رواية أمان كاذب الفصل الرابع والخامس بقلم آلاء محمد حجازي حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات
رواية أمان كاذب الفصل الرابع والخامس بقلم آلاء محمد حجازي حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات
-جميلة رفعت صوتها بخوف:
مين العريس يا بابا؟
•الأب ببساطة، من غير ما يرمش:
العريس هو رحيم، ابن خالتك.
-الكلمة نزلت عليها كالصاعقة، ودموعها انفجرت من عينيها:
لا يا بابا، لا، كفاية بقى. أنا مش مستعدة. مش بعد كل اللي حصلي… مش قادره أعيش ده تاني. مش عايزاه!
•الأب بص لها بجمود:
أنا قلت كلمتي يا جميلة. هتتجوزيه يعني هتتجوزيه. يا إما تنسي إنك بنتي من الأساس.
وبعدها سابها وخرج، كأنه بيقطع آخر خيط بينه وبينها.
-جميلة وقعت في حضن خالتها، بتبكي بحرقة:
ماقولتيش ليه يا خالتو؟
الخالةبهدوء:
علشان مكنتش اعرف، اهدي يا حبيبتي، اهدي. إنتِ ليه رافضة كده؟ رحيم كويس، ده ابن حلال وحنين. وبعدين ده ربنا بعتلك ستر، وعوض عن الناقص اللي كنتي بتكلمية؟
-جميلة وهي بتشهق من كتر العياط:
خالتي، إنتي مش فاهمة، أنا خلاص اتكسرت. أنا ما بقاش عندي قلب ولا روح أديهم لحد. إزاي هدخل علاقة وأنا ثقتي في نفسي راحت؟! إزاي هصدّق إن في راجل ممكن يحبني بجد بعد اللي شُفته؟! كلهم بيكسروا، كلهم بيبيعوا، وأنا خلاص تعبت من الكسر.
الخالة بتهز راسها:
بس يا حبيبتي، مش كل الناس زي بعض.
-جميلة بحزن:
رحيم يستاهل واحدة ما شافتش اللي أنا شُفته. يستاهل واحدة تدي له حبها من غير خوف، من غير وجع. إنما أنا؟! أنا مليانة شروخ، مليانة وجع. إزاي هيستحمل ده؟ طب لو عرف حكايتي؟ لو عرف اللي حصلي؟ هيفضل يحبني؟ ولا هيبعد ويقول عليّا زي عادل؟!
دموعها نزلت أكتر وهي بتكمل:
أنا مش بصدق حد، ولا بثق في حد. حتى أبويا، حتى أبويا اللي كان سندي، كسَرني. طب رحيم ليه هيثق فيا؟! هو عايز واحدة قوية وسليمة، مش واحدة مكسورة زَيّي.
الخالة مسكت إيديها بقوة:
جميلة، إنتي مش وحشة، ومش قليلة. اللي حصل لك غصب عنك، وده مش ذنبك. ربنا بيختبرنا بطرق صعبة أحيانًا، بس ده مش معناه إنك ما تستاهليش تعيشي ولا تتحبي. بالعكس، إنتي أحق من غيرك. ولو رحيم فعلاً راجل زي ما أنا عارفاه عمره ما هيبص ورا، هيبصلك إنتي، لقلبك وروحك. و إنتي أجدع وأجمل من أي حد.
-جميلة تبص لها، والدموع ماليه وشها:
أنا مش عايزه أظلمه، مش عايزه أدي له كسر جديد فوق كسري. هو يستاهل يلاقي واحدة تفرحه، مش واحدة غرقانة في وجعها.
الخالة تهز راسها بحنان:
ويمكن هو اللي يداوي وجعك يا جميلة. إنتي فاكرة نفسك مكسورة وبس، بس جواكي لسه في حب وخير كتير. صدقيني يا بنتي، مش كل راجل زي اللي وجعك. رحيم مختلف.
جميلة تسند راسها على كتفها، وبتعيط من غير كلام، بس جواها دوشة كبيرة بين خوفها من الماضي، وبين صورة رحيم اللي مش قادرة تبطل تفكر فيها.
الخالة مسكت إيد جميلة ومسحت دموعها:
يا بنتي، أنا عارفه إن قلبك موجوع، وكل اللي حصلك مش قليل، بس اسمعيني. الدنيا مش كلها وحشة، والرجالة مش كلها زي بعض. رحيم ده غير، رحيم قلبه طيب، وأنا شايفه في عينيه حاجة نقية. مش كل يوم بتلاقي حد زيه، حد شايل هم غيره قبل نفسه.
-جميلة، بصوت مخنوق:
بس يا خالتي، أنا مش واثقة، مش قادرة أثق. أنا لو فتحت باب جديد، ممكن يتقفل في وشي تاني، وأنا مش ناقصة كسر جديد.
الخالة هزت راسها:
وإنتِ فاكرة إن الحياة هتمشي من غير مخاطر؟ يا حبيبتي، حتى اللي عايش لوحده بيتوجع. المهم إننا نختار حد يكون يستاهل الوجع ده. ورحيم، من اللي أنا شايفاه، يستاهل. ده لو كنتي شايفة نفسك مكسورة، يمكن هو اللي ربنا بعتُه علشان يجبرك. يمكن يكون هو اللي هيلم الشروخ دي.
-جميلة بصت لها بدموع:
بس هو يستاهل واحدة نضيفة، واحدة قلبها مش متبهدل.
الخالة بصوت حنين، وهي تمسح على راسها:
و إنتي أنضف من أي حد يا جميلة. عارفة ليه؟ عشان كل الوجع اللي عشتيه ما غيّرش قلبك، لسه قلبك أبيض ولسه دمعتك نضيفة. دي مش عيب ولا كسر، دي قوة. بس إنتي مش شايفاها.
-جميلة تنهار أكتر وتخبي وشها في صدرها:
أنا تعبت يا خالتي، تعبت من الخوف.
الخالة حضنتها جامد وقالت:
علشان كده أنا مش هقولك دلوقتي وافقي ولا ارفضي. أنا عايزاك تهدي، وتصلي ركعتين استخارة، وتقولي: يا رب، إن كان في رحيم خير ليا في ديني ودنياي وقدرلي فيه الخير، وإن كان شر فاصرفه عني. واللي في الخير ربنا هيقدمه. سيبيها على ربنا، يا جميلة. اللي بيحبنا ما بيكسرناش، وربنا أحن من أي بني آدم.
جميلة ترفع عينيها وهي مليانة دموع وحيرة، بس أول مرة من جوة تحس إن في طريق تهدّيها شوية.
-------------------
الأيام عدّت ببطء، وجميلة كانت كل ليلة تقفل على نفسها باب أوضتها وتصلي. ركعتين، تلاتة، أربع مرات في الأسبوع، كل مرة بنفس الدعوة، بنفس البكاء. وكل مرة كانت تخلص الصلاة وتقوم حاسة براحة غريبة، راحة تخلي قلبها يخف شوية، بس الخوف لسه جوة، ماسك فيها.
بعد فترة، وهي قاعدة في الصالة، خالتها سألتها بهدوء:
ها يا جميلة… استخرتي ربنا؟ قلبي بيقوللي إنك صليتي.
-جميلة بصّت للأرض، وإيديها بتلعب في طرف طرحتها:
صلّيت يا خالتي كتير. وكل مرة بحس براحة فظيعة بعد ما أخلص، بس الخوف لسه جوايا.
الخالة قربت منها، وبصوت دافي:
خوف من إيه يا حبيبتي؟
-جميلة دمعت عينيها وهي تهمس:
خوف أحكيله اللي حصلي، يسيبني. خايفة أكون مش قد ثقته، خايفة أكون مش قد قلبه الطيب.
الخالة حطت إيدها على خدها ومسحت دموعها:
يا بنتي اسمعي اللي هقولك عليه. ربنا حليم ستّار. اللي ربنا ستره ما ينفعش إحنا نفضحه. دي مش كذبة، دي ستر. مفيش حد فاضي ينبش في اللي فات غير اللي مش حابب يعيش. اللي بيحبك بجد هيشوفك إنتي مش ماضيكي.
-جميلة بصوت مكسور:
بس يا خالتي، هو لو عرف، هيسيبني.
الخالة، بابتسامة حزينة لكن مليانة يقين:
ومين هيعرفه يا جميلة؟ اللي ربنا سترك فيه مش هيطلع للنور غير بإذنه. سيبيها على ربنا. لو هو نصيبك، هيحبك زي ما إنتي، مش هيشوف غيرك، مش هيشوف حاجة تانية.
جميلة تنفست نفس عميق، ودموعها نازلة، تحس لأول مرة إن في كلمة هادية قلبها شوية، بس الخوف لسه ماسك فيها من جوة.
الخالة بهدوء:
طب يا حبيبتي، إنتِ ناوية تردي على أبوكي إمتى؟
-جميلة رفعت عينيها المليانة دموع وقالت بتردد:
هو… هو رحيم هييجي إمتى؟
الخالة ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت:
هييجي بعد يومين من شغله، إنتي عارفة رحيم مش فاضي، ده مهندس قد الدنيا. مش عشان أنا اللي ربيته لأ، ده بجد راجل بمعنى الكلمة. من يومه وهو شايل المسؤولية على كتافه من غير ما يتأفف ولا يتذمر.
قربت منها أكتر وهي بتكمل:
رحيم ده يا جميلة، أنا شفت منه اللي عمري ما شفته من غيره. حنين على الصغير قبل الكبير، ولو ليه ألف مصلحة بيجري يسيبها عشان يقف جنب حد محتاجه. محترم، ومتواضع، والناس في الشركة عنده بتحلف بيه، الكلمة اللي يقولها تبقى زي العقد، ما بيرجعش فيها أبدًا.
الخالة مسحت على إيد جميلة وقالت بعاطفة:
يا بنتي، مش أي واحدة في الدنيا يتعرض عليها حد زي رحيم. ده نصيب ما يتعوضش، ده رزق ربنا بعتلكهولك يمكن يعوضك عن كل وجعك اللي فات.
-جميلة وهي بتسمع كلامها، قلبها بيتخبط جوه صدرها، دموعها نزلت أكتر وقالت بصوت مكسور:
بس يا خالتي، أنا مش قدّه، ده يستاهل واحدة قلبها سليم مش واحدة زيي مكسورة ومش قادرة تثق في حد تاني.
الخالة شدت إيديها وقالت بحزم وحنان:
بلاش تظلمي نفسك يا جميلة، إنتي أنضف وأنقى من ناس كتير. واللي زي رحيم، مش بيدور على الماضي، بيدور على الروح، وأنا متأكدة إن لو ربنا كاتب لكوا نصيب، هيشوف فيكي اللي إنتي مش شايفاه في نفسك.
---------------
بعد تالت أيام رحيم رجع من السفر وكانو عاملين رؤية شرعية:
رحيم كان قاعد قصادها، وشايف التوتر في عينيها. أخد نفس عميق وقال بصوت هادي لكن مليان صدق:
من أول يوم خبطت فيكي على السلم، كان في حاجة شدتني ليكي. وقتها ما فهمتش إيه بالظبط، بس من اللحظة دي وأنا حاسس إنك مختلفة.
رخامتي معاكي، كنتى بتفتكريها هزار، بس هي كانت محاولات إني أشوفك بتضحكي. كنت دايمًا بدور على أي سبب يطلعك من حالة الحزن اللي بشوفها في عينيكي. كنت فرحان أوي لما أسمع ضحكتك، حتى لو الضحكة دي على حسابي أنا.
أنا ما كنتش فاهم أنا ليه بشوفك كده في دماغي طول الوقت، ولا ليه كل كلمة منك كانت بتفضل ترن في وداني. يمكن عشان كده بعدت، حسيت إني مش فاهم نفسي. بس وأنا بعيد، عرفت، لأ، أنا مش قادر أعيش من غير ما أبقى حوالين ضحكتك.
أنا مش عارف إيه اللي وجعك، ومش طالب تعرفيني. بس أتمنى يوم تقوليلي. مش عشان الفضول، لكن عشان نفسي أكون أنا اللي يخفف ده عنك، حتى لو مش قادر أشيله كله، أبقى واقف معاكي فيه.
أنا جاي دلوقتي أطلبك بالحلال. عشان ما يبقاش بينا هزار يخليكي مترددة أو متكسفة. عشان يبقى وجودي معاكي حق مش غلط.
أنا عارف إني يمكن ما استاهلش كل اللي أنا بطلبه، بس صدقيني، أنا كل اللي عايزه إنك تبقي مبسوطة. ولو ربنا كتب نكمل سوا… أوعدك مش هبطل أحاول أكون سبب سعادتك.
يمكن أنا مش فاهم كل اللي جواكي، لكن عارف إني عايز أشاركك كل حاجة: فرحتك، كلامك، وحتى دموعك لو نزلت. نفسي أكون الأمان اللي ترتاحي فيه.
صدقيني يا جميلة، لو وافقتي، عمرك ما هتندمي.
سكت رحيم بعدها، وصوت أنفاسه هو بس اللي مسيطر على الجو.
جميلة كانت قاعدة قدامه، مبهورة بالكلام، ومش قادرة ترفع عينيها فيه.
جواها كان في صوت بيصرخ:
ياااه، إزاي بيقول الكلام ده كله وهو عينه صافية كده، يا رحيم، إنت جميل أوي، إنت تستاهل حد أنقى وأطهر مني، تستاهل بنت زي الملاك، مش أنا.
ضاعت في أفكارها، وعينيها غرقت في دموع ساكتة، لحد ما قطع صوت رحيم شرودها:
قلتى إيه يا جميلة؟
رفعت رأسها بسرعة ومسحت دموعها وقالت بصوت متردد:
أنا، أنا صليت استخارة كذا مرة ولسه… يعني… هصلي تاني وإن شاء الله هارد عليك.
ابتسم رحيم ابتسامة بسيطة وقال بهدوء لكن فيه رجاء:
أتمنى ردك يكون بالموافقة يا جميلة… لأني مش هقبل بغير كده.
قام وهو لسه محافظ على ابتسامته الهادية، وقال:
أستأذن بقى، أسيبك ترتاحي وتصلي اللي نفسك فيه.
ومشي رحيم بهدوء وطلع شقته، سايب جميلة قاعدة في مكانها، إيديها بتترعش، وقلبها بيخبط بقوة، ولسه صدى كلامه بيرن في ودانها.
وبعد ما مشي، البيت بقى هادي، وجميلة لسه قاعدة مكانها شارده.
الخالة بصتلها وقالت بهدوء:
جميلة؟
-جميلة طلعت فيها بنظرة حيرة وقالت بنبرة متلخبطة:
يا خالتي، أنا تايهة. والله مش عارفة أعمل إيه. مش عارفة أقول إيه ولا أرد على بابا إزاي. خايفة أوافق وأتعب، وخايفة أرفض وأندم. مش عارفة، أنا حاسة إني واقفة في نص طريق مش عارفه آخد خطوة فيه.
الخالة قربت منها وربتت على إيدها وقالت بحنان:
طيب يا جميلة، هسألك سؤال، إزاي نعرف إن الشخص اللي قدامنا ده هو اللي ينفع نأمن نفسنا معاه؟
-جميلة اتنهدت وقالت:
هو ده بقى اللي أنا مش عارفاه… إزاي؟
الخالة ابتسمت وقالت بحكمة:
بصي، هتعرفيه من حاجات بسيطة بس كبيرة في المعنى:
إنه يكون حنين ومتفهم، مش مؤذي لا بالكلام ولا بالفعل.
لما يزعل، يبقى لين في خصامه، مش واحد غضبه يهد الدنيا.
يبقى سوي نفسياً وناضج، ينفع تتناقشي معاه وتلاقي عنده عقل.
مايبقاش بتاع بنات، وإنتي تبقي استثناؤه الوحيد.
يكون ذكي، بيعرف ياخد مكانة في قلبك من غير ما يضغط.
يبقى صريح، مايلفش ويدور.
والأهم، يبقى فاهم في الأصول والدين، ويخلي ربنا قدام عينه في كل تصرفاته.
-جميلة فضلت ساكتة، عينيها دمعت من غير ما تبكي، وقالت بصوت واطي:
يعني، كل اللي قولتيه ده متجمع في رحيم، مش كده؟
الخالة ابتسمت وربتت على كتفها:
أهو ده اللي عايزة أوصله ليكي. رحيم مش وحش يا جميلة، بالعكس ده راجل محترم. اتكلي على الله ووافقي، هترضي ربنا وأبوك، ومش هتندمي.
-جميلة عضّت شفايفها بخوف وقالت:
بس يا خالتي، أنا خايفة. خايفة أكرر نفس الغلطة.
الخالة مسكت إيدها بقوة وقالت بحسم واطمئنان:
صدقيني، رحيم مش زي عادل. عمره ما يكون زيه. اتكلي على الله ووافقي.
جميلة بصت في الأرض، قلبها لسه بيرتعش من الخوف، لكن كلام خالتها بدأ يدخل جواها زي نور بيحاول يبدد الضلمة.
----------------------------
مرت الأيام على جميلة وهي مترددة، بين خوف من تكرار الغلط، وبين قلبها اللي كل مرة بيزيد فيه إحساس بالراحة بعد صلاة الاستخارة. كانت تدعي ربنا بإلحاح: "يارب لو فيه خير ليا قرّبه، ولو فيه شر أبعده عني." ومع كل مرة تسجد فيها، كانت تحس إن قلبها بيتطمن أكتر ناحية رحيم.
وأخيرًا، بعد ليالي طويلة من التفكير، قررت تقول "موافقة". لما نطقت الكلمة قدام خالتها وأبوها، حسّت وكأن جبل كان على صدرها وتشال. أبوها فرح فرحة كبيرة، ابتسامته فضحت راحته لأنه من البداية كان شايف إن رحيم راجل يعتمد عليه.
رحيم كمان فرح جدًا بقرارها، بس على طريقته. من كتر خوفه عليها، قلّل كلامه معاها، عايز يثبت إنه قادر يحافظ على العلاقة نقية لحد ما ربنا يجمع بينهم بالحلال.
فقال لها بهدوء:
أنا عايزنا نتعامل بضوابط الخطوبة، كلامنا، خروجنا، كل حاجة تكون في النور. مش بس علشان دي تبقى بركة لينا، لكن كمان عشان تبقي مرتاحة، ما تحسيش إن في حاجة غلط."
جميلة حسّت في كلامه صدق غريب، وارتاحت لفكرته، بالعكس، لقيت نفسها مطمئنة أكتر. قرروا يكتبوا كتابهم بعد شهرين، وعلى بال ما يجهزوا، رجعت جميلة بيت أهلها علشان تحضر حاجات كتب الكتاب.
واتفقوا إن كتب الكتاب يكون بعد شهرين. رجعت جميلة بيتها وهي حاسة بمزيج غريب من الطمأنينة والرهبة، بتجهز حاجاتها، بس جواها يقين إن القرار المرة دي مختلف، وإنها ماشيه في طريق ربنا كاتبه لها بالخير.
بعد ما رجعت جميلة بيت أهلها علشان تبتدي تحضر حاجات كتب الكتاب، كانت طالعـة السلم بخطوات هادية، شايلة في بالها أفكار كتير عن اللي جاي. فجأة، وقفت مكانها لما سمعت صوت مألوف بيناديها من وراها:
~عادل: إزيك يا جميلة؟
-التفتت بسرعة، نظراتها اتجمعت كلها في لحظة ما بين استغراب واشمئزاز. ردّت ببرود:
الحمد لله، كويسة.
~قرب منها بخطوات بطيئة وقال وهو بيرسم ابتسامة مستفزة:
سمعت إنك اتخطبتي.
-رفعت راسها بثقة وقالت
: أيوه، اتخطبت، لراجل بمعنى كلمة راجل.
~عادل ضحك ضحكة قصيرة، وعينيه كلها تحدي:
يعني ولا مرة جيت في بالك؟
-جميلة ابتسمت سخرية:
إنت؟! عمرك ما جيت في بالي أصلاً.
مد إيده بيحاول يمسك إيدها، شدت نفسها بسرعة للخلف. حاول يقرب تاني، بس المرة دي إيدها سبقت وردّت عليه بالقلم على وشه.
وقف مصدوم لحظة، وبعدها اتماسك وقال بنبرة فيها سخرية باينة:
بقت قطة بتخربش! ده أنا فاكر أيام ما كنتِ بتتمنيني أرجعلك.
-جميلة نظرت له باحتقار وقالت:
إنت أوحش غلطة في حياتي، وزبالة مش أكتر.
قبل ما يرد، جه صوت فجأة من وراهم وقاطع الموقف:
هو إيه، اللي أنا سمعته ده؟
------------------------
#يتبع.
يترا مين اللي جيه؟
ولو كان رحيم رد فعله هيكون اي؟
وعادل عاوز اي تاني من جميلة؟
كل ده هنعرفه في البارت الجاي باذن الله ♥
قبل ما يرد، جه صوت فجأة من وراهم وقاطع الموقف:
هو إيه، اللي أنا سمعته ده؟
~عادل لف بسرعة، شاف الخالة واقفة على آخر درجة في السلم، عينيها كلها غضب، ضحك ضحكة فيها سم وقال:
كويس إنك جيتي يا طنط، علشان بقى تفوقي، وتعرفي حقيقة خطيبة ابنك اللي أنتي مفكراها نضيفة وبريئة وهي مش كده خالص.
قرب منها بخطوات تقيلة وهو بيبص لجميلة باستهزاء:
أنتوا فاكرينها ملاك؟ ومتعرفوش دي ليها ماضي أسود، ماضي مش أي حد يستحمله، ولا حتى ابنك ده اللي أنتي عايزة تديهاله على طبق من فضة.
الخالة اتقدمت عليه خطوتين، صوتها بقى زي النار:
اسكت يا عادل! اخرس خالص! أنت آخر واحد في الدنيا يتكلم عن الشرف وعن الماضي. أنت اللي ضحكت على بنت عمك واستغليت ضعفها ولعبت بمشاعرها وبعدين رميتها زي ما ترمي حاجة قديمة.
~عادل رد بابتسامة صفراء:
ما هو ده اللي هعرفه لرحيم، هعرفه مين هي خطيبته اللي أنتوا مفكرينها ملاك. وهشوف بقى هيبقى موقفه إيه لما يعرف كل اللي حصل.
الخالة ما استنتش كلمة زيادة، نزلت عليه بالقلم صفعة قصرت الدنيا:
قطع لسانك يا حيوان! إنت شخص حقير، ومعدوم الرجولة، ومش راجل أصلاً. مفكر عشان ضحكت عليها بكلمتين خلاص تبقى راجل؟ أنت لا راجل ولا حتى نص راجل.
عادل اتراجع خطوة للوراء ماسك وشه، الخالة كملت وهي ماسكة جميلة من إيديها:
أنتَ وسخ وحقير، وعيب حتى أتكلم معاك. اللي زيك ما يستاهلش غير التف في وشه!
وبالفعل تفت في وشه وشدت جميلة ناحيتها وهي بتقول:
تعالي يا بنتي، ما ينفعش نرمي نفسنا وسط القذارة دي ثانية واحدة.
جميلة طلعت معاها بخطوات سريعة وهي ماسكة نفسها بالعافية عشان ما تنهارش قدامه.
وعادل فضل واقف مكانه، عيونه كلها حقد وقال بصوت عالي وهو بيهدد:
ماشي يا طنط، بس أنا مش هسكت. أنا هخلي رحيم يعرف كل حاجة عنها. وهشوف بقى رأيه هيبقى إيه.
الخالة التفتت له قبل ما تطلع وصرخت فيه:
رحيم راجل ابن راجل، عمره ما هيصدق كلام واحد حقير زيك!
وبعدين قالت وهي بتبصله من فوق لتحت:
أنا نفسي أسألك سؤال يا عادل؟
~عادل بستفزاز:
اسالئ؟
الخالةبحتقار:
إنت وانت بتعمل بطاقة، الراجل اللي في السجل المدني كان تعبان؟
~عادل اتلخبط:
إيه؟! تعبان إزاي؟
الخالة بسخرية قاتلة:
عشان شكله اتلخبط وبدل ما يكتب أنثى كتب ذكر، واتحسبت علينا راجل وخلاص. والله يا عادل، أنا مشوفتش راجل ناقص كرامة زيك، فاكر نفسك رجل وانت ولا نص حتي.
جميلة حاولت تكتم ضحكة باستهزاء، بس الخالة كملت وهي مولعة:
إنت جاي تتكلم عن بنت زي القمر، وأنت ما تعرفش أصلاً يعني إيه كلمة راجل اللي يبيع ويجري ويرجع ينهش في عرض بنت عيلته، ده مش راجل، ده مسخ.
عادل وشه اتقلب أحمر، حاول يرد، بس الخالة قربت أكتر وقالت بنبرة كلها تحدي:
إنت بالنسبة ليها صفحة مقطوعة من كتاب وسخ، مكانك الزبالة، مش مع ناس محترمة. وقبل ما تفتح بقك بكلمة تانية عن جميلة، اغسل وشك من العار اللي مغرقك من ساسك لراسك.
وبعدها تفتت في وشه تاني وقالت:
يلا يا جميلة، سيبيه يعفن مع نفسه
كل ده وعادل واقف بيكلم نفسه:
هخليكي تندمي يا جميلة
وقبل ما يكمل ويلف، اتجمد في مكانه.
لقاه خطيبته سما واقفة ورا، وسامعة كل حاجة، عينيها مليانة خزلان و وشها مصدوم وصوتها مهزوز:
هو إيه اللي أنا سمعته ده يا عادل؟!
وبعدين تقول بنبرة اقوي:
هو إيه اللي أنا سمعته دلوقتي يا عادل؟ ده إيه الأسلوب الرخيص ده؟!
~عادل برتباك،و بيحاول يقرب:
سما… استني، دي مجرد مشاكل قديمة، هفهمك…
سما ترجع خطوة لورا،و عينها مليانة اشمئزاز:
تفهمني إيه؟! إنك واحد كذاب؟ إنك ضحكت على بنت عمك وكسرت قلبها؟! ولا إنك كنت فاكر إني هصدقك وتضحك عليا زيها؟!
تضحك سخرية وهي تهز رأسها:
أنا طول الوقت فاكرة نفسي مخطوبة لراجل، بس الحقيقة إنك مجرد عيل تافه.
تتقدم فجأة وتلطشه بالقلم بقوة تخليه يتجمد مكانه وتقول بعصبية والدموع محبوسة في عينها:
القلم ده عشان تفوق، الرجولة مش إنك تستغل بنت ضعيفة، الرجولة إنك تحميها. وإنت عمرك ما كنت راجل.
تقلع الخاتم من إيدها وترميه في وشه بصوت مكسور لكنه قوي:
أنا من النهارده مش خطيبتك. أنا تخلصت من وصمة عار اسمها عادل.
وتديه نظرة احتقار قاتلة، وتلف وتمشي وهي مرفوعة الراس، وهو واقف مصدوم، إيده على وشه مكان القلم، وحاسس إن الدنيا اتقلبت عليه.
---------------------
طلعت جميلة مع خالتها، ولسه قلبها مش مرتاح من اللي حصل تحت. أول ما قفلت الباب واطمنت إنهم بقوا لوحدهم، رمت نفسها في حضنها وقالت بصوت مكسور:
أنا خايفة يا خالتي، خايفة يقول لرحيم أي حاجة، لما يعرف يبعد عني.
خالتها مسكت وشها بين إيديها، وبصتلها بعين كلها طيبة وقالت:
ما تخافيش يا جميلة، ده واحد بيهدد بالكلام وبس. رحيم مش هيتأثر بده، وعمرك ما هتخسريه. وبعدين يلا، تعالي نجهز يا عروسة لحاجات كتب الكتاب ونفكر في فرحتك.
ابتسمت جميلة ابتسامة صغيرة رغم خوفها، وحسّت لأول مرة إن فيه ضهر يسندها.
ومن هنا ابتدت الأيام تجري أسرع، كل يوم بيقربها من يومها اللي مستنياه. بين تحضيرات الفستان، وتجهيز البيت، وضحكة أبوها اللي رجعت تاني، كانت جميلة بتحس إن ربنا بيعوضها على كل لحظة وجع.
لحد ما جه اليوم اللي اتفقوا عليه، يوم كتب الكتاب. يوم مختلف، يوم بداية جديدة.
وأخيرًا، جه اليوم اللي كانوا مستنيينه: يوم كتب الكتاب.
القاعة منوّرة بالزينات والضحك والزغاريط، جميلة واقفة مكسوفة وقلبها بيخبط، ورحيم واقف قصادها عينه كلها فرحة وحب.
المأذون قال بصوت مسموع:
يا رحيم، هل قبلت الزواج من الآنسة جميلة على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ؟
_رحيم ابتسم وبص لها من قلبه وقال قدام الكل:
– أنا قبلت بها،
ورضيت بها،
واخترتها من بعد الله ملجٱ دائماً،
وملاذ ثابتاً،
وحضنا يحتويني، بعد المكده والتعب،
وركنا أمراً،
انزوي اليه من صخب الحياة،
انسة للروح،
رفيقة للقلب،
وحبيبة للفؤاد،
المأذون قال:
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.
رحيم من غير ما يستنى ولا لحظة، شد جميلة في حضنه قدام الناس كلها، ورفع صوته وهو بيحضنها:
– فلتعلمي يا أنيسة روحى وجليسة وحدتى أنى رجوتك من الله واستودعته إياكى ودعوته مراراً وتكراراً كى تطوى أطراف الأرض ونلتقى.
وأخيرًا رزقني الله بك مؤنسا وانيسا علي كتاب الله وسنة رسوله،فأصبحت اجمل ارزاقي
القاعة كلها ولعت بالتصفيق والزغاريد، وأبوها دموعه نزلت من الفرح، وخالتها قالت وهي بتضحك:
ربنا يسعدكم ويتمم بخير يا رب.
------------------
بعد كتب الكتاب والناس بدأت تمشي، قعدوا هما الاتنين على جنب شوية. رحيم بص لها بابتسامة واسعة وقال:
بصي كده في وشّي، شايفة إيه؟
-جميلة اتلخبطت وقالت:
إيه السؤال الغريب ده؟ شايفة وشّك يعني.
_رحيم ضحك وقال:
غلط، ده وشّ جوزك يا ست جميلة، إوعي تنسي إنك دلوقتي بقيتي مراتي، رسمي، بعقد ومأذون وشهود.
-نزلت بعنيها بخجل وقالت وهي بتحاول تغيّر الموضوع:
هو إنت ناوي تفضل تعاكسني كده على طول؟
_رحيم رد بسرعة:
طول عمري، دي هوايتي الجديدة. يعني أنا من النهاردة هسيب كل الهوايات التانية، لا كورة ولا لعب بلايستيشن، هبقى أتسلى بيكي إنتي.
-جميلة ضربته بخفة على إيده وقالت:
إنت دمك تقيل والله.
_قرب منها شوية وقال وهو عامل نفسه جدي:
طب اسمعي، أنا ليّا شرط في الجواز ده.
-اتسعت عينيها وقالت:
شرط إيه تاني؟ مش كفايه شروط بقا!
_رحيم ابتسم وقال:
شرطي الوحيد، إنك تفضلي تضحكي كده على طول. لو يوم صحيتِ مكشره، هعتبرها مخالفة للعقد، وأخصملك من المرتب.
-جميلة انفجرت من الضحك وقالت:
مرتب إيه يا عم؟ هو أنا موظفة عندك؟
_قرب أكتر وقال بنبرة دافية وهو بيهزر:
لأ، إنتِ مش موظفة، إنتي رئيستي، بس أنا غاوي أعمل فيها مهم وأتحكم شوية.
سكت لحظة وبص لها بنظرة كلها حنية وقال:
بصراحة بقى، أنا مش مصدق إني بقيت جوزك، وحاسس إن الدنيا كلها النهارده بتضحكلي.
------------------
بعد كتب الكتاب لما رحيم مشي ، والهدوء مالي البيت، لقت جميلة أبوها داخل عليها الأوضة. قعد قصادها، وبص لها نظرة كلها شجن. قال لها وهو يتنهد:
غصب عني يا بنتي، الأيام اللي عدت من غير ما أكلمك كانت زي السكينة على قلبي. كنت شايفك قدامي ومش قادر أمد إيدي وأحضنك، كنت مصدوم، مش مصدوم فيكي إنتي بس، مصدوم إني حسيت إن بنتي اللي ربيتها بعيد عني.
بص لها والدمعة محبوسة في عينه:
بس مهما حصل، إنتي بنتي، وحِتّة مني. وزعلي ما يطولش، قلبي دايمًا بيدعيلك.
مد إيده ومسِك إيدها بين إيديه، وقال بنبرة كلها حزم وحنان:
اعرفي إني اخترت لك الأحسن، واللي شايفه رجل يصونك ويحافظ عليكي. رحيم مش أي حد، ده اللي هيكون سندك بعدي، وركن ليكي طول العمر.
عينيها غرقت بالدموع، حاولت تتكلم وقالت بصوت مكسور:
سامحني يا بابا…
شد على إيدها أكتر، وقرب منها، وباس راسها بحنية:
أنا مسامحك من قبل ما تتكلمي، وربنا يرزقك السعادة معاه، ويجعل الليلة دي بداية جديدة لينا كلنا.
ما قدرتش تمسك نفسها، فهَجَمت في حضنه تعيط زي الطفلة، وهو يحتضنها بقوة، يمسح على راسها ويهمس:
اللي يجرحك يا جميلة، يبقى جرحني أنا قبلك.
------------------------
الأيام عدّت بهدوء، وكل يوم كان بيقرب جميلة من رحيم أكتر وأكتر.
كانت بتشوف فيه حاجات جديدة، ضحكته اللي بتخلي قلبها يهدى، وخفة دمه اللي بتكسر أي توتر بينهم، واهتمامه اللي بيطمنها إنها اختارت صح.
كل يوم كانت بتحس إنها بتحبه من جديد، بتحبه أضعاف المرات اللي فاتت.
ورحيم هو كمان، كان بيكتشف فيها روح نقية وبِرقة مش لاقي زيها، بيشوف ضحكتها اللي بتنسيه تعب الدنيا، وحنيتها اللي بتخليه يحس إنه في أمان.
قربوا من بعض بهدوء، خطوة بخطوة، لحد ما جه اليوم اللي هيغيّر حياتهم هما الاتنين:
في يوم الصبح رنّ موبايل جميلة، مدت إيدها وهي نص نايمة، ولما شافت الاسم قلبها خفق. ردت وهي مبتسمة:
صباح الخير يا حبيبي.
_رحيم رد بصوت هادي بس فيه تقل غريب:
صباح النور، اطلعي لي على السطوح عندكم، أنا مستنيكي.
-ضحكت بخفة وهي لسه مش مستوعبة:
إيه المفاجأة الجميلة دي ؟
_رحيم رد بكلمة قصيرة فيها وجع:
هي فعلاً… مفاجأة.
قفلت بسرعة وهي فرحانة بالكلمة، قامت توضبت نفسها على عجل، وطلعت السطح بخطوات سريعة.
أول ما وصلت، لقت رحيم واقف، عينيه غامقة، وصوته تقيل:
جميلة، أنا عايز منك كلمة واحدة، وبصراحة.
انتي كنتي على علاقة بعادل ابن عمك؟
-هي اتفاجئت، وشها اتقلب، حاولت تتكلم:
رحيم… اسمعني…
_قاطعها بحدة، صوته طالع كالرصاصة:
اسمعك إيه؟! كان لازم أسمع منك من زمان، مش دلوقتي!
ليه خبّيتي؟ ليه خليتيني أعيش واثق فيكي وأنا آخر واحد يعرف؟
كنت فاكر نفسي عرفت البني آدم الصح، اللي يستاهل أدي له عمري.
لكن للأسف، طلعت واهم.
-دموعها نزلت غصب عنها، قالت بصوت متقطع:
أنا… ما كنتش…
_ما خلاهاش تكمل، رفع إيده كأنه بيكسر أي أمل:
اسكتي.
اللي بيخبي مرة، بيخبي ألف مرة.
الصدق ما كانش محتاج وقت ولا تفكير، كان محتاج قلب نظيف… واضح.
وأنا النهاردة اكتشفت إن قلبي غلط في اختياره.
قرب منها خطوة، عينه مليانة قهر:
أنا كنت شايفك جنتي، كنت بقول إنك أمان بعد الدنيا دي كلها.
لكن ياما الوشوش بتخدع.
انتي النهاردة، ما بقتيش جميلة اللي عرفتها.
انتي بقيت غريبة.
انتي طالق يا جميلة.
دار ضهره ومشي من غير ما يديها فرصة تبرر ولا حتى تنهار قدامه.
سابها واقفة في مكانها، مكسورة، الكلمة الأخيرة بترن في ودانها وبتقطع روحها، كلمة وجعتها أكتر من خيانة عادل وألف عتاب.
--------------------
#يتبع.
يترا رحيم عرف منين عن العلاقة اللي كانت بين عادل وجميلة؟
ويترا كده الحياة فعلاً انتهت بينهم؟
كل ده هنعرفه في البارت الجاي باذن الله ♥
تعليقات
إرسال تعليق