القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية نعيمي وجحيمها الفصل-26-27-28-29-30 بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله


رواية نعيمي وجحيمها الفصل-26-27-28-29-30 بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله






رواية نعيمي وجحيمها الفصل-26-27-28-29-30 بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله





الفصل السادس والعشرون 


طالت جلستها بالساعات مع جدتها وأخواتها بالمنزل وظل هو على وضعه جالسًا على طاولة قهوته يدخن تارة او يتحدث تارة أخرى مع صبيانه او يفعل أي شئ، دون ملل ف انتظار رؤيتها، وقد غلبه الفضول والرغبة الشديدة لرؤيتها وماوصلت إليه من تغيرات شكلية على وصف صبيه في هذه المدة القصيرة بعد.زواجها، حينما لمح طرف ثوبها من مدخل البناية وهي تهبط الدرج المتهالك انتصب في جلسته وتحفزت حواسه، حتى اصبحت الرؤية كاملة فتوسعت عيناه بشدة منبهرًا بجمالها الذي لطالما ارق مضجعه وأذهب عنه النوم ليالي كاملة، ازداد الاَن بشدة حتى كاد ان يقترب من الكمال، غمغم داخله متحسرًا بعد ان طارت من يده على اَخر لحظة لتكون ملك غيره:

- يعني انتِ كنتِ ناقصة حلاوة على حلاوتك؟ ولا انا كنت ناقص عذاب على عذابي ؟

انتبهت هي أليه وتلاقت انظارها به فعبس وجهها لتُشيحه بوجهها عنه وتتجاهله قبل ان تعتلي سيارتها التي تحركت على الفور مغادرة الحارة بأكملها امام عيناه التي لم تتزحزح عن السيارة حتى اختفت، وحينما عاد بأنظاره وجد محروس أمامه يتطلع إليه بابتسامة مستخفة وبشماتة تقز قغزًا من عينيه، صك على فكه غيظًا قبل أن يبصق على الأرض وكأنه يوجهها له، ثم ارتفعت رأسه إليه مغمعمًا بتوعد .

- طب وحياة الغالين لكون مربياك عليها دي يامحروس، مابقاش انا فهمي لو ماقرصتك .

....................... ...


عادت إحسان لمنزلها بعد خروجها وقت ان وصلها الخبر من سيدات الحارة بقدوم ابنة شقيقها بسيارة وهيئة راقية تناسب زوجة الرجل الغني العربي، ورأت بنفسها التغير الذي طرأ على زهرة، فتمنت وتحسرت بشدة أن لو كانت غادة هي مكانها فهي من تستحق بنظرها، وجدتها جالسة بوسط الصالة تشاهد التلفاز وطبق المسليات بحجرها، القت عليها التحية قبل أن تجلس بجوارها وتضع كيس الهدايا الذي اتت به خلفها :

- مساء الخير .

ردت غادة تحيتها قبل أن تسألها :

- رجعت وملقتكيش يعني، كنتِ فين ياما ؟

اجابتها وهي تتناول من طبقها :

- كنت في مشوار مهم ياغالية لا انتِ مسمعتيش من أهل الحارة .

سألتها بعدم فهم :

- سمعت إيه؟ انا اساسًا جيت متأخر النهاردة من الشغل وملحقتش اقف ولا اتكلم مع حد .

- امممم .

غمغمت بها إحسان وهي تعتدل بجسدها البدين امام رؤية التلفاز ثم قالت :

- على كدة معرفتيش ان المحروسة مرات الباشا جات النهاردة والحارة كلها اتقلبت على العربية اللي جات بيها ولا شكلها اللي بقى ولا الهاوانم وبقى ليها سواق مخصوص كمان؟

صمتت غادة واشتعلت عيناها قبل أن تتأكد مما سمعته :

- انتِ بتتكلمي جد يامّا؟

- وانا هاهزر يعني في الحاجات دي؟ خدي وشوفي بنفسك .

قالت الاَخيرة وهي تلقي بالكيس البلاستيكي امامها، مكملة :

- بصي ياختي على الهدايا اللي جايبهالنا 

تناولت الكيس تخرج مابداخله بلهفة، فهتفت بفرحة وهي تتأمل الحقيبة الغالية والحجاب الطويل :

- الله يامّا ، أكيد الشنطة الحلوة دي ليا انا والحجاب الطويل دا ليكِ انتِ .

تأملتها آحسان قليلًا ثم ردت بابتسامة ساخرة :

- ايوة يااختي افرحي بالشنطة وانا افرح بالحجاب، وهي جايبة دهب لمرات محروس وجدتها .

سألتها مذهولة :

- بتقولي دهب ؟!

ردت إحسان من تحت اسنانها:

- وهاكدب ليه ياحبيبتي وانا شوفت بنفسي؟ دا ابوها اللي كان بيجي يترجاني على ٢٠ جنية يجيب بيهم علبة سجاير ، تعالي شوفيه دلوقتِ وهو بيتمحتر في الحارة ويقول ياارض اتهدي ما عليكي قدي .

لم ترد غادة وتصلبت يديها عن الإمساك بالحقيبة التي سقطت أرضًا ، فسألتها والدتها :

- انتٍ ماتعرفيش هي هاتكمل شغل ولا تقعد في البيت ؟

التفت لوالدتها تجيبها بحنق:

- هاترجع يامّا ، دي ما صدقت ولاقيتها فرصة، حظوووووظ.

...................................


يوم السبت .

استقيظ من نومه في نفس ميعاده كالعادة ، فتفاجأ بخلاء مكانها بجواره، قطب مستغربًا وهو ينهض عن التخت ويهتف باسمها :

- زهرة... يازهرة .

حينما لم يجدها بالحمام او يسمع ردًا منها ، خرج من غرفته بجذعه العاري وبنطاله الرياضي المريح ليبحث عنها مرددًا :

- يااازهرة انتِ فين؟.

أتت على صوته سريعًا تصعد إليه الدرج وهي تجيبه :

- انا هنا ياجاسر، ثواني جاية.

تفحصها بنظرة تقيمية حتى وصلت إليه ليسألها :

- مش بعادتك يعني تصحي بدري وتسبيني؟ هو انتِ كنتِ خارجة .

اقتربت لتسحبه من ذراعه مردفة بحرج :

- مش تلبس حاجة قبل ماتخرج كدة وتحرج البنت .

تمتم يتطلع نحو الجهة التي تشير إليها فرأى البنت العاملة بتنظيف المنزل تبتسم وهي تختلس النظرات نحوه، فرد بابتسامة متوسعة لزهرة وهو مستسلم لسحبها نحو غرفته :

- بس البنت مش مكسوفة على فكرة .

تغضنت ملامحها بعتب وهي تلج لداخل الغرفة وتدخله معها فقالت وهي تصفق باب الغرفة وتستند بظهرها عليه :

- طب ياريت بقى ماتكررهاش مرة تانية .

ارتفع حاجبه باستدراك ثم اقترب ليستند بمرقفه على باب الغرفة خلفها قائلًا بمرح :

- الله ، دا الحلوة بتغير بقى.

لانت ملامحها وهي تدفع بكفها اصابع يده التي امتدت تداعب أنفها بمشاكسة .

- بس بقى بطل غلاسة .

قالتها وابتعدت لتلقي نظرة اَخيرة على نفسها بالمراَة ،  فلحقها سائلًا :

- طب انتِ مجاوبتش سؤالي برضوا، لابسة لبس الخروج ليه ؟

التفت اليه متكتفة الذراعين تجيبه :

- النهاردة اول الأسبوع، يعني رايحة الشغل ياحبيبي، ولا انت نسيت؟

اقترب متمخترًا بخطواته نحوها واضعًا يديه في جيبي بنطاله يردف :

- طب تصدقي بقى انا فعلاً نسيت.

ردت وهي تتصنع الهلع:

- انت نسيت بس انا منستش، حكم المدير بتاعي دا صعب اوي ويخوف .

ردد ضاحكًا :

- ياشيخة، وايه كمان ؟

أكملت تعبر بيداها وملامح وجهها :

- اه والنعمة زي مابقولك كدة ، دا غير انه كشري وحواجبه معقودة، ولما يتكلم عيونه بتطلع نار ، ااه .

صرخت الاَخيرة وهو يرفعها من خصرها بمرح مرددًا :

- ماتقولي انه عفريت احسن، ولا اقولك خليها التنين المجنح عشان عيونه بتطلع نار .

قهقهت بين يديه ضاحكة وهي تخاطبه :

- خلاص ياجاسر ، انا مش عيلة صغيرة .

- انتِ مش عيلة وبس، دا انتِ هاتجنيني معاكٍ؟

قالها قبل أن يقبلها على وجنتها بقوة ثم تفلتها يديه ، فقالت هي:

- طب انا كدة هامشي واسبقك مع عم رزق عشان دا ميعادي وانت حصلني .

اوقفها يعترض طريقها :

- استني افطري معايا حتى الأول .

رفعت يدها تنظر في الساعة التي زينت رسغها ثم شهقت امام وجهه بهلع :

- عايزني افطر وانا متأخرة، اشحال ان ماكنت حكيالك عن مديري اللي بيخوف؟ سلام بقى عشان ماخدتش جزا .

اردفت الاَخيرة وهي تتناول حقيبتها هاربة منه، نظر في أثرها بابتسامة اعتلت شفتيه يتمتم بداخله:

- حلوة لعبة المدير والسكرتيرة دي !

...................................


بوجه متجهم وذقنٍ غير مهذبة على غير عادته وقف امام المصعد ينتظر هبوطه كي يصعد الى غرفة مكتبه بالمصنع، مطبقًا شفتيه وهو ينظر للوحة الاليكترونية بتركيز، تحركت رأسه فجأة نحو مدخل مبنى المصنع فتسمر محله وتخشبت قدماه وهو يراها تقبل عليه غير منتبهة، منشغلة بالتحدث في الهاتف وشعر رأسها المصفصف بعناية يتراقص بتناغم مع خطواتها الرشيقة، ترتدي بدلة نسائية للعمل ، بنطال أسود وقميص أبيض فوقها وسترة بنفس لون البنطال مفتوحة بشكل عصري على قدها الممشوق؛ تنافس بأناقتها عارضات الأزياء .

- رااائعة .

اردف بها بداخله قبل أن يعود لغضبه ويتذكر عهده الذي قطعه على نفسه، استقام يفرد ظهره جيدًا ليعود لوضعه أمام المصعد والذي كاد أن ينساه حينما انفتح بابه الإليكتروني فجأة فدلف بداخله وقبل أن يصعد وجدها فجأة لحقت لتشاركه الصعود، قائلة بلهاث:

- صباح الخير .

- صباح النور .

رددها إليها بروتينة قبل أن يعود لوضعه بالتجهم ، يتصنع التجاهل ورائحة عطرها تأسر حواسه وهذا الخائن بصدره يضرب بقوة فرحًا ببلاهة لمجرد شعوره بقربها في مكانٍ وحده معها، تكلمت هي تقطع الصمت :

- قومت متأخرة عن ميعادي النهاردة، وكنت خايفة أوي لتأخر .

التفت رأسه إليها بصمت فتفاجأ بلون القهوة صافيًا أمامه دون النظارة الغبية التي ترتديها دائمًا أثناء العمل، كاد أن يستسلم ويسقط حصونه كي يغرق بهم ويُشبع أنظاره منهم ، ولكنه استفاق ينهر نفسه ويحثها لعدم الاستسلام فرد موجهًا كلماته بمغزى وهو يشيح بوجهه عنها :

- مش بعادة يعني ولا هي السهرة طولت؟

عقدت حاجبيها مردفة بتساؤل :

- نعم ؟!

استدرك نفسه فقال موضحًا :

- قصدي يعني انك عمرك ما اتأخرتي.

أجابته تفاجئه بردها :

- في الحقيقة انا فعلًا سهرت امبارح ولقرب الفجر كمان 

وقبل أن يزلف لسانه بغباء أكملت هي :

- ميدو اخد دور سخونية وبرد امبارح، ونشف دمي من الخوف، ماعرفتش انام غير لما اطمنت ع الحرارة بعد ما نزلت .

سألها مستغلًا سهوها بالحديث العفوي:

- مين ميدو ده ؟

- ميدو دا يبقى اخويا .

تابع بسؤال اَخر:

- طب وانتِ تسهري جمبه لوحدك ليه؟ مش الست الوالدة عايشة برضوا؟

هل شعر بارتباكها أو رأى شحوبًا بلون وجهها فجأة لا يعلم ؟ ولكن الذي بدا واضحًا أمامه هو اطباق شفتيها  وانظارها التي زاغت بينه وبين لوحة الأرقام بصمت دون إجابة عن سؤاله، حتى انفتح الباب  فتمتمت تجيبه بصوتِ كالهمس بالكاد يخرج:

- مش موجودة.

قالتها وخرجت على الفور، خرج خلفها وتركزت عيناه عليها ، يتابع خطواتها السريعة وهي تغادر الرواق نحو غرفتها ، وبداخله شعور غريب لا يعلمه مع عدم فهمه للجملة.

............................


تعدو سريعًا بخطواتها لتصل إلى مقر الشركة بعد أن ترجلت من سيارة النقل العام بمسافة ليست بالقريبة، وصلت إلى سلم الباب الرئيسي الرخامي وماهي الا عدة درجات صعدتهم حتى وصل إلى مسامعها همهات خلفها عن زهرة والسيارة التي تخرج منها، التفت بجسدها فوجدتها هي بالفعل تجمعت حولها عدة فتيات من الموظفين، يتحادثن معها بترحيب لعودتها وعيونهن تتطلع مثلها نحو السيارة التي تغادر من خلفهم ، وهي تبتسم كعادتها وتبادلهم الترحيب بمجاملة، تسمرت غادة محلها قليلًا تتطلع ألى هيئتها الجديدة وماترتديه من ملابس فاخرة بالأضافة إلى إشراق وجهها بالسعادة و الذي بدا واضحًا للأعمى حتى، فوصل إلى سمعها بعض التعلقيات الأخرى من خلفها، والتي تتحدث عن زواج زهرة برجل عربي لا تريد الأفصاح عن هويته ، ليرد صوت امرأة أخرى، بتخمين أن يكون أمير او شيخ خليجي .

كالسياط كانت تلسعها الكلمات بالإضافة لرؤيتها كالنجمة وسط زميلاتها من الموظفات ، كل هذا كان أكبر من طاقة تحملها ، ودون أن تدري استغلت انشغال زهرة مغ الفتيات وعدم انتباهاها إليها ، فانسحبت تكمل صعود الدرج حتى تستكين وتسعيد توزانها ، وقد اشتعلت النيران بصدرها، وشيطان رأسها يحثها على الصراخ وافتعال أي شئ يطفئ الحريق بداخلها..


بعد قليل 

وبعد أن اخدت وقتها في السيطرة ولو قليلًا في انفعالاتها، ووحوش رأسها التي تدفعها دفعًا للتمرد وقلب الطاولة فوق رؤس الجميع، ولكن ما الفائدة فالخاسر الوحيد سيكون هي .

تلونت بابتسامة رسمتها على وجهها بعد أن اعادت النظر على زينتها وماترتديه جيدًا قبل أن تذهب إليها لترحب بعودتها.

- زهرة حبيبتي ؟

تفوهت بها قبل ان تندفع لتحتضنها بأشواااق من ذاخل أعماقها! وزهرة تبادلها العناق بمحبة وصفاء نية كعادتها .

- وحشتيني، وحشتيني أوي يابنت الإيه.

قالتها وهي تشدد عليها بذراعيها بقوة انتبهت لها زهرة ، ولكن فسرتها بدافع اشتياقها ، وردت :

- وانتِ كمان اكتر والله، ربنا يديم المحبة .

فكت ذراعيها عنها قائلة بعتب :

- بس انا زعلانة منك عشان جيتي امبارح الحارة من غير ماتقولي .

عادت زهرة لمقعدها وهي ترد عليها:

- يابنتِ ما انا عارفة ان دا ميعاد شغلك، هاتصل واخليكِ تغيبي عن شغلك يعني؟

- وماله يازهرة مااغيب عن شغلي، هايحصل إيه يعني ؟ دا انا كان نفسي اشوفك يابت انتِ .

تبسمت لها زهرة بمودة حتى ظهرت أسنانها البيضاء وردت بامتنان :

- ياحبيبتي ربنا يخليكِ، ماتحرمش منك .

تطلعت لها بتقيم عن قرب فقالت لها :

- عيني باردة، ماشاء الله التغير ظهر اوي عليكِ في المدة البسيطة دي، وشكلك اخدتِ عليه وانبسطتي، اصل اللي يشوفك قبل الجواز ما يتوقعش النتيجة اللي انا شايفاها دي.

ابتسمت تهز رأسها بخجل تقول لها :

- يعني الحمد لله ، اصله بصراحة طلع حاجة تانية عكس ما انا كنت شايفاه خالص .

سألتها بفضول حارق:

-'طلع إيه يعني؟

زاد خجلها وهي تهز برأسها بابتسامة رائعة بصمت غير قادرة على التعبير بما يجيش بصدرها والأخرى على حافة الإنهيار تريد المعرفة بأقصى سرعة ، لتخيب أمالها وتُجيبها اَخيرًا :

- طلع كويس وخلاص ياغادة، عايزاني اقول إيه يعني ؟

قالتها ببرائة غافلة عن النيران التي عادت لتشتعل بقلب الأخرى وهي تجاهد للسيطرة على نفسها وأقدامها تهتز بعصبية في الأسفل .

قطع شرودها اتصاله من الهاتف الداخلي للمكتب واستدعائه للزهرة مع بعض الملفات المطلوبة، أجابته زهرة بعملية قبل ان تغلق معه وتهم بتجهزيهم ، فاجاتها تقول :

- يرضى ادخل معاكِ اسلم عليه بس واطلع على طول ؟

سهمت زهرة تنظر إليها مجفلة قبل أن تتدارك لترد بحرج :

- ما انتِ عارفة ياغادة انه ماينفعش، جاسر معندوش هزار ولا أي شئ شخصي في الشغل .

- اااه.

تفوهت بها وهي تشيح بوجهها عنها بقصد، عرضت زهرة لإرضائها :

- لو عايزة تسلمي عليه تعالي معايا البيت وكلميه براحتك كمان .

التفت تسألها بلهفة:

- والنبي بجد؟ يعني ممكن تاخديني معاكِ ؟

- طبعًا ياحبيبتي والبيت بيتك كمان .

قالتها زهرة مرحبة فردت الأخرى تسألها بمكر :

- على كدة بقى هاتاخديني في عربيتك، اللي كل الموظفات في الشركة بيتكلموا عنها ؟

ردت بعفويتها :

- هي مش بإسمي يعني، بس هو خصصهالي مع سواق ، وطبعًا هاخدك معايا فيها .

- وكمان بتركبي عربية بسواق مخصوص يابت محروس .

غمغمت بها ساخطة بداخلها قبل أن ترد عليها بابتسامة مصطنعة:

- خلاص يبقى هاجي معاكِ النهاردة 

توسعت ابتسامة زهرة وهي تردف لها بتذكر :

- كويس اوي عشان تسلمي على خالي كمان، اصله هايوصل النهاردة من السفر وقالي انه هاينزل معايا على طول .

- اسلم على خالك؟

سألتها غادة قبل أن تُكمل وهي تخفي امتعاضها :

- لا ياختي خليها وقت تاني، نكون انا وانتِ لوحدنا ، ومايكونش معانا خالك دا اللي بياكل الجو وياخدك مني .

ضحكت زهرة وهي تنهض بالملفات بعد أن جهزتهم ترد عليها :

- زي ما تحبي ياقمر ، عن إذنك بقى عشان مايستعجلنيش ويغضب مني ، ما انتِ عارفاه 

نهضت غادة مرددة لها بحنق مستتر :

- إذنك معاكِ ياحبيبتي، انا اصلًا كنت ماشية عشان شغلي .

....................................


فتحت باب الغرفة لتلج بداخله وتتقدم وملفات العمل بيدها نحو برسمية قائلة :

- الملفات اللي طلبتها يافندم .

- حطيهم قدامك على المكتب .

قالها برسمية هو الاَخر وهو يراجع على بعض الاوراق ألموضوعة أمامه على سطح المكتب دون أن يرفع عيناه نحوها .

رفعت حاجبًا مستغربة هيئته الجدية في المكتب عكس المنزل تمامًا وعلى الإطلاق أيضًا، ثم وضعتهم مذكرة نفسها بصورته الأولى أمامها، 

تطلب حاجة تانية يافندم ؟

سألته بعملية وقد عادت للأجواء الأعتيادية في هذه الغرفة ، أجابها باقتضاب :

- لا .

ارتدت بأقدامها لتخرج ولكنه أوقفها هاتفًا :

- دقيقة لو سمحتِ .

استدرات إليه عائدة لتسأله :

- نعم يافندم في حاجة؟

رفع رأسه إليه قائلًا :

- عايزك تطلعيلي ملف مناقصة الأسمنت 

اقتربت تشير إليه بيدها :

- ماهو قاعد هنا في وسط الملفات اللي جيبتهم قدامك دول .

اومأ برأسه بوجه حازم :

- تعالي طلعيه بنفسك .

قطبت مندهشة قبل أن تتحرك ملتفة خلف المكتب لتخرجه أمامه :

- - اهو يافند......

شهقت مجفلة ليسقط الملف من يدها وقد فاجئها بمعانقتها وتقبيلها على وجنتيها قبل أن يجلسها على سطح المكتب أمامه قائلًا بعشق :

- وحشتيني .

صمتت هي قليلًا تهدئ ضربات قبلها قبل ترد على فعلته :

- هاتوقف قلبي ياجاسر ، والنعمة هاتوقف قلبي في مرة بعمايلك دي .

تسائل ببرائة :

- ليه يابنتِ هو انا عملت حاجة ، واحد بيقول لمراته وحشتيني، فيه إيه دي ؟

هتفت بذهول :

- والنبي إيه ؟ بقى تنشف دمي وانتِ راسم الدور القديم وجد بقى ومش عارف إيه؟ وبعدها يطلع مقلب !

ازدادت ضحكاته وهو يقرب وجهه منها واضع كفيه على جانبي وجهها يردف بهمس :

- طب اعملك إيه طيب؟ ما انتِ وحشتيني بجد فعلًا ، حاولت ارجع لاتزاني بس بصراحة معرفتش، شوقي ليك ِ كان هايجنني .

اردف الاَخيرة وهو يمرر شفتاه على وجنتيها فانتفضت هي تدفعه عنها وتنزل قدميها على الأرض :

- ياجاسر احنا في الشغل ماينفعش كدة 

قربها من خصرها يردف بشقاوة :

- ماينفعش ليه انا صاحب الشغل وانتِ مراتي اساسًا .

ضحكت وهي تحاول دفعه عنها قائلة بابتسامة مستترة :

- وافرض يعني، معندناش بيت يلمنا بقى؟ ولا هي حبكت في الشغل؟

ازداد اتساع ابتسامته قائلًا بمشاكسة:

- لا دي ولا دي، بس انتِ وحشتيتي اعمل ايه بقى؟

- اعمل نفسك مش واخد بالك .

قالت بمرح قبل أن ينقلب وجهها للجدية حينما اقترب ليقبلها فقالت وهي تضع سبابتها على شفتيه وتبعده عنها :

- بلاش بجد... مش هزار على فكرة، عشان انا مبحبش الطريقة دي .

توقف يسألها مندهشًا :

- طريقة أيه؟ هو انتِ ناسية انك مراتي؟

- لأ مش ناسية، بس انا كدة مقفلة ياسيدي ومعترفش غير بالبيت للراجل ومراته، فيها حاجة دي ؟

صمت قليلًا قبل يفك ذراعيه عنها قائلًا بابتسامة :

- لا مافيهاش حاجة يازهرة وانا قابل بيكِ كدة وانت مقفلة .

ابتسمت بارتياح قبل أن يباغتها بقلبة على وجنتها مردفًا :

- بس دي بريئة مافيهاش حاجة، يعني ملكيش حجة .

لوحت بقبضتها قائلة بغيظ مع ابتسامة لم تغادر وجهها :

- مافيش فايدة فيك ، برضوا بتعرف تلاقي طريقة 

قالتها وتحركت لتغادر مستئذنة:

- طب انا ماشية بقى خلينا اروح اشوف شغلي .

اوقغها قائلًا :

- على فكرة احتمال اتأخر النهاردة في الرجوع عشان هاديها جولة سريعة كدة على المجموعة .

أمسكت بمقبض الباب قبل أن ترد بنعومة اكتشفتها حديثًا بنفسها وهي على وضع الأستعداد :

-تيجي بالسلامة انا مستنياك .

وقبل أن ينهض مستجيبُا لمشاكستها خرجت تغادر على الفور ، ليتمتم هو بعد خروجها .

- جبانة .

..............................


في وقتِ لاحق .

دلفت غادة لداخل الغرفة الكبيرة الخاصة بحمام السيدات لتراجع على هيئتها كالعادة وتضيف على زينة وجهها قبل خروجها من العمل أمام المراَة الكبيرة والتي تُظهر الصورة جيدًا، شعرت بمرور إحداهن بجوارها ولكنها لم تلتفت لتركيزها الشديد في تمرير قلم الحمرة على شفتيها، حتى انتبهت لمن تخاطبها باسمها :

- انت بقى غادة ؟

تركت ما بيدها والتفت نحو مصدر الصوت فتفاجأت ترد بلجلجة على هذا المرأء الشقراء والتي رأتها قبل ذلك عدة مرات في الشركة وتظن أنها مسؤل مهم بها :

- اييوة اناا غادة حضرتك ؟ هو انتِ تعرفيني؟

صمتت قليلًا تصفف بيدها على أطراف شعرها الكيرلي (المجعد عن قصد بصالونات التجميل ) ثم التفت إليها تجيبها :

- بصراحة معرفكيش انت شخصيًا ، بس عندي فضول اتعرف عليكِ، اصل من طريقة لبسك كدة واهتمامك بنفسك لفتي نظري .

اطربها ماسمعته فقالت بتفاخر وهي تشير على نفسها :

- بجد ! يعني انا فعلًا عجبتك ؟ اصل انا بصراحة متابعة كل خطوط الموضة ، والنت عندي كله عن البس ومتابعة الفاشينستات واللي بيلبسوه .

- الفاشينستات !

اردفتها بامتعاض قبل ان تكمل :

- بس غريبة يعني ياغادة ، واحدة في جمالك وشياكتك دي كلها ولسة سينجل ، مش سينجل برضوا ولا انا غلطانة ؟

ردت بلهفة وهي ترفع كفيها للأعلى امامها :

- لا والله سينجل حتى شوفي .

ابتسمت الأخرى ترد بخبث :

- مش محتاجة اشوف ياغادة انا عرفت لوحدي ماهو باين، انتِ بنت مكافحة وبتيجي الشركة في اتوبيس عام ، عكس بنت خالك اللي اتجوزت الراجل الغني وجاية النهاردة في غربية اَخر موديل .

تغير وجه غادة وخبئت ابتسامتها لترد من تحت أسنانها:

- نصيب بقى، كل واحد بياخد بياخد نصيبه في الدنيا دي نعمل إيه ؟

قالت لتزيد الحريق بقلبها :

- نصيب! لا ياحبيبتي دي حظوظ ، وصاحبتك باينها محظوظة أوي ، لكن هي فعلًا متجوزة الراجل الغني ده من دولة عربية؟

ازدردت ريقها غادة تجيبها وهي تهز برائسها بتوتر :

- ايوة ففعلا هي متجوزاه عربي.

ابتسمت لها المرأة بحنكة ثم مدت يدها لتصافحها قائلة :

- انا انبسطت جدًا بمعرفتك ياغادة عشان انتِ انسانة صادقة وباين عليكِ طيبة .

- ايوة صح انا صادقة وطيبة ، لكن الدنيا بقى الدنيا ماشية بالحظوظ زي ماقولتي ؟ بس هو انتِ تبقي مين ياهانم ؟

ازداد اتساع ابتسامة المرأة لتجيبها وهي تتحرك من جوارها وتغادر:

- مرفت ياغادة ، عضو مجلس ادارة هنا في الشركة .

اتسعت عيناها تبرق بالانبهار وقبل أن تستوعب جيدًا وجدتها تلتف إليها سائلة :

- على فكرة ياغادة انا كل يوم بروح لوحدي في عربيتي ، ايه رأيك اروحك معايا اهو نسلي بعض في السكة؟

.......................


عاد مساءًا بعد جولته على شركات المجموعة وحضوره لعدة لقاءات شخصية مع أشخاص مهمين لعمله، كل خلية من جسده تصرخ اشتياقًا لها ، لدفئها وابتسامتها التي تنسيه كل ما مر به بيومه، رائحتها التي تبعث في روحه الحياة، وكأنها كانت مفارقة العالم منذ سنوات، لقد اشتاقها واشتاق وصلها بجنون، حبيبته التي أتت إليه بعد أن تمكن منه اليأس لتذكره ان الحياة مازالت تحمل في جعبتها السعادة له .

- زهرة يازهرة .

كان يهتف باسمها وهو يقطع الردهة الفسيحة لمنزله ، وصله صوتها من قريب ، فخطى حتى وصل إليها ، فتغضنت ملامح وجهه وانعقد حاجباه المقلوبان ، وهو يكمل ملقيًا التحية عليها وعلى من يضمها بذراعه على الاَريكة وحدهم :

- مساء الخير ، حمد عالسلامة ياخالد .

اجابه الاَخير بابتسامة متوسعة :

- مساء الفل ياجاسر باشا، عامل ايه انت بقى ؟

- كويس ياسيدي والحمد لله، زهرة حبيبتي انتِ قاعدة كدة ليه ؟

قال الاخيرة مخاطبًا زوجته وهو يقترب للجلوس على المقعد المجاور ، باستغراب من جلستها تحت ذراع خالها وأقدامها مثتية تحتها، كتفها الايمن مستريح على صدره وكأنها طفلة صغيرة في حضن اباها ، اجابته بعفوية وهو تشاهد في الهاتف الذي بيدها :

- بتفرج على لقطات من فرحنا ياجاسر، نوال صورت كل حاجة ونقلتهم هنا على تليفون خالي .

بشبه ابتسامة اومأ لها قائلًا وهو يمسك بكفها يحاول أبعادها:

- تمام ياحبيبتي اتفرجي عليهم ، بس ادي لخالك نفسه دا جاي تعبان من السفر .

اعادها خالد بذراعه قائلًا بحزم :

- لا ياعم انا مش تعبان، خليها قاعدة عشان نتفرج انا وهي مع بعض .

سأله جاسر من تحت درسه :

- ليه هو انت مشفتش الفيديو قبل كدة ؟

اجابه خالد ببرود متعمد :

- لا شوفته طبعًا، بس الفرجة بقى مع حبيبة خاله حاجة تانية خالص .

صك على فكه يكبت غيظه من هذا الخالد ، الذي يقصد متعمدًا اثارة غيرته المجنونة بتحدي مستغلًا مكانته بقلب زهرة، ومنها أيضًا وهي تشاهد غير مبالية بنيران صدره المشتعلة لكل من يقترب منها حتى لو كان أباها نفسه ، تمتم بداخله يناجي الحكمة:

- اللهم ماطولك ياروح.


...... يتبع 

زودوا التفاعل ياشباب مع تعليقاتك حلوة بقى علو الرواية عشان تبقي في القمة 


#امل_نصر

#بنت_الجنوب


الفصل السابع والعشرون


تتفاوت المحبة في القلوب من شخصٍ لاَخر، وكلما زادت المحبة و درجة القرب من احبابنا زادت العفوية وانطلقت الاَلسنة حتى بالتفاهات.


تتحدث بأريحية وكلماتها تخرج بلهفة في فتح مواضيع شتى دون توقف، والاَخر يبادلها الحديث بالحديث و يجاريها بالأندماج معها ومع كل ما يخرج منها، ومع أقل دعابة منه تُجفل الجالس بالقرب منهم على جمر الغيظ؛ بضحكة رنانة تصدر منها دون تحفظ أو خجل يتلقاها الاَخر بنظرة خبيثة نحوه وكأنه يوصل إليه رسائل مبطنة ويعلمها الاَخر بفطنته!

- ياجاسر باشا لو تعبان روح ريح جسمك، انا مش غريب .

قالها خالد وهو مضجع في جلسته بجوارها على الاَريكة التي لم يفارقها من وقت جلوسهم، امال الاَخر برأسه يرمقه بنظرة منذهلة قبل أن يرد بذكاء لا يفوته:

- ليه ياعم خالد؟ حد قالك اني معنديش زوق وما بعرفش اكرم ضيوفي؟

بضحكة مستترة تصنع الصدمة قائلًا :

- ضيوف إيه ياعم؟ دا انا بقولك مش غريب تقولي ضيوف؟

تدخلت زهرة ببنهم ترد:

- مايقصدش ياخالي طبعًا، ما انت فعلًا مش غريب .

خاطبها جاسر من تحت أسنانه :

- طيب ولما هو مش غريب، مش تقومي بقى تحضريلنا العشا عشان نتعشى. 

انتفضت زهرة شاعرة بالحرج :

- اه صحيح، ثواني طيب.....

قاطعها خالد يجذبها من ذراعها للجلوس مرة أخرى :

- اقعدي يازهرة انا مش جعان .

- بس انا جعان ياخالد، يرضيك اقعد كدة من غير ما اتعشى؟

قالها بزوق أللجم خالد الذي رد بابتسامة إليه :

- لا طبعًا مايرضنيش، قومي يازهرة حضري العشا لجوزك وانا كمان هاكل معاكم ، حكم انا ناوي اطول السهرة معاكم.

بشبه ابتسامة اومأ له جاسر ليجفل فجأة على شهقة كبيرة من خالد وهو يوقف زهرة التي نهضت من جواره :

- استني يابنت هو انتِ قصيتي شعرك ؟

انتبهت زهرة لتمسك بالأطراف التي اشار عليها خالد واجابت بعفوية:

- ياخالي دا عشان الأطراف تتساوى، البنت الكوافيرة قالتلي كدة .

زام مابين شفتيه بتفكير يخلتس النظرة بخبث نحو جاسر الذي جحظت عيناه من ملاحظته ثم قال:

- خلاص يازهرة انا خوفت لتكوني بتجربي تقصريه ولا حاجة بس الحمد لله .

جعدت انفها ترد عليه بمزاح قبل أن تتحرك وتتركهم ، نظر خالد في أثرها قليلًا ثم توجه لجاسر يقول ببرائة :

- لتكون استغربت يعني من كلامي وافتكرتها حشرية، بس اللي انت متعرفوش بقى، ان زهرة دي مكنتش بتروح المدرسة غير لما العبد لله هو اللي يسرح لها شعرها .

سهم إليه جاسر قليلًا يجاهد للمحافظة على المتبقى من تعقله، ثم أشاح بوجهه يعض على شفتيه غيظًا، فهذا الخالد مُصر على استفزازه بتذكيره الدائم بدرجة قربه ومكانته المميزة في قلب زهرة .

........................


بداخل الملهى الليلي الذي اصبحت تأتيه يوميًا لتسهر به منذ فترة، أتت معها هذه المرة مرفت لتقضي الوقت معها وتتحدث عما حدث صباحًا:

- يابنتي زي مابقولك كدة، جاية في عربية اَخر موديل وقال ايه مش عايز تقول على اسم عريس الغفلة ولا حتى تطلع صور الفرح للبنات الموظفين .

اومأت لها ميري تدعي التركيز رغم تشتت نظراتها كل دقيقة:

- اه يعني هي اتجوزت واحد غني فعلًا، طب ومش عايزة تقول على اسمه ليه بقى؟

ارتشفت الأخرى من كأسها قليلًا قبل أن تجيبها :

- خمني انتِ بقى، عشان لما اقولك ان البنت دي اكيد بتربطها حاجة بجوزك تبقي تصدقيني .

انتبهت تسألها بتخوف:

- يعني تفتكري تكون شرعية ولا حاجة زي اللي فاتوا كدة؟

هزت بأكتافها تجيبها بخبث:

- الله أعلم، بس البنت دي شكلها مش سهلة، رسمالي كدة فيها دور البريئة والملتزمة وانا اراهن بحياتي انها مية من تحت تبن .

صمتت قليلًا ثم استطردت:

- بس على فكرة انا لقيت سكة مع البنت قريبتها واتعرفت عليها، هي بنت خفيفة بس انا متأكدة اننا هنلاقي من وراها فايدة .

قالت ميري بسأم:

- فايدة ايه يامرفت؟ ماهي ممكن فعلًا تطلع تخمينات من دماغك وتكون اتجوزت راجل تاني غني فعلًا .

ردت مرفت وهي تجز على أسنانها:

- بطلي خيابة بقى انا بتكلم بناءًا على شواهد، يعني تفوقي كدة لتكون البنت دي بتلعب على جوزك .

التوى ثغر ميري تقول لها بإحباط:

- وافرضي يعني فوقت زي مابتقولي كدة، ماهو هاجرني بقالوا فترة طويلة يامرفت وانا بصراحة بقى زهقت.

احتدت عيناها وهدرت فيها بصوت خفيض:

- تزهقي دا إيه انتِ كمان؟ دا جوزك يعني لازم تدافعي عن حقك فيه ضد أو واحدة عايزة تخطفوا ولا انتِ عايزة تفهميني انه ماعدتش فارق معاكي ولا كرهتيه؟

أجفلت ميري قليلًا من حدتها ثم سهمت بتفكير فقالت وهي تمط بشفتيها:

- هو انتِ عندك حق طبعُا اني ادافع عن حقي ضد أي واحدة جربوعة تطمع فيه، وحكاية فارق معايا او مافارقش، انا ابقى كدابة لو قولت انه مش فارق معايا، جاسر قبل مايقلب عليا كان صبور لأقصى درجة، دا غير انه وسيم واي ست اعرفها كانت بتحسدني عليه طبعًا .

قالت الاَخيرة وهي تتلاعب بشعرها غافلة بغباء عن تغير وجه الأخرى وقد تكورت شفتيها تحدجها بنظراتٍ مبهمة، واستطردت بعصبية:

- بس انا تعبت من الهجر يامرفت ونفسي بقى اعيش حياتي .

خرجت عن طورها مرفت تهتف بعصبية:

- اوكيه ياميري مدام انتِ تعبتي وزهقتي ابقى اخدها انا من قاصرها واصرف نظر بقى عن مساعدتك .

