان هناك خوف من أن يزيد حضوره الطين بلة، وأن يُعيد فتح جروحها التي بالكاد بدأت تلتئم.
ودعه عمر ودلف الداخل، بينما هو ظلّ جالسًا مكانه، يضع يده على المقود بقوة، وأصابعه تنقر عليه بتوتر. تنهد بعمق، ثم أشاح ببصره بعيدًا، متخذًا قراره في صمت: لن يقترب أكثر، يكفيها ما عانته بسببه.
༺═────────────────═༻
وقف عمر بجوار سيارته متردّدًا، يضع يده على مقبض الباب تارة، ويرفع بصره نحو باب بيت نغم تارة أخرى. عيناه تعكس صراعًا داخليًّا لم يعرف له قرارًا؛ هل يطرق بابها ويحادثها ولو لدقائق، فيما عقله يحاول أن يردّه إلى واقعه كي يأخذ سيارته وينصرف في صمت .
ثم حسم الموقف بعد تفكير طويل ، فتقدّم بخطوات ثابتة نحو الباب ورفع يده وطرقه .
انفتح الباب أخيرًا، ببطءٍ متثاقل، لتطلّ نغم من خلفه. كان وجهها شاحبًا على نحو يؤلم القلب، وعيناها غارقتين في احمرارٍ يفضح سهر ليل طويل لم تعرف فيه طعم النوم. خصلات شعرها متناثرة على جانبي وجهها كأنها لم تعبأ بتهذيبه، وملابسها بسيطة مرتخية، تحمل أثر إهمال متعمّد، كمن لا يعنيها بعد الآن كيف تبدو.
ارتسمت على ملامحها مسحة حزن كثيف، حزنٌ لا يحتاج إلى كلمة ليُفهم؛ كان بادياً في كل تفصيلة من قسمات وجهها، في انحناءة كتفيها، في رعشة أنفاسها، وحتى في تلك النظرة الزائغة التي لم تستطع أن تثبتها طويلًا على عمر .
بدا أنها فتحت الباب فقط لتؤكد للعالم أنها ما زالت حيّة، لكن الحياة بداخلها كانت توشك أن تنطفئ.
حين وقفت نغم أمامه على تلك الحال، أصيب عمر بصدمة جعلته يجمد في مكانه. اتسعت عيناه دهشةً وذعرًا، وكأن قلبه هبط في صدره فجأة. لم يتوقع أن يراها بهذا الضعف والانكسار؛ شعر كأن أحدهم سلبها روحها وأبقى الجسد فقط واقفًا أمامه.
انقبض صدره، وتعلّقت الكلمات في حلقه دون أن تخرج، فاكتفى بالتحديق إليها بعينين ممتلئتين بالشفقة والقلق، يشيح بنظره تارة، ثم يعود إليه تارة أخرى كمن لا يصدّق ما يراه.
ـ نغم، انتي كويسه ؟!
ظلت تحدّق فيه لحظةً طويلة، عيناها زائغتان، كأنها غريبة عن المكان وعن نفسها. ملامحها الشاحبة بدت كأشباحٍ تسير على الأرض، وجهها منهك خالٍ من الحياة إلا من أثر الألم.
ثم فجأة، ارتجف جسدها كله، وانفجرت في بكاءٍ مرير، اهتز كتفاها في انكسار، بينما كانت تومئ برأسها إيماءة صغيرة مرتبكة، وكأنها تحاول أن تقول: "أنا بخير" لكنها في الحقيقة تعترف بعكس ذلك تمامًا.
كان بكاؤها صرخة صامتة، تقطر من قلبٍ مثقلٍ بالوحدة، فشعر عمر بالشفقة والأسى حيالها، وقال :
ـ أنا مش عارف انتوا بتعملوا في بعض ليه كده ؟! بتعذبوا بعض ليه ؟! ولحد إمتا بجد ؟! لحد ما تتفاجئوا ان كل واحد منكم بقا في حياته حد تاني ؟!
حدجته نغم بنظرات ساخطة، ثم قالت:
ـ الكلام ده تقوله لفريد.. هو اللي مصدق إننا بعدنا وعرف واحدة تانية .
وتابعت بانفعال حزين :
ـ و زي ما نساني أنا كمان هنساه .. كده كده أصلا موضوعنا خلص خلاص .
ارتسمت على ملامحه مسحة شفقة ممزوجة بالحزن العميق. كان يرى بوضوح أنّ كل كلمة تنطق بها لا تعبّر عن حقيقتها، بل هي صرخة ألم تُحاول أن تخفي بها ضعفها وجرحها الغائر.
راقب ارتجاف صوتها، وشحوب ملامحها، والدمعة العالقة في طرف عينها، فعرف أنّها في حالة انهيار تام، وأنّها لا تزال أسيرة حبّ فريد الذي يأكلها من الداخل، ولا تملك قوّة الخلاص منه.
