رواية بطل قصتي الفصل الثاني 2بقلم عبير ابراهيم
رواية بطل قصتي الفصل الثاني 2بقلم عبير ابراهيم
"الفصل الثاني"
مدت أريج يدها تلتقط كفها تحثها على الجلوس وقد ارتسم الحزن على صفحة وجهها وأطلقت تنهيدة حارة ثم قالت بنبرات مهزوزة:
_ اليوم خطبة أيمن.
أتسعت عيناها بقوة مما تسمع، أرتعش قلبها داخل صدرها وقالت بغير استيعاب:
_ ماذا تقولين؟! ما هذه التخاريف؟! أنتِ مخطئه بالتأكيد.
مدت أريج يدها تربط برفق على كف أوركيد الموضوع فوق الطاولة مُخففه عنها ما تمر به من ألم، ثم قالت بلهجة يشوبها الإحساس بالذنب:
_ لم أكن أريد أخبارك ولكن أعلم أنكِ سوف تسألين غيرى ولم أرد أن يراكِ أحد على هذه الحالة، أنا أسفة.
قالت أوركيد وهي تحاول جاهدة السيطرة على عبراتها المتجمعة في مقلتاها:
_ أنا لا أصدق هذا الكلام، أنتِ تكرهينه ولذلك تدعين عليه.
رددت أريج وهي تخرج هاتفها وتفتحه على إحدى الصفحات وتضعه أمام عينيها:
_ أنا لا أكذب عليكِ فهذه هي الحقيقة، وأنظري لكي تتأكدي من صحة.
نظرت أوركيد للهاتف بين يد صديقتها تري دعوى خطبته، وقد تصاعد الحزن والألم معًا بداخلها كموجة قوية قادمة من بعيد، لتهدم جميع حصونها التي جاهدت كثيرًا كي لا تسقط، وتفتح الطريق لدموعها لتجري فوق وجنتيها كنهر، استقامت وغادرت على الفور.
ظلت تجوب الشوارع لبعض الوقت، في انهيار فقد أصاب قلبها الصدعُ وتهشم إلى شظايا متناثرة، أوقفت سيارة أجرة ودلفت إلى داخل أخبرت السائق وجهتها، ثم ووضعت وجهها بين كفيها وأجهشت في البكاء مرير، ظلت لدقائق على هذه الحالة حتى هدأت والتقطت مناديل ورقي وراحت تجفف دموعها، ثم انطلقت بالسيارة، لتتوقف أمام إحدى القاعات الخاصة بالأعراس، ترجلت خارج السيارة، لتُداعب نسمات الهواء وجنتيها برفق، تُطيب خاطرها وتخفف عنها صدمتها، تحركت بخطواتها إلى داخل القاعة، أخذت تبحث بعينيها عنه بعدما وجدت أن المقعد المخصص له خالي منه، تجمدت من الصدمة وهي تراه يمسك بيد عروسة ويرقص بسعادة غامرة، أخذت تَجوب ببصرها بينهما، فقلبها الأحمق كان يعتقد وللوهلة الأخيرة أن تلك الخطبة قد تمت بعد إجباره ولسبب تجهله هي، وأنه من الماكد لم يخدعها، ولكن عن أي إجبار يتحدث وهي تري السعادة تتراقص بوضوح على صفحة وجهه، التفتت تغادر وهي تحمل بين ضلوعها قلب حطمة الخذلان، همت تدلف إلى داخل السيارة ليوقفها صوته وهو يردد أسمها:
_ أوركيد.. أوركيد انتظري.
توقفت وأرتفع كفها يمحي عبراتها قبل أن تستدير، وتردف يتساءل:
_ ماذا تريد؟!
أجابها بحزن ينافي السعادة التي كانت تُسيطر عليه بالداخل:
_ لا أريدك أن تُسيء الظن بي فأنا لم أخدعك، لقد...
رفعت أوركيد كفها لأعلى توقف تدفق كلماته المخادعة، ثم أردفت بصوت مرتفع قليلًا يحمل الكرة بين طياته بعد أن تنهدت تنهيدا ممدودة بعمق:
_ لا أريد أن أستمع إلى مبررات واهيه، فقط أستدير واذهب إلى عروستك حتى لا تفتقدك.
أنهت كلماتها والتفتت تركب سيارة الأجرة لتنطلق بها من جديد، وقد أطلقت العنان لعبراتها مرة أخرى.
هرولت تدلف إلى داخل البناية التي تقبع بها الشقة الخاصة بعائلتها في الطابق الثالث، وهي تتوسل ساقيها الرخوتان على التتابع، تقبض على حقيبتها بكل القوة المتبقية في ساعديها، فقد هوي قلبها بداخلها ما أن أبصرتهما عن قرب وقد كسى الحزن قسمات وجهها، وجري الدمع من عينيها يغرق وجنتيها بلطف يحمل معه ألام قلبها الأحمق الذي ظن لوهله أنه من الممكن أن يكون هو العوض، شرعت تصعد الدرج وهي تمحي عبراتها المتساقطة بظاهر كفها، وصلت إلى باب الشقة، أخرجت المفتاح من جيب حقيبتها، تضعه في المزلاج وتُديره ليصدر صوت تكه خافتة لينفتح الباب وتدلف للداخل وتصفع الباب خلفها، أسندت ظهرها إلي هيكل الباب بتعب، ليس تعب جسدي بل روحها هي المتعبة، هوت تجلس على الأرض خلف الباب وقد ضمت قدميها إلى صدرها، أغلقت عينيها بقوة حتى تتلاشي تلك الصورة من أمام نظريها، تضع كلتا راحتها علي أذنها في محاولة منها لحجب أصوات الزغاريد والموسيقى الصاخبة التي علقت بذهنها منذ أن تسللت إلي مسامعها.
_ أوركيد.. هل عودتي يا صغيرتي؟
أردفت الأم بهذه الكلمات وهي تخطو بخطواتها إلى خارج الغرفة، بعد أن سمعت صوت صرير الباب لتتيقن من عودة ابنتها بخير.
لم ترد الأخرى على تساؤلها، فلم يصل صوتها إلى مسامعها، فزعت الأم وانقبض قلبها عندما رأت ابنتها على تلك الحالة، هرولت إليها تفترش الأرض بجوارها وقد ثنت قدميها أسفل فخذها، ثم قامت بلف ذراعيها حول كتفيها تحتوي جسدها الضئيل الذي أخذ في الارتجاف، وتردف بتساؤل وقلق جَالَ على نبرات صوتها:
_ ما بكِ يا صغيرتي؟! لما البكاء؟! هل أَنْتِ بخير؟ هل وقع معكِ أي مكروه؟! أخبريني حبيبتي ماذا حدث؟!
لم تُجيب أوركيد، وقامت بإنزال يديها من فوق أذنيها وراحت تلفهم حول خصر والدتها، تحتضنها بقوة وقد تعالي صوت نحيبها، امتدت يد والدتها إلى رأسها تمسد عليها بحنان جارف وتردف بهدوء:
_ إهدائي يا صغيرتي أنتِ الآن في أحضان أمكِ لن يمسك أي مكروه.. إهدائي حبيبتي وأخبريني ماذا أصابك؟
شهقت أوركيد شهقات مسموعة يتقطع لها نياط القلب، وراحت تقتلع الصوت من جوف حنجرتها، لتردف من بين دموع عينيها التي تأبى التوقف ليخرج صوتها متلعثمًا:
_ خدعني يا أماه.. تركني في منتصف الطريق وحيدة بعد أن علق روحي به، بعد أن جعلني أتوهم أنه الدواء لأوجاع القلب وراح يتشارك الخطوات مع أخرى أضحت له كل الحياة، لماذا القرب أن كان سيرحل؟! لماذا أخبرني أنه يحبني؟! لماذا جاء وطلبني من منكِ أن كان لا يُريدني؟! لم أستطع التصديق عندما أخبروني أن خطبته اليوم، لم أستطع تمالك نفسي وذهبت إلى حيث أخبروني وأنا أدعو الله أن يكون ما يتفوهون به ما هو إلا أُكذوبة، ولكن عندما وصلت إلي هناك ورأيت أيديهم وهي تتعانق ويتميلان معًا في سعادة، علمت حينها أن حبه وكلامه هما أكبر أكذوبة، لقد حطمني وهشم ما تبقى روحي وأمات فُأدي الذي حطمه الزمن، لماذا يكون الخزلان هو نصيبِ على الدوام، إلى متى عليا أن اصبر واتحمل كل هذا الالم.
قبلت والدتها رأسها وهي تضرب على ظهر عدة ضربات يتخللها الرفق، وراحت تقول بلين وقد تساقطت دموعها حزنًا على حال أبنائها:
_ ابنتي نحن بشر يكسرنا الغدر والكذب ومن حق العين أن تدمع وتحزن، ولكن كل هذا يجب أن ينتهي بعد أن يأخذ وقته، فالبكاء علي رجل تركك من أجل أخرى هو بالها وحماقه، ألجئ إلى الله بثي إليه شكواكِ، وناجية واطلبِ منه أن ينتزع حبهُ من قلبك، وأفيقِ من تلك الأحلام الوردية فقد ترككِ بكامل أرادته، فرُبِ ما ظنتيه خيرًا كان شرًا مستتر ولأن الله يحبك أبعده عنكِ، حبيبتي لا تجعلي صدمتك فيه تَأَثُّر عليكِ وتحطمك، هوني على نفسكِ وأعلمي أن تدبير الله أعظم فانتظرِ العوض منه.
قالت أوركيد بنبرة متهدجة وهي تحارب جاهدة أن توقف شلال عينيها، ولكن بدت دموعها وكأنها لا تنتهي:
_ ليست الصدمة يا أماه هي التي تحطم، ولكن الخذلان هو الذي يهشمنا من الداخل قبل الخارج، ليس ذنبًا أنني أيقنت بحبه ووعودة، لم أسمح لنفسي يومًا بتخطي الحدود كنت أخاف دائمًا أنا يعاقبني الله، لم أحادثة يومًا في غير المسموح حتى أتى وتحدث إليكِ وحدد معه موعد ليحضر عائلته، لقد حزنت على نفسي التي هانت عليه، لقد أحسست بالإهانة وأن كرامتي قد مُست، لقد حطم خذلانهم قرة عينكِ أربًا يا أمي.
عانقتها والدتها وضمتها إلي صدرها بقوة ثم قبلت رأسها وقالت بحنان:
_ العيب كل العيب أن تنسِ يا صغيرتي أنكِ أهم أبطال قِصَّتك وأن بطل قصتك هو الذي سيسير إلي جواركِ ممسكًا براحتكِ، وهو يحكُم قبضته عليها خَشِيَتَا أن تنفلت أيديكم خلال مروركم بعثرات القدر، و سيظل هكذا حتى النهاية، وأعلمي علم اليقين أن كل من خرج من حياتك هو مجرد ممثل ثانوي أنتهي دورة، ويجب أن تسعدي بأن الله قد أظهر لكِ حقيقته وفي وقتها الأنسب بالتأكيد.
#يتبع
تكملة الروايه اضغط هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق