رواية هيبه الفصل التاسع والاربعون والخمسون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول
رواية هيبه الفصل التاسع والاربعون والخمسون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول
( 49 )
_ لأجلك _ :
صادف مروره بالجوار في الوقت المناسب تمامًا، لتستدعيه السيدة "رؤيا" مستغيثة به، هرع "كرم" نحوها وحلّت عليه الصدمة لمرآى تلك الفوضى ..
وخاصةً عندما وقعت عيناه على زوجة "زين" المسجاة أمامه فاقدة وعيها، ناشدته "رؤيا" برعبٍ حقيقي بينما نباح الكلبة يصدح حولهم:
-أعمل معروف يا كرم. شيلها على إيدك وطلّعها أوضة زين
بسرعة يابني على ما أطلب لها دكتور.
تساءل "كرم" بينما ينحني مسرعًا ليحمل "ريهام" على ذراعيه بسهولةٍ:
-إيه إللي جرى يا مرت خالي؟ وصلتوا لكده كيف؟
في المقابل تساعد الخادمة "شهد" لتنهض، وتتبع "رؤيا" خطاه نحو الدرج قائلة باضطرابٍ شديد:
-الشيطان يابني. الله يلعنه الشيطان
معلش إن شاء الله ربنا يجيب العواقب سليمة والبت دي مايجرالهاش حاجة. أحسن لو حصل زين مش هايسكت وهايبهدل الدنيا.
كرم بتهكمٍ: يعني هايعمل إيه؟ ماتجلجيش يا مرت خالي. سمعت إن البت دي عندها لطف في نفوخها. لو فتحت بوجّها زين ماهايصدجهاش. أطمني خالص.
أقتنعت "رؤيا" بكلامه وجاشت الطمأنينة بصدرها، إذ أنه محق، إنها مختلّة عقليًا، من ذا الذي يصدقها إن وجهت لهم إتهامًا؟
يصل بها "كرم" إلى جناح زوجها وقد سبقته "ميمي" إلى مخدعها، يضعها بالسرير العريض برفقٍ دون أن يزيح نظراته النهِمة عنها، تقف "رؤيا" بالخارج تهاتف الطبيب ..
أما هو، فكان يحدق بها بجرأة، يتفرّس بملامحها الجميلة وتفاصيل جسدها صارخ الأنوثة ..
لا يصدق بأن كل هذا الحُسن والجمال تملكه فتاة ذات عقلٍ معطوبٍ مثلها!
يتحسّر بداخله، ويحقد ويحسد ابن خاله على حظّه، فهو إن لم يكن بحاجة لعقلها وهو حتمًا كذلك، لكنه قد فاز بامرأة فاتنة تخلب لُب أعتى الرجال قيمة ومقامًا ..
تنهد "كرم" بحرارةٍ هامسًا في نفسه وهو يمسح جسدها بنظراتٍ شمولية متفحصة: "صحيح مين يهمه العجل (العقل). أهم حاجة المرى.. يا بختك يا زين.. اتجوزت ملكة جمااال. مش شبه الغفر إللي أهلنا دبّسونا فيهم.. يابن المحظوظة يا زين!!"
جاءت "رؤيا" في هذه اللحظة مقاطعة أفكاره:
-الدكتور جاي دلوقتي.. ربنا يسوقه قبل ما حد منهم يجي.
إلتفت "كرم" إليها منتزعًا نظراته بصعوبة عن "ريهام" وقال بصوتٍ عميق:
-أطمني يا مرت خالي.. حتى لو جم
هاخرج الضاكتور من هنا بنفسي. ومحدش هايدرى.
_______________________________________________________
يصل "دياب نصر الدين" إلى قصر عائلته قبل البقيّة ..
يجد عمّه في انتظاره بوسط الباحة، يهبط أولًا ويفتح باب السيارة لابنته.. ابنته البيولوجية وليس فقط بالتبنّي كما يدرك البعض ..
تترجل "ليلى" بترددٍ ولكنها لا تجسر على التراجع، تجد نفسها مجبرة، من الآن.. فصاعدًا!
رأت جدها أمامها مباشرةً، يرمقها بنظراتٍ تبث حرقته عليها وشوقه إليها، خيّل لها أنه يود لو يطوي الأرض بخطوتين ليصل عندها ويقبض عليها ..
لكنه تريّث، بينما يمسك "دياب" بيدها ويسحبها بلطفٍ صوب "رياض" ...
-أهي يا عمي.. زي ما وعدتك
محدش جاب لك ليلى غيري.
أغرورقت عينا "رياض" بالدموع، وسرعان ما فاضت على خدّيه وهو يقول من بين أنفاسه مادًا يديه نحوها ليجتذبها إلى أحضانه:
-نوّرتي داري.. يا دوا عين جدّك.. نوّرتي جلب جدّك يا ليلى.
وضمّها بقوة مجهشًا في بكاءٍ مكتوم، يستنشق رائحتها ملء رئتيه، كأنه يشم ريح أمها فيها هي ..
كم يشتاق لها ..
لـ"دهب".. ابنته.. روحه التي غادرته قبل سنوات وعادت الآن بعودة "ليلى" ..
راقبهما "دياب" مبتسمًا، واستطاع أن يرصد حركة جسد ابنته المتوترة، فتدخل بلباقته المعهودة:
-عمي. إيه رأيك ندخل جوا؟
الدنيا برد هنا. وليلى محتاجة ترتاح.
وافقه "رياض" في الحال متراجعًا عن حفيدته، كفكف دموعه بيده مرددًا:
-أيوة.. عندك حج يا دياب.. تعالي يا جلبي.. تعالي جوا من البرد.
وأمسكها بيدها متوجهًا بها للداخل، من ورائهما يسير "دياب" منفرج الأسارير، قلبه يدق بسعادة ..
هكذا بين عشيّة وضحاها يهديه القدر ذريّة!
بعد أن قنط تمامًا وآمن باستحالة حدوث ذلك، لكنه حدث، و"ليلى" هي ابنته، من دمه، من صلبه، وهو سيعوّضها سنوات بُعده وجهله بها، سيعطيها كل شيء يملكه، وليس أسمه فقط ..
لأنها ابنته.. وريثته ...
-طاهر ماجاش وياك ليه يا دياب؟
رد "دياب" على سؤال عمه بينما يستدعي "رياض" إحدى المستخدمات:
-طاهر في الشركة يا عمي مع سليمان. حاضرين اجتماع إداري مهم وجايين على العشا إن شاء الله.
حضرت "عطيات" فأمرها "رياض" بحزمٍ:
-جهزي بنفسك أكبر وأحسن جناح لحفيدتي ليلى. ماتدخلش الأوضة إللي نزلت فيها جبل سابج. مفهوم؟
أومأت له طائعة:
-مفهوم يا رياض بيه.
-وتحضري لها سفرة وكل عمرانة. هي لاول تاكل جبل أهل البيت.
-حاضر يا بيه أوامرك.
وانصرفت لتنفذ أوامره ..
-تعالي يا بتّي.
قاد "رياض" حفيدته نحو الصالون الصغير، جلس ثلاثتهم هناك، بجوار جدها جلست "ليلى" فوق أريكة صغيرة محدقة بالأرض، قبالتهما جلس "دياب" في كرسي وثير لا يزيح عينيه عن ابنته للحظة ..
يحملق فيها كما لو أنها معجزة، وهي كذلك بالفعل من وجهة نظره، شيء وجد بحياته دون أن يقدّر له أن تكون!!
مد "رياض" يده نحوها ممسكًا بذقنها، ونجح في دفعها للنظر إليه، لكنها لم تكن تشعر بشيء، نظرتها فارغة، بينما نظرته تقول كل شيء ...
-أنا عارف فكرك رايح لفين! .. تمتم "رياض" بصوتٍ هادئ، وتابع:
-وفاهم إنك كارها الكل. بمن فيهم أنا.. جدك
بس عايز أقولك حاجة.. يمكن بقولها متأخر.. بس دي أكتر حاجة حاسسها في حياتي كلها
كل الناس دلوق عندي في كفّة. وانتي لحالك في كفّة يا ليلى
ولو هاختار.. يبقى انتي.. صدقيني من اللحظة دي انتي بقيتي في حمى جدك
لا قريب ولا غريب يقدر يمسّك طول ما أنا عايش.
بداخلها ردود كثيرة ودّت لو تلقيها بوجهه، ولكنها عجزت لوهلةٍ، ثم انبعث صوت "دياب" مؤيدًا إيّاه بثقة:
-مش لوحدك يا عمي.. ليلى بقت مسؤوليتي أنا شخصيًا
مش هاترعاها لوحدك. دي بقت بنتي!
ابتسم له "رياض" بتقديرٍ وامتنانٍ، واستطرد مخاطبًا حفيدته:
-إللي قاعد قصادك ده يبقى دياب نصر الدين. ابن أخوي عبد الله
ويبقى أخو أمك في الرضاعة. يعني في مقام أبوكي صح. مش بيقولوا الخال والد؟
وضحك بخفة مكملًا:
-دياب هأييدك على أسمه. وهاتبقى بتّه.. كل حاجة هاترجع لأصلها يا جلب جدك!
عادت "عطيات" بعد نصف ساعة تقريبًا واصطحبت "ليلى" للأعلى ..
بينما توجها كلٌ من "دياب" و"رياض" صوب حجرة المكتب ليبحثا معًا بعض الأمور الهامّة ..
في تلك الأثناء، تمكن "كرم" من التسلل خلسة وإخراج الطبيب من المنزل، ثم المغادرة تمامًا كأن شيئًا لم يكن ...
_________________________________________________
-حقك عليا يابن خالتي.. سامحني يا نديم!
كرر "عمر" اعتذراه عشرات المرات على مسامع "نديم" بلا كللٍ، إلا إن الأخير لم يكن ينصت، لم يكن حاضر الذهن ..
عقله ضبابي ..
إلا من صورتها وهي تنسحب من حياته بمنتهى السهولة، تختار هجره، تعاقبه، بل تقتله!
إنها حتمًا تريد ذلك، وتفعله عمدًا، وهو لا يصدق ..
"ليلى" ..
الفتاة التي ربّاها، رعاها حتى وقع بغرامها وانتهى.. هل أخطأ في شيء؟
أم أنها لم تبادله مشاعره قطّ؟.. لكنها رضخت.. أذعنت لكل متطلباته طواعيةً ..
ماذا دهاها؟
كيف تتركه بحق الله؟ ألهذا الحدّ يصل بها العناد؟ لتدمر بيديها حياتهما معًا؟
لم يكن عليه الثقة بها حاليًا، لم يكن عليه المراهنة على حبّهما، فقد هان عليها في سبيل إذلاله وردّ الصاع له ..
لقد أنهتهما بقرارها.. خرّبت كل شيء ...
-نديــم!
أفاق أخيرًا على صوت عمّه ..
تطلّع إليه "نديم" عابسًا، ليمد "مهران" جزعه عبر المسافة الفاصلة بين مقعديّ الصالة ويحدّثه بجدية:
-أسمعني يا نديم.. أنا عارف إنك مش فايق
عارف إنك مصدوم. بس خايف عليك بعد ما تفوق من الصدمة دي
إيّاك.. إيّاك تعمل أي حاجة تندم عليها. لازم تشركني في كل خطواتك من هنا ورايح.. انت سامعني؟
نظر له "نديم" مطوّلًا، نظرة أخافت "مهران" حتى النخاع، ثم تكلّم أخيرًا بهدوءٍ مرعب:
-رياض نصر الدين. هايندم.. على اليوم إللي فكر فيه يظهر لحفيدته.. وهاتشوف يا عمّي.
قطب "مهران" حاجبيه بشدة، نظر إلى "عمر" يلتمس عونه، ليتدخل "عمر" بحزمٍ:
-انت ناوي تقضي على نفسك يعني؟ نديم القصة دي أخرتها خراب لو ماهدتش ورجعت عن أفكارك
خلاص إللي حصل حصل. وليلى هي إللي اختارت.. زي ما سابتك سيبها!!
-أسيبها! .. علّق "نديم" مبتسمًا
بدا مريبًا للغاية ..
ولم يضف كلمة أخرى، قام عن مقعده وسار مغادرًا الشقة في هدوءٍ!
بدون أن يطالبه "مهران".. وثب "عمر" لاحقًا بابن خالته ...
_________________________________________
في هدأة الليل ..
يعود "زين نصر الدين" أخيرًا إلى المنزل، لقد كان نهارًا حافلًا، وسلوته الوحيدة الآن هي مرافقتها ..
بمجرد مرورها على خاطره قبيل عودته، جعلته يسرع فقط ليلحق بها قبل أن تغفو، لكنه فتح باب الجناح الآن ولم يجدها!
كان الإرهاق يُقل كتفيه، لكنه جمد عند عتبة الباب متناسيًا كل شيء فقط لأنه لاحظ غيابها.. الغرفة ساكنة على غير عادتها مؤخرًا ..
الفراش مرتّب، ولا أثر لها في أيّ مكان!!
عقد "زين" حاجبيه باستغرابٍ، يتلفّت حوله بحثًا عنها لعلها غفت في أيّ ركنٍ بالجوار، لم يكد يخو خطوة حتى دوى نباح خافت متوتر من "ميمي" ..
إلتفت "زين" ليرى الكلبة الصغيرة وهي تقف متحفزة أمام السرير، تحدق أسفله بقلقٍ، ذيلها منخفض وصوتها يشي بالإنذار ..
اقترب "زين" منها قائلًا بنبرة متعجبة:
-إيه يا ميمي مالك؟ وفين ريهام؟
رفعت الكلبة رأسها إليه، ثم خفضتها لأسفل السرير، قبل أن تنحني بمحاولاتٍ واضحة لجذب انتباهه، كأنها تريه الطريق ..
أدرك "زين" رسالتها لكنه لم يتخيّل ما سيراه ..
انحنى ببطءٍ وهو يزيح شرشف السرير، فأصابته الدهشة حين لمح "ريهام" متكوّرة على نفسها هناك بالأسفل، عيناها متسعتان، ورجفة قوية تمر عبر جسدها بلا إنقطاعٍ ...
-ريري! .. صاح "زين" مشدوهًا، وتابع وهو يمد يده إليها بلطفٍ:
-إيه ده يا ريري.. بتعملي إيه هنا. تعالي يا حبيبتي.
ترددت "ريهام" لثوانٍ، ثم اندفعت نحوه بمجرد تأكدها من أنه هو.. هو "زين" الذي جاء إليها أخيرًا ..
وكأن وجوده يثبت لها أن العالم صار آمنًا، وما إن تلقّاها حتى ارتمت بين أحضانه منفجرة بالبكاء، شهقاتها ترتجف على صدره ...
-إيه إللي حصل؟ .. سألها بقلقٍ كبير:
-وليه مستخبية تحت السرير؟ ردّي عليا يا ريهام!!
رفعت وجهها بصعوبة، صوتها يتهدّج وهي تحاول إخباره:
-ضـ.. ضربتني ..
تجمّد للحظة، ضمّ حاجبيه بشدة وهو يستوضحها:
-مين إللي ضربك؟
تحاول أن تتكلم، تتلعثم، والدموع تخنق صوتها، يمسح على رأسها بحنانٍ وهو يقول بنبرة ثابتة يُطمئنها:
-بالراحة.. قوليلي. مين؟
قبضت أصابعها في قميصه وكأنها تتشبّث به مخافة المتربّصين بها، ثم مضت تهمس بصوتٍ يرتعش خوفًا:
-شهد.. أسمها شهد ..
جمدته كلماتها من جديد، لكنه حاول أن يبقى هادئًا ليستمع إليها، بينما بدأت تحكي له بصوتٍ متقطّع ..
كيف نشب الشجار بينهما، كيف شدّتها من شعرها ومزّقته، وكيف صرخت في وجهها، وكيف دفعتها بقسوة حتى ارتطمت بالأرض ..
ومع كل كلمة كانت أنامله تتصلّب على كتفيها، والغضب ينساب في عروقه ببطءٍ قاتل.. حتى فرغت ..
لم يكن في وجهه سوى غضبٍ أسود ..
حملها بين ذراعيه حين لاحظ هشاشة أعصابها، وضعها في سريره برفقٍ وجلس بجوارها لدقائق يُهدئ من روعها، رغم تفاقم الحنق بداخله كلّما رآى عليها علامات الشجار التي سردت عليه تفاصيله ..
كدمة أسفل فكّها، تجلّط طفيف أعلى زاوية فمها، وتوّرم ملحوظ بوسط فروة رأسها ..
سحب نفسًا عميقًا وخاطبها برقة وهو يمسح على شعرها:
-ريري.. أنا هاسيبك شوية
هاروح أعمل حاجة وراجع لك علطول.
ذعرت وهي تتمسك به متوسلة:
-لأ. لأ عشان خاطري مش تسيب ريري لوحدها.. هاتيجي تاني وتضربني!!
ضغط على فكه بقوة ومن داخله يتوّعد من تسبّب لها في كل هذا ..
قاوم الغضب مجددًا وهو يقول بصرامة محيطًا وجهها براحتيّ يده:
-ماتخافيش.. محدش يقدر يجي جنبك طول ما أنا موجود
وحتى وأنا مش موجود. أنا بوعدك. إللي حصل ده مش هايتكرر تاني أبدًا
وهاحاسب إللي عمل فيكي كده.. عشانك مش هاعديها على خير.. وهاتشوفي.. إهدي.. وأسمعي كلامي. أنا مش هاخرج وراجع لك.. مش هاتأخر عليكي.
وتمكن من انتزاع قبضتها عن قميصه بصعوبةٍ ..
تقدّم بخطوات ثابتة نحو باب الجناح، جذب المقبض بعزمٍ، توجّه رأسًا صوب غرفة "شهد".. بينما الليل خلفه بدأ أضيق من أن يحتوي غضبه!.............................................................................................................................................................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
( 50 )
_ الأولى _ :
جلست تحصي دقات قلبها منذ سماعها هدير محرك سيارته، عرفت فورًا بأنه قد عاد للمنزل، وتأكدت بمجرد أن ألقت نظرة من وراء ستار شرفتها ورأته ..
تحركت في غرفتها بعشوائية، عقلها وكأنه شلّ عن التفكير لدقائق، حتى أستقرّت بالنهاية على الجلوس في أريكتها الصغيرة، والتظاهر بالقرأة، لأنها واثقة من إنه سوف يقتحم غرفتها بأيّ لحظة ..
وبالفعل ..
إن هي إلا دقائق أخرى حتى ارتعدت فرائصها فور سماعها قرعًا عنيفًا على باب الغرفة ..
قسرت نفسها على الهدوء وهي تهتف من مكانها:
-أدخــل!
لم تمر ثانية، إلا ودفع الباب، ليظهر "زين" من خلفه ببنيته الضخمة، مخيفًا كالوحش الكاسر ..
تمالكت أعصابها وهي تبتسم له بوداعةٍ قائلة:
-أهلًا زين.. إيه المفاجأة الحلوة دي؟
أول مرة تزورني في أوضتي. خير في حاجة ولا إيه؟!
أستاطعت أن تشعر بذبذبات غضبه عن بُعدٍ، بينما يلج تاركًا الباب مفتوحًا خلفه وهو يقول بصوتٍ أجش:
-وانتي بتضربي مراتي يا شهد توقعتي لما أعرف هايكون ردّ فعلي شكله إيه؟
آلمتها الكلمة.. وصفه لمكانة تلك الفتاة بحياته.. إقراره بأنها زوجته!
ابتلعت غصّتها وردّت عليه باستنكارٍ واجمٍ:
-ضربت مين؟ مراتك؟
سلامة الشوف يا زين. ما أنا قاعدة قصادك أهو وماتحركتش من مكاني من الصبـ ...
-ماتكدبيــــش!! .. صاح فيها بضراوةٍ
انتفضت شاخصة عينيها برعبٍ، ليكمل بغضبٍ واضح:
-ريـهام مش كدابة. انتي الكدابة
وقسمًا عظمًا يا شهد لادفّعك تمن إللي عملتيه فيها. إللي حصل ده مش هايعدي على خير!!
أغلقت الكتاب بعصبيةٍ، ثم وثبت قائمة وهي تقول باستهجانٍ:
-لا والله!
هاتعملّي إيه يعني يا زين؟ هاتمدني على رجلي ولا هاتحرمني من المصروف؟
طيب ضربتها. وريني كده أخرك!!!
ورمقته بتحدٍ سافرٍ ..
سرت دماؤه بغليانٍ في شرايينه وهو ينظر إليها بغضبٍ شديد، ولم يشعر بنفسه إلا هو مندفعًا نحوها، قبض على رسغها وجذبها بعنفٍ للأمام كما يفعل بالمجرمين ..
صرخت "شهد" باحتجاجٍ:
-انت بتعمل إيـه؟ شيل إيدك عني يا زيـن
انت واخدني على فيـن؟ اوووعـــى بقـولك ...
لكنه لم ينصت لها، وكأنها لا تتكلم، جرّها جرًّا حتى منتصف الرواق، دفعها نحو كرسي جانبي، فتأوهت بألمٍ، بينما صدح صوته الجهوري مناديًا:
-عـمــــــــــــــي سليمـــــــــــــتــــان... يـا جـــــــــــــــــــــــــــدي ...
واستمر في صياحه المصمّ للحظاتٍ، ليحضرا والديه أولًا فزعين على إثر صوته والطريقة التي ينادي بها، وفورًا تساءلا:
-في إيه يا زين؟؟
-مالك يابني حصل إيه؟؟
لكنه لم يرد على كلاهما ..
ثوانٍ وبدأت أبواب الغرف تنفتح، وخرج "سليمان نصر الدين".. يتبعه "رياض نصر الدين" الذي هرول نحو حفيده مرتابًا بشدّة:
-خير يا زين حصل إيه يا ولدي.. بتزعق كده ليه؟؟؟
انتبه "سليمان" لابنته ولاحظ حالتها المضطربة، فسأله بصوتٍ حاد:
-هاتهمّلنا نسأل في إيه كاتير؟ إيه الغاغة إللي عاملها دي؟ ما ترد!!
قست ملامح "زين" إلى أقصى حدٍ وهو يقول مخاطبًا جدّه أولًا:
-أسمعني كويس يا جدي.. أنا طول عمري ماشي في طوعك وماخرجتش عنه
كل كلمة بتقولها لي بنفذها منغير ما أناقشك حتى. ومكبرك من صغري لحد ما أنا نفسي كبرت عمري ما حسيت إني كبرت عليك. لكن بعد ده كله أحس إني مش متقدّر من عيلتي. في عز ما إللي برا كلهم عارفين ومقدرين كويس مين هو زين نصر الدين.. كده أفهم إن ماعادش ليا لازمة هنا وأكرم لي أخرج من دايرتك يا جدي.
شحب "رياض" لتهديد حفيده ولهجته العاصية لأول مرة، أدرك بأن المشكلة كبيرة حقًا، فرد عليه برفقٍ:
-ما عاش ولا كان إللي مايقدرش زين الرجال.. أنا طول عمري أقول عيلتي مالهاش كبير ولا سند بعد ربنا إلا انت يا ولدي. قولّي حصل إيه ومابقاش جدك رياض نصر الدين إن ما جبت لك حقك.
في هذه اللحظة، نظر "زين" إلى "سليمان" مستطردًا بصلابةٍ:
-عمي سليمان. بنتك غلطت إنهاردة غلط في وشك أول واحد.. للأسف ماعرفتش تربّيها وأنا عاذرك لأنك تقريبًا ربّيتها لوحدك منغير أم.
سليمان بحدة: انت إزاي تتحدت معايا بالاسلوب ده ياض؟ انت نسيت أنا مين؟
زين بلا اكتراث:
-لأ مش ناسي. وعارف أنا بقول إيه كويس.. بنتك مدت إيدها على مراتي
ولما روحت لها أكلمها ردّت عليا وقلّت أدبها. بنتك إللي المفروض خطيبتي وفي مشروع جواز. أتجوزها إزاي دي وهي واحدة مش محترمة ولا عارفة تحترم الراجل إللي معاها؟ دي حتى ماعملتش حساب ليك!!
كان "رياض" ينصت له باهتمامٍ، فما إن فرغ حتى رمق "سليمان" بغضبٍ قائلًا:
-الكلام إللي قاله زين ده مايرضنيش يا سليمان. معقول على أخر الزمن الحريم تقف قصاد الرجالة؟
بتّك صح مش متربية. إزاي ترد عليه؟ وكمان قبلها تضرب مرته؟
نظر "سليمان" نحو ابنته سائلًا باقتضابٍ:
-صح إللي جاله زين يا شهد؟ انتي عملتي اكده؟
إلا إن "زين" قاطع ردّها مخاطبًا إيّاه باستهجانٍ حاد:
-انت بتسألها؟ يعني أنا هاكدب عليك مثلًا؟
تدخل "رياض" بحزمٍ:
-عيب تراجع ورا كلام زين يا سليمان.. فيك إيه راخر؟
انتفخت عروق الأخير لشدة غيظه والضغط عليه من الجميع، وكل هذا بسبب سوء أخلاق ابنته، هي التي زجت به إلى هذا الموقف ...
-جول إللي يرضيك وأنا أعمله يا زين! .. قالها "سليمان" بجفافٍ نزق
حوّل "زين" ناظريه صوب "شهد" قائلًا:
-شهد قدامها اختيار من 3.. يا أجيب مراتي تعمل فيها إللي عملته معاها. يا تروح تتأسف وتعتذر لها لحد ما ترضى.. يا الخطوبة إللي بينا دي تنتهي دلوقتي حالًا وكل واحدة يروح لحاله.
-انت بتحلـم!! .. هتفت "شهد" بانفعالٍ، وأضافت برعونة:
-بتهددني بفسخ الخطوبة وفاكرني ميتة عليك؟ لأ يا سي زين ده انت تغور في ستين داهية انت ومراتك الهبلة ولا تفكر مجرد تفكير إن شهد سليمان تتذلل لجنابك انت وهـ ...
لم تكد تتم عبارتها ..
هجم أبيها عليها من فوره، يسكتها بضربٍ مبرحٍ، صفعاتٍ لا يحصها العدّ بينما يهدر فيها بخشونةٍ:
-أخـرســــي يا جليلة الرباية
صوتك ده مابعلاش. ماسمعش حِسك يا فا جرة. بتعرّيني جصاد أهلي. الكل عرف إني ماعرفتش أربي صح.. لا ده أنا أجتـ لك وأخلص من عارك بيدي!!!
ملأ صراخ "شهد" الأرجاء، بينما حاول كلًا من "طاهر" وزوجته الحؤول بين الأب وابنته، حتى تمكن "طاهر" بشقّ الأنفس من فصله عنها ..
انفجرت "شهد" باكية بين أحضان "رؤيا".. وصاح "سليمان" من بين أنفاسه العنيفة:
-تعتذري لخطيبك دلوق.. وإلا وعزة الله لاجطع خبرك.
-تعتذر لمراتي قبل مني يا عمي! .. قالها "زين" بذات النبرة الباردة
وكأن ما فعله بها "سليمان" لم يرضيه كفاية ..
رمقه "سليمان" بحنقٍ بَيّن، وأدار "طاهر" رأسه ناظرًا لإبنه وهو يقول بزجرٍ:
-خلاص يا زين.. مش وقته
عمك بيراضيك!!
زين بعنادٍ: أنا هاتراضى لما تتراضى مراتي.. مراتي كرامتها من كرامتي
وإللي غلط فيها كأنه غلط فيا. تعتذر لها ويخلص الموضوع.
لم يحاول "سليمان" إثارة النقاش أكثر وصرخ بابنته:
-جـووومي يابت.. خديها يا رؤيا لمرت ولدك عشان تعتذر لها
جـومي جامت جيامتك إن شالله.
تعالت شهقات بكائها، بينما تسحبها "رؤيا" وتنهضها برفقٍ، سار "زين" خلفهما حتى جناحه الخاص، دخل هو أولًا، ليجد "ريهام" كما تركها ..
جالسة فوق السرير، بجوارها "ميمي" تربض شامخة، ما إن رأتا "شهد" حتى تحفزتا ..
ارتعدت "ريهام" بخوفٍ، بينما زمجرت "ميمي" نابحة بتحذيرٍ، أسكتها "زين" بصيحة واحدة، فأذعنت الكلبة طائعة ..
غتجه نحو زوجتها مادًا يده إليها، سحبها صوبه قائلًا بهدوء:
-ريري.. شهد جاية تعتذر لك.
وأشار لأمه حتى تقرّب الأخيرة منها ..
كم كان هذا عصيبًا عليها، ثقيلًا لدرجة دفعتها لتمني الموت على طلب العفو من تلك الفتاة عديمة الفائدة بالنسبة لها، لكنها لم تجد بُدًا ..
بالكاد كانت "رؤيا" تسندها، عندما اقتربت خطوة واحدة وهي تقول بجفاءٍ بينما دموعها تسيل من غير بكاء:
-أنا آسفة عشان ضربتك.. ماكنتش أقصد.. أنا آسفة وده مش هايحصل تاني.
نظرت لها "ريهام" بريبة، وتشبّثت أكثر بـ"زين".. همست له وهي تزيد لصوقًا به دون أن تحيد عن الأخيرة التي لا تنفك ترمقها بنظرات غلٍ وحقد:
-خلّيها تمشي يا زين.. ريري مش عايزاها.
أشار "زين" ثانيةً لأمه لتخرج بها، فعلت "رؤيا" ما طلبه، ليمسك بكتفيّ "ريهام" ويحدّثها بلطفٍ:
-دقيقة وراجع لك يا حبيبتي.
وتركها مجددًا ..
عاد حيث ترك عائلته ...
-مرضي يا زين؟ .. سأله "سليمان" بصوتٍ حاد
أومأ له "زين" قائلًا بفتور:
-خلاص يا عمي الموضوع انتهى.. أنا كل إللي طالبه منكوا كلكوا إنكوا تحترموا مراتي
ريهام بنت سيادة السفير خلاص بقت على ذمتي. وأنا مش ناوي أغير ده أبدًا. ف أي حد عنده مشكلة في الموضوع ده يقول دلوقتي. احنا لسا على البر.
كان "سليمان" لينفجر به في هذه اللحظة لتعمّده إهانته بعد أن حطّ من شأن ابنته أيضًا، لولا تدخل "طاهر" بالثانية المناسبة:
-ربنا مايجبش مشاكل يا ولدي.. احنا كلنا أهل
ومرتك بقت مننا. محدش يقدر يقلل منها ماتقلقش.
وربت على كتف "سليمان" مبتسمًا وهو يضيف:
-ساعة شيطان وراحت.. بإذن الرحمن ماتعاودش تاني. وكلها كام يوم ونفرح بولادنا يا سليمان ياخوي.. أبوي حدد معاد فرح زين على شهد بعد اسبوعين ان شاء الله. الاسبوع الجاي كتب كتابه على ليلى. وبعدين الفرح الكبير لعروستنا شهد.
تدلّى فك "شهد" من هول الصدمة ..
تلك المعلومة جديدة، لم تكن تعرفها، إذن "زين" سيتزوج من "ليلى"؟
ستشاركها فيه امرأة أخرى غير تلك الخرقاء؟
لا يمكن ...
أحسّت "رؤيا" بانهيار الفتاة الوشيك، فأمسكت بها بإحكامٍ واقتادتها نحو غرفتها، بينما يقترب "رياض" من حفيده وهو يقول رابتًا على ذراعه باعتزازٍ:
-اوعك تاني مرة تقول إني مش مقدّرك.. انت مش حفيدي.. انت ولدي يا زين.. الدنيا كوم وانت كوم.
ابتسم له "زين" وانحنى على يده يقبّلها، ثم قال:
-ربنا يخليك لينا يا جدي.
انقضى الخلاف أخيرًا وعاد الكل إلى غرفهم ..
عاد "زين" إليها، أغلق الباب وسار نحوها، حيث كانت تنتظره في السرير، تحتضن "ميمي" بينما ملامحها متهدّلة بحزن ...
-إيه ريري. مبوّزة كده ليه؟ انتي لسا زعلانة ؟
وجلس بجوارها ..
تركت "ميمي" وزحفت لحضنه، ضمّها إليه بينما تقول بصوتٍ مكتوم:
-هي شهد دي تقرب لك إيه يا زين؟ أختك؟
مسح على شعرها بحنوٍ وهو يجاوبها:
-لأ يا روحي. مش أختي.. أبوها وأبويا ولاد عم.. وللأسف مخطوبين.
عبست وهي تبتعد عنه قليلًا لتنظر إليه:
-يعني إيه مخطوبين؟
أدرك "زين" المأزق الذي زج بنفسه إليه، لكنه تحلّى بالشجاعة والثقة وهو يخبرها بهدوء:
-مخطوبين يا حبيبتي يعني بينّا علاقة هاتوصل لجواز.. أنا هاتجوز شهد.
-يعني إيه هاتتجوزها؟ قصدك زي ما اتجوزت أنا وانت؟
-أيوة مظبوط.. عندنا في الشرع التعدد حلال.. يعني الراجل ممكن يتجوز مرتين وتلاتة وحتى أربعة.
-انت هاتتجوز أربع مرات يا زين؟
ضحك منها بخفةٍ وقال:
-لأ طبعًا مش هايحصل.
تجهمت مرددة: بس أنا مش عايزاك تتجوزها!
-ليه يا حبيبتي؟ انتي لسا مضايقة منها؟ انا جبتها لحد عندك وخليتها تتأسف. وهي وعدت إنها مش هاتعمل معاكي كده تاني!
هزت رأسها بعصبيةٍ قائلة:
-لأ أنا مش عايزاك تتجوزها.. يعني هي هاتبقى زيي.. هاتقعد معاك في أوضتك. هاتنام جنبك زي ريري
لأ.. زين مع ريري وبس.. خلّي شهد دي تمشي خالص!!!
انقبض صدره ما إن لمح طبقة من الدموع قد تكوّنت في لحظاتٍ بعينيها، وسرعان ما سالت مدامعها على خدّيها، أجفل وهو يمد يديه محاوطًا وجهها بكفّيه وهو يقول بخفوتٍ:
-بس بس.. ليه الدموع دي كلها؟
أنا هنا معاكي يا حبيبتي. مقدرش أسيبك ولا أبعد عنك. وشهد مش ممكن تاخدني منك. أطمني.
ردت بصوتٍ ملؤها النشيج:
-مش عايزاك تتجوز شهد.. اتجوز ريري بس!
ابتسم لبراءتها وقال برفقٍ:
-ما أنا فعلًا اتجوزت ريري الأول.. يعني ريري هي حبيبتي الأولى والوحيدة
أنا هاتجوز شهد بس عشان جدي طلب مني كده. لكن أنا ماختارتهاش. وبالنسبة لي أنا ماتجوزتش غير ريري.
-خلاص مش تتجوزها خالص بقى.
-ماينفعش أكسر كلمة جدي يا حبيبتي.. قوليلي. لو حد كبير طلب منك حاجة. باباكي مثلًا أو عمر أخوكي.. هاتقولي لأ؟
تفكرت للحظاتٍ، ثم هزت رأسها للجانبين، فتنهد وهو يسحبها لأحضانه من جديد متمتمًا لها:
-أنا كمان مقدرش أقول لجدي لأ.. لأنه كبير العيلة
احنا كلنا اتربّينا على كده. نسمع كلام الكبار. كبارنا وبس.
ريهام بصوتٍ مختنق:
-قالت لي زين بتاعي.. وإن زين مش بيحب ريري.. انت مش بتحبّني؟
كوّر قبضته بغضبٍ، لكنه تمسك برباطة جأشه وقال بلطفٍ مداعبًا شعرها بأنامله:
-أنا مش بس بحبك.. أنا بعشقك.. عارفة يعني إيه؟
يعني مقدرش أعيش منغيرك. وحياتي كلها مابقاش لها طعم ومعنى إلا لما دخلتيها انتي.. اوعي تسمعي كلام أي حد.. زين نصر الدين بيحب ريهام البدري.. زين بيحب ريري.. وعمره ما هايحب غيرها. ولا حتى شهد.
ورفع ذرقنها بسبابته وإبهامه، طبع قبلة طويلة على جبهتها، ثم أمال رأسه ليقبّل خدّها بعمقٍ ..
ولم يشعر بنفسه إلا مقبّلًا فمها أيضًا، قبلة بدأت بخفة، لكن شيئًا ما إنفرط بداخله، شيء لم يستطع السيطرة عليه ..
فما إن شعر بحرارة أنفاسها تلامس شفتيه، حتى مال صوبها أكثر، سرت يده خلف رأسها برفقٍ، فيما احتوت يده الأخرى خصرها النحيل ..
وتعمّقت قبلته دون وعيٍ منه ..
لم يفكر.. لم يتردد.. كل ما رآه أنها هي.. "ريهام".. فقط!
أطبقت شفتاه على شفتيها بشوقٍ مكبوت لم يفهمه، بينما "ريهام" بقيت ساكنة بين ذراعيه بلا حراكٍ، ذاهلة، تحدق فيه من بين جفنين نصف مغمضين، كأن عقلها يعجز عن تفسير ما يحدث ..
حرارى أنفاسه، قربه المفرط، وطريقته التي لم تختبرها من قبل لا منه ولا من غيره ..
كل ذلك جعل جسدها يتصلّب بين عجزٍ وخجلٍ، إلى أن تشبّثت أصابعها بطرف قميصه، كما لو أنها تلتجئ به منه هو نفسه!!
وفجأة ..
كأنه استفاق من غيبوبته ..
ابتعد "زين" عنها بسرعة، لهث مضطربًا، صدره يعلو ويهبط بعنفٍ، يحدق فيها غير مصدقًا ما فعل ...
-ريري! .. ناداها بصوتٍ قلق
كانت تحملق فيه بعنين متسعتين، خدّيها متوّردان، وشفتيها زادتا احمرارًا، ملامحها كلها مذهولة، لا تفهم ما حدث، لكنها تشعر بشيءٍ جديد يهز قلبها هزًّا ..
-انت عملت إيه يا زين؟ .. تساءلت ببراءةٍ مذهولة
تجمّد "زين" في مكانه للحظة، لا يدري ماذا يقول لها، و لا يجد كلمة واحدة يبرر بها فقدانه على السيطرة ..
هو نفسه لم يفهم كيف انجرف بتلك الحدة!!!
-أنا ..
ابتلع ريقه بتوترٍ، خفض بصره لحظة، ثم عاود النظر إليها، يغلبه الخوف عليها، ثم تمتم بخشونة:
-أنا آسف.. أنا هادخل أخد دش وأغيّر هدومي... وراجع لك.. مش هاتأخر عليكي.
وقام بلحظة مجفلًا إيّاها ..
توجه مسرعًا صوب الحمام، أغلق الباب عليه ممسكًا بظهر عنقه، ومارًا بأنامله على شفتيه، مصدومًا من فعلته ..
ماذا فعل؟
هذا السؤال ضرب رأسه كالسهم ..
لم يكن ينوي.. لم يكن يخطط ..
كانت مجرد لحظة ضعف، لكنه يدرك جيدًا أن لحظات الضعف هذه هي التي تغيّر مجرى الأمور ..
رفع يده إلى جبينه بضيقٍ وهمس بينه وبين نفسه:
-ماينفعش.. مستحيل.. مستحيل يحصل!.....
يتبع ...
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق