القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية وغابت شمسها الفصل 1-2-3-4-5بقلم مايسة ريان (جميع الفصول كامله)

 رواية وغابت شمسها الفصل 1-2-3-4-5بقلم مايسة ريان (جميع الفصول كامله)







رواية وغابت شمسها الفصل 1-2-3-4-5بقلم مايسة ريان (جميع الفصول كامله)


الأسكندرية .. مقابر العمود

أنتهت عملية الدفن وسمعت مرام أمها تزفر أرتياحا مما جعل الغضب يتفاقم بداخلها.. فهى لم تحاول التظاهر بالحزن على وفاة جدتها .

نظرت مرام الى خالها مروان وهو يفاوض التربى على أجرته وكأنه فى سوق للخضار .. أفلا تستحق أمه منه أن يتساهل قليلا مع الرجل بدلا من أن يقف أمام قبرها يتجادل من أجل المال ؟ .. لوت شفتيها باشمزاز وفكرت ساخرة .. لماذا تلومهما وهى نفسها لا تشعر بالحزن لرحيلها ؟ .. وان وقفة ثلاثتهم هنا ما هى الا تمثيلية سخيفه لا يشاهدها غيرهم فجدتها رحمها الله لم تكن محبوبة من أحد حتى من فلذات كبدها وكانوا قد أخذوها من المشفى الى المقابر مباشرة ولم يهتموا باعلام أحد من الأقارب أو الجيران بخبر وفاتها وعلل خالها موقفه ذاك قائلا

- لسنا فى حاجه الى الضجيج .. ثم ان اكرام الميت دفنه .

ووافقته شقيقته على ذلك ..

لم تلاحظ مرام أن أمها وخالها قد خرجا خارج المدفن وأنها ظلت وحدها أمام شاهد القبر ساهمة غير قادرة على تحليل مشاعرها .. جدتها هى من ربتها .. لم تكن حنونه عليها أبدا ولكنها تحملت مسؤليتها فى الوقت الذى رمتها فيه أمها ورحلت لتعيش حياتها بعيدا عن طفلة قد تعكر صفو حياتها .. شعرت مرام بغصه فى حلقها .. هل حقا رحلت تلك المرأة العجوز القاسية ؟ .. ألن تسمع صوتها الحاد مرة أخرى فى حياتها؟ .. ألن تجد بعد الأن من يأمرها ويعايرها ويستعبدها ويمن عليها بكسرة الخبز التى لها تطعمها؟

- مرام .. يا مرام .. هل يعجبك الوقوف هنا .. هيا .. ليس أمامى اليوم بأكمله .

قالت أمها ما قالته بضيق واستدارت مرة أخرى وخرجت متأففة ولحقت بها مرام بعد أن ألقت نظره أخيرة على القبر وتمتمت بجفاء

- رحمك الله يا جدتى وغفر لك .


وفى المنزل ( رشدى بالأسكندريه )

أمسك كلا من خالها وأمها هواتفهما النقالة واندمجا فى كتابة رثاء لوالدتهما على الفيس بوك وكلماتهم كلها حزن وآسى فأنهالت تعليقات العزاء من كل أصدقائهم ومعارفهم وجلسا يكتبون الرد وعمل علامات الأعجاب لهم .. وقفت مرام تنظر اليهم بضيق شديد وهى غير قادرة على تحملهم أكثر من ذلك .. على الأقل هى لا تتظاهر مثلهما ولا تدعى شيئا لا تشعر به تركتهم وذهبت الى المطبخ وراحت تبحث فى البراد عن شيئا تأكله فهى لم تتناول شيئا منذ الصباح الباكر فصنعت لنفسها شطيرة من الجبن والخيار ومعها كوب من القهوة السريعة وخرجت الى الشرفة .. ترآى لها البحر الواسع وممشى الكورنيش وكانت الشمس فى طريقها للغروب فجلست تتأمل الأفق المتوهج لتشعر بلحظة سلام مع نفسها قبل أن تواجه المشكلات التى تنتظرها فبعد موت جدتها لا تعلم ما سيكون عليه مصيرها .. ستسافر أمها الى الكويت الى حيث آخر أزواجها وبعد عدة أشهر سيكون خالها قد تزوج بدوره وستصفى وحيدة فهى لا تأمل أن تأخذها أمها للعيش معها فحتى الأن ترفض أن تجعلها تقابل زوجها .. تغار من شبابها ونضارة عودها برغم أن مرام وأمها نسختان متطابقتان .. نفس جمال الوجه الملائكى والجسد الأهيف المثير والشعر الأسود كالليل والذى يتناقض مع بياض بشرتهما ويعطيها هاله من النور تجعل المرء لا يكتفى بنظرة واحده عندما يراهما .. أغلقت عينيها بتعب وتمتمت بأحباط

- يا الله فى أى عائلة أوجدتنى ؟

الأنانية والجحود فى أبشع صورهما كانا ... وتصارحت مع نفسها مرة أخرى بأنها لا تختلف عنهم كثيرا سوى فى الوضوح .. على الأقل مع ذاتها

عندما أستطاعت مرام أن تدخل أخيرا وجدت خالها مروان كما هو على الأريكة ولكنه كان ممددا عليها وقد ترك هاتفه أخيرا على المنضدة وكانت عيناه مغلقتان ولكنه ليس نائما فسألته

- أين هى أمى ؟ .. لا تقل لى أنها ذهبت لتنام .. سيبدأ المعزيين بالحضور بعد قليل .

رد خالها بهدؤ مثير للأعصاب

- علياء ليست هنا .. لقد رحلت .

حدقت فيه مرام بذهول

- لا أفهم .. رحلت الى أين ؟

- أنها فى طريقها الأن الى المطار .. سوف تسافر الليله الى الكويت .

- ولكن كيف ؟ .. والعزاء .

أبتسم ساخرا وقال

- طلبت منا أن نبرر رحيلها بأن نقول أن زوجها قد تعرض لحادث وهى أضطرت الى السفر للأطمئنان عليه ولتكون الى جواره فى محنته العصيبة .

ألقت مرام بنفسها على المقعد بحده وهى تغلي بالغضب والأشمئزاز من عدم شعور أمها .. كيف تتركها تتحمل كل ذلك وحدها ؟ مدت يدها بعصبية الى علبة سجائر خالها وأخرجت منها واحدة وأشعلتها بقداحته وكان قد فتح عينيه ونظر اليها بسخريه وسألها

- ماذا تفعلين ؟

ردت بوقاحه وهى تنفس الدخان بعصبيه

- كما ترى .. أدخن ؟

- ومنذ متى وأنت معتادة على ذلك ؟ .. تبدو وكأنها ليست المرة الأولى لك .

سألته ساخرة

- هل ستقوم بتقويمى الأن ؟

هز كتفيه بلامبالاة وعاد ليغمض عيناه

- ولما أفعل ذلك ؟.. أنت حرة فيما تفعلين .

رده أغضبها أكثر مما أراحها .. كانا كشقيقين أكثر منهما خال وأبنة أخته فهو يكبرها بأحد عشر عاما فقط وقد نشآ معا فى بيت واحد كأخوة وكانت دائما تتمنى لو يشعر نحوها ببعض المسؤلية فهى لا تذكر مرة أنه وجه سلوكها أو أبدى ملاحظه على ملابسها أو أهتم اذا ما تأخرت خارج البيت الى وقت متأخر .. صحيح أن جدتها كانت تقوم بكل الواجب ولكن تدخله فى حياتها كرجل دوره حمايتها كان سيختلف كثيرا خاصة وأنها لم تعرف الشعور بوجود أب فى حياتها .

وصل المعزيين بعد آذان المغرب ولم يكن العدد كبيرا فالأقارب كان معظمهم فى المنصورة أو القاهرة والعلاقات بينهما شبه مقطوعة فأقتصر العزاء عل الجيران وبعض زملاء خالها فى العمل حيث يعمل مديرا فى احدى شركات المحمول

وبالطبع خطيبته وذويها , وكانت مرام خارجة من الحمام عندما شاهدت خطيبة خالها شيرين وأمها خارجتان من حجرة نوم جدتها وهما تتناقشان

- سوف أغير لونها بالطبع وأفكر فى ورق الحائط سيكون أفضل من الطلاء فما رأيك يا أمى ؟

ثم أنتبهتا لوقوف مرام فى طريقهما فأبتلعت الأم الكلمات التى كادت أن ترد بها وابتسمت لها بكياسة فى حين سألتها شيرين ببرود

- لماذا تقفين هكذا يا مرام .. هل ذهب كل المعزيين ؟

سألتهما مرام بحده

- ما الذى كنتما تفعلاه بالداخل ؟

أحمر وجه المرأة الأكبر سنا حرجا وهمت بقول شئ ما عندما سارعت أبنتها بالقول

- هذا أمر يخص مروان يا أمى فهو يعرف ما الذى كنا نفعله بالداخل ولا حاجة بنا لتفسير أى شئ لأى أحد .

أحمر وجه مرام غضبا وأنتظرت عل أحر من الجمر أنصراف الناس حتى تواجه خالها وتعرف منه معنى ما قالته خطيبته وكان رده عليها صاعقا

- سوف أتزوج هنا .

صاحت بحده

- هنا ؟

- أنها شقتى يا مرام .

ردت بغضب

- وشقة أمى كذلك .

- لقد باعت لى أمك نصيبها .

هزت رأسها بذهول

- باعته ؟ .. ولكن متى ؟ لقد ماتت جدتى اليوم فقط .

- لقد ناقشنا الأمر منذ أن أخبرنا طبيبها أن حالتها ميئوس منها .

- لهذا هربت .. حتى لا تواجهني .. ولكن من أين جئت بالمال ؟

- أسترجعت مقدم الشقة التى كنت قد حجزتها وقد قبل صاحب البناية أن يعيد لى المبلغ الذى دفعته فقد كان لديه زبون جاهز بثمن الشقة كاملا .

سقطت مرام على المقعد وهى تقول بحيرة سببتها الصدمة

- وأنا .. ماذا عنى أنا ؟ .. هل سأبقى معك هنا ؟

تجهم وجه خالها ورأت ما يشبه الشفقة فى عينيه وهو يقول

- للأسف .. هذا غير وارد .. لن تقبل شيرين بأن تشاركيها بيتها .. وأنا أيضا سأمانع أريد أن أبدأ حياتى بصفحة جديدة خالية من المشاكل والتعقيدات .. آسف يا مرام .

أختنق صوتها وهى تردد

- وماذا عنى ؟ .. ألم تقل أمى شيئا .. هل تريدنى أن ألحق بها ؟ هل قالت شيئا كهذا لك ؟

أشاح خالها بوجهه وهى يقول لاعنا بغضب

- أمك أمرأة لعينة أنانية لا خير فيها .

صاحت بغضب وعيناها ممتلأتان بالدموع

- وفيك أنت أيضا .

- لست وحدك من عانى من الحياة يا مرام .. لست وحدك من كان له أم كالشوكة فى العين .. ولا أب جاحد لا نفع منه .. أشفق عليك لأنك مثلى .. قارب عمرى من الأربعين وأحتاج الى زوجه وأولاد .. أريد أن أشعر بالأستقرار .. أنت بالذات يجب أن تفهميننى .

قالت ساخرة بمرارة

- أجل أفهمك خالى .. لكنى فى كل الأحوال أحتاج الى رد على سؤالى .. الى أين سأذهب أنا ؟

أخرج ورقه مطوية من جيب سرواله ومد لها يده بها فأخذتها وهو يقول

- لديك أب يا مرام وهو أولى بحملك منى .

أشتدت أصابعها على الورقة وهى تقول بمرارة

- أب .. أى أب هذا ؟ .. أنه لا يعرف حتى بوجودى .

- ليس ذنبه .. علياء رفضت أخباره أى شئ عنك وأمى أيدتها فى ذلك حينها .

- لقد طلب منها أن تجهضني عندما طلقها .

- كان زواجه كالجحيم .. كنت طفلا ولكنى كنت أعى ما كانت تفعله أمى .. وعلياء سهلت لها مهمتها بأنانيتها وجشعها وعدم أخلاصها .

حدقت مرام فى الورقة ساهمة للحظات ثم عادت تسأله بأمل ضعيف

- أليس هناك أمل فى أن تغير رأيك وتتركنى أبقى معك ؟

تصنعت وجها بريئا ضعيفا ونظرة متألمة فى عينيها ولكن خالها كان يعرفها جيدا ويعرف مدى صلابتها والى أى مدى قد تصل كى تحصل على ما تريد ولكن ليس منه فأبتسم ساخرا وقد عاد الى بروده ولامبالاته

- لن أغير رأي .

وعدته قائلة

- سأعامل زوجتك بطريقة جيدة أقسم لك .. وسأجد عملا يأخذ كل وقتى فلن تروننى كثيرا .

هز رأسه رافضا

- لا تحاولى .. ألم أقل لك من قبل أنك تشبهين أمى كثيرا ؟ ستكون حياتى جحيما ان سمحت لك بالبقاء .

تغضن وجهها بأمتعاض لتشبيهه اياها بجدتها

- أرانى أشبه أمى أنا أكثر .

ضحك بقسوة

- فى الشكل فقط .. علياء قد تكون أنانية ولا ترى الا نفسها ولكنها غبية وضعيفة وأنت لست كذلك .. ثقى بى .. تستطيعين النجاة وحدك .. أذهبى الى أبيك وحاسبيه على كل السنين التى مرت من عمرك وأجعليه يدفع ما عليه لك ثم أبحثى لك عن زوج ثرى وأنت جميلة وقادرة على أصطياد واحدا .

جملة واحدة علقت برأسها .. أن تحاسب أبيها عن كل السنين التى مرت من عمرها .. لن تحاسبه عن الحب والرعاية ولكنها ستحاسبه على نفقاتها التى تهرب منها ولو عن جهل منه فهى لها حق عنده فسألت خالها بلهفة وقد برقت عيناها بجشع

- هل هو ميسور الحال ؟

ضحك خالها وقد كان يتوقع سؤالها وأنها ستخرج سريعا من حالة الشفقة على الذات التى عاشت فيها للحظات وأجاب

- يمتلك بساتين زيتون .. ومصنع لأنتاج الزيت .. هذا كل ما أستطعت الوصول اليه فقد أنقطعت أخباره عنا لخمسة وعشرين عاما .

سألته بشك

- وماذا لو أنكرني وطردني ؟

- نحن لا نعيش فى الزمن الغابر .. كان متزوجا من أمك شرعا .. وكان يعلم بحملها قبل طلاقهما ثم ان هناك ما يدعى تحليل الدي ان ايه وأنت مكتوبه بأسمه فى أوراقك الرسمية .

كان كلامه صحيحا ولكن فكرة أن يتقبل أبوها أن يكون له أبنة لم يعرف عنها من قبل شيئا ليس سهلا خاصة وأنه كان يكره أمها ومن الطبيعى أن يكون متزوجا الأن ولديه أولاد آخرين غيرها وشعرت بشئ من الغل والحقد على هؤلاء الأبناء الذين عاشوا مع والدهم وفى خيره وهى هنا تعامل كدخيلة متسولة لا يكترث أحد لأمرها .

كان هناك مظروفا على المنضدة أشار اليه خالها قائلا

- هذا مبلغ من المال .. لك .

سألته بدهشة ساخرة

- منك ؟

- من أمك .. أقتطعته لك من ثمن الشقه .

ثم مط شفتيه بأستياء

- كنت أخشى أن تذهب ولا تترك لك أى شئ .

خمنت مرام أن أمها قد تكون تشاجرت مع أخيها من أجل تلك النقود .


****


وادى النطرون ( محافظة البحيرة )

تقع مدينة وادى النطرون فى منتصف الطريق ما بين القاهرة والأسكندرية الصحراوى الواصل بينهما الى جهة الشمال ..

نزلت مرام من حافلة شرق الدلتا تحمل حقيبتها على كتفها وتضع نظارتها الشمسية على عينيها متجاهلة بغرور نظرات الأعجاب التى راحت تلاحقها , أوقفت احدى سيارات الأجرة وأعطته عنوان مصنع والدها

لقد مر أسبوع حتى الأن على وفاة جدتها واليوم فقط قررت السفر لملاقاتة.. فكرت أن تتصل به أولا ولكن خالها نصحها بأن من الأفضل أن تسافر وتقابله وجها لوجه .. وأن يكون لقاءها به بعيدا عن زوجته وأولاده .. تمنت لو كانت تعرف عنه أى شئ , أنتبهت من شرودها الى أن السائق كان يتحدث اليها فلم تهتم الى ماذا كان يقول وسألته وهى تميل الى الأمام

- هل أنت من أهل البلد هنا؟

- .. لا .. أنا من مركز أبو المطامير ليس بعيدا عن هنا ولكن زوجتى وعائلتها أصلا من هنا .

- هل تعرف صاحب مزارع ومصنع طيبة لأنتاج زيت الزيتون ؟

فكر الرجل قليلا ثم قال

- لا .. لا أعرفه .. ولكننى سمعت بهما .

وعندما تراجعت مرام الى الخلف وأشاحت بوجهها الى النافذة قال

- ربما زوجتى تعرفه .. فأبن شقيقها يعمل هناك .. سأتصل بها وأسألها .

حاولت مرام أن تخبره أن الأمر ليس مهما ولكنه لم يستمع اليها واتصل بزوجته

ويبدو أن زوجته لم تكن تعرف كذلك ودهشت مرام عندما أحتد عليها ونهرها بشدة لجهلها شيئا كهذا وكادت أن تضحك عندما فجأة أهتزت السيارة بعنف واندفع جسدها الى الأمام ثم مالت الى اليمين واصطدم رأسها بجانب الباب , كانت صدمتها أقوى من الألم وعندما أستطاعت أن تتوازن فهمت ما جرى .. لم يلاحظ السائق أن الطريق كان متوقفا وهو مشغول بالشجار مع زوجته وعندما أنتبه كان الأوان قد فات واصطدم بقوة بالسيارة التى أمامه .

نزل السائق من السيارة مرتعبا , ضغطت مرام على جانب رأسها متأوهة

- هل أنت بخير يا آنسه ؟

رفعت مرام رأسها ونظرت الى الرجل المنحنى على نافذة السيارة وينظر اليها بقلق كان الضؤ يتراقص أمام عينيها ولكن غير ذلك هى كانت بخير

- أنا بخير شكرا لك .

ظل واقفا يتفحص وجهها لثوان قبل أن ينتصب واقفا ويوليها ظهره ليتحدث مع سائق الأجرة لم تسمع ما كان يقوله ولكن وجه السائق الشاحب ومحاولته البائسه للأعتذار جعلاها تفهم أن هذا الرجل هو صاحب السيارة الأخرى فنظرت من خلال الزجاج الأمامى الى سيارته .. كانت سيارة فارهة وتبدو جديدة والضرر الذى أصابها من الخلف كان فظيعا .. لو كانت السيارة لها لعلقت ذلك السائق الأرعن من قدميه .. نظرت الى ظهر الرجل وهى متعجبة من أسلوبه الهادئ فى الوقت الذى يجب أن يكون فيه يستشيط غضبا .. لقد جاء للأطمئنان عليها أولا قبل حتى أن يتفحص أضرار سيارته ثم رأته أخيرا وهو يربت على كتف السائق المذعور ويقول له شيئا جعل وجه الرجل البائس يسترخى ونظراته تعبر عن الأرتياح والأمتنان

, عاد الرجل الى سيارته بخطواط سريعه وكان الطريق قد فتح وتحرك بها مبتعدا على الفور .. جلس سائق سيارة الأجرة خلف المقود وأدار المحرك وانطلق بها وهو يقول بأعجاب

- رجل محترم .. لم يتشاجر معى .. ولم يطالبنى بشئ هل تصدقى هذا يا آنسه ؟

ردت ساخرة

- لأنه ليس غبيا ليطلب منك شيئا .. فثمن سيارتك لن يكفى لاصلاح نصف الضرر الذى أصاب سيارته .

ضحك السائق وكأنما يحاول التخلص من توتره

- معك حق .. لديه سيارة عظيمة حقا .. وجديدة .. لاحظت ذلك ؟

زفرت بضيق وهى تعود لفرك جانب رأسها والذى بدأ يتورم قليلا

- نعم لاحظت .

سألها بقلق

- هل أصبت ؟.. هل آخذك الى المشفى ؟

- لا ... خذنى فقط الى العنوان الذى أعطيته لك .


وداخل مصناع طيبه لأنتاج زيت الزيتون

وقفت مرام أمام موظف الأستقبال الشاب

- أريد مقابلة صاحب المصنع من فضلك .

وجدت أن لديها صعوبة فى لفظ أسم أبيها .. فلطالما كان أسما يلحق بأسمها ولا يعنى شيئا .. ولكن الأن وهى على وشك مقابلة صاحب الأسم بدا وكأنه حيا .. ينبض ويتنفس وثقيلا على لسانها لتنطقه

سألها الشاب بأبتسامة والفضول فى عينيه

- هل لديك موعدا ؟

نفس السؤال الذى تسمعه فى الأفلام والمسلسلات وعندما ستنفى تتوقع أن تكون اجابته .. ( آسف فالمدير لا يقابل أحد بدون موعد سابق ) فقالت بضيق

- لا ليس لدى موعد .. ولكن هل هناك ما يمنع رؤيتى له

أتسعت أبتسامة الشاب وهو يرد

- لا أبدا .. ولكنه لم يحضر بعد .

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر بعد الظهر فسألته

- وهل سيتأخر ؟

- كان من المفترض أن يكون هنا الأن .. اتصل منذ قليل وقال أنه فى الطريق ولا أعرف لماذا تأخر .. تستطيعين أنتظاره هنا لو أحببت .

جاء صوت أنثوى من خلفها يسأل الشاب

- ألم يصل الرئيس بعد ؟

وقف الشاب منتصبا وقال بأحترام

- لا يا أنسه رباب .. والأنسه هنا لمقابلته أيضا .

ضاقت عينا مرام وهى تتعجب من نظرات الشاب الخبيثه قبل أن تستدير الى صاحبة الصوت وهى تتساءل فى نفسها عن سبب هذا .. كانت الفتاة أقصر منها بحوالى خمسة سنتيمترات وجسدها ممتلئا بعض الشئ وترتدى ملابس محتشمة وحجاب على رأسها لم تكن قبيحه فملامحها رقيقة ومتناسقة ولكن وجهها كان متجهما وهى تنظر الى مرام وتتفحصها بدورها ورأت غضبا فى عينيها ولم تستطع أخفاء النبرة الحاده من صوتها وهى تسألها

- ولماذا تريدين رؤيته ؟

وعندما رفعت مرام حاجبيها بتساؤل ساخر تابعت الفتاة بصوت أكثر تهذيبا

- فقد أستطيع مساعدتك .

شملتها مرام بنظرة متعالية وهى تدفع شعرها الى الوراء قبل أن تقول

- شكرا لك .. أريده فى موضوع خاص .

شحب وجه الفتاة بشده وازدادت اثارة موظف الأستقبال ولم يستطع أخفاء حماسه ومال بجسده الى الأمام ليستمع اليها جيدا .. وعقل مرام يحاول فهم ما يحدث فالفتاة شابه فى مثل سنها تقريبا ولا يعقل أنها على علاقه بأبيها المسن وتجد فى مرام منافسة لها وما تعرفه عن شخصية أبيها كما أخبرتها أمها وجدتها فهو كان رجلا طيبا خجولا الا اذا كان قد تغير على يد أمها وهذا شيئا لا تستبعده

أبتسمت ببرود وهى تقول بخبث

- سوف أنتظره وأعتقد بأنه سيفرح كثيرا عندما يرانى .

ثم هزت رأسها الى الشاب شاكرة وسارت الى أحد مقاعد الأنتظار وجلست .. أختفت الفتاة الأخرى بسرعة البرق .

أخرجت مرام هاتفها وتحدثت مع خالها لتخبره بأنها وصلت .. كانت تعرف بأنه لا يهتم ولكنها ورغما عنها كانت تشعر بالتوتر من مقابلة والدها لأول مرة فى حياتها وكانت فى حاجة للطمئنينه من شخص ما وراحت تتساءل ان كان سيفرح لرؤيتها أم سيصدم ويرفضها .. بالتأكيد سيصدم كما سيصدم أى رجل عندما يكتشف فجأة أن لديه أبنة شابة فى الرابعة والعشرين من عمرها لم يكن يعرف عنها شيئا من قبل .. رفعت رأسها عندما شعرت بأن هناك من يراقبها ورأته ..

كان يقف عند باب الدخول كتفاه متهدلتان الى أسفل وفمه مزموما بشده وخفق قلبها بعنف من النظرة التى كان يرمقها بها .. كانت نظراته لها كلها حقد وغضب فشحب وجهها بشده .. أنه والدها .. عرفته دون مشقة برغم من أنها لم ترى له الا صورة واحدة وهو شابا صغيرا .. كانت تتوقع صدمته وذهوله ولكن هذا الكره جعل الصدمة من نصيبها هى .. هبت واقفة رافعة رأسها لأعلى .. وجملة واحده تتردد بداخلها .. (( أنا لا أكترث لهذا الرجل ))

تقدم منها وقال بصوت أجش

- تعالى معى .. لا يجب أن نتحدث هنا

أصابها الذهول ولكنها تبعته الى الخارج دون كلام ونظرات موظف الأستقبال تلاحقهما بفضول زائد

وفى الخارج أشار الى سيارة هيونداى فضيه موديل قديم مرت على صنعها عشر سنوات على الأقل , صعدت الى جواره بعد أن فتح لها الباب .. أطلق والدها زمور السيارة وهما خارجان من البوابة الحديدية للمصنع فتوقفت سيارة كانت فى طريقها للدخول مفسحه له الطريق ولمحت مرام السيارة الأخرى وأصابتها الدهشه للمرة الثانية فقد كانت نفس السيارة التى خبطتها سيارة الأجرة التى جاءت بها الى هنا وللحظات التى أستغرقتها سيارة والدها فى الدوران لمحت خلالها سائق السيارة الذى بدت عليه الدهشة كذلك لرؤيتها .. كان شابا لم يتجاوز الثلاثين من عمره تقريبا لم يكن وسيما بالمعنى المعروف وبدا جادا وصارما وهو يزم شفتيه حائرا وتساءلت مرام عمن يكون وما الذى يفعله هنا ؟


****


داخل أحد المطاعم

كان المطعم الذى أخذها والدها اليه رخيصا والأصوات فيه عالية مما جعل مرام تتأفف بضيق وهى جالسة أمامه .. وكان يدور بعينيه فى كل مكان كمن يخشى شيئا فقالت بصوت قاسى وقد أغاظها صمته الذى طال منذ خروجهما من المصنع

- ألن تقول شيئا .. ألا تعرف من أنا؟

نظر اليها بحده وقال

- بالطبع أعرف من أنت .

ضاقت عيناها بريبة .. لا يبدو عليه أنه قد تفاجأ لظهورها وهذا جعلها تشك بأنه كان يعلم بأن له أبنه فأعادت صياغة كلماتها

- كنت تعرف أن لديك أبنة ؟

رد بمراره

- نعم .. كما كنت تعرفين أن لديك أب .

لم يستمر ذهولها كثيرا وسألته ساخرة

- هل يمكن أن أسألك .. منذ متى وأنت تعلم ؟

- راسلتنى جدتك بعد أن تزوجت أمك وتركتك لها وطلبت منى أن آخذك .

شهقت مرام بذهول هذا يعنى عندما كان عمرها ستة أشهر .. أطرقت رأسها لتخفى أنفعالها وعقلها يعمل سريعا لفهم ما حدث .. جدتها لم تكن تريدها كما كانت أمها وهذا الرجل الذى هو أبوها رفضها كذلك .. حتى وان راودها شبه أمل واه بأنها ستجد أبا حنونا يتأثر برؤيتها فهذا الأمل نسف نسفا فى لحظه .. رفعت وجهها اليه تنظر اليه بهدؤ قائله

- وأنت رفضت أخذى .

عقد حاجبيه بشده وقال

- لم أكن لأقبل بأبنة علياء ..

ثم هز رأسه وتابع بكراهيه

- يا ربى أنت تشبهينها لدرجة ..

كانت قبضتاه قد أشتدتا بقوة فوق مفرش المائده .. لم تشعر مرام بالألم بل بالمزيد من الحقد عليهم جميعا

سألها بتوتر بعد لحظات

- لماذا أنت هنا ؟

ها قد جاءت لحظتها فردت

- ماتت جدتى منذ أسبوع .

- لن أطلب لها الرحمة .

فتابعت وكأنها لم تسمع

- وسافرت أمى لزوجها .. وسيتزوج خالى فى شقة جدتى .

سأل بعصبيه

- وما شأنى أنا بكل هذا .

قالت بحلاوة وبراءة مصطنعة

- لقد أصبحت فى الشارع يا أبى .

أنتفض بشكل ظاهر وحملق فى وجهها مصدوما عندما قالت أبى مما جعلها تضحك ساخرة

- ألست أبى ؟ أنت أعترفت بذلك لتوك .

بدا عاجزا عن الرد ورأت حبيبات العرق تتجمع فوق جبينه المتغضن ثم سألها بصوت أجش

- وماذا تريدين منى ؟

- أريد شقة لأعيش فيها ومصروف شهرى أو مبلغ من المال بأسمى فى البنك .

- ومن أين لى بالمال لكل ذلك ..

قاطعته بحده

- هل ستدعى الفقر أمامى .. بغض النظر عن السيارة الخربة التى تركبها أعلم أنك صاحب مصنع كبير .. ذلك الذى كنا فيه منذ قليل هذا غير بساتين الزيتون التى تملكها .

أنفجر والدها ضاحكا بشده بدون مرح فعقدت حاجبيها بشده

- من قال لك تلك المعلومات الكاذبة .. أنا موظف فى ذلك المصنع ولا أملكه .

قالت بأنفعال

- ولكن عنوانك جاء على عنوان المزرعة و..

قاطعها

- أنا أعيش هناك مع زوجتى التى تملك عائلتها المزرعة والمصنع .

أستراحت فى مقعدها وقالت

- هذا حسن .. أحضر المال من زوجتك اذن .

رد عليها بتجهم

- زوجتى أيضا لا تملك شيئا .. كل شئ ملك لأخيها الأصغر .

سألته بغضب

- وكيف يعيش أولادك .. خدما عند خالهم ؟

- ليس لدينا أولاد .

رفعت حاجبيها بدهشه وضحكت ساخرة

- يا ربى .. أنا ابنتك الوحيدة اذن .

عاد وجهه للشحوب من جديد فتابعت بقسوة

- لن تعطينى ما أريد أليس كذلك ؟

- قلت لك أننى لا أملك ما أعطيك اياه .. لا أملك الا راتبى .

حملت حقيبتها ووقفت بحده وهى تقول

- ليس هناك حل اذن الا أن آتى وأعيش معكم .

وقف بدوره ونظر اليها برعب

- لا .. لن ينفع .. زوجتى مريضة .. ولا هى ولا عائلتها يعرفون شيئا عنك ولا عن زواجى بأمك .

- وتخشى أن تظهر كاذبا أمامهما .

مالت عليه مهدده

- اما أن تعطينى ما أريد فأذهب وأتركك بسلام أو ستجدنى على باب مزرعة عائلة زوجتك بحقائبى .



الفصل الثانى

حلقة استثنائية اليوم لرواية .. وغابت شمسها

مصنع طيبه

كان صالح جالسا فى مكتبه وباله مشغول عندما دخلت عليه سكرتيرته لتقول له أن أحمد مدير الحسابات والذى هو ايضا زوج شقيقته فى مكتبه الأن فهب واقفا على الفور وذهب اليه .. حاول أن يتصل به أكثر من مره منذ أن رآه خارجا من المصنع بصحبة تلك الشابه التى شاء قدره أن يراها مرتين فى ساعة واحدة ولكن هاتفه كان مغلقا

وجده جالسا خلف مكتبه شاردا ويظهر على وجهه الأرهاق فبادره قائلا بعد السلام

- أين كنت ؟

رد أحمد وهو يحاول رسم أبتسامة على وجهه

- كنت بالخارج لأمر خاص .

- رأيتك تخرج بالسيارة ولكنك لم ترانى على ما أظن .

عقد أحمد حاجبيه بشده وسأله

- حقا ؟ لا لم أراك فعلا .

أنه لم يراه فى حين أن تلك الشابة قد رأته

- من كانت تلك الفتاة الشابة التى كانت برفقتك بالسيارة ؟

تململ أحمد فى مقعده بتوتر ورد قائلا

- آه تلك .. تلك كانت أبنة صديق لى .

- أخبرونى عند وصولى أنها كانت تسأل عنى .

هز أحمد رأسه نفيا وتصنع ضحكه وهو يرد

- سؤ تفاهم .. كانت تقصدنى أنا .

تملكه شئ من الأحباط لم يفهمه وقال

- فهمت .. ولكن من أين هى فقد بدت لى غريبة عن البلده ؟

كذب قائلا

- هى ضيفة من القاهرة .

- هل أخذتها الى المزرعة اذن ؟

لم يفهم أحمد سبب أهتمام صالح بأبنته وزاد هذا من توتره ورد

- لا لقد سافرت .. عادت الى القاهرة فقد كانت فى زيارة قصيرة لبعض أقاربها بالبحيرة وجاءت لتسلم علي قبل سفرها .

ظهرت خيبة الأمل على وجه صالح ولكنه لم يصر على معرفة المزيد ثم أستأذن وخرج وبعد خروجه بقليل طرقت رباب الباب ودخلت

- عمى أحمد .. هل أستطيع الحديث معك قليلا .

أبتسم لها بود

- طبعا يا أبنتى تفضلى .

سألته بدورها عن مرام وما الذى كانت تفعله هنا وتابعت

- لقد كانت تسأل عن صالح .

بدت الفتاة قلقة ولم يلمها فهى أبنة عمه وتحبه منذ سنوات وهو عازف عنها وعن الزواج عامة ورؤيتها لمرام بجمالها الأخاذ جعلها تقلق فأراد أن يريح لها بالها وأخبرها ما أخبر به صالح منذ قليل فتهلل وجهها ولمعت عيناها أرتياحا وقالت بخفة وهى تقف

- سأرسل لك ملف المرتبات لمراجعته .

وبعد خروجها دفن وجهه بين كفيه متأوها .. ذلك الشبح اللعين الذى عاد ليطل بوجهه على حياته من جديد .. لم يتعذب رجل فى زواجه كما تعذب هو فى زواجه من علياء ..أحبها لدرجة الهوس بها .. كانت تصغره بخمسة عشر عاما وتلاعبت به حتى أفقدته عقله .. وعاملته بطريقة سيئة أهانته وأذلته كان يتذكر الايام التى كانت تطرده فيها من حجرة نومهما ويقف على بابها يتذلل لها كى تدخله وترضى عنه .. كانت تغازل رجال غيره دون أدنى أعتبار لوجوده برفقتها وعندما يثور لكرامته وغيرته عليها كانت تهدده بالطلاق وتذكره بفارق السن بينهما وبأنها شابة صغيرة ولها الحق فى مصاحبة من هم فى سنها وما كان يؤلمه وجعل روحه تتآكل بداخله أنه أصبح يتغاضى عما تفعل خوفا من تركها له .. ولم ينفعه كل التضحيات التى قام بها كى يحافظ عليها معه ففى النهايه تركته وما قالته وقتها كان فظيعا .. حتى اليوم لا ينسى وقفتها ولا صوتها الساخر القاسى وهى تقول له

- أنا أكرهك .. فأنت لست رجلا يملأ عين أمرأة .. لا أطيق لمستك على جسدى .. أشعر بالأشمئزاز لمجرد أقترابك منى .. أريد الطلاق .

سألها بغضب

- هل هناك رجل آخر ؟

- نعم .. وهو أفضل منك ويستحق أن يقال عنه رجلا على عكسك تماما .

