رواية وصية حب الفصل الأول والثاني والثالث بقلم نسرين بلعجيلي حصريه
رواية وصية حب الفصل الأول والثاني والثالث بقلم نسرين بلعجيلي حصريه
مقدمة
في الحياة… أحيانًا ربنا بيبعَت لنا ناس مش علشان يغيّرونا،
لكن علشان “يعلّموا فينا” علامة…
ويسيبوا في القلب صوت…
أو ذكرى…
أو وجع حلو…
زي النور لما يمرّ من شق صغير في حيطة قديمة.
“ياسر” و “سارة”…
حبّهم كان شبه بيت دافيّ فوق الجبل.
حبّ هادي، ثابت، نظيف…
مش محتاج كلام كتير علشان يتصدق.
كان بينهم وفاء يخوّف،
وطمأنينة تِدلّ إن في أرواح ربنا بيخلقها لبعضها…
من قبل ما الدنيا تبدأ.
أما “سارة” و “روان”…
فكانت علاقتهم مش مجرد صحوبية عادية،
ولا صدفة عابرة…
كانت أختين من غير دم.
سارة كانت أول حد يشوف وجع روان من غير ما تتكلم،
وروّان كانت الوحيدة اللي بتعرف إمتى تسكت…
وإمتى تحضن السكوت نفسه.
ضحكوا سوا،
تقاسموا تعب الأيام،
وفهموا بعض بنظرة…
لأن في صداقات ربنا بيبعَتها على هيئة “ستر”،
وأمان نفسي…
ومفاتيح لأبواب مكتومة في الروح.
لكن…
الحياة ساعات بتحب تلعب لعبتها.
تلمّ ناس…
وتفرّق ناس…
وتسيب الحكايات معلّقة بخيط رفيع
بين القدَر…
وبين اللي كنا فاكرين إنه ثابت.
“وصيّة حب”
مش قصة جواز…
ولا قصة فراق…
ولا قصة حب من طرف واحد.
دي حكاية تلات قلوب…
كل قلب فيهم بيخبّي سرّ،
وبيحمل وجع،
وبيفتّش عن راحة…
ربما تكون أبعد مما توقّع،
وأقرب مما تظنّ.
حكاية عن الوفاء اللي ما يموتش…
وعن الصداقة اللي تُشبه نعمة…
وعن الحنين اللي يغيّر مصير بيت كامل.
حكاية تقول لك:
إن الرزق مش بس فلوس…
الرزق ساعات بيكون “قلب”…
قلب يدخل حياتك زي الهدايا السماوية،
يكمل نقصك…
يمسح وجعك…
ويفتح لك باب عمرك الجديد.
“وصيّة حب”…
رحلة هادية، مؤلمة، دافئة…
مفيهاش توقعات سهلة،
ومفيهاش إجابات جاهزة،
لكن فيها حقيقة واحدة:
إن بعض الحكايات… ما بتبدأش إلا لما نظنّ إنها انتهت.

**وصية حب**
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
_الفصل الأول_
كانت الساعة خمسة العصر، ريحة أكل في البيت، وصوت فتافيت سارة في المطبخ وهي بتغني بصوت واطي أغنية قديمة.
ياسر دخل من باب الشقة وهو بيقول :
السلام عليكم..
نبرة راجل جاي من الشغل وتعبه ظاهر في خطواته، بس صوته دافي.
سارة :
وعليكم السلام، إيه ده؟ رجعت بدري النهارده؟
ياسر :
قلت أهرب من المكتب قبل ما يدفنوني فيه.
ورمى الشنطة على الكنبة وفك ربطة الكرفته.
سارة :
طب ياريت تهرب كل يوم كده والله.
ضحكوا، وبينهم لغة حب هادية مش بتاعة صراخ وورد كل يوم، بس راحة.. راحة بيوت مرتاحة ببعض.
رن جرس الباب.
سارة بصّت لنفسها في المرايا الصغيرة اللي جنب الباب تعدل طرحتها، وفتحت.
روان كانت ماسكة كيس فيه حاجات وبتضحك :
دخلت سوبر ماركت وماعرفتش أمنع نفسي، جبتلكم شوية حاجات.
سارة فتحت دراعها بحب :
يا بنتي كفاية تعطي كده، تعالي هنا.
دخلت روان كأنها جزء من البيت. شعرها مربوط فوق، لبس كاجوال بسيط، شكل واحدة بتشتغل طول اليوم و تشيل الدنيا على كتفها لوحدها.
ياسر :
أهلا أستاذة روان.
روان :
أهلا أستاذ المدير، ماهو كل ما آجي ألاقيك داخل في نفس اللحظة، شكل القدر له خطة.
ياسر بابتسامة :
ده قدر كريم، مش أكثر.
سارة قطعت حتة جبنة وقدّمت طبقان :
أقعدي يلا، عاملة شاي حالا.
روان قعدت وكأنها في بيتها، بس دايمًا محافظة على مساحة إحترام.
روان :
كنت معدية، قلت أطمن عليكم قبل ما أروح أكتب شوية شغل.
سارة :
لااا أدخلي نامي ساعتين الأول، وشك باين عليه إدعك في الحياة.
روان :
أهو ربنا بعتهولي في شكل صاحبة.
ملك طلعت من أوضتها وهي ماسكة لعبة، رمت نفسها في حضن روان بمنتهى التلقائية.
ملك :
روان، إنتِ جايّة تتعشي معانا؟
روان :
لو باباكِ وافق.
ياسر :
على حسب، إنتِ هتدفعي ولا لأ؟
ضحكوا كلهم. لحظة هادية، دافية، عادية، زي أي بيت فيه حب بسيط وبشر طبيعيين.
ماكانش حدّ يعرف إن الأيام الجاية
هتفتح أبواب ما فكّروش يوم إنها هتتفتح.
بس النهارده؟
كان يوم عادي جدا. القهوة كانت لسه بدوخنها على الترابيزة، وروان قاعدة ماسكة الكوباية بين إيديها كأنها بتدفّي نفسها بيها مش تشرب.
سارة قعدت قصادها وقالت وهي بتريح جسمها على الكنبة :
بقولك إيه؟ هتفضلي كده لحد إمتى؟
روان ضحكت ضحكه هاديه :
كده إزاي؟
سارة :
لوحدِك. لازم تفكري في نفسك شوية. الطلاق مش نهاية العالم يا روان، إنتِ لسه صغيرة والله.
روان بصّت للقهوة، لفت الكوباية بإصبعها :
مش كل حاجة إسمها جواز وخلاص يا سارة.
سارة :
بس الوحدة برضه صعبة.
روان :
أصعب من راجل نص علاقته جد ونصها لعب؟ بصراحة، الرجالة الأيام دي عايزين يضحكوا شوية و يتسلّوا شوية، وأنا مش النسخة دي. أنا لو هدخل حياة حد هكون جدّ، يا إما ما ادخلش أصلاً.
سارة هزّت راسها بتفكير :
يمكن إنتِ خايفة؟
روان بنبرة ثابتة :
خايفة أضيع وقتي، مش قلبي.
دخل ياسر في اللحظة دي، فَك زرار قميصه وهو بيقول بهدوء :
هادخل أريح شوية، لو احتجتوا حاجة نادوني.
روان بصتلّه باحترام :
- نورت القعدة.
إبتسم ابتسامة صغيرة ومشي لجوه.
سارة تابعته بعنيها لحظة، وبعدين رجعت تبص لروان :
على فكرة، إنتِ تستاهلي حد يشيلك من على الأرض شيل، مش تهربي من فكرة الحب كده.
روان رفعت حاجب :
وأنا قلت إني ههرب؟ بس الحب مش كلمة وخلاص، الحب إختيار، مسؤولية وراجل واقف مش نص حد.
نسرين بلعجيلي
سارة ضحكت :
يا بنتي خفّي عليا من الكلام الكبير ده، أنا أصلاً بجري ورا بنتي طول اليوم مش ورا فلسفة.
ضحكوا مع بعض، الضحكة اللي فيها أمان، وماحدش فيهم كان يعرف إن الأيام هتختبر الكلام ده كله قريب.
ياسر خرج من الأوضة بعد شوية، شكله أحسن شوية. مسح وشّه بإيده كده كأنه بيطرد تعب اليوم.
سارة بصّت له بخفة :
- نمت؟
ياسر :
لا، بس ريّحت دماغي دقيقتين. شوفتوا، الستات بتاخد شاي وتفضفض، والرجالة بتنام.
روان ضحكت :
أهو كل واحد وليه وسيلته للعلاج.
ياسر مد إيده وأخذ كوباية ميّة من على الترابيزة. بصّ لمراته نظرة صغيرة جدًا، النظرة اللي فيها ألف كلمة ساكتة.
ياسر :
شكلك تعبتِ النهارده. لو عايزة نطلب أكل بدل ما تعملي عشَا؟
سارة رفعت حاجبها :
يعني شايفني بعمل إيه؟ ماسكة الطبق بقدرتي العقلية ولا؟
ياسر مبتسم :
ما هو أنا بعزّك، ومابحبّش أشوفك بتتعبي.
الجملة كانت بسيطة.. بس سارة عينيها اتليّنت لحظة. الست لما تلاقي حد يشوف تعبها، حتى لو بسيط، قلبها يهدى.
روان حسّت اللحظة، فابتسمت لنفسها شوية. اللي عندكوا ده حياة، مش تمثيل.
روان تقوم :
خلاص أنا أمشي بقى قبل ما أتحوّل لعجلة ثالثة.
سارة مسكت إيدها :
يا شيخة إنتِ عجلة ايه، إنتِ في بيتك.
روان وهي بتلبس الشال :
بس إنتِ عارفة، ليكِ حياتك، وأنا ليّا حياتي. بس دايمًا مبسوطة لما بشوفكم كده.
خرجت، والباب إتقفل وراها بهدوء.
سارة بصّت لياسر :
ربنا يخليك ليا.
ياسر :
ويخليكِ ليّا... ولملك... ولبيتِنا.
هي ضحكت، ودفعت كتفه بخفة :
قوم ساعدني بقى بدل الكلام الرومانسي ده.
ياسر :
حاضر يا ست الرومانسية.
راحوا المطبخ سوا. ضحك بسيط، قعدة بسيطة، بيت بسيط، بس السعادة مبتحتاجش كثير أصلاً.
ليلة هادية. ولا حد حاسس إن الحياة ساعات بتغير طريقها فجأة.
بس لسه بدري.. الرحلة لسه في أول خطوة.
روان رجعت البيت بعد ما سابت سارة وياسر. المفتاح دار في الباب بهدوء، والبيت كان ساكن، بس ريحة الأكل اللي طالعة من المطبخ قالتلها إن ماما لسه صاحية.
منى (من المطبخ) :
إيه يا بنتي، رجعتِ؟ كنتِ فين؟ كل يوم رايحة لصاحبتك دي، مش كفاية؟
روان وهي بتقلع الشال :
كنت عند سارة شوية يا ماما، بنتك.كانت محتاجة تهوّي عن نفسها.
منى طلعت وهي ماسكة فوطة :
أهو كل مرة نفس الكلام. هي متجوزة ومرتاحة في بيتها، وإنتِ إمتى بقى أفرح بيكِي؟ ولا روان خلاص قررت تفضل لوحدها؟
روان إتنهدت، مش أول مرة تسمع الجملة دي، بس كل مرة بتوجعها بنفس القدر.
روان :
ماما، الجواز مش مكافأة، لو هيجي غلط يبقى لأ. أنا مش هدخل تجربة تاني علشان بس الناس تقول "إتجوزت".
منى هزت راسها وهي بتكمل طريقها للمطبخ :
ماشي يا روان، بس برضه مش طبيعي كل حاجة تبقى خوف واحتياط. الدنيا مش دايمة لحد.
روان إبتسمت بهدوء :
عارفة يا ماما، بس أنا عايزة أعيش وأنا متصالحة مع نفسي، مش غصب عنها.
سابت الكلام وراها، ودخلت أوضتها.
الأوضة بسيطة، فيها لمسة من كل حاجة بتحبها : شمعة صغيرة، مصحف، وسجادة صلاة. قعدت على الأرض، سكتت شوية، وبعدين قامت إتوضت.
صوت الميّة وهي بتقع في الحوض كان هادي، زي موسيقى مطمئنة بتفصلها عن دوشة الدنيا كلها.
صلّت ركعتين، وبعدها قعدت على السجادة، حطّت إيدها على صدرها، وغمضت عينيها. إتنفسّت بعمق كأنها بتطلع تعب الأيام برا صدرها. الشمعة كانت بتنور بخفوت، وظلالها بترقص على الحيطة.
روان بهمس :
يا رب.. سهّل ليا طريقي زي ما كتبت ليا قدري. أنا مش عايزة أكثر من راحة البال، و رزق حلال يسدّني عن احتياج الناس. ولو مكتوبلي نصيب، إختارهولي بطمأنينة مش بخوف. واجعل قلبي دايمًا طاهر ما يحبش إلا بالحق.
سكتت شوية، دمعة نزلت، مسحتها بإيدها وهي بتبتسم إبتسامة خفيفة، إبتسامة واحدة بتقول : لسه عندي أمل، حتى لو الدنيا ثقيلة.
رفعت المصحف، فتحته عشوائيا،
وعينيها وقعت على آية :
"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"
ضحكت بصوت واطي جدًا. وقالت : الحمد لله.. وصلت الرسالة.
قفلت المصحف، نفخت في الشمعة، وضوء القمر دخل من الشباك كأنه بيكمّل سكونها.