لم يعرف عمر ماذا يقول؛ الكلمات تجمّدت على طرف لسانه، وكأنّ أي حرف سيزيد جرحها عمقًا. كل ما كان يراه أمامه هو امرأة تذوب من الداخل، تتظاهر بالقسوة لتخفي حقيقة أنّها تموت شوقًا لفريد.
شعر بعجزٍ غريب ينهش صدره، واكتفى بأن يرمقها بنظرة طويلة، حملت في طيّاتها أسى لا يُقال، وشفقة لا تحتاج إلى تبرير. كانت نظرته وحدها كافية لتفصح عمّا عجز لسانه عن التعبير به:
ـ الحقيقة أنا مش لاقي كلام أقوله يا نغم ، بس عاوز أقوللك خلي بالك من نفسك، اخرجي من المود ده في أقرب فرصة ..
لزم عمر الصمت لحظة، وأخذ يبحث في داخله عن مدخل يخفّف به وطأة ما هي فيه، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة خافتة، وقال بصوت هادئ:
ـ نسيم رجعت على فكرة . إيه رأيك تيجي معانا أنا وحسن نزورها النهارده ؟
ترددت نغم قليلًا، كأن كلمات عمر وضعتها أمام مفترق طرقٍ يصعب عليها أن تحسمه. في داخلها، كان الصراع محتدمًا؛ فهي لا تحتمل فكرة أن تلتقي بحسن في مكانٍ واحد، إذ كلما وقع بصرها عليه تذكّرت جراحها القديمة، ومع ذلك، فإن قلبها يلحّ عليها برغبة عميقة في رؤية نسيم، علّ لقاءها يخفّف من وطأة ما ينهش روحها.
سكنت لحظة طويلة، تتأرجح بين الرغبة والرهبة، بين الحاجة إلى الهروب، والاحتياج إلى التمسك بما يمدّها ببعض القوة. وأدركت، في أعماقها، أنها في أمسّ الحاجة إلى الخروج من حالتها الراهنة، ولو بخطوة صغيرة إلى الخارج .
أومأت وهي تمسح وجهها، وقالت بهدوء:
ـ تمام.. موافقة .
ابتسم عمر بهدوء، وقال :
ـ تحبي نفوت عليكي وإحنا رايحين؟
ـ لأ ملوش داعي.. أنا هحصلكم على هناك .
ـ تمام.. مش هقول لها، هسيبها مفاجأة، وعارف إنها هتعجبها جدا ..
هزت رأسها بصمت، فانسحب عمر بهدوء، ومن ثم دخلت إلى منزلها، فاصطحب عمر سيارته وغادر متجهًا نحو الدار .
༺═────────────────═༻
وصل حسن إلى العمارة القديمة، توقف أمام باب الشقة، يلتقط أنفاسه قبل أن يمد يده ليرن الجرس. لحظة واحدة، وإذا بالباب يُفتح سريعًا، وظهرت زينب أمامه، وجهها يفيض بالحنان ولهفة اللقاء. لم تنتظر منه كلمة، بل اندفعت نحوه تضمّه إلى صدرها بحرارة، هامسة بصوت مرتجف:
ــ كنت مستنياك وخايفة قوي ما تجيش..
تجمّد حسن في مكانه، غير معتاد على ذلك الحضن الذي يقطر أمومة يتعجبها كثيرا، أحسّ قلبه يرتجف بين فرحٍ عارم يغمره بلمسةٍ افتقدها منذ وفاة أمه، وبين غصّة عميقة تسكن صدره، تُذكّره بما فعله والده في حق تلك المرأة .
كان سعيدًا بمعاملتها الحانية، وفي الوقت ذاته، متعجبًا.. يتساءل : لماذا تعاملني بتلك الطريقة ؟!
أمسكت يده وساقته نحو الطاولة ، حيث أعدت الكثير من الأطباق الشهية، مما جعله ينظر إليها متعجبًا، فابتسمت وقالت :
ـ بصراحة مقدرتش أصبر ، نزلت بدري اشتريت لوازم الفطار وقلت أحضر لك فطار كده زي فطار زمان..
وربتت على صدره بحنوٍ وقالت :
ـ عارفة إن أكل عيشة وحشك .
تأمّلها حسن بصمتٍ طويل، وكأن الكلمات قد خذلته في تلك اللحظة؛ فقد أصابت حديثها الجرح الدفين الذي لم يشفى بعد. ارتسمت على شفتيه ابتسامة حزينة، تحمل في طياتها اعترافًا صامتًا بصدق ما قالت، ثم أومأ برأسه قليلًا، قبل أن يتقدّم نحو الطاولة.
جلس ببطء، وعيناه تتجوّلان بين الأطباق المصفوفة بعناية. توقّف للحظة، يحدّق في أصناف الطعام التي حملت له عبق الماضي، فتدفّقت الذكريات إلى قلبه بلا استئذان. كانت نفس الوجبات التي اعتاد أن تُعدّها له أمّه، ذات الروائح الدافئة التي فارقها منذ أن انتقل إلى الفيلا، حيث لم يجد سوى أطباقٍ فاخرة باردة بلا روح، تخلو من طعم البيت ودفئه.
مدّ يده إلى رغيف الخبز وهو يستشعر رعشة خفيفة تسري في أصابعه، كأنها امتدادٌ للحنين. ثم أخذ لقمة ببطء، يبتلعها بصعوبة، والدمعة التي تترقرق في عينيه تكاد تفضحه.
أما زينب، فجلست قبالته تراقبه بعينين دامعتين، تقرأ في صمته وجعه، وفي ابتسامته الحزينة احتياجه الذي لم يعترف به يومًا. مدت يدها بهدوء، تضع أمامه كوب الشاي، وهمست بنبرة مشوبة بالعطف:
ــ كل يا حسن.. يا رب أكلي يعجبك.. بألف هنا .
نظر إليها وابتسم بهدوء، وأخذ ينظر إلى الأطباق وهو يقول :
ـ بس انتي تعبتي نفسك أوي.. تسلم ايديكي.
ـ تعبك راحة يا حبيبي ، مطرح ما يسري يمري .
نظر إليها حسن بعينين متوجستين، كأنّ الحيرة تعصف به من الداخل. ارتجف صوته في صدره ولم يخرج، وعلى طرف لسانه ظلّ السؤال عالقًا، يضغط على قلبه قبل أن يضغط على شفتيه: لماذا تفعلين معي هذا؟
كان يشعر أنّ ما تمنحه له زينب أكبر من مجرد حنوٍ عابر، أو واجبٍ فرضته الظروف. شيءٌ ما في اهتمامها المتدفق يوقظه من سباته، ويثير داخله مزيجًا غريبًا من الامتنان والارتباك، كأنه يقف على حافة لا يدري إن كانت ستؤدي إلى نجاة أم سقوط جديد.
هو اعتاد القسوة، وتمرّس على البرود، وعرف من أبيه كيف يكون الحرمان هو القانون السائد، فكيف لامرأةٍ أُهملت وفعل بها والده ما فعل أن تقابله بكل هذا الدفء؟
ظلّ حسن يحدّق في عينيها طويلًا، وكأنّه يبحث فيهما عن جوابٍ يتردّد قلبه في البوح به، فيما ارتسمت على محيّاه ابتسامة مرتبكة، يحاول أن يُخفي خلفها ما يعتمل بداخله.
مدّ يده إلى الطعام، يتناوله ببطءٍ متأنٍ، ثم ما لبث أن ابتسم بخفة وقال ممازحًا:
ـ كويس إني مجبتش عمر معايا.. لو كان شاف الأكل ده كان ممكن يتهمك إنك عاوزة تسمميه ولا حاجه .
ضحكت زينب بحرارة، وقالت:
ـ معاك حق، عمر ميعرفش الأكل ده. الأصناف دي خاصة بناس زمان.. خصوصا الناس البسيطة الشعبية الجميلة.. أيام ما كانت الأم تقف بنفسها تحضر الأكل لولادها وتشوف مين بيحب إيه وتعمله ..
أومأ برأسه موافقًا، ثم رفع كأس الشاي، ارتشف منه رشفة صغيرة، وبعدها التفت إليها متسائلًا بنبرة جادة:
ـ بالمناسبة دي .. انتي اتجوزتي قبل كده ؟!
ظهر الضيق للحظة في ملامحها، لكنها سرعان ما خبّأته بابتسامة هادئة وقالت:
ـ لأ ..
ـ معقوله ! الرجالة عميوا ولا إيه ؟! ده انتي أكيد وانتي صغيرة كنتي عسل ومسمسة ..
ضحكت زينب بصفاء، فشعر هو بالارتياح لأنه نجح في انتزاع الضحكة منها عن قصد، لتقول:
ـ الجواز والخلفة قسمة ونصيب يا حسن، وأنا ربنا عوضني بيكم عن أي حاجه اتحرمت منها .. ربنا يعلم .. إنت وفريد وعمر ونسيم بعتبركم ولادي بجد مش مجرد كلام.
نظر إليها مبتسمًا قليلًا وقال:
ـ انتي حنينة أوي .
ـ وإنت جميل أوي يا حسن !
ابتسم وهو يعود إلى طعامه بشهيةٍ أكبر، ثم رفع عينيه نحوها قائلًا:
ـ وانتي بقا متعودة طول عمرك تعملي لكل واحد الأكل اللي بيحبه وكده ؟!
أومأت بتأكيد حار وقالت:
ـ طبعااا.. ممنوع حد يمد إيديه على الأكل غيري .. أنا عارفة كل واحد في الڤيلا بيحب إيه ويكره إيه .. يعني مثلا فريد عنده حساسية من المأكولات البحرية بأنواعها، وعمر مش بيحب البيض أبدا .. ونسيم بتحب الفواكه جداا وخصوصا التوت والبرتقال ، أما بقا الباشا مش بياكل أي أكل فيه توابل أو بهارات..
أومأ حسن بإعجاب صامت، ينصت إليها باهتمام، فيما كانت هي تقرّب إليه الأطباق بمحبة، فقال محاولا أن يبدو سؤاله عفويًا :
ـ و چيچي بقا ؟!
نظرت إليه زينب بتعجب ماكر، ثم ابتسمت قائلة:
ـ بتسأل ليه ؟! هي الصنارة غمزت ولا إيه ؟!
رفع حاجبيه متعجبًا بدوره، وردّ:
ـ صنارة !! حركات الأمهات دي أنا عارفها على فكرة.. كنت بشوف منها كتير مع عيشة بردو .
ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة، ثم تابعت:
ـ متتهربش ! على فكرة من نظراتك أنا لاحظت إنك معجب بيها ..
اتسعت عيناه بدهشة، وقال بسرعة:
ـ معجب بيها إيه بس كفى الله الشر .. مش باقي غير چيلان يعني.. هو أنا ناقص خانكة !
هزت رأسها بهدوء، وقالت:
ـ أومال بتسأل ليه ؟!
ابتسم بخفة وهو يحاول التهرب:
ـ عادي يعني حب استطلاع.. فضول مش أكتر .
أومأت زينب برفق، وظلت تتابعه بنظرات دافئة وهو يتناول طعامه بنهم، حتى قطع الصمت من جديد قائلا وهو يلوك اللقمة:
ـ بردو مجاوبتينيش .. چيلان بتحب إيه ؟!
ابتسمت ابتسامة مغلوبة على أمرها، ثم قالت:
ـ چيلان بتحب أوي الأكل المودرن .. بتحب كمان زبدة الفول السوداني وبتعشق المكسرات والشيكولاتة بأنواعها ..
ضحك حسن ضحكة خفيفة، وقال ممازحًا:
ـ هي أصلا على بعضها كده حتة شكولاتة بس شكولاتة بيضا ..
قهقهت زينب من قلبها، وقالت:
ـ معاك حق.. بس إوعى تتغر في المظهر.. المظاهر خداعة يابني .
نهض حسن من مقعده، واقترب منها ليطبع قبلة دافئة على رأسها قائلا:
ـ متقلقيش عليا ، العقرب يلدع ميتلدعش !
ثم تنهد براحة وهو يربت على كتفها، مضيفًا بنبرة امتنان صادقة:
ـ تسلم ايدك.. من زمان مأكلتش كتير كده .
ابتسمت زينب بعطف، ومدت يدها تربت على يده قائلة بصوت يقطر حنانًا :
ـ بألف هنا يا حبيبي .
اتجه حسن نحو الحمام ليغسل يديه، غير أنّ خطواته تباطأت وهو يمرّ أمام غرفته التي كان قد احتجز فيها چيلان يوم اختطفها. ارتسمت على وجهه ابتسامة باهتة، كأنها ذكرى ثقيلة لكنها تحمل شيئًا من السخرية المريرة. ثم ما لبث أن التفت إلى الغرفة المجاورة، تلك التي خصّصها لنغم، لكنها أصرّت على البقاء في غرفة خالتها، رافضة أن تنفرد بمكان وحدها خوفًا منه. عندها ذبلت ابتسامته، وانسحب من عينيه بريقها، ليحلّ مكانها تنهيدة مثقلة بالهمّ.
وما قطع شروده إلا صوت زينب الدافئ من خلفه:
ـ تشرب قهوة ؟!
التفت إليها مبتسمًا برفق، وقال بنبرة هادئة:
ـ أشرب قهوة.
༺═────────────────═༻
وصل عمر إلى دار الأيتام، أوقف سيارته وترجّل منها بخطوات وئيدة، كأنّه يقيس الأرض تحت قدميه متذكّرًا كلمات حسن التي ظلّت ترنّ في أذنه ونصائحه حول تعامله مع ميرال لكي يلفت انتباهها .
شدّ من أزر نفسه، وسوّى ياقة قميصه وهو يتقدّم نحو المدخل، يحاول أن يتقمّص هيئة الرجل الواثق الرزين الذي لا يلهث وراء شيء. وما إن وقع بصره على ميرال تقف مع بعض الأطفال وتوزّع عليهم الحلوى بابتسامةٍ مشرقة، حتى اهتزّ قلبه للحظة، لكنّه تذكّر وصية حسن، فشدّ على أنفاسه، وتظاهر بالتماسك.
لم يندفع نحوها كما اعتاد، ولم يبتسم ابتسامته السريعة المعتادة، بل مرّ بجوارها وكأنّه لم يلحظها، عينيه تتفقد المكان ببرود مصطنع، فيما أذناه تلتقط ضحكاتها ونبضه يتسارع رغم كل ما أبداه من تماسك.
كان داخله صخب، لكن ملامحه لم تنطق إلا بالهدوء، وتوجه ليقف أمام الأطفال متجاهلا وجودها وقال :
ـ صباح الخير يا ولاد .. عاملين إيه النهارده ؟!
التفّ حوله الأطفال بفرحة عارمة، يتسابقون إلى مصافحته والتعلّق بذراعيه، فيما ارتسمت على محيّاه ابتسامة يحاول أن يُخفي بها ارتباكه. انحنى قليلًا، وربّت على رؤوسهم وهو يسأل:
ـ أومال فين عبد الله ونديم؟!
ساد صمت قصير، تبادل فيه الصغار النظرات وكأنهم يتهامسون بلا كلام، قبل أن تتدخل ميرال، بصوت هادئ، وقالت:
ـ عندهم check up النهارده.
التفت إليها عمر ببطء، وقد أوحى بحركة كتفيه وكأن الأمر عابر لا يعنيه كثيرًا، ثم أدار رأسه ناحيتها متعمّدًا أن يُطيل الصمت لحظة، وهو يطالعها من فوق كتفه بنظرة تعالٍ مصطنع. ثم فجأة، ارتسمت على وجهه ملامح الدهشة، كأنما فاجأه وجودها، وقال بصوت يكسوه التصنع:
ـ إيه ده؟! إزاي مخدتش بالي منك؟!.. إزيك يا آنسة….؟
وضيّق عينيه، متظاهرًا بالتفكير في اسمها وأخذ يتمتم متردّدًا:
ـ معلش اعذريني.. اسمك تايه عن بالي.. كان اسمك أعتقد لمار..
تجمدت ميرال في مكانها للحظة، تنظر إليه بنظراتٍ متفحّصة، بين الغضب المكتوم والسخرية الصامتة. رفعت حاجبيها باستهجان خفيف وقالت بنبرة هادئة، لكنها لا تخلو من اللوم:
ـ واضح إن حضرتك بتتعامل مع الناس بالذاكرة الانتقائية! على العموم إسمي ميرال!
نطقت اسمها بأنفٍ شامخ ، فابتسم ابتسامة متماسكة لآبعد حد وأضاف ليستفزها :
ـ الحقيقة مش فارقة كتير .
أغاظها رده بشده، لكنها ابتسمت ابتسامة صغيرة متعمدة، فيها من البرود أكثر مما فيها من الود، وأردفت:
ـ معاك حق… على العموم المكان مكانك.. عن إذنك يا أستاذ عمرو ..
نظر إليها متعجبا ونزع يده من جيبه وقال بحدة :
ـ عمرو إيه .. إسمي عمر !
فنظرت إليه بنفس بروده ونفس الابتسامه الماكرة وقالت:
ـ الحقيقة مش فارقة كتير .
تبادلا النظرات لبرهة، وكأن بينهما ساحة صامتة من التحدي، قبل أن تقطع ميرال هذا التوتر، وتنحني نحو أحد الأطفال لتمسح على رأسه، محاولةً أن تنهي الحوار بلا استمرار.
ثم رمقته أخيرًا بجفاء، وسارت مبتعدة، بينما ظل هو يرمق أثرها باندهاش وهو يتمتم حانقا :
ـ إيه ده !! هي النصايح اللي قالها حسن مش شغالة ولا ايه ؟! وسار خلفها ، لحق بها بخطوات سريعة، ثم ناداها قائلا :
ـ استني هنا .. اقفي عندك بقوللك.
التفتت إليه بحدة، فهتف بها بغيظ :
ـ هو أنا مش بكلمك ؟! إزاي تسيبيني وتمشي وأنا بكلمك ؟!
وأخذ يحدق في ملامحها المقربة، وتقطيبة حاجبيها اللذيذة، فإذا بها تهتف باستنكار :
ـ عايز إيه ؟!
أربكته نظراتها الغاضبة التي زادت من وسامتها، فتمتم بتردد:
ـ عايزك تقفي تسمعيني لما أخلص كلامي تمشي..
ازدادت تقطيبة حاجبيها باستنكار شديد، ثم رفعت عينيها نحوه تحمل نظرة اشمئزاز جارح، وقالت بصوت حادّ:
ـ هو إنت شايف نفسك على إيه؟ على رأي المثل .. رضينا بالهم والهم مش راضي بينا ... !!
واستدارت بعنف لتعود إلى مكتب المشرفات، وتركته يراجع جملتها، ويقول :
ـ رضينا بالهم ؟!! أنا هم ؟!!
واندفع نحوها مجددا، مد يده ممسكا بيدها ليستوقفها، لكنها نزعت يدها من قبضته وهي تنظر إليه بحدة وتهتف بغضب مكتوم :
ـ إياك تتجرأ وتتجاوز حدودك معايا بالشكل ده تاني ! متفكرش إنك علشان أخو فريد بيه ده هيخليني أخاف ولا أسمح لك تتعدى حدودك !
تنهد بضيق، وقال :
ـ أنا آسف، بس انتي اللي بتستفزيني .
ـ عايز مني إيه يا بشمهندس !
نطقتها بحدة وفروغ صبر، فنظر عمر إليها مأخوذا بجمالها المميز الهادئ وقال بصدق :
ـ عاوز أتجوزك يا ميرال !
بهت لونها فجأة، فاستطرد وهو ينظر إليها هائمًا :
ـ أنا شكلي حبيتك ولا إيه !!
حبست أنفاسها من جديد، فتابع وهو ينظر إليها بتركيز :
ـ أنا عمري ما فرق معايا بنت .. اوكي كنت بصاحب بنات وبنقضيها .. لكن والله العظيم من يوم ما شفتك وأنا مش عارف أشوف أي بنت غيرك !
ابتلعت ريقها بوجل ، انسرق نبضها ولم تعرف كيف تتفاعل مع تلك الكلمات..
ـ لما شفتك حسيت إن كل البنات اللي في الدنيا كفة وانتي لوحدك في كفة ! إنتي غالية عندي أوي يا ميرال .. وأوعدك لو وافقتي تتجوزيني مش هتندمي أبدا .
تنفست ميرال ببطء، ومع أنها شعرت بأن كلماته اخترقت قلبها، إلا أنها استطاعت أن تحافظ على رباطة جأشها وقالت بنبرة متزنة وعقلانية:
ـ اسمعني يا بشمهندس عمر .. كل الكلام اللي انت قلته حلو وجميل .. لكن أنا مش هقدر أرتبط بإنسان ملوش مستقبل واضح، مفيش عنده كيان محدد.. تقدر تقول لي انت بتشتغل إيه ؟! معتمد على فلوس والدك وخلاص !! مش دي الحقيقة ؟!
ـ يعني كل اللي فارق معاكي الشغل ؟!
سألها بضيق، فنظرت حولها بتردد، ثم قالت :
ـ مش الشغل وبس.. واضح إنك عايش الحياة for fun زي ما بيقولوا ..
ـ أكيد لأ .. أنا جديًا كنت بفكر في فكرة مشروع لكن مش عارف أوصل، ممكن لما انتي تفكري معايا نوصل أسرع .. جايز يا ستي أنا فعلا مش عندي مستقبل واضح زي ما بتقولي لكن إيه اللي يمنع نفكر مع بعض ونمشي الطريق سوا step by step .
تنهدت، وكأن كلامه وجد صدى في قلبها وأعطاها شعورًا بالطمأنينة، وعندما لاحظ هدوئها، استمر في حديثه:
ـ أنا كل اللي محتاجه دلوقتي انك تكوني معايا، اعتبريني تايه يا ستي وانتي بتدليني على الطريق الصح.
تنهدت، فاستطرد :
ـ صدقيني أنا عندي استعداد بس مش لاقي اللي يوجهني .
فتحت فمها لتتكلم، ثم أغلقته بلا كلمة، كسمكة في الماء، عاجزة عن الرد، فقد وضعها في زاوية ضيقة، واستمر في كلامه:
ـ قولي إنك موافقة بقا ..
كانت ميرال مستغرقة في التفكير في كلامه، ومن داخلها لم تستطع إنكار انجذابها نحوه، رغم تحفظها على بعض جوانب شخصيته، لكنها شعرت بصدق كلماته، وأدركت أنها ترغب في منحه فرصة.
لذا ابتسمت بتردد، ثم أومأت برأسها موافقة بخفة، فاتسعت عيناه بدهشة وسرور، وهتف بغير تصديق:
ـ موافقة ؟!
أومأت بابتسامة صامتة، فتساءل مجددا باندهاش:
ـ قولي وحياة أمي موافقة .
ابتسمت ورددت بهدوء:
ـ الله يرحمها ..
ـ طب قولي وحياة أمي الله يرحمها موافقة .
فاتسعت ابتسامتها، وتألق وجهها أكثر، ثم قالت:
:
ـ وحياة أمي الله يرحمها موافقة .
حينها أخذ نفسًا عميقًا، كأنما وُلد من جديد، ثم ابتسم وقال :
ـ كنت عارف انك موافقة على فكرة.. أما البنات دول عليهم حركات .. أومال كان لازمتها إيه طولة اللسان من الأول، ورضينا بالهم والجو ده .. أنا هم ؟!
انفلتت منها ضحكتة خافتة خجولة، فتابع مبتسما وهو يدس يديه بجيبه مرة أخرى باطمئنان وارتياح:
ـ على العموم معنديش مشكلة .. انتي تقولي اللي انتي عايزاه .
أومأت بابتسامة مشرقة، فتنهد مطولا ، وقال :
ـ طيب.. عالعموم أنا هتكلم مع فريد وهقولله طبعا أننا اتكلمنا ووصلنا لقرار .. وهبلغك بالخطوة الجاية .. لازم ناخد خطوة جد يعني مش معقول هنقضيها قط وفار كده .
ضحكت، وقالت بهدوء :
ـ ربنا يقدم اللي فيه الخير إن شاء الله.
فزفر بارتياح وقال :
ـ إن شاء الله ..
ومن ثم غادر الدار مبتسما، والابتسامة تتأرجح فوق شفتيه ، استقل سيارته ، ثم قام بالاتصال بحسن على الفور .
༺═────────────────═༻
جلسا يحتسيان القهوة سويًا في الشرفة، وكان حسن جالسًا متكئًا قليلاً على ظهر الكرسي، تبدو على وجهه علامات الانشغال والهم، وعيناه مشحونتان بالتفكير وكأن أفكارًا كثيرة تتصارع بداخله، وكأن هناك كلمات كثيرة يريد أن يقولها لكنه يختزنها بداخله.
كانت زينب تنظر إليه بتركيز، تلمح قلقه واضطرابه، وتشعر بما يدور في داخله، فتزداد رغبتها في مواساته، لذا بادرت وقالت:
ـ مالك يا حسن ؟! سرحان في إيه ؟!
نظر إليها حسن مهمومًا وقال :
ـ ليه بعد اللي عمله أبويا معاكي لسه بتعامليني كده ؟!
فنظرت إليه بتأني، وقالت بابتسامة هادئة :
ـ لأن لا انت ولا اخواتك ليكم ذنب في اللي بيعمله أبوكم .
تنهد مجددا بضيق، وأسند الفنجان فوق سور الشرفة، ثم قال :
ـ إنتي متأكدة إنه عمل معاكي كده لأنك بس اعترضتي على كلامه ؟! أنا مش بشكك في كلامك لا سمح الله ، لكن مش قادر أستوعب انه يعمل كده عشان انتي عارضتيه بس !! عقلي رافض يستوعب إنه بالقسوة دي.. حاجات كتير حواليا عمالة تثبت لي إنه مش زي ما أنا شايفه.. إني مش شايف الحقيقة كاملة، لكن بكدب عنيا.. مغمي عنيا عن الحقيقة ورافض أصدقها، مش عاوز أكرهه.. مش عاوز قلبي يتملي بالكره والغضب نحيته.. أنا ما صدقت بقالي أب ! معقول بعد كل ده أكرهه وأبعد عنه ؟!
كانت زينب تستمع لكلام حسن بقلق وتعاطف، تحاول استيعاب مدى الصراع الداخلي الذي يعيشه. كانت تشعر بألمه، وكيف أنه يرفض أن يكره أبيه رغم كل ما حوله من دلائل قد تدفعه لذلك. لذا، قررت في صمت أن تحميه من أي صدمة إضافية، وألا تكشف له عن علاقتها به وكونها عمته، حتى لا يزيد عبء الحزن والخذلان في قلبه، محافظة بذلك على براءته العاطفية تجاه والده قدر الإمكان.
أما حسن، فقد تنهد بصمت، باديًا عليه التعب والهم، وكأن ثقل أفكاره ومشاعره يثقل قلبه ويثقل صدره في آن واحد. فزفر وهو يمرر يده على جسر أنفه ويقول :
ـ أبويا مش طبيعي اليومين دول .. حاسس إن في حاجة غريبة بتحصل له .
نظرت إليه زينب بانتباه، وتساءلت :
ـ ازاى ؟!
نظر إليها وقال بقلق حقيقي :
ـ حاسس إنه مبقاش مركز زي الأول .. مش ده سالم مرسال اللي أعرفه !! أبويا تعبان وصحته في النازل !
ألقى الأخيرة بانهمام وقلق، فتنهدت بخفوت، ثم قالت :
ـ متقلقش عليه، هو بس تلاقي الأحداث اللي بتحصل ورا بعضها مخلياه مشدود ومتعصب طول الوقت .
نظر إليها بصمت، لم يجد ما يقول، وهز رأسه وقال :
ـ جايز .. أتمنى !
مالت للأمام، وربتت على كتفه وقالت :
ـ إطمن !
ارتشف الرشفة الأخيرة من الفنجان ، ثم قال وهو ينهض وينظر في هاتفه :
ـ أنا همشي بقا لأن عمر بيكلمني.. هنزور نسيم .
ابتسمت وقالت :
ـ ربنا يخليكم لبعض يا رب ويحنن قلوبكم على بعض .
ابتسم وربت على كتفها، وقال :
ـ و يباركلنا فيكي يا ست الكل .. يلا أنا همشي وانتي مش محتاج أوصيكي.. البيت بيتك .
رافقته إلى باب الشقة بالدعوات، كما اعتادت والدته أن تفعل دومًا، ثم نزل واستقل سيارته، وبعد لحظات أعاد الاتصال بعمر.
༺═────────────────═༻
بعد قليل…
وقف كل من عمر وحسن أمام باب منزل نسيم، وكل منهما يحمل قفصًا من الفاكهة. نظر عمر إلى حسن بغيظ وهو يقول:
ـ أقسم بالله اللي يمشي وراك تاني يبقى حمار… إيه اللي مشيلهولي ده يا حسن بجد !!