لم يشعر بنفسه الا وهو ينهال عليها بالضرب وقد وصل صوت صراخها الى الجيران وكانت قد أستطاعت بطريقة ما الوصول الى الباب وفتحه فأنقذوها من بين يديه وما حدث بعد ذلك كان الأسوأ فقد سقطت علياء مغشيا عليها بين أيديهم واستدعوا سيارة أسعاف من أجلها وقد لحق بها الى المشفى وكانت تعانى من أرتجاج فى المخ نتيجة أصدام رأسها بشئ صلب كما كانت تعانى من كدمات فى وجهها وألتواء فى معصم يدها وبعض الخدوش فى جسدها .. لم يصدق أنه فعل بها كل هذا .. لم يكن ليتخيل أن يأتى يوما ويجرحها فيه ولو بكلمه وها هو يجعلها طريحة الفراش .. فجلس بجوار سريرها يبكى .. الغضب والغيره قد أعمياه ففقد السيطرة على نفسه ومن سخرية القدر أن الطبيب بعد أن أطلعه على حالتها قال له فى نهاية الأمر أن يحمد الله لأن كل ذلك العنف لم يؤثر على حياة جنينهما والا كانت ستصبح جناية قد تؤدى به الى السجن .. جاءت أمها بعد أن أبلغها الجيران بما حدث لأبنتها وكانت مواجهتهما شنيعة .. سبته بشده واتهمته بمحاولة قتل أبنتها وطفلها وقد شك وقتها أنها وأبنتها كانتا تعلمان بحملها وأرادت الطلاق قبل أن يكتشف ذلك وطلبت منه أن يطلقها والا سجنته وبعد أن تم لهما ما أرادا نظر الى علياء وطلب منها قائلا

- هذا الطفل لا أريده .. لا أريد أى شئ يربطنى بك أو يذكرنى بأننى تزوجت واحدة مثلك .

فردت عليه حينها بحقد

- ولا أنا أريده .. فى كل الأحوال كنت سأجهضه .

سافر بعدها الى بلدته فى البحيرة وبقى مع أمه التى أصبحت وحيده بعد وفاة أبيه وترك عمله فى البنك وأكتفى بالعمل كأجير لجمع المحاصيل فقد كان قد باع كل الأرض التى تركها له والده لكى يصرف ببذخ على زوجته الجميلة .. عمله كان شاقا ويشغله عن التفكير بحياته الفاشله حتى وصلته رسالة من أم علياء تطلب منه أن يذهب ليأخذ أبنته فقد تزوجت علياء ولم تأخذها معها وبحسبه بسيطه خمن أن عمر طفلته كان ستة أشهر فشعر بالغضب الشديد ولم يرد على الرساله وبعد أيام ماتت أمه فباع البيت وانتقل الى وادى النطرون وأجر حجرة صغيرة وعمل مؤقتا فى جنى ثمار الزيتون وعندما عرف صاحب المزرعة أنه كان يعمل محاسبا فى بنك طلب منه أن يعمل لديه فى المعصرة كمحاسب وكانت فى ذلك الوقت معصرة صغيرة بها آلات بدائيه على عكس ما هى عليه الأن وتعرف على أبنة صاحب العمل وكانت فتاة قليلة الجمال عليلة الصحه وتقدم لخطبتها فهى على عكس ما كانت عليه زوجته السابقة ليس لديها جمالا تغتر به ولن يطمع فيها رجال غيره وكانت طيبة ومطيعة وسيكون سيدها ورجلها الوحيد وذو قيمة فى نظرها .. حذره والدها بأن صحتها قد لا تتحمل الأنجاب فأخبره أنه لا يريد أبناءا ويكفيه أن تكون معه وكان لديه شرط ليبارك زواجهما أن يقيما فى منزل المزرعه حتى يكون هناك من يعتنى بها ويراقب صحتها فقبل بذلك ولم يعترض ومع مرور السنين أستطاعت زوجته بطيبة قلبها وبحنانها الجارف الذى غمرته به أن تنقيه وتطهره من السموم التى غرستها علياء بداخله وعرف الجمال الحقيقى الذى ينبع من داخل الأنسان .. الحب الأخلاص والمرؤة ونكران الذات .. مرت السنوات وهو راضى كل الرضى عن حاله ولكن ظهور أبنته .. تلك النسخه المكرره من أمها كان وكأن الماضى لم يمضى كما كان يظن وجراحة كانت ومازالت تنزف .. وكل همه الأن أن يتخلص منها ويعطيها ما تريد لتختفى من حياته وينسى وجودها تماما .


فيلا بالعجمى ( الأسكندرية )

هبط الليل وأنيرت الأضواء فى الفيلا والحديقة التى تحيط بها الأسوار والأشجار العاليه .. كان هناك حوالى العشرين فردا من بينهم وجوه جديدة تراهم مرام لأول مرة ولم تشعر بالأرتياح لوجودهم .. ليست أول مرة تحضر الى هنا مع أصدقاءها لقضاء اليوم فالفيلا لأحد أصدقاءهم ولكن بعض الوجوه الجديدة كانت تثير الريبة بداخلها فمالت على أذن صديقتها ميمي وهما جالستان على الشرفه المسقوفة وسألتها

- هل لاحظت هؤلاء الفتيات هناك .

ضحكت ميمي وهى تنظر الى خمسة فتيات جالسات فى حجرة الصالون التى تطل على الشرفه وهى ترد

- نعم .. سامح هو من أحضرهن .

سامح هو صاحب الفيلا فقالت مرام بضيق وهى تتأمل هؤلاء الفتيات بملابسهن الرخيصة والغير محتشمة والتى تدل على نوعيتهن

- لن أبقى طويلا اذن .. سأنتظر حتى أرى فودة ثم أذهب .

- لا تكونى مملة .. لقد أحضرهن للتسلية .. سيرقصن فقط .

نظرت اليها ساخرة قائلة

- يرقصن فقط ؟

وقفت مرام وتركت ميمي وحدها وذهبت للبحث عن فودة .. ووجدته فى المطبخ يجلس أمام المنضده الخشبية وأمامه زجاجة بيرة قد تجرع نصفها وعندما رآها أشار لها

- تعالى يا مرام لدي شئ لك .

أخرج ورقة ملفوفة من جيب قميصه وفضها أمامه على الطاولة فقالت مرام بجفاء وهى تجلس على المقعد المواجه له

- تعرف أننى لا أتعاطى الكوكايين .

هز كتفيه بلامبالاة ثم أخرج كارت الفيزا من محفظته وراح يقسم به المسحوق الأبيض الى صفوف وهو يقول

- لو جربته مرة لغيرت رأيك .. أنه يجعلك تحلقين فى عالم آخر .

قالت ساخرة

- معك حق .. لو جربته مرة لما تركته أبدا وأصبحت مدمنة مثيرة للشفقه مثلك .

ضحك بشده وقد أخذ ورقة فى ذلك الوقت وطواها كأنبوب وراقبته مرام بأسف وهو يسحب المخدر من فتحتى أنفه وبعد أن أنتهى أرجع رأسه الى الخلف مغلقا عينيه للحظات , سألته

- هل معك سيجارة ؟

دعك أنفه بقوة ونظر اليها بعينان حمراوان

- سادة أم محشوة ؟

- محشوة .

تناول علبة سجائرة وأنتقى منها واحدة تبدو مصنوعة يدويا وقال مبتسما

- ومن أجود الأنواع .

قالت ساخرة وهى تأخذها منه

- كثرة المال أفسدتك .

رد عليها ضاحكا بخبث

- وهل قلة المال لم تفسدك ؟

قالت ضاحكة بمرح

- معك حق .

سألها وهو يراقبها تنفث دخان سيجارتها بأستمتاع

- ماذا فعلت مع والدك ؟

تغضن وجهها بعبوس وقالت

- أتصل بى بالأمس .. قال أنه أستطاع تدبير المال الذى سيشترى لى به شقه .

- ومصاريفك ؟

- طلب منى أن أمهله بعض الوقت حتى يدبر مبلغ آخر .

- الأباء سيئون .

- والأمهات أيضا كذلك .

قال فودة عابسا

- أمى ليست سيئه تماما .. هى طيبة وساذجة .. يخونها أبى طوال الوقت مع قاذورات من نوعه وهى لا تنتبه له .. تعرفين أننى رأيته فى بيتنا بالساحل مع صديقة أمى المقربه ؟

شهقت مرام بذهول ثم أنفجرت ضاحكة

- هل أنت جاد ؟

ضحك بدوره بشدة

- نعم .. ذهبت الى هناك مع فتاة ألتقطها من على الطريق ولك أن تتخيلى الموقف عندما فتحت باب الشالية لأرى أبى الرجل المحترم وهو عاريا تماما ويرقص كالعاهرات ومعه السيدة المحترمة والتى كنت أناديها بخالتي ترتدى بذلة رقص مبتذلة .

وأستمرا فى الضحك بجنون حتى سالت الدموع من عيونهما ثم ألحت عليه لتعرف

- أخبرنى .. أخبرنى ماذا فعل حينها ؟

- نهرنى بشده لأننى أتيت دون أن أستأذن منه بالسفر .. وسألنى عن الفتاة التى كانت معى وماذا جئت أفعل بها ... هذا الوقح .

ثم تجهم وجهه فجأة وكف عن الضحك بعد أن سحب نفسا عميقا وهو يتابع بكره وألم

- كنت أعرف أن له علاقات بنساء أخريات .. ولكن رؤيته فى تلك الحالة كانت .. مقززة .. كرهته فوق ما تتصورين .. لو أنه قتل أمامي ومزق لأشلاء لما أطفئ ذلك النار التى كانت تشتعل بداخلى وقتها .

أبتسمت مرام بسخريه مريره

- أباء سيئون .. أمهات سيئات .. وصديقات خائنات .

دخلت ميمي فى تلك اللحظة ولاحظت وجوههم الكئيبة

- ماذا بكما ؟

قالت لها مرام ضاحكة بعبث

- تعالى أنضمى الينا فى نادى ضحايا الوالدين .

جلست ميمي وسحبت السيجارة من يد مرام وهى تقول

- أنا لا أشتكى .. يعيش والدي فى الخليج ليعملا كالبهائم ويرسلان لى ولأختى كل ما نطلبه .. المال والحرية بلا حدود .. فلماذا أتذمر من عدم وجودهما ؟ ما قيمتهما فى الحياة بالنسبه لنا ؟ .. حتى أننا لا نطيق الأجازة التى نقضيها بصحبتهما .

سحبت نفسا طويلا من السيجارة وزفرته ثم نظرت الى مرام وقالت

- كان معك حق .. هؤلاء الفتيات جاؤا لغرض آخر .. لن أبقى أنا أيضا .

أستفسر فودة عن الأمر فأطلعته مرام على أمر الفتيات اللاتى جاء سامح بهن فهب واقفا بحماس

- ستكون ليله بألف ليله .

وخرج من المطبخ وهو يرقص فنظرت مرام الى ميمي وسألتها

- هل أنت على ما يرام؟

أبتسمت ميمي بمرارة

- ولماذا لا أكون ؟ .. كان خطأى لأننى فرطت فى نفسى ورخصت من قدرى .. لن ينظر سامح الي على أننى فتاة تستحق أن تكون زوجة له .

مطت مرام شفتها السفلى بأزدراء

- من يظن نفسه .. هو ليس أكثر من داعر حقير .. وقبل أن يحاسبك فليحاسب نفسه أولا .

دمعت عينا ميمي وهى ترد بأنكسار

- ولكن هو رجل .. لن يحاسبه أحد .. ليتنى أستمعت لنصيحتك ولم أترك جسدى له .


****


العصافرة ( الأسكندرية )

أعجبت مرام بشقتها الجديدة بعد فرشها وقد ساعدتها ميمي فى ذلك .. كانت فى مبنى جديد كما طلبت وبها أمن وحراسة وهذا مطمئن لأنها سوف تعيش فيها لوحدها .. لم يبقى أبوها بصحبتها سوى نصف ساعة كتبا فيهما العقد مع صاحب العقار ودفع النقود وقبل أن يرحل وعدها أنه سيرسل لها دفعات من المال على فترات حتى يدبر أموره بمبلغ كبير يضعه كوديعة لها فى البنك وبعدها لا يريد رؤيتها مرة أخرى فى حياته فقالت بدورها ردا عليه

- وأنا أيضا سيسعدنى أن لا أراك أبدا فى حياتى مرة أخرى .

وتعجبت مرام كيف أنها لم تعد تشعر بالألم من تلك المواقف .. لا منه ولا من أمها التى لم تسأل عنها ولو مره منذ وفاة جدتها ولا من خالها الذى هو بمثابة أخيها والذى لم يسألها عما تفعله فى حياتها وكان منشغلا بأستعداده للزواج .. وقد أنتقلت اليوم الى بيتها الجديد ولم تخبره وبالتأكد قد لاحظ الأن أختفاء متعلقاتها من الشقة ولم يتصل بها ليعرف ما حدث لها .

وبعد أن مر عليها أسبوع فى شقتها الجديدة كانت خلاله وحيدة تماما .. فأصدقاءها ليسوا أصدقاء حقيقيين فهم للتسلية واللهو فقط وقد فكرت جديا بالعمل ولكنها لم تعمل ابدا فى حياتها لذلك كان البحث عن زوج ثرى هو الحل الأمثل بالنسبه لها كما نصحها خالها وكانت تفكر فى دائرة معارفها ولكنها أستبعدت معظمهم ان لم يكن جميعهم فالمجتمع السكندرى مجتمع صغير وذوى المال والنفوذ على معرفة ببعضهم البعض لذلك فأختياراتها محدوده جدا .. كان فودة فيما مضى مرشحا قويا وقد أحبها وتعلق بها ولكنها غيرت رأيها فيه عندما أكتشفت أنه مدمن ولكنها ستضعه جانبا ولن تبعده من حساباتها حتى تجد من هو أفضل منه .


****


منزل المزرعة

طرق صالح باب غرفة شقيقته نهال ودخل عندما أذنت له بالدخول

وجدها ممدده على الفراش وحولها الأغطيه .. كان وجهها الطيب شاحبا .. هكذا كان دائما ولكن الجديد كان ذلك القلق فى عينيها العسليتين كلون عيناه

أقترب منها وقبل جبينها وسألها

- كيف حالك حبيبتى ؟

ربتت على وجنته بحب

- أنا بخير حبيبى .. صرت تتأخر كثيرا فى العمل هذه الأيام .

أبتسم لها وهو يجلس بجانبها على الفراش

- أقترب موعد القطاف كما تعلمين والميكنة الجديدة فى المصنع تحتاج الى وقت حتى يعتاد العمال عليها .

- وفقك الله وحماك ورزقك رزق خير ان شاء الله .

تردد صالح قليلا قبل أن يسألها

- تقول أم عبيد أنك لست بصحة جيدة .. فهل هناك شئ يضايقك ؟

أنكرت على الفور

- لا أنا بخير .. أنت تعرف أم عبيد تهول الأمور دائما .

هز رأسه ثم سألها بشئ من التردد

- وعمى أحمد كيف حاله ؟

- بخير .. ألا تراه فى المصنع كل يوم ؟

- نعم .. ولكن فى الفترة الأخيرة أصبحت مشغولا عنكم أكثر من اللازم .

ربتت على يده برقه

- لا تقلق علينا .. نحن جميعا بخير ..

ثم أبتسمت له بمكر

- وأرجو أن تهتم بنفسك قليلا .. وتجعلنى أفرح بك وبأولادك عن قريب .

أبتسم لها مداعبا

- عندما أجد نصيبى لن أتردد .

قالت بأستنكار

- نصيبك أمامك طوال الوقت .. رباب بنت حلال وفتاة مهذبة ولاحظنا أنها تميل اليك فما عيبها .

قال بصبر

- أنها كل ذلك وأكثر وأنا أحترمها وأعزها ولكن كأخت لى .

- هراء .

- ليس هراءا .. أنها مشاعرى ولن أتزوج الا من فتاة أحبها .

- واين ستجدها .. هل ولدت بعد ؟

ضحك وقال

- أعتقد أنها ولدت بالفعل .. فأنا لن أتزوج من فتاة تصغرنى بثلاثون عاما .

بعد أن خرج صالح من عند شقيقته ذهب الى غرفته وأخرج ورقة من جيبه فيها حساب البنك الخاص بالمصنع فعندما سافر الى القاهرة ليأخذ سيارته من التوكيل ذهب الى فرع البنك هناك ليساوى بعض أموره الماليه وطلب كشوف حسابات أرصدته وعندما عاد الى المصنع وألقى نظرة على هذه الكشوف تفاجأ أن هناك مبلغا كبيرا لم يدخل الى الحساب والشخص الوحيد المسؤول عن ايداعه هو أحمد زوج شقيقته .. الرجل الذى رباه ويعتبره أبا ثانيا له وشعر بالخجل من أن يسأله وترك الأمر وكان هذا منذ شهر وبالأمس أعطاه مبلغ آخر ليضعه فى الحساب وعندما أتصل بالبنك اليوم عرف أن المبلغ لم يضاف الى الحساب والأن هو لا يعرف ما يجب عليه أن يفعل .. أيتهم زوج شقيقته بالسرقة ؟ أم يذهب ويسأله مباشرة ليفهم تفسيرة للأمر وهو متأكد أن هناك سبب قوى .. ولكن لو كان يحتاج للمال لماذا لم يطلبه منه فهو لن يعز شيئا عليه .. لقد تنازلت شقيقته له عن ارثها فى مال أبيهم وهو يدين لها ولزوجها بالكثير .. هناك سر ما خلف كل ذلك ويجب أن يعرفه .


****


كافيتريا دوار جحا على البحر

قالت مرام رافضة بشدة

- هذا أبعد من خيالك .. لن أعطيك مليما واحدا .

مال فودة الى الأمام وأمسك يدها بشده وهو يتوسل اليها

- أقسم أن أعيده اليك مضاعفا .. أنا فى حاجة ضرورية لهذا المال .

سحبت يدها منه بعنف

- أطلب المال من أبيك فهو ثرى جدا .

- أنه يرفض أعطائي شيئا .. لقد عرف بأننى أتعاطى ويظن أنه اذا منع عنى المال سوف أبطل .

قالت له بحده

- وما ذنبى أنا ؟ .. تعلم جيدا كيف حصلت على ذلك المال وأننى لن أحصل على غيره .

- قلت سأعيده لك مضاعفا وفى وقت قريب .. لماذا لا تثقين بي ؟

تلفتت حولها قبل أن تقول بصوت خافت

- لأنك ستنفقه على شراء المخدرات .

وعدها

- ليس هذه المرة .. سأستثمره فى عمل .

- وأى عمل هذا ؟

- تجارة مربحة جدا مع صديق لى .. بعض أجهزة المحمول مستوردة من الصين بسعر بخس وقد أتفقنا مع التجار سلفا وبمجرد تسليمهم الأجهزة سنحصل على المال وسأعيد لك نقودك مع الفائدة .

فكرت مرام للحظات وراحت تقلب الأمر فى رأسها ثم قالت

- قلت أنك ستعيد لى المبلغ مضاعفا .

رد بلهفه عندما رأى أن موقفها بدأ يلين

- نعم وفى خلال أسبوع على الأكثر .

لم تكن تشعر بالراحة ولكنها كانت تطمع فى المبلغ الزائد الذى سيأتيها وفى نفس الوقت عدم ثقتها فى فودة كانت كبيرة فهو شاب مدلل لم يعمل أبدا فى حياته من قبل كما أنه مدمن والمال الذى أعطاها والدها اياه كان آخر شئ سيعطيه لها وقد حذرها من اللجؤ اليه مرة أخرى من أجل الحصول على المزيد .

- سوف أعطيك المال على شرط أن تكتب لى وصل أمانة بضعف المبلغ الذى سوف تأخذه منى .

قال بحماس

- موافق .

لم تكن مرام قد وضعت المال وديعة فى البنك بعد كما أتفقت مع والدها وكانت تنوى ذلك فى الغد فأخذته كما هو وسلمته لفودة وقد سلمها هو وصل الأمانه ومر الأسبوع دون أن تسمع كلمه منه وقد حاولت الأتصال به وفشلت فأنتابها القلق الشديد خاصة وأن المال المتبقى لها من المبلغ الذى أعطاه لها خالها بدأ فى النفاذ فأتصلت ببعض أصدقاءهما وسألت ان كان أحدهم قد رأى فودة مؤخرا ولكن جميعهم قالوا أنه أختفى منذ فترة ويتصلون به ولكن هاتفه مغلق بأستمرار فأنتظرت يومين آخرين وعندما لم يظهر أخذت وصل الأمانة وذهبت لمقابلة والده .. فلا يهمها ان أغضبه ما ستقوم به فهى تحتاج الى نقودها


الفصل الثالث

من رواية .. وغابت شمسها


مقر شركة النجار بشارع فؤاد

لم تحاول مرام الأتصال ببيت فودة للسؤال عنه هناك فوالدته لا تحبها ولم تخفي يوما رفضها لعلاقتها بأبنها ولم تهتم مرام لتصحيح فكرتها عن نوع العلاقة التى تربطهما لذلك ذهبت لمقابلة والده ويدعى عصام النجار والذي وافق أن يقابلها على الفور بعد أن أخبرته سكرتيرته بوجودها ووقف عن مكتبه يرحب بها ببشاشة جعلتها حذرة فهو زير نساء متمرس .. ألتقته مرة واحدة من قبل فى حفل عيد ميلاد أبنته شقيقة فودة الصغرى منذ حوالى العام .. تأملته مرام مليا ورأت أنه رجلا وسيما وليس منفرا كما كانت تعتقد بسبب حكايات فودة عنه وكان أبنه يشبهه كثيرا وكما هو واضح يحافظ على لياقته البدنية وقدرت عمره من خلال ما يظهر عليه وهو أنه فى الأربعين وان كان عمره الحقيقى قد قارب الخمسين , طلب منها بأدب واللهفه فى عينيه

- تفضلى بالجلوس يا مرام .. أى ظروف سعيدة جعلتك تزورينى اليوم ؟

سألته برقة وقد بدأ عقلها يعمل بطريقه مختلفة الأن

- لم أكن أعتقد أنك ستتذكرنى يا سيدى .. فلم نلتقى الا مرة واحدة ومنذ مدة طويلة .

ضحك بفتنه

- أنا لا أنسى وجها جميلا أبدا وأنت كنت من صديقات أبنى المميزات .

وغمز لها وعيناه تحومان على وجهها وجسدها بطريقة أثارت قشعريرة باردة فى جسدها وأسعدتها فى الوقت نفسه فقالت بدلال

- شكرا لك .. أخجلتنى .

سألها عما تريد أن تشرب فرفضت عرضه قائله

- شكرا لك سيدى .. لم أحضر لآخذ الكثير من وقتك .

- لا أبدا أنت على الرحب والسعة .. كنت خارجا لتوى لتناول طعام الغداء بالخارج .

وقفت مرام بسرعة وتصنعت الحرج

- يبدو أننى أؤخرك .. سأعود فى وقت آخر .

وقف وهو يقول

- لا داعى لذلك .. يسعدنى أن ترافقينى ان لم يكن لديك ما يمنع وتخبرينى بما تريدين ونحن نأكل .

تظاهرت مرام بالتفكير وبالتردد قبل أن تقول بصوت متلعثم

- تشرفنى دعوتك يا سيدى .

لم ترى مرام الأستغراب على وجه السكرتيرة أو أحد من الموظفين وهى تخرج برفقته ويده تستريح على ظهرها بود .. لقد تغيرت خطتها بعد مقابلتها لوالد فودة ورأت مدى تاثيرها عليه وان كانت تبحث عن زوج ثرى فهو اذا المطلوب ولكنها حذرت نفسها بأن هذا الرجل أعتاد أن يحصل على النساء دون أرتباط رسمى ومقابل المال والهدايا فقط ويجب عليها أن تدفعه ليكسر تلك القاعدة من اجلها


مطعم بسان ستفانو

لم يدخر الرجل جهدا وفعله لفتنتها والتأثير عليها وضحكت على حكاياته ولولا ما تعرفه عنه لأعجبت به حقا .

وسألها وهو يشرب القهوة بعد الغداء وكانت هى قد طلبت مثلجات

- ما مدى علاقتك بفودة أبنى .

نظرت اليه ببراءة وهى تقول

- نحن أصدقاء .. كنا ندرس معا فى الجامعة وظلت صداقتنا قائمة من حينها .

- أعطانى فودة أنطباعا عندما سألته عنك مرة من قبل أن صداقتكما قد تجاوزت مرحلة الصداقه العادية وأن ما بينكما علاقه خاصة .

وضعت مرام ملعقتها فى طبق الأيس كريم بحده وعقدت حاجبيها بغضب

- هو من قال ذلك ؟ .. سيدى أنا وأبنك أصدقاء فقط ضمن مجموعة أصدقاء ولا يعنى لي أي شئ بخلاف الأخرين وأنا لن أسمح له أن يسئ الى سمعتى بقول شئ غير صحيح ومذل كهذا أمامك .

قال بسرعة يسترضيها

- لا تغضبى هكذا قد أكون أنا من فهم الأمر على غير حقيقته .

همت مرام بالوقوف وتعبير حزن على وجهها

- سأنصرف الأن وشكرا على الغداء .

وضع يده على يدها يوقفها

- ليس بعد .. فأنت لم تخبرينى ما جأت لرؤيتى بشأنه .

بدا خائفا من فكرة أنصرافها فقالت بخفوت وهى تعود للجلوس

- لا أظن أنك ستقبل طلبى بعد أن عرفت كيف تنظر لي .

قال بلهفة

- أعتبري أننى لم أقل شيئا .. وتأكدى أننى لا أنظر اليك بنظرة سيئة أبدا خاصة وقد تعرفت عليك عن قرب .. وأنا الأن أراك فتاة جيدة .. بل جيدة جدا .

أبتسمت فأزداد وجهها الرقيق أغراءا ورأت عيناه تبرقان بشدة وقد أحمرت وجنتاه وكان عاجزا عن أبعاد نظراته عن شفتيها

وتابع

- وأى شئ تطلبينه سيجاب على الفور .

أطرقت بوجهها تتصنع الخجل

- كنت أبحث عن عمل وولكن ليس لى خبره لأننى لم أعمل من قبل .

ضحك بسرور بالغ

- عمل ؟ لدى بالتأكيد عمل لك .. أنا فى حاجه لسكرتيرة .

قالت بدهشه

- ولكنى رأيت أن لديك واحدة .

- انها سكيرتيرة المكتب ولكنى فى حاجه الى سكيرتيرة شخصيه .

قالت وقد أنطوت كلماتها على سخريه لم ينتبه لها

- حقا ؟

- أعنى أنها تدير مكتبى واتصلاتى مع العملاء .. ولكن أنت ستكونين مساعدتى الشخصيه .. تديرين أمورى الشخصيه .


****


بدأت مرام العمل فى اليوم التالى مباشرة ولم تهتم لنظرات الموظفين ولا الى تهامسهم عليها خاصة وقد أصبحت بعد ايام قليلة تحتل مكانة كبيرة وهى مازالت صغيرة ولا تمتلك أى خبرة فى العمل وكان كل ما يقلقها هو ظهور فودة لأفساد خطتها التى تسير فيها بنجاح كبير .

كانت فى السابق تتساءل .. الى أى مدى قد يصل الرجل لكى يحصل على أمرأة يرغب بها ؟ وهذا ما أختبرته مع عصام .. ذلك الرجل المحنك صاحب الخبرات .. راح يلهث وراءها كمراهق عاشق يغار عليها من كل رجل تتحدث اليه أو تضحك له وكانت تتعمد فى بعض الأحيان أن تلاطف بعض العملاء أمامه وتعامله هو ببرود وتراه وهو يتلظى بنار الغيرة ويسعى لأرضاءها بشراء الهدايا لها والتى كانت ترفضها بحسرة فخطتها كانت طويلة المدى وهو أن تجعل هذا الرجل يتعلق بها لدرجة أن يطلب منها الزواج واستطاعت بمهارة أن توقف تحرشاته بها بتهديدها له بترك العمل وكانت قد أفهمته أنها تقيم مع خالها وأن والدها يأتى لزيارتها أسبوعيا وأمها تتصل بها طوال الوقت للأطمئنان عليها ومعرفة أماكن تواجدها حتى لا يظن أنها متاحة له وأنها بلا أهل يهتمون لأمرها وبعد عشرة أيام كان قد نضج تماما . أتصل بها خالها مروان فى الصباح وقال أنه سيمر عليها فى مقر عملها واستغربت .. أنهما على أتصال من وقت لآخر وكانا نادرا ما يتقابلان وقد زارها مع خطيبته مرة واحدة ليباركا لها على الشقة الجديدة ومن بعدها ظلت المكالمات الهاتفية هى الشئ الوحيد بينهما

نظر خالها الى مكتبها الأنيق وقال مازحا

- يبدو انك شخصية مهمه كى تحصلين على مكتب كهذا .

أبتسمت له بغرور

- أنا دائما مهمة .. ولا يجب أن تحقد علي اذا كان مكتبك فى شركة المحمول لا يضاهى مكتبى الجميل .

ضحك وقبل أن يجيب فتح الباب بحدة ودخل عصام وعيناه مشتعلتان من الغضب ونظر الى مروان

- سمعت أن لديك زائر خاص يا أنسه مرام .

وقفت مرام

- نعم سيدى .

وكادت أن تنفجر ضاحكة عندما أحمرت عيناه وكان على وشك الهجوم على خالها الذى جلس مدهوشا يحدق فى وجه الرجل الأكبر سنا والذى تابع بحدة

- الزيارات الشخصية ممنوعة أثناء دوام العمل .

كان يصرخ تقريبا ثم أنصرف وأغلق الباب بعنف , سقطت مرام على مقعدها وقد أنفجرت ضحكتها .. عبس مروان ونظر اليها قائلا

- يبدو كرجل سيفقد عقله من أجلك .

أبتسمت بجذل

- لا تشفق عليه .. فهو ليس ملاكا .

تأملها للحظات ثم قال متجهما

- أشعر بأننى السبب فى ذلك .. عندما نصحتك أن تبحثى عن زوج ثرى لم أقصد أن يكون رجلا من عمر والدك .

هزت كتفيها بالامبالاة

- الأختيارات بين الشباب محدودة وهم أكثر تفاهة وعوزا مهما كان أباءهم من الأغنياء .. صدقنى فابن هذا الرجل مدين لي بالمال .

تنهد خالها وقال بكآبه

- أحذرى منه اذن .. فقد يصبح الرجل خطيرا عندما يصل الى مرحله معينة من الضغط .

- لا تقلق علي خالى .. أننى قادرة على أن أجعله يأكل من يدى دون أن يمسنى سؤ .

بعد أنصراف خالها ذهبت الى مكتب عصام وهى تتصنع الغضب فأخذته على غرة

- لماذا فعلت ذلك ؟ .. لقد أحرجتنى أمام خالى .. ولقد طلب منى ترك العمل فورا وقال أنه سيخبر أبى وأمى وسيطلب أن يأخذنى أحدهما للعيش معه .

ثم أنهارت على المقعد تبكى بشدة من دون دموع , أسرع عصام يدور حول مكتبه وركع أمامها قائلا بندم

- خالك ؟ .. كان هذا الرجل خالك ؟.. ولماذا لم تعرفينى عليه على الفور ؟

قالت بمرارة وهى تحاول تجفيف دموعها الكاذبة

- أنت لم تعطنى فرصة لقول أى شئ .

تأوه وقال

- أنا آسف حبيبتى .. لقد شعرت بالغيرة عندما أخبرتنى السكرتيرة أن لديك زائر شاب .. طار عقلى ولم أنتبه الى تصرفاتى .. أنا آسف .

- وبماذا سينفعنى أسفك الأن .. سوف تجبرنى أمى على السفر والعيش معها فى الخليج أو يأخذنى أبى ويحبسنى فى مزرعته .. ولن .. لن أراك بعد اليوم .

شحب وجهه بشده وقال بذعر

- لا .. لا يا حبيبتى لن أسمح لهما بتفريقنا .. سنتزوج فورا ونضعهما أمام الأمر الواقع .

شهقت مرام تتصنع تفاجؤها بالأمر

- نتزوج؟ .. أنا وأنت؟ .. أحقا ما تقول ؟

أبتسم لها بحنان

- نعم .. سوف أفعل المستحيل كى تكونى لى .

تهلل وجهها من الفرح وطوقت عنقه بذراعيها وهى تهمس برقة

- حبيبى ..ظننتك ستتلاعب بي .

دخلت سكيرتيرته الى المكتب دون أن تطرق الباب وقالت عابسة وهى تراهما بهذا الوضع

- آسفة .. ولكن هناك أتصال ضرورى لحضرتك .

وقف وقال

- صلينى به .

أستأذنت مرام للأنصراف مبكرا بحجة أنها ستذهب لمقابلة خالها لأقناعة بعدم الأتصال بوالديها وقال لها عصام

- وسوف أتحدث اليه بنفسى قريبا أخبريه بذلك .

لم تعجبها نظرات السكرتيرة اليها وتوعدتها مرام بينها وبين نفسها عندما تصبح زوجة رئيسها سوف تعلمها كيف تحترمها

رن جرس هاتفها قبل أن تخرج من مبنى الشركة ووجدت رقما غريبا يتصل وعندما أجابت فوجأت بأنه فودة فشعرت بالقلق من أن يكون عرف شيئا عنها وعن والده

- مرام .. حبيبتى كيف حالك ؟

كان صوته مبتهجا فهدأت مخاوفها وقالت ببرود بعد أن تذكرت أختفائه بنقودها

- أنا بخير .. أين كنت مختفيا طوال هذه الفترة ؟

ضحك وقال

- كنت مسافرا .

كانت تعلم .. فقد ذكر والده أمامها أنه سافر فى رحلة الى تركيا عند أحد أصدقاءه ليقيم معه لبعض الوقت وقال حينها

- أحوال فودة لم تعد تعجبنى فى الفترة الأخيرة وأشك بأنه بدأ ينحرف ففضلت أن أبعده عن أصدقاء السؤ لفترة من الوقت .

وافقته وقد تعمدت أدعاء الجهل عندما حاول أن يستدرجها فى الكلام لمعرفة أى شئ عن أبنه

سألته

- ولماذا لم تتصل بى ؟

قال بمرح

- لأننى كنت أعرف أنك ستكونين غاضبة من أجل المال الذى أدين لك به ولو كلمتك ستنفجرين في غاضبة وتتهميننى بالتهرب منك .

- أليس هذا ما حدث بالفعل ؟

- لا .. غير صحيح بدليل أننى أتحدث اليك الأن لنتقابل ونتحدث بأمر نقودك .

أنفجرت به غاضبه

- أنا لا أريد الحديث .. أنا فقط أريد نقودى والا أشتكيتك فى النيابة بوصل الأمانة الذى معى .

ضحك بشده

- لا داعى لذلك .. سأعيد اليك المال كما وعدتك .. والأن أنا فى أنتظارك فى ديليس .. لا تتأخرى .


مقهى وحلوانى ديليس ( محطة الرمل الأسكندرية )

أعتادا أن يجلسا بالخارج ولكنها وجدته ينتظرها بالداخل وبعد دقائق لاحظت أنه متوترا ويتلفت حوله كثيرا فسألته وهى تقطع الكرواسون المغطى بالشيكولاته بسكينتها

- ماذا بك ؟

أبتسم لها وهو يبتلع قضمه من الجاتوة الذى طلبه

- لا شئ .. أفتقد المكان .. أشعر بأننى غبت عن الأسكندرية سنين وليس بضعة أيام .

ثم سألها مبتسما بخبث

- ماذا فعلت أثناء غيابى ؟ .. أخبرنى بعض الأصدقاء أنك كنت تبحثين عنى .. هل أفتقدتنى ؟

ردت ببرود

- بل أفتقدت نقودى .

ضحك بمرح

- قلبك قاسى .

كانت تريد أن تنهى علاقتها به ولكن ليس قبل أن يعيد لها نقودها فأبتسمت له برقه

- متى ستعيد لى المال .

رفع رزمه ملفوفه بورق بنى وموضوعه فى كيس بلاستيك .. ودهشت لأنها لم تنتبه الى انه يحملها وعندما قدمها لها أخذتها ووضعتها فى حقيبتها على الفور وهى تسأل

- المبلغ كاملا مع الفوائد التى أتفقنا عليها

- بلى .

نظرت اليه بشك

- لن أعيد اليك الوصل حتى أعد نقودى وأطمئن الى أنها لم تنقص شيئا .

وافق بسرعة وقد كسا الأرتياح وجهه وعندما عادت أخيرا الى شقتها وقبل أن تبدل ملابسها أخرجت لفافة النقود لتعدهم وبعد أن فتحتها شهقت بفزع وقد شحب وجهها من الرعب عندما أكتشفت أن الرزمة لا تحتوى على نقود وانما كيسين كبيرين من مسحوق أبيض داخل علبه مستطيلة

- كوكايين ؟ .. يا ابن ال ... يا ابن ال ..

أسرعت الى حقيبتها وأخرجت هاتفها بيد مرتعشة وبالكاد أستطاعت الوصول الى رقم فايد الذى رد على الفور فصرخت به تلعنه وتسبه

- ماذا تريد أن تفعل بى .. تسجنى .. تعلق رقبتى على حبل المشنقة .

قال محاولا تهدئتها

- لن يحدث لك شئ .. أعدك بذلك .. سيبقون معك ليلة أو ليلتين فقط وسوف آخذهم منك وأعطيك مالك وبزيادة عما أتفقنا .

صرخت بهيستريا

- لا أريد منك شيئا تعال وخذ ذلك الشئ والا ألقيت به فى المرحاض .

صاح بحدة

- اياك وفعل ذلك .. ستطير رقبتى ورقبتك ان فعلت .

أمتقع وجهها وسقط جسدها المنهار على الأريكة

- ماذا فعلت بى أيها الحقير .. لما زججت بى فى تجارتك الملعونة هذه .

قال من بين أسنانه

- أنت تريدين المال بشده ودون تعب وأنا أريده كذلك .. فما أهمية من أين يأتى اذن .. لا تتصلى بى مرة أخرى وهذا لصالحك حتى نطمئن أن لا أحد يتتبعنا .

مرت ليلتها هذه وكلها كوابيس مرعبة وهى تتوقع أن تطرق الشرطة الباب أو تحطمه وتقتحم بيتها لألقاء القبض عليها وزجها بالسجن , وقد أحتارت أين تخبئها وبعد تفكير طويل وعدة أماكن وضعت فيها المخدرات كانت تعود لتخرجها فكلاب الشرطه ستكتشف مكانها فى أى مكان فى الشقة وأخيرا توصلت لحل .. أحضرت حقيبة مشتريات قوية ووضعت بها الرزمه وربطتها بحبل ومن شباك الحمام الملحق بغرفة نومها ربطتها بيد النافذة جيدا وجعلتها تتدلى الى الخارج فما أن يحدث شئ حتى تقطع الحبل بكل سهوله وتجعلها تسقط .. شعرت ببعض الراحة ولكن الخوف لازمها بالرغم منها وفى اليوم التالى لم تستطع الذهاب الى العمل وعللت غيابها لعصام بسفرها لزيارة والدها لأنه مريض وكأن حجتها كانت سببا فى استدعاءه حقا وفوجأت بزيارته الغير متوقعة وعندما سألته بجفاء عن سبب الزيارة قال وهو يجلس بعدم راحة كما بدى على طرف الأريكة بحجرة الجلوس الصغيرة

- أنا فى الأسكندرية من أجل العمل وفكرت فى زيارتك لأرى أحوالك .

لم تفسر حجته على أنها أهتمام منه بها وانما ليطمئن الى أنها لم تنفق المال وأنها لن تلجأ اليه من أجل المال مرة أخرى وصدق حدثها عندما سألها عن أحوالها الماديه فردت عليه بسخرية كان يستحقها

- أطمئن مازال معى نقود وقد وجدت عملا أتلقى منه راتبا جيدا جدا لن يحوجنى لك أو لغيرك بعد الأن .

وقف بعدها منكس الرأس وهو يقول

- هذا جيد .. سأنصرف الأن اذن .

وخرج بعدها على الفور بدون أن ينظر اليها وادركت بعد لحظات بأنها وقفت ساهمة تنظر فى أثره وشعور بالحزن يكتنفها .. تمنت للحظه لو أنه كان يهتم حقا .. ربما لو كان .. لم تورطت مع فودة ولم ترهن شبابها وحياتها من أجل المال والأمان لرجل بعمر والدها .

وعندما ذهبت الى العمل فى اليوم التالى سألها عصام ان كانت قد حدثت والدها عنه ولكنها نفت ذلك وظلت طوال الوقت قلقة وشاردة الذهن وظن عصام أنها قلقة بسبب رد فعل أسرتها على علاقتهما ولم تنفى ظنونه وبقيت فى المكتب حتى السادسة مساءا وكان ليل الشتاء قد هبط سريعا وأزدادت برودة الجو وخلت الشوارع الجانبية لشارع البحر من الزحام خاصة فى المنطقة التى تسكن بها والتى كانت تتميز بالهدؤ الشديد , نزلت من سيارة الأجرة قبل شارعها بمسافة قصيرة أمام السوبر ماركت وأشترت التونة والجبن والخبز من أجل العشاء وكانت تسير فى الشارع الذى توجد به بنايتها عندما سمعت صوت فودة يناديها بحدة

- مرام .

كان يقف بجوار سيارة ليست له وبداخلها شخص ما لم تتبين ملامحه فى الظلام

تقدم منها فوقفت تنتظره وهى تتلفت حولها بقلق فربما يكون مراقبا من الشرطة .. وكان يجب أن يحذرها بأنه سيأتى الليله ليأخذ المخدرات ولكنها شعرت بالذعر عندما رأت وجهه المكفهر والنظرة الأجرامية التى فى عينيه فابتلعت ريقها بصعوبة وتراجعت خطوة الى الوراء بحذر

- فودة .. ماذا تفعل هنا ؟.. ولماذا لم تتصل بى أولا ؟

كانت تتلفت حولها بتوتر أثناء كلامها .. كان الليل ساكنا والشارع هادئ وخاليا من الناس وكانت تبعد عن البناية التى بها شقتها حوالى الخمسين مترا تقريبا وان صرخت ربما لا يسمعها رجل الأمن وراحت بسرعة تقيس المسافة وتقدر سرعتها لو هى جرت وصرخت .. تعالت ضربات قلبها وتسارع تنفسها عندما أصبح فودة أمامها شعرت بصهد كراهيته تهب فى وجهها فأشتدت أصابعها على حقيبة مشترياتها وقد أضعف الخوف ركبتيها

سألها بشراسة

- ما الذى بينك وبين أبى ؟

تراجعت الى الخلف حتى أصطدمت بسيارة متوقفه بجانب الرصيف وسألته

- ماذا تعنى ؟

صرخ بها

- لعنك الله .. ما الذى بينك وبين ذلك الداعر ؟

هزت رأسها وقد أستحال وجهها الى صفحة بيضاء

- لا شئ ..

قاطعها بصفعة قوية أجفلتها وآلمتها فصرخت ورفعت ذراعها أمام وجهها لتحميه

- لا تكذبى أيتها الحقيرة فأنت تعملين لديه فى الشركة .

قالت باكية وهى ترتجف خوفا

- نعم .. ذهبت اليه للسؤال عنك أولا وعرفت أنك سافرت .. وكنت بحاجة للعمل فقد فقدت الأمل فى أن تعيد لى نقودي .. فطلبت منه عملا ووافق .

جذبها من شعرها بعنف

- بالطبع وافق فقد أعجب بك عندما رآك فى حفل شقيقتى العام الماضى ولكننى أفهمته أنك لى ومع ذلك سعى خلفك السافل وأنت سمحت له .

جرها اليه بقسوة وهو مازال يشد على شعرها فقالت تتوسل اليه وهى ترتجف بعنف

- صدقنى الأمر ليس كما تتصور ..

سألها بقسوة

- هل نمت معه ؟

أقسمت له باكية

- أقسم لك .. والله لم يحدث ذلك .. أنت تعرفنى .. أنا لا أفعل شئ كهذا .

قال بشراسة وهو يهزها

- نعم أعرفك .. أعرفك جيدا .. أعرف أنك حقيرة بلا أخلاق تبيعين نفسك للشيطان من أجل المال .. رأتك سكرتيرة أبى وأنت بين ذراعيه وأخبرت أمى .. سمعته وهو يعرض عليك الزواج .

أنتهزت مرام فرصة تراخى يده قليلا ودفعته عنها ثم ضربته بقوة بحقيبة المشتريات فى وجهه وعندما تركها للحظة جرت بسرعه تجاه بنايتها وهى تصرخ وتصرخ بهستيرية لعل أحد يستمع اليها ويأتى لنجدتها ولكن أستطاع فودة اللحاق بها بسرعة وجذبها بقوة من ذراعها فسقطت على الأرض بعنف على وجهها وسقط هو فوقها فشعرت بذراعها ينثنى تحتها بقسوة فصرخت من الالم .. أدارها لتواجهه بلا رحمة .. قاومته بكل قوتها ولكنه أستطاع أن يشل حركتها وهو جاسم فوقها ويلف أصابعه حول رقبتها ويضغط عليها وقد فقد السيطرة تماما على نفسه واتسعت عيناه بجنون .. سوف تموت على يديه .. شعرت بأطرافها تتراخى وانقبضت رئتاها وجحظت عيناها واحتقنتا وكادت حنجرتها أن تتحطم تحت قوة أصابعه ثم سمعت صوتا يحث فودة على تركها قائلا بعصبيه

- أتركها أيها الغبى ستقتلها .. هيا بنا قبل أن يلحقوا بنا ...

وفجأة جاء الخلاص سمعت أولا أصوات تصيح من بعيد وخطوات تعدو نحوهما بسرعه وترك الشاب الآخر فودة وحده وتقهقر بسرعه الى الخلف عندما رفض ذلك الأخير تركها .. قدم قوية طارت أمام وجهها وأطاحت بوجه فودة فاندفع جسده الى الخلف بعنف فتركها والشخص الذى ركله أسرع يمسك به ويرفعه على قدميه ويسدد له لكمه قويه فى معدته .. جلست مرام بصعوبة وتوقفت عن متابعة الصراع الذى يجرى أمامها وهى تشهق بقوة لتتنفس وانضم شخص آخر يساعدها على الوقوف ويطمئن على حالها وكان رجل أمن البناية التى تسكن بها وفى نفس الوقت أستطاع فودة أن يتملص من يد الرجل الآخر وهرب مستقلا السيارة التى كانت تنتظره والتى أقلعت به على الفور قبل أن يلحق به الرجل الذى عاد ليقول بصوت لاهث

- لقد فرا بسيارة .. لن نستطيع اللحاق بهما .

سأله حارس الأمن

- ألم تستطع أخذ أرقام السيارة ؟

رد عليه

- للأسف لا .

سألها حارس

- هل أنت بخير يا أنسه مرام ؟

حاولت أن تهز رأسها وتسيطر على شهقاتها المتتالية لترد عليه ولكن صوتها كان مختنقا داخل حلقها وتابع الحارس وكان يوجه كلامه الى الرجل الآخر

- أنها الأنسه مرام التى كنت تسأل عنها يا أستاذ .

رفعت مرام رأسها قليلا فظهرت ملامحها للرجل الممسك بها فصاح ذاهلا

- هذا أنت ؟!!!!!

**************



الفصل الرابع

من رواية .. وغابت شمسها


وفجأة جاءها الخلاص .. سمعت أولا أصوات تصيح من بعيد وخطوات تعدو نحوهما بسرعه وترك الشاب الآخر فودة وحده وتقهقر بسرعة الى الخلف عندما رفض ذلك الأخير تركها ..

قدم قوية طارت أمام وجه مرام وأطاحت بوجه فودة فاندفع جسده الى الخلف بعنف وأجبرته على تركها .. والشخص الذى ركله أسرع يمسك به ويرفعه على قدميه ويسدد له لكمة قويه فى معدته جعلته يتأوه ألما .. جلست مرام بصعوبة وتوقفت عن متابعة الصراع الذى يجرى أمامها وهى تشهق بقوة لتتنفس وانضم شخص آخر يساعدها على الوقوف ويطمئن على حالها وكان رجل أمن البناية التى تسكن بها , أستطاع فودة أن يتملص من يد الرجل الآخر ويهرب مستقلا السيارة التى كانت تنتظره والتى أقلعت به على الفور قبل أن يلحق به الرجل الذى عاد ليقول بصوت لاهث

- لقد فرا بسيارة .. لن نستطيع اللحاق بهما .

سأله حارس الأمن

- ألم تستطع أخذ أرقام السيارة ؟

رد عليه

- للأسف لا .

سألها حارس

- هل أنت بخير يا أنسه مرام ؟

حاولت أن تهز رأسها وتسيطر على شهقاتها المتتالية لترد عليه ولكن صوتها كان مختنقا داخل حلقها وتابع الحارس وكان يوجه كلامه الى الرجل الآخر

- أنها الأنسه مرام التى كنت تسأل عنها يا أستاذ .

رفعت مرام رأسها قليلا فظهرت ملامحها للرجل الممسك بها فصاح ذاهلا

- هذه أنت ؟!!!!

لم تعى مرام ما يعنيه وحاولت الوقوف متحاملة على يديها فصرخت من الألم فقال لها الرجل بخشونة

- أنت فى حاجة للذهاب الى المشفى .

قالت بصوت مرتجف وهى تضم ذراعها المصاب بيدها السليمة

- لا .. أنا بخير .

حاولت الوقوف مرة أخرى وعندما فعلت ترنحت وقد عجزت قدماها عن حملها وكادت أن تسقط فتلقاها الرجل بين ذراعيه فى حين قال له حارس الأمن

- أنها فى حالة اعياء شديدة .. أخشى أن تكون أصاباتها خطيرة .

قال الرجل الآخر بحزم وهو يحملها بين ذراعيه بسهولة ويسير بها

- سآخذها الى المشفى .

لم تعترض مرام ولم تستطع قول شئ فقد كانت شبه فاقدة للوعى وعندما وضعها فى المقعد الخلفى لسيارته تركت نفسها للظلام وجسدها يرتعش وكانت عاجزة حتى عن البكاء .

نظر صالح الى الفتاة النائمة على المقعد الخلفى لسيارته ووجهه مكفهر ويشعر بالضيق .. لقد جاء لرؤية المرأة التى عرف أن زوج شقيقته على علاقة بها والتى يسرق المال من أجلها .. لم يتوقع أن يجدها هى نفسها تلك الفتاة الشابة التى رآها تخرج معه من المصنع منذ أشهر قليلة وأدعى وقتها أنها أبنة صديق له .. ومما عرفه من موظف الأستقبال فى حينها أنها جاءت تسأل عنه .. عن صاحب المصنع فاعتقد صالح بعد أن عرف بعلاقتهما أن زوج شقيقته قد أدعى ذلك أمامها كي يغريها بالمال .. أنها باحثة عن الذهب لا أخلاق لها .. أشاح بوجهه عنها وهو ينطلق بسيارته .. سيساعدها فقط أرضاءا لضميره وانسانيته .


****


مشفى مبرة العصافرة

أوقف صالح سيارته أما باب المشفى وكانت الأقرب لمكان سكنها وقد نصحة بها حارس أمن البناية الذى أصر على الذهاب برفقته وقد شعر بمسؤليته تجاهها وترك زميلة وحده وأثناء الطريق قال له

- فتاة مسكينة .. صدمها ما حدث لها بالتأكيد .. أرجو أن تكون بخير ولم تتأذى كثيرا

لا يجب أن تترك فتاة شابة وجميلة مثلها لتعيش وحدها .. لا أعرف كيف يفكر والديها .. نحن فى زمن عجيب .. وهؤلاء الشبان أصبحوا خطرين .. لعن الله المخدرات التى تذهب بعقولهم .

ثم نظر الى مرام مشفقا وكانت قد فتحت عيناها وبدأ ذهنها يصفو وعندما توقفت السيارة أخيرا حاولت فتح باب السيارة لتخرج منها ولكن صالح منعها وهو يقول ..

- أبقى مكانك سنحضر لك كرسيا .

أسندت رأسها على جانب الباب وقد أصبح ألم ذراعها لا يطاق وشعرت به قد تورم .. انتظرت الى أن أحضر حارس الأمن أحد العاملين بالمشفى وهو يدفع أمامه كرسيا متحركا .. أنزلت قدميها وحاولت الوقوف

ولاحظ صالح أنها تتحرك بصعوبة فزمجر بنفاد صبر ومد يد ورفعها بسهولة من تحت كتفيها وساعدها على الجلوس .. كانت يداه خشنتان فظنت مرام للحظة بأنه سيقذف بها على المقعد ولكنه أجلسها برقة وبدأت تتساءل من يكون هذا الرجل وتذكرت أن الحارس قد ذكر أنه كان يسأل عنها فرفعت وجهها اليه لكي تتبين هويته ولكنه كان قد أصبح خلفها يدفع مقعدها بنفسه .

فى الأستقبال وقف صالح أمام موظفة الأستقبال يقول

- أرجوك أنها حالة طارئة .. لقد تعرضت الأنسة الى حادث أعتداء فى الشارع ويجب أن يراها الطبيب فورا .

سألته

- الأسم من فضلك .

رد

- صالح حسن الديب .

أبتسمت الموظفة وقالت

- أقصد أسم الحالة .. الأنسة .

- آه نعم .. آسف .

واستدار الى مرام وسألها

- يريدون أسمك .

أجابت بوهن

- مرام أحمد سلام .

رمشت عينا صالح متفاجئا وردد

- مرام أحمد سلام ؟

رفعت وجهها اليه بضيق وقالت

- نعم .

رأته يحدق فى وجهها بصدمة ودهشه شديدة .. أستطاعت مرام أن تتبين ملامحه بوضوح الأن وشعرت بأنها تعرفة وقد رأته فى مكان ما من قبل .. ولكن قبل أن تتذكر كان قد أستدار الى الموظفة ليسجل أسمها .

مرت ساعة أخذت مرام خلالها الى حجرة الأشعة لفحص ذراعها ثم حولت الى قسم العظام لتجبيرها وكان طبيب الأستقبال قد عالج خدوش وجهها وكتب لها دواءا مهدئا ومسكنات ونصحها بأن تأخذهم فور عودتها الى بيتها .. لم يتركها صالح طوال الوقت وقد صرف حارس الأمن كى يعود الى مناوبته وطمئنه الى أنه سيعتنى بها ويعيدها بنفسه الى البيت وقد أكد له أمام دهشة مرام بأنها تكون قريبته وعندما همت بالأعتراض قال بأبتسامة متجهمة

- والدك يكون زوج شقيقتى .

تعجبت مرام لتلك المعلومة ولكنها لم تقف عنها كثيرا وأكدت للحارس بأنها ستكون بخير وشكرته على تعبه .


****


ساعد صالح مرام على الصعود الى سيارته وذراعها اليسرى معلقة برقبتها وعندما نظرت الى السيارة تذكرتها جيدا وتذكرت صاحبها أيضا ولكن ما لم تكن تعرفه أنه هو نفسه شقيق زوجة أبيها والذى يمتلك كل شئ كما أخبرها والدها فسألته بمجرد أن صعد الى السيارة بجوارها

- لماذا أنت هنا .. ولماذا جئت تسأل عنى .. هل لأبى علاقه بالأمر ؟

أبتسم لها وعلى وجهه ما يشبه الشعور بالذنب

- كل هذه الأسئله ؟ لماذا لا أعيدك الى بيتك الأن .. لتستريحى وغدا ان أستطعت الخروج نلتقى ونتحدث .

أنتفض جسدها بشكل ظاهر عند ذكره عودتها الى البيت .. تعود الى بيتها ؟ وفودة .. والمخدرات التى تركها عندها ؟ .. سيعود بالتأكيد ليطالبها بها أو لينتقم منها ويكمل ما بدأه وقد لا تجد من ينجدها منه هذه المرة .

لاحظ صالح شحوب وجهها ونظرة الخوف فى عينيها فقال

- ماذا بك ؟ يبدو أن أثار الحادث النفسية كانت أكثر ضررا عليك من الأضرار الجسدية .. هل تريدين عمل بلاغ فى قسم الشرطة ؟ .. لو تعرفين شيئا عن هذين الشابين فقد نستطيع ..

قاطعته مرام بتوتر

- لا لا .. لا أريد عمل أي بلاغات .. فأنا لم آراهما جيدا .. ولا أريد أن يساء الى سمعتى .. فكما تعلم أنا أعيش بمفردى .

عبس صالح وقال بأنفعال

- وهذا ما لا أفهمه .. لماذا تعيشين بمفردك ؟

قالت مرام بصوت متعب

- هذا شئ لا حيلة لى به صدقني .

- كيف ستقضين الليله وحدك وأنت بتلك الحالة .. أليس هناك أقارب تذهبين اليهم أو أحد منهم يأتى للعناية بك ؟

لقد فكرت أن تذهب الى بيت خالها أو الى بيت ميمى صديقتها ولكن فودة يعرف بيت عائلتها وبيت ميمى كذلك وسيتوقع لجوئها الى أى منهما , قالت

- لا .. ليس لدي أحد .

- اذن ستأتين معى .

استدارت اليه بحده

- أذهب معك الى أين ؟

- الى المزرعة .

- لا .. سيغضب أ.. أبى ان ذهبت .

- سوف أتصل به وأخبره بما حدث لك .

أرتبكت مرام وسألته بشك

- هل يعلم أنك تعرف بشأنى ؟

وعندما تردد فى الأجابة بدأت تشعر بالريبة .. ثم قال بأسف شديد

- فى الحقيقة يخجلنى ما كنت أفكر به بشأنكما .

همت بأن تسأله عما يعنيه ولكنها صمتت .. حياتها معقدة بما فيه الكفاية ولا تحتاج الى مزيد من التعقيد من شخص لا تعرفه ولا تريد أن تعرفه ثم تذكرت حقيبتها فقالت

- أين حقيبتى ؟

قال

- أنها بالخلف .

تناولتها وأخرجت هاتفها منها ووجدت العديد من الأتصالات من فودة ووالده ورسالة من فودة كلها تهديد ويحذرها فيها من العبث بالأمانة التى لديها ويقصد بها المخدرات والا.. رفضت ان تقرأ بقية الرسالة التى تحتوي على شتائم بذيئة فأغلقت الهاتف نهائيا وتمنت بشراسة لو يحرق كلاهما .. هو ووالده فى نار جهنم ويبتعدا عنها ولكن.. فودة لن يبتعد .. فكرت بيأس .. لقد أصبحت فى وضع صعب والأختفاء هو الحل الأمثل لها لذلك عليها الموافقة على أقتراح ذلك الرجل الذى لا تعرف أسمه حتى الأن

- وهل سيقبل أبى بي ؟ .. فزوجته .. أعنى شقيقتك لا تعرف عنى شيئا .

تنهد صالح وقال عابسا

- سوف أجد حلا .. لا تقلقى .. سوف آخذك الأن الى بيتك ترتاحين قليلا وتجهزين أمتعتك وفى الصباح الباكر سنكون فى طريقنا الى المزرعة بأمر الله .

وهل ستبيت الليلة وحدها ؟ .. سوف يعود فودة .. وهو قد أصبح الأن على علاقة بتجار مخدرات مجرمين ورجل الأمن كبير فى السن وقد لا يستطيع مقاومتهم ومنعهم عنها

- وأنت .. أين ستقضى ليلتك ؟

- سوف أجد لى غرفة فى أحد الفنادق .. لا تشغلى بالك بى .

لقد فهمها بطريقة خاطئة فهى لا تشغل بالها به أنها تبحث عن طوق نجاة لنفسها .

ترددت للحظات قبل أن تقول

- فى الحقيقة أنا مازلت خائفة من البقاء وحدى بعد ما حدث .. هل نستطيع السفر الليله ؟

رقت نظرات عينيه وقال لها مطمئنا

- نعم نستطيع بالطبع .

تنهدت بارتياح واستندت على ظهر مقعدها واغلقت عينيها .. تأملها صالح للحظات بشفقة ثم ادار محرك السيارة وانطلق بها


****


جمعت مرام ملابسها فى حقيبتين متوسطتي الحجم ووضعت مستلزماتها الشخصية فى حقيبة ظهر واحتارت أين ستضع لفافة فودة فقد قررت أخذها معها حتى تجبره على أن يعيد اليها نقودها أولا .. وفى الأخير أستقرت أن تضعها فى جيب حقيبة ملابسها .

عندما أنتهت قامت باستدعاء حارس الأمن عن طريق جهاز الأستدعاء الداخلى ولكنها فوجأت بأن صالح هو من آتى وقال لها مبتسما

- كنت جالسا مع عم محمود بالأسفل .. لقد دعانى لشرب كوب من الشاى .

ابتسمت له ابتسامة مجاملة وشكرته عندما حمل حقائبها ووضعهما فى المصعد ثم تنحى ليسمح لها بالدخول أولا .

قبل أن تصعد مرام الى السيارة تلفتت حولها قلقة من أن يكون فودة مختبئا فى مكان ما ويراقبها ولاحظ صالح حركتها وقال

- لا تخشى شيئا فأنا معك .

ثم استطرد مبتسما

- معك ضابط شرطة سابق .

ألتفتت اليه بحده وقالت

- قلت ضابط شرطة ؟

صحح لها قائلا

- وقلت سابق .

تمثلت أمام عينيها لفافة المخدرات القابعة فى قعر حقيبة ملابسها وابتلعت ريقها بصعوبة وسألته

- ولماذا سابق .. ماذا فعلت ليطردونك من الخدمة ؟

ضحك بمرح وقال

- لم يتم تسريحى أو طردي كما تقولين .. لقد قدمت استقالتى بمحض ارادتى .

- لماذا ؟

أجابها وكانا قد أصبحا خارج شارعها الأن

- عندما أصبح أبى مريضا وغير قادر على ادارة المزرعة والمصنع رأيت أن من واجبى مساعدته .

- لا أرى ثمة علاقة بين عملك كضابط شرطة ومزارع .

- انا مزارع قبل أن أكون ضابط شرطة وكنت اساعد بعمل المصنع منذ كان عمرى عشر سنوات وكنت أعى جيدا أننى سأدير كل هذا فى يوم من الأيام .

استدارت اليه بفضول وسألته

- ولماذا ألتحقت بكلية الشرطة اذن ؟

ابتسم

- نوع من التمرد فى الواقع .. طريقى كان مرسوما ومستقبلى محدد منذ صغرى ووالدى كان شخصية قوية شديد الحماية يخاف علينا كثيرا .. أعنى أنا وشقيقتى .. فأردت أن أثبت شخصيتى .. هذا كل شئ .

فكرت مرام بمرارة شاخرة .. لا أحد يعجبه حاله .

قال صالح وهو يتأمل وجهها المجهد

- حاولى أن تنامي قليلا فأمامنا طريق طويل وأنت تبدين متعبة .

أشاحت وجهها ناحية كورنيش البحر الهادئ والسيارة تسير بسرعة وبعد قليل أغلقت عيناها وضمت معطفها الثقيل حول رقبتها وقد شعرت بجفنيها ثقيلان ربما كان هذا من تأثير المسكن القوي الذى وصفه لها الطبيب بالمشفى ..

لم تدرك أنها نامت الا عندما شعرت بيد تهزها من كتفها ففتحت عينيها مجفلة ووجدت صالح يبتسم لها .. اعتدلت فى جلستها وقد لاحظت أنه قد دثرها بمعطفه أثناء نومها نظرت الى خارج السيارة وكانا متوقفين فى محطة بنزين

- أحضرت لك عصيرا وشيئا لتأكلينه .

كان يمد لها يده بعلبة عصير وشطيرة ملفوفة .. لم تكن جائعة ولكنها كانت عطشة .. سألها وهو يفتتح لها غطاء زجاجة العصير لعجزها عن فتحها بسبب ذراعها

- هل تناولت دواءك ؟

هزت رأسها ايجابا

- أخذت المسكن .

وأستأنفا السير .. نظرت مرام الى ساعة هاتفها ولكنه كان مغلقا .. أغلقته حتى لا يلاحقها فودة أو والده فسألت صالح عن الوقت فأخبرها

- الواحده والنصف .

فكرت .. الواحدة والنصف بعد منتصف الليل .. بذراع مكسورة وفى حقيبتها كمية من الهيروين تكفى لتعليق رقبتها على حبل المشنقة .. ومسافرة مع شخص غريب قد صدقت بسهولة ما أخبرها به عن علاقته بوالدها .. ان رأسها يكاد ينفجر من كثرة القلق والتفكير فى المصائب .

من على مسافة بعيدة كثرت الأضواء وبدأ صالح فى تهدئة سرعته فسألته مرام وهى تمد بصرها أمامها

- ماذا هناك ؟

أجاب بلامبالاة

- أنه كمين للشرطة .. ليس حادثا لا تقلقى .

هل يقول لها أن لا تقلق ؟ .. شعرت بأن كل نقطة دماء فى عروقها قد جفت ودارت الدنيا بها فسألها صالح بقلق وهو يوقف سيارته وراء صف السيارات المنتظره دورها فى التفتيش وقد لاحظ ما انتابها من شحوب شديد وكان جسدها يرتجف بطريقة غير طبيعية

- هل أنت بخير ؟

هزت رأسها نفيا وقد زاد من ذعرها رؤيتها لكلاب الشرطة وهى تحوم حول السيارات وتتشممها .

أمسك صالح يدها الباردة كالثلج بين يديه .. لا لم تكن بخير وقد أخافه منظرها وعاد يسألها

- بماذا تشعرين ؟

نظرت اليه بنظرات زائغة كلها رجاء وتوسل

بحث صالح عن زجاجة الماء وناولها لها

- أشربي بعض الماء .

ولكنها عجزت عن رفعها الى فمها وقالت بصوت لا يكاد أن يسمع

- لا أريد أن أذهب الى أي مكان .. أريد أن أعود الى بيتي .

أحتار صالح فيما يفعل وهو يراها ترتجف بهذا الشكل .. كانت على ما يرام تقريبا حتى لحظات قليلة مضت .. فما الذى حدث ؟

أطلق صالح زمور السيارة بعصبية وعلق يده عليه وبعد لحظات كان يقترب من سيارته أمين شرطة ومعه أحد المجندين وسأله بشئ من الغلظة

- ماذا يحدث ؟

- معى مريضة واحتاج للتحرك فورا .

نظر أمين الشرطة بريبة وشك الى كلاهما وركز بصره لبعض الوقت على مرام ثم انصرف وعاد بعد قليل مع أحد الضباط الذى كان يرتدى ملابس مدنية وقال بسرور بالغ فور رؤيته لصالح

- صالح .. هذا أنت؟

نظر صالح الى جلال صديقه وزميله السابق وقال بتوتر وهو يحاول بعجز تهدئة مرام التى كانت قد أنخرطت فى البكاء بهيستيرية

- جلال .. كيف حالك ؟

عقد صاحبه حاجبيه وهو ينظر الى مرام من نافذة السيارة

- أنا بخير .. ماذا يحدث معك ؟ هل هذه زوجتك ؟ .. هل هى بخير ؟

قال بنفاذ صبر

- أنها ليست زوجتى ... كنت سأدعوك لوفعلت وتزوجت .

وبسرعة شرح له الأمر وحادث الأعتداء الذى تعرضت له مرام

- أعتقد أنها صدمة متأخرة .. هل تسمح لنا بالمرور أحتاج أن أصل بها الى البيت بسرعة .

قال جلال على الفور

- بالطبع .. هل أنت فى حاجة الى مرافق معك .

- لا داعى لذلك .. أستطيع تدبر أمري .. واذا تعقد الأمر سآخذها الى أقرب مشفى .

كانت مرام تصغى الى المحادثة وقد بدأت أنتفاضتها تهدأ ولكن نشيج بكاءها زاد .. جزء منه كان من الراحة وبعد أن سمح لهما بالمرور تكورت فوق مقعدها وتظاهرت بالنوم .


****


أوقف صالح السيارة أمام منزل عمه المؤلف من طابقين ونزل من السيارة بحرص حتى لا يوقظ مرام , كانت البوابة مغلقة بالطبع فى هذه الساعة من الليل فأخرج هاتفة المحمول وطلب رقم رباب .. أجابت بصوت ناعس

- صالح .. هل هناك شئ؟

- أنا هنا أمام البوابة .. هل تفتحين لى .. معى ضيفة ؟

مرت لحظات من الصمت جاء بعدها صوت رباب أكثر وضوحا

- طبعا .. طبعا أعطنى دقيقة .

أغلق الهاتف وعاد الى السيارة ومال على مرام يهزها برفق

- أنسة مرام .. استيقظى .

دعا ربه أن تكون نائمة وليست فاقدة للوعى والا أضطر لأخذها الى المشفى ولكنها فتحت عينيها ونظرت اليه فشعر بالراحة وابتسم لها

- هل أصبحت بخير الأن ؟

هزت رأسها ايجابا فى نفس الوقت الذى فتحت فيه رباب البوابة الحديدية وكانت ترتدى مئزرا منزليا ونظرت بفضول الى داخل السيارة

- من معك يا صالح ؟

قبل أن يخرج صالح من السيارة قال لمرام

- ستنامين الليلة فى بيت عمى وسوف تعتنى بك زوجة عمى وأبنتها رباب حتى أمهد الأمر لشقيقتي وأتفاهم مع والدك فى شأنك .

كان هذا هو الحل الأمثل الذى توصل اليه صالح .. هزت مرام رأسها موافقة وتابع

- أنهم أناس طيبون سترتاحين بالبقاء معهم .. مؤقتا فقط .

خرج من السيارة وساعدها على النزول .. كانت رباب من التهذيب حتى لا تقول شيئا أمام مرام ولكن دهشتها كانت جليه على وجهها عندما رأتها ورأت الحالة التى كانت فيها وبناء على طلب صالح أخذتها رباب الى غرفتها وتركتها هناك وعادت الى صالح الذى شرح لها الأمر بسرعة وطلب منها قائلا

- سأتركها لديكم ليوم أو يومين حتى أدبر أمورى .

قالت رباب

- خذ وقتك .. هذا منزلك يا صالح وضيوفك ضيوفنا .

كان قد وضع حقائب مرام من داخل الباب وقبل أن يخرج من استدار الى رباب وقال

- انتبهى لها أرجوك .. فهى متعبة جدا وان ساءت حالتها أتصلى بي وسأكون عندك على الفور .

رفعت رباب حاجبيها بدهشة وقد أكفهر وجهها وهى وتغلق البوابة من خلفه .

جلس صالح فى سيارته يتنازعه شعور غير مريح بأنه يترك جزء مهم منه خلفه .. هناك شئ ما كان يجذبه الى مرام منذ المرة الأولى التى رآها فيها .. عندما اصطدمت به سيارة الأجرة التى كانت تستقلها .. وعندما رآها تخرج من المصنع بصحبة زوج شقيقته .. ظل لأيام يمر طيفها على باله دون سبب .. ذكرى صغيرة حلوة لفتاة قد أعجبه جمالها والأن عندما أقترب منها وعرف حقيقة علاقتها بزوج شقيقته وقد كان شاهدا على حادثتها المؤسفة صار يشعر بنفسه مسؤولا عنها وأمرها أصبح يهمه كثيرا .


***


تناولت مرام قرصين من المهدئ مع كوب من اللبن الدافئ ثم استلقت فى الفراش الذى أعدته لها رباب .. كانت لطيف معها ودثمة الأخلاق ولكن كان هناك شيئا من الرفض وعدم الرضى عن وجودها رأته مرام فى نظراتها .. وتذكرتها كذلك .. أنها نفس الفتاة التى رأتها عند زيارتها للمصنع .

تنهدت مرام وهى تسحب الغطاء فوقها بيدها السليمة .. لقد مرت بوقت رهيب عندما أعترضهما كمين الشرطة .. ظنت أن نهايتها باتت وشيكة وأنها ستجر الى السجن هذه الليلة لولا وجود صالح .. أي حظ هذا .. فقد أنقذها الليلة مرتين ..فلولاه أيضا لكانت مازالت فى شقتها تنتظر خائفة نهايتها على يد فودة ورفاقه من المجرمين .. ثقلت جفونها وراحت تنغلق على عينيها وآخر شئ فكرت فيه .. صالح .. ما الذى سوف يفعله من أجلها ..


***


- لماذا لم تخبرنا شيئا عن ابنتك من قبل ؟

كانا جالسين فى مكتب صالح بالمصنع .. اطرق أحمد برأسه وقد لوى شفتيه بمرارة

- وأنت .. لماذا لم تسألنى عن سبب أخذى للمال بدلا من مراقبتى ؟

قال صالح بضيق

- لقد أنتظرت منك أن تخبرنى بنفسك ولكنك لم تفعل .. فظننتك متورطا فى شئ ما وتخجل من مصارحتى به .. لم أشأ أن أقوم بأحراجك وقررت أن أعرف بطريقتى واساعدك دون أن تعلم ولكننى لم أتوقع ما وجدته .

زفر أحمد بقوة وقال بوجه جامد

- نعم لقد كنت متزوجا زواجا أردت أن أنساه ولدي أبنة ظهرت فى حياتى فجأه بعدما كنت ظننت أننى لن أسمع عنها شيئا أبدا .

عقد صالح حاجبيه بشدة يشعر بالأستياء منه لأول مرة فى حياته .. لم يكن يظن أن هذا الرجل الطيب المسالم يحمل بداخله ضغينه كهذه تجاه أبنته التى لا ذنب لها بتعاستة فى زواجه الأول

- وكيف ستتصرف الأن ؟

- ماذا تعنى ؟.. لقد قدمت لها كل ما أستطيع القيام به ما الذى سأقدمه لها أكثر من ذلك؟

حدق به صالح مصدوما ثم قال

- بعد ما أخبرتك به عما حدث معها .. تسألني سؤالا كهذا ؟ .. لولا تدخلى وحارس الأمن يعلم الله ما الذى كان سيحدث لها .. وأنت تتحدث عن المال ؟ .. وماذا عن الحماية والأمان والرعاية التى تحتاجها كل شابة فى مثل سنها .. حاجتها الى وجود أب .. أخ .. يكون سندا وحاميا لها.

وكاد أن يقول أو زوج ولكنه أمتنع .. رد أحمد بتوتر وهو عاجز عن النظر الى عين صالح

- لديها أمها وخالها .

قال صالح بحزم

- ولديها أب هو أولى بها .

نظر اليه بجزع

- ماذا تقصد ؟ .. أنا لا أريدها .. وماذا عن نهال .. كيف ستتقبل وجود أبنة لى وهى لا تعرف شيئا عن زواجى السابق .

- اذن آن الأوان لها كى تعرف .. واترك هذا الأمر علي .


الفصل الخامس

من رواية .. وغابت شمسها


استقبلتها زوجة أبيها ببشاشة وربتت على وجهها بحنان قائلة

- سامحه الله والدك .. يحرمنا من ابنة رائعة الجمال مثلك .

ابتسمت لها مرام ابتسامة باهته وهى تتفحصها .. كانت كل شئ هو عكس أمها تماما .. شحيحة الجمال ..ترتدى كأمرأة ريفية .. هزيلة بوجه شاحب .. لقد أخبرها والدها من قبل بأنها مريضة وهذا ما يظهر عليها .

- تعالى وأجلسى معى لنتحدث قليلا .

سارت معها مرام وجلست على أريكة فى حجرة من المفترض أنها حجرة جلوس , كان المنزل كبيرا جدا ومفروش بأثاث عتيق يشهد عليه أجيال .. يقع وسط مساحة أرض كبيرة ويحيط به ما يشبه الحديقة ولكن غير معتنى بها واستطاعت مرام عند وصولها أن تشم رائحة خشب محترق وعيش مخبوز ورائحة روث الحيوانات .. لم تتوقع أن يكون المنزل ريفى الى هذه الدرجة ولكنه على الأقل مفروشا بالسجاد وبه جهاز تلفاز وريسيفر حديث وتمنت لو يكون هناك أنترنت فمنزل رباب كان به وصلة انترنت قاموا بتوصيلها من جار لهم وكان بطيئا جدا وكثيرا ما كان ينقطع

- آسفة لما حدث معك .. عندما أخبرنى صالح حزنت كثيرا .

وكانت تنظر الى ذراع مرام المجبرة بتأثر شديد .. هزت مرام رأسها وهي شبه عاجزة عن الكلام .. تنتابها أحاسيس مختلطة وغير مريحة .. تشعر بنفسها غريبة وغير متوافقة مع ما يحيط بها .. لا تعنيها طيبتهم ولا ترحيبهم الصادق بها .. هى فقط لا تشبههم ولا تتخيل نفسها تعيش بينهم .. ثم ذكرت نفسها أنها هنا لفترة مؤقتة فقط حتى يعيد لها فودة نقودها وتتخلص من تعلق والده المرضي بها .. فمعرفة فودة بالأمر قد أفسد عليها خطتها للزواج منه . رمقت مرام والدها الجالس ليس ببعيد عنهما بنظرة جانبية .. كان عابسا ويبدو عليه عدم الرضى لوجودها هنا وتعتقد جازمة أن صالح وشقيقته هما من أجبراه على قبول استضافتها فهو لم يرحب بها عند وصولها واكتفى بأن طلب منها بجفاء أن تتبعه الى داخل المنزل .

تمتمت تقول لزوجة والدها

- شكرا لك .

قالتها بصوت متحشرج وتمنت لو تنفرد بنفسها قليلا فمنذ يومين وهى تجد نفسها محاطة بالناس طوال الوقت فى منزل رباب فلم يقتصر الأمر على الأسرة فقط فكان هناك الأقارب والجيران الذى لم يخلو البيت منهم أبدا ويأتون بدون موعد سابق .. أهتمامهم الزائد وفضولهم كان يصيبها بالأختناق وحاولت قدر ما استطاعت أن تكون مهذبة وطويلة البال .

- لا يجب أن تشعرى بالخجل منا .. أنت الأن فى بيتك .. بيت أبيك يكون بيتك .

لو كانت مرام شخصا آخر متصالح مع نفسه ومع البشر بوجه عام لشعرت بالأمتنان لهذه المرأة التى تسعى بكل جهد لجعلها تشعر بالراحة ولكن مرام لم تعتاد على تبادل الود مع أحد ولا تظن أن هناك من أحد يستحق أن تمتن له .. فهزت رأسها مع ابتسامة لم تظهر اسنانها

دخل صالح وعلى وجهه ابتسامة متألقة

- كيف الحال ؟

اجابته شقيقته نهال وهى ترد ابتسامته بمثلها وقد لمعت عيناها بتألق وهى تنظر اليه

- بألف خير أيها الغالى .

كانت مرام قد دخلت الى البيت مع والدها وتركت صالح ليتعامل مع الحقائب

ثم وجه كلامه لمرام قائلا

- الحقائب فى غرفتك الأن وستقوم أم عبيد بتوضيبها لك فى الخزانة و..

هبت مرام واقفة بحده

- لا .. لا أريد أن يفرغ لى أحد حقائبي .

واستطردت بسرعة عندما علت وجوههم جميعا الدهشة

- آسفة .. لم أعتاد أن يقوم أحد بخدمتي .. وأنا متعبة فى الواقع وأريد الذهاب الى غرفتى .. أقصد الغرفة التى ..

تلعثمت وتوقفت عن متابعة الكلام .. وقفت نهال وربتت على كتفها

- نعم غرفتك يا حبيبتى .. سآخذك اليها بنفسى .

لمعت عينا مرام بالدموع وأختنقت غصة فى حلقها وشعرت بالغضب من نفسها للحظة الضعف التى أنتابتها فليس من سمات شخصيتها الغرق فى الشفقة على الذات ولا تحب أن تظهر ضعفها أمام أحد وقد ساءها أن ترى نظرات الشفقة فى عين زوجة والدها وشقيقها .

وفى الغرفة المخصصة لها وجدت تلك المرأة المسنة التى يدعوها الجميع أم عبيد وكانت تهم بفتح الحقائب عندما استوقفتها نهال قائلة

- اتركيهم يا أم عبيد واذهبى أنت وانظرى كيف اصبح الغداء .

خرجت أم عبيد بعد أن كررت ترحيبها بمرام وتبعتها نهال بعد أن أطمأنت الى أن مرام تعرف مكان كل شئ .

وبعد أن تأكدت مرام من أن زوجة أبيها أبتعدت بما يكفى أغلقت الباب وادارت المفتاح فى القفل وزفرت بارتياح .. أخيرا أصبحت وحدها


***

قالت نهال بوجوم وهى تنظر الى صالح

- هل تترك البيت .. كيف سنعيش من دونك يا صالح ؟

ضحك صالح قائلا

- وهل أنتقالى لغرفة الحديقة تعنى تركي للبيت ؟

قالت بعتب

- غرفة الحارس يا صالح ؟.. البيت كبير ويسعنا جميعا و ..

قاطعها صالح قائلا

- أصبح فى البيت شابة عزباء وأنا أعزب كذلك .. لا يصح أن نبقى معا تحت سقف واحد .. هذه هى الأصول .. ماذا سيقول الناس ؟

- معك حق .. ولكن لا تقطع بى ودعنى أراك طوال الوقت .

قال ضاحكا

- سوف تريننى أكثر من قبل .. ولا تضحكينى .. سيكون بينى وبينك عشرة أمتار فقط .

ثم كسا وجهه الجد وسألها

- هل أنت بخير .. هل ما حدث لم يضايقك كما تدعين ؟

ابتسمت له وقالت

- لقد كنت أعرف .. بأحساسي على الأقل .. أعرف أنه كان فى حياة زوجى أمرأة آذته كثيرا .. لم يخبرنى عنها أبدا .. لكنني رأيت صورتها فى محفظته مرة كما رأيت حزن وألم يطل من عينيه .. لم أسأله عنها ولا أعلم اذا كان مازال يحتفظ بصورتها حتى الأن فأنا لم أنظر فيها من بعدها أبدا .

ثم هزت رأسها وتابعت

- ولكنى مازلت أتذكر ملامحها جيدا ومرام تشبهها كثيرا .. ربما لذلك السبب يخشاها .

ثم نظرت الى صالح بخبث مرح

- فتاة جميلة جدا .. أليست كذلك ؟

أحمرت وجنتاه قليلا ولمعت عيناه وهو يرد مبتسما

- بلى .. هى كذلك .

بعد أن ترك صالح شقيقته ذهب الى حجرة الحارس التى تقع خلف المنزل الكبير والتى تم اعدادها وتوضيبها لينتقل اليها .. لقد اتخذ هذا القرار بعد الحديث الذى دار بينه وبين أحمد زوج شقيقته والذى أستخدم فيه لهجة صارمة مؤنبة لم يلجأ اليها أبدا معه من قبل .. لقد فرض عليه تقبل مسؤلية أبنته وقرر بينه وبين نفسه أن يشاركه تلك المسؤلية .

وقف صالح عند النافذة فرآها .. كانت تقف بدورها فى نافذة غرفة نومها بالطابق الأول .. تمسك بهاتفها وتقلب فيه ومن تلك المسافة لم يستطع أن يتبين حالتها جيدا ولكنها بدت مضطربة كعادتها .. رقت لها أحاسيسه وخفق من أجلها قلبه .. لا يعلم اذا كان ما يشعر به مجرد شفقة عليها وتعاطفا مع حالها أم أنه الحب وقد بدأ يتوغل داخل نياط قلبه ويسيطر ببهائه على عقله .


***


عشرات الرسائل والمكالمات .. من فودة ووالده وخالها مروان ورسالة واحده من أمها تجاهلتها ولم تهتم بقراءتها

كانت رسائل فودة كلها تهديد ووعيد ويسأل عن أمانته وأخر رسالتين كان يتوسل فيهما اليها أن تتصل به مع وعد بعدم التعرض لها أما رسائل والده فكانت مثيرة للشفقة وللسخرية معا .. يرجوها فيهم بأن تعود اليه ويذكرها بحبهما وكان يعتقد أنها تركته لأن والديها رفضا علاقتها به وفى آخر رسالة كان يحرضها فيها على الهرب معه ويعدها بأن يعوضها عن كل شئ وأنه سيمنحها كل ما ترغب به وفكرت بحسرة وهى تقرأها أنه لولا ورطتها مع فودة لأنتهزت تلك الفرصة ولكانت أصبحت الأن زوجة رجل من أغنى أغنياء مدينة الأسكندرية . وتجاهلت طلب خالها مروان كي تتصل به على وجه السرعة فهي لم تكن فى حالة مزاجية جيده للتحدث مع أحد .

عادت وأغلقت هاتفها بعد أن أنتهت من قراءة الرسائل ولكن قبل أن تستدير عن النافذة لمحت بطرف عينيها صالح وهو يراقبها من خلف نافذة حجرة الحديقة فتظاهرت بعدم رؤيتها له .. هى ليست غبية وترى جيدا أنه فى طريقه للوقوع فى حبها ولأنها تعانى فى الوقت الراهن من رجلين ينغصان عليها عيشها فلا ينقصها وجود آخر .. عاشق .. تكون مضطره الى تحمل ثقل مشاعره .


****


لم تكن الحياة فى المزرعة سيئة جدا بالنسبة لمرام كما كانت تعتقد فى البداية فأبيها وصالح يخرجان يوميا منذ الصباح الباكر للعمل ويعودا بعد صلاة العشاء ونهال .. نظرا لصحتها المعتلة كانت تقضي معظم وقتها فى الراحة بغرفتها مما أعطى مرام مساحة من الحرية والأنفراد بنفسها .

وبعد يومين استجمعت شجاعتها .. فتحت هاتفها واتصلت بخالها الذى قال لها بغضب شديد

- أين أنت بحق الله .. أين أختفيتى وبماذا ورطت نفسك وورطتنى معك ؟

سألته ببرود لا يعكس القلق الذى يموج بداخلها وهى تجلس على حافة الفراش داخل غرفتها

- لا أفهم .. ماذا حدث ؟

قال بغيظ بسبب برودة ردها

- أضطررت لترك بيتى أنا وزوجتى والأقامة عند والدة شيرين بسبب ذلك الولد المدعو فودة .. هذا غير والده الذى راح يزورنى فى العمل ويتصل بى باستمرار ليعرف عنوانك ولا واحدا منهما يصدق أننى لا أعرف عنك أى شئ ... أين أنت ؟

سألته ساخرة

- لماذا ؟ .. لكى تعطيهم عنوانى وتخلص نفسك أنت .

- وما ذنبى أنا لأتحمل نتيجة أفعالك .

صاحت بحده

- أنا لم أفعل شيئا.

- لا يبدو لي الأمر هكذا .. خاصة ذلك الشاب .. أنه يبحث عنك كالمجنون ويظل يحوم حول البيت ليل نهار حتى كدت استدعي له الشرطة لولا أننى خشيت أن تكونى متورطة معه فى شئ ما .

قالت كاذبة

- لا تخشى شيئا فأنا لست متورطة فى أي شئ .

- وفيما أختفاءك اذن ؟

- عرف فودة بأننى كنت على وشك أن أصبح زوجة أبيه فجن جنونه .. فقلت أبتعد لبضعة أيام حتى يهدأ الأمر ثم أعود .

- اذن أين أنت ؟

- لا شأن لك بمكانى أتصلت فقط كى أعلمك أنى بخير هذا ان كنت تهتم وحتى تتوقف عن أرسال الرسائل لي .. وانا سوف اتحدث الى فودة وأجعله يتوقف عن مطاردتك .

سألها بغيظ

- وماذا عن والده ؟

ردت بلامبالاة

- دعك منه .. سيهدأ قريبا عندما يجد غيرى .

صمت قليلا ثم سألها بصوت أهدأ

- اذا كنت لا تريدين أعلامي بمكانك على الأقل دعينى أطمأن عليك من وقت لآخر .

أبتسمت بضعف فقد شعرت بأنه مهتم حقا فقالت

- حسنا .. سوف أفعل .

بعد أن أنهت أتصالها مع خالها حاولت الأتصال بفودة فوجدت هاتفه خارج الخدمة فتحدثت الى صديقتها ميمي التى قالت لها على الفور بأنفعال

- مرام أين أنت ؟ .. فودة حالته غريبة .. يأتى عندي كل يوم تقريبا للبحث عنك .

أخبرتها مرام انها وفودة على خلاف .. وذكرت لها نصف الحقيقة فقط وهو أنه يظن أنها كانت تسعى خلف والده ثم سألتها عنه فقالت ميمي

- لا أعرف .. لم يظهر اليوم .

فقالت لها

- اذا أتصل بك أو قابلته أخبريه أننى سألت عنه ودعيه يتصل بي ومن ناحيتي سأحاول التحدث اليه مرة أخرى .

وقررت أن تترك هاتفها مفتوح وقد حظرت مكالمات عصام فقط .

ولكن .. مر شهر ولم يظهر أثرا لفودة ولم يعد أحد يعلم عنه أي شئ وقد أخبرتها ميمي أن والداه قد قاما بابلاغ الشرطة عن أختفاءه .. فتساءلت مرام برعب ان كان قد تأذى على يد تجار المخدرات أم انه يختبئ منهم فى مكان ما ؟ ... فكرة أن يكون قد تأذى أو قتل بسبب هروبها بالمخدرات جعلها تعيش فى رعب دائم من أن تكون هى التالية فقلت شهيتها للطعام وحتى للكلام وعزفت عن الخروج من البيت الا فى تلك المرة الوحيدة التى أجبرتها الظروف على الخروج وقد أصطحبها والدها على كره منه الى المشفى لفك الجس من ذراعها وبعدها قضت بقية أيامها فى البيت سجينة خوفها .. مستسلمة لكوابيسها التى تهاجمها ليلا وتعشش فى رأسها نهارا .. لذلك بدأت تبحث عن خطة بديلة لتحمي بها نفسها .. تفتش عن عائل يحتويها ويوفر لها الأمان من غدر الزمان .. وممن حولها لم تجد غيره .. صالح .


****


فى حديقة البيت

وقد بدأ الطقس يعتدل والشتاء يسلم مهامه لربيع دافئ .. أزدهرت له فروع الأشجار مرحبة .. وأينعت له وريقات الأزهار يفوح منها عطرها وتنقل النسمات شذاها .

قفز أحمد من على مقعده الخيزران كمن لدغه عقرب سام

- بالطبع لن أوافق .

سألته نهال عابسة

- وهل ستجد لأبنتك زوجا أفضل من صالح .. أنه أبنك أيضا وتربية يديك فما عيبه ؟

نظر اليها بحدة وهو يقول

- العكس هو الصحيح .. صالح أفضل من أن يتزوج هذه ال..

قاطعته نهال بصرامة وهى تشد على ذراعي مقعدها بقبضتيها

- أياك ..

أبتلع أحمد كلماته على الفور وعاد للجلوس مطرق الرأس يعض على شفته السفلى بتوتر وتابعت نهال

- يجب أن تفيق مما أنت فيه .. وتوقف عن النظر الى أبنتك على أنها زوجتك السابقة.

قال بصوت ضعيف

- لا فرق بينهما .. أنها مثلها وتربية جدتها .. أنا وحدى أستطيع رؤية الشبه بينهم ولا أقصد فى الشكل فقط .

مالت نهال وربتت على ذراعه برقة

- فكر قليلا .. ربما تكون الفتاة بها بعض السلبيات نتيجة لظروف تربيتها ولكن لو كنت أخذتها منذ صغرها لكانت أصبحت أفضل من ذلك .. أعطها فرصة وأعطى لنفسك فرصة كذلك كي تصلح الضرر .. ووجودها بيننا قد يساهم فى تغيير طباعها التى الى الأن أراها جيدة جدا ولا أرى سببا لتحاملك عليها سوى ترسبات الماضى التى مازالت تعشش داخل رأسك .

نظر اليها وهز رأسه

- أنت لا تفهمين عماذا تتحدثين .. أخشى أن يمر صالح بما مررت به أنا .

- صالح ليس أنت ومرام ليست أمها .. دعهما يخوضان تجربتهما فربما تنجح ويجدا سعادتهما معا .

ثم أبتسمت له مشجعة

- ها .. ماذا قلت ؟

ضحكت برقة وتابعت

- صالح فى حجرته ينتظر على أحر من الجمر كي يعرف ردك .

زفر أحمد وقال وهو يقف

- سوف أذهب أنا اليه .


****


فتح صالح باب حجرته قبل أن يصل أحمد الى الباب ببضعة أمتار فقد رآه وهو قادم , أفسح له المجال كى يدخل وهو لا يشعر بالتفاؤل بسبب تجهم وجهه .

وقف أحمد فى منتصف الغرفة عاقدا ذراعيه خلف ظهره ثم قال بتثاقل

- لم آت الى هنا كي أرفض طلبك ولا لكي أقبله .. ولكنى جئت اليك ناصحا .

ثم نظر فى عينيه مباشرة وتابع

- تزوجها اذا كنت تريد ذلك ولكن عدني أن لا تسمح لها بالطعن فى رجولتك .. ولا تسمح لقلبك أن يغلب عقلك ويعميك عن حقيقتها .

عقد صالح حاجبيه بشدة والغضب يغلي بداخله وقال بعزم

- بل سأعدك بأن أعتني بها .. وأن لا أجعلها فى حاجة لأي أحد أو لأى شئ مادمت حيا أرزق .

أغلق أحمد عيناه للحظات وابتسم بمرارة وهو يقول

- سنرى .. سوف نرى .

ثم ربت على ذراعه وخرج .

وقف صالح وهو حنقا عليه .. لا يفهم .. كيف لم يحن قلبه لأبنته حتى الأن ؟!! لقد مر أكثر من شهر على وجودها بينهم وفى كل يوم يمر تزداد شحوبا وهما ويكاد يجن وهو يجد نفسه عاجزا عن التخفيف عنها وسؤالها عما يحزنها ويسبب لها القلق فصلته الهشة بها لا تخوله ليفعل ذلك وليلة أمس وعلى مائدة العشاء فاجئت الجميع بقولها أنها تنوي الرحيل والعودة الى بيتها قريبا .. نهال الوحيدة التى رأت أرتجافة يده وشحوب وجهه .. فكرة رحيلها وابتعادها عنه ضايقته بشدة .. لقد أعتاد على وجودها بالقرب منه وأمام عينيه حتى وان لم يكن بينهما أي كلام أو وصال يكفى أنها تعيش تحت سقف بيته مطمئن الى أنها بخير .. فاتخذ قراره على الفور .. سوف يعرض عليها الزواج ويأمل بأن توافق على طلبه وقد لاحظ فى الأونة الأخيرة بأنها بدأت تميل اليه مثلما يميل اليها.. ابتسامتها الخجولة وهى تتحدث معه وأشاحة نظرها بعيدا عنه بأرتباك عندما يمسك بعينيها تتأملانه خلسة ولكن وقبل أن يسألها كان يجب عليه أن يطلب يدها من أبيها أولا ويحصل على مباركته وشقيقته التى كانت عالمة بحاله لم تفاجئ عندما فاتحها بالأمر وقد وافقت أن تقوم هى بمهمة سؤال أبيها .


****


دخلت مرام الى حجرة الجلوس وهى مرتدية ملابسها استعدادا للخروج بصحبة صالح الذى كان واقفا فى أنتظارها وقد رقت نظراته وابتسم لها فور ظهورها أمامه .. كان سيأخذها لرؤية بساتين الزيتون والمصنع وسينتهز فرصة وجودهما بمفرهما كي يفاتحها فى موضوع زواجهما فعرض عليها الأمر قائلا

- لا يصح أن تتركينا وأنت لم تري أشجار الزيتون والمصنع بعد .. فهل ترافقيننى اليوم لزيارتهما .

وافقت مرام على الفور متخلية عن حذرها فى الخروج .. فبصحبة صالح لن تخشى أن يهاجمها أحد .. معه ستكون بأمان .. ألم يكن ضابطا ؟ سيعرف كيف يحميها خاصة وقد سمعت الكثير أثناء اقامتها هنا فالجميع يؤكد بأنه كان ضابطا فى أحد الأجهزة السيادية وكان ذو شأن ومازال لديه نفوذ واصدقاء فى أهم المراكز .. وألم ترى بنفسها الدليل على ذلك يوم أن أعترضتهم احدى نقاط التفتيش على الطريق ؟

سألها صالح متحمسا

- هل أنت جاهزة للخروج ؟ .. ولا تقلقي لقد أخذت اذن والدك أولا .

كادت أن تتهكم على قوله ولكنها منعت نفسها فهذا آخر ما قد تقلق بشأنه .. فوالدها لا يكترس بها ولا يهمه ما تفعله فى حياتها ولم تغب عن عينيها تلك الراحة التى علت وجهه بالأمس عندما أعربت عن رغبتها بالعودة الى الأسكندرية والى بيتها .. ولكنها فى حقيقة الأمر لم يكن لديها أدنى نية للرحيل .. لقد قالت ذلك لهدف وهو دفع صالح لأخذ خطوة جادة بشأنها .. لقد مارست معه طريقة قديمة ومستهلكة .. جزء من مكر الأنثى وفنها لكيفية الأيقاع برجل .. تستخدمها النساء منذ قديم الأزل والعجيب أنها مازالت تأتى بنتيجة اجابية مع معظم الرجال بأختلاف سماتهم وتنوع أخلاقهم وطبائعهم ومجتمعاتهم .. جميعهم يصيرون صرعى عندما يتعرضون لهذا النوع من كيد النساء وقد استخدمته مرام من قبله مع والد فودة .. أغرته وصدته ثم اقنعته بأنها من يده ستطير .. فخر على ركبتيه مستسلما لها وهوالذى كان يظن نفسه بالنساء خبير .. ولكن صالح لم تستخدم معه الأغراء الصريح فهى تفهم فى نوعية الرجال والفضل فى ذلك يعود لأمها وكثرة تجاربها وتربية جدتها ولؤمها .. كان صالح من النوع الحامي الذى يتسم بالشهامة والمرؤة فكان سلاحها الذى أشهرته فى وجهه هو الضعف والمسكنة ثم راحت تراقبه بعينان نصف مغمضتان وهو يقع فريسة لسحر ضعفها وعندما تأكدت من أنه أصبح مسلوب اللب بها مارست تلك الحيلة القديمة وفى الصباح وجدته يستدعيها ويطلب منها مرافقته وهى تتوقع ما هو آت وقد حضرت ردود أفعالها المتوقعة منها .

- هل نذهب ؟

أبتسمت له برقة وخجل مصطنع

- نعم .

****


لم تتوقع مرام أن تستمتع بالوجود بين أشجار الزيتون فقد كانت تظن دائما أنها أشجار عجاف غصونها كالأشواك ولكنها تأثرت حقا بقوتها وعنفوانها .. لها هيبة ورائحة خاصة قوية وتعجبت من أن تشعر بهكذا أحساس تجاه شجرة وضحك صالح عندما أخبرته بأنطباعاتها وقال بأعجاب

- أنه الوصف المثالي له .. شجر الزيتون شجر قوي لا يهاب الزمن .. بل الزمن من يهابه .. معطاء ولا ينضب عطاءه أبدا ويمنح الخير والحب لمن يهتم به ويقدره .

ثم سألته عندما لاحظت كبر المسافة بين كل شجرة وأخرى والتى قد تصل الى سبعة أمتار وربما أكثر

- لماذا يوجد مسافة كبيرة بين كل شجرة وأخرى ؟

- لأنها تحتاج لأن تتنفس .. يجب أن يصل الهواء والضؤ اليها بطريقة جيدة .

- ومتى تقومون بالحصاد ؟

وكانت ترى حجمها صغيرا فوق الفروع فقال صالح

- نحن ننتظر حتى تمام نضجها لتصبح نسبة الزيت فيها أعلى ما يكون لأننا نستخدم محصولنا فى أنتاج الزيت البكر .

أنها تعرف أن زيت الزيتون البكر منتج غالي الثمن ومطلوب أكثر فى الأسواق الخارجية فسألته

- وهل تقوم بتصديره ؟

قال بما يشبه الفخر

- نعم .. ومنتجنا من زيت الزيتون عالي الجودة ونستخرجه بأحدث الوسائل الحديثة سترين بنفسك عندما نصل الى المصنع .

وفهمت مرام لما يطلقون عليه أسم الذهب السائل .. فقوامة كان يبدو تقريبا كقوام عسل النحل ولونه كلون الذهب البراق ولاحظ صالح أهتمامها وأنبهارها بمراحل العصر واستخلاص الزيت ووقف سعيدا يطلعها على كل شئ باسهاب , وبعد أنتهاء جولتهما فى المصنع أخذها صالح للغداء بالخارج والمطعم الذى أختاره كان أفضل كثيرا من ذاك الذى أخذها والدها اليه من قبل وبعد الغداء فاجأها بأن عرض أن يأخذها الى زيارة معالم المدينة السياحية فسألته مرام بدهشة

- وهل يوجد هنا معالم سياحية

فضحك قائلا

- نعم .. ولكن الكثيرون لا يعلمون ذلك .. لدينا العديد من الأديرة التاريخية مثل ديرالأنبا مقار الكبير وهو من أغنى الأديرة لأنه يحتوي على مخطوطات وأثار لا تقدر بثمن .. ويضم الدير سبع كنائس ..

ثم راح يعدد لها بقية الأديرة وقد دهشت مرام من كثرة عددها وكبر مساحتها وقدمها أيضا فأحدها يرجع تأسيسها الى القرن الرابع الميلادي ولم تكن مرام من محبي زيارة الآثار وتذكر مرة قامت فيها برحلة الى الأقصر وشعرت خلالها بالملل ولم تستطع أن ترى السبب الذى يجعل السياح يتهافتون لرؤية بضعة حجارة ولكن مع صالح كان الأمر مختلف فعرفت أن الصحبة هى التى لم تكن جيدة فى حينها واستمعت اليه بانتباه وهو يشرح لها كل شئ بشغف ومعرفة تنم عن ثقافة عالية وقد أخذها الى مكتبة دير البراموس الشهيرة الا لأمثالها بالطبع وضحك بمرح عندما أخبرته بذلك بصراحة .. ورأت هناك آلاف الكتب والمخطوطات وأخبرها أنها كتبت بعدة لغات منها العربية والقبطية واليونانية والحبشية والعبرية والأنجليزية والفرنسية والتركية .

سألته باستغراب

- وهل هناك لغة حبشية ؟

قال ضاحكا

- لكل الشعوب التى تملك حضارات لغة قديمة خاصة بها تحكي عن تاريخها وتعلن عن وجودها والا ما وصلتنا ولا عرفنا عنها شيئا .

قالت ضاحكة

- هل كنت حقا ضابط شرطة ؟ .. فما سمعته عنكم يختلف عم أراه .

ضحك ثم قال

- أنها اشاعات مغرضة .. فضابط الشرطة مثله مثل الجميع نحن أيضا لدينا ميول وهوايات ومنا من يهتم بعمله فقط وقد لا يجد وقتا حتى ليقرأ ولكن فكرة الناس عن ضابط الشرطة بأنه جاف ولا يهتم سوى بالبطش هذا غير صحيح .. لدي أصدقاء ضباط شعراء وأدباء ورساميين وكان لي زميل أثناء الدراسة فى الكلية كان يعزف لنا على الناي ويمتلك صوتا جميلا كعزفه وكانت أمه ترغب فى أن يحترف الغناء ولكن والده لواء الشرطة أقسم أن يفرغ فيه رصاص مسدسه ان لم يدخل الى كلية الشرطة ويصبح ضابطا مثله ومثل جده .

- وهل تخلى عن حلمه من أجل والده ؟

رد مبتسما

- يبدو أن والده قد أقتنع فى الأخير أنه سيصبح ضابط فاشل ولا أمل منه فتركه ليفعل ما يريد .

وذكر لها أسم مطرب شهير فشهقت بحماس

- هو حقا ؟ .. غير معقول .

قال مبتسما

- وقد وعدني أن يغني فى ليلة زفافي ومن دون أجر .

أرتبكت مرام من النظرة التى أرتسمت داخل عينيه .. كانت تتوقع أن يصارحها بمشاعره ولكنها فجأة أصبحت تشعر بالقلق فأشاحت بوجهها وهى تقول بصوت لا يخلو من التوتر

- الى أين سنذهب بعد ذلك ؟ .. آالى البيت ؟

تنهد ثم قال

- هناك مكان أخير سأصطحبك اليه .

وأخذها الى بحيرة نبع الحمرا وكانت من العجائب بحق فهى بحيرة شديدة الملوحة تقع وسط صحراء قاحلة وفى منتصفها يتدفق ينبوع ماء عذب .. وأخبرها صالح بأنه يعتبر من أحلى المياه العذبة وأن مياه البحيرة صحية جدا وقادرة على شفاء الأمراض الجلدية بأنواعها والكثيرين يأتون اليها كسياحة علاجية وفسر لها عندما سألته عن سبب الألوان المختلفه والمتدرجة لمياه البحيرة فأجابها أن تفجر الماء العذب وسط الماء المالح هو المتسبب فى هذه الألوان المختلفة فى تدرجها .

وكانت تقف تنظر الى البحيرة متأملة عندما جاءها صوته ناعما بالقرب من أذنيها

- هل تقبلين الزواج بي ؟

ألتفتت اليه مجفلة وقلبها يخفق بعنف داخل صدرها .. حدقت عيناه بعينيها ..لا ترمشان .. نظرات قوية .. حنونة فيها شغف وأمل .. لجم لسانها وكل الكلمات التى خططت لها وحفظتها قد تبخرت من عقلها بسبب شعورها المفاجأ بأنها أمام رجل حقيقي .. رجل يصعب عليها التلاعب به .. ليس شابا غرا ولا عجوزا متصابيا .. أنكمش داخلها واعتراها الخوف وهى تحدق به .. حاستها تخبرها بأنه خطر وتحذرها من الأقتراب منه

- هل تتزوجيننى يا مرام ؟

أعاد السؤال مرة أخرى وشفتاه تلتويان بأبتسامة وكانت الشمس فى طريقها للغروب فغلفهما سحر طلتها الأخيرة , فتحت فاها لتجيبه ثم عادت وأطبقته مرة أخرى فجذبت حركتها أنتباهه الى شفتيها ولمعت عيناه ببريق جعلها تحبس أنفاسها .

وهمس لها بكلمات لم تسمع مثلها أبدا من قبل

- تزوجينى .. وأعدك أن أعتنى بك ما حييت .. سأضعك فى عيونى وداخل قلبى الى أبد الآبدين .. لا أستطيع أن أصف لك حقيقة ما فى قلبى اليك .. أنه شئ أروع من أن يوصف بالكلمات .. وشوق يكاد يمنعنى عن التنفس كما أنا الأن ..فهل تشرفيننى وتقبلين الزواج مني ؟

هزت رأسها موافقة فاتسعت أبتسامته وتهلل وجهه فرحا

- هيا نعود الى البيت لنزف لهما الخبر السار .


****


تباينت ردود الفعل على خبر خطبة صالح لمرام

كانت نهال سعيدة فقط لسعادة أخيها ولم تتوقع مرام أن ترى مباركة من والدها والذى مازال يعاملها كعدوة حتى الأن واكتفى بتهنئتهما بجفاء شديد مما جعل صالح ينظر اليه بعدم رضى فأشاح أحمد بوجهه بعيدا عنه متجهما وتبعتها تهنئة الموظفين فى البيت وهما أم عبيد وأمرأة أخرى تساعدها فى العمل وكانت تهنئتهما فاترة فلم تكن مرام طوال اقامتها هنا تعاملهما بالود الذى تلاقيانه من أصحاب البيت أنفسهم فردت على تهنئتهما لها ببرود أقرب الى التعجرف وكان صالح سعيدا لدرجة لم يلاحظ معها أي شئ .. لم يلاحظ أن لا أحد ممن حوله يريد له الزواج من تلك الفتاة الغريبة عليهم وعلى بيئتهم وعلى عاداتهم .


****


- أريد الحديث معك قليلا .

وقفت مرام فى طريق والدها وكان خارجا من حجرة الجلوس وقد تفاجأ بها أمامه فرد بأقتضاب

- ماذا تريدين ؟

ردت ببرود وهى تنظر اليه بوقاحة

- أريد نقودا .. سأتزوج بعد أسبوعين كما تعلم وأحتاج الى شراء جهاز عرسي كما تفعل كل عروس .

كان صالح متعجلا لأتمام الزفاف وأخبر مرام أنه لا يحبذ فكرة رجوعها الى الأسكندرية لتبقى وحدها وفى نفس الوقت لا يصح أن تبقى فى بيته وهما مخطوبين فقط ولم تكن مرام فى حاجة الى الأقناع كي تقبل فكل يوم يمر يزداد خوفها وقلقها حتى صديقتها ميمي أختفت وهاتفها خارج نطاق الخدمة باستمرار وهى فى حاجة لصالح ولديها ثقة غريبة فى أنه الوحيد القادر على حمايتها ومنذ أن تحدد موعد زفافهما منذ أسبوع وهى تشعر بأن الوقت يمر بطيئا

- لقد أعطيتك الكثير من المال أين هو ؟

- وضعته كوديعة فى البنك كما أتفقنا ولا يجوز سحبه الا بعد مرور ستة أشهر .

كذبت .. فالحقيقة ستصعقة بالطبع

فرك يده بتوتر وقال

- لم يعد معي أى شئ .. فالمبلغ الذى كنت أدخره مع مبلغ أقترضته أعطيته كله لك ولم أعد أملك سوى مرتبي .

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت

- قل ذلك اذن لزوجتك وهى تخبر شقيقها .. فاذا كان هو من يملك كل شئ فعليه أن ينفق على جهازي .

قال بأنفعال

- ألا تستحي من ألقاء همك على ..

قاطعته بحقد

- لا .. اذا كنت أنت لم تستحي من ألقاء همي على الغرب فلما أستحي أنا ؟

ثم استدارت بحده بعيدة عنه وتركته مسمرا فى مكانه شاحب الوجه عرض أقل


تكملة الرواية من هناااااااا


تعليقات

التنقل السريع