كانت ليلة بسيطة، بس ربنا كان سامع الدعاء.
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
يتبع ....
**وصيّة حب**
_الفصل الثاني_
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
الصبح دايمًا ليه ريحة خاصة في البيوت الهادية. ريحة قهوة، ريحة فطار بسيط، وشوية دوشة خفيفة من ملك وهي بتدور على الشراب اللي مش لاقياه زي كل يوم.
سارة كانت واقفة قدام المراية في الطرقه، بتربط شعر ملك ديل حصان، والبنت بتتحرك يمين وشمال كأنها عندها ماتش مهم بعد نص ساعة.
ملك :
مامااااا، كله إلا الشعر، هبوظ التسريحة في الباص.
سارة :
يا شيخة حطي عقلك معايا بس. إنتِ عندك 7 سنين ولا سبعه وعشرين؟
ضحكت وهي بتزبّط لها البنسة الأخيرة.
ياسر كان قاعد في الصالة يربط رباط الجزمة وبيسخّن بإيده على الكوباية السخنة.
ياسر :
سيبيلها شعرها سايب وخلاص. هو إحنا قاعدين في مهرجان كان؟
سارة :
دي بنتي، مش بنتك لوحدك. بنتك لازم تطلع ست شياكة.
ياسر :
يعني أنا مش شيك؟
قالها وهو بيعدل لياقة القميص وهو بيضحك.
سارة :
أيوه طبعًا، إنتَ شيك، بس أوقات كده بتحسّسني إنك نازل تجيب عيش مش رايح شغل.
ملك وقفت جنب أبوها، ماسكة الشنطة، والاثنين بصّوا على سارة بنفس النظرة المتآمرة :
"هتفضلي تنظّري كثير ولا نروح؟"
سارة :
ماشي خلاص يلا، قوموا إلحقوا الباص.
فتح ياسر الباب، وملك خرجت تسبقهم على السلم كأنها داخلة سباق فورمولا ون.
ملك :
باباااااا استناااا!
ياسر :
إجري يا بت، ماحدش طايل يجري وراك.
سارة وقفت في الباب تبص عليهم، وبصوت منخفض من غير ما حد يسمع :
ربنا يحفظكم.
نزلوا، وبعد دقايق رجع صوت المفتاح في الباب. ياسر ظهر وهو بيغلق الباب بهدوء.
سارة :
خلّصت المدارس؟
ياسر :
أيوه، ووقّفت الباص وابتسمت للمدرسة كأنها شايلة أمانة غالية. بكرة هاجيبلها شوكولاتة هدية.
سارة :
خير يا عم الحنية! مالك النهارده؟ شايفاك فايق ورايق.
ياسر :
ما هو لو صحيت على وشك كل يوم كده، مش هعرف أزعل أصلاً.
سارة عملت نفسها مش متأثرة،
بس الحقيقة قلبها اتنقَل نقلة صغيرة جواها.
الست بتعيش بالكلمة الحلوة حتى لو عملت نفسها مش فارقة.
سارة :
طب روح على شغلك قبل ما مديرك يفتّح تحقيق.
ياسر :
هو المدير أدامك أهو. مش أنا اللي ممكن اتشرد.
سارة :
يلا يا أستاذ المدير، إمشي قبل ما أقولهم تكلموني لما تطردوه.
ياسر :
حاضر يا ست البيت. إدعيلنا.
سارة :
ربنا يسهّل لك طريقك ويفتح لك أبواب الرزق.
وقف لحظة، بصّ لها نظرة صافية، وافتكر ليه اختار البيت ده والحياة دي.
ياسر :
آمين يا رب، ويخلّيكى لينا.
خرج. الباب اتقفل، وسارة وقفت ثواني تمسح الترابيزة وتجمع الأكواب. هدوء البيت بعد خروجهم كان زي حضن، بس كمان فيه نقطة فراغ صغيرة كده، الست بس هي اللي بتحسها.
روان… صباح جديد..
في الجهة التانية من المدينة، روان كانت واقفة أدام المرايا تربط طرحتها وتظبط بلايزر شغلها.
أمها ندهت من الصالة :
روان، الفطار جاهز، تعالي كلي لقمة قبل ما تنزلي.
روان :
ماشي يا ماما جاية.
قعدت على الترابيزة، بيض مسلوق، جبنة بسيطة، شاي. حياة هادية زيها.
الأم :
هتعدّي على سارة النهارده ولا لأ؟
روان بابتسامة :
لا يا ماما، كل يوم مش معقول. الناس دي عندها بيت وحياة.
الأم :
أيوه يا بنتي. خليكِ عارفة إنك لازم تكون ليكى حياتك إنتِ كمان، مش تفضلي ضيف عند حياة الناس.
روان هزّت رأسها بهدوء. مش زعلانة، بس فاهمة.
روان :
حاضر يا ماما. أنا مش تايهة والله، أنا بس.. باخذ نفسي.
الأم بصتلها بنظرة حنية عميقة :
نفسي أشوفك مستقرة ومبسوطة.
روان :
وهشوفك مبسوطة، بس ادّيها وقت.
خذت شنطتها، قبّلت راس أمها وخرجت.
سارة لوحدها..
رجعت سارة للمطبخ، فتحت الشباك، ودخل هواء بارد منعش. جابت فوط، وبدأت تنظف الرخامة وتغسل كوبايات الشاي. والهدوء حواليها كان مريح، بس عقلها بدأ يسرح شوية.
فتحت الموبايل تبص على الواتساب، رسالة من روان :
"صباح الخير يا ست البيت "
سارة ابتسمت وردّت :
"صباح الورد يا قلبي. ربنا يسهّل يومك."
قربت الكوباية من شفايفها، وغمضت عينيها ثانية، مش مجهدة، بس عاملة حساب الدنيا. كل ست عندها لحظة كده في اليوم تتنفس وتقول : الحمد لله.
نسرين بلعجيلي
ياسر في الطريق...
في العربية، ياسر ماسك الدركسيون ويسمع إذاعة خفيفة، إبتسامة على وشه، ومشاعر هادية جوّاه، مش عارف يوصفها، راحة؟ إمتنان؟ ولا مجرد يوم جميل وخلاص؟
هو نفسه ماكانش واخذ باله إن فيه أيام بتتحفظ في الروح، وتبان بعدين لما الصورة كلها تتغيّر.
بعد ساعة، رنّ موبايل سارة.
سارة :
ألو!
روان :
عاملة إيه؟ نخرج نشرب قهوة العصر؟ عندي استراحة النهارده.
سارة :
ماشي يا بنتي، نطلع ساعة ونرجع قبل العشاء .
روان :
إتفقنا. هعدّي عليكِ بعد الظهر.
قفلت المكالمة وهي مبتسمة. حياة بسيطة، بس فيها ناس بتحبك بصدق، وده رزق كبير.
سارة بعدها دخلت أوضتها ترتّب السرير وتفتح الشباك. الهواء دخل يشيل ريحة المسك الخفيف من الأوضة، والشمس واقفة عند نص الستارة كأنها بتقول لبيتها : صباحكم نور.
شدّت الملاية وبسطتها كويس، وبعدها فتحت الدولاب تطلع لبس خفيف للخروج.
وقفت لحظة قدام الهدوم، مش بتدوّر على فستان ولا شايلة هم شكلها، بس الست بتحب تكون مرتبة حتى لو خارجة ساعة واحدة بس.
إختارت بلوزة بسيطة لونها سكري وبنطلون جينز مريح، ومسكت عبير خفيف ورشّت منه، مش للزين.. لـ“مزاج اليوم”.
بصت في المرايا ثاني، بس مش نظرة تقييم، نظرة رضا صغيرة.
قالت لنفسها :
"الحمد لله، يوم كويس لحد دلوقتي."
عملت كوباية شاي جديدة، وقعدت على الكرسي جنب الشباك تتفرج على الناس في الشارع. كل واحد ماشي في عالمه، وهي في عالمها البسيط، الراضي.
روان في الشغل..
كانت قاعدة أدام الكمبيوتر في مكتبها بتراجع تصميم لعميل. ميزة روان إنها لما تشتغل، الدنيا كلها تختفي. تركيز، دقة، تنسيق. حتى شوية الموسيقى الهادية اللي في ودنها مش باينة.
رئيسها عدّى جنبها وقال :
الشغل حلو يا روان كالعادة.
رفعت عينيها بابتسامة صغيرة :
شكراً، بحاول على أد ما أقدر.
جوبها :
واضح. خلي عندك إجازة بكرة نص يوم، أنتِ تستاهلي.
روان اتفاجئت، مش عشان الإجازة، لكن عشان حد شاف تعبها من غير ما تقول.
شكراً أستاذ علاء، قدّرها جدًا.
رجعت تكمل شغلها. بس البسمة فضلت على وشها شوية زيادة.
فتحت واتساب بسرعة :
"سارة، عندي نص يوم بكرة، نخطط لحاجة؟"
وردت سارة فورًا :
"ننزل البحر؟ ولا نعمل يوم بنات؟"
روان ضحكت وبعثت :
"يوم بنات أكيد البحر ده محتاج راجل يشيل الفوط و المستحضرات."
ضحكوا كإن الدنيا سهلة ومش شايلة أسرار.
رجوع ملك..
وقت العصر، رجع صوت الباب بيتفتح. سارة قامت بسرعة ولقت ملك داخلة شنطتها بتترنّح وراها كأنها راجعة من رحلة مش يوم مدرسة.
سارة :
إيه يا بت، شكلك كنتِ في حرب مش مدرسة؟
ملك :
ماماااا، أنا شاطرة جداً، جبت نجمة في القراءة.
سارة :
بسم الله ماشاء الله! تعالي أحضنك يا فصيحة.
شالتها في حضنها وقبلت خدها بقبلة طيّبة.
ملك بصوت مغرور صغير :
أنا هبقى أكبر واحدة شاطرة في الدنيا.
روايات نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili
سارة :
إن شاء الله يا روح ماما.
ملك :
ماما، نروح عند روان؟ إشتقت لها.
سارة :
لا، إحنا هنشوفها بعد شوية في الكافيه.
ملك :
يييييه! طيب ألبس فستان ولا ألبس تريننج؟
سارة ضحكت :
إلبسي اللي يخليكِ سعيدة.
ملك جريت على أوضتها كأنها داخلة برنامج موضة. والبيت بقى فيه حركة صغنونة، النوع الحلو اللي بيخلي اليوم "حيّ".
لحظة خفيفة مع ياسر..
ياسر بعت رسالة وهو في المكتب :
"إنتِ وملك جاهزين للكافيه؟ ولا لسه في طقوس الاستعداد؟ "
سارة ردّت :
"لسه في توتر إختيار اللبس "
ياسر ضحك وكتب :
"ربنا معايا ومعاكم."
الحياة كانت ماشية بالحب البسيط ده، اللي مش بيعتمد على هدايا ولا كلام كبير، بس على تفاصيل صغيرة تمنّي القلب.
جهزوا للخروج..
روان وصلت تحت البيت وبعتت : "أنا تحت."
سارة نادت ملك :
يلا يا عروسة جاهزين؟
ملك خرجت لابسة فستان صغير وردي وشعرها طاير من الحماس :
جاهزة يا مامااا!
سارة ضحكت :
هو إحنا رايحين حفلة ولا كافيه؟
ملك :
حفلة، أنا وقلبي الحلو.
طلعوا ونزلوا، لقوا روان واقفة بالسيارة، شباكها مفتوح، شعرها هوا خفيف يلعب فيه، إبتسامة هادية على وشها.
روان :
بصوا ملك عاملة إزاي! دي ملكة مش بنت.
ملك :
أنا ستايل يا روان.
ضحكوا كلهم، وركبوا العربية مع بعض.
سارة :
يلا نروح على الكافيه قبل ما ملك تطلب فستان جديد كمان.
ملك :
هو في وقت؟
اليوم كان ما زال بسيط، زي أيام كتير بتمرّ من غير ما حد يلاحظ قيمتها. لكن ربنا كان بيعدّ القلوب بهدوء، من غير ما حد يفهم ليه.
والرحلة…
لسه في أولها.
بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili
**وصيّة حب**
_الفصل الثالث_
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
الكافيه على ناصية شارع قديم، شجر متدلّي فوق الممر، وريحة قهوة عاملة مزاج حلو للناس المارّة.
سارة وروان دخلوا، وملك جريت على ركن الأطفال الصغير اللي فيه ألوان وكتب رسم. جرس الباب رنّ بصوت خفيف، والويتر ابتسم وهو بيشاور على ترابيزة جنب الشباك.
روان :
هنا حلو، النور داخل حنين.
سارة (بتضحك) :
النور داخل عشان نعرف نصوّرك ونبعت للي بيحبوك إني طلعّتِك من الكهف.
روان :
يا ستّي كهف إيه؟ أنا بتغذّى على الضوضاء.
قعدوا، وملك رفعت راسها من ركن الأطفال.
ملك :
ماما أنا عايزة عصير فراولة.
سارة :
حاضر يا قلبي، بس الأول إغسلي إيدِك من الألوان.
الويتر جه، سارة طلبت قهوة سادة وروان لاتيه خفيف، وملك عصير فراولة.
الدنيا كانت سهلة، والوقت بيتمطّط كأنه مش مستعجل.
روان :
أخبارك إيه؟ ريحتي ولا لسه بتجري طول اليوم؟
سارة :
أنا؟ دايرة زي المروحة، بس مبسوطة. ياسر بقى عامل شهم طول اليوم. تفتكري ده طبيعي ولا عشان عيني حلوة؟
روان :
عينيكِ حلوة وهو كويس. الإثنين على بعض.
سارة :
شوفي مين بيتكلم، بصراحة، نفسي أشوفك في موقف زي ده. الحب حلو لما يكون بيطبطب مش بيلغبط.
روان (بهدوء) :
لما يجيله وقته. أنا مش ضد الحب. أنا ضد اللعب و غير كده مابقاش فيه رجاله بجد .
القهوة وصلت، سارة شبكت إيديها حوالين الفنجان كأنها بتدفّيهم. ملك جت تجري تقف عند الترابيزة، وشها مليان نقط ألوان، وكلها فخر بنفسها.
ملك :
شوفي يا روان رسمت قطة، بس عاملة زي أسد شوية.
روان :
قطة أسدية! ده فن حديث يا مدام ملك.
نسرين بلعجيلي
ضحكوا الثلاثة.
ملك رجعت للركن، وسارة خذت نفس طويل.
سارة :
تعرفي؟ ساعات بحس إن الأيام بتعدي أسرع من اللي يلحق يحس بيها. أصحى ألاقي ملك كبرت، وياسر لسه بيضحكني بنفس الطريقة، وأنا نفسّي أفضل كده.
روان :
وافتحي إيدك وخذي اليوم بالراحة، إحنا غالبًا بنخاف من بكرة لدرجة إننا مانشوفش دلوقتي.
سارة ابتسمت، وشربت رشفة قهوة. الحوار سهل، واللحظة خفيفة.
بعد شوية، سارة قامت تقف :
أجيب للبت كيك صغير وخلاص نمشي قبل الزحمة.
روان :
خلي الويتر ييجي، ليه تقومي؟ أنا أطلب.
سارة :
لا لا، أنا هقوم أحرّك نفسي، رجلي نمِلت من القعدة.
وقفت سارة بهدوء، وتحركت خطوتين، وفجأة، لمعت الدنيا شوية في عينيها زي ما تكون لمبة قوية اتفتحت فجأة. حطّت إيدها على طرف الترابيزة، نفسّها اتقطع لحظة صغيرة.
روان (على طول قامت) :
مالك؟
مسكت ذراعها بصوت مش عالي، بس فيه خوف واضح.
سارة (تبتسم وهي بتحاول تخفّف) :
لا لا… مافيش. بس دوخة بسيطة بتحصل. يمكن عشان قمت بسرعة.
روان :
أقعدي، مافيش قيام ولا حركة. أقعدك أنا.
رجّعتها الكرسي، وسندت ظهرها، وطلبت بسرعة ميّة من الويتر.
ملك جت تجري :
ماما؟
سارة (بحنان) :
مافيش حاجة يا روح ماما، وقفي هناك كمّلي الرسمة وهجيلك حالًا.
روان (تبصّ لسارة بعين فاحصة) :
وشّك شاحب. خذي نفس عميق… واحد… إثنين… ثلاثة.
سارة عملت زي ما قالت، وشربت شوية ميّة. الدنيا رجعت تهدى.
بس روان ما هديتش.
روان :
مش هتتمشي ولا هتروحي تطلبي حاجة، أنا هطلب ونمشي على طول.
سارة :
أنا كويسة، بجد. بتحصل لي كده كل فترة لما أعمل مجهود. باخذ فيتامينات وهتلاقيها عدّت.
روان (بصرامة لطيفة) :
لأ، ده غلط. كده ماينفعش. دوخة متكررة نسمع الكلام ونكشف. هنخلص العصير ونقوم على البيت، وياسر يبقى يعرف. وبكرة تحاليل.
سارة :
تحاليل إيه بس؟ أنا تمام.
روان :
وماله إنك تتطمني؟ مش خسارة تتطمني، خسارة تهملي.
سارة سكتت لحظة، وبصّت لملك وهي بترسم. الأم داخلها حسّها أعلى من أي حد. لكن برضه هي مش عايزة تقلق حَد.
سارة (بلين) :
حاضر، هفكر. مش هرفض. بس النهاردة نمشي وخلاص.
روان أشارت للويتر يحاسِب. لمّت شنطة سارة، وراحت تجيب ملك من الركن.
روان :
يلا يا فنانة، نكمل الرسمة في البيت.
ملك :
بس لسه هحط شنب للقطة.
روان :
الشنب هنحطه في البيت، ويبقى شنب رسمي معتمد.
خرجوا. الهوَا برا كان ألطف، وروان ماسكة ذراع سارة من غير ما تبان ماسكاها، كأنهم ماشين كتف في كتف.
سارة (بابتسامة امتنان صغيرة) :
شكرا، أنا كويسة دلوقتي.
روان :
عارفة، بس برضه مش سايباكِ لوحدك.
ركبوا العربية، روان سايقة، وسارة جنبها، وملك من ورا بتغني أغنية الكارتون. الطريق للبيت كان قريب، بس قلب روان كان بعيد، بيفكر ويسأل نفسه: “ليه؟”
ولما يوصلوا موردش غير اللي لازم.
Nisrine Bellaajili
عند البيت...
المفتاح دار في الباب، وياسر كان لسه واصل قبلهم بدقايق. فتح وهو بيقول :
فين البنات؟
شافهم على الباب، وبصتُه أول ما وقعت على سارة، اتغيرت.
ياسر (بقلق صريح) :
في إيه؟ وشّك باين عليه تعبان.
سارة (بتقلّل الموضوع) :
مافيش يا ياسر، دوخة بسيطة كده وأنا واقفة. حرّ كثير والجو مزعج.
روان (هادية بس حاسمة) :
دوخة متكررة. قامت في الكافيه وهي بتتحرك خطوتين، ووشّها شحب. اخدت الميّة وهديت لكن لازم كشف.
ملك دخلت تجري على أوضتها وهي تغني “الشنب! الشنب!”
الدنيا كانت خفيفة إلا نبرة روان وياسر.
ياسر (قريب منها، إيده على كتفها) :
ليه ما قلتليش قبل كده؟ بتحصل كتير؟
سارة :
مش كتير، كل فترة لما بعمل مجهود أو أقف فترة طويلة. باخذ فيتامينات وماعنديش مشكلة.
روان :
يا جماعة، الفيتامينات من غير تشخيص لعب عيال. هنعمل تحاليل : صورة دم، فيريتين، فيتامين د، سكر صايم، ضغط. ولو الدكتور قال حاجة تانية نعملها.
سارة (بتحاول تخفف) :
يا دكتورة روان، ما تبقيش شديدة.
روان (بنص ضحكة) :
– شدتي = أمان. وإنتِ عزيزة عليا، ومش هعدّي حاجة كده.
ياسر (مسانِد) :
أنا مع روان. بكرة الصبح هنروح مع بعض. وأنا فاضي لحد 10 ألحق أطلع معاكم.
سارة بصت لوشّ جوزها، خوفه واضح وصريح وخالي من المسرحيات. النوع اللي يخليكِ تقولي "الحمد لله" حتى وإنتِ محتارة.
سارة (تتنفّس بهدوء) :
ماشي، هنكشف. بس ماتقلقوش، أنا بجد كويسة دلوقتي.
روان :
كويس إنك كويسة، أحسن تقومي ترتاحي شوية، وأنا أعمل شاي بالنعناع. ملك هتفرح بكيكة صغيرة لسه معاها نصها.
ياسر :
شكرا يا روان، ربنا يطمنا.
روان (ببساطة) :
اللهم آمين.
سارة راحت أوضتها، غيرت هدومها، وغسلت وشّها. بصّت في المرايا لحظة : لا رعب، ولا خيال، ولا تمهيد لوجع. بس ست بتحاول تفضل واقفة على رجليها، وكل اللي حواليها بيحبوها.
خرجت تلاقي روان في المطبخ، وياسر بيحاول يفتح برطمان سكر وهو مأنتخ. ملك طلعت من أوضتها ومعاها الورقة : القطة بقت ليها شنب رسمي.
ملك :
ماما شوفي، شنب خطير.
سارة (بتضحك) :
شنب بيخضّ.
ياسر :
خلاص يا شنب، ماما هتشرب شاي وتنام بدري النهارده.
سارة :
ماشي يا سيادة المدير.
قعدوا شوية سوا. الكوبايات اتملِت، والضحك رجع، والدنيا مشيت. روان وهي بتبص لسارة بعين مطمنة :
بكرة 8 ونص تحت البيت. ما تتأخروش.
سارة :
حاضر. بكرة نطمن.
ياسر (بنبرة إمتنان) :
متشكر يا روان. ربنا يديمك.
هزّت راسها بابتسامة :
ده بيتنا كلنا.
الليل نزل على البلكونة، والهواء دخل بارد وناعم. مافيش عنوان كبير للحظة دي، مجرد بيت.. ناس بتحب بعض.. وخطّ صغير من القلق إتكتب بالرصاص، مش بالحبر.
بكرة، هيبان السطر ده هيتشال ولا هيتكتب أوضح. لكن دلوقتي، الهدوء راجع، وملك بتضحك على شنب القطة. والقلوب بتقول دعاء من غير صوت.
بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili
يتبع
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملة من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات
إرسال تعليق