ابتسم حسن من فوق قفص التوت وقال:
ـ توت وبرتقان.. أكيد مش هنيجي نزورها بإيدينا فاضية يعني!
تنهد عمر بغضب، وأضاف:
ـ يا عم يا ريتني ما جيت معاك أصلا، كان أرحم لي من المنظر ده! ابقى فكرني المرة الجاية أدخل عليها وأنا شايل بطيخة تحت باطي..
ضحك حسن وقال:
ـ لسه مش أوان البطيخ اليومين دول.. وبعدين قولتلك امشي ورايا تكسب.. ولا إنت هتنكر إن نصايحي جابت نتيجة مع مرار!
رد عمر بحنق:
ـ من ناحية جابت نتيجة فهي جابت نتيجة.. بأمارة رضينا بالهم.
انفتح الباب فالتفتا معًا، وظهرت نسيم، وما أن رأت الاثنين يحملان صناديق الفاكهة حتى انفجرت ضاحكة. فتقدّم عمر مباشرة وهو يناولها الصندوق وقال:
ـ انتي لسه هتضحكي؟!
أما حسن، فابتسم لها ابتسامة واسعة، تحمل حبًا خالصًا واشتياقًا، ثم مال نحوها حاملًا القفص بيد، وبالأخرى يضمها إليه قائلاً:
ـ وحشتيني يا حبيبة أخوكي.. حمدالله على السلامة.
تفاجأت نسيم بذلك العناق الحار، لكنها ابتسمت رغمًا عنها وقالت:
ـ الله يسلمك.. اتفضل يا حسن.
دلف حسن للداخل، ثم ناولها صندوق التوت مبتسمًا:
ـ عرفت إنك بتحبي التوت جبتلك قفص بحاله..
ابتسمت وهي تلتقط الصندوق قائلة:
ـ متشكرة جدًا يا حسن..
ثم نظرت إلى عمر الذي يطالعهما بغيظ، واقترب منها، مادًا ذراعيه، وعانقها بحرارة قائلاً:
ـ وحشتيني يا حبيبتي.
بادلته نسيم العناق بحرارة أيضًا وقالت:
ـ وانت كمان وحشتني يا عمر.. عامل إيه؟
ـ أنا كويس..
نظر حسن إليه وقال مبتسمًا:
ـ إنت كويس بس؟ ولا كويس ومبسوط وطاير من الفرحة.. يا ناكر الجميل.
قادتهما نسيم نحو غرفة الاستقبال، ثم نظرت إليهما بتعجب وهي تتساءل باستفهام:
ـ قصدك إيه؟! إيه الموضوع يا عمر؟
ابتسم حسن بمكر وقال:
ـ الموضوع وما فيه يا ستي إن مرار رضيت عليه أخيرًا وقالت إنها موافقة تتجوزه.
فسألته نسيم بدهشة:
ـ مين مرار؟
نظر عمر إلى حسن بغضب مصطنع، ثم إلى نسيم:
ـ يقصد ميرال.. بنت شغالة مشرفة في الدار عند فريد، وأنا من فترة معجب بيها، والنهاردة فاتحتها في الموضوع وعرفت إنها موافقة يعني.
ابتسمت نسيم بهدوء وقالت بنبرة تحمل مرارة خفية :
ـ واضح إني بعيدة عنكم من زمان أوي.
لمح حسن الضيق في عينيها فقال مبتسمًا:
ـ ولا يهمك.. أهم حاجة تكوني اتبسطتي في الرحلة اللي كنتي فيها.
أومأت بابتسامة:
ـ جدًا… الحمدلله.
ثم نهضت وقالت:
ـ ثواني.. هجيب لكم حاجة تشربوها وبعدين نكمل كلامنا..
ثم نظرت إلى حسن:
ـ تشرب إيه يا حسن؟
أجابها حسن بابتسامة حنونة:
ـ أي حاجة من إيدك حلوة.
ابتسمت، ونظرت إلى عمر:
ـ وأنت يا عمر تشرب إيه؟
فقال عمر ببساطة:
ـ لأ، أنا مفطرتش وجعان الصراحة..
ضحك كل من نسيم وحسن، ثم قالت:
ـ حاضر.. من عنيا.
وانطلقت نحو المطبخ بسعادة، وقلبها ممتلئ بالفرح والطمأنينة، تشعر بالدفء الذي لم تشعر به من قبل. كانت سعيدة بوجود إخوتها حولها، وبزيارتهم لها في بيتها، إذ شعرت أخيرًا بمعنى العائلة الحقيقي، بحبهم وحنانهم، وبالانتماء الذي طالما افتقدته.
وبينما هي تقطع الطريق نحو المطبخ ، فاجئها رنين جرس الباب مجددا، فاندفعت لتفتحه وهي قاطبةً جبينها، وفي داخلها تتساءل من سيزورها مجددا ؟!
فتحت الباب ، وظلت واقفة ؛ تحدق فيمن يقابلها تحديق البلهاء !!!!!
༺═──────────────═༻
#يتبع
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق