القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية دمعات قلب الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم رباب فؤاد( حصريه وجديده وكامله على مدونة قصر الروايات)

 



رواية دمعات قلب الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم رباب فؤاد( حصريه وجديده وكامله على مدونة قصر الروايات)






رواية دمعات قلب الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم رباب فؤاد( حصريه وجديده وكامله على مدونة قصر الروايات)


الدمعة الحادية والثانية عشر


أيام من حياتي...عالفاضي ضيعتها


كنت صفحة فحياتي...دلوقتي قفلتها


كان قلبي ف حبه ليك قرب يضيع نفسه


وبدل ما يكمل بيك أحلام جوايا نقصوا


إيه خدته من حبك ليا غير جرح بيموت فيا


جيتلك أنا خدت بإيديك جيت انت بخسارة عليا


11- 


جلست(هالة) إلى جوار طفلتها الصغيرة تهدهدها لتنام, وشرد ذهنها بعيداً في حوارها مع(طارق).

لقد فتح لها قلبه وصارحها بكل ما بداخله,

صارحها بما شعرت به منذ البداية وتمنت لو كان خيالاً...

صارحها بأن قلبه ليس لها, بل لأخرى.

أخرى تحبه بشدة,

أخرى ذات قلب كبير,

أخرى ذاقت مثلها مرارة اليتم,

أخرى ارتضت أن تقاسمها أسرة أخرى حبيبها من أجل مصلحة أطفال فقدوا الأب وبعدهم في سني طفولتهم الأولى.

يالها من فتاة, فتاة شجاعة.

والأهم أنها واثقة من حب(طارق) لها.

ودون أن تدري انسابت دموعها تغرق وجهها وعقلها يعمل في جميع الاتجاهات.

فحتى حينما كان عقلها يحذرها من وجود أخرى في حياة(طارق) لم تحاول اتخاذ أي موقف استعداداً لمثل هذا اليوم, لم تفكر في وضعها الجديد, وبالتأكيد لم تفكر فيما ستفعله لحل مشكلة(طارق).

إنه الآن يقضي أغلب أوقات فراغه بصحبة أبنائها, ولكنه حين يرتبط بحبيبته تلك لن يروه باستمرار كما اعتادوا؛ فماذا ستقول لهم حينها؟ أتخبرهم بزواجه من أخرى أم تخفي عليهم الخبر رأفة بطفولتهم؟

أفكار عديدة استغرقتها ودموعها تواصل الانهمار على وجنتيها, فلم تشعر بدخول أمها الغرفة إلا حين سمعتها تسألها في قلق ـ"أتبكين يا(هالة)؟ ماذا حدث؟"


رفعت(هالة) عينيها في سرعة إلى أمها ومسحت دموعها بأصابع مرتجفة وهي تزدرد لعابها قائلة بصوت مختنق ـ"لا شيء يا أمي, لم يحدث شيء."


جلست الأم أمام ابنتها وأشارت إلى عينيها الباكية قائلة ـ"إنها ليست دموع تثاؤب, لقد كنت تبكين. أخبريني بالحقيقة."


صمتت(هالة) للحظات قبل أن تقول بخفوت ـ"لقد تحدث(طارق) معي هذا الصباح في غرفتنا."


ارتسمت السعادة على وجه الأم وهي تقول ـ"الحمد لله, هذا مؤشر جيد. لماذا تبكين إذاً؟"


تنحنحت(هالة) قبل أن تقول بتردد ـ"لقد صارحني بسبب ابتعاده عني منذ زواجنا".


لمحت الفضول في عيني والدتها فتابعت في سرعة ـ" إنه مرتبط بزميلة له ويريد الزواج منها, وهي التي شجعته على الزواج مني في مقابل أن يكون زواجنا صورياً, مجرد ورقة تبيح له دخول البيت ومتابعة الأولاد دون حرج, وهو وافقها لأنه رأى ذلك أبسط حقوقها."


اتسعت عينا أمها في دهشة وهتفت باستنكارـ"ماذا تقولين؟"


داعبت(هالة) شعر صغيرتها وهي تقول ببرود يخفي غليان أعصابها ـ"ما سمعته."


ازداد استنكار الأم وهي تسألها ـ"وهل يعلم الحاج(حفني) بذلك؟"


هزت(هالة) رأسها نفياً قائلة ـ"كلا, لقد توفى(حازم) قبل أن يفاتح (طارق) والده بأمر زواجه, وبعدها أصّر عمي على زواجنا فلم يجد وقتاً لإخباره."


قالت أمها بثقة ـ" ولماذا يخبره من الأساس ما دام تزوج بالفعل؟ هل هي أجمل منك؟"


تنهدت(هالة) في عمق قائلة ـ"المسألة لا تتعلق بالجمال بل بالقلب, إنه يحبها ولا يتخيل سواها زوجة له. كما أن من حقه أن يكون له زوجة خاصة به هو فقط, فتاة لم يسبق لها الزواج ولم تكن لرجل من قبله."


أشاحت أمها بيدها في ضيق قائلة ـ"سيرفض الحاج(حفني) مجرد الكلام في الموضوع. لقد قال بنفسه أنه لن يجد لابنه زوجة أفضل منك و.."


قاطعتها ابنتها قائلة ـ"بل سيوافق يا أمي. مع استمرار ابتعاد(طارق) عني سينفذ أباه تهديده ويزوجه كي يفرح بأبنائه كما قال."


ربتت على كف ابنتها قائلة بحنان ـ"ألهذا كنت تبكين؟"


أومأت(هالة) برأسها في صمت, ثم قالت بصوت خنقته الدموع ـ"كنت أبكي قلة حظ أبنائي, لقد ورثوه مني. في البداية فقدوا أباهم, وبعد أن ظننت أن الدنيا ابتسمت لي ولهم بوجود عمهم إلى جوارنا اكتشفت موضوع زميلته تلك, وانقلب كل شيء حولي."


رمقتها أمها بنظرة طويلة قبل أن تسألها مباشرة قائلة ـ"فيم تفكرين الآن إذاً؟"


هزت كتفيها في حيرة مجيبةـ"لا أدري. رغم توقعي لوجود أخرى في حياته، لم أكيف نفسي على هذا الوضع. لقد كان خالصاً لأولادي, والآن سيقسم وقته بيننا وبينها. ماذا سأقول للأولاد حينها؟ وإذا طلبت الطلاق فهل سيوافق؟ وهل سيسمح حماي بذلك؟"


ربتت أمها على كفها ثانية وهي تنصحها بحكمة وثقةـ"لا تتسرعي في طلب الطلاق أو حتى التفكير فيه. فكري أولاً وأخيراً في أبنائك. تذكري ضحكاتهم معه كلما جلسوا سوياً, وتذكري أن ابنتك لا تعرف أباً سواه, وأول كلمة نطقتها كانت’بابا‘ وكانت موجهة إليه مثلما فعل أولادك دون استشارتك. لو فكرت ووجدت أن أبنائك سيصبحون أسعد حالاً بعد انفصالك عن عمهم فالرأي الأخير لك."


سالت دموع(هالة) ثانية وهي تقول في حيرة ـ"إنهم الآن أسعد حالاً مما كانوا في حياة(حازم), كما أنهم تغلبوا على حزنهم لفقده وعادت درجاتهم الدراسية للارتفاع ثانية, وأصبحت الضحكة لا تفارق وجوههم. أنا نفسي أشعر بالأمان في وجوده, ولا أدري ماذا سأفعل حين تقاسمني فيه أخرى."


صارحتها أمها بالحقيقة المؤلمة بقولها ـ"إنه لم يكن لك يوماً كي تتقاسمينه معها, إنه لها منذ البداية. ثم أن وضعك معه لن يتغير, ستظلين زوجته على الورق شئت أم أبيت, وإذا استخدمت عقلك ستظلين سيدة الموقف."


عقدت(هالة) حاجبيها ومسحت دموعها في سرعة وهي تسأل أمها باهتمام ـ"كيف؟"


قالت أمها ببساطة ـ"إذا كانت هي كريمة كوني الأكرم. ساعديه في الزواج منها وحوليه إلى أخ لك, وقتها لن تعودين إلى الشعور بالخجل كلما رآك وشعرك مكشوف أو وقميصك مرفوع الأكمام. لقد صارحك بأنه يحب أخرى, وضمنياً بأنه لن يحولك من خانة زوجة الأخ إلى خانة الزوجة. لذا يمكنك استغلال ذلك الوضع لتتحولي إلى خانة الأخت أو الصديقة التي يخبرها بكل ما يضايقه, وقتها حين تنصتين إليه وتهتمين بإبداء النصيحة ستصبحين بالنسبة إليه أهم من زوجته الجديدة. أفهمت؟"


هزت رأسها إيجاباً وهي تقول ـ"نعم, سأحاول."


ربتت أمها على كتفها قائلة ـ" حاولي وانجحي. أنت تعرفين مسبقاً الغرض من هذه الزيجة, اجعليها إذاً لهذا الغرض فقط."


وبدت هذه النصيحة أفضل نصيحة في الوقت الحالي.


***************************


الدمعة الثانية عشر


12-


طرقت(هالة) باب غرفتها المفتوح في هدوء فالتفت إليها(طارق) وعلى وجهه ابتسامة ترحيب عذبة ودعاها للدخول قائلاً ـ"ادخلي يا(هالة), لماذا تقفين عندك هكذا؟"


هزت كتفيها وهي تدخل الغرفة في بطء وقالت بخفوت ـ"لقد أتيت لعرض مساعدتي في ترتيب حقيبتك إذا لم يكن لديك مانع."


اتسعت ابتسامته وهو يقول بمرح ـ"بنت حلال, أنا بحاجة إليك بالفعل. لقد اشتريت مجموعة ملابس جديدة وأريد معرفة رأيك فيها."


تأملت مشترياته الجديدة بدقة قبل أن تقول بإعجاب ـ"ما شاء الله تبارك الله, ذوقك رفيع للغاية, جميعهم قمة في الأناقة."


ثم أردفت في خبث ـ"أهو ذوقك أنت أم ذوق العروس؟"


قال بارتباك خجول ـ"مزيج من ذوقينا. الحمد لله أنها راقتك."


قالها وانهمك في إعداد حقيبته؛ ومضت لحظة من الصمت قبل أن تسأله(هالة)في اهتمام ـ"في أي قاعة ستقيم حفل الزفاف؟"


رفع وجهه إليها قائلاً في دهشة ـ"أي حفل زفاف؟"


هزت كتفيها قائلة ببساطة ـ"زفافك أنت و(سمر)."


أشاح بكفه قائلاً ـ"آه, إننا لن نقيم حفلاً, سأذهب مع أبي إلى بيتهم ونعقد القران ثم نتجه إلى شقتنا مباشرة."


هتفت وحاجبيها معقودان في استنكارـ"ماذا؟! وهل وافق عمي على هذا الكلام؟ بل كيف وافقت(سمر)؟"


قال ببساطةـ"الموضوع ليس بهذه الأهمية, إنها مجرد ليلة مثل أي ليلة أخرى."


رفعت سبابتها معترضة بقولهاـ"لا, ليست كأي ليلة أخرى, إنها ليلة واحدة في عمر الجميع. يكفي أن خطبتكما كانت عائلية ولم يحضرها أي من زملائكما بالمستشفى, ثم إن حفل الزفاف_مهما كان بسيطاً_هو أقل مكافأة لـ(سمر) على انتظارها لك طيلة هذه المدة."


قال بتردد ـ"ومن سأدعو؟ زملائنا فقط؟"


قالت بحماس ـ"دع والدك يدعو أصدقائه ومعارفه, دعه يفرح ولو لليلة. إنه لم يحضر زواجي على(حازم), فليحضر حفل زفافك أنت."


جلس على حافة الفراش وهو يسألها باهتمام طفولي ـ"بالمناسبة, أنت لم تخبريني عن حفل زواجك على(حازم)؛ لقد كنت ضابطاً احتياطياً بالجيش وقتها."


ابتسمت في حرج قائلة ـ"إنها قصة طويلة."


أشار إليها بالجلوس قائلاً بحماس ـ"اجلسي إذاً وقصيها عليّ."


وبعد عدة توسلات من جانبه رضخت أخيراً وجلست على مقعد مواجه للفراش وشردت بذهنها بعيداً, إلى ذلك اليوم قبل أحد عشر عاماً أو أكثر.


كانت في انتظار عودة خطيبها إلى مصر من أجل الزفاف كما وعدها، ولكن مديره الأجنبي بالشركة رفض منحه إذناً بالسفر. واضطر (حازم) حينها إلى توكيل والده في عقد زواجه عليها.

ورغم غياب (حازم)، أصر ’حضرة العمدة‘ على إقامة حفل كبير في قريته بمناسبة عقد زواج نجله الأكبر.

وبعد أن أنهى (حازم) ترتيبات استقدام عروسه، فاجأها بطلبه...

فقد طلب منها أن ترتدي فستان الزفاف وهي قادمة إليه.

يومها نقلت أسلاك الهاتف ضحكتها الجميلة إلى أسماعه وهي تقول بدهشة ـ"كيف أرتدي الفستان دون أن تكون معي؟"


ثم عادت الأسلاك تنقل إليها صوته الهادئ، مشوباً ببعض السعادة هذه المرة، وهو يقول ـ"من قال هذا؟ سأستقبلك في المطار بالطبع...وبصحبتي مفاجأة".


لوهلة شعرت بقبضة باردة تعتصر قلبها حينما أتى على ذكر المفاجأة...

فقد خيل إليها شيطانها أنه متزوج بالفعل، وأن زوجته الثانية_أو بالأحرى الأولى_ ستكون معه في استقبالها.

لكنها سرعان ما نفضت هذه الفكرة عن رأسها وهي تضع سماعة الهاتف بعد انتهاء المكالمة.

وكأي عروس طبيعية، استعدت (هالة) ليوم زفافها، حتى وإن كان زوجها على بُعد آلاف الأميال. فذهبت إلى مصففة الشعر وارتدت فستاناً أبيضاً غاية في الرقة والنعومة، حتى بدت كالأميرة الرقيقة.

غير أنها كانت تذوب خجلاً من نظرات المسافرين في المطار وعلى متن الطائرة، ما بين مهنئ لها ومشفق عليها لأنها وحيدة في هذا اليوم الهام.

وأخيراً هبطت الطائرة على أرض الدولة التي تبدأ بها حياتها الجديدة،

حياة جديدة مع زوج لم تعتد عليه بعد،

زوج لم تره سوى بضع مرات منذ تقدم لخطبتها، ولم تره منذ سفره بعد حفل الخطبة بأسبوع.

ورغم حرارة الجو الشديدة التي استقبلتها لحظة فتح باب الطائرة، شعرت برجفة قوية تهزها لحظة أن رأت بعينيها أضواء صالات المطار عن بُعد.

وبأصابع باردة مرتجفة حملت طرف فستانها قليلاً عن الأرض حتى تستطيع نزول سلم الطائرة وهي تحاول أن تبدو متماسكة وأن ترسم ابتسامة هادئة على شفتيها...فهي العروس التي لا تزال الأنظار تتجه إليها.

وتقديراً من إدارة المطار لوضعها كعروس، فوجئت بتعاون العاملين معها في حمل حقائبها وإنهاء إجراءات الدخول، تماماً مثلما حدث معها في مصر.

وما أن أنهى الضابط المكلف بمرافقتها الإجراءات حتى سلمها جواز السفر وهو يقول بابتسامة ودود ـ"مبروك يا عروس".


تخضب وجهها خجلاً وهي تلتقط الجواز وتشكره بخفوت وهي تنقل عينيها خارج الحاجز الحديدي علها ترى زوجها.

ولم يطل انتظارها...فخلف الحاجز الحديدي لمحت وجهاً مألوفاً والابتسامة تغلف ملامحه وهو يلوح لها بسعادة.

ولوهلة غزت الدهشة ملامحها وهي تتأمله...

فقد كانت تتوقع أن ترى (حازم) مرتدياً ملابس العمل وحذاء رياضي وخوذة معدنية على رأسه...

لا تدري لماذا رسم شيطانها هذه الصورة في خيالها، رغم أنها لم تر خطيبها يوماً على غير مستوى أناقته المعتاد.

ولكنها رأته كعادته...وسيماً بملامحه المصرية المميزة وشعره الأسود المصفف بعناية وابتسامته الجذابة وسترته السوداء الأنيقة ورباط عنقه الزاهي...

كان أوسم رجل رأته في حياتها، نظراً لأن علاقتها بالرجال محدودة.

ولكنه كان الأفضل في نظرها.

وللحظات ظل نظرها معلقاً بوجهه حتى شعرت به يقترب منها ويصافحها هامساً ـ"حمداً لله على سلامتك يا عروسي".


تخضب وجهها خجلاً وهي تشعر بكفيه تحتضنان كفيها قبل أن يحتضن ذراعها ويصحبها إلى خارج المنطقة الجمركية ويشير لأحد أصدقائه بدفع العربة التي تحمل حقائبها إلى حيث سيارتهم.

وللمرة الأولى التقت (هالة) ب(نهى) وزوجها (عمر) وباقي أصدقاء (حازم).

وانطلقت سياراتهم بعيداً عن المطار في زفة صاخبة جابت شوارع المدينة متجهة إلى أحد الفنادق الفاخرة.

وهناك كانت مفاجأة جديدة للعروس.

فقد أقام لها (حازم) حفلاً مع أصدقائه إستمر حتى بعد منتصف الليل في هذا الفندق، قبل أن يعودا إلى منزلهما في زفة صاخبة أخرى، و...


قطع ذكرياتها صوت (طارق) وهو يقول بحماس ـ"أين ذهبت؟ أخبريني ماذا فعلتما؟"


عادت إليه بعينيها ومنحته ابتسامة هادئة وهي تقول ـ"كانت أمنية حياتي أن تزفني السيارات المزينة، ورغم أنني لم أخبر (حازم) بهذه الأمنية، فقد حققها لي".


بادلها الابتسامة وهو يقول ـ"لو الأمر يتوقف على زفة السيارات، فزملائنا بالمستشفى لن يبخلوا علينا بهذه الخدمة".


دفعته برفق في كتفه وهي تقول ـ"زفة السيارات كانت المرحلة الأولى من المطار إلى الفندق...ثم إتجهنا بعدها إلى فندق خمس نجوم مع أصدقاء (حازم) وزوجاتهم، وضحكنا ورقصنا وغنينا، ثم قطعنا كعكة الزفاف ذات الأدوار الخمسة.كان إحتفالاً مصرياً بعيداً عن مصر، ولا أخفيك أن أغلب المحيطين بنا من العرب كانوا مندهشين لأن حفلات الزفاف عندهم تختلف كثيراً. المهم أنه عندما أنهينا الحفل ذهبنا إلى شقتنا بزفة سيارات ثانية بعد منتصف الليل بساعتين أو أكثر, وأنت تقول زفة السيارات تكفي؟"


ارتفع حاجباه في دهشة قائلاً ـ"(حازم) فعل كل ذلك؟"


أجابته بثقة ـ"نعم, وكله مسجل على شريط فيديو في المكتبة, لقد كانت ليلة لا تُنسى".


لم يحاول (طارق) إخفاء دهشته وهو يقول "تتحدثين عن (حازم) آخر غير الذي أعرفه".


دافعت عن شريك حياتها السابق في حماس قائلة ـ"لقد كان (حازم) رحمه الله في منتهى الأناقة دوماً، وإن كنت مندهشاً من إبتسامته ومرحه وخفته، فقد كانت نادرة بالفعل ولم يكن يظهرها سوى في المناسبات الخاصة جداً، وهذا ينطبق بالتأكيد على ليلة زفافنا."


هز(طارق) كتفيه قائلاًـ"لن أندهش لو اكتشفت أنك تعرفينه أكثر مني. صحيح أننا كنا شقيقين إلا أنه كان يحب الاحتفاظ بمشاعره وأسراره الخاصة لنفسه دوماً."


قلبت كفيها قائلة في هدوء ـ"أنا لا أنكر هذه الصفات فيه, لقد كان اسماً على مسمى؛ لكنه كان يرخي قبضته عن مشاعره قليلاً بين الحين والآخر, خاصة بعد ميلاد(هيثم)."


تأملها للحظات قبل أن يتنهد هامساً ـ "رحمه الله...كنت أتمنى حضوره زفافي، ولكن قدرنا ألا يرى أحدنا الآخر في هذا اليوم".


شعرت بغصة تعترض مجرى تنفسها فتنحنحت وهي تلتقط نفساً عميقاً وتحاول العودة إلى نقطة النقاش الأصلية قائلة بحماس مصطنع _"المهم هل عرفت لماذا أريدك أن تقيم حفلاً لك ولـ(سمر)؟ كي تبقى ذكراه حية أمامكما مهما بَعُد بكما الزمن."


عقد حاجبيه مفكراً للحظات قبل أن يقول بحسم ـ"حسناً, سأناقش(سمر) في هذا الموضوع وأحجز في أي قاعة متاحة قريباً."


نهضت(هالة) من مقعدها قائلة ـ"هكذا تكون الفرحة, أدعو الله أن يجعل جميع أيامكما سعادة وهناء."


وتركته في الغرفة غارقاً في بحر من حنانها.


********************************

الدمعة الثالثة والرابعة عشر


13 -


فتح (طارق) عينيه بتكاسل وأدارهما إلى الفاتنة التي توسدت ذراعه ونامت في وداعة، فابتسم وداعب وجنتها وطرف أنفها وهو يهمس بحب ـ"(سمر)...(سموري)...صباح الخير يا حبي".


منحته ابتسامة ناعمة دون أن تفتح عينيها وهي تقول بدلال ـ"صباح الخير".


طبع قبلة دافئة على جبهتها وهو يهمس ـ"صباحية مباركة يا أجمل عروس".


فتحت عينيها لتطالعه بعينين عسليتين ناعستين وهي تجيبه بنعومة ـ"صباحية مباركة يا أحلى عريس".


داعب طرف أنفها ثانية قائلاً ـ"ألن تستيقظي؟ إنها الظهيرة الآن".


عقدت حاجبيها الجميلين بتبرم مصطنع قائلة ـ"حبيبي...إنه أول أيام زواجنا...فلماذا نستيقظ الآن"؟


تسللت أصابعه تدغدغها وهو يجيب بلهجة عابثة ـ"لأن سرعان ما سيأتي المهنئون بالزفاف، وينبغي أن نستعد لاستقبالهم مسبقاً".


تلوت بين ذراعيه وهي تضحك من دغدغته قائلة ـ"لن نفتح لهم الباب".


واصل دغدغتها وهو يحاول أن يبدو جاداً ـ"أنترك أبي ووالدتك على الباب؟ يالنا من جاحدين".


حاولت أن تبعد أصابعه عنها وهي تحاول الفكاك من الدغدغة التي تجعلها تضحك بهستيريا ـ"حسناً...حسناً...لقد استيقظت".


توقف عن مداعبتها وأدار وجنته إليها قائلاً ـ"أين قبلة الصباح"؟


ضحكت وهي تقبل وجنته قائلة ـ"أحلى قبلة صباح لأحلى عريس".


قالتها ثم نهضت تجلس على الفراش إلى جواره وتتأمل عينيه العسليتين المائلتين إلى اللون الأخضر للحظات قبل أن تهمس ـ"أحبك".


تاه في عينيها هو الآخر قبل أن يقول كالمنوم مغناطيسياً وهو يداعب شعرها الكستنائي ـ"الحمد لله أنني تزوجتك...لقد كنت حلماً صعب المنال".


تناولت أصابعه بين يديها وهي تقول بدلال ـ"والحمد لله أنه تحقق."


رفع كفيها إلى شفتيه يلثمهما بحب قائلاً ـ"أحبك يا (سمر)، أحبك وأعدك أن أملأ كل أيامنا حباً".


تاهت في عينيه ثانية ثم أراحت رأسها على صدره وهي تهمس بتبرم طفولي ـ" ألا يدرك الضيوف أن الحفل انتهى متأخراً"؟


ضحك لصوتها الطفولي ومسد شعرها بحنان قائلاً ـ"حبيبتي إنه يوم واحد فقط...سنغادر إلى الإسكندرية غداً إن شاء الله ولن يزعجنا أحد هناك".


ضحكت بدورها وهي تقول بصوت حالم ـ"آه...كم أعشق الإسكندرية، ومن المؤكد أن عشقي لها سيزداد معك".


عاد يدغدغها ثانية وهو يقول ـ"هيا إذاً يا عاشقة...فأنا أتضور جوعاً".


تلوت ثانية وهي تضحك قائلة ـ"هيا معي إذاً".


تركها وهو يعدل ياقة منامته قائلاً بلهجة سينمائية ـ"لقد اعتدت على تناول الإفطار في الفراش".


نهضت واقفة وجذبته من ذراعه وهي تمثل الصرامة قائلة ـ"لاااا...الرجال هنا لا يمثلون الدلال...هنا تقف معي في المطبخ وتساعدني".


نهض خلفها وهو يقول متبرماً ـ"ولكن (هالة) ت...".


قاطعته بنظرتها التي حار في تفسيرها وهي تقول ببرود كسا صوتها فجأة ـ"أنا (سمر)، ولست (هالة)".


تدارك نفسه سريعاً وهو يضمها إليه ويقبل رأسها قائلاً ـ"أسف حبيبتي...لم أقصد".


وكزته في كتفه بدلال ثم جذبته من كفه ثانية خارج الغرفة، وتبعها في هدوء إلى المطبخ ووقف عاقداً ذراعيه أمام صدره وهو يتابعها بعينيه وهي تفتح المبرد وتلتقط أطباقاً مغلفة من داخله قبل أن ترفع نظرها إليه قائلة ـ"حبيبي...لا تقف مكتوف الأيدي هكذا...هيا أشعل الموقد وساعدني في تسخين الطعام".


هز رأسه وهو يتقدم إلى داخل المطبخ ويتجه إلى الموقد قائلاً ـ"لم أسمع عن عريس يدخل المطبخ صبيحة زواجه".


التفتت إليه تتأمله للحظات ثم تناولت كفيه بين راحتيها قائلة بحزم ـ"حبيبي...ينبغي أن نضع قواعداً للتعامل في المنزل...كيفية المساعدة وتقسيم الأعمال بيننا".


رفع حاجبيه بدهشة حقيقية وهو يقول ـ"هل أنت جادة؟ لقد ظننتك تمزحين".


ضحكت وهي تتأمل دهشته قائلة ـ"ما سبب دهشتك هكذا؟ أنت طبيب وأنا طبيبة، أنت تعمل في مستشفى وأنا أيضاً...إذاً فكلانا يعود إلى المنزل مرهقاً، ولابد من التعاون سوياً في المنزل".


أذهله حديثها الواثق وكأنها أعدت لهذا الحديث عدته من قبل، خاصة حينما فتحت أحد أدراج المطبخ والتقطت منه دفتر ملاحظات وقلماً واتجهت بهما إلى طاولة تتوسط المطبخ وجلست أمامها قائلة ـ"هيا نتفق على هذه النقاط سوياً".


جلس أمامها على الطاولة وهو يقول بضيق ـ"حبيبتي...هذا الحديث لا يليق بأول أيام زواجنا...إنه شهر العسل...العسل يا(سمر) وليس الطبيخ والغسيل".


رفعت عينيها إليه وقد شعرت بنبرة الضيق في صوته وسمعته يتابع ـ"هذه القواعد والنقاط تستطيع الانتظار حتى نعود من الإسكندرية...ممكن"؟


مدت كفيها عبر الطاولة تحتضن أصابعه وهي تقول بابتسامة ودود ـ"طبعاً يا حبيبي...يالي من حمقاء لأعكر صفو يومك بهذا الطلب".


رفع كفيها يلثمهما بحب وقد اختفى شعوره بالضيق وهم بقول شيء ما حينما قاطعه صوت جرس الباب المفاجئ الذي افزع عروسه وجعله يمط شفتيه في تذمر قائلاً ـ"استغفر الله العظيم...لقد استيقظنا للتو يا جماعة...ألديهم كاميرا تصوير في الشقة أبلغتهم باستيقاظنا"؟


ضحكت وهي تتأمل تعبيرات وجهه المتبرمة ثم ما لبثت أن نهضت قائلة ـ"لا تغضب...سأفتح الباب و...".


قاطعها وهو يهب من مقعده ويمسكها من معصمها هاتفاً ـ"أجننت؟ كيف تفتحين الباب هكذا"؟


قالت بحرج ـ"حبيبي سأمر بغرفة النوم في طريقي وارتدي معطفاً حريرياً".


جذبها إليه وهو يقول في خبث ملوحاً بإصبعه في تحذير ـ"لا حريري ولا حتى صوف...أول قاعدة في البيت: ممنوع فتح الباب وأنت في لباس النوم".


وكزته في كتفه بدلال قائلة ـ"لقد ظننت أن القواعد ستنتظر عودتنا من الإسكندرية".


داعب طرف أنفها وهو يقول ـ"إلا هذه القاعدة...لا أحب أن يرى زوجتي غيري...هيا اذهبي وغيري ملابسك".


قبلت سبابتها ثم وضعتها على شفتيه قائلة بنفس الدلال ـ"ماشي كلام سي السيد".


قالتها واستدارت متجهة إلى غرفتهما، بينما عاد جرس الباب إلى الرنين ثانية فعدل منامته واتجه نحو الباب، ثم توقف أمام مرآه مجاورة ليتأكد من هندامه ويصفف شعره الناعم بأصابعه قبل أن يلتقط نفساً عميقاً ويفتح الباب.


*****************************


الدمعة الرابعة عشر


14-


اقترب (طارق) من باب الشقة وألقى نظرة سريعة عبر العين السحرية قبل أن يلتقط نفساً ثانياً ويرسم ابتسامة واسعة على وجهه وهو يفتح باب الشقة ليرى وجه والده وحماته وزوجها وابنيه الشابين، فقال بدهشة وهو يدعوهم إلى الدخول ـ"أهلاً وسهلاً...هل حضرتم معاً"؟


ضحك والده وهو يجيبه ـ"لقد التقينا على باب الشقة".


صافحته السيدة التي تشبهها زوجته وكأنها نسخة بالكربون قائلة ـ"صباحية مباركة يا عريس...هل أزعجناكم"؟


ضحك (طارق) وهو يفسح الطريق لهم قائلاً ـ"البيت بيتكم يا جماعة...تفضلوا بالدخول".


دلفت السيدة التي لم يتجاوز عمرها الخمسين عاماً، ولم تفقد جمالها بعد، وتبعها زوجها الذي لا يبدو مريحاً، وابناه اللذان جالا ببصريهما في أرجاء الشقة قبل أن يتخذا مقاعدهما في صدر الردهة وأعينهما لا تزال تجوب الشقة.


لم يعرهما (طارق) اهتماماً وهو يلتفت إلى والده وينحني ليقبل ظهر يده باحترام قائلاً ـ"نورت بيتي يا والدي".


ربت والده على ظهره بحنان قلما يظهره، وهو يقول ـ"بارك الله لك يا ولدي".


صحبه (طارق) إلى الداخل بعد أن أغلق الباب، وما أن التفت حتى راعه ما رأى.


إتسعت عيناه في دهشة وتصاعدت دماء الغضب في رأسه أمام هذا المشهد، حتى هيئ إليه أن دخاناً يتصاعد بالفعل من رأسه وأن الدماء ألقت بغشاوة على عينيه فأصبح ما حوله مصبوغاً بلونها.


فأمامه كانت عروسه مرتدية قميص نوم أحمر وعليه معطفاً شفافاً من نفس اللون، وقد تركت شعرها الناعم منسدلاً على كتفيها وزينت وجهها بمختلف مساحيق الزينة وهي تتجه مبتسمة لتحتضن والدتها في سعادة.


كان يشعر بأصوات التهنئة من والدة زوجته وزوجها وابنيه السخيفين وكأنها تأتي من بئر سحيق، لأن انتباهه كله كان مع تلك التي يلتهما بأنظارهما اثنان من غير محارمها.


وبالرغم من الغليان الذي يشعر به في عروقه، اتجه إلى زوجته وسحبها من ذراعها بابتسامة جاهد ليزرعها على وجهه وهو يقول لحماته ـ"عذراً يا جماعة...البيت بيتكم طبعاً. لو سمحتي يا(سمر)، أريدك دقيقة".


قالها وهو يجذبها خلفه إلى حجرتهما التي دخلها وسمح للقليل من غضبه بالظهور وهو يقول من بين أسنانه وقبضته تضغط على ذراعها ـ"ما هذا الذي ترتدين؟ ألم أحذرك منذ قليل؟ لقد منعتك أن تفتحي الباب فكيف تخرجين إليهم بقميص النوم؟"


أدهشها غضبه، الذي لم تر له مبرراً، وهي تقول بهدوء ـ"حبيبي، إنهم أهلي ووالدك...لا يوجد أغراب".


هتف بها وهو يحاول ألا يعلو صوته قائلاً ـ"والله؟ وماذا عن أبناء زوج أمك؟"


ارتفع حاجباها في دهشة قائلة ـ"(طارق) إنهم أخوتي وأصغر مني، لقد نشأنا معاً".


هتف بها من بين أسنانه ـ"كلا ليسا إخوتك...وليسا من محارمك حتى تخرجي إليهم بهذا الشكل. لقد كانا يلتهمانك بأنظارهما".


أدركت بذكائها الأنثوي أنه يغار عليها فلمست وجهه بأطراف أصابع يدها الحرة قائلة بدلال ـ"أتغار يا حبيبي؟"


أبعد أصابعها عن وجهه بغضب قائلاً ـ"الأمر لا علاقة له بالغيرة. إنها عاداتنا التي نشأنا عليها وتعاليم ديننا التي تصف الحياء بأنه شعبة من الإيمان. حتى (هالة) لا تزال تجلس أمامي بالحجاب أغلب الوقت رغم أنني زوجها".


لم يكد يذكر اسم زوجته الثانية أمامها حتى شعر بملامحها تتغير وهي ترمقه بنفس النظرة التي حار في تفسيرها في الصباح قبل أن تجذب ذراعها من قبضته في قوة وهي تقول من بين أسنانها ـ"أعتقد أنني أوضحت من قبل أنني (سمر)، ولا يهمني ماذا تفعل (هالة)".


شعر بالضيق الذي اعتراها وبالجو الذي بات مشحوناً بينهما، فتنهد في عمق وهو يخلل شعره بأصابعه قائلاً بكل الهدوء الذي وجده داخله ـ"حبيبتي...أنا رجل شرقي وأصولي ريفية، ولا أحب أن ينظر الأغراب إلى زوجتي. سميها غيرة أو تشدد أو حتى رجعية، لكني لا أحب أن يراك غيري...ممكن؟"


تنهدت هي الأخرى ولانت ملامحها ونظرتها العدائية وهي تقول بهدوء تشوبه السخريةـ"أمر سي السيد...خزانة الملابس أمامك...اختر ما تريدني أن أرتديه".


منحها ابتسامة عذبة وهو يطبع قبلة سريعة على طرف أنفها المستقيم قائلاً ـ"لا لن أختر لك، فأنا أثق فيك وفي رجاحة عقلك. سأخرج إليهم ريثما تبدلين ملابسك".


قالها والتفت يغادر الحجرة قبل أن يستدير إليها ثانية ويباغتها بدغدغتها قائلا بجدية مفتعلة ـ"ثم أين كان هذا القميص بالأمس؟"


ضحكت من دغدغته قائلة ـ"خلاص تبت إلى الله...لن أرتديه لغيرك".


قبل جبهتها بحب قائلاً ـ"لا هو ولا غيره...هيا لا تتأخري".


منحته ابتسامة سريعة وهو يخرج قبل أن تلتفت إلى خزانة الملابس وتقف واضعة كفاها حول خصرها، وهي تتأمل ملابسها في حيرة قائلة بسخط ـ"يا ربي...أين كان هذا الوجه الرجعي من قبل؟" 


*********************************




الدمعة الخامسة 


15 -


وقف (طارق) في شرفة غرفته بالفندق في الإسكندرية والتقط نفساً عميقاً من هواء البحر المنعش أمامه قرب منتصف الليل وتأمله قليلاً، ثم أخرج هاتفه الجوال من جيبه وضغط أحد أزراره وإنتظر قليلاً ليسمع من الطرف الآخر صوت (هالة) الهادئ تقول بابتسامة واضحة في صوتها ـ"أهلا بالعريس. كيف حالك وكيف العروس؟"


أبتسم وهو يجيبها قائلاً ـ"بخير والحمد لله. أنت كيف حالك وكيف حال أمي والأولاد؟"


أجابته بنفس الرقة قائلة ـ"نحن بخير والحمد لله. لكن القبيلة بأسرها نيام. حتى أنا كنت في طريقي إلى النوم".


منحها ضحكة خافتة وهو يقول ـ"أسف على إزعاجك إذاً...لقد أردت فقط أن أشكرك وأدعو لك الله أن يحميك ويبارك لك في صحتك وأطفالك...لقد كنت سبباً في سعادتي يا (هالة) ولن أفيك حقك يوماً".


شعرت بغصة من كلماته، لكنها سرعان ما تنحنحت لتجيبه بهدوء ـ"أنت تستحق كل خير يا (طارق)، وكذلك (سمر). حافظ عليها لأن أمثالها قلة في هذا العالم".


سرت قشعريرة باردة في جسده حينما سمع جملتها الأخيرة، فقال لينهي المكالمة ـ"وأمثالك أيضاً يا (هالة). انتبهي لنفسك والأولاد. تصبحين على خير".


لم يكد يسمع ردها حتى أنهى المكالمة وزفر في عمق وظل يطالع البحر للحظات قبل أن يلتفت ليعود إلى الغرفة. ولكنه أجفل بمجرد أن التفت، 

إذ وجد (سمر) واقفة على باب الشرفة ساندة كتفها على حافته وعاقدة ذراعيها أمامها وفي عينيها نفس النظرة الباردة المحيرة فقال بدهشة ـ"(سمر)؟ منذ متى وأنت هنا؟"


قالت بنبرة ساخرة ـ"منذ كنت تتسول على باب الحسين".


ثم قالت تقلده "لقد اتصلت كي أدعو لك الله أن يحميك ويبارك لك في صحتك وأطفالك". وعاد صوتها إلى نبرته الغاضبة وهي تقول ـ"تتصل بضرتي وأنا معك في شهر العسل؟"


قالتها والتفتت غاضبة لتدخل إلى غرفتهما، فلحقها (طارق) وأمسك بذراعها يوقفها قائلاً بابتسامة واسعة ـ"سأتغاضى عن سخريتك والإهانة التي تلفظت بها قبل قليل لعلمي أنك تغارين".


حاولت أن تجذب ذراعها من قبضته وهي تقول بضيق ـ"ابتعد عني، فأنا لا أغار عليك".


شدد قبضته على ذراعها وقربها منه وقال وهو يغوص في عينيها بحب ـ"بل تغارين ولهذا ضايقك اتصالي ب(هالة)".


أشاحت بوجهها هرباً من نظرات عينيه فأدار وجهها إليه وداعب شعرها قائلاً بنفس الابتسامة ـ"حبيبتي...أنت وحدك زوجتي. وأنا لم أتصل بهم منذ زواجنا الأسبوع الماضي. فقط أردت الاطمئنان على الأولاد".


مطت شفتيها قائلة ـ"فلماذا لم تتصل مبكراً لتكلم أبناء أخيك؟ لقد اتصلت متأخراً حتى ترد هي عليك".


ضحك منها وقبل جبهتها قائلاً ـ"والله لم أتعمد ذلك...فنحن نخرج كل يوم ونعود متأخراً، واليوم عدنا مبكراً عن كل ليلة، فاتصلت بهم وأنت تغيرين ملابسك".


ثم قرص وجنتها بخفة قائلاً ـ"ثم هل تنكرين أن (هالة) هي السبب في إقناع والدي بزواجنا؟ أنت أقنعتني بالزواج منها لصالح أبناء (حازم) رحمه الله، وهي ساعدتنا بالزواج. أقسم لك أن (هالة) مثل البلسم، وأثق أنك ستحبينها حينما ترينها".


هزت كتفيها كالأطفال وزادت في مط شفتيها كطفلة يحاول والدها إرضاؤها دون جدوى، فقال وهو يقرص وجنتيها مشاكساً ـ"هيا أريني ضحكتك وإلا دغدغتك".


ضحكت لمجرد تخيله وهو يدغدغها كالمعتاد كلما أراد منها شيئاً، ثم رفعت سبابتها محذرة وهي تقول ـ"سأسامحك هذه المرة فقط. لكني لا أعرف ماذا سأفعل في المرة القادمة".


ضحك ثانية وهو يقبل وجنتها في الموقع الذي قرصه قائلاً ـ"توبة يا حبيبتي...لن أضايقك ثانية".


أما (هالة)، فما أن أنهى (طارق) الاتصال حتى تنهدت في عمق واحتضنت هاتفها في هدوء وهي تنظر إلى موضع نوم زوجها على الفراش.


زوجها الصوري الذي يعتبرها أخته، واتصل بها من جوار عروسه ليبلغها مدى امتنانه لها وسعادته بهذه الزيجة...

الزيجة التي ساعدته في إتمامها وهي لا تدري هل ستسعد هي الأخرى أم لا.


كانت مشاعرها مضطربة، 

فهي ليست حزينة لزواجه، 

ولكنها ليست سعيدة أيضاً.

لقد تزوجته مرغمة، وهو كذلك، 

لكن ابتعاده عنها منذ الزواج صدمها،

وزادت صدمتها باعترافه لها بحبه لزميلته.


كانت كلماته في ذلك اليوم لا تزال تدوي في أذنيها وهو يعترف بأن حبيبته اشترطت أن يكون زواجه من أرملة شقيقه صورياً. 

مزقها اعترافه في هذا اليوم، ودمر حلمها الوليد في أن يكون هذا الزوج بحنانه وتفهمه عوضاً لها عن زوجها السابق...عن شقيقه.


هزت رأسها في عنف وكأنها تنفض عنه أفكاره ونهرت قلبها على هذه المشاعر التي وجدتها مشاعر ماجنة وفاسقة...

لقد أعلنت لحميها من قبل أنها لن تقبل الزواج بعد (حازم) رحمه الله، بل وتزوجت شقيقه مرغمة لحماية أطفالها. وقد أتتها الفرصة لتفي بما قالت من قبل، فلماذا تضيعها؟

ثم مسحت بقوة دمعة متمردة تسللت من عينيها وهي تتذكر نصيحة أمها بأن تحول (طارق) إلى أخ أو صديق، بدلاً من أن تعلق نفسها بأوهام واهية.


نعم...(طارق) مجرد صديق، ولن يتحول إلى أي خانة أخرى.


************************

تكملة الرواية من هناااااااااا


تعليقات

التنقل السريع