القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية جبر السلسبيل البارت الثالث والرابع بقلم نسمه مالك في موسوعة القصص والروايات جميع الفصول كامله


الفصل الثالث..والرابع 

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


انقضي النهار سريعًا، و أسدل الليل ستائرة السوداء ، كانت "سلسبيل" عادت مجددًا لغرفتها التي تبغضها، و تشعر بالاختناق فور دخولها..


عادت لها بعدما توسلت ل "عبد الجبار" حتي لا تعود لوالدها، و الآن هي في إنتظار قراره الذي تأخر لساعات طويلة و هي حبيسة دون طعام أو شراب ، أنتهزت "بخيتة" انشغال إبنها بالحديث مع الغفر، و دفعتها بعنف و أغلقت عليها الباب بالمفتاح مثل العادة،


تركتها وحيدة تدور حول نفسها كالمهرة الحبيسة، كم تتمني لو تُتيح لها الفرصة و تستطيع الهروب من هذا المنزل بل من البلد بأكملها، حينها لن تعود مطلقًا مهما حدث..


"يارب ساعدني أنا مليش غيرك".. ترددها بقلب ملتاع بلا توقف، كان التعب ظاهر على ملامحها المجهدة،خاصةً معصم يدها التي كانت بين قبضته، بدأ الألم يزداد و يتدافع بها جعل العبرات تغزو عينيها، لكنها كعادتها تكبح دموعها، تعلمت تتأقلم مع ألامها..


و بالرغم كل ما تمر به إلا أن الإبتسامة وجدت طريق نحو شفتيها حين تذكرت أن ذلك العملاق أبي أن يمد يده عليها، بل ادهشها دفاعه عنها عندما أخفها خلف ظهره، وقتها تمنت لو تظل هكذا طيلة عمرها، تحتمي برجل يكن لها بعد الأهل أهل..


أطلقت زفرة نزقة من صدرها، حتمًا سيزول كل هذا الألم يومًا، تثق في قدرة الله، و تنتظر العوض الجميل بعد الصبر الطويل، 

لم تجد أمامها سوي النوم، السبيل الوحيد الذي يفصلها عن واقعها المرير و لو قليل، جذبت إحدي الأغطية و قامت بوضعها على الأرض و ارتمت عليه رغم وجود سرير، إلا أنه يذكرها بما عانته مع زوجها السابق، منذ رحيله و هي لا تقربه،


احتضنت جسدها بيدها بوضع الجنين، و أغلقت عينيها غارقة في نومٍ متعب لا يخلو من كوابيسها المفزعة..


................................. لا إله إلا الله 💐...........


"عبد الجبار"..


بعدما تناول الغداء التي أعدته "سلسبيل" بيدها قبل حضوره، دلف برفقة زوجته داخل غرفتهما التي قامت "سلسبيل" أيضًا بتنظيفها لهما بنفسها بأمر من "بخيتة"..


"البنته وچعت جلبي جوي يا أخوي.. أُقف چنبها يا عبد الچبار دي وليه و أحنا حدانا ولاية"..

أردفت بها" خضرا" بصوتها الحنون، و هي تساعده على أرتداء جلبابه..


مد "عبد الجبار" يده و أخذ عبايته من على كتفها، وضعها حول كتفيه مغمغمًا..

"إني شيعت لأبوها مع الغفير يچيني أهنة هتحدد معاه لول و أنهى موال الچواز، و بعد أكده ياخد بته في يده"..


شهقت "خضرا" و ضربت على صدرها بكف يدها و هي تقول..

"يا مري يا عبد الچبار.. هترچعها لأبوها اللي بيُضربها بالكرباچ؟!" ..


نفخ بضيق، و رمقها بنظرة غاضبة مردفًا..

" خضرا و بعدهلك عاد ..قعدتها أهنة ملهاش عازة.. أني مهتجوزش عليكي.. تبجي ترچع بيت أهلها مع أبوها اللي عمره ما هيضر بته"..


لمح لمعة عينيها تدل على فرحتها التي غمرت قلبها، و إضاءة وجهها ذو الملامح الرقيقة، و اللون الخمري..

"بس أمه بخيتة هتزعل منِك يا أخوي.. هي ريدَك تتچوازها"..


"ملكيش صالح بأم عبد الچبار أني هتحدد معاها هي كَمان"..

غمغم بها و هو يقترب منها و يتوق خصرها بذراعيه، و مال عليها قاصدًا و جنتيها لثمها بقبلة عميقة مكملاً..

"مافيش حُرمة تملي عيني غيرك يا خضرا"..


"إلهي يخليك ليا و لا يحرمنيش منِك واصل "..

همست بها بستحياء و هي تندس بين حنايا صدره غالقة عينيها تنعم بالراحة لبرهةٍ، و لكن قلبها يملؤه الخوف، و القلق من رد فعل حماتها بعد معرفتها بقرار زوجها..


كل هذا الحديث أستمعت له "بخيتة" الواقفة أمام غرفتهم، واضعة أذنها على الباب تستمع بتركيز لكل حرف يُقال..

" سحراله.. ساحرة لوالدي يا خضرا يا بت نفيسة، و إني هچوزه عليكي و أفك سحرك يا وش الشوم"..


"يارب يا ساتر.. يا أهل الله يلي أهنة"..

كان هذا صوت "محمد القناوي" والد "سلسبيل" الذي وصل للتو و دلف لداخل المنزل برفقة إحدي الغفر عبر الباب الذي يكن دومًا مفتوح..


هرولت" بخيتة " بخطوات مسرعة تجاه مصدر الصوت، و قد التمعت برأسها إحدي أفكارها خبيثه، و عزمت على تنفيذها..

" يا مُرحب يا قناوي"..

قالتها "بخيتة" بصوتها الصارم، بعدما دلفت بهيبتها مستندة على عصاها الخشبية، فهي تمتلك قامة طويلة و جسد ممتلئ بعض الشيء، لتستطرد دون أن تمنحه فرصة للرد..

"والدي چابك انهارده علشان تاخد بتك في يدك من أهنة.. خلاص چوازة بتك من أبني الكبير مبقاش ليها عازة عندينا"..


نظر لها بصدمة و هو يقول مستفسرًا..

" ايه اللي حُصل بس يا حاچة.. عملت أيه بنت المركوب زعلك مننا أكده.. قوليلي و أنا اقطعلك من لحمها، و أخليها تحب على يدك و يد عبد الچبار بيه كُمان"..


شعرت" بخيتة " بانتصار و قد نالت مرادها، فازادت من إشعال نيران غضبه تجاه ابنته حين قالت..

" بتك ناقصة رباية، و غلطت في حجي غلط كبير تستاهل عليه قطع رقبتها يا قناوي"..


برزت عروق" قناوي" بخطورة، و قد وصل غضبه لزروته، و تحدث بهدوء ما قبل العاصفة..

" هعيد ربيتها من أول و چديد و أرچعلك بيها تحب على رچلك قبل أيديكي يا ست الناس"..


"لو أكده ممكن أرضى عنِها، و رضا والدي من رضايا.. وقتها أني هقنعه يتتم چوازه من بتك".. أردفت بها و هي تشير له تجاه غرفة أبنته، و تابعت بأمر..

"هم جوام خدها و مشي قبل ما والدي ينزل.. لو اتحدد معاك دلوجيت يبجي مافيش رچعة في حديته.. حجي يرچع لول بعدها تتحدد وياه"..


"اللي تؤمري بيه يا حاچة".. قالها" قناوي" و هو يسير نحو غرفة أبنته و قام بفتح الباب عبر المفتاح الموضوع به، دلف للداخل بخطوات غاضبة، و دون سابق إنذار كان مال على تلك النائمة تصارع إحدي كوابيسها التي لم تخلي من تعذيبه لها، و قبض على عنقها، و بدأ يكيل لها لكمات متتالية دون رحمة..


هكذا أيقظها جاحظة العينين و قد تحقق أبشع كوابيسها برؤيتها له الآن ..

"الرحمة يا أبوي.. هموت في يدك"..همست بها و هي تلتقط أنفاسها بصعوبة بسبب ضغط يده على عنقها..

"اكتمي يا واكلة ناسك"..

نطق بها و هو ينتصب وقفًا ساحبها معه، وسار بها للخارج و هي تبكي بحرقة و تدور بعينيها تبحث عن هذا الظهر الذي أخفاها خلفه من قبل، حتي أستمعت لصوت حمحمته تقترب، كادت أن تصرخ بأسمه إلا أن كف والدها كمم فمها بعنف، و همس بأذنها بتهديد جاد..

"أكتمي لشق جلبك دلوجيت يا هاملة"..

رمقته بنظره تخبره بها أن قلبها مملوء بطعناته القاتلة، توقفت عن مقاومته و قد استسلمت لقدرها، و سارت معه بخطوات مهرولة حافية القدمين و كم تمنت أن تلقي حتفها على يده هذه المرة..


"هو قناوي كان أهنة يا أمه؟"..

قالها "عبد الجبار" بتساؤل.. لتجيبه" بخيتة" بأمأه من رأسها و هي تقول ..

"خد بته و توك ماشي"..


اعتلت الدهشة ملامحه و تحدث بغضب قائلاً..

"وه كيف ياخدها، و يمشي لحاله أكده؟!"..


"بخيتة".. "أباي عليك يا عبد الچبار مش أبوها يا والدي.. هو راچل غريب، و أنت قولت ماريدهاش يبجي تغور من أهنة"..

رسمت الحزن على ملامحها الماكرة مكملة..

"فرقها صعبان عليا ولا أكنها بهيمة من بهايمي بعد كل عمايلها المقندلة معايا"..


ارتفع حاجبين" عبد الجبار" بتعجب مرددًا..

" بهيمة أيه بس يا أمه!!! "..


" بخيته" بعبوس..

" أيوه قولت هتبجي مننا و أني عرفتها و هي كمان عرفت طبعي و عوايد الدوار حدانا بدل ما تتچوز واحده منعرفهاش و تبجي غريبة عليا.. قصروا منعلمش النصيب مخبي أيه يا والدي..و لو على العرايس في ياما تنجي اللي تعچبك"..


"أني مش هتچوز على خضرا يا أمه و ده أخر القول"..قالها"عبد الجبار " بنفاذ صبر جعلها تصطك على أسنانها بغيظ شديد، و كادت أن تُصاب بشلل حين تابع بصوته الصارم..

" و أرملة أخوي ليها حق عندينا في ورث چوزها أني هقدروا و أشيعه لحد عنديها"..


أنهي جملته و سار من أمامها مغادرًا المنزل بأكمله، لا يعلم لما يشعر أنه خذل تلك ال" السلسبيل"، يتسأل بداخله لو كان حديثها صحيح عن عذاب والدها لها فلما سارت معه دون أن تستغيث به؟..


...............................................لا حول ولا قوة الا بالله 💐....


كان الوقت فجرًا، لحظات ظلام الليل الأخيرة، الجميع نيام، و الهدوء سيد الموقف..


أستيقظت "خضرا" على صوت أنين زوجها، مدت يدها لمفتاح الإضاءة الخافتة بجوارها ضغطت عليه، و اعتدلت جالسة تنظر تجاهه مردفة بلهفة..

"عبد الچبار أصحى يا أخوي"..


"لااااااااا بعد عنِها".. صرخ بها فجأة و هو يهب من مرقده مذعورًا..


"بسم الله الحفيظ.. ده باينه كابوس واعر جوي"..

أردفت بها "خضرا" وهي تسكب له كاسة مياه، و تساعده على تناولها، و يدها تربت على ظهره مرددة بسرها بعض الآيات القرآنية..


كان" عبد الجبار " ملامحه جامدة، ينظر للفراغ بشرود، فاق من شروده حين همست "خضرا" قائلة بابتسامة باهته..

"شوفت سلسبيل مش أكده"..


تطلع لها مدهوشًا و هم بالرد عليها إلا أنه استمع لصوت طرقات عنيفه متتالية على باب المنزل جعلته يغادر الفراش مهرولاً..


"مين هيچينا دلوجيت".. قالتها" بخيتة " التي قابلته فور خروجه من غرفته رغم معرفتها الإجابة..


"مخبيرش يا أمه"..

قالها" عبد الجبار " و هو يتخطاها و يندفع تجاه الباب، و فتحه مسرعًا ليصعق من هول ما رأي..


كان يقف "قناوي" أمامه بفخر و كأنه حقق أكبر إنجازاته ..

"أني مرضيتش استني لشروق الشمس و قولت اچيب

 بتي تحب على رچل الحاچة الكبيرة ".. 

، بينما "سلسبيل" ملقاه أرضًا بحالة يرثي لها تنزف الدماء من جميع جسدها، مكبله يديها بقدميها بسوط غليظ هيئتها كانت كما رأها في حلمه تمامًا..


انتهي الفصل..

بأمر الله تعالى لو التفاعل قوي و مبهج هنزلها كل يوم♥️♥️.. 

هستني رأيكم يا حبايبي..

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..



الفصل الرابع..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


صرخات متتالية لا تنقطع، توسلات حارة تابعها ندم شديد لا و لن يجدي نفعًا على الأطلاق مع هذا الثائر.. الغاضب حد الجنون، كاد غضبه أن يحرق الأخضر و اليابس، ممسك بيده السوط الغارق بدماء تلك  "سلسبيل" يعاقب به معذبها على فعلته الحمقاء بحق ابنته، رغم أنه لم يعد يصدق أن هذا المُجرم يكن والدها بعد ما فعله بها،


كلما تذكر هيئتها الدامية و هو يقوم بفك قيدها بنفسه ليتمكن من حملها بين يديه، كان جسدها ممزق حرفيًا من قوة و عنف ضربات الكرباچ على جلدها الرقيق، آهاتها الخافتة التي تقطع نياط القلوب، و تُبكي الحجر، و الأدهي من هذا همسها الضعيف بأسمه الذي وصل لقلبه قبل أذنه..


حالتها كانت و مازالت صعبة للغاية، لها أكثر من أسبوع فاقدة الوعي تمامًا، تفيق للحظات معدودة، و تغرق ثانيةً بأغماء أشبه بالغيبوبة، تحيا على المحاليل الطبية فقط و بين الوعي و اللاوعي تردد دائمًا حروف أسمه..


أطبق عينيه التي تتآجج منها نيران الغضب حين شعر

أنه مُدان لخاطرها بألف اعتذار، لكن ماذا عساه أن يفعل لها؟! ، هو رجل مكتفي بزوجته الخلوقة، يكن لها مقدار كبير من الحُب و الإحترام و لن يكون سبب جرح قلبها مهما حدث،بينما هناك في مكان ما بقاع قلبه جمرات صغيرة تزدهر سريعًا، و يزداد لهيبها، لهيب يسمي العشق.. 


"أعطيني بتي يا عبد الچبار بيه و هملنا لحالنا"..

قالها "قناوي" بأنفاس متهدجة، و صوت مبحوح أثر صرخاته المتواصلة..


"دلوجيت افتكرت أنها بتك يا عديم الرچولة"..

أردف بها و هو يقترب منه حتى توقف أمامه مباشرةً ليظهر فرق الطول الشاسع بينهما، انكمش "قناوي" بخوف من هيبته، و ضخامة جسده القوي، و ذراعيه المعضلة..


 "أنت هتغور لوحدك من أهنة، ملكش بنات عندِنا، و لو عُدت مرة تانية هطُخك بالنار، و أنت خابر زين حديت عبد الچبار المنياوي "..أردف بها بصوت جوهري حاد، و هو يقبض على عنقه بكف يده كاد أن يزهق روحه..


جاهد "قناوي" و تحدث بصعوبة بصوت مرتجف متقطع..

" يا بيه أهمل بتي ليك كيف و أنت جولت مريدش چوازك منِها.. أكده الناس تاكل وشي، و أبجي مسخرة وسط الخلق"..


دفعه" عبد الجبار " بعنف، و أخذ يفكر في حديثه للحظات، و َمن ثم أجابه بتعقل، و نبرة لا تحمل الجدال..

"بتك ليها حق في ورث چوزها اللي هو أخوي الله يرحمه، و هتقعد في حقها معززة مُكرمة، محدش يقدر يمسها بكلمة واحدة طول ما هي في حمايتي"..


جحظت أعين" قناوي" بذهول مرددًا..

" أفهم من أكده إن سعادتك هتعطي بتي حقها في أرض چوزها و ماله، و الدوار، و شغله اللي في مصر وياك كمان!!!"..


"وه كُنت فاكرني هاكل حق الولاية و لا أيه يا واكل ناسك أنت "..

غمغم بها و هو يجذبه من ياقة جلبابه، و سحبه خلفه دفعه لخارج أسطبل الخيل الذي كان يحتجزه داخله دفعه أطاحت به أرضًا مكملاً بأمر..

" غور من قدامي.. معيزش أشوف خلقتك مرة تانية أهنة "..


" الله يعمر بيتك يا عبد الچبار بيه.. يا أصيل يا ولد الأصول.. يلي هتقعد بتي في ورثها "..

ظل يرددها" قناوي" بصوت مرتفع، و فرحة غامرة ظاهرة على وجهه الملطخ بالدماء بسبب الضرب المبرح الذي تعرض له، يريد أن يستمع لحديثه كل أهل البلد ليكون هذا مبرره بترك أبنته بمنزل أهل زوجها المتوفي..


بينما ظل" عبد الجبار " يقف مكانه يتابعه بشرود، و قد أدرك خطورة الوضع الذي أصبح فيه، فوجودها هنا بمثابة سكب الزيت فوق الجمرات المشتعلة بقاع قلبه..


.............................. لا إله إلا الله 💐...................


"سلسبيل"..

كلما أستعادة وعيها تجد "خضرا" تجلس بجوارها، تربت على شعرها تاره، تبكي على حالها تاره، تقرأ لها بعض الآيات القرآنية تاره أخرى،


ظلت ترعاها بنفسها بكل طيب خاطر تحت نظرات "بخيتة" المغتاظة، و كلماتها المسمومة التي تلقيها على سمعها، لكنها لم تتركها بمفردها بأذن من زوجها، أظهرت معدنها الأصيل، و رونق قلبها الصافي،عاملتها كما لو كانت بنت من بناتها..


و أخيرًا بدأت تستعيد عافيتها، و رمشت بأهدابها الكثيفة قبل أن تفتح عينيها الذابلة، تنظر حولها بنظرات مرتعدة،تسارعت نبضات قلبها،تلاحقت أنفاسها وقد ظنت لوهلة أنها مازالت بمنزل والدها.


تنفست الصعداء حين لمحت "خضرا" تجلس بجوارها على الفراش مستنده برأسها على يدها، و قد غلبها النعاس.. 

"أبلة خضرا".. همست بها "سلسبيل" بصوتها الضعيف، لكنه وصل لسمع تلك الحنونة، فنتفضت مسرعة تتفحصها بلهفة و هي تقول بفرحة..

" أنتي فوقتي يا خيتي"..


أرغمت "سلسبيل " نفسها على الابتسامة لها، و رسمت قوة زائفه على ملامحها الحزينة، و حاولت تعتدل جالسة.. لتسرع "خضرا" و تساعدها برفق، و تضع لها الوسائد خلف ظهرها بوضع أكثر راحة مدمدمة..

"أيوه أكده شدي حيلك و فوقي يا خيتي، و إني هچيبلك أحلى وكل من عمايل يدي يرم جتتك "..


جاهدت "سلسبيل" حتي تتحكم بعبراتها التي تغزو عينيها و هي تقول بامتنان.. "متتعبيش نفسك أكتر من كده يا أبلة خضرا.. كفاية كل ما أفتح عيني بلاقيكي جنبي" ..


صمتت لبرهةٍ تلتقط أنفاسها، و تابعت بتنهيدة مُتعبة..

" أنتي أول واحدة تعاملني بحنية كده بعد أمي الله يرحمها مع إنك المفروض تكرهيني علشان كنت هبقي دورتك"..


هنا بكت "خضرا" و ضمتها لصدرها بحنان بالغ، يدها ترتب خصلات شعرها الحريرية المشعثة..

"جلبي عليكي يا بتي.. لساتك أصغيرة على المرار و الغُلب ده كله"..


أستكانت "سلسبيل" بحضنها، عينيها تذرف العبرات دون بكاء، و ابتسامة باهته تزين شفتيها المزمومة، و قد تذكرت حضن والدتها التي حُرمت منه إلى الأبد منذ سنوات، و من حينها لم يحنو عليها مخلوق بعدها..


" أنا مش عايزة أخد منك جوزك يا أبلة خضرا والله.. و في نفس الوقت مش عايزه أرجع لأبويا، و مش عارفة أعمل أيه و لا أروح فين"..

قالتها "سلسبيل" بصوتها المُجهد، و ابتلعت ريقها و تابعت بجملة جعلت شهقات "خضرا" تزداد..

"أنا كنت بتمني أموت في أيد أبوي المرادي.. كنت هروح عند ربنا و أرتاح من عذابي ده"..


" بعيد الشر عليكي يا خيتي.. متقوليش اكدة مرة تانية"..

قالتها" خضرا" و هي تربت على صدرها بكف يدها، و تابعت بنبرة مُطمئنة..

"متشليش هم واصل.. أني اتحدتت مع عبد الچبار و قالي إنك هتقعدي حدانا في حقك"..


"حقي!!!"..غمغمت بها و هي تبتعد عن حضنها، و تنظر لها بعدم فهم، فتابعت" خضرا" بابتسامة و هي تزيل عبراتها..

" أنتي ليكي حق في ورث چوزك الله يرحمه.. و عبد الچبار قالي أقولك لو ليكي غرض تنزلي معانا مصر تقعدي حدانا في ورث چوزك يا مُرحب بيكي.. و لو رايده تاخدي حقك مال هو هيقدروا و يدفعلك حقك وزيادة كمان"..


تهللت أسارير "سلسبيل" عندما علمت أنهم سيأخذونها معاهم إلى مصر، هذا كل ما تريده، لا تريد الورث، و لا المال.. تريد حريتها فقط حتى تستطيع البحث عن عائلة والدتها..

" بجد يا أبلة خضرا هتاخدوني معاكم مصر؟!"..


فرحة" خضرا" لفرحتها، و احتضنت و جهها بين كفيها مردفة..

" إحنا كنا ناوين نقعد يومين اهنة و نعاود علشان مشاغل أبو فاطمة ياما.. و قعدنا كل الوقت ده لخاطرك يا ست البنتة..قولنا نستنى نطمن عليكي و تبقي زينة و نعاود طوالي"..


تحاملت" سلسبيل " على نفسها و غادرت الفراش بخطي مترنجحة و هي تقول بفرحة غامرة..

"أنا بقيت زينة أهو يا أبلة خضرا.. خدوني معاكم و خلينا نمشي من هنا قبل ما أبوي يجي ياخدني تاني الله يخليكي"..


اقتربت منها" خضرا " بخطوات مهرولة، و ساندتها قبل أن تسقط أرضًا بسبب عدم اتزان جسدها الهزيل..

"على مهلك عاد يا بتي.. خليني أوكلك لقمة تقويكي لول، و بعد أكده هتحدد مع عبد الچبار و أقوله إنك بقيتي زينة"..


حديثهم هذا بأكملة أستمعت له" بخيتة " الواقفة على باب الغرفة تتجسس كعادتها الحمقاء، تصطك على أسنانها بغيظ، و قد إذداد غضبها منهما أضعاف مضاعفة..

"فاكرة نفسها ست الدار خضرا بنت نفيسة و بتتحدد على هواها.. الله في سماه لطين عيشتك يا خضرا و ما هيرتاح ليا بال إلا و إني مچوزة ولدي عليكي"..


انتفضت راكضة حين أستمعت لصوت حمحمة "عبد الجبار" يعلن بها وصوله، و سارت متجهه نحوه بخطوات غاضبة و هي تقول..

"معقول الحديت اللي چاني ده يا عبد الچبار.. أنت صُح هتاخد اللي ما تتسمي سلسبيل معاك على مصر!!! "..


أجابها" عبد الجبار " بهدوء أغضبها أكثر..

" أيوه يا أمه.. و انتي كمان هتيچي معانا.. أني مههملكيش لحالك اهنة بعد أكده واصل"..


"بخيتة" بغضب، و صوت عالِ وصل لسمع" سلسبيل " جعل قلبها يسقط أرضًا من شدة خوفها.. "تيجي معانا بصفتها أيه العقربة دي.. لا هي مرتك، و لا أنت رايد تعقد عليها.. تبقي تسافر معانا ليه يا ولدي.. ارميها لأبوها و غورها من أهنة ملناش صالح بيها عاد"..


نظر لها" عبد الجبار " قليلاً نظرة جامدة، بينما "سلسبيل " تنتظر رده عليها بنفاذ صبر، و أنفاس متهدجة، و قد بدأ جسدها يرتجف بقوة بعدما انسحبت الدماء من عروقها تاركة وجهها شاحب من شدة فزعها.. 


" عبد الجبار " بعقلانية.. "أنتي خابرة زين أني لو رچعتها لأبوها هيقتلها من قسوته عليها"..


"ما يقتلها و إحنا أيه خاصنا بيهم"..قالتها "بخيتة" بجحود جعلت "عبد الجبار" يحرك رأسه بيأس من طباعها مردفًا بأسف.. 

"طول عمري بقول عليكي قوية يا أمه.. بس قوتك المرادي بقت جبروت"..


سار من أمامها متجهه نحو زوجته التي خرجت للتو من غرفة" سلسبيل " تاركة بابها موارب قليلاً، و تابع بصرامة قائلاً..

"نهاية القول أرملة أخوي في حمايتي من انهارده يا أمه من غير ما اتچوازها.. لأني متچوزش ست الحريم كلياتهم.. 

و سلسبيل هترچع معانا على مصر وقت ما تقوم على حيلها و تبقي زينة "..


أنهى جملته و اقترب من" خضرا" الواقفة تنتظرة بابتسامة هائمة تزين ملامحها الطيبة التي أضاءتها الفرحة بحديث زوجها، لف يده حول كتفيها و سار بها تجاه غرفتهما المقابلة لغرفة ابناتيهما التي أصبحت تمكث بها" سلسبيل" مؤخرًا، فتح الباب و دلف بها للداخل، و هو يميل عليها يحاوط خصرها بكلتا يديه ضمها له بعناق محموم ظهرها مقابل صدره غالقًا الباب خلفهما بقدمه..


كانت "سلسبيل" تتابعهما بأعين منذهلة،  لم تري بعمرها الذي لم يتعدي العشرون عام رجل يحتضن زوجته، رغم أنها كانت زوجة لخمسة أعوام لكنها لم تجرب هذا العناق خلالهم ولا مرة..


اعتلت ملامحها ابتسامة خجوله حين رن بأذنها أسمها بصوته الذي لمس شيء بداخلها شديد الحساسية، فاغمضت عينيها ببطء و هي تهمس بأسمه هذه المرة و هي بكامل وعيها ببوادر إعجاب..

"عبد الچبار"..


انتهى الفصل..واعملوا متابعه من هنا 

تفاعل جبااااااااااااااااااار يشجع على الكتابة يا بنات علشان انزل الحلقة الجديدة على طول بإذن الله.. 

هستني رأيكم يا حبايبي..

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..

البارت الخامس والسادس من هنا 


 

تعليقات

التنقل السريع