رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل السابع وعشرون الجزء الاول بقلم سيلا وليد حصريه
رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل السابع وعشرون الجزء الاول بقلم سيلا وليد حصريه
الفصل السابع والعشرون ج1
"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "
تبدو السعادة على ملامحه، كأنّه امتلك الدنيا،
غير أنّ في أعماقه ضجيجًا لا يهدأ...
كأنّ شيئًا خفيًّا يُنغّص صفو روحه كلما ابتسم.
هو سعيد، نعم... لكنّ بعض الفراغ يسكن قلبه،
وبعض الذكريات تأبى أن تُدفن مهما حاول نسيانها.
فالسعادة في داخله، لكنها لا تكتمل...
فبعض القلوب تُحسن التمثيل كي لا تُرهق من حولها،
وبعض الفرح يأتي ناقصًا لأنّ الوجع ما زال يقيم في الظلّ.
فالسعادة ليست غياب الألم، بل القدرة على الابتسام رغم وجوده.
وكأنّ النقص قدرُ القلوب التي عرفت الوجع...
وها هو اليوم يبتسم لأجلها، لكن هل سَيجرؤ أن يطلب منها أن تداويه؟
تراجعت بجسدها بعدما وجدت نظراته، أشارت إليه:
_يوسف، طنط ميرال برة، افتح لها عيب.
خطت للوراء متردِّدة وهي تراه يتقدَّم نحوها، نظراته مشتعلةً كجمرٍ لا يهدأ.
_يوسف، افتح الباب..أنا مش هغيَّر الفستان عايزة ألبس اللي يعجبني، وبكرا ألبس فستانك.
كان صامتًا، لكن عينيه تنطقان بعاصفةٍ نارية، فابتلع المسافة بينهما بصمته القاتل..وغرز عينيه بعينيها وقال:
_رميت المفتاح تحت يا ضي، ورِّيني بقى هتنزلي إزاي...ومفيش لا حنَّة ولا فرح غير وإنتي مراتي فعلًا.
شهقت، وكأنَّ الهواء انقطع عن صدرها..وارتجفت أنفاسها وهي تهمس:
_إنتَ أكيد..مجنون.. فصاحت باسم ميرال.
لكنَّها لم تكمل، فقد التهم الغضب ماتبقَّى من الحروف بين خاصَّته للحظات، حتى ترك آثار قبلاته ثم تراجع يلهث، كأنه استيقظ من جنونه، ثم أشار نحو الباب وهو يهمس بخشونةٍ مكسورة:
_انزلي بقى بالفستان…قالها ثم انحنى ينظر الى فستانها بنظراتٍ وقحة..
_حلو وعجبني أوي، على الأقل متعبنيش، وعلشان كدا هسيبه سليم، وأهي ذكرى حلوة بينَّا..مش كدا ياروحي
نظرت إليه بحزن:
_ليه عملت كدا يا يوسف؟ عايز تعند وخلاص، افتكر بس إنَّك وجعتني في يوم زي دا.
سحب جسدها بقوَّة حتى ارتطم بصدره يجذب عنقها إليه يهمس بنبرةٍ خافتةٍ حنونة:
_مش عايز غير عيوني بس اللي تشوفك يا ضي، لو شايفة إنِّ دا مش من حقِّي يبقى بتأسِّف لك يا ستِّي، بس أنا مش موافق على أي حاجة تبان من جسمك، الفستان مش مغطِّي غير رجلك ينفع كدا.
رفعت عيناها الدامعة وقالت:
_بس كلِّنا بنات، كان نفسي أكون بحريِّتي.
وضع جبينه فوق جبينها يهمس بأنفاسه الحارَّة:
_حتى ولو..عايزك ليَّا أنا وبس، رفع عيناه ينظر لمقلتيها:
_إنتي بقيتي ملك يوسف بس، مش مسموح لحدِّ تاني يشوف أي فتنة منَّك غيري... مد يداه على فتحة صدر فستانها، الى أن نزل الى قطعته الشفافة على بطنها:
_ينفع دا.. ليه، هتستفادي ايه، مش التزين دا بيكون من الست لجوزها
_النهاردة حنتي يايوسف، وطبيعي البنات تلبس كدا
_ممكن عندك حق من وجهة نظرك، بس انا على قد حبي على قد غيرتي ياضي
ابتسمت من بين دموعها، ثم رفعت ذراعيها تعانق رقبته:
_وأنا بحبَّك أوي يا يوسف، جتلي منين، ماكنَّا ولاد عم وخلاص.
ضمَّها يدفن رأسه بخصلاتها:
_عمري مااتخيَّلت أحبِّ حدّ كدا، ومين إنتي!.
تراجعت قليلا تلكزه بخفَّة:
_ليه بقى إن شاء الله حضرتك، هوَّ أنا وحشة؟
_ بالعكس قمر، ولو بإيدي كنت خطفتك دلوقتي وهربنا بعيد..نحتفل بكلِّ حاجة تخصِّنا لوحدنا.
لمست وجنتيه بأناملها ثم طبعت قبلةً عليها:
_كلَّها أيام وأكون معاك..ونحتفل ونعمل كلِّ اللي نفسنا فيه.
فتحت ميرال الباب ودلفت تنظر إليهم بذعر..تراجع بعيدًا وحمحم بمزاح:
_مليون مرَّة نقول خبَّطوا قبل ماتدخلوا، معرفش العيلة دي بتموت بفتح الباب من غير دستور.
قالها وخرج..بينما تجمَّدت ميرال بمكانها تحدِّق في ضي، وارتفع صوتها غاضبًا، حانقًا، بعدما رأت آثار قبلاته
فصرخت به، تلعنه، وتضمُّ ضي إلى صدرها المرتجف كمن يحمي بقايا روحٍ مهشَّمة:
_آسفة حبيبتي..متزعليش منُّه، مش هيجيبه من بعيد.
كانت ساكنةً بأحضان ميرال تغمض عيناها تراجعُ حديثه بابتسامة..لا تريد شيئًا آخر سواه.
أبعدتها ميرال عن أحضانها تتفحَّصها بعين الأم..ثم مسَّدت على خصلاتها بحنان:
_أوَّل ماشمس قالت لي..عرفت إنُّه هيعترض على الفستان بالطريقة دي.
احتضنت وجهها بحنانٍ تنظر لعينيها:
_أنا قولت لك أوَّل ماشفت الفستان، بس يالَّه الحمد لله إنُّه ماقطَّعوش،
متزعليش منُّه حبيبتي، الراجل اللي بيحبِّ أوي بيغير أوي، والله يابنتي ماتحكُّم ولا حاجة، هوَّ بيحبِّك أوي، اسأليني أنا.
احتضنتها ضي وتبسَّمت:
_مش زعلانة منُّه، أنا كمان بحبُّه أوي، وهوَّ عنده حق، أنا اللي غلطت..يالَّه انزلي وهغيَّر وآجي وراكي.
أومأت لها مبتسمة ثم أشارت على شفتيها:
_عدِّلي مكياجك، والروج اللي الحلوف ابني بهدله.
_مش تشتميه يا طنط ميرال لو سمحتي.
رفعت ميرال حاجبها ساخرة:
_شوف إزاي، وأنا اللي هتجنِّن منُّه علشانك ودلوقتي مش تشتميه..هبلة زيي كان بينضحك عليَّا ببوسة، والله إحنا عبط..هقول ايه ابن الياس وحركات ابوه، خليكي عبيطة كدا، اقعي من بوسة
تورَّدت وجنتيها تبتعد عن نظرات ميرال..انحنت تمسِّد على خصلاتها بحنان:
_ربِّنا يسعدكم حبيبتي يارب، ضي..يوسف دا نور عيوني ونبض قلبي، إنتي عارفة يعني إيه، عانى كتير، ومهما يعاني مش بيحكي، حبِّيه أوي يا بنتي.. صدَّقيني هيدِّيلك حياته كلَّها، ماتغلطيش غلطتي، متخليش شيطانك يسرق سعادتكم.
_ادعي لنا يا طنط.
احتضنت وجهها وقبَّلتها:
_مش عايزة غير سعادتكم...قاطعهم دخول شمس:
_ماما اتأخَّرتوا ليه؟
سحبتها ميرال سريعًا، حتى لا تنتبه لحالة ضي وغادرت الغرفة، بعدما قالت:
_ماتتأخريش يا حبيبتي.
نهضت من مكانها وقامت بتبديل فستانها، وارتدت ماجلبه لها، دقائق قليلة وانتهت من زينتها بالكامل، توقَّفت تنظر إلى هيأتها بالمرآة، تبسَّمت بحبٍّ وكلماته مازالت تتغنَّى بها أذنها..
اتَّجهت إلى حجابها ورفعته كي تضعه على خصلاتها ولكنَّها توقَّفت ورفعت هاتفها لتحاكيه، ولكنَّها تراجعت وسارت خارج الغرفة متَّجهةً الى غرفته..
فتحت الباب بخفَّةٍ وتسلَّلت إلى الداخل، تبحث عنه بعينيها المتلهفتين، حتى وجدته يقف أمام المرآة يجمع أشيائه الخاصَّة.
رفع رأسه على صوت الباب، فتجمَّد لحظة يتأمَّلها كما لو رآها أوَّل مرَّة، وهمس في داخله بإجلالٍ صامت:
_سبحان من أبدع الخلق جمالًا بهذا الصفاء.
اقترب منها ببطء، عيناه تتجوَّلان على الفستان الذي يلتفُّ حول جسدها بانسيابٍ ساحر، ثم ابتسم وقال بنبرةٍ هامسة:
_حورية من الجنة...
ضحكت بخجلٍ رقيق:
_قلت أورِّيهولك قبل ما أنزل.
اقترب منها يرفع خصلاتها برفقٍ كأنَّها شيءٌ مقدَّس، ثم التقط وشاحها من بين أصابعها ولَفَّه حول عنقها، تاركًا خصلاتها تتساقط بحريَّةٍ على كتفيها:
_خلِّيكي كده...مش مهمِّ الحجاب الليلة..خلِّيها عليَّ أتحمِّل أنا نظراتهم، بس ممنوع التصوير، أي واحدة تتصوَّر معاكي..مش هقولِّك هعمل إيه.
رفعت نفسها لتعانقه ضاحكةً:
_هتعمل إيه؟
رفعها حتى صار وجهها بمستواه، وقال بعينين تلمعان بالعشق:
_مش هقولِّك..أنا مبحبِّش النظري، دراستي كلَّها عملي.
غمز بعفويةٍ جعلتها تدفعه ضاحكة:
_أسيبك بقى علشان اتأخَّرت.
توقَّفت عند الباب، التفتت نحوه كأنَّها لا تريد المغادرة:
_مش هتبات هنا؟
أومأ مبتسمًا، وقال بنبرةٍ دافئة:
_هقعد في البيت لحدِّ الفرح.
_ليه باقي أربع أيام؟!
اقترب منها أكثر، وهمس بصوتٍ مرتجف:
_يمكن علشان نوحش بعض...
اقتربت منه تلقائيًّا وعانقته، فضمَّها إليه:
_بلاش يا يوسف…إيه اللي بتقوله دا؟! إنتَ بتوحشني وإنتَ معايا.
أغمض عينيه على أنفاسها، كأنَّ قلبه يعترف بصمته أكثر من أيِّ كلام، ثم تراجع قليلًا ليطبع قبلةً صغيرةً بجوار شفتيها وهمس:
_انزلي يا حبيبتي…دقيقة كمان وهتبقي وحشاني أوي.
ابتسمت بخجلٍ ناعم، تركت كفَّيه كمن ينتزع قلبه ثم خرجت تاركةً خلفها رائحتها معلَّقة بملابسه..راقب مغادرتها، أغلقت الباب، هنا شعر وكأنَّها أغلقت قبره دونها، جلس على الفراش ينظر لمحرمتها التي سقطت منها، انحنى يجذبها ثم رفعها لأنفه يستنشقها يهمسُ بعشقه لها..
بالأسفل وصلت مع دخول رحيل ورولا، دنت منها رحيل تضمُّها:
_ألف مبروك حبيبة خالتو.
_الله يبارك فيكي يا خالتو رحيل، التفتت تنظر إلى رولا الصامتة:
_لسة فاكر عليكي تيجي، طيب يوم فرحك هروح على الزفَّة.
ابتلعت رحيل جمرة غصَّتها ورسمت ابتسامة:
_ يبقى اعملي فعلًا كدا حبيبتي..اللي قدَّرك قدَّريه.
قاطعتهما رولا:
_حلوة الحفلة أوي يا ضي، بس ليه كلَّها بنات؟.
رمقتها رحيل باستياءٍ وقالت:
_هيَّ الحنَّة بيكون فيها شباب!!
تأفَّفت وتحرَّكت دون أن تنظر إلى والدتها، بينما سحبت رحيل كفَّ ضي تديرها:
_فستانك تحفة تحفة يا أجمل عروسة.
_ميرسي يا طنط رحيل..هوَّ ليه حضرتك حزينة؟ وشِّك شاحب.
ضمَّت رحيل رأسها إلى صدرها تكتم دموعها، فلقد لاحظت ضي حالتها بينما ابنتها لم تكترث..قبَّلت رحيل رأسها وقالت:
_شوية اإرهاق يا خالتو...تعالي ندخل جوَّا..دلفوا للداخل..
كان المكان يتلألأ بأضواءٍ خافتة، تمتزج فيها أنغام الطبول مع ضحكات الفتيات، جلست ضي على مقعدٍ مرتفع، فستانها الأحمر المطرَّز ينساب من حولها.
اقتربت غرام، وعيناها تلمعان بمزيجٍ من الفخر والدموع، همست وهي تمسح على شعرها:
كنت لسه إمبارح بشيلك بين إيديا، والنهاردة بقيتي عروسة.
ضحكت ضي والدمع يوشك أن يسبقها، ثم خبأت وجهها في حضن أمِّها وسط تصفيق الحاضرين.
تقدّمت إحدى السيدات المختصَّات برسم الحنَّة، تحمل صحن الحنَّة المزيَّن بالورود والياسمين، قالت بمزاح:
يلَّا يا عروسة، الليلة دي ليلتك... هنرسم الحنَّة على إيدك..صمتت وقالت:
_عايزة إيدك بس؟
مدَّت ضي كفَّها بخجل وقالت:
_أه إيدي بس.
انطلقت الزغاريد من كلِّ ناحية؛ وضحكات الفتيات ورقصهم حولها في مشهدٍ غمره الدفء والأنوثة والفرح الطفوليّ الذي يسبق الخطوة الكبرى في العمر...وهو الزفاف.
دلف أرسلان بعد دعوة فريدة اليه، وقف يتأمَّلها بصمت، يبتسم بحنوٍّ يخفي خلفه وجع الفراق، رغم أنَّها لن تبتعد كثيرًا، ولكن فكرة أنَّها أصبحت ملكًا لغيره تجعل قلبه يأنُّ بصمت، ثم همس لنفسه وهو يراها بتلك الحالة:
_كبرتي يا ضي أوي كدا..وأنا لسة حاسس إنِّك طفلة بتجري ورايا تناديني "بابا استناني."
رفع رأسه، والتقت عيناه بعينيها، فبادلته نظرة امتنانٍ عميقة، كأنَّها وعدٌ، أنَّه سيظلُّ حبيبها الأوَّل.
اقترب أرسلان منها، وقفت ترتمي بأحضانه، ضمَّها بحنانٍ أبوي:
_مبروك يا أميرة بابا.
خرجت من أحضانه وقبَّلته:
_حبيبي يا بابا، ربِّنا يخلِّيك ليَّا يارب.
قبَّل جبينها ثم تحرَّك يشير لغرام التي خرجت خلفه.
وقف بأحد الأركان مبتسمًا:
_مبروك يا أمِّ العروسة.
_الله يبارك فيك يا حبيبي..عقبال لمَّا نفرح ببلال.
_إن شاءلله..بلاش ترهقوا ماما، إنتي شايفة حالة البيت، يعني سعادة بينكم على الضيِّق، ليه الحفلة دي كلَّها؟.
اقتربت ووضعت كفَّها فوق ذراعه تنظر إلى وجهه الحزين:
_حبيبي، ماما قالت محدش له يتدخَّل، حتى ميرال قالت لي إلياس حاول يتكلِّم معاها وهيَّ رفضت، قالت فرح أحفادي لازم مصر كلَّها تتكلِّم عنُّه، حتى عمُّو مصطفى كمان..قالِّنا إنُّه متابع كلِّ حاجة ومش عايز تقصير، وإحنا الصراحة محبناش ندخَّل.
حاوط أكتافها وتحرَّك بجوارها يشير إلى السلالم المزيَّنة، والزينة التي تعلَّق على الجدران بإنارتها:
_بس الحاجات دي مكلفة أوي يا غرام، ليه ماما تعمل كدا؟
توقَّفت أمامه تعقد ذراعيها وقالت بتذمُّر:
_إنتَ نسيت إنِّ دول أحفاد الشافعي ولَّا إيه، بلاش أقولَّك حفيد السيوفي اللي عمُّو مصطفى مصرّ على كدا، وبعدين إنتَ بقيت بخيل ولَّا إيه يا أرسو، إحنا بنجوِّز كلِّ يوم.
ابتسم بحنان وقال:
_إنتي عارفة عنِّي كدا؟ أنا قصدي مهما كان دول ولادنا، ومادفعناش حاجة، فمكنش لازم يدفعوا كدا.
_والله يا أرسلان..تمتمت بها فريدة خلفهم، فاستدار إليها سريعًا:
_ماما..لا مش قصدي.
_ولَّا قصدك يابنِ جمال، دا هدية منِّي لأحفادي محدش له دعوة، إن شالله أدفع ملايين محدش يتدَّخل.
دنا منها يطبع قبلةً مطوَّلةً فوق جبينها، وضمَّها تحت ذراعيه:
_ربِّنا يخلِّيكي لينا يا ستِّ الكل، وعقبال لمَّا تجوزي ولادهم، هوَّ أنا خسران حاجة.
لكزته بخفَّة وابتسمت:
_ربِّنا يتمِّم فرحتهم على خير حبيبي، عايزاك تتواصل مع الفندق، مش عايزين تقصير.
_حبيبتي منظِّم الحفلات الخاص بينا متولِّي الأمر متقلقيش، وأنا كلِّمته إمبارح، والنهاردة إسلام كلِّمه كمان.
ربتت على كتفه بدخول ليال والدة مالك فأشارت بعينيها إلى غرام:
_قابلي حبيبتي مامت مالك..وإنتَ شوف أخوك فين خرج من فترة ولسة مرجعش.
_في بيت يوسف، كلِّموه هناك وقال هيعدي يشوف خلَّصوا فرش ولَّا لسة.
توقَّفت تتطلَّع إليه بتساؤل:
_هوَّ يوسف مش هيقعد مع باباه؟
هزَّ أرسلان رأسه بالرفض وقال:
_لا، أخد اللي جنبه.
_ليه ساب بيت أبوه؟ إلياس مقاليش حاجة زي كدا.
_ماما إحنا بنزقِّ يوسف بالعافية، وهوَّ عايز كدا، خلِّيه براحته، وبعدين البيت جنب البيت مجرَّد جدران بينهم، إلياس اتفاجئ أصلًا، لأنِّ يوسف هوَّ اللي اتَّصل بشركة الديكور، واتَّفق على كلِّ حاجة من غير ماحد منِّنا يعرف، اتفاجئنا بشغلهم، محبِّش يزعَّله وخلَّاه يعمل اللي عايزه.
أومأت بتفهُّم ثم قالت:
_خلاص اطلع عند إسلام فوق لوحده مع مصطفى علشان مش هعرف أطلع دلوقتي.
بغرفة إسلام:
انتهت ملك من زينتها، ثم تحرَّكت للمغادرة..دلفت مربيِّة أطفالها:
_مدام ملك إلياس مش مبطَّل عياط.
تأفَّفت بضجر وألمٍ معًا حتى تكوَّرت دموعها من طفلها الذي أرهقها نفسيًا وبدنيًّا، تراجعت تتنهَّد بعدما شعرت بتهاوي جسدها وأردفت بصوتٍ واهن:
_هوَّ مش دا شغلك؟ أنا تعبانة ومش قادرة أتعامل معاه.
_والله يا مدام حاولت معاه، بس هوَّ ممكن دوشة الفرح مخوِّفاه.
أشارت إليها بالخروج:
_خديه وانزلي الحنَّة وأنا جاية وراكم.
بعد فترة، صعدت إلى غرفة مصطفى بخطواتٍ متردِّدة، لكن ماإن فتحت الباب حتى تجمَّدت في مكانها.
نظرت إليه بذهول، فها هو يستعدُّ للنزول، بينما يقف إسلام إلى جواره يحاول مساعدته.
ارتجف صوتها وهي تقول:
_عمُّو مصطفى حضرتك هتنزل إزاي وإنتَ تعبان؟
ابتسم بلطفٍ رغم الإرهاق الذي يسكن ملامحه، وأشار إلى إسلام قائلًا:
_هات لي السكارف يا حبيبي.
ثم التفت نحو "ملك" بخطواتٍ بطيئة متعبة:
_عايز أنزل للعروسة تحت.
عقدت حاجبيها باستنكار:
_إسلام، إنتَ إزاي توافق على كده؟!
اقترب إسلام من والده، يضع الوشاح برفق حول عنقه، وعيناه متشبِّعتان بالحزن:
_شوفت يا بابا، حتى ملك مش عجبها اللي بتعمله…قولت أجيب لك ضي هنا.
ضحك مصطفى ضحكةً خافتة ممزوجة بالوجع:
_اسكت يالا…ودي تبقى فرحة..لازم تدخل عندها وهمَّا محنِّيين إيديها، زي ما عملت مع غادة.
_بس حضرتك تعبان يا بابا…
وضع يده على كتفه، وخرج صوته دافئًا رغم ضعفه:
_أنا كويس يا حبيبي، مش عايز فريدة تحسِّ إنَّها بلا ضهر.
_بابا…همس بها إسلام بصوتٍ مبحوح، وانسابت دموعه دون مقاومة.
اقترب مصطفى منه، واحتضن رأسه وقال:
_أنا كويس.. يا ابني ربِّنا يخلِّيك لمراتك، فيه مناسبات ماينفعش تسيب فيها شريكة عمرك وكأنَّها يتيمة..علشان بعد ماتسلِّم روحك لربِّ العالمين، تبقى الذكريات الحلوة دي هيَّ اللي تصبَّرها على الفراق..
مش عايز دمعة منها وأنا لسه عايش يا إسلام..كفاية إنَّها ربِّتكم ومخلِّيتكمش تحسُّوا بيُتم الأم.
توقَّف ليلتقط أنفاسه، ثم أكمل بصوتٍ متهدِّج:
_وصيِّتي يا إسلام..فريدة، هسألك عليها يوم الدين.
تسلَّل إسلام إلى أحضان أبيه، وانفجر باكيًا كالطفل:
_بابا، لو سمحت…مش عايز أسمع منَّك الكلام ده.
ابتسم بحنان يستند على كتفه:
_إحنا مجرَّد ضيوف في الدنيا يابنِ مصطفى..نزِّلني قبل إلياس مايجي ويعملي محاضرة.
بالأسفل كانت الأغاني تصدح، والضحكات تتناثر بين الفتيات بمشهدٍ يسعد القلوب.
سحبت رولا يد ضي بحماس:
_قومي بقى، ارقصي معانا متعمليش عروسة تقيلة.
تذكَّرت كلمات يوسف:
_ترقصي بس بهدوء، مش عايز تنطيط زي العرايس المجنونة، خلِّي فيه شوية حياء، هراقبك على فكرة..
رفعت رأسها وهزَّتها قائلةً برفض:
_رولا، والله مش قادرة.
قالتها بدخول شمس التي لم تترك لها مفرًّا، ضغطت عليها وهي تضحك حتى انسجمت ضي معهم، تتمايل بخفَّةٍ وسط دائرةٍ من البهجة، بينما شمس تلتقط فيديو لهُنَّ والفرحة تفيض من الوجوه.
دقائق قليلة، والسعادة تملأ المكان، إلَّا من قلبٍ واحدٍ كان يبتسم للوجوه، ولكن داخله يصرخ و يناجي خالقه في صمتٍ موجوع:
"ربِّي...إنَّ زوجي بين يديك، فاحفظه بعينك التي لا تنام."
هنا انقطع صوت الموسيقى فجأة، حين دلفت ملك بصوتها الحنون:
_عفوًا يا حلوين... جدِّ العروسة جاي يباركلها، ممكن نوسَّع شوية؟
تجمَّدت فريدة للحظة، قبل أن تهبَّ واقفةً، عيناها تبحثان بلهفةٍ من الردهة التي دخل منها، فإذا به هناك... يستند على ذراع إسلام، وخطواته مثقلةً بوجعه، لكنَّها تحمل من الكبرياء مايُبكي القلوب.
اقتربت منه بخطواتٍ مرتعشة، وعيناه تحتضنان عينيها في لقاءٍ مشحونٍ بالحب
وفي قلبها صرخةٌ موجوعةٌ لم تنبسَّ بها الشفاه تهمس داخلها:
"آهٍ يا حبيب الشباب والمشيب...
يا مَن سرق المرض منك قوَّتك ولم يسلبك مهابتك، يا من علَّمتني أنَّ الرجولة ليست صلابة الجسد، بل ثبات القلب وقت الانكسار.
كم كنتَ نبضًا يحتضن وجعي، وسندًا أستند إليه حين تزلُّ أقدامي، واليوم أراك تتهادى أمامي تسرقك الأيام من بين ذراعيّ، وكأنَّها تنتزع من صدري أنفاسي واحدةً تلو الأخرى...
آهٍ يا وجعي الجميل، ويا حبِّي الذي لم يَخن وعده رغم وجع السنين."
رغم المرض وتأوهاتك، كنت وستبقى الحبيب، والزوج الذي لم يعرف إلَّا أن يصون سعادة زوجته."
_ضي..هتفت بها فريدة تقترب منه وتشير إلى ضي:
_تعالي لجدِّك حبيبتي.
لكنَّه أشار إليها بالتوقُّف:
_لا يا فريدة، أنا عايز أروح لها لو سمحتي.
ضغطت على شفتيها حتى تمنع دموعها، وهي تراه يتوجَّه نحو ضي بخطواته الثقيلة..احتضن وجهها وانحنى يطبع قبلةً دافئةً فوق جبينها:
_ألف مبروك حبيبة جدُّو، ربِّنا يسعدكم يارب.
احتنضنته بابتسامةٍ بريئة وقالت بصوتٍ متهدِّجٍ تمنع دموعها:
_ربِّنا يخلِّيك لينا يا جدُّو.
دقيقتين حتى دلف الياس كالمجنون دون إذنٍ بعد علمه بنزوله من غرفته:
_بابا..تمتم بها ليستدير إليه ببطءٍ وهو مازال يحاوط جسد ضي:
_تعال يا أبو العريس..باركت لعروسة ابنك؟
كان يفتِّش بملامحه كالأمِّ التي تفتِّش بجسد رضيعها:
_إيه اللي حضرتك بتعمله دا، مش قولنا كفاية الفرح؟!
قالها وهو ينظر إلى إسلام باستنكار.
ردَّ إسلام:
_هوَّ اللي أصرّ يا إلياس.
اتَّجه بنظره إلى ضي:
_حبيبة عمُّو روحي مكانك، هطلَّع جدُّو فوق علشان مايتعبش.
_حاضر يا عمُّو..تمتمت بها ثم رفعت نفسها تطبع قبلةً على وجنة مصطفى:
_نوَّرت حنِّتي يا جدُّو، ربِّنا يخلِّيك لينا.
ابتسم وهزَّ رأسه:
_ربِّنا يسعدكم حبيبة جدُّو.
حاوطه إلياس برفق وقال بين الحضور:
_آسف يا جماعة دخلت من غير إذن.. جدِّ العريس والعروسة مش مريَّحني.
اقتربت منه ليال والدة مالك:
_ألف سلامة عليك يا سيادة المستشار.
_شكرًا يا أمِّ مالك..
أومأ إسلام إليها:
_شكرا لحضرتك يا طنط..اتفضَّلي جوَّا..قالها يشير برأسه إلى ملك بعد تحرُّك فريدة خلف مصطفى.
بمنزل إلياس
كان المنزل يضجُّ بالحياة، حيث اجتمع الشباب في بهوٍ واسعٍ تملؤه الموسيقى والضحكات.
أحضر بلال أحد العازفين، ودعا مجموعة من الأصدقاء ليحيل المكان إلى سهرةٍ حيويةٍ خفيفة.
دخل يوسف متفاجئًا بما فعله ابن عمه، ألقى السلام على الجميع، صافح بعضهم، ثم سحب بلال من بين الجمع جانبًا وهو يحدّق فيه بضيق:
_مش قولت دا بكرة؟! أنا هلكان، الله يخرب بيتك يا بلال!
ضحك بلال مشيرًا إلى وجهه:
_بدل ما تقول ألف سلامة عليك وتقعد تضمد وشي يا متخلف، جاي زعلان!
وضع يوسف كفه على وجهه، يدفعه للخلف بملل:
_تستاهل يا ابني، علشان فعلاً متخلف!
ثم أكمل متنهّدًا:
_أنا طالع آخد شاور وأفوق، وبعدين أنزل للفرح اللي هيفجّر دماغي... واحد متخلف.
قالها وصعد الدرج بخطواتٍ بطيئة، بينما ابتسم بلال بمكرٍ وهو يتابعه بنظراتٍ ماكرة:
_والله لاسهرك لحد الصبح، مش هتشوف النوم ليوم الفرح!
اقترب أسر مستفسرًا:
_هو يوسف زعلان ولا إيه؟
أجابه بلال وهو يلوّح بيده بلا مبالاة:
_سيبك منه، دا بغل... مكنش ناوي يعمل حاجة أصلاً. بص، بدل البوص سمح، سيبك منه وتعالى برا.
ثم خرجا إلى الحديقة حيث تزداد الأضواء والموسيقى.
أما في الأعلى، فقد ألقى يوسف أشياءه على المقعد، وجلس على طرف الفراش يمسح وجهه بإرهاقٍ ظاهر.
_أعمل في المتخلّف دا إيه؟! أنا مش قادر أفتح عيني.
رنّ هاتفه، التقطه بلا اهتمام، لكن عينيه اتسعتا حين وقعتا على الاسم… شمس.
ضغط على الفيديو المرسل، فظهر له وجه حبيبته المضيء بالضحك، تتراقص بين صديقاتها كفراشةٍ
ابتسامتها... بريئة كضحكة طفلٍ أول العمر، وعيناها يا الله، كم سُلب عقلُه من أول نظرة.
مرّر أنامله فوق الشاشة وكأنه يلمس ملامحها المبتسمة، همس بصوتٍ مبحوح:
_طلعت لي منين، ظل يمرر عيناه على ملامحها يهمس لنفسه
_ايه السر اللي بينا رغم كنا قريبين بس مكنش فيه مشاعر بينا، ياترى ايه اللي حيحصلنا، كل اللي قادر افهمه، مبقتش قادر ابعد عنك، حاسس قلبي بيوقف
_اااه.. تمتم بها وقلبه يتراقص بين ضلوعه ليرفع الهاتف ويتصل بها، انتظر طويلاً، لكن لا ردّ.
أغلق عينيه متسطحًا على الفراش، لتتراقص ملامحها في ذاكرته كحلمٍ لا يريد أن ينتهي، فابتسم رغم الألم:
_جننتك خلاص... شهرين بس وعملت فيك كده، أومال بعد الجواز هتعمل فيك إيه؟
اعتدل فجأة، حدّق في المرآة أمامه، وكأنه يواجه نفسه العارية من كل دفاع:
_جواز! فرحك بعد يومين يا مجنون، هتكون جاهز، ولا هتبقى زي الأهبل
مرر أنامله بعصبية فوق خصلاته، يدور في الغرفة كمن يحاول الهروب من فكرةٍ تطارده.
_لا... لا، أكيد مش متخلّف عشان تفكر كده!
زفر بغضب، يشدّ شعره بقوة، ثم ركل الكرسي فانقلب أرضًا، ارتدّ أنفاسه العالية صدى على جدران الغرفة.
هدأ قليلًا، حتى ارتفع رنين الهاتف من جديد.
_أيوه يا بلال!
_خلاص نازل.
قالها بعنفٍ مكتوم، أغلق الخط، واتجه إلى الحمّام.
لم تمر دقائق حتى خرج بخطواتٍ سريعة إلى الأسفل... كأنه يهرب من نفسه قبل أن تهرب منه.
بمنزل إسحاق، خرجت دينا تقف على الباب تنتظر. توقّفت تنظر بساعتها بعصبية صغيرة:
_اتأخرنا يا حبيبي.
ابتسم إسحاق، واقترب يضمّها، قبل جبينها قبلة هادئة:
_آسف يا قلبي... كان عندي شغل مع ناس مهمين، هدخل أخد شاور على السريع وأنزّلك.
في تلك اللحظة خرج حمزة من الداخل، يرمق والديه بعيون مرحة ثم سأل مازحًا:
_رايحين فين، اوعو تكونوا رايحين تقضوا ليلة؟
ابتسمت دينا وردّت دينا:
_حنة ضي النهاردة، إيه نسيت؟
أشار إسحاق بإصبعه ورفع حاجبه:
_هاطلع بسرعة، ما تمشيش.
هنا تدخل حمزة بعفوية:
_لو تعبان يا بابا، أنا ممكن أوصلها.
خطى اسحاق نحو الباب، ثم استدار إلي حمزة بنبرةٍ فيها قليل من الاستخفاف والمحبة معًا:
_ومن إمتى خوفك على أبوك يا حنين؟
اقترب حمزة مزهوًا، يضع كفوفه في جيب بنطاله، إلى أن وقف أمامه يغازل ويقلّد حركات والده، ثم رفع انامله وقام بإعادة ياقة قميص والده بتصنع ثم قال:
_إسحاق باشا، شمس وحشتني، بقالي كام يوم ماشوفتهاش، وكدا كدا هروح لها، فخليك كريم وانا أوصل ماما وأشوفها.
قضم إسحاق شفته مشدودًا، ينظر إلى دينا بإشارةٍ:
_اتصرفي مع الواد دا بدل ما أضربه قلمين.
ضحك حمزة، احتضن والده بعفوية:
_أحسن بابا في الدنيا، كنت عارف إنك مش هتقدر تزعل ابنك.
التفت حمزة إلى دينا بلطفٍ متصنع:
_ياله يا دينا... قصدي يا ماما، إسحاق زكي عن صحته.
تردّد والده في صمت لثوانٍ، ثم رمى نظرةٍ جادة باتجاه ابنه، ثم أشار إلى دينا مُجبرًا وكأن القرار لم يعد بيده:
_روحي معاه، بدل ما يعملي مصيبة.
بمنزل طارق
توقفت هند بجسد ينتفض ورمقته بصمت حارق كاد أن يشعل جسده، بعدما بصقت تلك الدخيلة، بينما طارق كان يتنقل بنظراته بينها وبين الطفل، ثم تسائل:
_تقصدي ايه؟!
اشارت الى طفلها وقالت:
_روح لبابا ياحبيبي... خطى الطفل الى ان وصل أمام طارق ينظر اليه بصمت، كل هذا وطارق كاد أن قلبه يتوقف عن النبض، يردد بخفوت
_ابني.. عندي ولد، طيب ازاي وامتى
اخرجت ورقة الزواج العرفي واقتربت تضعها بيده
_بالورقة دي ياطارق، فاكر لما جيت لعندي بعد خناقتك مع الياس وطلبت نتجوز علشان تنسى غادة، ايه نسيت:
هز رأسه وتراجع للخلف يستند على الجدار بعدما فشلت ساقيه بحمله.
_إزاي يعني، قصدك حملتي يومها، طيب ليه ماجتيش بعد ماعرفتي
_خوفت منك تجبرني انزله، وخاصة بعد حبس رؤى، وخوفت من الياس لو عرف.. لانه شافني يومها بعد ماخرجت من بيتك
كور قبضته يعض ندمًا على تلك الليلة التي أقسم إنها إحدى كوابيسه السوداء
نظر للطفل بعيونا مترقرقة
_عندي ولد.. في السن دا معقول
رفع عيناه إليها ثم أقترب يسحبها بعنف والقاها على الجدار
_انتي ايه شيطانة، سبع سنين ولسة فاكرة جاية تقولي لي
دفعته بقوة وزمجرت بغضب:
_انت سافرت وانا هربت من البلد خوفت اهلي يعرفوا، عيشت في الامارات كام سنة واتعرفت على واحد أمارتي وكنت هتجوزه واعيش حياتي اللي اتحرمت منها، بس طبعا رفض الولد، واضطريت ارفض بسببك وسبب ابنك، ابنك عندك اهو، وعندك معامل مصر كلها، شوف هتعمل ايه، لازم نتفق هو مسؤل منك، وحرام يعيش محروم وابوه عند اموال الدنيا
مش كدا ولا ايه ياطارق باشا
كل هذا وهند تستمع إليها وكأنها داخل كابوس اسود سيقضي على حياتها، رمقتها تلك الدخيلة تشير اليها
_وبعدين في الاخر اتجوزت بيئة ياطارق باشا.. واحنا مكناش عاجبين جناب البيه
لطمة قوية على وجهها، ليصرخ الطفل، يركض الى والدته يتشبث بساقيها، ثم رفع عيناه إلى طارق
_انت شرير، أنا مش عايزك
هزة عنيفة اصابت جسد طارق، وهو يرى الطفل يتعلق بوالدته، وينظر اليه بكره، هنا تدخلت هند برسم ابتسامة متصنعة
_حبيبي ايه رأيك تيجي معايا نجيب تشكوليت... ولكن قطعتها تقى تصرخ بها
_انتي مين انتي علشان تجيبي لابني حاجة، نطقتها ثم رفعت عيناها الى طارق
_متخلنيش اندم اني جبت لك الولد
اقترب يجز على اسنانه يقول بهسيس اعمى:
_متخلنيش اندم اني توبت، علشان لو طلعت طارق القديم هخليكي تزحفي على بطنك من هدوم، ودلوقتي خدي الولد وارجعي مكان ماجيتي، وسيبي عنوانك مع البواب، وانا يبقى اعدي عليكي
رفع اصبعه واشار بتهديد:
_اقسم بالله لو كانت لعبة من العابك الحقيرة لاكلك التراب.. ياله غوري من وشي
تحركت بعدما رمقت هند باشمئزاز ثم اتجهت الى سيارة الاجرة وصعدت بها
بينما هو يتابع مغادرتها بعروقًا منتفضة، كادت ان تخرج من وجهه، دنت منه هند وامسكت ذراعيه بلطف قائلة:
_ممكن تهدى، لازم تقعد وتفكر مع نفسك كويس، قبل ماتاخد اي قرار فيه ولد في النص
التفت ينظر اليها بحزن:
_هند أنا مكنتش اعرف، هي ليلة واحدة.. اقسم بالله ليلة واحدة، وبعدها ماقدرتش اتحمل لان غادة كانت... صمت ولم يتمم حديثه بعدما رأى دموعها تلمع بعيناها
تحركت متجهة الى سيارتها
_هروح انا والدادة بتاعة "علي" انت ارتاح وخلص شغلك
خطى يطبق على ذراعها برفق وقال
_هند استني
نظرت الى كفيه، ثم اليه وقالت
_طارق لو سمحت مش عايزة اتكلم دلوقتي.
بفيلا السيوفي
وصلت دينا إلى الفيلا، فتحت باب السيارة لتهمّ بالنزول، إلا أن صوت حمزة أوقفها:
_ماما، لازم أشوف شمس… حاولي تتحججي بحاجة وابعتيها برّه بس دقيقة واحدة.
استدارت إليه سريعًا، نظرتها تحمل توبيخًا قاسيًا:
_حمزة، عيب كده… افرض باباها شافك، هيقول إيه؟! يا ابني امسك نفسك شوية.
لكن صمتت حين وجدته قد خرج من السيارة دون أن يلتفت
وقع نظره على تلك الفتاة الخارجة من بوابة الفيلا مع إحدى صديقاتها، تلف وشاحًا رقيقًا حول كتفيها.
توقف الزمن لحظة...
طاف بعينيه على ملامحها التي اشتاق إليها حدّ الجنون، ملامح حفظها قلبه عن ظهر حب، يومان فقط غابت عنهما، لكنهما كانا كعمرٍ كامل، يقتلهما الشوق حتى خيّل له أن أنفاسه تحترق.
اقتربت دينا بخطوات مسرعة، وقبضت على كفيه برفق أمٍ تخشى الخوف على ابنها:
_يا بني، المكان دا للبنات… عيب كده، مش عايزين حد ياخد فكرة وحشة عنّا.
لكنه لم يسمع، كان مأخوذًا بها…
يراها كنسمة ربيع أقبلت بعد شتاء عمره، شعرها يتطاير حول وجهها المستدير، وابتسامة صغيرة تُضيء ملامحها، وحركاتها البريئة تُفتت صلابته.
ارتفع نبضه، حتى كاد صدره ينفجر من شدته، ثم تمتم بنبرة موجوعة تخنقها الرغبة:
_بحبها يا ماما… بحبها أوي، شوفي الطفلة دي عملت إيه في ابنِك.
رفع نظره إليها برجاء طفلٍ ضائع:
_ماما لو سمحتي… عايز أكلمها كلمتين بس وامشي… رجاء.
هزّت رأسها بالرفض، عيناها تلمعان بحزنٍ أموميٍّ ، ثم استدارت نحو الفيلا لتخفي اضطرابها.
دخلت حيث استقبلتها شمس بابتسامة دافئة:
_اتفضلي حضرتك، الكل جوا.
توقفت دينا عند الباب، وضغطت على حقيبتها متظاهرة بالبحث فيها:
_يووه… نسيت فوني في العربية، ولسه هرجع بالكعب العالي دا.
بادرتها شمس بلطافتها المعهودة:
_هاتي المفتاح، أشوفه أنا… وحضرتك ادخلي ارتاحي.
وهنا…أشارت دينا بخفة نحو السيارة، لتتحرك شمس بخطواتها الهادئة وهي لا تعلم أن القدر ينتظرها هناك، على بُعد خطوات… بين أنفاسٍ محبوسة، وعيونٍ تترقب اللقاء الأول بعد الغياب.
لتقول دينا على اثر حركاتها
_لا، حمزة وصلني… مش عارفة مشي ولا لسه… الحقيه يا شموسة، معلش، قوليلي تليفون ماما في العربية… دور عليه، ومتزعلش.
أومأت شمس برقة، وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها:
_تمام يا طنط، ولا يهمك.
سارت بخطواتها الواثقة نحو السيارة، كان حمزة قد استدار يهمّ بالمغادرة بعدما فقد أمله، لكنه توقف حين لمح إشارتها من بعيد، وابتسم ابتسامة تراقص على اثرها القلب وهو يهمس لنفسه:
_كنت عارف يا ماما… مش هتهوني عليكي.
اقتربت منه بخطوات حذرة، وقالت بصوت متزن ونبرتها مهذبة:
_أهلاً كابتن حمزة… طنط بتقولك فونها في العربية، تشوفه كده؟
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق