القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الثاني وعشرون 22بقلم سيلا وليد حصريه

 

رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الثاني وعشرون 22بقلم سيلا وليد  حصريه  





رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الثاني وعشرون 22بقلم سيلا وليد  حصريه  




الفصل الثاني والعشرون


"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "


أتبوح بامتلاكي أمام الجميع،

ثم تنكرني حين نكون وجهًا لوجه، وكأن قلبي لم يكن له مكان في عالمك.

أما أنا، فلا أملك هذا التناقض…

فها أنا أعلنها بصراحة:

لقد امتلكتَ روحي قبل قلبي،

وعقلي قبل نبضي،

وصرتَ فيّ كما يتخلل الضوء أعماق البحر،

لا يُرى، لكنه يسكن كل شيء…


وأنا أسير وحدتي بين هذا الحب المنكَر،

أحتضن صمتك وأبكي قلبًا لا يملكه إلا أنت،

وأعشقك كما يعشق القلب ما يستحيل امتلاكه،

ومع ذلك يركض نحوه بكل جنون.


تجمَّد الجميع بالمكان للحظات بعد جملتها الجريئة.

شهقات خافتة، همهمات مكتومة، ووجوهٌ مصدومة تتبادل النظرات بين ضيّ ويوسف، نظر اليها بوجهٍ شاحب  كمن تلقَّى صفعة:

_موافقة على إيه ياضي اتجنِّنتي؟! إنتي عارفة إنِّي مش طايقك.

رغم حديثه الذي اخترق صدرها كالخنجر:

_بس أنا موافقة، مش إنتَ عاملي راجل، خلِّيك قدِّ كلمتك ياراجل. 

قالتها بتحدِّي ممزوج بالعناد.. 

كلُّ هذا والجميع في حالة صدمةٍ وترقُّب، أفزعهم صوت إلياس الذي يراقبهم بصمته الحادّ المميت كالسوط:

_ تعالولي على المكتب أنتوا الاتنين!


التفتت ضي نحوه بعينينِ مرتجفتين:

_ بقولَّك فضحني ياعمُّو...

لكنَّه لم يرد، فقط أعاد كلماته بجمودٍ يخفي وراءه إعصارًا:

_ قلت تعالوا لي على المكتب.

_استنى ياالياس، لازم أعرف إيه اللي حصل.. تمتم بها ارسلان بعيونًا كادت ان تخرج على محجريها

استدار الياس دون حديث، بينما 


تحرَّك يوسف بخطواتٍ سريعة دون أن يلتفت إليها، وكأنَّها لم تكن.

أمَّا هي فبقيت للحظة كأنَّها فقدت توازنها، إلى أن اقترب أرسلان بخطواتٍ ثقيلة ونظراتٍ تجمع بين الغضب والخذلان:


_ أنا مربِّي بنتي على الثقة بالنفس..مش على الوقاحة وقلِّة الأدب.

سكت لحظة، يزفر غيظه:

_من إمتى وإنتي وقحة كدا؟!


_ بابا..

رفع إصبعه أمام وجهها يأمرها بالصمت، وأردف بصوتٍ خفيضٍ لكنَّه يحمل ألفَ تهديد:

_ عملتي إيه يابنت أرسلان علشان يوسف يقول كده؟ وكلِّنا عارفين علاقتكم ببعض، شوفي عمِّك وتعالي.


استدار بعدها نحو غرام التي كانت تتابع المشهد بعينينِ دامعتين، لم يتكلَّم، فقط نظر إليها طويلاً بصمتٍ موجع، ثمَّ أشار إلى حمزة:

_ ادخل ياحبيبي.


حاول التماسك وهو يربت على كتف حمزة بابتسامةٍ باهتة:

_ آسف ياحبيبي..ضي مجنونة شوية.


ردَّ حمزة بخفوتٍ حزين:

_ تعرف..معرفتهاش، كبرت أوي.


ابتسم أرسلان، لكن داخله كان يحترق..فابنته لم تكبر فحسب، بل جرحته بوعيها، بتمرُّدها، وبعينها التي صارت ترى شخصها على الجميع..

دلف إلى مكتب والده، وجهه لوحةٌ من الغضب الحارق، والعروق في صدغيه تنبض كأنَّها على وشك الانفجار.

أخرج إلياس سيجارته وأشعلها بهدوءٍ ثقيل، يتابع انفعالات ابنه دون أن ينطق، خاصَّةً حين اتَّجه إلى شرفة المكتب، يبتلع أنفاسه النارية محاولًا السيطرة على ذاته.


لم تمرّ دقائق حتى دلفت ضي بخطواتٍ واثقة، وكأنَّ من يراها لم يقل أنَّها تلك التي ألهبت الجميع بنيران جرأتها قبل غضبها.


أشار إليها إلياس بالجلوس، فجلست متصلِّبة، رمقت الذي يدير لها ظهره، وقلبها يئنُّ من الألم والحزن.. 

صاح بصوتٍ خافتٍ يشقُّ الصمت:

_يوسف..

نطقها وهو ينفث دخان سيجارته، وعيناه تتنقَّلان بين وجه ضي وظهر ابنه.


استدار يوسف أخيرًا وجلس، دون أن ينبسَّ بكلمة، لكن ساقيه كانتا تظهر عصبيَّته  الواضحة.

نظر إلياس إليها ثمَّ قال بنبرةٍ ثابتة:

_سامعك ياضي.


رفعت نظرها إليه وقالت:

_أنا قولت ياعمُّو اللي حصل.


اقترب إلياس بجسده من مكتبه واستند بمرفقيه عليه، عيونه تضيق باهتمام:

_لا ياعمُّو..إنتي قولتي غضبك من يوسف، ونتيجة حرقة قلبك..بس ماقولتيش اللي حصل فعلًا.


التفتت تنظر إلى يوسف، الذي جلس في برودٍ يُثير جنونها، كأنَّه حجرٌ لا قلب له.

ارتجفت أنفاسها قبل أن تقول بصوتٍ متقطِّع:

_ابن حضرتك أهانني في الكلية قدَّام زمايلي.


زمَّ إلياس شفتيه، يكرِّر ببطءٍ ثقيل كمن يختبر وقع الكلمة:

_ابن حضرتك..يعني مش يوسف؟


ارتجفت شفتاها، واختنقت عيونها بالدموع، ثم همست:

_ضربني بالقلم ياعمُّو…قدَّام الكل..وقال إنِّي خطيبته.


التفت إلياس بسرعةٍ نحو ابنه، نظراته كالسياط، لكن يوسف بقي كما هو..صامتًا، ساكنًا، كأنَّه ليس الذي يُحكى عنه، بل جلس بثباتٍ قاتل، أو كأنَّه لا يرى نفسه مذنبًا بما فعله.


_إيه اللي بنت عمَّك بتقوله دا، إنتَ أكيد اتجنِّنت، إنتَ ناسي نفسك  علشان تضربها، وإنتَ مين أصلًا علشان تمدِّ إيدك عليها؟!..

ظلَّ كما هو يستمع إلى والده وعيناه تنظر إلى الخارج من خلال الشرفة..كأنَّ روحه تائهة، أنفاسه بطيئة، وجهه متماسك..لكن في عينيه نارٌ مكبوتة توشك أن تلتهم الصمت... لحظات الى إن انتهى والده من توبيخه، فاستدار اليه: 


_ أنا ابن عمَّها زي ماحضرتك قولت، واللي اتعلِّمته واتربِّيت عليه لمَّا أشوف الغلط مااسكتش.


استدار نحوها بنظراتٍ أشبه بصفعةٍ ثانية، كأنَّها تُجرِّدها من كلِّ ماتبقَّى من كبرياء وهدر بصوتٍ غليظٍ غارقٍ في الغضب المكبوت:


_لمَّا أشوف بنت عمِّي اللي تحمل دمِّنا واسم العيلة في وضع مخلّ يبقى لازم إعادة تربية. 


شهقة خرجت من فمها كأنَّ أحدهم انتزع منها الروح، و ارتجف جسدها، وبريقُ الدموع لم يعد يحتمل لينذرف على خدَّيها بينما إلياس جلس كتمثالٍ من نار، السيجارة تحترق بين أصابعه دون أن ينتبه، حتى انطفأت في رمادها، وعيناه على ابنه بأنفاسٍ تتسارع، كأنَّ قلبه هو الآخر يُدخِّن وجعًا.


رمقها يوسف بحدة، ورغم دموعها إلَّا أنَّه واصل بقسوةٍ تقطر سمًّا:


_ماتقولي يامحترمة ليه ضربتك بالقلم، وجاية بكلِّ بجاحة توقفي قدَّامي، لو موضوع خطيبك دا مضايقك أوي، مستعدّ الصبح أروح لك الجامعة وأفهِّمهم..يمكن زعلانة على حد، منكرش أنا قولت كدا علشان كلِّ واحد يبعد عن الأستاذة اللي سايبة كلِّ شخص يتحرَّش بيها.


سقطت الكلمات عليها كالرصاص..

تشعر و كأنَّ الأرض سُحبت من تحت قدميها.


هنا فقدت النطق وانسابت دموعها بغزارة حتى ارتجفت شفتيها، بدخول أرسلان الذي استمع إلى كلمات يوسف: 

_يوسف..صرخ بها أرسلان مقتربًا منه بعقلٍ فقد السيطرة وأمسكه من تلابيبه:

_إنتَ اتجنِّنت!! إيه اللي بتقوله دا؟!

شعر يوسف بالحزن من حالة عمِّه، اتَّجه بنظره إلى ضي التي شحب وجهها ولم تتفوَّه بحرف، ثمَّ رفع عيناه إلى أرسلان:

_ آسف ياعمُّو، أنا بس كنت مضَّايق منها وعايز أغلَّطها قدَّام بابا وبس، قالها والتفت إليها: 

آسف يابنت عمِّي، وزي ماقولت لك بكرة هروح أصلَّح غلطي.

رفع عيناه إلى أرسلان الذي مازال تحت تأثير صدمةِ مااستمع إليه: 

_عمُّو آسف بجد، حضرتك عارف إنِّي عصبي، وممكن أكون اتجاوزت حدودي معاها، أرجوك متزعلش منِّي..

قالها وانحنى يقبِّل كتفه وتحرَّك مغادرًا للخارج..بينما ظلَّ أرسلان ينظر إلى ابنته التي تبكي بصمت، اقترب منها بخطواتٍ ثقيلة مع وقوف إلياس قائلًا:

_ضي قومي روحي، ومتزعليش من يوسف حبيبتي، هوَّ شاب والشباب دايمًا بيكونوا منفعلين. 

_معملتش حاجة. 


قالتها بنحيبٍ باكٍ، تتقطَّع أنفاسها كأنَّها تُخرج الألم مع كلِّ كلمة..

انحنى أرسلان بجانبها، كأنَّ العالم انهار فوق كتفيه، حاوط مقعدها بذراعيه، وصوته يرتجف وهو يهمس:

ليه ياضي، ليه يوسف قال كده؟! أنا متأكِّد إنُّه مش بيكذب..احكيلي، إيه اللي حصل، ومين الشباب اللي يقصدهم؟


رفعت وجهها نحوه، عيناها متورِّمتان، دموعها تتساقط بلا توقُّف، وقالت بصوت مبحوحًا من البكاء:

_بابا…

قالتها كطفلةٍ تستنجد من غرقها، ثم تابعت وسط شهقاتٍ متلاحقة:

كنت واقفة مع صحابي..بنتكلِّم عن عيد ميلادي…وفجأة لقيت ولد حطّ إيده عليَّا..والله العظيم يابابا كنت هضربه بالقلم…بس يوسف…يوسف…


توقَّفت، وانهارت شهقاتها، حتى تعالت أنفاسها لدرجة الألم..

شعر أرسلان وكأنَّ الأرضَ انسحبت من تحته، جسده كلُّه ارتعش، وعروقه انتفخت بعنفٍ مكبوت.. تراجع 

يتمتم بصوتٍ متقطِّع، بالكاد خرج من صدرٍ يحترق:

حطّ إيده على جسمك؟!!..إزاي؟!! منين جاتله الجرأة يعمل كده؟!!


مدَّ يده فجأةً ورفع كفَّيها المرتجفتين، وأردف بصوتٍ غليظٍ كالرعد الذي يسبق العاصفة:

_امشي من قدَّامي ياضي..امشي، قبل ماأعمل اللي يوسف عمله…


تجمَّدت، عيناها تلمعان بالدموع، وقلبها ينزف من الخوف من وجع والدها

نظرت إليه نظرةً طويلةً مرتجفة، كأنَّها تقول "سامحني" دون أن تنطق،

ثم التفتت نحو إلياس الذي كان يراقب المشهد بصمتٍ ثقيل..

أشار إليها برفقٍ ظاهري، وبنبرةٍ خافتةٍ تحمل تحتها ألمًا خفيًّا:

_ روحي دلوقتي ياحبيبتي..وأنا بتأسِّف لك نيابةً عن يوسف…متزعليش منُّه،  خايف عليكي..وأنا بوعدك مش هخلِّيه يقرَّب منَّك تاني، وبالنسبة للِّي قاله، دا علشان محدش يطمع فيكي، متأكِّد دي نيِّته، إنتي زي شمس، يعني لو شمس عملت كدا كان دا ردِّ فعله.


رفعت عينيها إليه بذهولٍ موجع،

كأنَّها تلقت طعنةً ثانية لا تقلُّ قسوة عن الأولى..


نهضت بخطواتٍ متعثِّرة، والدموع تحجب عنها الطريق، قلبها ينفطر،

وهي تسمع خلفها صوت أرسلان يخنق أنفاسه، ركضت الى المنزل بخروجه يصطدم بها بعدما صعد وأبدل ثيابه..

توقَّفت تنظر إليه بخذلان..ترك ذراعيها وقال: 

_على مهلك..كنتي هتوقَّعيني.

ابتلعت ريقها وأزالت دموعها بعنف، تكره نفسها من ضعفها أمام أحدٍ وخاصَّةً أمامه، سحبت نفسًا تزفره بهدوء بعدما تحرَّك ولم يكترث لبكائها..

_دكتور يوسف. 

توقَّف يستدير إليها..لتقترب منه:

_أنا مكنتش هسكت للولد اللي حضرتك اتَّهمتني بيه، بس رغم كدا بشكرك على تدخُّلك..دنت خطوةً من وقوفه وطالعته بعيونٍ مستاءة: 

_شكرًا لكرم أخلاقك، ولإعادة التربية، بس زي ماقولت بابا وبلال أولى بتربيِّتي، ابعد عن قليلة التربية، ويوم ماأفضح العيلة يبقى اتبرَّى منِّي..

قالتها وانسحبت من أمامه، تخطو بخطواتٍ واسعة، ثمَّ قامت بجذب حجابها وألقته على الأرض تدوس عليه بحذائها وتحرَّكت إلى منزلها، كلُّ هذا وهو يراقبها بصمت، ولم يغيب المشهد عن ميرال التي توقَّفت تتابع مايحدث..خطا الى الحجاب الملقى على الأرض، لم يلفت انتباهه في بداية الأمر، ولكن بعد نزعه بتلك الطريقة، علم أنَّها أحرقت كلُّ مايخصُّه، اقتربت ميرال تجذب من بين يده الحجاب: 

_سيبه هغسله وأبعته، الواحدة لمَّا تبقى مضَّايقة من حبيبها أوَّل حاجة بتفكَّر فيها تحسِّسه بنارها، ودا اللي عملته.

استدار إلى والدته:

_ماما، ضي مش حبيبتي، قولتلك قبل كدا مليون مرَّة. 

_متأكد.. 

_وحياة ربِّنا مافي مشاعر ليها عندي، أتمنَّى الموضوع دا يتقفل، بلاش كلامك ونظراتك اللي بتحسِّسني إنِّنا دايبين في بعض.

_يوسف..أنا أمَّك..وأكتر واحدة أفهمك.

_ماما مبحبَّهاش..صدَّقي بقى مبحبَّهاش..قالها واتَّجه إلى سيارته بعدما وضع الحجاب بكفَّيها. 


بمنزل مالك..  

تسحَّبت بهدوء من جوار طفلها، ثم نهضت للخارج تسحب نفسًا وهي تجمع خصلاتها، وقعت عيناها على زوجها الذي غفى بنومه وبأحضانه الصغيرة..خطت إليه بهدوء تسحب طفلتهما، فتح عيناه، أومأت هامسة:

_هدخَّلها أوضتها..قالتها وهي تحملها متَّجهةً إلى الداخل، بينما اعتدل بجلوسه، يجمع ألعاب ابنته، مع خروج غادة..وصلت إليه حتى هوت بجسدها فوق الأريكة تتمدَّد وتتوسَّد ساقيه، ملَّس على رأسها بحنان: 

_حبيبتي قومي نامي في الأوضة، وأنا قدَّامي ساعتين لسة على الشغل. 

_لا هنام هنا، علشان لو حدّ من الولاد صحي. 

سحبها الى أحضانه بعدما تمدَّد بجوارها:

_معرفش ليه مشِّيتي المربية، طيب أنا وافقت في الأوَّل علشان مكنش فيه غير فريدة،  بس دلوقتي معاكي ولد كمان. 

_محبتش نانا تربِّي ولادي يامالك،  عايزة أعيش تفاصيلهم.


مسَّد على خصلاتها بحنان، ثم طبع قبلةً دافئةً على وجنتيها قائلًا بصوتٍ خافتٍ يغلبه القلق:

_غادة، الإرهاق باين عليكي، أنا مش مرتاح لحالتك دي..فارس كبر ياحبيبتي، والنانا ممكن تساعدك شوية..مش بقولِّك تبعدي عنهم، بس اهتمِّي بنفسك شوية، علشانهم وعلشاني.


أومأت برأسها في إنهاك، ثم أطبقت جفنيها واستسلمت لنومٍ سريعٍ ثقيل.. ظلَّ يمسِّد على خصلاتها، يحدِّثها همسًا ظنًّا منه أنَّها مازالت تسمعه، لكنَّ كلماته ذابت في صمت نومها. وضع رأسها على الوسادة برفق، جلس بجوارها للحظةٍ يتأمَّل ملامحها المرهقة، ثم نهض وسحب علبة سجائره متَّجهًا نحو الشرفة.


لم يكد يشعل سيجارته حتى دوى رنين هاتفه، التقطه على الفور:

_أيوه ياماما؟


جاءه صوت ليال ناعمًا على الجانب الآخر:

_حبيبي، عمَّك هنا..انزل إنتَ وغادة شوية، وكمان هات الولاد، نفسهم يشوفوهم.


مسح على وجهه بتعبٍ، يحاول كبح انزعاجه الذي بدأ يتسلَّل من جديد، فهذه ثالث مرَّة تكلِّمه والدته لنفس السبب..سحب نفسًا من سيجارته وقال بصوتٍ متماسك:

_سلِّميلي عليه ياحبيبتي، بس أنا نازل شغل ضروري، ومش عارف هرجع إمتى..وغادة نامت دلوقتي.


تنهَّدت ليال بغيظٍ مكتوم، ثم نهضت أمام ضيوفها ورسمت ابتسامةً مصطنعة..ابتعدت بضع خطواتٍ وقالت له بنبرةِ أمٍّ متعبة:

_أنا مش كلِّمتك قبل كده يامالك؟

_عارف ياماما، والله آسف، بس حضرتك عارفة ظروفي.

_ظروف إيه ياابني؟ بقالي أسبوع ماشوفتش مراتك ولا ولادك..لو مش فوق منِّي كنتوا نسيتونا خالص.

_ماما، آسف والله، لازم أقفل..اتأخَّرت.


أنهى المكالمة بتأفُّفٍ واضح، ثم التفت نحو الاريكة، إلى تلك التي تغطُّ في نومٍ عميقٍ لا تدري شيئًا عن اشتعاله الداخلي..اقترب منها بهدوءٍ مريب، رفعها بين ذراعيه إلى غرفتهما، وضعها على السرير، وبدأ يبدِّل ثيابها دون أن ينبسَّ بكلمة.


فتحت عينيها نصف فتحة وهمست بتعبٍ:

_مالك، بتعمل إيه؟


اجابها بنبرةٍ خشنةٍ حاول أن يخفي خلفها ضيقه:

_بغيَّر هدومك اللي ريحتها لبن دي، ولَّا ناوية تنامي جنبي كده؟


حاولت أن تعترض، لكنَّ الإرهاق سحبها من جديد إلى غيبوبة النوم. نزع عنها الثياب  وانتقى لها مايناسب راحتها، ثمَّ دثرها جيدًا وجلس على المقعد المقابل، يحدِّق في ملامحها المنهكة...

ظلَّ على تلك الحال حتى غلبه النعاس، فنام هو الآخر


بمنزل طارق..

خرجت من المطبخ تحمل طبقًا مملوءًا بالفواكه، تتهادى بخطواتٍ هادئة بينما تبحث عنه بعينيها..لمحته يقف بالشرفة، الهاتف بيده يتحدث به، وطفله بين ذراعيه.

وضعت الطبق على الطاولة واقتربت منه، وماإن وصلت حتى تلقَّفت صغيرها بحنانٍ من بين ذراعيه، وتوقَّفت تستمع لحديثه الحازم:


جهِّزيه في ملف واحفظيه على اللاب، ولمَّا أرجع فكَّريني بيه..وبالنسبة للأوراق اللي محتاجة إمضاء، ابعتيها لمدام رحيل، أنا مش هرجع غير بعد يومين.


أنهى المكالمة، واستدار نحوها، ليجدها تنظر إليه بنظراتٍ غاضبة:

مالك ياحبيبتي، واقفة كده ليه؟

ردَّت بصوتٍ يحمل خليطًا من الغضب والغيظ:

_مش قولت إنِّ البِتِّ دي ماتتواصلش معاك، مش قولت هتغيَّرها، لسه موجودة بتشتغل عندك ليه؟


تنهَّد بعمق وهو يومئ نحو الطفل بين ذراعيها:

هند، الولد هيصحى...وطِّي صوتك..دخَّلي "علي" أوضته، وخلِّينا عُقلاء شوية..أنا قولتلك عملنا إعلان لسكرتيرة جديدة، مش كلِّ مرَّة هنفتح نفس الموضوع.


احمرَّ وجهها من الغيظ، تنادي على المربية التي هرعت بخطواتٍ سريعة:

نعم يامدام؟

_خدي "علي"، دخَّليه أوضته وخلِّي بالك منُّه.

ثم استدارت إليه لتجده يجلس ببرود أمام التلفاز، يتناول الفاكهة وكأنَّ شيئًا لم يكن.

تقدَّمت بخطواتٍ سريعة، انتزعت جهاز التحكُّم وأغلقت التلفاز بعنف، تصرخ بانفعالٍ مكتوم:

أنا بكلِّمك، وإنتَ قاعد تاكل ولا هامَّك حاجة؟!


رفع نظراته إليها ببرودٍ متعمَّد، ثم نهض بهدوءٍ أثار جنونها أكثر، وقبل أن تنطق كلمة، كان قد انحنى ورفعها بين ذراعيه:

تعالي أردّ على جنونك جوَّا..عيب شكلنا قدَّام الخدم.


صرخت، وضربته بكفِّها على صدره محاولةً التخلُّص منُّه، لكنَّه لم يُمهلها، ولكن كان هو المتحكِّم الأكبر...كعادته دائمًا.


بمنزل يزن.. 

دلفت إلى غرفة ابنتها وقامت بفتح النافذة: 

_رولا..حبيبتي قومي الساعة داخلة على اتناشر، ومرحتيش عايَّدتي ضي وزمانها زعلانة منِّك. 

اعتدلت متأفِّفة تجمع خصلاتها: 

_ماما أنا كنت تعبانة، كان عندي محاضرات كتيرة، وأنا قولت لها تعذرني. 

اقتربت رحيل تقف أمامها وتتطلَّع إليها بصمتٍ مخذي:

_أه وبعد كدا نسهر للصبح، وهكذا حالنا، ليه بقى علشان حياتنا غلط، وياريتك بتحضري كلِّ محاضرتك.. 

نفضت غطاءها واعتدلت من فوق الفراش تقترب من والدتها، ثم قبَّلتها على وجنتيها: 

_مامي الجميلة عايزة آخد شاور، وبعد كدا أشوف موضوع ضي.. 

قالتها وتحرَّكت متَّجهةً إلى الحمَّام.. بينما توقَّفت رحيل تراقبها بامتعاضٍ تهمس لنفسها:

_ربِّنا يهديكي يارولا يارب. 

خرجت إلى غرفة ابنها وجدته يقوم بعمل ريَّاضيته، اقتربت منه، ثم أشارت إلى جهاز الحركة: 

_عايزة أتكلِّم معاك. 

توقَّف بعدما أغلق جهازه، واستدار يسحب منشفته، متَّجهًا إليها: 

_اتفضلي حبيبتي سامعك. 

جلست بمقابلته وتطلَّعت إليه بحنان:

_أختك مش عجباني ياآسر، أكيد انتَ قريب منها، وعارف علاقاتها، ومش هتخبِّي عليَّا. 

مسح وجهه وعنقه بالمنشفة، وعيناه على والدته، ثم سحب نفسًا وزفره قائلًا:

_مضحكش عليكي ياماما ولا أنا كمان، رولا مصاحبة شلَّة من البنات اللي مالهمش حياة في الدنيا غير الفسح، حياتهم كلَّها تافهة، معرفش ليه دخلت هندسة، وهيَّ مش حبَّاها.

قالها ونهض من مكانه يسحب زجاجة المياه، مع وقوف والدته التي ردَّت: 

_علشان عند، وتقليد.

استدار ينظر إليها بعيونٍ متسائلة:

_قصدك إيه ياماما؟. 

تنهَّدت واقتربت تربت على ذراعيه وأردفت بنبرةٍ موجعة: 

_قرَّب منها، هيَّ مش بتتقبِّل كلام منِّي، معرفش ليه؟. 

ابتسم إليها واحتضن كفَّيها يقبِّلهما: 

_حاضر، بعد فرح عمُّو معاذ، هقعد معاها وأشوف دماغها فيها إيه.. 

تطلَّعت إليه بتفاخر مع ابتسامتها الجميلة وقالت:

_بحس بكلِّم يزن، مش اسر ابدا 

قهقه بضحكاته وسحب رأسها اليه

_وانا ويزن ايه، غير احضان وشوية كلام رومانس ياست رحيل

قهقت تدفعه مع دخول يزن على ضحكاتهم 

_الله الله.. انتي هنا وانا قالب عليكي البيت كله 

زوى فمه واتجه لوالده بنظراته

_مش كنتي تتمني حاجة لابنك تتحقق

قالها وهو يلقي منشفته من فوق عنقه واتجه الى مرحاضه

_ماما اند بابا اوضتكم تحت مش هنا، عايز بركة اوضتي البريئة تفضل زي ماهي 

توسعت اعين رحيل تنظر الى زوجها بذهول من كلمات نجلها.. 

اشار يزن اليه

_وحياة ابوك لو مالمتش نفسك، لاجي احميك بالليفة 

توقف مستديرا إلى والده

_تحميني بالليفة، طيب مش هتتكسف ياحج يزن، دا حتى كدا هتقلب الوضع، المفروض انا اللي احميك 

خطى اليه بخطوات واسعة، مع دخوله الحمام الملحق بغرفته وهو يضحك بصوت مرتفع، اتجه الى زوجته

_عجبك كدا.. ضحكت تدفن رأسها بصدره، ومازال صوت ضحكاتها يرنو بالغرفة،  حاوط جسدها وتحرك للخارج قائلًا

_مزعلة رولا ليه، جاية تشتكي لي منك 

اعتدلت تنظر إليه 

_معرفش البنت دي بحسها مش بنتي خالص يايزن تفتكر بدلوها في المستشفى 

ضحك عليها وحاوط خسرها متحركًا، وهو يتحدث: 

_رحيل بطلي غيرة من بنتك، البنت هتتجنن منك 

توقفت تنظر اليه بعيونا حزينة

_انا تعبت معاك من الكلام في الموضوع دا، ومش هتكلم فيه تاني 

هعملك قهوتك علشان تخلص شغلك 

قالتها وانسحبت دون اضافة حديث اخر 


بمنزل أرسلان

كان بلال يجلس إلى جوار حمزة يتحدث معه بحماس عن تخصصه في المخ والأعصاب، قاطعتهما شمس وهي تركض للداخل منادية بصوت مرتفع:

ضيّ! ضيّ!..

لكنها توقفت فجأة حين وقعت عيناها على حمزة وبلال... حمحمت بخجل وقد توردت وجنتاها:

آسفة، مفكّرتش إن في حد هنا.. بما إن عمو وطنط عندنا.


ابتسم بلال وأشار إليها أن تتقدم:

تعالي يا شموس، مافيش حد غريب. دا حمزة ابن عمو إسحاق، مش عارف تفتكريه ولا لأ.


قطّبت حاجبيها تحاول استرجاع ملامحه، ثم هزّت كتفيها واقتربت بخطوات مترددة:

_أهلاً بحضرتك، آسفة بس شموسة ذاكرتها أضعف من ذاكرة النملة، بس أكيد نورت كمبوند آل الشافعي


تأملها حمزة بدقّة، يفصل ملامح وجهها الطفولي محاولًا تذكّرها، ثم رفع نظره إلى بلال:

دي بنت عمو إلياس الشقية، صح؟


قهقه بلال وهو يحاوط كتفيها بخفة:

أيوه بالضبط، وانتيمي كمان مش كدا يا قمري.


لكزته شمس وهي تبتعد عنه غاضبة:

لمّ إيدك يا دوك علشان ماتترحمش عليها.

ثم التفتت إلى حمزة بعفوية طفولية وقالت:

_طبيعي أكون شقية وأنا صغيرة، لسبب بسيط جدًا، كنا أطفال، والطفل الهادئ بيكون مش طبيعي. على العموم اتشرفت بمعرفتك يا دوك.


توقف حمزة لحظة، مأخوذًا بطريقتها وهجومها الطفولي الساحر، قبل أن يجيب بهدوء:

_ أنا مش دكتور على فكرة.


مدّ يده لتحيّتها، وعيناه تحتضنان عينيها بلونهما العسليّ المائل إلى البندق.

وقال بصوتٍ ثابتٍ يحمل نبرة ثقةٍ لا تخلو من الهيبة:

_حمزة الجارحي، ضابط طيّار بالقوّات الجويّة… أو ممكن تقولي طيّار حربي على طول.


نظرت إلى يده الممدودة، ثم حوّلت نظرها نحو بلال الذي أومأ لها مبتسمًا:

ابن عمو إسحاق يا بنتي، مش فاكراه؟


مدّت يدها بارتجافٍ خفيف، و تمنّت لو لم تفعل؛ فما إن لامست أناملها كفّه حتى اجتاحتها ارتعاشةٍ مباغتة، وهو يهمس بصوته الرجوليّ العميق:

اتشرّفت بمعرفتك، أستاذة شمس.


سحبت يدها سريعًا، وقد شتّتت ارتجافة أناملها أفكارها، فتمتمت بتقطّعٍ باهت:

فين ضيّ يا بلال؟


أشار إلى الداخل، فتحرّكت بخطواتٍ ثقيلةٍ تتشابك فيها ساقاها كأن الأرض تميد تحتها.. في حين تدفّقت أمام عينيها مشاهد من الماضي، منذ سبع سنواتٍ مضت...

دفعت باب غرفة ضيّ ودلفت كالتائهة، تتجوّل بعينيها في المكان بلا وعيٍ حتى خرجت ضيّ من الحمّام تضع المنشفة على شعرها.


_ شمس! بتعملي إيه هنا؟


أشارت شمس  للخارج بعفويةٍ وقالت:

هو اللي برّة دا… الواد التقيل اللي كان بيتريّق عليّا وأنا صغيرة، صح؟


ضيّقت ضيّ عينيها بخبثٍ وسألتها:

قصدِك مين بالظبط؟


_ حمزة الجارحي.


ضحكت ضيّ رغم ما يثقل قلبها من الحزن، وهزّت رأسها قائلة:

هو، بغباوته المعهودة ودمّه البارد.


فجأة، انفجرت شمس ضاحكةً وهي تضرب كفّيها ببعض:

_ يخربيت الغرور! وأنا بحاول أفتكر وأشكّ في نفسي، أقول لا مستحيل… دا شكله جنتل، التاني كان بيفكرني بيوسف أخويا!


تضجرت ضيّ بالغضب، ثم دفعتها على الفراش لتسقط عليه وسط نوبات الضحك.

خلاص خلاص، يوسف أحسن منه… بس بقى كفاية يا مجنونة!


لكنها أثارت جنون ضيّ التي التقطت وسادةً وألقتها في وجهها وهي تصيح:

أخوكي دا حيوان، ولازم أربيه! وحياة قلبي، لأخلّيه يلف حوالين نفسه!


بعد عدّة ساعات

عاد يوسف إلى المنزل، وصوت خطواته يتردد في أرجاء المكان الصامت. كان إلياس بانتظاره، جالسًا بصرامةٍ ظاهرة، وما إن خطا يوسف للداخل حتى قطعه صوته العميق:

_يوسف… تعالى، عايزك.


تصلّبت ميرال في مكانها، وعيناها تتأرجحان بين الخوف والقلق. تعرف زوجها حين يغضب، كما تعرف عناد ابنها إذا استفزّه أحد.

ظلّ يوسف واقفًا في موضعه دقيقةً كاملة، عيناه مثبتتان على باب مكتب والده، قبل أن يلتفت إلى أمه التي كانت تفرك كفّيها بارتباكٍ ظاهر.


اقتربت منه، واحتضنت نظراته بنظراتٍ مرتجفة:

_حبيبي، شوف بابا عايز إيه… بس وحياة ماما عندك يا يوسف، لو كلامه مضايقك انسحب بهدوء، بلاش تزعلوا بعض. طبعًا أنا مش هقولك باباك بيحبك قد إيه.


زمّ شفتيه ساخرًا وهزّ رأسه بنفاد صبر:

الموضوع أكيد يخص الأستاذة بنت عمي، صح؟


خفضت ميرال عينيها إلى الأرض، فتنفّس يوسف بعمقٍ وهو يتمتم بمرارةٍ مكتومة:

_محدش بعد كده يلومني على اللي هعمله… أنا قولت قبل كده مابحبش اللي يخنقني بقراراته. والباشا لازم كلامه يمشي.


احتضنته بقوّة وقد شعرت بحرارة غضبه تتصاعد كالنار من بين أضلاعه:

حبيبي علشان خاطري، لازم تهدى.


أجابها بصوتٍ خافتٍ لكنه حادّ:

ماما، أنا دخلت طب لأن بابا قرر، وسكت. لكن قرار تاني ممكن يهدّني؟ لا، محدش يقولي اهدى… سمعتي؟


شَبّت على أطرافها لتصل إلى وجهه، وضعت كفّيها على وجنتيه بعطفٍ مرتعش:

_مش يمكن بابا شايف اللي انت مش شايفه؟


قبّل يديها بحنانٍ موجوع، ثم تمتم وهو يتجه نحو مكتب والده:

الكل أعمى… وبابا الوحيد اللي بيشوف.


دلف إلى الداخل فوجد والده يشعل سيجارته، تملأ رائحة التبغ أجواء الغرفة

اقترب بخطوات هادئة وقال بنبرة عتابٍ خافتة:

_كتر السجاير بيهدم الرئة يا حضرة الضابط.

نفث إلياس دخان سيجارته ببطء، ثم أشار إليه بالجلوس دون أن يلتفت.

جلس يوسف متنهدًا، تتأرجح عيناه بين وجه والده والرماد المتساقط من سيجارته، حتى فاجأه إلياس وهو يفتح أحد الأدراج ويُلقي عليه صورة.

_ينفع اللي حصل دا؟


تجمد يوسف للحظات، أمسك الصورة بين أنامله ينظر إليها بفمٍ مذموم ونبضٍ متسارع.

_أنا قلت لحضرتك اللي حصل، ومكنش فيه داعي للصور دي... أنا مبقتش صغير يا بابا، والمراقبة دي

قاطعه إلياس بحدةٍ هادئة:

_عمري ماراقبتك، ليه دايمًا بتقول كده؟ من وقت ما دخلت ثانوي وأنا سايبك تعتمد على نفسك، بس دا ميمنعش إن عيوني عليك... مش مراقبة من أمن، مراقبة من أب.

كفاية أبص في عيونك، أعرف أنت فيك إيه.


خفض يوسف نظره للحظة ثم قال بصوتٍ متعب:

_أنا عمري ماشككت في اهتمام حضرتك.


نهض إلياس متجهًا نحو الأريكة، أطفأ سيجارته في المطفأة ببطء، ثم أشار إليه بالاقتراب.

اقترب يوسف متردداً، جلس إلى جواره، فناولَه إلياس الصورة من جديد وقال:

_الصورة دي جت لعمّك... مش ليا. بنته اتهانت من ابن عمها في الجامعة.

هل أنت راضي عن نفسك؟


نظر يوسف في عينيه بثبات:

_أيوه، راضي. ولو الزمن رجع، هعمل كده تاني.


هز إلياس رأسه بعدم رضى، وقال بصوت منخفض:

_بصفتك إيه يا دكتور؟

_ابن عمها.

_ومين ادّاك الحق؟ حتى أبوها نفسه رافض الأسلوب ده... وأنا شخصيًا عمري ماوجهت لها كلمة تجرحها.

_بابا، عايز توصل لإيه؟

_ترضّي عمّك يا يوسف.

_اللي هو إيه؟

_إنت أعلنت قدام الكلية كلها إنها خطيبتك.


مال يوسف للأمام ينظر في عيني والده بثقةٍ وعناده المعتاد:

_بابا، أنا مبحبش ضي... بلاش تحسسني إني طفل ومش فاهم مشاعري.


ظل إلياس يراقب غضبه بذهولٍ صامت، ثم تنهد قائلاً بنبرةٍ متبدلة:

_يوسف... أنت عارف أنا اتجوزت مامتك إزاي؟


قطب يوسف حاجبيه:

_أيوه، كنت قاعد وقتها لما رحت تخطبها.


انفلتت من إلياس ضحكة مرتفعة، ثم تراجع يستند إلى ظهر الأريكة وعيناه تحاصره بنظراتٍ غامضة.

_ايوة وشهدت على عقد الجواز.. تطلع اليه يوسف بصمت، فتابع حديثه

_مامتك كانت أكتر شخص بكرهه في حياتي.


اتسعت عينا يوسف دهشةً:

_إيه؟!

نفث إلياس دخاناً آخر ببطء، ثم قال:

_كنت بكرهها... علشان كنت بعشق نظرة عينيها.


رفع يوسف حاجبه مذهولاً:

_هو حضرتك سامع نفسك؟


توقف إلياس لحظة، ثم نهض متجهاً إلى النافذة، نظر للخارج وكأنه يستدعي الماضي من  الذاكرة:

_في يوم وليلة، بابا قالي: "اعمل حسابك، الأسبوع الجاي كتب كتابك على ميرال... ولو ماعملتش كده، اعتبر نفسك مش ابني."


تجمد يوسف مكانه يستمع بصمت، حتى تابع والده بصوتٍ مبحوح :

_جِه الوقت اللي كنت بهرب منه، رغم إني كنت بحبها... بس مكنتش عايز أتجوزها.


التفت برأسه نحو ابنه، نظرة طويلة أنهكها الحنين، وقال:

_كنت مفهّمها إني مبحبهاش، لأسباب عمرك ما هتفهمها... بس الحقيقة؟

إنها كانت الوحيدة اللي بتخليني ضعيف، أول ما أقف قدامها مبلاقيش "إلياس"، بلاقي طفل... محتاج حضن أمه.


بس حضرتك بتحب ماما أوي... يعني الموضوع مختلف.. قالها يوسف بنبرة واثقة

ابتسم إلياس ابتسامة واهنة، وقال بصوتٍ عميق:

مش يمكن انت اللي فاكر كده؟ يمكن بتبعد عن ضي أو بتوهم نفسك إنك مش عايزها... بس علشان بتضعف قدامها؟


استدار يوسف سريعًا، يولّي والده ظهره، يخفي خلف كتفيه اضطرابًا لا يريد إظهاره.

_أبدًا يا بابا... أنا مش بفكر في الموضوع أصلاً، وبعدين ضي مش مناسبة ليا، أسلوبها بيعصبني


اقترب إلياس منه، وضع كفه على كتفه برفقٍ أبوي، وقال بهدوءٍ:

طيب، اعتبرني مش بفهم... وفهّمني. ليه قلت قدام الكلية كلها إنها خطيبتك؟ إيه الغرض المقنع من كده؟ ويا يوسف، بلاش تحاول تقنعني بحاجات أنا مش مقتنع بيها.


تراجع يوسف خطوة للوراء، نظر إلى والده بنظراتٍ ممتزجة بين عنادٍ وحيرة.

_بابا... حضرتك دلوقتي عايز مني إيه بالضبط؟ ادخل في الموضوع على طول.


أطلق إلياس أنفاسه الثقيلة، وكأن الكلمات تحرق صدره قبل أن تخرج:

_تتجوز ضي.


ساد الصمت.

توقف كل شيء في الغرفة، حتى عقارب الساعة بدت كأنها توقفت  لتلك الصدمة.

ظل يوسف واقفًا، عيناه تحدّقان في الفراغ، ثم بدأت أنفاسه تتلاحق كمن يحاول النجاة من غرقٍ داخلي.

ثقل لسانه ولم يقو على النطق كأن الكلمات جمر في حلقه.

حاول أن يسحب نفسًا طبيعيًا، لكنه شعر وكأن رئتَيه تمتلئان بأشواكٍ تمزّقه من الداخل.

تراجع ببطء نحو المقعد، جلس، ويداه ترتجفان دون إرادة.

نظر حوله بتيهٍ وارتباك، كأن الجدران تدور من حوله، ثم أخيرًا تمتم بصوتٍ واهن:

_أتجوزها... مرة واحدة؟ حتى مش أخطبها الأول؟


أجابه إلياس بصرامةٍ خافتة وهو يثبت نظره فيه:

_لأ... تتجوزها.

_بالغصب يابابا 

_مين قال كدا، انت اللي حكمت تمتم بها الياس، رد يوسف

_حضرتك بتحاول تقنعني بكدا 


نهض الياس وتوجه الى الأريكة، ليجلس عليها متكئًا إلى الخلف، نظراته محاصرة لابنه، كأنما يزن كلماته بميزانٍ بهدوءٍ متعمد.. وقال بصوتٍ منخفض لكنه يحمل ثقل سلطته:

_انت دكتور يا يوسف، المفروض تبقى قدوة، مش ولد متهور! عيب في حقك لما أكون أنا اللي أقنعك، وعيب أكبر إنك تعلن قدام الكل إنها خطيبتك وترجع في كلامك بعدين. عمر الرجولة ما كانت كلمة تتسحب.. فكر في هيبتك قدام الكل، انت لسة في اول طريقك، قدامك شهر وتبقى دكتور رسمي مش عايز حد ياخد عليك غلطة، الكلام كان في ساحة الحرم الجامعي يادكتور، وانت بتحضر لرسالتك، شوف اقل حاجة ممكن تتقال ايه 

انحنى الياس ينظر بعمق عيني ابنه: 

_ دايما الكلمة منك تخرج بميزان، ودايمًا رجولتك وكرامتك قدام اي حاجة.. حتى لو قلبك عصي عليك، الهيبة في الرجولة والكرامة يابن الياس.. لو انسحبوا من الراجل يبقى مالوش قيمة 


اشاح  يوسف بوجهه عنه بصمت، يخفي خلف الصمت مزيجًا من الغضب والندم والارتباك. اخرج الهاتف الذي رنّ بقوة، ونظر إلى الشاشة ثم إلى والده بعينين مترددتين.

أشار له إلياس بيده بصرامةٍ ناعمة:

_رد.. ممكن يكون مهم.


_دا صديق، مش لازم أرد.

_ولو.. ما ينفعش تطنش، اتعلم تسيطر على نفسك حتى وانت متضايق.


زفر يوسف بضيق، رفع الهاتف ببطء، وصوته يخرج باردًا:

_أيوة يامصطفى 


جاءه صوت صديقه  من الجهة الأخرى  تتخلله نبرة دهشة غاضبة:

_إيه اللي شفته وسمعته دا يا يوسف؟ كنت معاك من شوية، وأدخل أشوف الأخبار دي

_أخبار إيه؟

_خطوبتك يا لئيم على بنت عمك! دا أنا عرفتها من السوشيال ميديا، مش منك!


تجمدت ملامحه، وشعر بأن الدم يفور في عروقه، ثم أغلق المكالمة بعنف. فتح هاتفه وبدأ يقلب في الصور المنشورة له مع "ضيّ"، والعبارات الساخرة تتطاير أمام عينيه كشررٍ يلسع الكرامة:

“من الغيرة ما يقتل الدكاترة!”

“خناقة في الجامعة.. الدكتور يوسف الشافعي يهاجم طالبًا بعد ما لمّح بالكلام  على خطيبته بنت عمه!”


تصلبت أنامله حول الهاتف، كأنما يخنق الغيظ بيده. نظر لوالده بحدة، وصوته خرج خافتًا لكنه مشحون بالانفجار:

_تمام  أنا موافق. كلم عمو وشوف هيقول إيه، بس بعد ما أخلص الدكتوراه


استدار مغادرًا، لكنه توقف على صوت إلياس:

_استنى يا يوسف. انت مش صغير علشان أبوك يروح يخطب لك.

قالها بصوت هادئ ممزوج بنبرة تحمل تحديًا وقوة لشخصية ابنه: 

_انت راجل، ومش أي راجل. روح بنفسك، خُد الموافقة المبدئية، وبعدها أبوك يروح رسمي.

يرضيك أبوك يروح و تترفض، تخيل شكلي قدامهم هيكون إيه؟


توقف يوسف، والتفت إليه ببطء، يحدّق في وجه والده بعيونٍ يغشاها الغضب والخذلان معًا:

_يعني عمي ممكن يرفض؟

_أكيد ممكن، وهو شايفك بالشكل دا.. متردد، وغضبان، ومش عارف هو عايز إيه.


اقترب يوسف بخطواتٍ ثقيلة كأنها تُسحق فوق كبريائه، ورفع يده نحو والده وقال بصوتٍ مرتجفٍ من الغضب:

_عارف إن حضرتك ورا كل دا..  بس خلاص، هافضل ورا دماغك يا إلياس باشا، وأشوف بتخطط لإيه بالضبط.


ارتسمت على شفتي إلياس ابتسامة جانبية، باردة، ولمعة الخبث في عينيه لم تخفَ عنه:

_أحبك يا يوسف لما تبقى فاهم أبوك كدا.


كور يوسف قبضته بعنفٍ حتى بيّضت أنامله، وصرخ وهو يبتعد:

_مش ترجع تندم يا إلياس باشا!


قالها وخرج بخطواتٍ غاضبة تهتز لها الأرض، قابلته ميرال التي كانت تقف لدى الباب، تستمع منذ البداية، بعينين دامعتين وقلبٍ مبهوت.

اقترب منها وهتف ساخرًا وهو يمر بجانبها دون أن يلتفت:

_أوووه، أم العريس وصلت! جهزي نفسك يا أم العريس.. خلاص، أبو العريس أقنعني بالجواز!


تركها وواصل طريقه، يغلي بداخله كبركانٍ محبوس.

نظرت ميرال نحوه حتى اختفى في الأعلى، ثم التفتت إلى إلياس، عيناها تمتلئان قلقًا وحيرة:

_أنا خايفة يا إلياس.. ابنك بيتكلم بغضب مش طبيعي، شايفة بيولع من جوه؟


أدار إليها وجهه ببرودٍ متعمد، وقال بنبرةٍ ثابتة:

_سيبك منه، هيهدى بعدين

اقتربت وجلست بجواره 

_ممكن اعرف ليه عملت كدا 

رفع نظره اليها وقال: 

_علشان بعد كدا مايهورش ويفكر مليون مرة قبل مايعمل حاجة، مش ابني اللي يقول كلمة ومايكنش قدها 

_بس الولد مابيحبهاش، هو قالي كدا 

صمت الياس وزفرات كالوخزات متراجعًا برأسه للخلف واطبق على جفنيه: 

_البنت بتحبه، ومتأكد لو مش بيحبها زي مابيقول هيحبها 

دنت منه وداعبت وجهه بأناملها: 

_هو فيه راجل ممكن يتجوز واحدة مابيحبهاش 

فتح عيناه ينظر لداخل عيناها ورد

_ارسلان اتجوز غرام ومكنوش يعرفوا بعض، وشوفي حياتهم مبنية على الحب والتفاهم، يزن.. منكرش كان عنده حسابات بس بيحب رحيل جدا

تنهدت تهز رأسها بخوفًا: 

_بس يوسف مش ارسلان ولا يزن، يوسف للأسف إلياس ولا نسيت 

_يبقى اللي عملته صح.. قالها بهدوء وهو مغلق عينيه: 

_تقصد ايه؟! 

سحب رأسها على صدره يمسد على شعرها 

_اقصد يبقى بيحبها ياميرال، ممكن هو مش فاهم مشاعره، او خايف، بكرة نعرف 

_انت مقتنع باللي بتقوله 

هز رأسه بالرفض واجابها

_للأسف لا.. ابنك مش عارف بيفكر في ايه

ضحكت تلكمه بصدره

_حرام عليك بتقسى على الولد 

تهكم على حديثها، واشار الى صدره

_قولت لك قومي، ابنك اللي تنفعه ضي، خليها تربيه، او بالاصح الاتنين يربو بعض 

قهقهت تتمسح بصدره، ولكنها تراجعت على صوت طرقات على باب الغرفة 

_ماما فاضية، كنت عايزة اتكلم معاكي 

اعتدلت ميرال تنظر إلى الياس الذي اعتدل هو الاخر ينادي على ابنته 

_تعالي حبيبة بابا


بمنزل أرسلان — قبل دقائق

كانت ضي تجلس في شرفة غرفتها، تسند ذقنها على كفها، نظراتها تسبح في الأفق البعيد كأنها تبحث عن شيء 

نسمة خفيفة داعبت خصلات شعرها، لكنها لم تشعر بها.. كانت غارقة في صمتها حتى قطع صوت الهاتف شرودها.


رفعت الهاتف بكسلٍ واضح:

_قولي يا شمس، دماغي بتوجعني.


جاءها صوت شمس مفعم بالحماس والسرّ:

_اقولك على حاجة، بس لو عرّفتي حد أنا هزعل منك أوي!

_يا بنتي قولي بسرعة، ماليش خلق فوازير!

_سمعت بابا ويوسف بيتكلموا... يوسف هييجي يخطبك!


تجمدت ضي في مكانها، وكاد الهاتف يسقط من يدها، وقلبها بدأ يخبط بعنف داخل صدرها.

_انتي بتقولي إيه يا شمس؟!

_والله العظيم، سمعته بيقول لبابا “روح لعمي واخطب لي ضي”، بس بابا رفض وقاله: “انت راجل، روح بنفسك، ماينفعش أبوك يخطب لك”.


انفرجت شفتاها بابتسامة صغيرة، ابتسامة مرتبكة بين الدهشة والفرح، وامتلأت عيناها بدموع لا تعرف إن كانت من سعادةٍ حقيقية أم خوفٍ من أن تكون أضغاث أمل.

_شمس... أنا بحبك أكتر من أخوكي البارد.


ضحكت شمس بمرحها الطفولي قائلة:

_هقوم أنزل أشوف بابا وماما، وأفهم إيه اللي غيّر يوسف كدا فجأة.

_طيب يا شموس... تصبحي على خير.


أغلقت الهاتف، وبقيت ضي لدقائق تحدق في اللاشيء، تبتسم وحدها، كأنها تسمع صوته في رأسها، وكأن الكلمات التي طالما تمنتها صارت أخيرًا قريبة.. 

_اصبر عليا يامعذب حياتي.. ابتسامة مرحة وهي ترسم بعقلها صور جنونية، تتذكر حديثه

_ يارب تلاقي حد يقبل بيكي بس.. 

سمعت طرقًا خفيفًا على باب غرفتها.

_ادخُل.


دخل بلال بخطوات هادئة، عينيه تلمعان بحنان الأخ الكبير. اقترب منها وانحنى يقبّل رأسها قبل أن يجلس بجانبها.

_ضي، ممكن نتكلم شوية؟


أومأت دون كلام، كانت ما تزال غارقة في دوامة من المشاعر.

مد يده، داعب خصلات شعرها برفق، وقال بابتسامةٍ خفيفة تخفي خلفها الكثير من القلق:

_لسه زعلانة من يوسف؟


رفعت كتفيها بلا مبالاة مصطنعة، ثم نظرت إليه بعينين يغمرهما العتاب:

_المهم انت متأكد إني مستحيل أعمل حاجة غلط؟


_طبعًا يا حبيبتي... إزاي أشك فيك؟

قالها ببساطةٍ صادقة، ثم أردف بنبرةٍ واقعية أكثر:

_بس شوفي يا ضي، يوسف عصبي، وانتي عارفة طبعه. وبرغم كده، أنا لو كنت مكانه ماعرفش كنت هتصرف إزاي. ما تزعليش منه، هو غلط لما مد إيده، بس الغلط دا نابع من غيرته مش كراهيته.


خفضت نظرها إلى الأرض، أصابعها تعبث بخصلاتها  وعينان شاردة في اللا شئ، ثم قالت بصوتٍ خافت:

_خلاص يا بلال... الموضوع انتهى من ناحيتي.

وبعدين، يوسف... زيك مش زعلانة منه.


ساد صمت دافئ، يقطعه خفقان قلبها فقط، بينما بلال ينظر إليها ويبتسم بخفةٍ فيها فهمٌ عميق أكثر من الكلام.

تركها وغادر الغرفة بهدوء، تاركًا خلفه قلبًا مرتبكًا بين فرحةٍ تولد من جديد، وقلقٍ يخشى أن تنطفئ قبل أن تُزهر.


بغرفة ارسلان 

خرجت غرام من غرفة الملابس بعدما ابدلت ثيابها، راقبت جلوسه الشارد، اقتربت تجلس بجواره، ثم وضعت كفها على كتفه 

_لسة زعلان من ضي 

استدار إليها بصمت، ثم اشار الى ساقيها، تمدد يتوسد ساقيها واردف بصوتًا خافت لكنه مسموع 

_ النهاردة فيه حاجات كتيرة ظهرت قدامي مكنتش واخد بالي منها 

انحنت تمرر اناملها على وجهها تستمع اليه 

_ضي بتحب يوسف ياغرام 

ابتمست بحنان وهزت رأسها بالايجاب

_عرفت من فترة 

رفع عيناه اليها وتسائل

_ازاي معرفش

تنفست بعمق وقالت

_مكنتش متأكدة، وكمان محبتش اشغلك.. خوفت اكون مأفورة 

اعتدل وجلس بمقابلتها 

_احكي لي ايه اللي خلاكي تشكي فيها

_يوم عيد ميلاد شمس، كان جايب لشمس حجاب، وجاب لضي نفس الحجاب، وقالها شوفي ذوقي احسن من اللي بتجبوه، وقتها هي اخدته وكانت فرحانة اوي، ودخلت الاوضة وحضنته تلف بيه كأنه اغلى حاجة 

مسح ارسلان على وجهه بعنف يهز رأسه 

_بس يوسف مابيحبهاش 

_معتقدش ياارسلان، هو ايه في الحب غير الغيرة 


بمنزل إسحاق


جلس إسحاق أمام جهازه، يضع نظارته الطبية، عيناه تتحركان في تركيزٍ صارمٍ   وقت العمل.

قُطِع سكونه طرقات خفيفة على باب مكتبه.


ـ «بابا، فاضي؟»

رفع إسحاق نظره عن الشاشة، أغلق الجهاز، وأشار لابنه بالدخول بابتسامةٍ حاول أن يُخفي وراءها إرهاقه.

ـ «تعالى يا حبيبي.»


دخل عِمران، ملامحه متوترة، وعيناه تتجنبان النظر مباشرةً في عيني والده. جلس بمقابلته، أخذ نفسًا طويلًا، ثم قال بنبرة خجولة:

ـ «فيه بنت عاجباني في الجامعة... وكنت عايز آخد رأيك.»


قبل أن يرد إسحاق، دلفت دينا وهي تحمل فنجان القهوة برائحةٍ دافئة تملأ المكان. وضعت الفنجان أمامه، ثم نظرت نحوهما باستفهامٍ صامت، فأشار إليها إسحاق بالجلوس.

ـ «عِمران بيقول فيه بنت معجب بيها... إيه رأيك؟»


ابتسمت دينا ابتسامة أمٍ رأت في ولدها طفل الأمس وهو يكبر أمامها فجأة:

ـ «حبيبي كبر، وكمان عايز يخطب!»


ضحكت بخفة، لكن إسحاق لم يشاركها تلك الضحكة. كانت ملامحه جامدة، صوته هادئًا لكنه يخفي انفعالًا أبويًا واضحًا.

ـ «يا دينا... حبيبك كبر فعلاً، بس ما فكرش زي الرجالة.»


نظر إليه عمران بتساؤلٍ حائر، لم يفهم إن كان والده يمازحه أم يوبخه.

نهض إسحاق من مقعده، استند براحتيه على المكتب وأردف بنبرةٍ صارمة يختلط فيها الغضب بالحرص:

ـ «إنت لسه قدامك سنة غير السنة دي... تقدر تقولي إزاي عايز تفتح بيت وإنت لسه مش موظف؟»


رفع عمران رأسه بثقةٍ مترددة، يحاول أن يبدو راشدًا أمام أبيه:

ـ «حضرتك معاك فلوس كتير، يعني مش محتاج أشتغل.»


ضحكة قصيرة خرجت من بين شفتي إسحاق، لكنها كانت أقرب للغصة منها للضحك. اقترب منه، وضع يده على كتفه، وقال بصوتٍ أكثر لينًا:

ـ «حضرتي لما أروح أخطب لك البنت، هقول لوالدها إيه؟ ابني شغال إيه؟ بلاش كده يا عمران، هتعيشها منين؟»


أطرق  رأسه قليلًا ثم قال في عنادٍ بريء:

ـ «ما تقلقش يا بابا، الراجل عارف إنك غني أوي، مش هيسأل.»


هز إسحاق رأسه ببطء، وعيناه تتأمل وجه ابنه كما لو كان يراه للمرة الأولى… مزيج من البراءة والطَيش والرغبة في الحياة.

ربت على كتفه وقال:

ـ «طيب يا حبيبي... هتكلم مع ماما ونتفق ونشوف نزورهم إمتى، قوم شوف وراك إيه.»


ابتسم عمران بارتياح، نهض وغادر الغرفة بخطواتٍ خفيفة، بينما بقي إسحاق واقفًا مكانه… يتابعه بعينٍ مثقلة بالقلق.

أطلق زفرة طويلة خرجت كأنها تنهيدة أبٍ يرى ولده على أعتاب الخطأ ولا يملك إلا مسايسته 


وقفت دينا تراقبه بصمت، ثم همست:

ـ «إنت سمعت اللي سمعته؟»


نظر إليها إسحاق نظرة فيها شيء من التحذير والرجاء:

ـ «اهدي يا دينا، مينفعش نقول حاجة دلوقتي... أنا هتصرف.»


اقتربت منه بخطواتٍ مترددة، وقالت بنبرة مليئة بالخوف:

ـ «طيب، هتسيبه كده؟ دي شكلها—»


وضع إصبعه على شفتيها، صوته خرج خافت لكنه حازم:

ـ «دينا، ممكن تكون البنت مظلومة... ما نستعجلش بالحكم.»


ثم أدار وجهه نحو النافذة، يتأمل ظلمة الليل كمن يحاول ترتيب أفكاره المتشابكة.

ـ «المهم، أنا هكلم حمزة علشان نروح نخطب ضي... كنت مستني حمزة بعد زيارته لأرسلان يجي يكلمني عنها، لكن اللي حصل إن عمران هو اللي سبق.»


رمقت دينا وجهه باستغرابٍ ممزوجٍ بالدهشة:


تقدمت دينا وربتت على ذراعه بحنانٍ أمومي:

ـ «خلاص، كلمه... وأنا هكلم غرام ونروح نزورهم بكرة بالليل.»


مساء اليوم التالي 

دلف الى منزل ارسلان.. وجدها تجلس بالحديقة، تستند بظهرها وتنظر الى السماء شاردة،  اقترب من جلوسها، ظل يحدق في جلوسها الصامت للحظات ثم حمحم حتى تنتبه لوجوده 

اعتدلت ولكنها لم تنظر اليه، بل رفعت حجابها على خصلاتها.. وقالت

_لو جي تعتذر مش قابلة اعتذارك، ولا قابلاك على بعضك 

تحرك إلى ان اصبح امامها،  وانحنى يسحب كفيها غصبًا ينظر لأناملها، ثم تركها وقال

_اعتذر ليه، هو انا غلطت، واحد شاف حد بيقرب من حاجة تخصه مش من حقه يغير

توقفت تنظر اليه كالمعتوهة، رغم انها تعلم أنه سيأتي لخطبتها، ولكن حديثه شل عقلها للحظات، زفرت امامه بغضب نطقته عيناها

_ سحبت كلامي خلاص

مد يده يعدل خصلة تمردت من حجابها

_مش عيب ترجعي في كلامك، ليه عيلة، دا حتى ابن عمك حلو ويتحب

انحنى يهمس بجوار اذنها 

_غير ان الكيميا بتاعتنا هتجيب عيال، يقلبوا العالم 

جحظت عيناها تنظر اليه بذهول خجل

قرص وجنتيها وغمز بعينيه 

_ روحي جهزي الشربات علشان بعد شوية هنسمع زغروطة اول حفيد للشافعية

للحظة ارتجف جسدها من كلماته، ولكنها اعتدلت سريعًا

_ايه للانفلات والغرور الأهبل دا  

_دي ثقة يابنت ارسلان.. قالها واستدار وهو يطلق صفيرًا، عدة خطوات ثم توقف مستديرًا 

_زغرطي ياضلمة.. هتبقي مرات يوسف الشافعي... قالها وتحرك للداخل بينما هي تتابع تحركه وغروره بنيران كادت ان تحرقه، ركضت خلفه، دلف للداخل ملقيًا السلام مع كلمات اسحاق لارسلان 

_قولت ايه ياارسلان، نجوز ضي لحمزة 

توقف كالجماد الذي لا يشعر بشيئا، رفع ارسلان نظراته الى يوسف مع صوت ضي بالخلف 

"وأنا موافقة على حمزة ياعمو اسحاق" 

قالتها بصوتًا كالرعد ليستدير إليها يوسف ينظر لعيناها بنظرات غاضبة ثم قال 

"وأنا بقول ألف مبروك يابنت عمي" 

هب ارسلان من مكانه مع كلمات ابنته بخروج يوسف من منزله.. مع نزول حمزة من سيارته، وخروج شمس من منز?


تكملة الرواية من هناااااااا 

 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




تعليقات

التنقل السريع
    close