- خلاص يامرفت ماتتعصبيش انا كنت بقولك بس ع اللي حاسة بيه .

قالتها ميري بمهادنة لها، فهتفت تسألها بحدة:

- طب وهاتعملي إيه لو الموضوع طلع حقيقي، والبنت دي ثبت إن ليها علاقة بجوزك .

اجابت ميري بنظرة شرسة:

- طبعًا هاطربق الدنيا على دماغ الاتنين واسيب بابي هو اللي يتصرف، طب اقولك على حاجة، انا هاجي بكرة الشركة اعدي عليكي و اشوف البنت دي.

ارتخى وجه مرفت بابتسامة جانبية قبل ان تجفلها شاهقة وهي تنهض من أمامها :

- مارو وصل .

قالتها وذهبت من أمامها لتصافح الشاب الذي كانت تراقصه سابقًا ، توسعت عيناها مرفت وهي ترى تساهل الأخرى في احتضان الشاب وتقبيله لها من وجنتيها، زفرت مغمغمة بقرف وهي ترتشف من مشروبها :

- غبية !

....................................


انتهت السهرة اَخيرًا بمغادرة خالد الذي لم تتركه زهرة سوى حينما دلف بالسيارة التي أمر بها جاسر لإيصاله، والذي ظل على وضعه مع تصنع الإبتسام حتى خلى المنزل لهم.

- دلفت منتشية لداخل الغرفة التي تجمعهم والإبتسامة لم تفارق وجهها بعد . وجدته واقفًا بوسط الغرفة بوجهه الجامد بعد أن سبقها بخطواته، وحاجبيه عادا للإنعقاد، خاطبته بتوجس من هيئته المريبة:

- ايه مالك ياجاسر هو انت واقف كدة ليه؟

رمقها بنظرة حادة دون أن يجيبها بشئ، قبل أن يستدير عنها متوجهًا نحو حمام الغرفة ليخمد نيران غضبه حتى لا يؤذيها .

نظرت في اثره بعدم فهم وهي تهتف خلفه:

- ياجاسر ... طب رد عليا طيب .

حينما لم يجيبها خطت لتجلس على تختها تقضم أظافرها بتوتر، تفكر بتمعن في تغيره فجأة وانقلابه بعد مغادرة خالها على الفور ، فطن الى عقلها انه لربما اجهد نفسه بجسلته معها ومع خالها لهذا الوقت مع عودته من يوم عمل مرهق، نهضت لتزيح عن عقلها التفكير وتقوم بتبديل ملابسها .


بعد قليل خرج من حمامه ينشف رأسه بالمنشفة الصغيرة، وهو يرتدى بنطال قطني وفوقه فانلة ملتصقة بجسده، وقعت أنظاره عليها أمامه بمنامة حريرية فوق ركبتيها ، ارتدت فوقها المئزر الخفيف، لتخفي الأجزاء العارية منها وقد صففت شعرها حول وجهها الذي زينته ببعض المساحيق الخفيفة، توقفت انظاره عليها قليلًا بشغف وابتلع ريقه ليخفي ارتباكه من جمالها الخاطف، ثم استدار مبتعدًا نحو المراَة ليمشط شعر رأسه بتجاهل لها ، قاومت خجلها لتقترب منه وتحتضن جذعه من الخلف قائلة برقة :

- طب قولي طيب على اللي مزعلك عشان افهم حتى .

اغمض عيناه متفاجًا من فعلتها وتصلب جسده للمستها 

ثم نظر إلى انعكاس وجهها بالمراَة والتقت عيناها بخاصتيه لتسأله بتردد:

- هو انت زعلت عشان انشغلت عنك شوية ووهزرت مع خالي؟

احتدت عيناه فتابعت بترجي غير منتبهة للعواصف التي انطلقت مع كلماتها .

- شكلك زعلت صح، بس انت عارف ان خالي كان مسافر وشئ طبيعي اني انشغل شوية في الكلام والهزار معاه.....

التف مقاطعًا يقبض على ذراعيها بقوة قائلًا بغضب:

- ما اسمهاش انشغلت، اسمها سيبتك تتفلق زي الكنبة اللي انت قاعد عليها، تهزري وتضحكي بصوت عالي ولا اكن في واحد قاعد جمبكم.

توسعت عيناها تتطلع لهيئته المخيفة بهلع وردت بلجلجة:

- والله ما اقصد اللي بتقول عليه ده، انا بس كنت فرحانة بمجية خالي، وكان واحشني قعادتنا بتاعة زمان 

زاد بضغطه على ذراعيها يهدر من تحت أسنانه:

- كان واحشك قعادتكم والضحك اللي بصوت موصل لخارج الفيلا، دا انا من ساعة ما اتجوزتك يازهرة ، ماسمعتش الضحكة دي منك ولا شوفتك بتتكلمي بالحماس ده.

غامت عيناها وألم ذراعيها اصبح لا يحتمل فقالت معتذرة :

- انا اَسفة بجد لو كنت زعلتك، بس انت عارف بمكانة خالي عندي، وان كان على ضحكتي فدي بتطلع طبيعي معاه، عشان.....

صمتت فزاد من ضغطه يريد سماع باقي :

- عشان إيه يازهرة قولي.

تأوهت تجيبه والدموع تتساقط منها :

- عشان وانا مع خالي بحس دايمًا اني بنته الصغيرة اللي مكملتش السبع السنين، لكن معاك انت ببقى الحبيبة اللي لسة في بداية التعارف مع حبيبها .

رق قلبه ولانت ملامح وجهه على بكاءها، نزع يداه عنها لينزل بذراعيه على خصرها وضمها بقوة تكاد تسحق عظامها مرددًا بهزيان:

- مش الحبيبة وبس يازهرة، انتِ بنتِ وانا كل أهلك سمعاني؟ انا كل أهلك يازهرة؟

صمتت مقررة السكوت وقد فاجئها بهذا الجانب المظلم بشخصيته وهو الغيرة العمياء، مع انتباهها للجزء الجيد وهو عدم التصريح بما يشعر به أمام خالها؛ تقديرًا وتفهمًا لها.

..................................


وفي مكانِ اَخر

كانت تتقلب على تختها في محاولة يائسة لاستدعاء النوم وقد بدا انه هرب دون رجعة لهذة الليلة، مع هذه الافكار المتزاحمة برأسها، تطاردها عيناه بنظراتها المُعذبة ، كلماته لها والتي تحمل في باطنها الألم، مالذي يجري لها؟ لماذا تشعر الاَن بتصدع الجدار الذي قامت ببناءه من زمن ضد أي هجمة تلمس قلبها المحصن؟ لقد اصبح ينتابها التوتر ويساورها القلق، وهي يؤلمها الصدق الذي بدأت تتلمسه داخلها منه نحوها، ولكنها تخشى ان تكون البداية لتضعف وتسقط في فخه، تشعر بالتخبط؛ عقلها يدفعها للأستمرار بالحفاظ على العهد الذي قطعته على نفسها منذ زمن، وهذا الخائن بصدرها يطالبها بالتريث وإعطاء الفرصة .

فركت بكفيها على وجهها وهي تعتدل بجذعها وتزفر بضيق، فيبدوا ان هذه الليلة الغريبة لن تنتهي بالنوم أبدًا، أسقطت قدميها على الأرض لتخرج قاصدة مكتبة أبيها علُها تجد ماتقرأه ويلهي عقلها، وصلت إلى الغرفة لتفاجأ بالإضاءة المنبعثة من الجزء المفتوح قليلًا من بابها بمواربة، خمنت بوجوده بداخلها رغم استغرابها من تأخر الوقت، قررت بمفاجأته وهي تتسحب على أطراف أصابعها حتى دلفت لداخل الغرفة دون أن يشعر تبسمت بمرح توقف فورًا وخبئت ابتسامتها وهي ترى انكفاءه على الألبوم القديم ، تتحسس أصابعه على الصورة بلوعة واشتياق، مازال يتذكرها ويتألم لبعدها، ويُخفى ألمه بالأبتسامة أمامهم كما سيفعل الاَن

- ايه دا كاميليا ؟ انتِ صحيتي أمتى يابنت ؟

قالها والدها وهو يرفع رأسه إليها ويغلق مابيده سريعًا بعد أن انتبه لها، تقدمت نحوه وهي ترسم ابتسامة على وجهها لتجيبه:

- عادي ياسيدي انا مجانيش نوم اساسًا، وانت بقى ايه اللي صحاك؟

زام بابتسامة جانبية يرد بمرواغة:

- لا ياختي انا صحيت عشان نمت بدري، بقولك إيه مدام فوقتي كدة ماتعمليلنا فنجانين قهوة ونسلى بعض انا وانتِ في البلكونة .

قال الاَخيرة وهو ينهض عن مقعده بتهرب، قابلته هي بذكائها المعهود ترد بابتسامة:

- ماشي يابابا بس انا بقول بلاش قهوة عشان السهر والبرد كمان في البلكون، وخليها فشار احسن ونقعد نتفرج شوية عالتليفزيون واحنا بندردش . 

- تمام حصليني ياللا .

قالها وخرج أمامها من الغرفة تتبعته بعينها حتى ابتعد لتلقي نظرة اَخيرة نحو الالبوم الموضوع على سطح المكتب بإهمال، قبل أن تلحقه وبداخلها ازدادت تصميمًا على الوفاء بعهدها القديم !

................................


في اليوم التالي 

استيقظت باكرًا عن ميعادها اليومي وخرجت إلى عملها سريعًا قبل أن يستيقظ، كانت بمكتبها تباشر الأعمال التي كلفت بها وغادة أمامها في الجهة المقابلة تتحدث في عدة مواضيع لم تنتبه إلى معظمها زهرة، وعقلها في جهة أخرى، حتى دلف إليهم  وتوقفت خطواته فجأة أمامهم يُلقي التخية وقد تركزت أنظاره عليها:

- صباح الخير .

لم تصدق نفسها غادة وهي ترد إليه تحيته، و اقتربت منه بلهفة :

- ازيك ياجاسر بيه انا غادة أكيد فاكرني؟

رد بعدم انتباه وانظاره نحو الأخرى وهي واقفة مطرقة رأسها، حاجبة عنه عيناها .

- اهلًا ياغادة ، زهرة تعالي عايزك فورًا .

قال الاَخيرة وخطى نحو مكتبه بخطواتٍ سريعة، تتبعته غادة حتى اختفى ثم التفت لزهرة تسألها باستغراب :

- هو ماله كدة شكله مش طبيعي؟ هو انتوا متخانقين؟

نفت برأسها زهرة وهي تجلس لتتفحص ملفات العمل تقول:

- ما انا قولتلك ياغادة، جاسر ماعندوش امور شخصية في الشغل.

لوت ثغرها غادة حانقة من زهرة التي لا تريحها أبدًا في الحديث، ونهضت الأخرى بمجموعة من الملفات تقول لها:

- ماتنسيش معادنا واحنا ماشين، انا اتصلت بكاميليا نقضي اليوم مع بعض.

هتفت غادة توقفها بعدم رضا:

- وتيجي كاميليا معانا ليه؟ هو حرام اقعد معاكي لوحدي؟

التفت برأسها إليها ترد بهدوء:

- ونقعد لوحدنا ليه ؟ ما البيت كبير ويساعي من الحبايب الف، ثم إن دي صاحبتنا على فكرة، مش واحدة وخلاص

زفرت غادة تتفتت من الغيظ وهي تنهض وتغادر نحو عملها الشيئ الوحيد المتبقي لها .

..............................


وبداخل غرفة المكتب

دلفت بخطواتها الهادئة حتى وضعت مابيدها على سطح المكتب أمامه وقبل أن ترفع يدها وجدته يقبض على رسغها، رفعت اليه عيناها باستفسار لتفاجأ بهذه النظرة الغريبة منه ثم نهض عن مكتبه ليسحبها معه، استسلمت له صامتة حتى جلس بها على الاَريكة الجانبية بركن الغرفة وأجلسها بجواره، يتطلع لوجهها عن قرب، ترسم عيناه ملامحها بدقة، ظلا لعدة لحظات صامتين قبل ان يقطع الصمت بصوته الأجش قائلًا :

- انتِ لسة زعلانة مني؟:

نفت برأسها بتردد شعر به فقال :

- ولما انتِ مش زعلانة مشيتي بدري ليه من قبل حتى ماتصبحي عليا؟

أجابته وهي تتهرب بعيناها عنه:

- لا يعني.. اصل لقيتك اتأخرت في نومك وانا كنت عايزة اخلص حاجات مهمة، دا غير اني خوفت اتأخر.

بسبابته وإبهابه امسك بذقنعها يرفع وجهها إليه ، ليقول وعيناها تقابل عينيه:

- ماتحاوليش يازهرة، عشان انتِ مابتعرفيش تكدبي أساسًا، انا عارف اني خوفتك مني امبارح.

صمت قليلًا ثم استطرد :

- تعرفي ان دا أول مرة من ساعة ما اتجوزتك اقوم مضايق وكاره اليوم من أوله .

أسبلت أهدابها عنه وهي لا تجد ماترد به على كلماته ، فترك ذقنها والتفت كفه حول رأسها من الخلف ليستند بجبهته على جبهتها ويردف وهو ينتهد بعمق :

- أنا بحبك أوي يازهرة، والأحساس اللي بحسه معاكي مجربتوش مع أي واحدة ست مرت في حياتي، نفسي عيونك ماتشوفش غيري وضحكتك الحلوة تبقي ليا أنا لوحدي .

خرجت من صمتها لترد :

- ايوة بس دا مش غريب دا ......

- عارف انه خالك اللي رباكِ .

قالها مقاطعًا بحدة وابتعد عنها قليلًا ليواجه عيناها وأكمل :

- بس غياظ أوي يازهرة وبيضغط عليا بالجامد .

لاح على وجهها الإزبهلال قبل أن تنفجر ضاحكة، ضحكتها التي تدغدغ أعصابه بجمالها لتجعله ثغره ينشق بابتسامة سعيدة لها ثم أردفت مابين ضحكاتها:

- انا بقيت حاسة ان انتوا أطفال وبتعاندوا بعض ياجاسر؟

جذبها من مرفقها يقبلها على وجنتها ويردف لها بتأكيد :

- حتى لو أطفال وبنعاند بعض، خليها هو بقى اللي يبقى العاقل .

................................


في وقت لاحق

وقبل انتهاء دوامها بالعمل كانت منكفئة على حاسوبها وتعمل على الإنتهاء من مراجعة بعض العقود المطلوبة وتجهيزاها، حتى تفرغ منهم قبل أن تغادر الشركة، انتبهت على رائحة عطر نسائي نفاذة اخترقت حواسها ، رفعت رأسها لتجد امرأة جميلة، لم تتبين ملامحها من النظارة التي تغطي نصف وجهها، شعرها البني مصفف بقصة بالكاد تصل إلى أكتافها ، ترتدي بلوزة من القماش الخفيف لونها أبيض بدون أكمام، وفي الأسفل ترتدي بنطال من الجينز ضيق على جسدها النحيف، برقعتين اظهرتا ركبتيها، واقفة بتمايل وسترة جلديه متدلية للأسفل وتمسكها بيدها، سألتها زهرة :

- أفندم حضرتك ؟ 

ظلت على وضعها للحظات تنظر إليها من تحت نظارتها بتفحص قبل أن تتقدم بخطواتٍ متأنية نحو المكتب لتجلس بعنجهية مقابلها، ثم قالت :

- ادخلي لجاسر وقوليلوا ميري عوزاك .

قطبت زهرة تتطلع إليها باندهاش قبل أن تنزع الأخرى عنها نظارتها وظهر كامل وجهها فتذكرتها زهرة على الفور، رغم أن رؤيتها السابقة كانت عبر صور عادية عبر شاشة الهاتف ولكن تذكرتها ، بلعت ريقها بتوتر قبل أن تتماسك وتجيبها بعملية :

- جاسر بيه حضرتك عنده ضيف جوا ، ممكن تتنظريه على مايخلص الإجتماع .

ردت ميري رافعة ذقنها باستعلاء :

- يعني انتِ عايزاني أنااا انتظر على مايخلص الإجتماع، بقولك إدخلي وقوليلوا ميري برا.

استفزتها طريقتها المستعلية، فذهب عنها التوتر ليحل محله شئ اَخر يقارب العند فقالت لها بحزم .

رغم عدم علمي بصفة حضرتك عنده ، بس انا برد من واقع وظيفتي بقولك استني على مايخلص الإجتماع، غير كدة انا مش مسؤلة .

فغرت ميري فاهاها بدهشة من تحديها لها ، فهمت لتنهض وتقتحم الغرفة على جاسر ، ولكنها انتبهت لغضب الاَخر، فهي الأعلم بغضبه، عادت بجسدها لخلف الكرسي لتضع قدمًا على الأخرى فقالت لها بأمر :

- طب روحي هاتيلي فنجان قهوة .

ضيقت عيناها قليلًا زهرة بتفكير، وفطنت ان هذه المرأة أتت خصيصًا لإهانتها وهي ما لم ولن ستسمح به، فخرج صوتها بقوة :

- حضرتك انا سكرتيرة مش ساعي المكتب، يعني عايزة فنجان قهوة أو حتى كوباية مية، زوقيًا مني اتصل ويجيلك اللي انت عايزاه . 

قالت ميري ببرود:

- بس انا عايزاكي انتِ اللي تعملي فنجان القهوة وتجيبه بنفسك .

ردت زهرة غير مبالية :

- وانا قولتك ان مش الساعي بتاع المكتب، ولو حضرتك جاية مخصوص عشان تقطعي عيشي اهلًا وسهلًا .

فقدت تحكمها ميري فهتفت بعدم سيطرة:

- انت بتتحديني ياجربوعة انتِ ؟

هتفت زهرة هي الأخرى ترد بغضب:

- لو سمحتي ماتغلطيش عشان انا مش هاسمحلك .

صاحت ميري تنهض عن مقعدها بتحفز:

- مين دا اللي يسمح أو مايسمحش ياحيوانة، دا انتِ باينك عايزة تتربي .

لم تهابها زهرة ونهضت تقابلها بشجاعة وقد بلغ الغضب منها قدره وصاحت ترد:

- انا هابقى فعلًا انسانة مش متربية لو هارد على واحدة زيك .

- واحدة زيي ياجربوعة .

هتفت بها وهي تلتف نحو المكتب تبغي الهجوم عليها ولكنها أجفلت منتفضة بزعر على صيحة قوية باسمها :

- ميريهااااان .

استدارت برعب لتفاجأ بملامح وجهه التي توحشت بعنف وعيناه التي كان يتطاير منها الشرر ، تخشبت محلها وسقطت يدها التي كانت ستمتد نحو زهرة إلى جانبيها، تنحى جانبًا هو ليمر من جواره رجلًا اربعيني بهيئة وقورة ، صافحه جاسر على عجل ليغادر الرجل وعيناه تنتقل نحو الاثنتان بحرج، هتفت ميري بعد خروج الرجل وهي تشير بسبابتها نحو زهرة التي انعقد لسانها وتسمرت تدعي الصلابة رغم ارتجاف اوصالها من فرط التوتر :

- تعالى شوف الجربوعة دي ياجاسر، بتقل أدبها على مراتك .

تقدم نحوها بخطواته البطيئة وكفيه انعقدا خلف ظهره ، بنظرات مريبة بعثت على قلبها الخوف فتابعت بلهجة مهزوزة :

- انا كنت بقولها بس اطلبيلي فنجان قهوة..

قطعت جملتها بتخوف من هيئته حينما اقترب منها برأسه قائلًا بلهجة هادئة ومخيفة:

- قدامك حل من الاتنين، ياتخرجي دلوقتِ حالًا، ياتعتذري من زهرة .

وكأنها ضربت على رأسها بمطرقة من حديد، اهتز جسدها وتحركت رأسها بعدم استيعاب، تظن انها لم تسمع جيدًا :

- إيه ؟ بتقول إيه؟

اقترب مؤكدًا وازدادت لهجته شراسة :

- مش هاكرر في كلامي من تاني، انا قولت وانتِ اختاري ياتخرجي دلوقتِ حالًا، ياتعتذري من زهرة .

استفاقت من الصدمة فهتف صارخة:

- انتِ بتقولي انا كدة ياجاسر، بتنصر البنت الجربوعة دي على مراتك، انا ميري ياجاسر!

تركها تصرخ بغيظ وصوتها الرفيع يكاد يصم أذنه ليخرج هاتفه ويتصل برقم الأخرى :

- ايوة يامرفت تعالي هنا حالًا .

..............................

- انتِ اتجننني ياميري؟ هو دا برضوا اللي احنا متفقين عليه .

هتفت بها مرفت وهي تضرب بكفها على سطح مكتبها، والأخرى أمامها جالسة تهتز من فرط غيظها، فقالت بلهجة الطفل المذنب :

- انا مكانش في بالي أصلًا ان كل دا يحصل، بس اعمل ايه بقى؟ بعد ما شوفتها وحسيت ان ممكن يبقى مابينها وبين جاسر أي علاقة مادرتش بنفسي وانا بحاول اعرفها مقامها .

ارتدت مرفت عائدة بظهرها للكرسي تسالها بتهكم وهي تتكتف بذراعيها :

- وعرفتيها مقامها بقى ولا هي اللي علمت عليكِ ؟

احتدت عيناها ميري وهي تتطلع إليها بشراسة قائلة:

- انا محدش يقدر يعلم عليا، دا انا كنت هامسح بكرامتها الأرض لولا بس خروج جاسر هو اللي وقف كل حاجة .

عضت على شفتيها مرفت تتفتت من الغيظ، وهذه الغبية بفعلتها قد تفسد كل مخطاطاتها، فخرج صوتها اخيرًا :

- يعني انتِ عايزة تفهميني انك لما تضربيها ولا تمدي ايدك عليها؛ بكدة هاتمسحي بكرامتها الأرض ولا كرامتك انتِ؟ فيه إيه ياميري ؟ انتِ بكدة كنتِ هتلمي الموظفين والعملا في الشركة كلهم عليكم ومش بعيد كانت بقت فضيحة وترند عالسوشيال ميديا .

صمتت ميري شاعرة بحجم خطئها لتستطرد الأخرى:

- وعلى فكرة بقى، الموضوع دا لو خرج لوالدك ولا اهله ، الحق هايبقى ناحيته هو عشان بيحافظ على اسمه وسمعته اللي ماخدتيش بالكِ انتِ منهم لما نزلتِ بمستواكي واتخانقتي مع السكرتيرة .

صاحت هاتفة بغضب :

- يعني إيه بقى؟ بعد اللي حصل دا كله عايزاني اسكت على حقي؟ دا انا دلوقتي بس اتأكدت بخطورة البنت دي، يعني لازم اشوفلي حل معاها .

ردت مرفت وقد وصلت لمبتغاها :

- حلو اوي، مدام اخيرًا فهمتي يبقى أكيد هانلاقي حل !

..............................


وفي الناحية الاخرى كانت ترتجف من رأسها حتى أقدامها وهو يضمها بذراعيه، يربت على ظهرها ويهدهدها :

- خلاص يازهرة بقى اهدي ، ما انتِ برضوا مااسكتيش عن حقك زي ماحكيتي .

رفعت رأسها إليه ترد :

- انا مسكتش ياجاسر، عشان ماقدرتش اتحمل الإهانة ، لكن مش عشان مراتك والله .

ابعدها قليلًا ليقول بصدق:

- انا عارف يازهرة بقصدك مش محتاجة تبرري ولا تحلفي .

سهمت قليلًا ترد عليه بتفكير :

- بس دي شكلها كان قاصد الإهانة ياجاسر ، مش مجرد سوء تفاهم وكأنها جايالي مخصوص.

قربها ليشدد عليها بذراعيه مغمغًا بلهجة غامضة:

- انا عارف ومتأكدة من كدة... ولازم اشوف لي صرفة قريب.


..... يتبع 

تفتكروا ايه اللي هايحصل في الحلقات الجاية؟

اتحفوني بأرأكم وتعلقاتكم اللي بحبها 

#امل_نصر

#بنت_الجنوب

الفصل الثامن والعشرون


- صباح الخير يارقية.

هتف بها خالد بعد أن خرج من غرفته واستيقظ من غفوة نومه العميق، ردت رقية وهي ترتشف الشاي من كوبها الزجاجي:

- صباح دا ايه دا اللي في العصاري؟ قول مساء الخير احسن ياكسلان ياخوم النوم .

جعد وجهه يدعي الغضب قبل ان يرتمي بجوارها على الاَريكة واضعًا رأسه على قدميها التي ربعتها قائلًا :

- ياباي عليكِ يارقية، انتِ ماتفوتيش حاجة ابدًا .

هتفت رقية وهي تحاول بدفع رأسه عنها:

- ابعد راسك الكبيرة دي عني، انا مش ناقصة وزن على رجلي .

رد ببرود وهو يتحمل ضربات كفها على رأسه :

- يارقية راسي لسة تقيلة اتحمليني شوية ياست انتِ، هو انا مش ابنك ؟

- طبعًا ياخويا لازم تبقى راسك تقيلة، مش راجع البيت على نص الليل، وبعدها هاتك ياروغي مع المحروسة خطيبتك لحد الفجر، جسمك ده مش محتاح راحة بعد السفر ها؟ مش محتاج راحة؟

رددت بالعبارات الاَخيرة وهي تضرب بقبضتيها على كتفه وظهره، وهو يضحك مشاكسًا لها وجسده يهتز ، ليصله صوت ضحكة انثوية بالقرب منهم، رفع رأسه ليراها فقال مخاطبًا :

- ايه دا صفية، انت هنا من أمتى يابت ؟

اجابته صفية:

- انا هنا من زمان ياخالي .

قالت رقية:

- ايوة ياخويا صفية اللي قاعدة معايا من اول الصبح فطرتني وقعدت جمبي تراعيني ولما جه الغدا غدتني، مش احسن منك، قاعدلي من الصبح مخمود .

اعتدل خالد قائلًا بحزم:

- ومالوا ياستي ماتفطرك وتقعد جمبك كمان، ولا هي غريبة يعني ؟ انتِ غريبة يابت ؟

هزت رأسها بالنفي ضاحكة تقول بمرح :

- لا طبعًا ياخالي انا مش غريبة .

- شاطرة ياصفية، اجري ياللا حضريلي لقمة أكلها وبعدها اكويلي قميص عشان خارج.

قالها بأمر محبب وردت صفية بابتسامة ودودة :

- من عنيا ياخالي، هوا والأكل يجهز .

ردد بمرح وعيناه تتبع هرولتها بحماس للداخل لتنفيذ ما أمرها به :

- تسلملي عيونك .

لكزته رقية بقبضتها على ذراعه تردد بهمس:

- خف شوية من المعاكسة، دي عيلة صغيرة وممكن تفهم غلط .

سهم قليلًا يستوعب قبل ان ينطلق ضاحكًا وقال:

- تفهم ايه ياما؟ دا انا اخلف قدها، اذا كنت مربي اختها الكبيرة .

صمتت رقية واكمل خالد بشرود:

- تصدقي بالله انا ما كنت عايز اروح من عندها امبارح، شكلي كدا هاخد وقت كبير على ما اتعود على بُعدها.

قالها ونهض من جوار والدته بتأثر ثم تابع قبل ان يتحرك :

- اروح استحمى بقى على ماجهزت صفية الغدا عشان اللحق مشواري مع نوال نشوف تشطيبات الشقة.

نظرت في اثره رقية متمتمة بتمني:

- روح يابني، ربنا ييسرلك كل عسير ويعجل بفرحك عشان افرح بيك وبخلفك يارب.

................................


وفي منزلها الجديد بداخل مطبخها كانت تضع العصائر وأطباق الحلويات على صنية متوسطة الحجم وفي الوسط طبق ممتلئ بالفاكهة، هتفت كاميليا باعتراض:

- ماكفاية يابنتي الصنية اتملت، مين اللي هاياكل دا كله أساسًا ؟

أجابتها زهرة وهي تغلق البراد :

- ياستي انا هاكل عشان نفسي مفتوحة .

ردت كاميليا كاشفة كذبها

- دا على أساس يعني إن انتِ أكيلة أوي أو انا مش عارفة أكلتك مثلًا! مكشوفة أوي .

قالت الاَخيرة بمرح واستجابت لها زهرة بابتسامة جميلة، فتابعت كاميليا تسألها:

- الا قوليلي صحيح، هو انت معندكيش خدامة تساعد معاكي بقى ؟

أجابت زهرة وهي تهم لرفع الصنية:

- في طبعًا، بس بتيجي بقى تنضف البيت وتعمل حاجاتها وتروح العصر على بيتها، كفاية اوي، هو انا ماقدرش اكمل بقى ولا احضر لجوزي لما يرجع .

ابتسمت كاميليا بإعجاب لطبع صديقتها المتواضع والذي لم يتغير بعد الزواج ، تقدمت لتتناول الصنية منها ولكن زهرة أصرت على حملها حتى غرفة النوم والتي كانت متواجدة بها غادة 

توقفوا فجأة على مدخلها وتوسعت عيناهم بذهول مما رأينه، غادة ترتدي إحدى الأطقم الرياضية لزهرة وتتأمل نفسها أمام المرأة، انتبهت عليهم فالتفتت برأسها لزهرة قائلة بارتباك :

- اا حلوة أوي البيجامة دي يازهرة، جاسر هو اللي جابهالك من بلاد برا صح؟

صمتت زهرة عن الرد فاقتربت كاميليا برأسها منها تهمس من تحت أسنانها:

- شوفتي ياناصحة لما سيبتيها في أؤضة النوم لوحدها عملت ايه، ولا حد عارف فتشت في إيه تاني.

همست زهرة هي الأخرى ترد:

- يعني وانا كنت هاعمل معاها إيه بس؟ ماهي اللي لزقت قدام الشاشة ومارضيتش تقوم معانا، حمد لله جاسر مش موجود، دا لو شافها كدة ليحلف عليا احرقها ولا اللبسها تاني، دمغاه جزمة والنعمة انا عارفاه.

التفتت إليهم تخاطبهم باستغراب:

- هو انتوا لزقتوا في مكانكم ماتدخلوا على الباب، ايه دا؟

هتفت بالاَخيرة وهي تهرول نحوهم لتحمل الصنية من زهرة سريعًا وتدلف بها لتتناول ما عليها بنهم، قالت كاميليا وهي تدلف خلفها مع زهرة بلهجة لازعة:

- مش عيب ياغادة برضوا تفتحي وتخرجي حاجة تلبسيها من غير ما تستأذني صاحبتها ؟

شحب وجه غادة فقالت وعيناها نحو زهرة :

- انااا مافتشتش، دي لقيتها في وشي كدة وانا بدور على عباية ولا حاجة اللبسها، اخد راحتي فيها بدل لبس الخروج.

أشفقت زهرة عليها من الإحراج فقالت:

- خلاص ياغادة مش مهم كملي القعدة بيها وخدي راحتك، وانتِ ياكاميليا تعالي معايا اشوفلك حاجة انتِ كمان .

هتف كاميليا باعتراض:

- تشوفي لمين يازهرة هو احنا هانبات؟ دي كلها ساعة ولا نص ساعة بالكتير ولا انت ناسية انك لسة عروسة جديدة.

فارت غادة من الغيظ من تهكم كاميليا والتلقيح بالكلمات نحوها فصاحت تضرب الأرض بأقدامها :

- لا وعلى ايه نكمل ساعة ولا نص حتى؟ انا هاغير وامشي من دلوقتِ ياست كاميليا انبسطي.

هتفت خلفها زهرة وهي تلحق بها لتثنيها عن المغادرة:

- ياغادة استني كاميليا ماتقصدتش، ياغااادة

غمغمت كاميليا بصوتٍ خفيض:

- هاتعملي فيها قماصة وهي ماعندهاش دم أصلًا .


وبداخل حمام الغرفة الذي أغلقته عليها رافضة كل محاولات زهرة في البقاء وعدم المغادرة، تدفقت الدموع من وجنتيها بغزارة وعدم تحمل ، تتأمل الحمام الفاخر بذوقه الراقي بحسرة ثم البيجامة التي تهم لخلعها فتتذكر خزانة الملابس التي رأتها منذ قليل وهي ممتلئة عن اَخرها بكافة الأنواع ، خارجي وبيتي وقطع النوم والأحذية والعطور والخ الخ كل هذا يزيد بداخلها القهر والحسرة ، لماذا لم تكن هي ؟ لماذا تمتلك الأخرى الحظ دون أدنى مجهود وهي التي تفعل الافاعيل وتجاهد بقوة للوصول ، لا تحصل على شئ؟ ضربت بكفها على الحائط الرخامي بغيظ هدأ فجأة وهي تتوعد بداخلها :

- ماشي ياكاميليا، ماشي يازهرة، انا هاخليكم تعرفوا غادة تبقى مين ؟ 

..............................


جلس مع صديقه على اَريكته الاَثيرة بأريحية، بعد أن فضل قضاء السهرة معه بمنزله، تقدم إليه طارق بكأس مشروب رفضه الاَخر قائلًا :

- هات حاجة خفيفة بلاش منه ده ؟

فغر فاهه طارق وهو يضع زجاجة البيرة على الطاولة ومعها كأس صاحبه يسأله بدهشة وهو يجلس مقابله:

- ودا من أمتى ان شاء الله؟ 

- هو ايه اللي من أمتى؟ 

سأله باستفسار فهتف الاَخر :

- بسألك من أمتى بطلت الشرب ياباشا؟ دا انت في حياتك كلها مارفضت كاس .

كتف جاسر ذراعيه العضليان يجيبه بابتسامة فرحة :

- من ساعة ما اتجوزت وحكمت عليا مراتي، اصلها مابتطيقش الخمرا ولا ريحتها، يعني ممكن تسيبلي الأوضة او تنيمني على الكنبة، يرضيك بقى صاحبك ينام ع الكنبة؟

انطلقت ضحكة مزهولة من طارق وهو يردد له:

- معقول ياناس! بقى جاسر الريان بجلالة قدره بيخاف من مراته؟ دي معجزة !

شاركه جاسر بابتسامة راضية يرد عليه:

- وماخفش ليه؟ ماهو بالعقل كدة، ايه قيمة الكاس دي اللي تخلينا نستغنى عن حضن ولا دفا الناس اللي بنحبهم؟ اللي يجرب العشق بجد يعرف السكر الحقيقي بس في عشق حبيبه، مش من كاس خمرة .

صمت طارق وتبدلت ملامحه للأسى ، وقد اَلمته كلمات جاسر الصادقة لتذكره بعشقه المستحيل ومعضلته الأزلية مع من سرقت قلبه ولم تعطه فرصة حتى ليحاول التغير من نفسه حتى يصل إلى هذه السكينة التي أصابت صديقه وبدلته من حال إلى حالٍ اَخر، شعر به جاسر فخاطبه باعتذار:

- انا أسف ياطارق لو قلبت عليك مواجعك، بس انا كنت برد بساجيتي وماانتبهتش .

اصطنع طارق المرح يرسم على وجهه ابتسامة ليقول :

- ياسيدي ماتخدتش في بالك، مسيري هاتعود ويمكن الاَقي اللي توصلني لحالتك دي واكتر كمان، المهم بقى ماقولتليش هاتتصرف ازاي مع ميرا واللي حصل منها النهاردة؟

أجابه جاسر بقوة :

- طبعًا هاعمل اللي كنت ناوي عليه من الأول، انا كنت حاسب حسابي أساسُا !

.....................................


على قارعة الطريق كان يقف على أعصابه وتهتز قدماه في الأسفل بعصبية في انتظار وصول الخبر اليقين ، يفرك بكفيه وعيناه لم يوربها عن الشارع المقصود ، ظهر فجأة الفتى أحد صبيانه المتخفين، انتظر حتى وصل إليه يتكلم بلهاث:

- كل اللي انت عايزه حصل يامعلمي .

سأله فهمي بإلحاح :

- يعني بلع الطعم وخد الفرش كله ياد .

أجابه الفتى بلهجة مؤكدة:

- خده وفرح قوي يامعلم ، خصوصًا لما بلغته ان الفرش بنص التمن وإن انا مخنصره من وراك ، دا لهفه لهف .

اعتلت شفته ابتسامة منتشية يربت على كتف الفتى صبيه :

- انا كنت عارف ان انت أحسن واحد تعمل المهمة دي، اجري بقى حصل سهرتك مع اصحابك وروق نفسك بالقرشين اللي خدتهم تمن الفرش .

هتف الفتى بعدم تصديق :

- والنبي صح كلامك ده يامعلمي؟ حق الفرش هايبقى كله بتاعي؟

- ماقولنا بتاعك وحلال عليك ياد، احلف يعني عشان تصدقني؟ يالا بقى جر عجلك بسرعة قبل ماارجع في كلامي،  وماتعتبش المنطقة هنا خالص زي مااتفقنا.

قالها فهمي بلهجة محفزة فصدح الفتى مهللاً وهو يعدو مغادرًا :

- حبيبي يامعلمي ، ربنا مايحرمني منك .

اومأ بضحكته القميئة وهو يتابع فرحة الفتى قبل أن يتناول هاتفه لينفذ الجزء الاَخر من خطته في الإنتقام . 

.......................


بعد قليل 

وبداخل ورشته التي بدأت تسترد عافيتها من جديد، وأصبح لا يلاحق على الزبائن التي تتهافت عليها ، فزاد عدد العمال وزادت فترات العمل، للوفاء بالطلبيات المطلوبة منهم .

كان جالسًا في الخارج يدخن في شيشته براحة، وقد انتعشت حالته المادية واطمئن باله من ناحية مزاج رأسه الذي لا يجد صعوبة في توفيرها هذه الأيام مع عمار جيبه بالمال، فيبدوا ان الدنيا اخيرًا سوف تفتح له ذراعيها ليحلق بجناحيه فيها ويعيش الباقي من عمره في هناء، انتفض مجفلًا على اقتحام سيارات الشرطة لحارتهم الضيقة، لتتوسع عيناه بجزع حينما وجدها تتوقف أمام ورشته، ورجال الشرطة يخرجون منها ناحيته، وسأله أحدهم :

- انت محروس المنجد صاحب الورشة دي؟

اومأ يهز برأسه بارتياع ازداد مع تقدم أحدهم نحوه يقول :

- طب احنا عندنا بلاغ ان انت بتاجر في الممنوعات .

اشار بسبابته يردد بجزع وعدم تصديق :

- انا ياباشا؟ والنعمة ولا اعرف يعني ايه ممنوعات اساسًا .

هانعرف دلوقتي ونتأكد .

اردف بها ضابط الشرطة قبل أن يشير لأحد رجال الأمن خلفه قائلًا بأمر:

- فتشوه .

وقبل أن يستوعب محروس ما يحدث وجد الرجل اقترب فجأة ينفض ويمسح بكفيه على جميع مايرتديه حتى أخرج القطعة الكبيرة من جيب السترة يعطيها للضابط الذي هتف على محروس بازدراء :

- بقى شايل فرش حشيش بحاله يامحروس في جيب الجاكت ، دا انت قادر على كدة بقى، هاتوه

وجه الضابط بالاَخيرة لرجاله الذين انقضوا على الفور على محروس ، الذي تلجم لسانه وكأن أصابه الخرس ، تتطلع عيناه بعدم تصديق وهو يجر ليلج بداخل سيارة الشرطة وكأنه في عالم موازي لايزال عقله لا يفهم مايحدث.

وفي اَخر الشارع اصطف مراقبًا بجوار مجموعة المارة الذين توقفوا يشاهدون مايحدث بفضول، يبتسم داخله بسعادة وقد نجحت خطته مع هذا التافه والذي كان يستفزه بعد أن اخلف وعده معه وباع كلمته بتزويجها لغيره، يتمتم بداخله:

- ابقى وريني بقى هاتطلع منها ازاي؟ وانت مقبوض عليك فيها متلبس.

.................................


وصل إلى منزله متأخرًا بعد أن أنهى سهرته مع صديقه ، ليفاجأ برؤيتها نائمة برأسها على ذراع الاَريكة الجالسة عليها ببهو المنزل، جلس بجوراها ليوقظها برفق :

- زهرتي، انتِ نايمة هنا ليه؟

زامت بصوت ناعس فاقترب أكثر يزيح الخصلات المتناثرة على جانب وجهها ليقبلها بعدة قبلات رقيقة جعلتها تستيقظ، رفعت إليه وجهها تسأله:

- انت جيت من امتى؟ والساعة كام دلوقتي؟

اجابها وهو يرفع يده يتطلع للساعة بها :

- انا جاي حالًا والساعة دلوقتي داخلة على ١٢، المهم بقى انت نايمة هنا ليه؟ وماطلعتيش ليه تنامي في أوضتنا؟

اعتدلت في جلستها تجيبه بحرج :

- اصل البنات روحوا بدري أوي النهاردة وانا بصراحة خوفت اقعد في الدور التاني لوحدي في البيت الكبير ده، على الأقل هنا بسمع صوت الحراس برا او عم بشندي الجنايني. 

عقد حاجبيه يرد بعتب:

- طب وما اتصلتيش ليه يازهرة تقوليلي؟ وانا كنت رجعتلك على طول.

همست بخجل :

- اتكسفت بصراحة اقطع عليك قاعدتك مع صاحبك، اصل يعني كنت هاتصل واقولك خايفة مااقعد لوحدي مثلًا ؟

قال بحزم:

- تقولي طبعًا وتتكسفي ليه يعني؟ دا انا ماهاصدق واخدها فرصة أساسًا .

- اعتلت ثغرها ابتسامة رائعة تردد خلفه:

- تاخدها فرصه!

رد بمرح وهو ينهض فجاة ويحملها بين ذراعيه:

- طبعًا أكيد، هو انا اطول، زهرتي تتصل بيا وتقولي تعالى ياجسورة خدني في حضنك وحسسني بالاَمان:

- لفت ذراعيه على عنقه مستجيبة بابتسامة سعيدة تقول:

- خلاص بقى المرة الجاية هاعملها واتصل بيك.

قبلها على وجنتها يردد وهو يسير بها :

- وجاسر تحت أمرك ياقلب جاسر .

...............................


في اليوم التالي 

استيقظ باكرًا عن موعده على رنين الهاتف المزعج والذي كان يصدح دون توقف، فك ذراعه التي كانت تضمها ليتناول الهاتف من الكمود بجواره، فتطلع للرقم الغريب باستغراب جعله يهم لتجاهله واغلاقه ، سألته زهرة التي استيقظت أيضًا :

- مين اللي بيرن ياجاسر ؟

أجابها وهو يمط شفتاه:

- نمرة غريبة معرفهاش، انا هاقفل مش ناقص وجع دماغ .

لحقته زهرة تقول له:

- افتح الأول ياجاسر وشوف مين، مش يمكن تكون حاجة مهمة .

زفر بضيق وقد اقتنع بما قالت، فاعتدل بجذعه ليجيب

على الهاتف الذي لم يكف عن الألحاح :

- الوو مين معايا.......... محروس مين ؟

هتف بها فاعتدلت زهرة تنتبه بجزع لهيئة زوجها التي كانت تتغير مع انصاته للمكالمة وقد علمت من ذكر اسم أبيها فقط ان القادم ليس خير. 

...................................


وصل إلى مقر عمله بوقتٍ متأخر، حتى يتجنب اللقاء بها في المصعد او حتى رؤيتها صدفة خارجة من سيارتها ، وكذلك يفعل في الذهاب، في نهج جديد قرر اتخاذه من اليوم، فليكن مقابلاته بها تخص العمل وفقط ، يتمنى لو يستطيع أيضًا السيطرة على هذا الغبي بصدره، فلا يزعجه بالنبض راقصًا بلهفة لمجرد رؤيتها أو محادثتها.

خرج من المصعد متجهًا نحو مكتبه فتفاجأ برؤيتها خارجة من غرفة مكتبها المقابلة لغرفته من الناحية الأخرى، التف للأمام يسرع بخطواته نحو عمله مقررًا تجاهلها وقبل أن يصل الى مقبض الباب وصله صوت صرخة انثوية قريبة ، التفت رأسه بحدة نحوها ، فصعق لرؤيتها ساقطة على الأرض وقدمها مثية تحتها، وكف يدها على كعب القدم ويصدر منها صوت أنين بوجع، لم يعطي لنفسه فرصة للتفكير ، هرول ناحيتها بجزع :

- مالك ياكاميليا، ايه اللي حصلك؟

تأوهت بألم مرددة :

- كعب الجزمة انكسر وانا بمشي بسرعة وفجأة لقيت نفسي واقعة ورجلي... رجلي مش قادرة احركها ولا متحملة الوجع فيها.. ااَه.

هم ليقترب منها سريعًا ويتفحصها ولكن تراجع حتى لا تظن السوء، وهي تزداد في كبت أنينها المكتوم حتى احتقن وجهها 

اَلمه هذه الهيئة الغرببة عنها فيبدوا أن السقطة كانت شديدة مما جعل عيناها غائمة بالدموع .

- طب حاولي براحة تحركيها 

قالها وهو يدنو نحوها لمساعدتها لتقف فصرخت بلهجة باكية :

- اَااه مش قادرة ياطارق، انا رجلي باينها اتجزعت. 

تنقلت عيناه مابينها وبين قدمها التي لا تستطيع تحركيها بحيرة ، قبل أن يتخذ القرار بجراة ويحملها بين ذراعيه، شهقت مجفلة من فعلته فهمت لتجادله ولكنها أخرصها بنظرة حازمة وهو يقول :

- هاخدك واروح بيكِ عالمستشفى عشان نطمن ياكاميليا ، يعني ياريت ماتجادليش .

تطلعت إليه بأنفاس متهدجة تومئ له برأسها موافقة ، 

تضغط على شفتيها بقوة وهي تجاهد لكبح البكاء او الصراخ في حضرته .

..................................


عاد خالد على العاشرة صباحًا إلى منزله يجر اقدامه جرًا من التعب ، بعد قضائه ليلته في البحث عن مخرج لمحروس بعد القبض عليه مساءً، الكاَبة تسيطر على الجميع، سمية وبناتها يقبعن بالشقة يتلقين زيارات الجيران الذين أتوا لمؤازرتهم في مصيبتهم ، وبداخل شقته وجدها ساكنة بجوار جدتها دون صوت، بعد أن غابت عن عملها اليوم .

- مساء الخير.

تفوه بها قبل أن يجلس بجوارهم، ردت رقية بفتور أما هي فكانت صامتة لا تستطيع الرد، ولأنه أعلم الناس بها وبما يدور داخلها الاَن ، جذبها من ذراعها دون استئذان ليضمها إليه ، فكانت الإشارة لتنطلق في نوبة بكاءً عنيفة وهو يهدهدها بحنو، ويزداد نشيج بكاءها بحرارة ، حتى اذا تعبت وانتهت ، أخرجها من حضنه يخاطبها:

- ها خلصتي بكا بقى ولا لسة فيه تاني؟

هزت برأسها نافية ترد بحرقة:

- مافيش بكا هايخلص ياخالي، طول ما الراجل ده عايش وعلى وش الدنيا انا عمري ماهاشوف الفرح .

- ماتقوليش كدة يازهرة.

قالها خالد فهتفت هي معترضة بانهيار:

- لأ ياخالي هاقول عشان تعبت وفاض بيا ، يعني مش كفاية كان سبب مباشر في موت أمي، ولا كفاية عليه انه طول عمره راميني من غير مايسأل فيا ، دلوقتي جاي بعد ماربنا ماكرمني براجل محترم ابن ناس كويسين يكسرني بمصيبة زي دي قدامه ، ارفع عيني في عين جوزي ازاي انا دلوقتِ؟ طب فرق السما بيني وما بينه في الحالة المادية وقولنا تعدي، لكن في حاجة زي دي بقى هانعديها ازاي؟ لما ابقى بنت راجل خريج سجون في قضية مخدرات، اعديها ازاي دي ياخال؟ اعديها ازاي ؟

هزها خالد بعنف قائلًا:

- ميت مرة اقولك مالكيش دعوة بيه، انا ابوكي فاهمة ولا لأ انا أبوكي .

تطلعت في عيناه بتضرع تقول :

- بس مكتوبة في الشهادة باسمه هو مش اسمك انت .

قالتها وعادت لنوبة بكاءها الحارق وخالد يضمها بذراعيه مرة أخرى، بقلبٍ متألم يعلم انها مصيبة في كلماتها، هتفت من خلفهم رقية :

- مش هاين عليا اجيب في سيرة الميتين واقول انهم السبب ، بس دي كانت جوازة مهببة ، يعني ياربي انا هاقعد اتحسر كدة على جوازة بنتي في حياتها ومماتها، استغفر الله العظيم يارب، استغفر الله العظيم .

................................


في الشركة 

وبداخل غرفة مكتبه كان مجتمعًا بمدير أعماله كارم والذي قام بدوره في إرسال محامي جيد له ثقله في هذا المجال، بالإضافة إلى عدد من الأتصالات التي تمت بحرص ولم تؤتي بنتائج مثمرة!

سأله جاسر:

- يعتي مافيش حل ياكارم؟.

- هز كارم رأسه قائلًا بأسف :

- ماهي المشكلة يافندم انه اتقبض عليه متلبس، والحتة كبيرة، يعني تثبت بالدليل صحة البلاغ اللي وصل للشرطة قبلها، دا فخ اتنصب لمحروس وهو وقع فيه بقلة عقله.

عقد جاسر حاجبيه وتجعد جبينه بتجهم وهو يشيح بوجهه للناحية الأخرى يقول بإحباط:

- يعني مافيش أمل نكشف الفخ ولا حتى نثبت انه تعاطي ؟

أردف كارم:

- يافندم دا حتى الولد اللي قال عليه، طلع مش من سكان المنطقة ولا ليه سجل في الحكومة بحكم سنه الصغير.

تنهد جاسر بقنوط قائلًا لكارم :

- خلاص ياكارم روح شوف شغلك انت ، تاعبتك معايا.

نهض كارم يردد له :

- على العموم يافندم المحامي بتاعنا شاطر وليه خبرة في المجال ده، اكيد ان شاء الله يلاقيلها حل .

اومأ له برأسه دون رد فانصرف كارم من أمامه ليتابع أعماله، ظل جاسر على وضعه لعدة لحظات، في حالة من الحزن فهذه الضربة الموجعة أتته من جهة غير متوقعة نهائي ، ولم يكن يحسب لها حسابًا من قبل، لتزيد من كم مشاكله وعقده الكثيرة ، زفر بضيق يزيج بيده الطاولة الزجاجية أمامه بعنف حتى وقعت على الأرض، متمتمًا بغضب :

- كنت ناقصك انا يامحروس الزفت، بوظتلي كل الترتيب اللي كنت باجهزه!

.................................


خرجت من دوام عملها تتمخطر بخطواتها غير مبالية بما حدث ويحدث حولها، لا تفكر سوى بنفسها ولا يشغل عقلها سوى مصلحتها، انتبهت على هذا المتسفز وهو مستند بجسده على سيارة سيده وهي تسير بالقرب منه لا يكف عن ملاحقتها بنظراته الجريئة وهو يغني بتفكه ليلفت نظرها:

- من خمسه ل خمسه و نص و انا واقف بستناك و عنيا عليك بتبص يا حبيبي و مش شايفاك من خمسه ل خمسه و نص و انا واقف بستناك و عنيا عليك بتبص يا حبيبي و مش شايفاك من خمسه ل خمسه و نص و انا واقف بستناك و عنيا عليك بتبص يا حبيبي و مش شايفاك من خمسه من خمسه يا ولا من خمسه من خمسه 

يردد بالكلمات وعيناه تتبعها حتى لكزه صديقه عبده السائق يخاطبه وهو يعطيه زجاجة العصير :

- كوبليه واحد وشغال تكرر فيه، ماتغير ياعم .

رد إمام وهو يضحك بمرح:

- ما هي الأغنية كدا ياعم هو انا جيبت حاجة من عندي .

مصمص بشفتيه عبده وعيناه انتقلت ناحية غادة وهي تبتعد عنهم يسأله بدهشة:

- اموت واعرف عجباك في إيه؟ دي بت متقنعرة وشايفة نفسها ياما هنا وياما هناك .

توسعت ابتسامة مرحة على ثغر إمام وهو يجيب صديقه :

- طيب انت ياعبده وماتعرفش زوقي، حكم انا يابني ، طول عمري اتمنى واحدة شرسة كدة ونمرودة ، اعدلها انا بنفسي، يعني اغديها بعلقة واعشيها بعلقة وبعدها نتصالح، الغلبانة ماتنفعش معايا ياعبده هههه.

تطلع عبده إليه قليلًا بازبهلال ثم تمتم بتعجب:

- مريض والنعمة مريض .


والى غادة التي كانت تعدوا لتقترب من الأتوبيس العام لتلحق به فتوقفت فجأة سيارة بالقرب منها وصدر صوت نسائي يهتف باسمها ، دققت غادة بالمرأة فتذكرتها ، فقالت لها المرأة تدعوها :

- اركبي العربية يالا عشان اوصلك مستنية ايه؟

على الفور فتحت غادة السيارة لتعتليها وتجلس بجوار المرأة بفرحة، فتحركت المرأة بالسيارة وهي تخاطبها:

- تنحتي ليه وانا بقولك اركبي، هو انتِ معرفتنيش؟

ردت غادة بلهفة :

- لأ طبعًا ياهانم، انا بس استغربت شوية في البداية يعني.

قالت مرفت تدعي البساطة:

- تسغتربي ليه ياغادة؟ ما انا قولتلك يابنتي امبارح انا بروح لوحدي واحب انك تروحي معايا وتونسيني.

ابتسمت لها غادة بفرح وهي تعتدل بجلستها بداخل السيارة المرفهة لتتأمل كل جزء فيها حتى وقعت عيناها على صورة لشاب معلقة بالقرب من تبلوه السيارة ، تطلعت فيها جيدًا غادة ثم سألتها :

- دي صورة ممثل أجنبي دي ؟

التفتت إليها مرفت تجيبها بابتسامة:

- لأ ياغادة دي صورة أخويا، اصل انا بحبه أوي عشان كدة بحب اشوف صورته في كل حتة .

قالت غادة بانبهار:

- تصدقي فعلا فيه شبه منك وعيونه خضرا زي عيونك ، يمكن عشان كدة افتكرته ممثل .

قالت الأخرى بمكر:

- بس هو احلى على الحقيقة كمان، تعرفي ياغادة ، اهو ماهر اخويا ده معظم وقته مقضيه في اروبا وعشان كدة بقى نفسه يتجوز بنت تربطه بأهل بلده وماتكونش من وسطنا ، عايزها من الطبقة الشعبية اصله متعلق قوي بالأفلام العربي .

صمتت قليلًا مرفت تتابع رد فعل غادة من ملامح وجهها وعيناها التي  أصبحت تبرق بالنجوم أمامها، فاأيقنت انها أصابت الهدف وبتغير مفاجئ سألتها:

- هي بنت عمتك مجاتش ليه النهاردة.

هزت غادة رأسها باستفسار وقد فاجئها السؤال :

- بنت عمتي مين؟

ردت ميرفت :

- بنت عمتك زهرة العروسة اللي اتجوزت قريب ، غابت ليه بقى عن الشغل النهاردة؟

............................


في المشفى 

وبعد أن أطمأن على حالة القدم انها لم تصل للكسر ، قال لها بلهجة حانية وهو جالس بجوارها على المقعد القريب من التخت المستندة عليها بظهرها، وقدمها المصابة ملتفة بالأربطة الطبية و ممددة أمامها 

- لسة برضوا حاسة بوجع فيها؟

أجابته بصوت ضعيف :

- الحمد لله، المسكن جاب فايدة ، بس احنا قاعدين لحد دلوقتي ليه مانروح بقى ؟

تطلع إليها باستغراب يقول:

- تروحي فين ياكاميليا بحالتك دي؟ الدكاترة لازم يطمنوا على الرجل كويس، يعني استنى بقى على ماتطلع الإشاعات الاَخيرة.

قالت بتذمر وكأنها طفلة :

- تاني اشاعات ، انا زهفت والله وتعبت، من الصبح اشاعات وكشف وحقن، نفسي بقى اروح بيتنا وانام على سريري .

اومأ لها بابتسامة مستترة :

- هاتروحي ياكاميليا وهاتنامي على سريرك وتريحي كمان، بس الصبر شوية 

تنهدت تنظر للسقف فوقها باستسلام قبل أن تتذكر :

- طارق معلش هاتعبك معايا، كنت عايزة الفون عشان اطمن أهلي عليا، هتلاقيه في شنطتي اللي نسيتها في عربيتك .

أذعن لطلبها وذهب لسيارته يتناول الهاتف من حقيبتها على عجل، فوجده يصدح بمكالمة، تطلع للأسم فانعقد حاجبيه بشدة يردد بتعجب :

- هي! مسجلة اسم واحدة ب هي! ، دي مين دي اللي مش هاين عليها تكتب اسمها ؟


.... يتبع 

تعليقات بقى برأيكم 

#امل_نصر

#بنت_الجنوب

الفصل التاسع والعشرون 


- بنت عمتي زهرة!

هتفت بالعبارة مندهشة قبل أن تجيبها مصححة:

- زهرة ماتبقاش بنت عمتي، دي تبقى بنت خالي، انا اللي ابقى بنت عمتها 

لوت مرفت ثغرها بامتعاض قبل أن تتصنع الإبتسام لترد عليها :

- اه اه فهمت، المهم يعني ان انتوا قرايب ياغادة.

أومأت لها برأسها بتفهم، وتابعت الأخرى:

- مجاتش ليه بقى النهاردة؟ هي تعبانة ولا في حاجة منعتها؟

التفتت إليها غادة تجيبها باضطراب:

- ااا بصراحة مش عارفة، اصلها متجوزة في مكان بعيد عننا وانا نسيت اتصل واسألها.

رمقتها مرفت بنظرة متشككة، فالتوتر الذي بدا من كلماتها لايخفى على واحدة مثلها، أردفت غادة لتغير دفة الحديث للجهة التي تريدها:

- هو الأستاذ ماهر أخو حضرتك شغال إيه بالظبط؟

التفتت تجيبها مرفت كابحة حنقها :

- أخويا ماهر يبقى راجل أعمال زي جاسر بالظبط على فكرة بس هو شغله موزع بين مصر واروبا .

بدا على وجه غادة الإشراق فقالت مرفت :

- انا ارتحتلك أوي ياغادة وارتحت للكلام معاكِ ، اصل شكلك طيبة أوي وغلبانة.

شددت على كلماتها الاَخيرة والأخرى أصابها الفرح ببلاهة وهو تقول لها :

- وانا كمان والله، ارتحتلك اوي أوي .

ردت بابتسامتها الناعمة:

- خلاص بقى ناخد نمر بعض عشان نوطد صداقتنا اكتر من كدة .

شهقت غادة بلهفة وهي تخرج هاتفها على الفور تسألها :

- نمرتك كمام بقى؟

..............................


عادت مساءًا إلى منزلها بخطواتٍ مثقلة، ونفس مكسورة حزينة ، وقد توسعت الهوة بينها وبينه كبعد السنوات الضوئيه بين المجرات، تود بداخلها العودة الى منزل جدتها وخالها، المكان الأنسب لها، تحمل هم لقاءها به وقد تجاهلت اتصالاته المتكررة بها طوال اليوم .

- زهرة .

سمعت ندائه خلفها بعد أن غفلت عن تحيته متعمدة وقد لمحت طيفه بمجرد ولوجها لداخل المنزل، تابع بندائه مرة أخرى بصوتٍ أوضح حتى توقفت محلها، وصل أليها بخطواته وهو يقول لها :

- ميت مرة اتصل بيكِ النهاردة وماتروديش....

توقفت كلماته حينما وجدها أمامه مطرقة رأسها بهيئة اَلمت قلبه، رفع ذقنه إليه لتواجه عيناه عيناها التي أسبلت أهدابها تتهرب بمقلتيها منه، شدد على ذقنها يأمرها بحزم:

- بتهربي بعيونك عن عيوني ليه؟ انا مش منبه عليكِ قبل كدة انك ترفعي راسك دايمًا وقصاد أي حد .

سالت دمعه حارقة من عيناها المكسورة وهي تواجه جحيم عيناه فقالت بضعف:

- الكلام سهل، لكن التنفيذ صعب، صعب قوي ياجاسر، خصوصًا لما يكون الحد دا هو انت!

حط بكفيه على كتفيها يمسكها بقوة تؤلمها وهو يقول لها بغضب:

- مافيش حاجة اسمها صعب، انتِ مراتي وانا ما يخصنيش أي حد في الدنيا دي كلها غيرك، يعني لايهمني انتِ بنت مين ولا أهلك يبقوا إيه؟ 

تطلعت في عيناه ثم قالت :

- حتى لو حصل واتسرب خبر جواز جاسر الريان من سكرتيرته اللي ابوها مسج*ون في قضية مخد*رات ؟

صعقه سؤالها المباغت فصمت يتطلع بها قليلًا لايدري بما يجيبها، وفعلة أباها قد دمرت كل خططه لكشف زواجه بها للعلن، حتى لو تحدى بها العالم، فمتى كان الفقر عيبًا بالنسبة إليه؟ اما الاَن فقد تصعبت الأمور ، فلو نفذ وتحدى الجميع كيف يواجه والدته واباه وهذا الأمر اصبح يخص سمعتهم أيضًا.

قطعت شروده قائلة بلهجة واثقة.

- سكت يعني، عشان عارف ان معايا حق.

زاد من ضغطه يهزهزها وكأنه يفيقها :

- لأ يازهرة مش هايحصل، انا هاعمل المستحيل واخرج ابوكي من ورطته، عشان لما يتسرب الخبر او اعلنه انا بنفسي، تبقي محسوبة انك مراتي، وابوكي راجل عادي ولا فقير مش مهم، المهم انك معايا ومحدش يجرؤ يجيب سيرتك ولا حد يقولك حاجة تجرحك، فاهمة ولا لأ .

اومأت برأسها تدعي التفهم والإستكانه ليتلقفها بأحضانه متأوهًا باسمها وكأنها الترياق لكل جروحه، أما هي فكان عقلها يسبح في القادم وماذا سيكون رد فعلها حينما يعود جاسر لعقله ويُطلقها؟

...........................................


عاد الى غرفتها بالمشفى يحمل بيده العصائر وبعض الشطائر الخفيفة للطعام يقدمهم لها، ورغم عنادها الدائم معه كالعادة ، استسلمت هذه المرة تحت الحاحه الحازم ، ليشعر بلذة الطعام في فمه وهو يشاركها لأول مرة تناول شيئا ما وحدهم ، كما أنه قضى معظم وقته معها، ورغم سوء الظرف ، لكن يكفيه هذا القرب منها ولو يوم واحد حتى، قبل أن تعود حياة الجفاء بينهم مرة أخرى، تلتهم عيناه تفاصيلها وهي تأكل بأناقة ككل يختص بها جميل وأنيق، تذكر فجأة ليسألها :

- على فكرة صح، انا نسيت اقولك لما جيتلك بالفون من العربية، كان في واحدة بتتصل عليكِ ساعتها .

سألته باهتمام :

- كان اسمها ايه؟ عشان انا بصراحة انشغلت مع الدكاترة ونسيت ابص في سجل المكالمات الواردة .

- هي!

- همم؟

اردفت بها عاقدة حاجبيها باستفسار فاستطرد هو قائلًا :

- النمرة اللي كانت بترن عليكِ متسجلة بأسم هي.

استدركت ما يرمي إليه فتغير لون وجهها فجأة لتتوقف اللقيمة بحلقها وتترك الشيطيرة من يدها ، وهي تومئ برأسها قائلة بنبرة تبدوت عادية:

- تمام تمام ، انا هابقى اشوفها بعدين؟

تابع يسألها بفضوله :

- هي مين دي بقى اللي مسجلاها بهي؟

احتدت عيناها وهي تقول له:

- بتسأل ليه طارق ؟ هو انا هاقولك كمان على اسماء اصحابي؟

انتبه على حدتها فأاكمل دون تراجع:

- لا طبعًا انا مقصدتش كدة، انا بس استغربت تسجيلك لواحدة بضمير الغائب .

جزت على أسنانها بغيظ تجاهد حتى لا تنفعل عليه ، فطارق هذا لا يردعه شئ لمعرفة ما يخصها، وبرد فعل غير متوقع وجدها تجيبه بابتسامة متلاعبة لتثير غيظه علّه يرتجع عنها وعن التدخل في شئونها الخاصة:

- وانت ايه اللي يخليك متأكد انها ست مش يمكن يكون راجل وانا كاتبة الضمير ده تمويه لأي حد فضولي يبص في الأسم اللي بيتصل بيا.

اعتدل في جلسته واشتعلت عيناه بالغيرة مما تفوهت به، يشعر بانهيار عالمه لو حدث فعلًا وصدقت كلماتها، فبرغم تأهله الدائم لهذه الفكرة التي تأتي دائمًا بخاطره، فإن الواقع شئ اَخر.

قطع شروده انفتاح الباب فجأة لتدلف منه عاصفة صغيرة متمثلة بصبي صغير بجسدٍ ممتلئ نسبيًا ، اندفع نحوها يمطرها بالقبلات وهي تضحك بمرح وصوت عالي ، دلف خلفه رجل يبدوا في العقد السادس من عمره ومعه شاب وسيم ذو جسد عضلي، اثار الريبة بداخله وهو يتخيل ان يكون هذا الشاب هو ماتقصده ، بيد أنه تذكر رؤيته سابقًا ولكن أين لا يعلم، حتى أجفل على شهقة من فتاة صغيرة وهي تدلف خلفهم:

- دا بجد صحيح بقى، قال وانا اللي كنت فاكرها أوشاعة في البلد .

تبسمت لها كاميليا قبل أن يحتضنها الرجل العجوز بخوف وقلق، غير مستجيب لمزاح الصغيرة. فقالت كاميليا لتقدمه لهم:

- ياجماعة سلموا على استاذ طارق رئيسي في الشغل .

التفت اليه الجميع يصافحنه بمودة حتى الفتى الصغير الذي خطف قلبه بغمازتيه، وقد اكتملت الصورة أمامه مع تذكره للصور التي راَها على مكتبها للرجل والشاب والفتاة أشقائها ، اقترب منه والدها يرحب به بدماثة وابتسامة ممتنة يصافحه:

- اهلا بيك يابني والف شكر على معروفك

رد طارق بابتسامة هو الاَخر:

- الله يخليك ياحج معروف ايه بس؟ دا شئ عادي وواجب عليا كمان بعد ماشوفت وقعتها بنفسي.

- حتى لو واجب يابني، برضوا لازم عليا اشكرك ، ماهي مش كل الناس بتعمل الواجب اللي عليها دلوقتِ.

قالها والدها بمغزى تفهمته كاميليا وانتبه عليه طارق بفطنته ليزيد بداخله الحيرة؛ ثم أندمج مع مزاح الشاب والفتاة وضحكات الصغير معهم، في جو أسري دافئ بالمحبة قبل يغادر الجميع وهي معهم لتعود لمنزلها، ويعود هو بسيارته ويشتعل عقله بالتفكير في كلماتها ، ليجد نفسه دون أن يشعر يضغط على هاتفه بالأرقام التي حفظها بمجرد النظر إليها ويتصل عليه :

- الووو.....  مين معايا....... الووو.

اغلق المكالمة على الفور وقد ازدادت بداخله الحيرة بعد سماع الصوت الأنثوي في الرد على مكالمته! يتساءل بفضول حارق:

- مين دي؟ وايه دورها في حياتك ياكاميليا؟

..................................


بواجه واجم كان جالسًا في الشقة المتواضعة يستمع لشرح خطيبته الأستاذة نوال، لسمية البائسة وبناتها حقيقة وضع زوجها في القضي*ة التي مقبو*ض عليه بسببها الاَن، والمرأة تهزهز رأسها باستسلام وكأن هذا الشئ كانت تتوقعه قبل ذلك، سألتها نوال بتوجس من حالتها الغريبة :

- انتِ واخدة بالك من اللي بقوله ياست سمية ؟

بابتسامة شاحبة ردت المرأة:

- طبعًا يااستاذة امال ايه، هو انتِ فاكراني مابفمش يعني؟ بتقولي ان وضعه محروس صعب في القضي*ة صعب وانك بتحاولي تلاقيلوا مخرج انت وسي الأستاذ التاني اللي باعته جاسر بيه.

اومأت لها نوال باستغراب قبل أن تعتذر بحرج:

- معلش يا ست سمية، بس انا افتكرتك سرحانة ولا مش واخدة بالك من جمودك الغريب وعدم الاخد والرد معايا .

بابتسامة باهتة كسابقتها ردت سمية:

- ياست الأستاذة ماتستغربيش حالتي ولا رد فعلي، اصل مكدبش عليكِ يعني، انا واحدة جتتها نحست من كتر الضر*ب والمصايب اللي شافتها في حياتها، وان كان على موضوع جوزي ، فدا شئ انا عارفة انه هايحصل من زمان، ما هو بالعقل كدة ربنا ايه اَخرة الطريق الوحش ؟

مط خالد بشفتيه عن اقتناع بكلمات المرأة وهو يتبادل النظر مع نوال التي ظهر على وجهها الأسف، فقالت صفية:

- امي يامّا حظرته بس هو مابيسمعش غير نفسه وبس، لحد اما هي اطربقت فوق راس الكل، ربنا يسامحه بقى على سمعتنا اللي بقت لبانة على كل لسان بسببه.

تدخل خالد بحزم قائلًا لها:

- محدش يقدر يمس سمعتكم بكلمة ياصفية، ابوكي ومعروف خط سيره من زمان مش من دلوقتي ، اما انتِ واخواتك بقى يشهد على اخلاقكم الجيران وكل الناس اللي ، ماتحطيش الكلام دا في دماغك وخلي همك في مزاكرتك عشان تطلعي حاجة تشرفي بيها نفسك ووالدتك الست الطيبة دي .

اومأت صفية برأسهة بتفهم فخاطب خالد والدتها :

- انا نبهت على الواد عامري صبي محروس في الورشة ، هايخلص كل الشغل اللي في الورشة ويراعيها مع الصنايعية الجداد وانا هاتبعه عشان دا باب رزق ماينفعش يتقفل .

ردت سمية بامتنان :

- ربنا يبارك فيك يااستاذ خالد وييسرلك كل عسير ويتم جوزاتك مع الست الأستاذة ونفرح بيكم بقى .

تلون وجه نوال بالحمرة اما خالد فاستجاب بشبه ابتسامة يتمتم بإحباط يمتزج بالأمل:

- اللهم اَمين .

................................


في اليوم التالي 

استيقظ في موعده صباحًا، تحسس الفراش البارد بجواره فاستنتج استيقاظها قبله للحاق بعملها، فرك بكفيه على عيناه وهو يعتدل بجذعه ليلحق بها ويصطبح بوجهها الصبوح او ربما يقطف قبله من ورد وجنتيها، تفاجأ برؤيتها جالسة بمنامتها والمئزر الحريري فوقها أمام المراَة تتلاعب بأناملها على الخصلات الفحمية بشرود ، حتى أنها لم تشعر به حينما نهض واقترب منها ليطبع قبله فوق رأسها فجعلها تشهق مجفلة تقول:

- جاسر... هو انت صحيت امتى؟

باغتها بقبلة ثانية على جانب رأسها يجيبها بابتسامة رائعة وهو ينظر لانعكاس وجهه في المراَة:

- مش مهم امتى، المهم اني صحيت وفجأتك ، انتِ بقى كنتِ سرحانة في ايه بقى؟

اجابته باضطراب :

- عادي يعني ماتشغلش بالك انت، ااا تحب احضرلك الفطور معايا؟

قالت الاَخيرة وهي تنهض فجأة من أمامه ، فقال متسائلًا :

- وتحضري انتِ ليه وتعطلي نفسك ما البنت الخدامة موجودة؟ ثم انتِ يدوبك تلبسي وتحصلي الشغل أساسًا.

توقفت فجأة بوجه يرتسم عليه التفكير قبل أن تقول بتردد:

- لا ما انا بقول اغيب النهاردة كمان ، عشان حاسة نفسي مقريفة وو......

قاطعها بحزم قائلًا :

- لأ 

- نعم .

تابع بلهجته المسيطرة حتى لا يعطيها فرصة للمجادلة :

- بقولك مافيش غياب تاني يازهرة، الشغل الكتير المتأجل ماينفعش يتأخر أكتر من كدة .

اومأت برأسها باستسلام فقال بلهجة أخف من سابقتها:

- حالتك دي تستوجب الشغل مش السرحان والتفكير يازهرة.

- تمام .

تمتمت بها وهمت للتحرك ولكنها توقفت فجأة تسأله :

- صحيح ياجاسر يعني انا كنت عايزة افكرك .

سالها باهتمام :

- تفكريني بإيه ؟

فركت بكفيها تجيبه بتوتر:

- بقول يعني، ان انا وانت دلوقتِ داخلين على الشهر مع بعض من ساعة جوازنا، ومراتك التانية بقى.... مش ليها حق عليك برضوا عشان تعدل مابيني وبينها في الأيام .

فاجئته بكلماتها حتى أنه عقد حاجبيه بشدة يتطلع إليها بدهشة ثم رد اَخيرًا :

- لأ يازهرة مالهاش حق عليا، عشان انا اساسًا مش معتبرها مراتي ، وانا كنت صادق معاكِ قبل الجواز لما قولتلك ان اللي بيني وما بينها مسألة وقت مش أكتر ، وهي نفسها عارفة كدة .

- بس ياجاسر انا مش عايزاك تظلمها......

قالتها في محاولة لإقناعه رغم صعوبة خروج الكلمات منها ، لتفاجأ بصيحته الهادرة في مقاطعتها بحدة

- كفاية يازهرة عشان ماتقلبش خناقة مابيني وما بينك كدة ع الصبح ، انا قولتلك الأمر منتهي ، يبقى خلاص بقى

هزت برأسها بجزع وقد أجفلتها صيحته وهذه النظرة النارية منه وتهديده لها بالشجار في سابقة أولى له منذ زواجهم ، اما هو فحاول تمالك نفسه قليلًا وهو يخاطبها ببعض اللين :

-معلش يازهرة لو اتعصبت عليكِ، بس انا بصراحة الموضوع دا بيخنقني وبرفض الجدال ولا الكلام فيه أصلاً ، فياريت يعني تنتبهي وبلاش تفاتحيني فيه من تاني .

تنهدت بقنوط وهي تبتعد متمتمة بالأعتذار لتجهيز نفسها للذهاب للعمل ، وتتركه بحالة من التخبط والغضب، فهيئتها الساكنة هذه وكلماتها الغريبة ، تصيبه بالقلق وعدم الإرتياح .

..............................


في وقتٍ لاحق من اليوم 

وهي تعمل بكل طاقتها حتى تصرف عقلها عن التفكير في أي شئ غيره، دلفت إليها غادة بوجه عابس، تصطنع الحزن في لهجتها :

- صباح الخير يا زهرة، عاملة ايه ياحبيبتي ؟

ردت إليها تحيتها بفتور :

- صباح النور ياغادة، انتِ بقى اللي عاملة إيه؟

انتبهت غادة على إجابتها الحادة فقالت :

- مش مهم انا المهم خالي، هو عامل إيه دلوقتِ؟

رفعت إليها عيناها تجيبها بحنق:

- بتسألي ليه؟ هو يهمك أوي يعني؟ ولا يهم الست والدتك حتى؟

استدركت غادة سبب الغضب لدى زهرة وما ترمي إليه بكلماتها، فشهقت تقول بمسكنة:

- ازاي بتقولي الكلام دا يازهرة؟ هو في واحدة في الدنيا كلها مش هايمها اخوها أو خالها يعني؟ ولا انت فاكرانا معندناش دم بقى اكمن امي ولا انا مجناش امبارح عندكم نسأل ، لكن اللي متعرفهوش بقى ياست يازهرة، امي كانت تعبانة والضغط علي عليها بعد الخبر المشؤم ده، وانا مقدرتش اسيبها واجي لوحدي ، ما انت عارفاني متعلقة بيها ازاي، ربنا مايحرم حد من امه.

عبارتها الاَخيرة قالتها بقصد وصل لزهرة وكأن سهمًا اصاب قلبها ، ألجم لسانها عن الرد وجعلها تتراجع في هجومها لتقول باضطراب تجاهد للتماسك :

- أكيد طبعًا ربنا مايحرمك منها، على العموم انا بعاتبك عتاب الحبايب ، وانتِ حرة تيجي أو متجيش مش فارقة ، في كل الحالات مجيتك لا هاتأخر ولا تقدم .

عادت لمسكنتها قائلة بموساة ممتزجة بفحيح:

- الله يكون في عونك يازهرة، بصراحة عملت خالي دي تقصر العمر وتكسفك قدام جوزك الكبارة اللي جوا ده، يا ترى كان رد فعله ايه معاكِ بعد الخبر ده ؟

لم تتحمل الضغط على جرحها اكثر من ذلك فضر*بت بكفها على سطح المكتب قائلة بغضب:

- وانتِ مالك برد فعله ولا زفت حتى، انتِ جاية دلوقتِ ليه اساسًا ؟ ماتروحي شوفي شغلك وسبيني انا في همي، امشي ياغادة عشان انا مش طايقة نفسي.

انتفضت عن جلستها ترد بغضب:

- وكمان حصلت بتمشيني من مكتبك عشان بسأل واطمن عليكِ، الله يسامحك يازهرة ، الله يسامحك .

ظلت تردد بها حتى خرجت من الغرفة، لتتخلى زهرة عن تماسكها وتذرف الدمعات التي حجبتها بصعوبة امام الأخرى .

وبداخل غرفته كان مراقبًا لها عبر الشاشة يزفر بألم عن عجزه في مواجهة ما يصيبها ويدخل الحزن بقلبها ، انتظر قليلًا حتى هدأت، ثم تناول هاتفه يتصل بها ، وصله ردها بعد لحظات تدعي التماسك:

- الووو....

- الوو يازهرة جهزي نفسك بعد نص ساعة بالكتير عشان خارجين .

تنحنحت بتوتر لتجيبه برسمية:

- ازاي يافندم والشغل ؟ انا مكملتس نص يوم في العمل .

وصلها صوته المسيطر:

- انا صاحب الشغل وبقولك خارجين، مقابلة عمل ياستي في مانع ؟

................................


من النافذة الزجاجية التي شملت نص الحائط خلف مكتبها؛ كانت تنظر للأسفل وهي ترتشف من فنجانها الكبير مشروبها الساخن، تتطلع بأعين متربصة الى السيارة التي ضمته غريمها ورفيقته حتى ذهبت نحو وجهتها واختفت من أمامها ، فالتفت بفنجانها مضيقة عيناها بتفكير حتى هداها تفكيرها لتتصل برقمها ، وعلى حسن توقعها اتاها الرد سريعًا فقالت هي :

الووو، صباح الخير ياقمر......... انساه ازاي بس؟ دا انا حفظته من قبل مااسجله ........... حبيبة قلبي.......... طب انتِ فاضية دلوقتِ ولا عندك شغل ؟.......... كدة طب حلو اوي ، اصل انا بصراخة زهقانة من الشغل ونفسي ارغي مع أي حد........... ياريت ياحبيبتي بس ماتتأخريش ماشي ........... تسلميلي ياقمر، انا في انتظارك .

نهت المكالمة لتعود للأرتشاف من فنجانها بتلذذ وقد عقدت العزم على معرفة ماتود معرفته اليوم .

.................................


وبداخل غرفتها وهي مستلقية على تختها بضيق ، وقد أجبرتها الإصابة مع تعليمات الأطباء بالراحة التامة على الأقل لأسبوعين ، لتظل حبيسة المنزل حتى الشفاء، في ظاهرة لم تفعلها متذ سنوات، من وقت أن تخرجت والتحقت بالعمل كموظفة صغيرة بعقد مؤقت، ثم عقد كامل ثم التدرج في الترقيات حتى وصلت الى ما وصلت اليه، ومازالت تطمح بالمزيد، طموحها لا يوقفها شئ، تسير على خطى ثابتة رسمتها لنفسها منذ البداية، ورغم ذلك لم تجد الراحة حتى الاَن .

- كاميليا.

قطع شرودها دلوف شقيقتها والهتاف باسمها، وأردفت:

- عندك زيارة ياست كاميليا .

اعتدلت بجذعها لتسألها باهتمام :

- مين يا رباب؟

تبسمت شقيقتها تقول بحماس :

- الحليوة القمر اللي كان معاكِ في المستشفى، يخررب بيت جماله ، قاعد مستنيكِ في الصالة برة.

تمتمت باستدراك:

- طارق .

- ايييوة هو ده، ماتشوفيلي شغلانة معاكِ يااختي، ولا اقولك جوزهوني اسهل .

قالتها شقيقتها بشقاوة ومرح ، قابلته كاميليا بامتعاض، فنهضت لتتحامل على عكازها وهي ترد عليها :

- روحي اقري في كتابك الأول يافاشلة وبعدها دوري ع الجواز .

هتفت من خلفها شقيقتها :

- يابنتي ما انا ماعنديش مرارة للكتاب، يبقى جوزيني أحسن

.............................


وفي صالة المنزل كان واقفًا امام الحائط الذي شمل العديد من الصورة العائلية الخاصة بهم ، بمراحل عمرية مختلفة ، حتى شقيقها الصغير، صوره معها منذ ان كان ابن عامين حتى الصورة الاَخيرة جمعتها معه وهو بملابس الدراسة ، غمغم بداخله باستدراك :

- صورته الست الوالدة برضوا مش موجودة، هي ايه الحكاية؟

انتبهت حواسه فجأة على رائحة عطرها المميزة ، فاستدار أليها بكامل جسده، ليتسمر امام هذه الهيئة الجديدة عليه، شعرها المعقوص للأعلى يظهر عُنقها الطويل ، بعض الخصلات الخفيفة تبعثرت على وجهها، لتعطيها مظهرًا محببًا بعيدًا رسميتها المعتادة، وهي ترتدي بيجامة رياضية تناسب القد الرشيق.

- اهلا طارق نورت البيت .

قالتها بترحيب وهي تقترب بخطواتها اليه ، ورد هو بابتسامة مشرقة وهو يساعدها للجلوس :

-البيت منور بأهله ياكاميليا، انتِ عاملة ايه بقى ؟

أجابته كاميليا بابتسامة ودودة:

- الحمد لله ، اديني بحاول اتأقلم على القعدة في البيت ، على ما ربنا ياذن ويشفيني .

رد هو الاَخر متناسيًا حكمته ومعاهداته الداخلية مع نفسه:

- انا بقى مش عارف اتأقلم، الشغل من غيرك ملوش معنى أساسًا 

أجفلها برده المباغت فسهمت في كلماته وقد انعفد لسانها عن الرد 

..................................


وعودة للشركة 

طرقت غادة على باب غرفة المكتب مستئذنة، فرحبت مرفت بابتسامة تشير لها بالدخول وهي تتحدث مع أحدهم مكالمة بالفيديو :

- تعالي غادة اتفضلي .

دلفت بتردد وهي تستمع لمزاحها والضحك بمرح مع احدهم ، فقالت هامسة :

- حضرتك انا ممكن امشي واجيلك وقت تاني .

ردت مرفت بصوت عالي وهي تنهض عن مكتبها وبيدها الهاتف الذي تتحدث اليه :

- تسبيني ليه يابنتي؟ هو انتِ فاكراني بتكلم مع حد غريب، دا اخويا ماهر ، حتى شوفي .

كتمت شهقتها غادة وهي تجد هذا الشاب الوسيم وهو يحدثها عبر الهاتف :

- اهلًا يااَنسة غادة ، صاحبتك دي يافيفي .

ردت مرفت بضحكة مرحة مع مشاهدتها لرد فعل غادة التي كادت ان تسقط على الأرض من المفاجأة:

- ايوة طبعًا وهي يعني لو مش صاحبتي كنت هاخليك تكلمها؟ بس ايه رأيك فيها مش قمر برضوا.

ضحك الشاب بضحكة مجلجلة يرد عليها:

- هي قمر فعلًا .

هنا لم تقوى أقدام غادة على تحمل جسدها وسقطت على الكرسي خلفها ، غير قادرة على الحديث او مواصلة المكالمة التي انهتها سريعًا الأخرى لتجلس بجوارها على المقعد الاَخر قائلة:

- ايه يابنتي مكملتيش معانا المكالمة ليه؟ هو انتِ اتكسفتي .

اومأت برأسها التي كانت تدور بعنف ترد :

- اه بصراحة اتكسفت وقلبي وقف كمان ، هو انتِ ازاي تخليني اكلم اخوكي كدة بالشكل المفاجئ ده؟ مش تديني فكرة الأول .

ضحكت بصوت عالي قبل أن ترد عليها :

- ليه يعني؟ ماانتِ زي القمر اهو، ولا انتِ مسمعتيش رأيه فيكِ ؟

ردت غادة ويدها على موضع قلبها الذي يضرب بعنف وعدم تصديق:

- سمعت، ولحد دلوقتِ مش قادرة استوعب..

اطلقت مرفت ضحكاتها مرة أخرى لتردف بلهجة جدية بعدها :

- عشان تعرفي انا ارتحتلك قد ايه ياغادة ، ونفسي علاقتي انا وانتِ تتطور اكتر واكتر كمان .

ردت غادة بغبطة وهي تشعر وكأنها طائر يحلق في السماء وعلى وشك الوصول الى هدفه ، دون تعب أو تخطيط فاشل ككل المرات السابقة:

- وانا كمان وربنا، بقيت بحبك قوي.

اومأت برأسها كامليا تض*رب على الحديد وهو ساخن:

- انا مصدقاكي طبعًا ياغادة، بس بصراحة بقى نفسي تجاوبيني على حاجة محيراني هاموت واعرفها منك.

.............................


وفي الناحية الأخرى 

وبعد ان ولج بها داخل ساحة هذا المنزل الغريب ، يسحبها من كفها وهو يسير بها لخلف المنزل ، كانت لا تكف عن أسئلتها الملحة:

- ياجاسر رد عليا واخدني على فين؟ وبيت مين دا أساسًا؟

يلتف ناحيتها بابتسامة ساحرة دون رد فيزيد بداخلها الغيظ ، حتى فاض بها وتوقفت تهتف بحنق:

- طب انا مش متحركة ولا رايحة في اي حتة غير لما تجاوب على أسئلتي.

- ماتتحركيش .

قالها ثم باغتها بحملها فجأة وهي ترفس بأقدامها معترضة :

- نزلني ياجاسر ، بلاش غلاسة نزلني بقولك

ظلت ترددها وترفس بأقدامها حتى استمعت لصوت صهيل الخيول ، فارتفعت رأسها تنظر حولها ، لتلمح عيناها رأس حصان أبيض، سكنت حركتها فوجدته ينزل اقدامها على الأرض الممتلئة بحشائش النجيلة، في مكان شاسع وسور خشبي يحجز بداخلها عدة أخصنة صغيرة وكبيرة شديدة الجمال ، سألته بانبهار :

- الله ياجاسر ، اسطبل الخيل دا بتاع مين ؟

أسعده نظرة الأتبهار بوجهها فقال بسعادة لسعادتها :

- ردًا على مجموعة الأسئلة اللي سألتيها طول السكة ، البيت دا بيتنا والأسطبل دا بتاعنا ، واحنا جاين هنا مش في مقابلة عمل ، لا بالعكس ، احنا جايين نقضي اليوم انا وانتِ في البراح والخضرة اللي حواليكِ دي ، نركب خيل وتقضي وقت جميل، ايه رأيك بقى؟

انشق ثغرها بضحكة سعيدة تقول له:

- انت بتتكلم بجد ولا بتهزر ؟

اقترب يضمها من ظهرها وهو يتأمل بنظرتها المكان :

- والله ياقلب جاسر مابهزر، المكان دا انا بجيلوا لما بكون مضايق عشان انسى نفسي فيه، لكن معاكي انت بقى النهاردة، هاننسى العالم انا وانتِ فيه .


..... يتبع


#امل_نصر

#بنت_الجنوب


الفصل الثلاثون


- مني أنا ؟ حاجة إيه دي اللي عايزة تعرفيها مني؟

سالتها غادة باستفسار وتعجب، أجابتها الأخرى مباشرةً وكأنها ترمي ببالونة إختبار في البداية:

- إيه علاقة جاسر الريان ببنت خالك؟

أُجفلت غادة من السؤال المباغت حتى أنها تلجلجت في اضطراب فاضح أمام نظرات الأخرى المتربصة لتزيد بداخلها الشكوك .

- ااا انا مش فاهمة بصراحة السؤال، لو انتِ بتسألي على زهرة، فدي تبقى سكرتيرته، غير كدة هايكون فيه تاني مثلًا غير.... اللعمل؟

بابتسامة جانبية واثقة خاطبتها مرفت:

- لأ في أكتر من العمل ياغادة وانا متأكدة من كدة، عشان عارفة كويس جاسر الريان وعارفة عجرفته وجليطته مع كل الناس وخصوصًا الستات، ودي شخصيته المعروفة دايمًا على فكرة؛ واللي اتقلبت دلوقتي لمية وتمانين درجة من يوم ما اشتغلت عنده بنت خالك، دا بيعاملها بخصوصية مكانش بيعملها مع مراته .

ارتبكت غادة وارتسم التوتر على وجهها بنظرات عيناها الزائغة، وتململها في الجلسة بشكل يوحي برغبتها للهرب، تابعت مرفت بضغطها :

- هو انتِ ليه ما بتروديش على سؤالي ياغادة؟ لدرجادي مش واثقة فيا؟ طب اشمعنى انا عبرتلك عن اللي جوايا ناحيتك من أول مرة شوفتك فيها ورغبتي ف......

قطعت جملتها بقصد لتثير بداخل الأخرى الفضول فسألتها بلهفة:

- رغبتك في إيه؟ قولي .

رمقتها بنظرة غامضة وهي تتنهد بقنوط قبل أن تشيح بوجهها دون أن ترد لتحرق أعصابها ، فتابعت غادة بإلحاح:

- ما تقولي بقى يامرفت وماتسبنيش كدة على ناري .

عادت إليها برأسها بنبرة محبطة:

- خلاص بقى ياغادة، مافيش داعي للكلام وانتٍ أساسًا مش واثقة فيا.

هتفت غادة بارتياع

- مين بس اللي مش واثقة فيكِ؟ والله واثقة وربنا العالم باللي ف قلبي ناحيتك، بس انا مقدرش اتكلم لا اترفد من الشغل وتتق*طع لقمة عيشي.

التقطت مرفت جملتها الاَخيرة وكأنها وجدت طرف الخيط لتردف بالسؤال :

- اااَه، يعني في كلام اهو وانتِ عارفاه وبتخبي، طب انا مستعدة اديكِ وعد شرف إن ماحدش هايقربلك ولا يقرب من وظيفتك، عندك حجة تاني بقى؟

- برضوا مقدرش اقولك الا لو حلفتيلي انك مش هاتجيبي سيرة لحد عن الموضوع دا خالص، انا مش قد جاسر الريان ولا قد غضبه.

- أحلفلك؟!

هتفت بها بغضب قبل أن تكمل:

- انتِ ازاي تطلبي مني حاجة زي دي؟ بقى اناا مرفت، تطلبي مني احلفلك عشان تصدقيني؟ قومي ياغادة ، قومي انا مش عايزة منك حاجة.

سقط قلب غادة في صدرها من لهجة مرفت الصارمة وهيئتها الغاضبة، فقالت برجاء:

- والنبي ماتزعلي مني ولا تاخدي على خاطرك، انا والله عايزة اقولك بصفتك صاحبتي، بس عايزاكِ كمان تقدري وضعي، لو حصل وانكشف الموضوع وطلعت انا السبب قدام الكل، ساعتها محدش هايرحمني 

صمتت مرفت وضيقت عيناها بتفكير ثم مالبثت ان ترد على الاخري بلهجة واثقة:

- تمام ياغادة وليك الأمان، بس انتِ اتكلمي 

....................................


لا يدري مالذي حدث له ليخونه لسانه ويعبر عما بقلبه ناحيتها بقوله في هذه الجملة البسيطة، يعلم أنه لو أعطى لنفسه العنان لأمطرها بكلمات الغزل، خصوصًا وهو يرى الاَن ارتباكها اللذيذ وهذة الحمرة التي زحفت على وجنتيها وكأنها طفلة في طور المراهقة، أما هي وبرغم ماتشعر بهِ الاَن بتصدع اسوارها مع دفع هذا الرجل بقوة لأقتحام قلعتها والتي كانت حصينة دائمًا طوال السنوات الماضية قبل لقاءها به، فحاولت تمالك نفسها والتهرب كالعادة من نظراته المتفحصة لها بجرأة، فقالت تدعي المزاح:

- ياسيدي.. بكرة تتعود، هي الاماكن دي بالذات حد بيثبت فيها؟

أومأ بشبه ابتسامة خاوية ليجاريها:

- على رأيك، الاماكن بتتغير ومافيش حاجة دايمة، المهم انتِ عاملة ايه النهاردة؟ حاسة بتحسن بقى ولا لسة فيه ألم؟

تنهدت براحة قبل أن تجيبه :

- الحمد لله طبعًا، النهاردة احسن بكتير، على الأقل قادرة اتعكز عليها، انما امبارح بقى.... مش عايزة افتكر، بس بصراحة، انا بجد عايزة اشكرك ياطارق على وقفتك معايا امبارح طول اليوم، مش عارفة من غيرك كنت هاعمل ايه ساعتها؟

تبسم داخله وهو يتذكر حمله لها بالأمس وشعوره بها بين يديه ورغم جزعه وخوفه وقتها فإنه عندما يتذكر الاَن، تتملكه المشاعر نحوها بقوة، رد بنبرة جعلها عادية:

- هارد عليكِ بنفس الرد بتاع امبارح على السيد الوالد، انا معملتش غير الواجب ياكاميليا.

اومأت برأسها بتفهم ، قبل أن تنتبه لدلوف شقيقها الصغير بصياحه كالعادة:

- ياعالم يابشر، جعان ونفسي في لقمة اتقاوت بيها، حد فيكم يايحن على العبد الغلبان ولا ادعي عليه من قلبي.

انشقت على ثغرها ابتسامة سعيدة وهي ملتفة برأسها في انتظاره حتى وصل إليهم ، ظهر على وجهه الحرج فور أن انتبهت عيناه للضيف الغريب، فقال التحية على استيحاء:

- مساء الخير، هو احنا عندنا ضيوف ياست كوكو لا إيه ؟

ابتسم له طارق بمودة قائلًا بمزاح:

- ولا يهمك ياباشا، اعتبرني مش موجود وخد راحتك، انت كنت بتقول ايه بقى؟

ازداد حرج الصغير وهي يطرق رأسه بابتسامة اظهرت غمازتيه، فقالت له شقيقته مرحبة بسعادة تفتح له ذراعيها :

- ياحبيب كوكو انت، قال يعني  وش كسوف ، تعالى يابني هو انت لسة هاتفضل واقف في مكانك. 

تقبل الدعوة بلهفة، ليركض على الفور نحوها يرتمي بأحضانها ويقبلها في وجنتيها بحب، وهي تضحك له بسعادة، جعلت الغيرة تدب في قلب الاَخر ليتمتم بداخله:

- ياريتني مكانك ياسي ميدو

خرج الصغير فجأة من أحضانها يقول بحماس :

- النهاردة عندي واجب كتير اوي، ومدرس الحساب طالب مننا حل مسائل كتير. 

تجعد وجه كاميليا قائلة ببؤس:

- حساب تاني، هو المدرس بتاعكوا دا غاوي يذلني، احل معاك ولا افهمك ازاي بس وانا خيبة فيه.

زام ميدو بشفتيه عابسًا قبل أن ينتبه على نداء طارق :

- سيبك منها ياعم ميدو وتعالى افهمك انا ، حكم صاحبك بقى لهلوبة في الحساب . 

هلل ميدو ليخرج كراسته من الحقيبة ويجلس بجوار طارق الذي تكفل بكل صبر ليساعده في حل المسائل بتفهم دون كلل أو ملل، وهي تتابع معهم بابتسامة جميلة مثلها 

....................


- مراته!

هتفت بها بعدم تصديق حتى انها لم تنتبه لنبرة صوتها التي عَلت مما اثار جزع الأخرى فهمست هادرة بتحذير:

- وطي صوتك لحد يسمعنا، الحيطان ليها ودان. 

حاولت مرفت تمالك نفسها قليلًا تجاهد لخروج صوتها بنبرة متماسكة نسبيًا :

- انتِ متأكدة إن عقد جوازهم بمأذون شرعي مش بورقة عرفي ؟

اجابتها غادة بتأكيد:

- طبعًا امال ايه؟ دا عملها فرح ع الضيق فوق باخرة في قلب النيل، واحنا أهلها كلنا حضرناه، اصله كان عايز يفرحها، وحضر معانا الأستاذ طارق والأستاذ كارم مدير اعماله، والست عمته دي اللي اسمها علية .

- انتِ كمان وصلتي لعمته علية؟ 

هتفت بها مرفت بدهشة ثم عادت بظهرها للمقعد وهي تستوعب، هذا الأمر الجديد والذي لو انتشر أو عُرف ستكون بمثابة قنب*لة مدو*ية في وسطهم وضربة قاسمة لغريمها وحتى ميري المتعجرفة التافهة أيضا. 

اقتربت منها غادة قائلة برجاء:

- اوعي والنبي الخبر دا يطلع، وحياة غلاوة الاستاذ ماهر عندك ياشيخة، انا مش قد الناس دي.

ابتسمت لها مرفت ترد بلهجة مطمئنة في ظاهرها:

- ماتقلقيش يا غادة، انتِ صاحبتي والكلام اللي مابينا دا سر ووقع في بير ياستي .

اومأت لها غادة برأسها وهي تشعر ببعض الراحة، أما الأخرى فبداخلها كانت تشعر بالإنتشاء والزهو، وقد وصلت بذكائها لسر جاسر الريان، وقد تغيرت كل خططها الاَن 

..............................


- افردي كفك وقربي أكثر من كدة، بلاش جبن بقى.

يأمرها متصنع الحزم وهو ممسك بلجام الفرس كي تطعمه وهي تضحك بهسترية غير قادرة على التوقف وذراعها تمتد لثانية وثم تعود على الفور بقطع السكر دون نتيجة، هتف عليها جاسر وهو يمسك بكفها الممتلئة بقطع السكر ويقربها عنوة من فم الفرس قائلًا:

- احنا بالشكل ده مش هانروح ولا لبعد أسبوع .

صاحت زهرة بصوت ضاحك تناديه لترك يدها:

- لأ ياجاسر والنبي، سيب ههه مش قادرة مش قادرة، حاسة بيه واكنه بيزغزغني في كفي ههههه.

لم يستمع لرجاءها، وكيف يفعل د؟ وقد دبت السعادة مرة أخرى بداخله وهو يستمع لضكاتها الصاخبة والتي تصبح رنانة دون قصد منها في بعض الأوقات النادرة، وقد تناست حزنها قليلًا مع جولتهم في هذه البقعة التي تبعث على الصفاء النفسي، واختلاطهم بهذه الكائنات الرائعة، وكلما على صوت ضحكتها تلفت يمينًا ويسارًا، بحثًا عن أحد ما من عمال المزرعة والذى أمر بابتعادهم لمسافة بعيدة عن مرمى ابصاره حتى يخلو لهو الجو مع  محبوبته الرقيقة ذات الضحكة الرنانة النادرة، زفر الحصان من أنفه فجأة فانتفضت للخلف مجفلة حتى كادت أن تقع لولا أن ساندتها ذراعه القوية، لتضمها إليه ، فهتفت بصوت متهدج:

- شوفت، اهو الحصان كان هايوقعني .

شدد عليها يقربها أكثر منه قائلًا:

- تقعي فين ودراع حبيبك موجود، دا انا يبقى ماليش قيمة بقى.

تملمت وهي تحاول فك نفسها منه وعيناها تطوف حولها بقلق :

- حل إيدك عني شوية، ليشوفنا السايس ولا الراجل اللي شغال معاه يبقى منظرنا زبالة

توسعت عيناه وهو يقلد طريقتها:

- أو يكون بيصورنا بكاميرا ولا بيبص علينا بالميكرسكوب مثلًا .

شهقت لتلتفت رأسها بحدة وتنظر حولها لتسأله بجزع:

- يالهوي، ودا ممكن يحصل فعلآ؟

جلجلت ضحكة مرحة منه قبل ان يجيبها :

- يامجنونة انتِ، ياللي هاتجننيي معاكِ، مافيش حد يجرؤ يصور ولا حتى يطل براسه علينا، ثم التاني دا كمان مااسموش ميكرسكوب، اسمه نظارة معظمة، دوكها ليه وظايف تانية غير التج*سس على البشر.

زمت فمها لتقول بدلال:

- يعني اطمن بقى اني في حما جاسر الريان وماخفش. 

مال برأسه يتطلع إليها بنظرة متفحصة مع ابتسامة مرحة، وشقاوتها الحديثة عليه تثير بقلبه البهجة بعنف،  فقال:

- بقولك ايه ماتجي تركبي الحصان وتجربي .

شهقت رافضة وهي تحاول الإفلات من ذراعه:

- لا ياخويا انا مش عايزة اركب، اخاف والنعمة، ياجاسر سيب وبلاش غلاسة

جلجلت ضحكاته الرجولية الصاخبة مرة أخرى وهو يمنع عنها الافلات والهرب منه، مستمتعًا بمناكفتها.

..............................


ولجت لداخل منزلها تتمايل بخطواتها بعدم اتزان من فرط فرحتها وحالة الانتشاء مازالت تتملكها ، دفعت بسلسلة مفاتيحها على اقرب طاولة وجدتها أمامها قبل أن تسقط على الاَريكة متكأة بجذعها، وابتسامة متسعة على وجهها، لقد حدثت المعجزة وجاءت الفرصة لكي ترد القلم القديم لجاسر الريان ، تقسم بعمرها انها لم تتوقع ولا حتى في الأحلام، هذا الرجل بكل جبروته وسطوته اخيرا وجدت نقطة ضعف له، اَخيرًا تنازل وسلم مفاتيح قلبه لمرأة، وياليتها كانت امرأة من وسطه وتليق بقامته، ام أنها تمثل إليه تحدي أو نزوة لا تعلم، المهم أنها وجدت فرصتها اَخيرًا ، احتدت عيناها وهي تعيد تذكر الليلة المشؤمة حينما طردها ليلًا من منزله وكأنها بائعة هوى، بعد أن أهان كرامتها وقلل من أنوثتها التي تتفاخر بها أمام الجميع، استفاقت من شرودها على صوت الهاتف بجوارها والذي كان يصدح بورود مكالمة، تطلعت للرقم واسم صاحبته بتأفف، لا تريد إجابتها أو الخوض معها في الاَحاديث التافهة التي لا تمل منها ، تمتمت بضيق وهو تتطلع للأسم :

- مش وقتك خالص دلوقتِ ياميري، بعد ما كارتك اتحرق بالجديد، واتعدى الموضوع كل تصوراتي.

فور انتهاء المكالمة، ضغطت على ارقام الهاتف بتطلب رقمًا اَخر فوصلتها الإجابة سريعًا من صاحبها:

- الوو... يااهلا وسهلا بمرفت هانم، توك مافتكرتي فينا؟

أجابت بلهجة بغنج:

- على الاقل انا بفتكر ياسيدي مش زيك ، المهم بقى انا هاقولك مابتفتكرش فيا خالص 

رد عليها الرجل:

- طب ايه بس وشغل الجريدة واخد كل وقتي، ما انت عارفه صاحبك بيحب المغامرات والجري ورا كل خبر جديد .

- امممم

زامت بفمها ثم قالت بميوعة

- الله يقويك ياسيدي، على العموم أنا مقدرة وعارفة بأشغالك الكتير كمان، وعشان تصدقني، ليك عندي سبق صحفي هايرفعك لمدير ويشهرك كمان .

دبت الحماسة في صوت الرجل من الجهة الأخرى ليسألها:

- بتتكلمي جد، طب ماتقولي يابنتي على الخبر دا اللي هايرقيني ويشهرتي كمان.

ضحكت بصوت عالي وردت بمكر: 

- هاقولك بس على شرط ابقى برا الصورة، ويظهر الموضوع واكنه اجتهاد شخصي منك، وانا ياسيدي هاقولك على التفاصيل اللي تمشي عليها عشان تتأكد بنفسك .

رد الرجل بمرح:

- حلو قوي يافوفة انتِ كدة شوقتني اعرف الموضوع. 

................................


في نهاية الجولة وبعد قضاء الوقت في مزرعة الخيل و وتناول طعامهم في الهواء الطلق وسط الخضرة التي اخذت مساحة واسعة لهذا المنزل الريفي، كان اللقاء مع الوارد الجديد في الحظيرة الداخلية، للفرسة بشرى، والتي لفت اسمها انتباه زهرة فسألت جاسر وهي تشاهد المهرة الصغيرة :

- اسمها حلو اوي، مين اللي سماها كدة ؟

أجابها جاسر وهو يتفحص المهرة عن قرب بالحجرة الخاصة بهم في الحظيرة:

- انا اللي سمتها كدة يازهرة، وانا اللي مسمي معظم الخيول هنا، اصل المزرعة دي في رعايتي من زمان، والدي ووالدتي بيجوا تقريبًا في السنة مرة أو مرتين .

وعلى فكرة انا برضوا اللي سميت الكتكوتة الصغيرة من وهي في بطن أمها.

سألته زهرة بفضول:

- وسمتها ايه بقى؟

ترك الصغيرة ليخرج إليها ويجيبها:

- سمتها زهرة .

فغرت فاهاها وظهر على وجهها عدم التصديق، فاقترب يداعبها على أنفها بسبابته قائلًا:

- مش مصدقة ليه؟ حد قالك اني بكدب يعني، ولا انت كنت تعرفيلها اسم تاني مثلًا وانا مش عارف؟ 

هتفت بابتسامة مستترة وهي تبتعد عن متناول يده :

- ياباي عليك بطل بقى غلاسة ياجاسر خلاني اتكلم. 

- ماشي ياستي اتكلمي. 

قالها وهو يكف على مناغشتها ويتكئ بجسده على الفاصل الخشبي بينهم وبين حجرة الفرسة بشرى ومهرتها. 

هتفت زهرة:

- عشان طبعا مش معقولة، انا وانتِ من ساعة مااتجوزنا ماسيبناش بعض غير في اجتماعات الشغل الضروية، يبقى امتى جيت واخترت اسم البيبي اللي في بطن الفرسة؟ 

تنهد بعمق قبل أن يجيبها بصدق:

- انا اخترت إسمها في اليوم اللي انت رفضتي فيه، فاكرة ولا افكرك .

اطرقت برأسها تزم شفتيها بحرج فاستطرد هو:

- في اليوم دا انا كنت مضايق قوي، جيت هنا عشان اخرج بحصاني فاكتشفت حمل بشرى، ساعتها حلفت اني هاسمي البيبي اللي بطنها باسمك، معرفش ليه جالي الخاطر ده رغم اني كنت متغاظ منك في يومها اوي. 

صمتت زهرة قليلا تنظر إليه بعشق ثم أهدته ابتسامة ممتنة وهي تقترب منه قائلة

- انا متشكرة اوي ياجاسر، واحد غيرك بعد اللي حصل كان نجى بنفسه من النسب اللي يعر، لكن انت لا بينت تأثرك ولا حتى بان على وشه، دا غير الخروجة اللي تجنن دي كمان....

قطع جملتها بوضع سبابته على فمها ثم اقترب ليقبلها من وجنتيها قائلا بصوت متحشرج:

- اوعي تفتكري اني بعمل كدة من زوقي ولا حسن اخلاقي، انا في سعادتك بلاقي سعادتك، وحزنك هو حزني، انا روحي فيكِ يازهرة، واللي يزعلك أو يأذيكِ، يبقى بيأذيني أنا.

أسعدتها الكلمات منه وهي تشعر بصدقها، وكأنه المطر الذي هطل فجأة ليعيد لأرضها الحياة ثم تنبت بزهور العشق والمودة لهذا الرجل، 

تناولت كفه تعبر عن عشقها بقبلة رقيقة مثلها، ابتسم هو بمكر رافعًا حاجبًا خطرًا، قبل أن يعتدل بجسده لها ليُعيد إليها هديتها، لأضعاف ألأضعاف غير مبالي باعتراضها كالعادة

.............................


في اليوم التالي .

وبداخل حجرة الإجتماعات في الشركة، كان يتوافد مسؤلي المجموعة وموظفيها الكبار للجلوس في أماكنهم المحددة قبل بدء الإجتماع، زهرة والتي كانت تجلس بمحلها بجوار مقعد رئيسها والذي لم يأتي الى الاَن، كانت تعمل على مراجعة الملفات المطلوب البت فيها داخل الإجتماع ، غافلة عن أعين متربصة لم ترفع انظارها عنها من وقت أن دلفت وجلست على مقعدها ، تتفحصها بدقة، و تتسائل بداخلها، عن السر بهذه الفتاة والذي جذب جاسر الريان بجلالة قدره ليلتفت إليها بل ويضحي ليتزوجها، غير عابئ بالفروق الهائلة بينهم ، إن كانت جميلة، فالعالم يمتلئ بالجميلات التي من وسطه ويناسبنه، أم انه رغب فيها واستعصت عليه فلجأ إلى الحلال كي ينالها، ولكن حتى لو كان هذا هو السبب فهي الاعلم بجاسر الريان ، انه لا يسلم اسمه لامرأة لسبب مثل هذا، ايكون اقتنع بالبرائة التي تحاوط بها نفسها ، ام أنها أحبها فعلًا ، تشعر بغرابة الكلمة مع رجل مثله، جلف، قاسي، لا يعبئ بمشاعر امرأة.....

قطعت تفكيرها فجأة لتنهض وتبتعد قليلًا قبل موعد الإجتماع، لا تريد الاستسلام للذكرى القميئة برأسها ، خرجت من الحجرة لتذهب نحو مرحاض النساء، لتخرج الهاتف وتتصل برقم الأمس ، فجاءها الرد سريعًا:

- الوو يافوفتي، لحقت أوحشك .

هتفت عليه بنزق:

- أوحشك دا إيه انت كمان، انا بتصل عشان أسألك ، عملت ايه في الموضوع اللي كلمتك عليه امبارح ؟

طقطق بفمه صوت عتاب ساخر ليقول:

- اخص عليكِ يافوفة، بقيتي صعبة قوي، لدرجادي مش طايقة العبد لله، قال وانا اللي قولت اننا هانعطف ونعيد الأيام القديمة......

- فاااضل، 

هتفت بها مقاطعة بحدة، فتراجع الاخر عن مزاحه بيقول بصوتٍ جدي:

- رغم اني مضايق من زعيقك فيا، بس انا هاطمنك، واقولك اني شغال في موضوعك وبظبطه ع التمام ، بس المفاجأة بقى اللي اكتشفتها انا بقى وغفلت عنك انتِ.

سألته قاطبة باستفسار:

- معلومة ايه؟

اجابها على الفور بحماس:

- البنت اللي ادتيني عنوانها وسألت عنها في منطقتها، اتضح ان والدها مسجون في قض*ية مخد*رات ، يعني الخبر لو النشر والناس عرفت بنسب الباشا اللي بيهز البلد بمشروعاته، مش هايبقى خبر الموسم وبس، لا ياقلبي، دي هاتبقى فضيحة .

شهقت بفرحة لم تقدر على كبتها:

- يانهار أبيض، انت بتتكلم يافاضل؟ طيب مستني ايه؟ ماتنشر بقى وسمع الدنيا. 

رد الرجل:

- ياقلبي انا مستعد انشر من امبارح مش من دلوقتِ، بس بقى نفسي في صورة، تظبط الحكاية كدة وتخلي الخبر ما يخرش المية. 

صمتت قليلًا بتفكير قبل ترد:

- طب تمام يافاضل، انا هحاول اشوف الموضوع دا معاك، وأكيد هلاقي صرفة. 

أنهت المكالمة وشعور الفرح يزلزل كيانها، هذه المرة الحظ يخدمها بشكلٍ غريب، لليعزز ضر*بتها لجاسر ويجعلها في مقت*ل، لا بل هذه ستكون ضر*بة مزدوجة للأثنان. 

..............................


وصلت مرفت قبل الإجتماع بدقائق، بنفس الوقت الذي وصل فيه جاسر ليأخذ مكانه على رأس الطاولة، بصحبة أحد العملاء الكبار للشركة، ومعهم طارق والذي استوقفه كارم في سط الحجرة ليرحب به ويصافحه ، ثم ينتهرهزها فرصة ليسأله :

- هي كاميليا مجاتش معاك ليه المرة دي؟

قسى وجه طارق وهو يحاول كبح جماح غضبه، والرد بلهجة تبدوا عادية:

- هي حرة ياكارم.

قالها مقتضبة قبل أن يتركه على الفور ويجلس محله، غير سامحًا لإعطاءه فرصة في الأخذ والرد والاستفسار عن سبب تغيبها، ومن ناحيته مط كارم بشفتيه، غير مستوعب لموقف طارق الغير مفهوم،


بعد انتهاء الإجتماع وخروج معظم الأفراد منه واحد تلو الاَخر ، فلم يتبقى سوى جاسر ومعه هذا العميل وطارق وزهرة تقوم بدورها كسكرتيرة، خرجت مرفت لتقف بأحد الزوايا وعقلها يدور في عدة اتجاهات، تريد لتنفيذ خطة ما لتحقيق مبتغاها، تنظر في الخواء حولها والشركة تكاد تكون خالية بعد انتهاء دوام العاملين وانصراف معظمهم ، وقعت عيناها على المصعد الخاص بالموظفين الصغار والذي تستقله باعتبارها منهم وهذه اليافطة المعلقة عليه منذ يومين لتخبر الموظفين انه مغلق للتصليح، فومض عقلها بفكرة شيطانية همت لتنفيذها ولكنها تذكرت كاميرات المراقبة، فعدلت من وجهتها ، وقد أصابها الإحباط، خصوصًا وهي ترى خروج جاسر الان بصحبة العميل في مصعده الخاص ، والأخرى تستقل مصعدها مع آحدى عاملات النظافة ، صكت فكها بغيظ ، وقد تأجل تنفيذ مخططها، ولكن لايهم فهي قد بدأت الطريق ولابد أنها ستجد الطريقة للتنفيذ 


.... يتبع 

توقعاتكم ايه للحلقات اللي جاية؟

#امل_نصر

#بنت_الجنوب


تكملة الرواية من هناااااااااا 


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا




تعليقات

التنقل السريع