القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية اميرة البحر القرمزى الفصل الحادي وعشرون 21 بقلم اسماعيل موسى

رواية اميرة البحر القرمزى الفصل الحادي وعشرون  21 بقلم اسماعيل موسى 





رواية اميرة البحر القرمزى الفصل الحادي وعشرون  21 بقلم اسماعيل موسى 


 #اميرة_البحر_القرمزى


           ٢١


كان البحر ساكنًا بعد العاصفة، كما لو أنه استنفد كل ما لديه من حياة وغضب، لا شيء سوى الضوء الأخضر الخافت يتسرّب بين الركام والدماء والمرجان المهشّم.

في عمقٍ سحيق من هذا السكون، كانت ليانثرا غارقة في نومٍ غريبٍ، أقرب إلى الغيبوبة منه إلى الراحة، لم تكن نائمة، بل كانت تُعاد صياغتها.


جسدها الذي حمل ندوب المعارك، وتلك الندبة الطويلة على كتفها، بدأ يتوهّج من الداخل.

كانت العشبة التي ابتلعتها — عشبة بلانتيرون — تشتغل فيها كعاصفةٍ كيميائية، تمزق وتعيد بناء كل خلية من خلاياها، تنسجها من جديد بخيوطٍ من طاقة البحر الأزرق القديمة.


تحركت خصل شعرها في الماء كألسنة نارٍ زرقاء، أخذت تتطاول حتى بلغت خصرها، وصارت تتلألأ بألوان المحار.

جلدها تماوج بين الفضيّ والأخضر، ثم استقرّ على لونٍ فيروزٍ داكنٍ كأنه استمدّ صبغته من ظلال الأعماق نفسها.

أطراف أصابعها استطالت، واندمجت ببطء لتكوّن أغشية شفافة تُشبه أجنحة السمك الطائر، بينما انفصلت ساقاها لتتحول إلى ذيلٍ عظيمٍ مرن، مغطى بحراشف متينة كالعقيق، وعند نهايته زعنفة ملكية ضخمة، تتلألأ كلما لامسها الضوء.


ثم ظهرت على جانبي عنقها خياشيم صغيرة تنبض كقلوبٍ أخرى، تسمح لها بالتنفس داخل المياه كما لو كانت في الهواء.

أما عيناها، فقد تبدلتا إلى لونٍ لؤلؤيّ، تحيطهما دوائر داكنة تمنحهما عمقًا غريبًا، كأنها ترى كل ما في البحر في وقتٍ واحد.

لم تكن بعدُ بشرية… بل أصبحت غرنيقة ملكية من سلالةٍ لم تُرَ منذ اندثار آخر الملكات المحاربات، تلك التي كانت تُقال عنها إنها قاتلت أمواج الطوفان بيديها.


وفيما استمر التحوّل، أحاط جسدها هالة من الطحالب اللامعة، نسجت حولها شرنقة كريستالية، ظلّت تهتز لوقتٍ طويلٍ، حتى اقتربت قشرية صغيرة — مخلوقة طفولية الحجم، شاحبة اللون — لتتفقد ما بقي من الأنقاض.

كانت ترتجف وهي ترى الجسد النائم يضيء وسط الركام، ترددت قليلًا، ثم أخرجت من حقيبتها عشبة بحرية دقيقة، بلونٍ أزرق مائل إلى البنفسجي، تُعرف باسم لسان المدّ — نبتة تُستخدم لإيقاظ الكائنات التي خضعت لسحرٍ أو صدمةٍ قوية.


وضعت القشرية العشبة في فم ليانثرا بخوفٍ، وما إن لامست لسانها حتى اشتعل الضوء حولها، وانفجرت الشرنقة بضوءٍ مائيّ هائل.

فتحت ليانثرا عينيها فجأة، كأنها ولدت من جديد، كان البحر من حولها يرتجّ بذبذباتٍ خفية.

تحركت ببطءٍ، ثم بحدسٍ غريبٍ مدّت يدها إلى صخرةٍ قريبة، وضغطت عليها بخفةٍ فتهشمت كأنها زجاجٌ هشّ.


رفعت نظرها بدهشة، أحسّت بالقوة تتدفق في عضلاتها، في ذيلها الذي تحرك كالسهم، فشق الماء بخطٍّ من الفقاعات اللامعة.

سبحت بسرعةٍ تفوق أي سرعةٍ عرفتها من قبل، كأن البحر لم يعد مقاومةً لها بل جناحًا يرفعها.

التفتت تبحث عن القشرية، فوجدتها تُحدّق بها برعبٍ خالص، ثم دفعت نفسها بعيدًا في الظلام، هاربةً وهي تهمس:


> "لقد عادت الملكة..."


لم تفهم ليانثرا تلك الكلمات، لكنها أحسّت في أعماقها أن شيئًا ما تغيّر في البحر نفسه.

تحركت نحو الجنوب، حيث كان الدخان الأسود من المعركة لا يزال يعكر الماء.

كلما اقتربت، رأت أطلال مملكة الغرانيق وقد صارت خرابًا: أبراجٌ منكسرة، وسفنٌ مرجانية جاثمة على القاع، ودماءٌ متخثرة على صدفات اللؤلؤ.


في قلب الدمار، كان القروش يجرّون الأسرى — غرانيقات مكبّلاتٍ بالسلاسل المرجانية — نحو الحُفر الكبيرة التي حفرها باتروس لتكون سجونًا لهم.

كانت الفوضى تعمّ، ولم ينتبه أحد لقدومها.

لكن عندما عبرت البوابة المرجانية الكبرى، توقفت الغرانيقات المأسورات فجأة، وكأن شيئًا في البحر جعل قلوبهن تتوقف لحظة.


من بين الدخان والرماد البحريّ، ظهرت ليانثرا.

شعرها المتطاير في الماء يشعّ بضوءٍ ملكيّ، وذيلها العظيم يخترق التيارات كالسيف.

تقدّمت بين الأنقاض بخطواتٍ بطيئةٍ واثقةٍ، والضوء الأخضر ينساب من حولها.

كانت مهيبة، حتى أن القروش تجمّدوا في أماكنهم للحظاتٍ وهم يحدقون إليها غير مصدقين.


ثم، في مشهدٍ كأنه من زمنٍ أسطوريّ، انحنت الغرانيقات الأسيرات أمامها، واحدة تلو الأخرى، حتى صار القاع كله ركوعًا صامتًا.

فهمت ليانثرا عندها ما قالته القشرية — إنها لم تعد دخيلة، بل وريثة سلالةٍ ضاعت منذ قرون، ملكة الغرانيق الجديدة التي نهضت من رماد التاريخ.


أحسّت بحرارةٍ غريبةٍ في صدرها، بين الفخر والخوف، ثم رفعت رأسها نحو الأعلى، نحو حيث كان الضوء يلمع من بعيد… هناك، في مملكة القروش، حيث يُحتجز الحوت الرضيع — آخر نسل مالكوم.

لم تتردد.

لوّحت بذيلها مرة واحدة فانطلقت موجة قوية هزّت المرجان، ثم اندفعت عبر المياه كالسهم، تتبع أثر القروش نحو مملكة باتروس.


كانت وحدها…

لكن البحر نفسه بدا يفتح لها الطريق، كأنه يعرف أن زمنًا جديدًا قد بدأ، وأن غرنيقة من لحمٍ وبشرٍ وضوءٍ قد عادت لتعيد التوازن إلى الأعماق.

كانت مملكة القروش — مملكة باتروس — تمتد كمدينةٍ من العظام والمرجان الأسود، تتلألأ في أعماق البحر الأزرق ككابوسٍ من الضوء الميت.

كانت القروش تسبح في صفوفٍ كثيفة حول أسوارها المصنوعة من أضلاع حيتانٍ هائلة، وتدور بينها أسماك صغيرة تشبه الجواسيس، تنقل الأخبار والدماء إلى الملك.


في وسط المدينة، على عرشٍ محفورٍ من جماجمٍ عملاقة، جلس باتروس، القرش الضخم ذو الشوارب العظيمة والعينين الصفراوين اللتين تلمعان كحدّ السيف.

كان جسده يحمل آثار المعارك الأخيرة: ندوبٌ غائرة، وجروحٌ لم تلتئم بعد.

لكن فخره لم يُمسّ.

ضحك ضحكةً مدوية، فاهتز الماء من حوله، وأمر بإحضار الحوت الرضيع ليُعرض أمامه.


اقترب أحد القروش الصغار، يحمل الحوت مربوطًا بسلسلةٍ من المرجان المضيء، يجرّه جراً وسط صرخاته الطفولية.

قال باتروس وهو ينحني نحوه، صوته يشبه دويّ صخرةٍ تسقط في القاع:


> "أتعرف من أنا أيها الصغير؟ أنا من أنهى سلالة مالكوم. البحر الأزرق لى وحدى."


لكن قبل أن ينطق الحوت، ارتجّت المياه فجأةً كأن موجةً عظيمة مرت في قلب البحر.

انطفأت المصابيح المرجانية للحظة، وظهرت من العتمة ظلالٌ أنيقة تتحرك برشاقةٍ لا تشبه أي كائنٍ آخر.

ثم، من بين الصفوف، خرجت ليانثرا.


كانت مهيبة كما لو خرجت من أسطورةٍ قديمة، جسدها يتلألأ بخطوطٍ فضية وذيلها يقطع الماء كالسيف.

توقفت عند مدخل القاعة الملكية، والضوء الأزرق يحيط بها كهالةٍ سماوية.

قال أحد القروش بارتباك:


> "إنها من سلالة الملكات! لكنها... 


رفع باتروس رأسه

ابتسم ابتسامةً باردة، وقال:


> "اقتلوها."


اندفعت القروش نحوهـا كعاصفةٍ من الفكين والزعانف، لكن ليانثرا لم تتحرك.

مدّت يدها فقط، فتكوّنت من حولها دوّامة هائلة، اجتذبت أول سربٍ من القروش ومزّقته كما يمزق الحديد في النيران.

ثم تحرّكت بخفة، ضربة واحدة من ذيلها أطاحت باثنين آخرين، انفجرت فقاعات دمٍ ضخمة ملأت المكان.


حاول باتروس أن يهاجمها بنفسه، فانقضّ بجسده الضخم عليها، فتح فمه ككهفٍ من الأسنان، لكنها استدارت بسرعةٍ مذهلة، ودفعت نفسها للأعلى، فارتطم فكه بالأرض بقوةٍ جعلت الصخور تتشقق.

ثم هوت عليه من الخلف، وضربت رأسه بضوءٍ بحريٍّ مكثفٍ انبعث من راحتيها.


صرخ باتروس من الألم، كانت ضربة من قوةٍ لم يعرفها البحر منذ قرون.

اهتزّت المملكة كلها، تساقطت القباب المرجانية، وارتجّ العرش العظميّ.


انسحب باتروس متألمًا، والدم يسيل من جانبه، بينما كانت ليانثرا تتقدم نحوه بخطواتٍ بطيئةٍ، كأن البحر كله يسير معها.

قالت بصوتٍ عميقٍ، رزينٍ، فيه صدى التيارات القديمة:

من تكون هذة اللعينه ؟


حدق فيها باتروس بعينين من حقدٍ وذعرٍ في آنٍ واحد، ثم أدار جسده الضخم بسرعةٍ وانسحب عبر الأخاديد، هاربًا نحو الظلال.

لم يتوقف حتى خرج من حدود البحر الأزرق ودخل مياه الملك شرباخ، ملك البحار السبعة.


---


كان عرش شرباخ يقع في قصرٍ من اللؤلؤ الأسود، محاطًا بأعمدةٍ من المرجان المتوهّج، تحرسه جيوشٌ من الأسماك الملونة.

وقف الحرس في دهشةٍ وهم يرون القرش الجبار باتروس يدخل مثخنًا بالجراح، مطأطئ الرأس.


قال شرباخ بصوته العميق:


> "ما الذي أعادك من البحر الأزرق يا باتروس؟ 


انحنى باتروس في ذلٍّ مصطنع، وقال:


> "مولاي، جئت أبلغك أمرًا جللاً... إن مملكة الغرانيق قد تمرّدت واحده منها ونصبت  نفسها ملكة للبحر الأزرق، ورفضت سيادتك. إنها تدّعي أنها وريثة السلالة القديمة، وأن عهدك انتهى."


ارتفع حاجبا شرباخ في دهشةٍ لم تدم طويلًا، فقد تحولت إلى غضبٍ صاعقٍ هزّ أرجاء القصر.

قال بصوتٍ كالرعد:


> "غرنيقة حقيره ؟ هذا عبث. البحر الأزرق أرضي منذ الأزل. لن أسمح لتمردٍ أن يشوه النظام الذي صنعته الأمواج بيدي."


أشار بيده اليمنى، فانطلقت طبول المدّ العظيم تدقّ في كل الاتجاهات.

تزلزلت الأرض المائية، وبدأت ممالك البحار السبعة تتحرك — جيش الحبار من الجنوب، وكتيبة السلاحف العملاقة من الشرق، وسرب فرسان الشعاب من الغرب.

أما القروش، فقد انضمت تحت لواء شرباخ، يقودها باتروس بذلٍ وانكسارٍ ظاهر، بينما في عينيه يلمع مكرٌ دفين.


قال شرباخ وهو يرفع رمحه الطويل المصنوع من عظام عتيقة:


> "سأمحو اسم الغرانيق من خرائط البحر، وأعيد التوازن إلى الملك. فليستعد الجميع... إننا ذاهبون إلى الحرب."


---


وفي الأفق البعيد، عند أطلال المملكة المهدمة، وقفت ليانثرا على قمة برجٍ مرجانيٍّ مائل، شعرها يتحرك مع التيار كاللهيب.

كانت تشعر بالبحر كلّه ينبض من حولها، وتحسّ بالمدّ القادم من الجنوب.

لم تكن تعرف أن جيوش البحار كلها تسير نحوها، لكنها شعرت بشيءٍ أعظم من الخوف: إحساس بأن قدرها بدأ الآن فقط.

______________________

كانت الجزيرة المنفية صامتةً على غير عادتها، البحر من حولها ساكن كأنّه ينتظر نَفَسًا جديدًا بعد قرونٍ من الاختناق.

وفي أعماق القصر الحجريّ، تحت القباب المتهدّمة الموشّاة بشعابٍ متحجرة، جلس القزم فانتر وحيدًا داخل المكتبة الأسطورية للملكة المنفية، وقد غمره ضوء الفوانيس الطحلبية الخافتة.


كانت المكتبة عالماً من الغبار والمخطوطات القديمة، تمتد أرففها حتى السقف، مملوءة بكتبٍ كُتبت بلغاتٍ نسيها البحر نفسه.

صوت الأوراق حين يقلبها كان كأنّه أنينٌ من عصورٍ مضت.

لم يأكل ولم ينم منذ أيام، عيناه المتعبتان تتنقلان بين النقوش والرُقُم الغريبة، يتمتم بين حينٍ وآخر بصوتٍ حادٍّ متوتر:


> "لا بد أن شيئًا هنا… شيء يكسر لعنتها… شيء يُعيدها إلى البحر الحيّ."


كانت الأميرة المنفية تراقبه بصمتٍ من مدخل المكتبة، ترتدي عباءتها الفضية الباهتة التي ما زالت تحمل بريق ماضيها.

كل ما فيها كان جميلًا كالحزن — وجهها، شعرها، صبرها الطويل في منفاها.

رأت القزم يمدّ يده نحو لفافةٍ صغيرة مهترئة في زاويةٍ مظلمة، فاقتربت.

قالت بهمسٍ يشبه الريح:


> "ذلك السجل لم يُفتح منذ عصور… إنه مكتوب بلسان الجنّ الأوائل."


ابتسم فانتر ابتسامةً صغيرةً تشبه الجنون، وقال:


> "وهذا بالضبط ما أحتاجه."


فتح اللفافة بحذر، فانطلقت منها رائحة الملح القديم والعفن الساحلي.

كانت الرموز مرسومة بخطٍّ متشابكٍ لا يُقرأ إلا بعينٍ خبيرة.

جلس على الأرض، أحاط نفسه بدوائر الطباشير البحريّ، ووضع حوله أحجارًا مضيئة جمعها من سواحل الجزيرة.

ثم بدأ بالقراءة بصوتٍ منخفضٍ مرتجف، يخلط بين تعويذاتٍ جنّيةٍ منسية وتعاليم قديمة وجدها في كتب الملكة.


شيئًا فشيئًا، بدأ الهواء في المكتبة يرتجف.

انطفأت الفوانيس، وتوهّجت الرموز على الجدران بلونٍ أزرق عميق، كأن البحر نفسه يراقب ما يجري.

تدفّقت أمواجٌ من الضوء من قلب الدائرة التي جلس فيها القزم، وبدأت أصداء كلماتٍ غريبة تتردّد في الفضاء، لا تشبه لغات البشر ولا الجان.

الملكة المنفية وضعت يدها على صدرها، تشعر بأن شيئًا يتحرك في أعماقها — خيطٌ قديم من اللعنة بدأ يتفكك.


صرخ فانتر، بصوتٍ متهدجٍ لكنه مليء بالإصرار:


> "يا أرواح الجزر الأولى، يا من وُلدتم قبل التيارات… حرروا هذه الملكة من قيود المنفى!"


انشقّ سقف المكتبة، واندفع نورٌ هائل من الأعلى، اخترق الظلام الذي غطّى الجزيرة قرونًا طويلة.

اهتزّت الأرض، تساقطت الصخور، والبحر من حولها بدأ يتراجع كأنّ لعنةً كانت تمسكه من عنقه.

صرخت الأميرة، جسدها يتوهّج بنورٍ ذهبيٍّ ساطع، والعلامة السوداء على صدرها — رمز اللعنة القديمة — بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا حتى اختفت.


ثم ساد الصمت.

سقط فانتر على الأرض مرهقًا، والملكة تنحني نحوه، الدموع في عينيها.

قالت بصوتٍ مبحوح:


> "لقد فعلتها أيها القزم الصغير… لقد حررتني من أسر الجزر."


فتح عينيه بصعوبة، ابتسم بسخريةٍ لطيفة وقال:


> "كنتُ دائمًا أقول إن العباقرة قصار القامة، يا جلالتك."


ضحكت ضحكةً لأول مرة منذ قرون.


---


في فجر اليوم التالي، انفتحت مياه البحر حول الجزيرة كأبوابٍ خفية، وخرجت سفينةٌ مائية ضخمة مصنوعة من أصدافٍ بيضاء نُسجت بخيوطٍ من المرجان الذهبي.

كانت الأميرة المنفية تقف على مقدمتها، تاجها القديم يلمع من جديد، وإلى جوارها القزم فانتر والأمير مونت كارلو والفتاة التي صاحبتهم منذ البداية، ومعهما خدم القصر الذين بكوا فرحًا وهم يرون السماء لأول مرة خارج حدود المنفى.


تلاشت الجزيرة وراءهم كحلمٍ كان ينتظر أن يُنسى.

وفي الأفق، كانت أرض الجان تلوح أخيرًا — مضيئةً بضياءٍ لا يشبه ضوء الشمس، بل ضوء المعرفة القديمة، والنور الذي لا يأتي من فوق، بل من الداخل.


قال فانتر وهو يحدّق في الأفق، صوته يخالطه تعبٌ ودهشة:


> "اخيرا  سنرى أرض الجان بأعيننا مره اخرى "


أجابته الأميرة بنبرةٍ هادئةٍ مهيبة:


> "وسنكتب فيها فصلًا جديدًا، لا تحكمه اللعنات… بل إرادتنا نحن."


ومع أول موجةٍ لامست حدود عالم الجان، ارتجف البحر مرةً أخرى، وكأنّه يبارك ميلاد عصرٍ جديد.


كانت الرحلة الطويلة عبر البحار كأنها عودةٌ من العدم إلى الوجود.

السماء صافية، والريح تحمل رائحة الممالك المجهولة، حتى بدا الأفق كحلمٍ يتموج بين الضوء والضباب.

وعندما اخترقت السفينة أخيرًا حدود أرض الجان، انشقّ البحر كستارٍ من البلور، لتظهر خلفه أراضٍ لا تشبه شيئًا في العالم — جبالٌ تلمع بلون الفضة، أنهارٌ من ضوءٍ أزرق تتدفق بين الغابات، ومدنٌ عائمة تتلألأ فوق البحيرات.


وقف الأمير مونت كارلو على مقدمة السفينة، شعره تراقص مع الريح، وعيناه تلمعان بإحساسٍ غريبٍ بالحنين.

قال وهو يلتفت نحو الأميرة المنفية:


> "هذه هي أرض الجان، موطنكِ القديم… وموطني أيضًا. سنبدأ من هنا."


نظرت إليه بصمتٍ طويل، كأنها تخاف أن يوقظ صوته ذاكرةً كانت تحاول نسيانها.

ثم قالت بصوتٍ هادئٍ كالموج بعد العاصفة:


> "لم أظن أنني سأراها ثانية. كل هذا الجمال… كأنه يعاقبني بتذكيري بما فقدت."


اقترب منها الأمير، وقال بحزمٍ ممزوجٍ بالعطف:


> "لقد عانيتِ ما يكفي. تعالي معي إلى مملكتي — إلى أرض النور الملكي، حيث لا تصل أوامر أبيك ولا لعناته. ستكونين هناك ضيفتي… 


ابتسمت بخجلٍ غامض، ونظرت إلى البحر الذي كان يحرسها قرونًا، ثم أومأت برأسها موافقة.


---


دخلت السفينة إلى مرفأ مملكة مونت كارلو، والناس خرجوا من قصور المرجان ليستقبلوا الرفقة الغريبة.

كانت الأميرة المنفية تسير بين صفّين من الجان ببطءٍ ووقارٍ حزين، وملامحها المضيئة تعكس تاريخًا من الألم والكرامة.

أُقيم لها قصرٌ خاص على ربوةٍ مطلّة على البحر، تحيطه حدائق الطحالب المضيئة، فبدت كمن عادت إلى سمائها بعد منفى طويل.


في الليالي الأولى، كانت تمشي وحيدة في الممرات، تستعيد وجوه من عاشت بينهم ثم ابتلعتهم اللعنة.

لكنها مع مرور الأيام، بدأت تجد في رفقة القزم فانتر وتاليا وحتى الأمير نفسه شيئًا من الأمان الغائب.

كانت تبتسم أحيانًا، وتغني أحيانًا أخرى، والبحر تحت شرفتها بدا أكثر صفاءً منذ قدومها.


---


غير أن تلك الطمأنينة لم تدم طويلًا.

ففي قصرٍ بعيدٍ وسط غابات البلور الأزرق، كان ملك الجان جالسًا على عرشه العتيق، يتأمل مرآةَ الأعماق التي تُظهر ما يجري في بحار الممالك السفلية.

وفجأة، ارتجفت المياه داخلها، وتبدّى له وميضٌ ذهبي يعرفه جيدًا — إنه نور ابنته، النور الذي ظن أنه انطفأ منذ قرون.


انتفض الملك من مجلسه، صوته الرهيب دوّى كالعاصفة:


> "من الذي كسر اللعنة؟ من الذي تجرأ على إبطال حكم الملك الأعلى؟"


اقترب منه المستشارون والحراس وقد أذهلهم الغضب المشتعل في عينيه.

قال أحدهم بصوتٍ مرتجف:


> "يا مولاي، الأخبار تؤكد أن الأميرة المنفية ظهرت في أرض الأمير مونت كارلو، وقد آواها في قصره."


ساد الصمت، قبل أن يهمس الملك كمن يكلّم الأشباح:


> "مونت كارلو… "


ثم وقف، وامتد صوته في القاعة حتى تكسّرت المرايا على الجدران:


> "أعلنوا الحشد! لتستعد جيوش الجان العظمى.

لن تبقى مملكة مونت كارلو آمنة ما دامت تحمي من تمرّدت على دمها!"


اهتزّت القصور والجبال، وانطلقت الصفارات النورانية التي لا تُسمع إلا في زمن الحرب.

السماء فوق أرض الجان تلوّنت بالوميض الأحمر، كأنها تذكّر الجميع بأن عصر السلام انتهى.


وفي قصر البحر الفضي، كان الأمير مونت كارلو يقف على الشرفة حين رأى السحب تتكاثف فوق الأفق،

فهمس لنفسه وهو يحدّق في البحر الذي جلب له الحرية والمأساة معًا:


> "لقد علم بالأمر إذًا… لم يعد أمامنا سوى الحرب."

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملة من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا




تعليقات

التنقل السريع
    close