رواية بطل قصتي الفصل الثالث 3بقلم عبير ابراهيم
رواية بطل قصتي الفصل الثالث 3بقلم عبير ابراهيم
"الفصل الثالث"
لم تكن شديدة الجمال بل كانت مثل الجميع ولكنها تمتلك قلبًا نقيًا حطمة الزمن، فأحبها الجميع لنقائها الداخلي الذي انعكس على وجهها البشوش وملامحها الصافية، أحبها زميلًا لها بالعمل في، صارحها بحبه ولكن لم ترضى بذلك الحب، فقد أوصدت أبواب قلبها واطبقت أضلعها عليه تُحصنه من التَتَيُم والتعلق بأي إنسي، سعا خلفها كثيرًا حتى تُجاريه ولكنها كانت تُعرص عنه، إبتغا الزواج منها وألح، إلتماس إستجابتها، فسعد كثيرًا بموافقتها التي جاءت تلبيتًا لرغبة والدتها، ولكن بعد كل ما أبداه من حب كان الخداع والغش هما أبطال تلك المسرحيه الهزليه، فهو من تلك الفئه من الرجال وليصح القول أشباه الرجال الذين يتوددًا للفتيات عن طريق وعدهن بالزواج، عندما لا تسمح لهم الفرصة بمرافقتها سرًا، حتي أتي اليوم الذي غرق فيه قارب إعجابها الورقي في بحر دموعها، عندما أخبروها بأنه سيتزوج بأخري، فكانت الصدمة التي حطمت قلبها الرخو، وصبغته باللون الرمادي الشاحب وهشمت روحها، ولكن الحياه لا تسير علي وتيره واحده، فبعد الغروب وعتمت الليل التي تقبض القلوب دائمًا ما يأتي الفجر بنوره وصفاه ونسائمه التي تبعث في النفس الغبطة والسكينة والأمل في شروق شمس يوم جديد محملًا بالخير والتفاؤل والعوض.
توالت الأيام تباعًا في تشابه تام لتقارب العام، كان لديها الكثير من الأسئلة ولكن قلقها من أسوة وخداع الأجوبة منعها من طلق العنان للسانها، فكتفت بالصمت والبعد عن أي مكان يجعلها تجتمع به. فلم يكن من السهل التئام جروح قلبها ولكنها تعلمت مع الايام أنه عندما تتوقف عن مساس موضع جروحها الرطبة فإنها ستجف، بكت كما لم تبكي من قبل ولكنها في الأخر نهضت قوية كما اعتاد عليها الجميع ورمت بكل أمور الحب خلف ظهرها وراحت تحقق أحلامها، وصارت تكد لتُتم ما أمضت به من دراستها العليا، فخط لها الله تنال الماجستير في جراحة القلب من إحدى الجامعات المصرية.
تسير بخطوات بطيئة وهي تضع الهاتف علي أذنيها تتحدث إلي صديقتها أريج التي دعتها إلى إحدى الملتقيات أو الصالونات الثقافية حيث يتم إلقاء الشعر والخواطر والغناء، وبحكم عشقها ونهمها بالشعر لبت الدعوة، ليصطدم بها شخص يسير عكس اتجاها، ليسقط الهاتف من بين راحت يديها بالأرض، زفرت بضيق وهي تميل بجزعها العلوي لتلتقط الهاتف الذي تحطمت شاشته من شدة ارتطامه لتردف بنبرة منفعلة:
_ أنت أيها الأحمق، أتظن نفسك ثورًا لتصطدم بالمارة، ألا تنظر أمامك وأنت تسير، لقد تحطم هاتفي بسببك.
توقف هو عن السير واستدار يُطالعها باندهاش من كلمات لسانها الحاد كالسكين ويردف في غيظ:
_ أنتِ هي المخطئة.. والذنب ليس ذنبي بل ذنبك فأنتُ التي تسير وهي تتحدث في الهاتف ولا تنظر ما أمامها.
رفعت رأسها عن الهاتف بين يديها تنظر إليه فالتقت بعينية ولأول مرة تري صورتها تلمع بوضوح في عين أحدهم، فعتلت ابتسامة مبسمه أرفقها بقوله:
_ سحر عينيكِ كسكين حاد خارج عن السيطرة.
نظرت إليه بغضب من مغازلته الصريحة لها، وأردفت بحده وهي تحرك سبابتها في الهواء مُحذرة:
_ ما هذه الوقاحة، أنتبه إلي كلماتك حتي لا أجعلك تندم عليها.
أنهت كلماتها وتركته وذهبت إلي داخل المبني حيث توجد صديقتها، أغلقت الأبواب وجلس الحضور كلًا في مكانه ليبدا الحفل، صعد شخص إلي المنصة ليقدم الحفل، بصوته الجهوري والإذاعي الذي تنصت له الآذانُ مُرغمةً، بدأ كلامه بشكر الحضور ومن لبي الدعوي، ثم جال بعينية في المكان حتي التقت عيناه بعينيها التي تُضاهي سماء الليل بسوادها وتزاحم الياقوت الأسود في بريقة، شرع في إلقاء بيتين من أحد قصائد أبو الطيب المتنبي التي يعشقها قائلًا:
_لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي
وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي
وَما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه
وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ
تاهت بنغمة صوته الشجي وهو يصدح بالكلمات بقواف جعلتها تهيم بجمال اللغة وعينية فهناك شيء ما يجذبها بهم أفاقت من شرودها عندما انتهت كلماته، فأشاحت بناظريها بعيدًا عنه، بينما تابع هو حديثة قائلًا:
_ سوف نستمع الأن إلى صوت عذب يفرش طريقًا من النور ويحاكي زمن الفن الجميل، رحبو معي ب ...
اعتلى الأخير خشبة المسرح وبدأ العازفون بعزف ألحان أغنية نصرت البدر، ليشدو هو بكلماتها بصوته العذب قائلًا:
_زاد الهواء في قلبي واصبح عاشقاً.
لا ذنب لي بل كنت شبه مغيبا.
ما عاد لي شيء في عمري غَيرَهُ.
فأنا وقلبي وكل شيء ملكَهُ.
حل الصباح بنورة الممزوج بخيوط الشمس الذهبية، انتهت مناوبتها في المستشفى التي تعمل بها توجهت إلى غرفتها تخلع عنها معطفها وتلملم أغراضها وتحمل حقيبتها حتي تعود للمنزل فهي تهفو كثيرًا إلى سريرها الناعم، خطت خارج الغرفة تتجه صوب باب المستشفى، لتتوقف أمام مدخل الطوارئ الذي دلفت منه للتو إحدى الحالات الطارئة وهي تلعن حظها العسر، ليعلوا الضجيج وامتلاء المكان بالأطباء والممرضات، لتتقدم منها إحدى الممرضات وهي تقول بقلق:
_ دكتورة أوركيد المريض يجب أن يدلف فورًا إلى غرفة العمليات ودكتور إلياس لم يحضر بعد، وحضرتك الوحيدة القادرة على إجراء العملية.
حملقت أوركيد في وجهها ما أن ذكرت أسم إلياس، تسارعت دقات قلبها بعنف فهي تعرف هذا الاسم جيدًا احتدمت بها الذكريات كما الوحش، مرت اثنتي عشرة سنة تناسته فيهم ظاهريًا فقط، لكنه لا يزال يسكن بداخلها، تعلم أن عليها أن تنساه ولكن كيف ينسى الأنسان جرحه الأول وخزلانه الأكبر، نفضته بقوة من عقلها وعادت لرشدها وهي تُحرك رأسها في تفهم تام للموقف ثم راحت تتقدم من المريض تفحصه، لتنتهي وتلقي تعليماتها على فريقها وتتحرك على الفور تستعد لهذه العملية وفي خلال دقائق معدودة دلف المريض إلى غرفة العمليات، فهي لم تستطع منع نفسها من متابعة الحالة رغم إرهاقها البدني الشديد، مرت قرابة الساعة حتي وصل الطبيب إلياس راكضًا، أستعد ودلف سريعًا يقف أمامها بطوله الفارع يشاركها غرفة العمليات، رفعت رأسها تنظر إلى هذا الوافد الجديد، لتحتل الصدمة على قسمات وجهها فهذا أخر مكان تتوقع رأيته فيه، لكن سرعًا ما تلاشت معالم صدمتها لتصب جم تركيزها على مريضها، أراد هو أن يتولى الأمر بدلًا عنها ولكنها أبت المغادرة وترك الأمر له واستمرت حتى النهاية بينما ظل هو يتابعها بإعجاب شديد بمهارتها، انتهت العملية بنجاح وخرجت أوركيد تلتقط أنفاسها، لحق بها إلياس وهو يقول مشيدًا بمهارتها:
_ من الواضح أنكِ بارعة جدًا كما سمعت عنكِ.
ابتسمت له بهدوئها المعتاد وقالت مستفسرة بعد أن شكرته:
_ أشكرك على مديحك، ولكن هذا أخر مكان أتوقع أن أراك فيه.
سألها إلياس مستفسرًا:
_ لماذا؟!
أجابته أوركيد موضحه:
_ عندما رايتك في الندوة ظننت أنك شاعر أو كاتب شيء من هذا القبيل، لكن لم أتوقع أن تكون طبيبًا.
قطب إلياس ما بين عينيه ثم سأل مُستفسرًا في دهشة:
_ ألا يحق للطبيب أن يحب الشعر، غير أن كثيرًا من الكتاب هم أطباء في الأصل.
سمح إلياس للحظة صمت، ثم واصل حديثه قائلًا:
_ وعلى سبيل المثال أنتِ طبيبة وتُحبين الشعر.
أومأت أوركيد برأسها داعمه كلامه، ثم قالت بهدوء تُايد حديثه:
_ أجل معك حق.
مد إلياس يده يصافها وهو يقول مُعرفًا عن نفسه:
_ أنا دكتور إلياس أخصائي جراحة القلب وزميلكِ الجديد بالمستشفى.
صافحته أوركيد بدورها وقالت وقد أرتسم على ثغرها ابتسامة هادئة:
_ تشرفت بك.. وأنا الطبيبة أوركيد.
صمتت لوهله ثم تابعت بإعياء من قلة النوم وقد افترا ثغرها عن ابتسامة لطيفة:
_ أستأذنك يجب أن أغادر.
أوم لها برأسه بصمت ووقف ينظر لها بإعجاب وهي تترك الردهه، بينما تحركت هي تحضر حقيبتها وتغادر المستشفى.
#يتبع
تكملة الروايه اضغط هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق