رواية الشرف الجزء الثالث الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرون بقلم قسمة الشبينى
رواية الشرف الجزء الثالث الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرون بقلم قسمة الشبينى
السادس عشر
يجلس مهران امام والدته التى تلتزم الصمت منذ وصوله وتتابع التلفاز .زفر مهران وهو يقترب ليجلس بالقرب منها ، مد كفه ليطفئ التلفاز وينظر لها : وبعدهالك يا أما ؟
نظرت له مدعية عدم الفهم ليقول : لحد ميته ماريداش تشوفى إياد ؟
تساءلت فوراً بتلقائية : إياد مين ؟
مسح وجهه : إياد واد طايع
ابتسمت بطيبة : سماه إياد ؟؟
نظر لها بتعجب . ألم تهتم حتى بمعرفة إسم الصغير !!؟
بسمتها البريئة حرضت أفكاره للتضارب ليتساءل مرة أخرى : انت ماتعرفيش اسمه ؟
اشاحت وجهها عنه : واعرف منين ؟ هو انى شوفته ؟
مهران : وايه مانعك تشوفيه ؟
أمه لن تراوغ ، ليست المراوغة من شيمها ، تحتاج للقليل من الضغط لتخرج مكنون قلبها بلا تردد . منحها بعض الوقت لكنها نكست رأسها : ماكنتش رايدة اشوفه . ماحدش جادر يصدج إنه مش طبيعي ..
أشارت لصدرها : كلهم زعلوا منى لما جلت إكده . بس دى الحجيجة .
تمتم مهران مستغفرا وقال : طب انى هجولك حاچة .
نظرت له باهتمام ليقول : ربنا بيخلج كل نفر منينا بالشكل اللى يناسب حياته بالتمام . فى نفر ربنا يخلجه عجله نور كيه طايع اخوى إكده ونفر تانى عجله على كده ، بس بيكمل له الناجص من عجله ده فى جلبه ..فى رزجه .. فى حب الناس المهم إن كل نفر يكمل التانى . واد اخوى إكده .له طبيعة ربنا خلجه بيها . لكن إحنا البنى ادمين مافهمينش إن مفيش فرج بينه وبين غيره لأن فى الاصل محدش كيه التانى . كل نفر ليه طبيعة .انت يا اما حكمتى على الولد ده إنه مش طبيعى ليه ؟؟ وهو الإنسان الجاتل طبيعى ؟؟ هو الحرامى طبيعى ؟؟ هو اللى ماشى ينهش اعراض الخلج بلسانه طبيعى ؟ النفر اللى ربنا عطاه صحة وخلجة زينة واتكبر على خلج الله طبيعى ؟
ليه جابلة كل دول وإذا حد فيه خصلة منيهم چه يتعامل معاكى هتتعاملى معاه زين ورافضة واد ولدك .. لحمنا يا اما !!؟
تنهدت وصمتت كأنها تبحث عن رد مناسب لكنها لم تجد ، رفعت عينيها بخجل تنظر له وتتساءل بترقب : يعنى هو هيبجى زين ؟ ولا كيه العيال اللى بالله اللى بنشوفهم حوالينا ؟
نظر لها بحدة : كلنا بالله يا اما . هو فى حد بحاچة غير الله . استغفر الله العظيم .
صمت لحظة ليتابع: الولد زين يا اما ومفهوش حاجة محتاچ بس شوية رعاية وهيبجى زى الفل . وبعدين ما خالد ولدى مكانش فيه حاچة وطلع البلا على چتتى على ما كبر وربنا هداه .
صمت لحظة أخرى وقال بحزن : يعنى يا اما واد اخوى الزين ده ولا حرجة جلبى أنا ومرتى واحنا ماطيلينش ضفره ..انى رچليا حفت على الدكاترة ومفيش حاچة نافعة ولا فى سبب غير إن ربنا مارايدش . أنا جلبى بيتجطع عليها وهى متشعلجة فى الولد ..بچرها چر من شجة طايع كل ليلة . صوح عندينا خالد ربنا يبارك فيه بس انى خابر أنها مشتاجة تخاويه وانى مشتاج اكتر منيها .
صمت لحظة وقال بألم : الحمدلله على كل حال . جومى يا اما باركى واد ولدك وفرحى جلب طايع .
عادت تنكس رأسها تخفى حزنها لحاله وهى تقول : بوك حلف علي يمين تلاتة ما اشوفه ولا انضره .
عقد حاجبيه بغضب ، إنها معضلة أخرى عليه التخلص منها .
لم فعل أبيه هذا !!!
ربما يعاقبها لرفضها الصغير !!!
مسح وجهه بكفه وهو يخرج هاتفه ويتحدث إلى تاج فهو الأقدر على حل هذه المعضلة .
________
حين رأى اسم مهران بهاتفه فضل مغادرة الغرفة ليجيب فهو غير واثق من سبب الإتصال .
أجاب ليخبره مهران عن قسم والده ويتساءل عن الحل الأمثل فى هذه الحالة . يعلم كفارة اليمين لكنه لا يثق في رد فعل والده إن صحب أمه ولا يثق في قبوله بالكفارة إن تحدث هو إليه . ليحدد تاج للتدخل فهو الشخص الوحيد الذى يتقبل والده مشورته بلا تذمر .
لم يتأخر تاج عن المساعدة فقبول رفاعى بكفارة اليمين سيعنى أن تأتى زينب لرؤية حفيده الأمر الذى سيسعد ابنته وزوجها والأهم من ذلك أنه سيصفى النفوس وينحى اى فرصة لتنشئة هذا الصغير ببيئة غير صحية .
أخبره تاج أنه سيتحدث إلى والده فورا ثم يعود لمهاتفته ولم يكن مهران يحتاج أكثر من ذلك .
توجه تاج للغرفة ليقول بمرح : جرى ايه يا عم رفاعى انت هتقعد طول النهار شايل إياد كدة ؟
ابتسم رفاعى : إن چيت للحج الود ودى اخبيه فى ضلوعى .
نظر للصغير براحة : ربنا زرع محبته فى جلبى .
اسرعت روان تحمل إياد : هو فى حد يقدر مايحبش إياد .
ضحك تاج : طب تعالى بقا اهى روان اخدته أنا كنت عاوزك فى موضوع
نظر رفاعى لابنة أخيه بغضب ثم تحرك مرددا : الأمر لله هسيبك على عينى يا جلب چدك .
_______
جلس رفاعى بوجهه المبتسم أمام تاج متسائلا : خير يا خوى ؟
ربت تاج على كتفه : كل خير يا ابو مهران .
رفاعى : معلوم طبعا انت ماياچيش من وراك غير كل خير .
حسنا بداية الحوار جيدة ورفاعى مستعد لتقبل حديث تاج بنفس راضية وهذا وحده يشجع تاج للمتابعة .
ابتسم وقال : فى ايدك سعادة الكل بس محتاجة منك شوية تفهم .
نظر له رفاعى بعدم فهم ليقول : الست زينب عاوزة تيجى تشوف إياد وانت عارف انك حالف عليها وأنها مابتحبش تزعلك فأنا بستسمحك بكفارة اليمين علشان تقدر تيجى .
اكفهر وجه رفاعى وظهر ضيقه جليا . الأن تريد رؤية الصغير ؟
إن كان الأمر بيده لمنعها رؤيته للأبد .
لكنه يرى حزن طايع الذى يواريه عن الجميع . يعلم أن ولده يحتاج وجود أمه وتقبلها لصغيره . رغم أنها رفضته مسبقا لكن تقبلها له سيسعده حتما .
طال صمته ليقول تاج : سامح يا ابو مهران ..ماتزعلش منى الست زينب فهمها على قدها هى مش فاهمة يعنى ايه متلازمة داون ورافضة تقبل طفل زى ما هى متخيلاه مش زى ما هو فعلا . اديها الفرصة دى تشوفه وتفهم طبيعته وهتلاقيها هى اللى بتعتذر منك .الست زينب قلبها ابيض ده انت دايما تقول كده .
إنها بالفعل كما قال تماما . لكنه يريد أن يعاقبها بعد . زفر بضيق ..عليه أن يتنازل عن كبرياءه لسعادة الجميع ويمكنه أن يمد عقابها بينه وبينها حتى يرى منها مايتمنى .
أومأ موافقا : وانى مجدرش اردك ولا ارد كلمتك واصل .انى هصوم تلت ايام
ابتسم تاج : بس اصل الكفارة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم . اذا ما تقدرش تصوم
فكر رفاعى لدقيقة قبل أن يقول : أطعم يا ابو ريان واصوم كمان لاچل اتأدب ماكانش ينفع احلف على حاچة زى دى .
ابتسم تاج : يبقى نصوم سوا من بكرة واهو نشارك بعض فى الثواب
رفاعى : نصوم يا ابو ريان
ضحك تاج ف رفاعى أصبح حريصا على حدود الله أكثر مما ظن أنه سيفعل يوما وكم يسعده أن خابت ظنونه وربح رفاعى نفسا تهفو لطاعة الله والتزام حدود الله .
_________
تزامن وصول زينب مع وصول ريتاچ ليخفف حضورها كثيرا من جو التوتر الذى انتظره الجميع بحضور زينب .
دخلت زينب تتبع مهران وهى تنظر أرضا ليصيح طايع بسعادة لم تخف على قلبها : أما !!!
رفعت عينيها تنظر له ، لكم اشتاقت لقسماته الراضية . اسرع نحوها لتفتح ذراعيها تستقبله بلهفة ، اقترب يضمها بسعادة هامسا : كنت متأكد انى مااهونش عليكى ولا ولدى يهون عليكى .
ربتت على كتفه : ربنا يبارك لك فيه يا ولدى .
ابتسم مهران بسعادة لسعادة أخيه وتقدم بلا حرج : روااان
اقبلت تحمل إياد تعنفه : وبعدين معاك يا مهران قلت لك صوتك عالى اوى هيفزع الولد .
نظر لها بغيظ : اديه لامه ياختى وچهزى لى الوكل .
نظرت له بإمتعاض لتتجاهل وجود زينب وتعود للداخل حاملة الصغير ، وضعته بين ذراعى ليال وهى تقول : هروح يا حبيبي اعمل لعمك ياكل احسن ياكلنا .
ضحك الجميع لتذمرها الواضح وفى اللحظة التالية ساد التوتر فور ظهور زينب التى تقف بالباب وتلقى السلام بتردد
اسرعت غالية نحوها : اهلا يا زينب كدة تغيبى علينا ؟ مش عارفة انك بتوحشينى ولا ايه ؟
طرقات عالية أرغمت مهران على سرعة التحرك قبل أن يتعرض للتعنيف مرة أخرى فتح الباب لتصرخ ريتاچ : واحشنى يا كبير .
اتسعت عينيه سعادة لرؤيتها وهو يسكنها بين ذراعيه بلهفة ، رفعها عن الأرض بمشاكسة اعتادتها منه لتهمس : ضلوعى يا مهران يخرب بيت اللى يزعلك يا شيخ .
ضحك مهران : اتوحشتك يا مچنونة .
وضعها أرضاً وهو ينظر خارجا دون أن يبعدها : انت چاية لحالك ولا إيه ؟
ربتت على صدره هامسة : لا طبعا أنا والمجنون بتاعى بس راح الحسين يودى العجل ..ريان هيقابله ويجو سوا .
تلفتت حولها وهى تدفعه عنها ؛ وسع وانت قطعت المية والنور ..خلينى اشوف قلب عمته .
رأت طايع يقترب منها لتقول بحدة مصطنعة : لا هو انت واخوك عليا ولا ايه ؟
نظر لها بتعجب لتستغل الفرصة وتهرول نحو غرفة النوم حيث دخلت كعاصفة هوجاء دون أن تتحدث ، رأت الصغير بين ذراعى ليال لتخطفه وتنهال عليه تقبيلا .
ضحكت غالية : بالراحة يابنتى هتاكلى الواد !!
ضمته لصدرها : معلش يا عمتى مشتاقة بقا ههههه
اسرعت تقبل عمتها لتقول بتفاجؤ : والست ماما كمان هنا ههههه
قبلت امها ايضا لتتجه نحو ليال : ماتخافيش اخوكى وصل سليم ماكلتوش فى السكة ههههه
اخيرا اتجهت نحو ليليان التى تنظر لسعادتها بسعادة : حمد الله على السلامة يا مرات اخويا يا غالية يا بنت عمتى الغالية ههههه
فتحت ضحكات ريتاچ قلوب الجميع ليتسلل إليها بعض الراحة بعد التوتر الذى صحب دخول زينب التى جذبتها غالية لتجلسا فوق الأريكة فى محاولة لدمجها مع الحضور .
دخل طايع ليمسك ريتاچ من مؤخرة ملابسها كاللصوص : تصدجى انى غلطان انى بعبرك وكنت هسلم عليكى . هاتى ولدى شيلاه ليه ؟
ضمت الصغير لصدرها وهى ترتفع أقصى استطاعتها لتصل لوجه أخيها الذى رفع رأسه من باب المشاغبة لتقول : إيه ده ضلفة باب ؟؟ حرام عليكم والله
نظرت لأمها بنظرة لأئمة : الحق عليكى يا ست ماما مش تجبينا في نفس المستوى ؟؟ عاجبك الشحططة دى ؟؟
قطب طايع جبينه : ضلفة باب !!!
نظرت خلفه : محدش غيرك هينصفنى .
نظر خلفه وهو يظن أن والده بالباب لتستغل لفتته تلك وتهرول بشكل اضحك الجميع نحو الفراش بجوار ليليان وهى لازالت متمسكة بالصغير لتقول برجاء : خبينى يا لى لى جوزك هياكلنى .
ضرب طايع كفيه ببعضهما وهو يتجه للخارج ليوقفه صوت شقيقته : طايع .
نظر لها بحدة لتقول : وحشتنى يا غالى .
ثم نظرت ل ليليان : هو الواد ده نايم ليه ؟ محدش قاله انى جاية ولا ايه ؟
ضحك طايع وقد اكتملت سعادته بوجود هذه المشاغبة المجنونة والتى ساهمت دون أن تشعر بتحرر القلوب من كل المشاعر السلبية .
ظلت زينب تراقب الصغير عن بعد دون أن تخفى عينيها لهفتها له وهو ينتقل من بين ذراعى هذا لبين ئراعى ذا .تتمنى أن تحمله وتقربه من صدرها عله يشعر أنها لا تكرهه . ولا ترفض طبيعته هى فقط لم تفهمها بعد .
لاحظت تجنب روان لها بشكل واضح . رحبت بها ثم ابتعدت عنها تماما وتظاهرت بالانشغال بأى شئ قد يمنع الحوار بينهما .
اخيرا حانت اللحظة التي تمنتها منذ دخلت للمنزل حين اقبلت ابنتها تحمل الصغير : ماتروح لستك يا اخى ولا هى مالهاش نصيب .
وضعته بلا تردد بين ذراعيها لتبتسم زينب رغم شعورها بالتوجس . تعلقت بها الأعين فى مراقبة واضحة لرد فعلها لذا حرصت أن تكون طبيعية وهى تقول : ربنا يبارك فيك لابوك .
ضمته ليرى الجميع أنها لا تتقبله حتى الأن ، أشارت روان ل ليال برأسها فهى لا تريد صداما مع زوجة عمها وام زوجها ، تفهمت ليال إشارتها لتقارب من زينب : معلش يا عمتى هاخده منك بس اطمن على الحفاضة احسن ماغيرش من بدرى .
ابتسمت زينب ولم تعترض على ابتعاده عنها ، بقدر ما تمنت أن تضمه بقدر ما ارتعش قلبها لضمته تلك ودون أن تفكر أسلمت نفسها لمجرى الأمور فهى لم تفهم سبب رعشة قلبها تلك .
كان وصول ضاحى وريان فرصة أخرى للتجاهل فقد بدأت النساء يقدمن الطعام وانشعل الرجال بالتخطيط لذبح العقيقة والهدية التى جاء بها ضاحى فقد أصر طايع أن تكون عقيقة ولده من ماله الخاص واعتبر ما زاد رزق للفقراء والمساكين جعله الله سببا له ليس إلا .
_______
مر اليوم بسلام ودون صدامات بين زينب واى منهم لكن حين عادت للمنزل وجدت جفاء زوجها لم يزل . لازال غاضبا منها .
تنهدت حين أولاها ظهره ليغفو أو ليبتعد عنها ، له الحق في الغضب منها .
هى نفسها غاضبة من نفسها ولا تدرى السبب .
______
كان يوم الذبح شاقا خاصة مع إصرارهم على توليه دون مساعدة ، رفضت ليليان التوجه إلى الحسين متعللة بمشقة التنقل رغم أنها تعلم أن زوجها لن يشعرها بأى مشقة وتقبل هو رفضها هذا بهدوء فهو يعلم أن عليها التوجه لمنزل والديه ولا يزال يشعر أن امه لا تتقبل الصغير بشكل كامل .
غاب الرجال ليومين طيلة النهار الأول للذبح والثانى لتوزيع العقيقة على المحتاجين واعطى غيابهم هذا فرصة ل ليليان لتعمل على عنايتها الشخصية التي تشعر أنها اهملتها من فترة ليست قصيرة ، ساعد وجود روان التى رفضت أيضا تركها حصولها على وقت كاف ف روان تعنى بالصغير وبالاطفال دون تذمر .
انتهى اليوم ليأتى موعد سفر ريتاچ وزوجها الذى ساهم وجوده بشكل كبير على إضفاء أجواء مرحة على الجميع .
تفقد والدته في عجالة فهو يريد أن يحتفظ بتقبلها صغيره دون أن يعكر قلبه بجدال اخر معها وانتظر الجميع أسفل المنزل .
هبطت ريتاچ اولا ليبتسم لها : ماتعرفيش وجودك فرق قد ايه معايا .ربنا مايحرمنى منك ابدا .
اقتربت تضمه بحب : ولا يحرمنى منكم يا طايع انت عارف لولا سايبة الولاد مع سما كنت قعدت معاكم شوية .
ربت على رأسها بمحبة : احنا نيجى لك على عنينا يا قلب اخوكى .
رفعت إصبعها بتحذير : خد بالك من مراتك وولادك وماتشغلش بالك بأى حاجة تانية . كل حاجة مع الوقت بتتغير المهم تتغير وانت حبايبك فى حضنك وتحت عينك .
قبل رأسها ليأتيه صوت ضاحى : ماخلااااص يا عم طايع . سايج فيها ونازل حب في مرتى جدامى .
جاوبه مهران بلكمة فى صدره : انت هتحرمنا من اختنا ولا ايه ؟
فرك ضاحى كتفه بتذمر : بالراحة يا عم .
دفع ريتاچ نحوه : خدها اهه دى مچنونة .
رفع مهران حاجبية بحدة وهو يجذب شقيقته نحو صدره : انت كد كلمتك دى . طب يمين ...
كمم ضاحى فمه فورا : يمين على يمينك ماتبيت غير فى دارى .
ضحك طايع بينما دفع مهران كف ضاحى عن فمه محذرا : ضاحى خيتى أمانة عنديك يوم ما جلبك يضيج بيها احنا جلوبنا تساعها اوعاك تكسر خاطرها جدام حد مرة تانية .
تعلقت بجلبابه بسعادة . لكم شعرت بالفخر !! تعلم أن زوجها يمازحها .
مزاحه حتى لم يشعرها بالحرج ، لكنه أخيها الذى كان وسيظل دائما درع حمايتها . مرغت أنفها بصدره تتشبع من رائحته بينما قال ضاحى : بضحك معاك يا واد عمى .
عاد مهران يحذره : مش كل حاچة تضحك فيها يا واد عمى .
اقترب ضاحى يقبل رأس مهران : حجك على يا خوى
تسلل ذراعه يحيط زوجته ويجذبها نحوه هامسا بضجر : انت لزجتى ولا ايه ؟
_______
اسرعت الأيام واتم إياد شهرين من عمره . كان طفلا هادئا مريحا يسهل التعامل معه . قليل البكاء دائم التبسم .
ساعدت روان ليليان فى العناية به بشكل كامل ، بل كان الصغير بصحبة روان أكثر من صحبة أمه وأبيه الذى ينزعج من ذلك بعض الشئ لكن يتغاضى عنه لأجل ابنة عمه .
منزل مهران وهو يتسطح بالفراش بينما هى جالسة والصغير يغفو فوق قلبها مباشرة .
نظر لها بألم لكم يدعو الله أن يرزقهما الذرية مرة أخرى ، يرى ألمها حين يتساءل ابنه عن سبب عدم حصوله على اخوه . خاصة منذ أعلنت ليال عن حملها منذ أيام وأصبح سؤال ولده سؤالا يوميا يعلم أنه يجرح قلبها .
تنهد لتنظر له : مالك يا مهران ؟
ابتسم وهو يجلس : ولا حاچة يا جلب مهران .
أطال النظر لها : انت مرتاحة إكدة؟؟ نفسك مابيضيجش من نومة إياد إكدة؟
ابتسمت : نفسى يضيق !! ده انا باخد نفسى لما اشوفه كل يوم الصبح .
اخفض عينيه بألم يرفض إعلانه لتتابع : تعرف يا مهران ؟
نظر لها لتقول : أنا بقيت راضية بقسمة ربنا . مابقتش اخاف تتجوز عليا علشان تخلف تانى . قلبى رضى بنصيبى .
اقترب منها بلهفة : جصدك إيه يا روان ؟
رفعت عينيها لعينيه لتبتسم : قصدى انى بحمد ربنا عليك . انت استحملتنى كتير اوى . أنا كنت بغير من حبى ليك . لكن لما سبت كل حاجة علشان بس تقربنى من إياد قبل حتى ما يتولد عرفت انى كنت ظلماك . ظالمة حبك ومستقلية بيه . حبك اللى خلا قلبك شاف قلبى بيتمنى ايه ويحققه من غير ما اتكلم . حبك اللى رضى بجنانى وغيرتى واستحملنى . حبك كبير اوى يا مهران اكبر من انى اجرحه واشك فيه .
زاد قربا حتى تنفس أنفاسها هامسا : اخيرا يا روان صدجتى إن حبك اهم من حياتى كلها .
اخفضت عينيها خجلا : حقك عليا يا مهران .
ابتعد قليلا : لا انى ماينفعنيش الحديت ده .
نظرت له ليتابع : نزلى إياد لامه وتعالى راضينى بذمة . هتضحكى على ولا ايه؟
همست بخجل : انت مش هتروح المحل ؟
زفر مهران: محل ايه دلوك ؟
ابتسمت وهي تتحرك للخارج : هنيمه فى اوضة خالد هو هادى .
____
يراقبها منذ عدة أيام لا تبدو له بخير ، هو يحفظ عن ظهر قلب كل سكناتها .كل تعبير من قسماتها الغالية . لا يمكنه أن يخطئ الألم بملامحها مطلقا .
وضعت طبق الفاكهة أمامه بإبتسامة مرضية لترى أن وجهه يعبر عن ضيق صدره .
جلست بجواره متسائلة : مالك يا تاج ؟؟
نظر لها بحدة وقال بصراحة : زعلان منك يا غالية
تجهم وجهها حزنا وهى تشير لصدرها بفزع : زعلان مني يا تاج ؟؟ انا عملت ايه ؟؟
لم تتغير ملامحه وهو يقول بنفس الحدة : غالية ماتضحكيش عليا انت تعبانة !! قلت لك كام مرة نعمل فحوصات نطمن انت منشفة دماغك .
زفرت بضيق : يا تاج انا مابحبش الدكاترة ..مابحبش اتكشف على حد غريب .
زاد تجهم وجهه واحتدت نبرته : غالية بلاش تعسف وتعصب مالوش داعى .. إلا صحتك !!! ومفيش حاجة اسمها بحب ومابحبش إحنا مضطرين مش هقعد اتفرج عليكى وانت دبلانة كدة ؟؟
أسندت رأسها للأريكة : حاضر يا تاج هروح للدكتور بس انت ماتزعلش منى .
مسد كفه وجنتها بدفء : غالية انت دلوقتى كل دنيتى .ولادنا بقا ليهم حياتهم ..وانا طلعت معاش ..خلاص مابقاش فى حياتنا غير بعض .انا وانت سند بعض اليومين اللى فاضلين لينا فى الدنيا .
أسرعت تختبأ بصدره رافضة تلك الأفكار فلا قبل لها بمواجهة فكرة فقده .
#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى
السابع عشر
دخل ريان من باب غرفته وكانت تقف بردءها المهلك تصفف شعرها ، خفق قلبه لرؤيتها ؛ إنه حلم مراهقته الوحيد ..تحقق مرارا ولا يمل من تكرار تحقيقه .
اقترب يضمها هامسا : حلم حياتى .
ابتسمت له ليتابع : اول مرة شوفتك كدة فى الحلم .كرهت الحلم وكرهت نفسى .
قطبت جبينها بدلال : كرهت الحلم علشان شوفتنى فيه !!؟
التف ليحجب انعكاسها فتراه فى عينيه وهو يقول : كنت خايف لانه مش من حقى .ماكنتش فاهم إنها إشارة علشان ألحق نصيبى قبل ما يروح منى .
تعلقت برقبته : والحلم ده اتكرر كتير ؟
اتسعت ابتسامته : كتيييير اوى
قبل وجنتها بحنان: فهمته ...
وتحرك وجهه للجهة الأخرى : وحققته ...
دقق النظر لعينيها : ولسه بيتكرر كان وهيفضل اجمل حلم اتمنى اعيش عمرى احققه .
لطالما كان حنونا رقيقا وهو يحدثها عن حلمه ذا لكنه الليلة فاقت رقته كل ما عاشته معه مسبقاً ، تمنت أن يطول الوقت ويظل الليل مرخيا ستائره عليها وهى تنعم بدفئه لعلها تتشبع منه . لكنها لم تكتف منه قبلا ولا تظن أنها ستفعل يوما ما ستظل للأبد ترتعد بردا حتى تعود كل ليلة لدفء صدره .
كان متطلبا بلهفة تسعدها ولم تمانع في تقديم المزيد من فتنتها التى تزيد تأجج أشواقه بدلا من إخمادها .
أفاق من ثمالة النشوة على رنين الهاتف الذى نفضه فزعا بمعنى الكلمة .نظرت لعينيه تدوران بمحجريهما وملامحه التى يحتلها الفزع لتعرف أن كارثة ما نزلت بأحدهم . تمتم بكلمات تنم عن سرعة نجدة محدثه ليلقى الهاتف من يده ويغمض عينيه بألم . تساءلت فى فزع : فى ايه يا ريان ؟ مين كان بيتصل ؟
انتفض عن الفراش وكأن اللحظة التي يتمالك فيها نفسه ليست متاحة فى هذا الوقت .
_________
استيقظ تاج لقيام الليل واوقظ زوجته .رآها تتحرك بضعف ليتساءل بلهفة : مالك يا غالية ؟
ابتسمت له : ولا حاجة أنا كويسة الحمدلله.
انكر إنكارها فورا : كويسة ازاى؟ وشك اصفر اوى !!!
وصلت لباب المرحاض لتقول : حبيبى أنا كويسة ماتقلقش بس قوم اتوضا بسرعة علشان تصلى بيا .
أغلقت الباب وتركت الظنون تتاكل قلبه ؛ إنها ليست بخير . يرى ذلك بوضوح ..سيخصعها للفحص الطبي ولن يلتفت لرفضها هذه المرة .
توجه للمرحاض الخارجى وحين عاد كانت بانتظاره مستعدة للصلاة .صلى ركعتين ليلتفت لها : كفاية يا غالية قومى ارتاحى وهصحيكى قبل ما انزل .
نظرت له بتشوش ، كانت تشعر ببعض الخمول الذى تحول لدوار بدأ يسيطر على كافة إدراكها دون أن تحاول مقاومته .حتى رأت الفزع بعينيه .
كل هذا الفزع وهو يظن أنها ليست بخير . فكيف سيكون حاله إن فقدها !!
اومأت بطاعة : أنا فعلا دايخة شوية هرتاح وابقى كويسة .
قدمت له إقرارا لن يصدقه بالطبع ثم توجهت للفراش وهى تجاهد لتبدو له بحال افضل . زفر بضيق وهو يرى ما تحاول أن تخفيه من ضعف .
ثلاث خطوات فقط قبل أن تفقد المقاومة وتسقط أمام عينيه .
لم يعى كيف اصبح رأسها مستقرا فوق صدره !! هو فقط وجد نفسه يضمها بفزع ويضرب وجنتيها برفق لافظا اسمها بكل ما يعتمل بقلبه من فزع ولوعة.
مرت الدقائق دون استجابة منها لأى من محاولاته ليحتله الرعب . تسللت دموعه تعبر عن فزعه ثم تتوارى بين شعيرات لحيته فتلك الانامل التي كانت تتلهف لالتقاطها ليست هنا .
احاطها بذراعيه وقد سيطرت عليه صدمته : غالية !! غالية ردى عليا ماتعمليش فيا كده .
هزها برفق : غالية فتحى عنيكى ..غاااالية
زاد ضمها لصدره وهو يهز رأسه رافضا قبل أن يرفعه للسماء : ياااارب ، ماتحرمنيش منها يارب
حملها ليترنح بجسدها حتى وضعها بالفراش ليرى هاتفه فوق الكمود و يلتقطه فورا يهاتف ولده لنجدته وما إن سمع صوت إجابته حتى ترك صدمته تعبر عن حاله : رياان الحقنى غالية وقعت .. وقعت مابتردش ومابتفوقش .. الحقنى يا ريااان
ألقى الهاتف من يده ليقترب بوجهه من وجهها ، شعر بأنفاسها الضعيفة تتلمس ملامحه ليغمض عينيه ويجذبها لصدره هامسا : الحمدلله.. الحمدلله . ماتخافيش ربنا أرحم من إنه يحرمنى منك .
رفع عينيه للسماء مناجيا ربه : يااارب انت عالم بقلبى ووجعى ..يارب زيح عنها وعافيها بكرمك وفضلك .
أغمض عينيه مخفيها بين طيات ضلوعه ولسانه لا يتوقف عن الاستنجاد بالله .
وصل ريان لمنزل والديه فى غضون عشر دقائق ولأول مرة بحياته يقتحم غرفة والديه ليجد تاج يجلس بالفراش ضامما جذعها إليه ولا يزال تحت تأثير الصدمة .
اقترب مسرعا وما إن لمس ذراعها حتى شعر بأبيه يضمها إليه أكثر ، نظر له ليقول برجاء : بابا خلينى أودى ماما المستشفى .
نظر له ليشعر ببعض الطمأنينة ويتخلى عن جسدها ببطء ليسحبها ريان من بين ذراعيه ويحملها فورا نحو الخارج . وقف تاج مسرعا فور أن غادر ريان الغرفة . غالب قلبه ليتمكن من اللحاق بها .
هو لم يتخل عنها سابقا ولن يفعل ما دامت أنفاسه تلك تعود لصدره ذا .
____
يقفا منذ نصف ساعة تقريباً في رواق المشفى ولم ينته الأطباء من فحصها بعد..اخيرا اقبل عليهما أحد الأطباء ليهرعا إليه .ابتسم فى محاولة منه لتخفيف الفزع الواضح على وجهيهما وهو يقول بهدوء : الحمدلله هى بخير،ساعة إن شاء الله وتقدروا تشوفوها . هى عندها سكر من زمان ؟
تساءل ببساطة ليجيب تاج بفزع : معندهاش .لا معندهاش سكر . معندهاش.
تعجب الطبيب واحتفظ بتساؤلاته التى هم بطرحها وقال : هى جالها غيبوبة لأن السكر واطى والضغط كمان .
رفع كفه فوق رأسه كمن تلقى للتو ضربة أفقدته التركيز بينما تساءل ريان : طيب نعمل ايه دلوقتي؟
الطبيب : شوفوا دكتور كويس تتابع معاه يتأكد إن السكر ده حالة عارضة ولا مرض مزمن وفي كل الأحوال مفيش قلق السكر مرض تعايش ومن باب الاحتياط خدوا بالكم من اكلها اكتر .
شكره ريان لينصرف بينما تحرك تاج مبتعدا بخطوات بطيئة منهكة عن الغرفة ليسأله ريان : رايح فين يا بابا ؟
يجيب تاج دون أن ينظر له : هاصلى .عاوز اصلى .
وقف ريان متحيرا لوهلة قبل أن يتبع أبيه فأمه لن تشعر بوجوده قبل ساعة .
_______
حين عاد من صلاته طلب من الممرضة أن يكون بجوارها ولم تجد بأسا من هذا فالطبيب لم يمنع زيارتها ، دخل لينظر لوجهها الشاحب وانفاسها البطيئة ، اقترب من فراشها مبتسم الشفتين دامع العينين .يحاول أن يسيطر على أنفاسه التى تزيد تشوش الرؤية وتملأ عينيه بغيامات الدموع .
اسرع ريان وقرب المقعد من الفراش ،شعر به وشكره فى نفسه لكن لم يحد بعينيه عنها ، جلس ليمد ذراعه ويلتقط كفها الذى اتصلت به إبرة تمدها بالدواء .فرك ظهر كفها بإبهامه ليشعر ببرودة أطرافها .
نهض ليخلع العباءة التى تصر هى أن يتلحف بها في صلاة الفجر خوفا عليه ،وضعها فوقها وجمع أطرافها عليها يدثرها بعناية بينما يقف ريان يراقبه بصمت .عاد يجلس ويمد كفه تحت طرف عباءته يمسك كفها كأنه يطمئن لحصولها على الدفء الذى تحتاج إليه .
مرت ساعة كاملة قبل أن يلتفت لولده متسائلا : غالية مابتصحاش ليه ؟ مش قال هتفوق بعد ساعة !!!
اقترب تاج يتلمس وجه أمه بحنان : مش عارف يا بابا اروح انادى الدكتور!؟
وقف تاج ليميل بجذعه مقبلا جبينها بحب : غالية كفاية كده فتحى عنيكى.
لم تستجب ليضرب وجنتها بخفة : غالية !!
قطبت جبينها ليمسك ريان كتف والده : استنى يا بابا .
نظر له تاج وثار قلبه رفضا للانتظار فعاد ينطق اسمها بلهفة ممتزجة بحدة زائفة : غالية !!
فتحت عينيها بتثاقل : ااه .فى ايه يا تاج ؟
عاد جفنيها للارتخاء ليقول بفزع : لا يا غالية اصحى .
ظهر النفور على ملامحها وشعرا أنها تجاهد بالفعل لتبقى عينيها مفتوحتين وهي تهمس : عاوزة انام يا تاج .
ربت ريان على كتف أبيه : خليها تنام يا بابا اكيد مجهدة
نظر له بقلق ورفض واضح لكنها أغمضت عينيها بالفعل وعادت أنفاسها للانتظام ، زفر بضيق بينما قال ريان : أنا هروح أسأل الدكتور
أومأ دون إجابة ليغادر ريان بينما التف حول الفراش ليرتقيه ممددا بدنه المتعب بجوارها ، رفع جذعها العلوى ليستقر ذراعه أسفلها وعينيه متعلقة بوجهها حتى أتت رحمة الله على شكل غفوة اغرقته بين أمواج من راحة لحظية يحتاج لها بشدة .
____
غادر ريان الغرفة نحو غرفة الطبيب الذى أخبره أن شعورها بالاعياء وزيادة رغبتها في النوم لا يشكل اى مصدر للقلق فقط تحتاج للمزيد من الراحة وهذا جيد فسينتج عنه المزيد من التحسن .
عاد ريان للغرفة بعد أن هاتف زوجته وطمأنها على تحسن والدته .فتح الباب بهدوء ليجد والده قد استقر بجوارها وغلبته غفوته بالفعل ، ابتسم واغلق الباب مرة أخرى بهدوء ليستقر فوق اقرب مقعد .
_____
شعر بها تتحرك ليفتح عينيه فورا : مالك يا غالية؟
همست بضعف : عاوزة اروح الحمام .بس مش قادرة اقوم .
تحرك فورا ليخلع الإبرة الموصولة بذراعها بينما بدأت عينيها ترسل إشارات الإدراك لعقلها لتتساءل : إحنا فين ؟
زفر تاج بتوتر : فى المستشفى . انت تعبتى ونقلناك هنا .
نظرت له بتعجب وقطبت جبينها فى محاولة لتذكر ماحدث لكنه رفع الغطاء عنها ليقول : اسندى عليا وقومى .
اومأت وهى تنفذ ما املاه عليها لتتحرك معه ببطء نحو المرحاض ، لم تخجل من مساعدته ولم يتذمر من مساعدتها حتى أعادها للفراش وسطحها ليبتسم براحة متسائلا : الحمدلله . مرتاحة حبيبتي؟
ابتسمت بشحوب ليسحب كفه فتتعلق به : رايح فين ؟
لم يبتعد بل جلس فوق المقعد : كنت هشوف ريان راح فين . بس هقعد جمبك واطلبه احسن .
_____
اغمض ريان عينيه بإرهاق بعد أن اطمئن قلبه تجاه والدته . مجرد أزمة صحية واردة في عمرها الذى شارف على الستين .
لم يشعر بالوقت حتى علا رنين الهاتف ليعيده للواقع ، توجه فورا للغرفة ليدخل بهدوء ، ابتسم حين طالعته عينى امه : الف سلامة يا قمر .كدة بردو تخضينا .
ابتسمت غالية : تعبناك يا ريان
قطب جبينه بمبالغة واضحة : تعبتينى !!! مرمطينى حضرتك بس ماتتعبيش انت ولا تتوجعى .
اتسعت ابتسامتها لتصل لعينيها فتصمت وهلة ثم تتساءل : اوعوا تكونوا قلتوا ل لى لى !!!
ربت تاج على كفها الذى يرتخى بأمان بين كفيه ولم يجب بينما قال ريان : أنا هروح للدكتور يجى يطمنا .
بالفعل لم يستمر بقاء غالية بالمشفى وعادت للمنزل وعندها خابر ريان شقيقته ليخبرها أن أمها تمر بوعكة صحية عابرة .
______
هبطت ليليان الدرج بسرعة لتطرق باب روان الذى فتحه خالد فورا ، اقبلت عليها روان متعجبة فقد تركتها منذ ساعة واحدة : فى ايه يا لى لى ؟ إياد تعبان ؟؟
ليليان : لا يا روان دى ماما وانا لازم اروح اشوفها .
اسرعت روان بلا تفكير تحمل الصغير عن ذراعيها : روحى وانا لما تيجى ابقى اروح ..الجو وحش على إياد
اومأت ليليان : أنا كلمت طايع وزمانه على وصول .
دق هاتفها لتنظر له : طايع جه أنا هاخد البنات .
اسرع خالد : خالتو خلى بسمة تلعب معايا
واسرعت الصغيرة تتخذ جانبه : ايوه يا ماما أنا عاوزة العب مع خالد
لم تكن ليليان فى حالة تسمح بالمعارضة لتقول : طيب بس اسمعى كلام خالتو وماتتعبيهاش .
اومأت الصغيرة بطاعة لتتعلق نسمة بكفها وتنطلقان خارجا فتقول روان : ابقى طمنينى على عمتى .
_____
توجه نحو الباب يفتحه لتقتحمه ليليان : مالها ماما ؟؟ تعبت أمته وحصل ايه ؟ ازاى محدش يقولى ؟
لحق بها طايع ليهز كتفيه ويضحك بينما يقول تاج : خدى نفسك يا بنتى ...
قطبت جبينها وهى تتجه لغرفة والدتها وتدخل مسرعة ، اعتدلت غالية فور رؤيتها ورؤية الفزع مسيطر عليها : أنا كويسة يا حبيبتي ماتخافيش .
تفهم طايع من تاج وضع غالية الصحى وايد فكرة تاج بمتابعة طبية جيدة حتى تستقر الحالة أيا كان سبب تلك الغيبوبة فهى انذار ليس بجيد .
_____
وصل مهران لمنزله فقد أخبرته زوجته بما ألم بعمته فقرر صحبتها لتفقدها ، دخل ليستقبله الصغيرين كانا يلعبان لعبة تجميع الصور ويتحديان بعضهما كالعادة .عادا للعبتهما ليتوجه هو للغرفة .
دخل بهدوء ليقف مكانه بلا حركة يتابع هذا المشهد الذى اشتاقه بالفعل ، فى الماضى كان يتذمر حين يعود فيجد حبيبته تغفو وصغيره ينام فوق قلبها مباشرة ، لم يكن يتخيل أنه سيشتاق هذا المشهد يوما ما .
اقترب منهما وكانا يغطان فى نوم عميق بالفعل هى تستلقى على ظهرها واياد فوق صدرها تحيطه بذراعيها .
ابتسم وتلمس شعيرات إياد الحريرية لتصل أنامله لكفها فوق ظهر الصغير .
داعب كفها بأنامله الخشنة ، تنبهت لوجوده وفتحت عينيها بتكاسل ليقول بمشاغبة اعتادها سابقا وتعمدها فى هذه اللحظة : وماله هياخدك منى سى إياد !!!
ابتسمت لنفس الذكرى الذى يشير إليها : يوووه يا مهران مفيش فايدة مابتتغيرش .
جلس بالقرب منها حين بدأت تضع الصغير بالفراش ليقول : اتغير كيف يعنى !؟ بغار وانى اكده مابتغيرش .عاچبك و...
وضعت كفها فوق فمه تمنع استرسال الحوار : عاچبنى يا واد عمى
لانت ملامحه وشعرت بشفتيه تطبعان برقة على باطن كفها بينما امتدت ذراعيه تقربها منه ليستنشق رائحتها ويبقى عليها داخل صدره لدقيقة قبل أن يهمس بحنان : بحبك يا بت عمى حب معرفتوش الجلوب ولا هتعرفه
______
هاتفته أكثر من مرة تطلب منه العودة للمنزل حتى بدأت الشكوك تنهش كيانه . هو لم يتأخر عن موعد رجوعه وهو بوجود جلسة بمنزل هيبة مع بعض كبراء العائلات لبحث موضوع السرقات الذى عاد للتزايد مرة أخرى لكن هذه المرة الضحايا من أغنى البيوت والمفترض أنها تحت الحراسة وهذا يعنى تحديا سافرا وجرأة لا يجب أن يستهان بها من قبل هؤلاء المجرمين .
تفقد هاتفه للمرة المائة ليميل عليه ضاحى متسائلا : فى حاچة يا واد عمى!!
تنحنح بخفوت : لاه ولا حاچة .
قطع تهامسهما صوت هيبة : انى شايف الاتفاج مع الحكومة اسلم حل . المطاريد مرتاحين إن إحنا فى چيهه والحكومة فى چيهة وهم محدش هيطولهم طول ما إحنا بنخبى على الحكومة كل اللى نعرفه .
تحدث أحد الرجال تظهر الهيبة على ملامحه والثراء على ملابسه : بدك تعمل كيه بوك الله يرحمه
نظر له هيبة : محدش ينكر يا حچ زيدان إن اللى عمله بوى ريح النچع من المطاريد وبلاويهم سنين وماطلعوش من چحورهم غير بعديه الله يرحمه.
هز زيدان رأسه بتفهم : انى واعى لحديتك ومجصديش اعارضه بالعكس انى موافج عليه احنا ناخدوا حجنا منيهم يوم ما النچع يخلص منيهم خالص والچبل ده ينضف .
يبدو أن هذا الرأي الذى يحض على إعمال العقل ليس جماعيا لتبدأ الهمهمات تعلو ويظهر صوت حجاج مرة أخرى : يبجى نجعد فى بيوتنا كيه الحريم ونستنوا الحكومة تچيب حجنا !!! وهى الحكومة هترچع البهايم اللى راحت !!؟ ولا هترچع المحاصيل اللى اتنهبت !!؟
نظر له أغلب الحضور بضيق واضح ليقول زيدان : طاوعناك يا واد صخر جبل سابج وطلعت الچبل جدرت ترچع حاچة من اللى اتنهبت !!؟
وتابع هيبة : إحنا دلوك مابندورش على اللى راح يا حچاچ .اللى راح ماهيرچعش احنا بندور نجطع دابر المطاريد من اهنه واصل .
تحدث رفيع بضجر لطول إنعقاد تلك الجلسة هذه الليلة : يبجى نچمع كل اللى نعرفه ونبلغ بيه الحكومة بس يبجى حد مضمون يعرف يدك الچبل على روسهم ونخلص من الموضوع ده خالص .
استحسن أغلب الحضور هذا الرأى لتنفض الجلسة اخيرا على أن يتقدم كل من لديه معلومات بشكل سرى إلى كبير عائلته وهذا لبث الطمأنينة فى نفوس الضعفاء من أهل النجع ثم يجتمع الكبراء مرة أخرى لدراسة تلك المعلومات قبل التبليغ بها .
اخيرا انطلق إلى منزله يخشى أن يكون ألم بها سوءا أو بصغيريه .دخل ليقابله سليم : بوى چبت لى حاچة حلوة ؟
ربت على رأسه : بكرة اچيب لك .
انطلق الصغير ليستقر مرة أخرى فوق ساق جدته شريفة ليتقدم رفيع ويقبل رأسها : جاعدة لحالك ليه يا اما ؟
تأففت شريفة : حسنات عچرت بجت تنام من المغرب
ليس هذا ما يريد سماعه لكن لا بأس فقال بخفوت : حكم السن الله يعافيها . ورنوة نامت بردك ؟
يعلم أنها لا تغفو قبل أن تطمئن لعودته لكنه يستشف الأخبار من والدته التى قالت : تلاجيها صاحية بس سويلم زمانه نعس من كتر اللعب طول النهار .
تحرك نحو الدرج الداخلي : وانت يا سليم ..
ليقاطعه الصغير : هنام مع ستى .
عقب جملته بوضع رأسه فوق صدر جدته التى ابتسمت وضمته بحنان ، سليم هو الأقرب لقلب شريفة من احفادها جميعا . اولاد رحمة بعد المسافة يحول دون تقربها منهم وسويلم يفضل قرب حسنات وقرب أمه قبل الجميع .
صعد لشقته ليفتح الباب بقلب خافق يقابله هدوء يألفه . تقدم فورا نحو غرفته . فتح الباب ونظر فورا إلى الركن الذى تجلس به عادة ليجدها كما توقع . اقترب منها مسرعا : كنا في الچلسة معرفتش ارد عليكى . انت زينة !
أغلقت حاسوبها النقال وقالت : زينة . بس فى حاجة مهمة ماكنتش قادرة اصبر لما ترجع .
وضع عباءته جانبا وجلس بجوارها : حاچة ايه ؟
ابتسمت وهي تقترب منه لتتعلق بذراعه وتضع رأسها فوق كتفه : حاجة كده صغغنة .
وضع كفه فوق كفها المتعلق بذراعه وقد أسرته بدلالها : حاچة إيه يا رنوة ؟ ماتشوجنيش !!
سمع صوت ضحكتها : لا ما انت هتشتاق أصلها مش هتيجى دلوقتي
لم يعد يفهم ما ترمى إليه ليرفع وجهها وينظر لها بحدة زائفة : وبعدهالك فى الشجاوة دى !!
تلك الضحكة الخجلة التى تثير قلبه ليرفرف بين ضلوعه مطالبا بالسكن بين ضلوعها كانت اخر ما يمكنه تحمله لتجد نفسها مرفوعة بين ذراعيه وهو يقول : شكلك بتلاوعى
ضحكت رنوة وقررت أن تصارحه فقالت بصراخ : يا مجنون نزلنى أنا حامل .
تسمر مكانه وشعرت بإستنفار كل خلاياه وتصلب بدنه الذى شد ذراعيه حولها بينما عينه بهما احساس اخر متناقض تماما مع الحدة التى يعبر عنها جسمه وتتقافز السعادة منهما مع استقرار كافة ملامحه الأخرى على الصدمة لتقول بدلال : رفييع
همهم رفيع وتساءل : انت جولتى ايه ؟؟
_______
جلس هيبة فى الصباح لتناول وجبة الإفطار بصحبة العائلة كالعادة وضعت النساء الطعام لتستقر الجلسة كل بجوار زوجها وأطفالها .
لحظات وانتفض الجميع على صراخ إحدى الفتيات العاملات بالمنزل : إلحجنا يا هيبة بيه .
هرولة من جميع الفتيات نحو المائدة ليتساءل هيبة بهدوء فأيا كان ما حدث ليس للعاملات ذنب فيه : حوصل ايه ؟
اخفضت وجهها ليقول هيبة : اتحدتى ماتخافيش .
تتمتم الفتاة : البهايم يا سعت البيه .
لم يفقد هيبة هدوءه : مالهم ؟
بكت الفتاة وقالت بنواح : روحنا نحلب لجينا البهايم كلها ميتة .
هب ضاحى وراجى منطلقين نحو الحظيرة بينما لم يعبر هيبة عن مصيبته سوى إختلاج عضلة فكه قبل أن يتبعهما
#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى
الثامن عشر
اندفع ضاحى وراجى داخل الحظيرة لتتسع اعينهما فزعا ، جلس راجى أرضا بينما رفع ضاحى كفه فوق رأسه من هول الخسارة التى تعرضوا لها لحظات ودخل هيبة ليغمض عينيه يخفى خلف ارتخاء جفنيه غضبه ووجعه وخسارته .
اهتاجت انفاس ضاحى وصرخ : مين اللى كان بيحرس الزريبة عشية ؟
تبادل العاملون النظرات ليصرخ ضاحى : انطجوا ..
تلعثم أحدهم : عت ..عتمان يا بيه بس محدش شافه .
قطب هيبة جبينه : يعنى ايه محدش شافه ؟ شت ولا چرى له حاچة ؟
علت الهمهمات التى فهم منها أن الجميع لا يعلم شيئا عن عتمان بينما أشار راجى نحو بقعة ما بطرف الزريبة الأبعد : ايه ده ؟؟ البهايم شكلها مسموم .الدم ده چه منين ؟
تطلع الجميع إلى إشارته ليهرول هيبة بذلك الاتجاه ، تبع قطرات الدماء لخلف كومة التبن حيث عثر على عتمان يسبح في دماءه .
انتفض هيبة نحوه مباشرة : عتماااان .
لم يجب عتمان.. بالطبع اسرع هيبة يتفحص رقبته ليزفر براحة : الحمدلله فيه الروح .
نظر لأخيه وصاح : هم يا ضاحى وهات العربية على باب الزريبة
تحرك ضاحى من فوره للخارج بينما اسرع راجى يساعد اخيه فى حمل جسد عتمان . تحركا للخارج ليصلهما عويل امرأة تسرع الخطى نحوهما : عتماااان چرى له ايه يا سعت البيه ؟؟
نظر لها هيبة لتقول : انى مرته يا سعت البيه .
تحرك هيبة نحو السيارة التى تقترب : ماتخافيش هنودوه المستشفى .
ربتت على صدرها برجاء : خدنى معاه يا سعت البيه .
نظر لها راجى بضيق بينما أشفق هيبة على لوعتها وخوفها وقال محذرا :تكتمى نفسك ماعاوزش عويل .
وضعت كفها فوق فمها تكمم صوت لوعتها ليضعاه بالسيارة ويقول هيبة : راچى خليك اهنه وبلغ الحكومة يشوفوا شغلهم .
وجلس بالمقعد الامامى تاركا مساحة من الخصوصية لتلك الزوجة المكلومة التى تجول كفيها بقسمات زوجها الهادئة تتلمس فيها بعضا منه .
________
جلست زبيدة وحولها النساء وكل منهن تتشبث بأطفالها بفزع ، لقد وصل المجرمون إلى منزلهم ولم يعد الوضع أمنا للأطفال .
بدلت زبيدة نظراتها بينهن : مالكم جاعدين كدة ليه ؟
نظرن لها لتقول سما : أنا معنديش حاجة مهمة النهاردة عاوزة اقعد مع الولاد .
وتقول هناء : أنا هجوم اروح الزريبة يمكن الرچالة يعوزو حاچة .
اتبعت قولها بالتحرك فهى بكل الأحوال ابنة هذا النجع ولا تخيفها مثل هذه الأمور .أما ريتاچ فقد نظرت ل زبيدة وقالت وهى تتشبث بأطفالها : أنا خايفة محدش يبص لى ولا يكلمنى ولا يحرك ولادى من جمبى .
تنهدت زبيدة هى تقدر مخاوفها لكن عليها تشجيعها فقالت : يابتى انت وولادك فى أمان ماتخافيش .
حركت رأسها رفضا بعنف وانهيار واضح : لا .لا أنا خايفة مش هتحرك من هنا إلا أما يرجع ضاحى .هو بس هيخلى باله منى .محدش هيقدر يجى جمبى وضاحى هنا .
بدأت دموعها تعبر عن شدة الفزع الذى تشعر به لتتساءل ابنتها مريم : مالك يا ماما .
اسرعت سما نحوها تضمها لصدرها فالجميع يعلم أنها تعود لتلك الليلة التى اختطفت فيها ولولا ضاحى وشباب العائلة ما كانت عادت إليهم مطلقاً طالما اعتقد الجميع أنها تجاوزت تلك الليلة خاصة مع نوبات جنونها المرح الذى يبعث الحياة فى المنزل لكن يبدو أنها لم تفعل .
_______
وقف ضاحى وهيبة بينما تجلس تلك الزوجة أرضا وقد غاب عتمان بغرفة الفحص منذ فترة . تقدم هيبة منها : اسمك ايه يا ست ؟
رفعت عينيها له : اسمى راضية يا سعت البيه .
أومأ هيبة : طب جومى ماتجعديش على الأرض اكده .
اطاعته بترقب وتحركت نحو أحد المقاعد فهى تخشى أن تغضبه فيحرمها من صحبة زوجها .
رأها تنظر له بترقب فعاد يتساءل : عندك عيال ؟
اومأت وهى تجيب : عندى حامد ورضا يابيه
قطب جبينه : رضا صبى ولا بنية ؟
أجابت وقد ألفت الحوار : صبى يا سعت البيه .
أومأ متفهما : ماشى يا ام حامد .ماتخافيش على الولد فى رجبتى لحد ما عتمان ربنا يعافيه .
ربتت على رأسها بإمتنان : ربنا يوسع رزجك يا بيه ويكفيك شر المصايب .
راقب ضاحى حوار أخيه مع تلك المرأة ، حقا أخيه ولد زعيما . لقد ألمت به مصيبة ليست بهينة فخسائره المادية هذا الصباح تتجاوز المائتى ألف ورغم ذلك ترك مصيبته تلك وهرع لنجدة الحارس بل ويحمل نفسه مسؤولية بيته حتى يكتب الله له الشفاء .
خرج أحد الأطباء لتهب المرأة بفزع . بدل نظراته بينهم ثم قال : دى جناية واحنا لازم نبلغ .
اسرع هيبة يقاطعه : بلغنا فى البلد يا دكتور والحكومة اكيد هياچوا يسألوا عتمان . المهم هو عامل ايه ؟
هز الطبيب رأسه بشئ من الراحة : هى الحالة مش كويسة ابدا . لولا البنية الجسدية القوية للمصاب كان مات من ساعة ما اتخبط .
تساءل ضاحى : حالته خطيرة جوى على اكده ؟
الطبيب : فعلا خطيرة .كسر فى الجمجمة وارتجاج فى المخ . هنعمل أشعة مقطعية خوفا من التجمعات الدموية والجلطات واهم حاجة هيدخل العناية ويتعمل له نقل دم لانه نزف كتير جدا واضح إن الإصابة من ساعات .
زفر هيبة بضيق : اعمله كل اللازم يا دكتور واللى مش موچود اهنه نعمله برة . المهم يجوم بالعافية .
أومأ الطبيب وتحرك عائدا للغرفة وفى لحظات كان يتبع الفراش الذى يحمل عتمان نحو غرفة العناية الفائقة .
_____
وصلت الشرطة لمنزل هيبة ليستقبلهم راجى الذى كان بانتظارهم . اقبل عليه الضابط المدعو حسن : خير يا جماعة
رحب به راجى : اهلا يا حضرة الضابط . صحينا من النوم على البهايم مسمومة
نظر له الضابط : وعرفت منين إنها مسمومة ؟؟مش يمكن ماتت لوحدها
ابتسم راجى بتهكم : هى ايه اللى ماتت لوحدها !! هى راس ولا تنين ؟دول خمسة وعشرين رأس غير العجول الصغيرة
دخل حسن إلى الحظيرة لتتسع عينيه من هول تلك المصيبة ، كل هذه البهائم النافقة فى يوم واحد !! خسارة فادحة بالفعل .وموت مدبر بلا شك .
التف ناظرا ل راجى : هو حضرتك هيبة صالح ؟
أشار راجى نفيا : انى خوه راچى .هيبة راح مع الغفير اللى اتصاب .
دقق حسن النظر إليه واقترب : كمان فى مصاب ؟ لا انت تحكى لى بالراحة وبالتفصيل .
______
جلس رفيع بصحبة زوجته التى قدمت له فنجان القهوة لتعلو طرقات فزعة .قطبت جبينها : سترك يارب حصل ايه ؟
نظر لها بحزم : ادخلى چوه
توجه للباب يفتحه ليهرع سويلم للداخل : الحج يا بوى .
انخفض لمستواه بينما اسرعت رنوة للخارج حين سمعت صوت ابنها الذى قال : مصيبة يا بوى بهايم عمى هيبة اتسمت والغفير انجتل .
امسك رفيع كتفيه : مين جالك يا سويلم ؟
أشار بكفه وهو يلهث : انى روحت شوفت الزريبة بعينى البهايم كلها نافجة والحكومة هناك دلوك .
هب واقفا لتضع عباءته فوق كتفيه : ابقى طمنى .
أومأ وهو يتجه للخارج بينما انخفضت لمستوى صغيرها تتساءل بحنان : انت خايف يا سويلم ؟
قطب جبينه بعدم فهم : اخاف من ايه ؟
ابتسمت وهي تربت على رأسه بحنان ، هذا الصغير يثبت لها كل يوم أنه ندا للحياة .
___________
وصل ضابط الشرطة إلى المشفى ليتوجه نحو غرفة العناية الفائقة حسب توجيهات استعلامات المشفى .
اقترب ليجد هيبة وضاحى يتهامسان وتجلس امرأة فوق المقاعد . تقدم متسائلا : مين منكم هيبة صالح ؟
نظر له هيبة : انى يا حضرة الضابط .
وقف أمامه : حضرتك صاحب الزريبة والبهايم اللى ماتت ؟
هيبة : انى وخواتى
الضابط : تتهم مين ؟
هيبة بلا تردد : المطاريد طبعا .
عقد الضابط حاجبيه : وايه اللى بينك وبين المطاريد علشان يسموا البهايم بتاعتك . ما كانوا سرقوها احسن .
إنها نقطة لم يلتفت لها هيبة ، لما لم تسرق البهائم عوضا عن قتلها !!
فرك جبينه وقال : يمكن صعب ينجلوا البهايم من غير ما حد يحس بيهم .
الضابط : ويمكن مش هم اصلا واللى عمل كده قاصد اذيتك بس .
زفر هيبة بضيق: يمكن
الضابط : مين غير المطاريد ؟
نظر لأخيه وصمتا معا ليأتى صوت رفيع : حچاچ صخر دياب .
التفت الجميع إليه وظهر الفزع بعينى ضاحى بينما تساءل الضابط : انت مين ؟
وقف رفيع أمامه: رفيع صخر دياب واد عم هيبة وأخو حچاچ
لم يبد على رفيع أى اهتزاز أو ارتباك وهو يتبادل النظرات الحادة مع الضابط الذى تساءل : واتهامك بناء على ايه ؟
ابتسم بسخرية : النچع كلاته خابر إن خوى كان رايد يبجى الكبير . من ايام ابوى وعمى وهو عينه على مكانة الكبير . لكن بعد عمى صالح الله يرحمه محدش رضى بيه .عشية اتچمعنا فى دار هيبة لاچل المطاريد اللى زودوا السرجة على بيوتنا والوحيد اللى عارض كالعادة حچاچ .. لو المطاريد كانوا خدوا اللى جدروا عليه لكن هو رايد يحرج جلب هيبة على ماله .
تحليل رفيع منطقى من وجهة نظر الضابط لكنه لن يتسرع ويلقى بالاتهام دون بينة فاصلة .
قاطع الجميع خروج الطبيب : هيبة بيه
نظر له الجميع ليتابع : المصاب بيلح عاوز يشوفك .
انقبض قلب هيبة بينما تساءل الضابط : نقدر نستجوبه أمته ؟
الطبيب : لما الحالة تستقر .
تقدم هيبة من الغرفة ليقول الضابط : بس مفيش مانع طبعا ادخل مع هيبة بيه .
زفر الطبيب بضيق : مفيش مانع بس من غير أسئلة كتير .المصاب حالته حرجة
دخل هيبة وجاهد نفسه ليرسم ابتسامة شاحبة وهو ينظر لوجه عتمان المتورم : سلامتك يا واد عمى .
شعر عتمان بوجوده ليقول بلهفة : هيبة بيه ...
ربت هيبة فوق صدره : على مهلك يا عتمان .انى چارك اهه .
نظر عتمان بإتجاه الصوت : يابيه انى معملتش حاچة سى حچاچ واد عمك چانى بعد ما حضرتك عاودت من صلاة الفچر وجالى إنه چاى ياخد البهيمة اللى چابها تعشر السبوع اللى فات .دخلت يابيه اسحبها له حد خبطنى على راسى مرتين مادريتش بالدنيا . هو حوصل ايه يابيه ؟البهايم چرى لها حاچة!؟
تساءل بفزع واضح ليربت هيبة فوق صدره مرة أخرى : ولا حاچة يا عتمان چت سليمة .
نظر له الضابط بتعجب وهم بالسؤال ليسبقه هيبة : كان في حد مع حچاچ ؟
عتمان : لا يا بيه كان لحاله حتى سألته انت يا بيه اللى هتسحب البهيمة جالى مالاكش صالح .
أومأ هيبة : فعلا بهيمته ماكانتش مع البهايم الصبح
عتمان : يبجى خدها يابيه وبهايم سعادتك ؟؟
ربت على صدره ثالثة : ربنا يعافيك يا عتمان ماتخافش على الولد فى رجبتى لحد ما ترچع لهم بالسلامة .
غادر هيبة يتبعه الضابط الذى قال : كده الصورة واضحة .
نظر ل هيبة : حضرتك ليه ما قولتش للغفير إن البهايم ماتت ؟
هز هيبة رأسه بأسى : ويفيد بإيه غير الغلبان ده يشيل روحه ذمبهم بزيداه اللى هو فيه .
تقدم الطبيب بوجه مكفهر : هيبة بيه فى حاجة لازم تعرفها .
نظر له هيبة ليتابع : المصاب حصله انفصال فى الشبكية .
نظر له الجميع بصدمة بينما تابع : لاحظت فى الفحص الاولى بعد ما فاق إنه مش مستجيب للضوء فعملنا تصوير بالوجات فوق الصوتية وفعلا ظهر التمزق واضح في عينه اليمين إنما العين اليسرى حالتها افضل لكن هو مش هيشوف بالاتنين .
همس هيبة : والحل يا دكتور ؟ اكيد فى علاچ
الطبيب : طبعا فيه وكل ما كان اسرع كل ما كانت النتيجة افضل .الحالة دى بتتعالج بالليزر أو التجميد أو الحقن . فى اكتر علاج يشرحه افضل طبيب عيون
نظر هيبة لأخيه بنظرة حازمة : ضاحى هات اكبر دكتور عيون فى البلد .ما ترچعش من غيره .
تحرك ضاحى بينما زفر هيبة مستغفرا . اقتربت زوجة عتمان من تجمعهم بتخوف لتتساءل : هو فى ايه يا سعت البيه ؟
نظر لها وكأنه تذكر وجودها للتو : ولا حاچة يا ام حامد اطمنى .
اومأت ليقول رفيع : جعدتك اهنه يا ست ملهاش عازة . روحى شوفى عيالك وماتخافيش على عتمان .
ابتلعت ريقها بخوف : ط طب اطل عليه يا بيه
أشار لها نحو الزجاج : شوفيه من برة الدكاترة جالوا محدش هيدخل عنديه النهاردة .
اومأت وهى تهرول نحو الزجاج عله يراها فيطمئن قلبها لوجوده بالقرب منها .
________
كان اليوم منهكا للجميع . ظل هيبة وضاحى ورفيع بالمشفى حتى تم تشخيص حالة عتمان بدقة وتم نقله بسيارة مجهزة لعمل بعض الفحوصات ثم عاد المشفى وحدد الطبيب موعد لإجراء جراحته بعد يومين فقط .
أمر الضابط بتعين حراسة على باب حجرة عتمان خاصة حين لم يعثر على إثر ل حجاج واقرت زوجته بسفره بعد الفجر مباشرة لبعض الشئون الهامة التى لا تعلمها بالطبع .
______
أنهى راجى نقل البهائم النافقة بمعرفة الشرطة للتخلص منها بشكل غير مضر بيئيا وعاد للمنزل . كانت زوجته تتحمل المسؤولية هذا اليوم ف ريتاچ لم تبرح مقعدها بالفعل طيلة اليوم وتصر على انتظار عودة ضاحى بينما سما مشتتة بين ابنة عمها وابناءها وزبيدة .
اقترب راجى ليجلس بالقرب من أمه التى تساءلت : الخسارة شديدة يا ولدى؟
هز رأسه مؤكدا ثم قال : والمصيبة الأكبر من البهايم عتمان كان هيروح فيها لولا ستر ربنا
زبيدة : البهايم إحنا نعوضوها لكن عتمان نعوض مرته وعياله عنه كيه ؟
نظر راجى ل ريتاچ التى تضم نفسها بين ذراعى سما وكفيها متعلقين بأبنائها . نظر لأمه بتساؤل لتقف الكلمات على لسانه من نظرة أمه شديدة التحذير ، فهم ما عليه فعله ليخرج هاتفه ويبتعد عن مجلسهن .
كانوا بطريق العودة يقود ضاحى ويجلس بجواره هيبة ويتبعهما رفيع بسيارته . أشار ضاحى لهاتفه : شوف مين يا هيبة
امسك هيبة بالهاتف ليرفعه مجيبا : ده راچى ..ايوه يا راچى
اكفهر وجهه وقال : طيب احنا راچعين على الدار عشر دجايج ونكون عنديك .
أعاد الهاتف ليتساءل ضاحى : حوصل حاچة تانى !!
هيبة : ام مريم بعافية .
نظر له بفزع ليتابع : محدش خابر فيها ايه راچى بيجول مرته جالت أنها من صباحية ربنا جاعدة وماسكة العيال وبتجول مش هتتحرك إلا أما أنت تعاود .
زفر ضاحى بضيق ، إنها فزعة ، كيف لم يتوقع ذلك !!!
ترى كيف مر عليها هذا الوقت !!
نظر له هيبة متسائلا : هى لسه بتفتكر الليلة إياها !!
أومأ ضاحى : خايفة يا واد ابوى حجها اللى شافته مش شوى
وزاد الضغط على دواسة الوقود لتزيد السرعة ليختصر الوقت ويصل إليها بأسرع ما يمكن .
اوقف السيارة ليغادرها فورا نحو المنزل بينما توجه هيبة نحو سيارة رفيع ليتبادل معه بعض الأفكار حول زيادة الحماية حتى يتم القبض على حجاج أو ايا كان الفاعل . عليهم جميعا زيادة الحيطة والحذر .
دخل بخطوات جاهد ليظهر ثباتها من لهفته ، توجه فورا حيث تجلس النساء ليجدها بين ذراعى سما .
انحنى يربت على رأسها : ريتاچ مالك ؟
انتفضت حين سمعت صوته لتنظر له وتجذبه نحوها من ملابسه ، تلفت نحو أمه بحرج لتدفن ريتاچ نفسها بين ذراعيه : خبينى يا ضاحى ،خبينى .
زاد فزعها لتتسع الأعين بصدمة وتحاول سما تخليص الصغار من كفيها وقد زادت ضغطا بشكل مؤلم للصغار .
اقترب راجى يسعادها ونجح في تخليص ابن أخيه لتخلص سما الفتاة التي ارتمت بين ذراعيها متسائلة : ماما مالها يا خالتو .
لتدفع سما بالصغير مهدى إلى ذراعى هناء وتقول : مالهاش يا حبيبتي روحى مع عمتو هناء
اسرع راجى يدفع الصغار جميعا مع هناء نحو الدرج تاركين خلفهم ريتاچ تزداد انهيارا .
فتحت عينيها الدامعتين لتجد كفيها مطبقين على جلباب ضاحى . ابتعدت عن صدره لتنظر لكفيها بفزع مخيف : راحوا فين ؟
امسك ضاحى وجهها لتنظر إليه وتصرخ : كانوا هنا فى ايدى . خدوهم يا ضاحى !!! خدو ولادى يا ضاحى
ضغط جانبى وجهها برفق : ريتا بصى لى . الولاد مع عمهم راچى . الولاد اهنه فى الدار محدش خادهم . وانت اهنه محدش يجدر ياخدك تانى ابدا .سامعانى محدش يجدر ياخدك تانى ابدا .
اومأت مبتسمة من بين دموعها : صح انت جيت محدش هيقدر ياخدنى
وفى اللحظة التالية سقط رأسها فوق كتفه لتفزع سما وزبيدة : چرى ايه ؟؟غمت ؟؟
نظر ضاحى لأمه وهو يغالب دموعه : جولوا ل هيبة يچيب حكيمة الوحدة .
وحملها مرتقيا الدرج نحو غرفتهما ليسود الألم قلوب الجميع ، كم ماتكبدوه هذا اليوم من ألم يزعزع اى كيان مهما بلغت قوته .
#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى
التاسع عشر
حين أفاقت مرة أخرى تشبثت بملابسه من جديد بفزع . رأى بعينيها نفس الفزع الذى رآه تلك الليلة ، نفس الرجاء ونفس الوجع .
نظر للطبيبة التى حقنتها بمهدئ اسرع راجى بشرائه وظلت بجوارها حتى غفت .
خرج هو وسما من الغرفة لتقول الطبيبة :واضح إنها اتعرضت لحادث اليم تم تجاهل أثره النفسى عليها .
ظهر الارتباك على وجه ضاحى : صوح كانت ليلة واعرة بس ماكانتش لحالها كانوا تلت بنته
أوقفته الطبيبة عن المتابعة : بس حضرتك راعى إن مش كل الناس عندها نفس القوة النفسية ولا نفس قوة التحمل .
تدخل هيبة فى الحوار وقد أضناه يومه الملئ بالألم : يعنى نعمل ايه دلوك ؟
هزت الطبيبة كتفيها : ودوها لاخصائى .
عقد ضاحى حاجبيه متسائلا : اخصائى كيه يعنى ؟ دكتور نفسانى !!!
الطبيبة : هو ده بس اللى يقدر يساعدها
ظل ضاحى يحملق فى وجه الطبيبة بفزع بينما قال هيبة : كتر خيرك يا دكتورة هنشوف احسن دكتورة فى البلد ونوديها إن شاء الله .
انصرفت الطبيبة بينما ظل ضاحى مكانه حتى هزه هيبة برفق : ضاحى ..ادخل لمرتك متهملهاش لحالها .
تحرك ضاحى بألية للغرفة وانصرف الجميع ليتوجه اخيرا نحو غرفته يرجو بعض الراحة .
كانت قد سبقته بدقائق لتعد له ملابس نومه ، استقبلته سما بنفس الوجه المبتسم ربتت على كتفه بحنان : عامل ايه يا هيبة ؟
نظر لها لترى كم الصراع الدائر بينه وبين نفسه ، تنهد نافثا حرارة تعددت مصادرها ليقول : اليومين دول عينك تبجى فى وسط راسك يا سما انى ماخابرش الضربة الچاية هتاچى منين وهتصيب مين !!
ظهر الخوف على ملامحها : هو لسه الخطر حقيقى !! يعنى ريتاچ خوفها على أساس !!
جلس بإنهاك : ام مريم خوفها مرض من اللى چرى لها عمنول لكن اليومين دول الحرص واچب انى بوعيكى بس.
أرادت أن تنحى كل هذا جانبا : طب قوم خد دش وارتاح انت واقف على رجلك طول النهار .
بسط ساقيه وتمطئ بتكاسل : ماجادرش يا غالية .هنعس وانى جاعد .
أمسكت كفه : علشان خاطرى ..هساعدك لو نمت كدة هتتعب اكتر .
لم يملك سوى الاستجابة لها فبدنه يتوق لراحة لن ينالها إلا معها .
______
مرت عدة أيام والوضع لا يتغير . كثف هيبة الحراسة على الحدائق والزراعات والبيت ولم يعد مسموحا للاطفال بالمغادرة أو اللعب .توترت اعصاب الجميع خاصة أن رفيع التزم بنفس الإجراءات خوفا على زوجته وأبنائه بل وألزم بها زناتى الذى يرى أنها مبالغ فيها .
_______
تحسنت حالة غالية وأخضعها تاج للفحص مرة أخرى ليقرر الطبيب ضرورة المتابعة حتى يتثنى له التأكد من التشخيص الدقيق .
بدأت ليليان وروان تترددان على مركز " الملائكة الصغار " تصحبان الصغير إياد بالتناوب واحيانا تصحبانه معا .
لم تتقابل زينب مع ليليان أو روان منذ ذهبت لمباركة إياد ، ومذاك الحين تغيرت معاملة رفاعى الحسنة تغيرا جذريا . لم يهاديها مرة ، ولم يراضيها مرة ، لم يتغزل بها أو يمازحها . هو دائما غير موجود وإن تواجد يتابع التلفاز أو ينام .
لم تفكر كثيرا وقررت مراضاته ، فهو رفاعى حبيب عمرها كله .
اغتنمت الفرصة فقد عاد مبكرا من الخارج تزينت وتعطرت لأجله وقررت الا تمر الليلة دون أن تراضيه .
كان جالسا أمام التلفاز بصمت كعادته مؤخرا لتقبل عليه تتهادى بخطواتها الوئيدة ، تعلم كم يعشق مراقبة خطواتها المتمهلة .
جلست بجواره لتقول بدلال تعلم تأثيره عليه : اتوحشتك جوى يا واد عمتى .
نظر لها بطرف عينه وتنحى عنها جانبا ، قطبت جبينها بدلال : رفاعى بعدهالك !!
نظر لها بغضب : بعدهالك انت !! اتعلمتى ميته جسوة الجلب يا زينب ؟
أشارت لصدرها بإنكار : انى جلبى جاسى يا رفاعى !!!
نظر لها بإستخفاف : امال تسمى اللى بتعمليه ايه !! فاكرة لما كان خالد صغير كنتى بتعملى ايه ؟ عملك ايه إياد لاچل تكرهيه أكده ؟
طأطأت رأسها خجلا : انى مابكرهوش يا رفاعى ويعلم ربنا ...
امسكها رفاعى يضغط ذراعها بغلظة : امال تسمى اللى بتعمليه ايه؟
قالت بخفوت : ماخبراش !! لما حطوه على دراعى جلبى ارتعد . انى ماخبراش هو هيبجى كيه ولا أما يكبر هفهمه كيه ولا اعرف هو بيه ايه ولا محتاچ ايه !!! يا رفاعى انى بهرب منيه مش كرهاه .
قطب جبينه بعدم فهم لتتابع : انى سكت وانتو سكتو . محدش فهمنى اسوى كيه وياه . لا انت ولا ولدك ولا مرته ..حتى الغالية اللى كانت طول عمرها تفهمنى على كدى هملتنى فى حيرتى لحالى .
انقلب الوضع في دقائق لتصبح هى الجانب الأضعف الذى يستحق التعاطف . اعتدل رفاعى بجلسته لينظر لها : يعنى انت كل ده ساكتة وخايفة من الولد ؟؟
نظرت له بطرف عينها نظرة يفهمها جيدا ، تنهد بضيق : وماسألتيش ليه يا زينب ؟
زادت خفض وجهها وهى تقول : يعنى كلاتكم فاهمين وانى الچاهلة الوحيدة وسطيكم . من ميته بسأل ؟ طول عمرك بتفهم من غير حديت لكن انت تهمتنى وارتحت لما صدجت انى جسيت على واد ولدى . حتى بوه صدج وسكت . الوحيد اللى اتحدت وياى بالراحة كان مهران ومرة واحدة .كل يوم اجول لروحى النهاردة رفاعى هياخدنى فى باطه ويطبطب عليا ويجولى انت مافهماش يا حبة الجلب . ويعدى اليوم وراه اليوم لما الولد عدى الشهرين وانى ماشفتوش غير مرة واحدة .
تنهد رفاعى بقلة حيلة : وكنت هعرف منين إنك مافهماش بعد الكلمة اللى كسرتى بيها جلب الولد ومرته !!
أعلنت دموعها العصيان على رباطة جأشها المزعومة لتقول بحزن : زليت ..غصب عني الكلمة سبجت والكلمة سيف معرفتش اسوى كيه هربت منه مرة ورا مرة .
نظرت له بحزن : زليت مرة واحدة وأما مهران اتحدت وياى جلت خلاص لكن لما الولد جرب من جلبى لاجيت روحى عاوزة ارمح بعيد ..بعيد جوى خايفة منه وعليه من روحى.
وقفت لتبتعد عنه نحو الغرفة بخطوات سريعة وتغلق الباب دونها بسرعة .
نظر رفاعى فى أثرها متعجبا . هل كانت كل هذا الوقت تنتظر أن يأخذ أحدهم بيدها ويرشدها إلى الصواب ؟؟
كيف لم يتوقع هذا ؟؟
تمتم مستغفرا حسنا يمكننا دوما البداية مرة أخرى من حيث توقفت الخطى . نهض ليدخل الغرفة بعد أن أغلق التلفاز ، كانت متدثرة بالفراش ليتجه نحو الناحية الأخرى منه . جلس لدقيقة قبل أن يقول : يعنى احنا كنا فاهمين يا زينب ؟ أمه بتروح المركز اللى بيجولوا عليه ده وتاچى تجولنا نسوى كيه . ولحد دلوك مفيش حاچة تفرج الولد عن اى ولد تانى .
رفعت عينيها الغائمة ونظرت له برجاء : صوح يا رفاعى ؟؟
ابتسم لها : صوح يا حبة الجلب
_______
اخيرا ظهر حجاج بالنجع ليصل خبر ظهوره للجميع فى طرفة عين ، فكل قد أرصد عين تترقبه .
لم يتحمل رفيع الانتظار فور علمه بظهوره توجه فورا لمنزله ، حاولت رنوة التشبث به ومنعه لتفشل فى ذلك بينما راقبت حسنات ما يحدث بصمت يخفى قهر لا تراه الأعين .
لم تعرف ما الذى عليها فعله فقد ألقى بها بين لفحات المخاوف وتركها تصارع مخاوفها وحدها .
وصل رفيع لمنزل حجاج وطرق الباب بعنف لتفتح له الخادمة . دفع الباب واقتحم المنزل بغضب حيث كان حجاج مسترخيا يدخن الأرجيلة ببرود ، نظر له : يا مرحب يا واد شريفة .
ابتسم رفيع بسخرية : ليا الشرف انى واد شريفة . لكن انت واد مين ؟
رفع حجاج حاجبيه مستنكرا : انى واد صخر واد دياب
حك رفيع أنفه يستدعى بعض الصبر : لاه وانت الصادج انت واد ليل .
نظر له حجاج بغضب ليتابع : لما تكر على زريبة واد عمك وتسم البهايم وتفر زى المطاريد تبجى واد ليل منيهم . لما تضرب الغفير وانت جاصد تجتله وتستحل دمه تبجى واد ليل.. ومالوش تمن كمانى .
وصل حجاج اوج غضبه ليندفع ويمسك رفيع من مقدمة ملابسه دون أن يؤثر هذا على نظرات رفيع الساخرة : هتجتل خوك كمان ؟؟ جادر وتعملها يا حچاچ
ضغط حجاج طاحنا ضروسه بغضب واضح : ايوه جادر . جادر اعمل اللى يخلينى فوج روسكم كلاتكم . وجادر اجتلك لو وجفت جدامى ومالاكش عيندى دية ولا هيطرف لى چفن .خابر ليه ؟؟لاچل ارچع حجى اللى اتجسم عليك انت واختك ومجامى اللى خده واد عمك وانت فى ضهره .
رفع رفيع كفيه ليمسك كفى حجاج وينزعهما عن ملابسه : بس اتكلم على كدك . انت چبان اخرك تضرب النفر فى ضهره . لا انت كدى ولا كد هيبة
ابتعد خطوة للخلف : اجولك على حاچة تفرحك . انى بلغت عنيك الحكومة والغفير شهد عليك .
نظر له بإستخفاف وهو يستشيط غضبا ليتحرك مغادرا لولا دخول هيبة وراجى الذى قال : خرچت من چحرك يا حچاچ ؟
عادت ملامح حجاج للبرود وهو يعود ليستوى جالسا : يا مرحب بالرچالة .اتفضلوا .
تبادل ثلاثتهم النظرات بينما انتشى حجاج لوقفتهم فى مجلسه حتى تحدث هيبة : كنا خابرين من الاول انك مرسال المطاريد وسكتنا .. شكينا انك چتلت وجلنا جاتل بلا بينة سلطان . لكن نفسك تغويك وتدخل دارى تمد يدك النچسة على واحد من رچالتى غدر وتسم البهايم ..أجطعهالك يا واد دياب .
ابتسم حجاج باستخفاف : اثبت يا واد صالح . انى كنت مسافر ماكنتش فى النچع كلاته
نهض مغترا بقوته : وكلمتى انى حچاچ واد دياب جدام كلمة الغفير ونشوف كلمة مين اللى هترچح .هات غفيرك وباجرنى بيه .
هم هيبة بالرد ليأتى صوت حسن : هيحصل ماتقلقش هنجيبه ونجيبك .
ارتبكت ملامحه ليسرع معيدا سيطرته على نفسه : اهلا يا حضرة الضابط .اتفضل .
ابتسم الضابط : لا كتر خيرك المرة دى واجبك عندى وانت اللى هتتفضل
قطب جبينه رافضا : اتفضل فين ؟؟
ربت على كتفه : من هنا على المركز ومن المركز على النيابة ومن النيابة على محكمة الجنايات إن شاء الله بس انت ماتقاطعش فى رزقك .
نظر حجاج للضابط باستخفاف : انى هاچى وياك بس هبيت فى دارى لا انت ولا غيرك يجدر يثبت على كلمة واحدة .
وتقدم بخيلاء نحو الخارج يتبعه الضابط الذي نظر ل هيبة ورفيع : انتو كمان لازم تيجو علشان نستوفى المحضر .
أومأ هيبة بتفهم : چاين طوالى وراكم .
_______
لم يتمكن حجاج من نفى التهم الموجهة إليه خاصة مع شهادة عتمان التى أيدت كل التهم لتواجده بمسرح الجريمة وقت حدوثها وهو ايضا لم يتمكن من الاستشهاد بشخص واحد رآه بمكان اخر قبل ساعتين من وقت الحادث لذا تم تحويله للنيابة التى أمرت بحجزه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق .
عاد الرجال للنجع بعد أن استقر حجاج بالحجز والذى لم ينفك عن التهديد والوعيد للجميع .
وصل رفيع للمنزل وكانت رنوة قد فقدت السيطرة تماما على أعصابها ، أخبرته أمه بتوتر زوجته طيلة النهار ليتفهم حالتها لكنه يفضل أن يتحدث لزوجة أبيه اولا . دخل لحجرتها بهدوء : أما حسنات .
تصنعت النوم ليقترب فيهزها برفق : أما حسنات
فتحت عينيه ليعلم أنها كانت تبكى ، جلس بطرف الفراش : باكية ليه يا اما !
اعتدلت جالسة : هبكى على ايه اغلى من اللى راحوا يا ولدى !
نظرت له بإنكسار : هو سوى كيه ؟
تنهد رفيع : بيلف حبل حوالين رجبته بيده . كتير جوى جلناله ارضى بنصيبك انت ماتنفعش كبير لحد ما وصلت بيه للدم .
نظر لها : انت خابرة طريج الدم آخرته ايه !!
هزت رأسها بتفهم : بس هو ولدى مهما يعمل وجلبى محروج عليه .
اقترب يضمها : سلامة جلبك . ادعى له يا اما يمكن ربنا ينور بصيرته ويهديه وساعتها انى اول واحد هجف جاره .
اومأت مرددة : جادر كريم يا رب .
أبعدها برفق ليقبل رأسها : ونعم بالله .
____
اخيرا توجه لشقته وقلبه يعلم أنه قصر بحقها ولم يرع ظروف حملها وزاد من توترها ، دخل الغرفة لتهب نحوه بلهفة : انت بتعمل فيا كده ليه ؟
استقبل ثورتها بهدوء : مالك بس !! انى زين اهه
دفعته بصدره : مالى !! بتسأل مالى !! عاوز تقهرنى عليك ليه ؟ انت قلبك ده ايه ؟؟
احاطها بذراعيه ليوقف دفعاتها لصدره مرغما كفيها على قبول حصاره : انى اجهرك ؟؟ سلامتك من الجهر .
قاومت قربه منها : امال رايح لحجاج وعاوز منى ايه ؟؟ اهدا!!! ازاى ؟
استسلمت للبكاء : أنا حلفتك بحياتى يا رفيع . هنت عليك ؟
زاد ضغطها لصدره : لا هنتى ولا تهونى ابدا يا رنوة جلبى بس كان لازمن اجف له واوجفه .
عادت تنتحب : ليه انت ؟؟ ليه سبتنى لوحدى ؟؟ أنا كنت خايفة اوى ، حجاج مشى فى سكة الدم يا رفيع ومش هيصعب عليه يأذيك .
شهقت بقوة لتصرخ : كنت اعمل ايه انا وقتها ؟؟ عاوزنى اعمل ايه قولى !!
لم يجد ما يجيبها به سوى أن يهمس : هشششش انى اهه چارك . هو اتحبس وماهيأذنيش واصل .
همسه يصعب تصديقه ، هو نفسه لا يصدقه ويعلم أن الأذى يمكن أن يطاله ويطال احباءه لكنها ضريبة عليه دفعها مرغما .
هو لم يختر أبيه ولا أخيه ولا يمكنه سوى أن يدفع ثمن اخطاء لم يكن له يد بها مطلقا .
بعد وقت لم يحصيه استكانت بين ذراعيه مستسلمة للارهاق الذى زحف مسيطرا على كافة حواسها .
#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى
العشرون
فى منزل مهران حيث عادت ليليان لعملها وأصبحت تترك إياد يوميا فى رعاية روان مما أدى إلى زيادة التقارب بين عائلة مهران الصغيرة واياد وأصبح التواصل معه وفهم متطلباته يسيرا لهم ، وقد استمر في هدوئه كطفل غير باك وفى عمر الأربعة أشهر أجرت له روان فحص السمع كالمعتاد لكل طفل وكانت نتيجته مبشرة فالصغير يستجيب للأصوات واتجاه مصادرها اى أنه بدنيا لا يختلف عن اى من أقرانه ، هذا وحده بعث المزيد من الطمأنينة فى صدور الجميع .
كان إياد بفراشه النقال وقد عاد خالد للتو من مدرسته ، استقبلته أمه بحنانها الذى لا يخفى عن الأعين .
جلس خالد يلاعب إياد الذى علت ضحكاته حتى سال لعابه ، خرجت من المطبخ لتفقده فهى تعلم أن هذه عادة طفولية لا تعدها شيئا غريبا أو يحتاج للقلق بشأنه ، وجدت خالد قد احضر محرمة ورقية وبدأ بالفعل في تنظيف الصغير . ابتسمت براحة فصغيرها مسئول ويعتمد عليه ، كادت أن تعود للمطبخ فأوقفها قائلا : ماما
نظرت له ليتابع : أنا عاوز اتدرب سباحة
قطبت جبينها : اشمعنا سباحة ؟؟
خالد : علشان المس قالت إن سيدنا عمر رضى الله عنه بيقول " علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"
اقتربت لتقبل رأسه بحنان : حاضر يا حبيبي هقول لبابا وتشترك فى النادى .
ابتسم خالد وعاد لملاعبة إياد الذى ضحك بقوة ما إن عاد خالد إليه باهتمامه .
________
كانت امور النجع تسير على ما يرام منذ القبض على حجاج والذى أوكل للدفاع عنه أحد المحامين الذى عرف عنه الدهاء والتلاعب بالقانون ، وهذا ما كان يحتاجه حجاج تماماً.. شخص يمكنه أن يراوغ ويفلته من العقاب .
استيقظ هيبة من نومه ليجد نفسه وحيدا بالغرفة ، لابد أنها تساعد الصغار قبل التوجه للمدرسة ، شعر بتكاسل وعدم رغبة في مغادرة الفراش ، فرك جبينه وهو يشعر بألم شديد في كافة بدنه ، رفع الغطاء ليتدثر جيدا ويعود للنوم على غير عادته .
رحل جميع الصغار عدا صالح الملازم لجدته التى تجلس ببهو المنزل ، أتمت سما توجيه العاملات وعادت لتجالس حماتها وهناء بينما ريتاچ عادت لغرفتها فهى منذ بدأت جلسات العلاج النفسي انطوت إلى حد ما وتفضل العزلة كأنها تعيد حسابات ما مضى من جديد .
هبط راجى الدرج ليقبل رأس أمه مبديا اعتراضا على ملازمة ولده لها : يا اما هملى الولد المتچلع بزيادة ده
أحاطت زبيدة الصغير بذراعيها بحماية فطرية : أهمله !!!
نظرت هناء لزوجها بحدة فحمحم بحرج : انى بس خايف يتعبك .شيلاه طول النهار وهو ماصدج وماعاوزش يتحرك من چارك .
ابتسمت وهي تقبل الصغير بقوة : مالاكش صالح بينا .
ظهر الامتعاض على وجه راجى ولم يتمكن من المعارضة مرة أخرى بينهما هبط ضاحى ليتغير مجرى الحديث وهو يتساءل : هيبة لساته نعسان ولا ايه؟
وقفت سما كأنها وجدت فرصتها : هروح اشوفه اكيد صاحى .
صعدت الدرج بخفة لتفتح باب الغرفة وتجده يغط فى نومه بأنفاس مضطربة ، اقتربت منه بقلق : هيبة !!!
لم يستجب لها لتضع كفها فوق وجهه ، حرارته مرتفعة إلى حد ما لا يمكنها أن تخطئ حرارته الطبيعية أثناء النوم .
ربتت على خده بقلق : هيبة
فتح عينيه بتكاسل ليبتسم لها بشحوب ويغمضها مرة أخرى ، عادت تربت على خده ليقول بتأفف : هملينى يا غالية الله يرضى عنيكى چتتى متكسرة وماجادرش .
زفرت بضيق : اكيد اخدت برد يا قلبى قلت لك امبارح بلاش تنزل بالليل .
تحرك ليجذب الغطاء فوقه وينكمش بتعب واضح : الراچل كان هيروح فى شربة مية والحمدلله راچع داره بعد كام شهر لف على المستشفيات ومارچعتش صحته كيه ما كان ولا هترچع ..أهمله كيف يعنى؟
تنهدت سما هى تعلم أنه لا يقوم بمثل هذه الأمور اضطرارا أو من باب المسؤولية بل بدافع انسانى ينبع من قلبه الذى لم تغيره الزعامة .
ربتت على رأسه واقتربت تقبله بحب : طيب ارتاح وانا هعملك حاجة سخنة واجيبلك دوا للبرد .
تحركت للخارج ليقول : شيعى لى ضاحى وراچى .
اومأت وهى تغادر الغرفة بصمت .
___
دق هاتف ضاحى ليرفعه مجيبا برحابة : اهلا يا حضرة الضابط
اكفهر وجهه وتساءل بعدم فهم : كيف يعنى ؟؟
صمت لحظة وقال : لاه ماخابرينش ولا حد چاب خبر عنيه .
زفر بضيق : تشكر يا حضرة الضابط . لاه خير إن شاء الله .
أنهى المكالمة ليتساءل راچى : خبر ايه ؟
تأفف ضاحى : حچاچ خرچ عشية من الحبس .
دقت القلوب وجلا وراچى يتساءل : وده خرچ كيف ؟ التهمة لابساه .
ضاحى : المحامى بتاعه شكك في كل التحريات والاجوال وخرچه بكفالة .
اقتربت سما دون أن تهتم بالحديث : يا جماعة هيبة واخد برد جامد ومش هيقدر ينزل النهاردة ..عاوزكم فوق
تساءلت زبيدة بلهفة : سلامته حوصل ايه؟ كان زين عشية وجاعد وياى
هزت سما كتفيها : تقريبا خد برد بالليل لما راح يجيب عتمان أصله كان واخد دش وخرج علطول . أنا هروح اعمله حاجة دافية واطلع له فطار علشان اديه دوا للبرد
تحركت من فورها نحو المطبخ بينما توجه الشقيقين للدرج وضاحى يحذر أخيه : بلاش هيبة ياخد خبر عن حچاچ دلوك ، لو عرف هيجوم وهو بعافية
أومأ راجى بطاعة وبالفعل توجها لغرفة هيبة الذى اعلمهما بالأعمال المتعلقة لهذا اليوم . ظلا معه حتى عادت إليه سما تحمل الطعام ليغادرا بصمت .
اقتربت تضع الصينية فوق الكمود ، نظر لها بحدة لكن لا فائدة ، هى لن تتراجع حتى تطعمه .
تأفف بإنهاك : يا سما هملينى انعس وهجوم زين .
عدلت وضع الوسادة كأنها لم تستمع لما قال : تعرف يا هيبة إن فيك عيب واحد .
نظر لها بتساؤل لتقول : لما بتتعب بتبقى زى الأطفال تمام تعند ودماغك ناشفة
نظر لها بضيق : انى !!!
جلست أمامه واعدت شطيرة وهى تقول بتأكيد : معلوم وبتهرب من الدوا والأكل زيهم بردو .
مد كفه يلتقط الشطيرة ويبدأ في التهامها بغيظ ، هو حقا يكره الدواء ويحاول التملص من تناوله كالصغار ، لكنه ايضا لا يحب أن يواجهه احد بتلك الخصلة التى لم يتمكن من التخلص منها .
أنهى طعامه وتناول الجرعة التى قدمتها له ليعود للاستلقاء بينما تدثره بعناية ثم تدنس بجواره تحيطه بذراعيها ليغمض عينيه براحة تامة فهذا أكثر مما يحتاج .
_____
غادر رفيع منذ فترة لتفقد أعماله لتعلو طرقات عنيفة ، توجهت شريفة للباب لتصدم برؤية حجاج الذى ابتسم بسماجة : كيفك يا مرت ابوى ؟
تلعثمت لوهلة قبل أن تستعيد رباطة جأشها وتقول : مرحب يا حچاچ . انى زينة الحمدلله . خير إن شاء الله؟
رفع حاجبيه ينظر لها : چاى اطل على امى . فيها حاچة ؟
علت السخرية ملامح شريفة : توك ما افتكرت امك ؟ لا فيك الخير .
تحركت للداخل وهى تشير بكفها : امك لساتها چوة . ادخل لها .
تحرك نحو الداخل لتقول بحدة : حچاچ .. بعد إكده تاچى وراچل الدار موچود
وتعجبت حين اتسعت ابتسامته : حاضر يا مرت ابوى .
صحبت دهشتها وغادرت نحو الدرج قاصدة شقة رنوة فليس من اللائق بالنسبة لها عدم اخبارها بوجود حجاج لتحتاط فلا تصطدم به .
_______
دخل ريان للمنزل ممسكاً كف ليال التى انتفخ بطنها بشكل ملحوظ : يا حبيبتي بلاش شغل انت صحتك مش عجبانى خالص .
ابتسمت له : أنا كويسة اهو وبعدين بتسلى فى الحضانة على ما تاج يرجع من المدرسة .
فرك جبينه بتفكير : طيب قولى ل حياة تخفف عنك الحصص .
ضحكت ليال : انت فاكر انى بدرس صحيح . ده انا يادوب بعلم الولاد كام حرف كل يوم .
قطب جبينه : ماليش فيه يا تسمعى الكلام وتريحينى وتقعدى فى البيت .
ربتت فوق صدره برقة : حاضر يا حبيبي هريحك واقعد فى البيت . بس لما اولد هنزل الشغل تانى .
قالتها بتحذير ليبتسم : متفقين يا نور عين حبيبك .يلا تعالى بقا ارتاحى شوية .
اعترضت برقة : أنا مش تعبانة
دفعها أمامه برفق : لا تعبانة ايش عرفك انت !!
ضحكت وهى تسير معه تتعمد التباطؤ ليزداد قربه منها .
________
دخلت ليليان المكتب وقد عادت للتو من توقيع بعض الأوراق الهامة لتجد نظرات غريبة محذرة من نادية وأخرى متحدية من سهير بينما ندى تطأطأ رأسها ونظرها أرضا .
اتجهت نحو مقعدها متسائلة ببراءة : ايه مالكم ؟؟ مالك يا ندى زعلانة ليه ؟؟
تنهدت ندى بينما هزت سهير كتفيها وقالت : ابن خالتها متقدم لها .
ابتسمت ليليان بسعادة فقد أسرت ندى لهن سابقا عن مشاعر تكنها لأحد الاقرباء وقالت : مباااارك حبيبتي ..
صمتت لحظة وتساءلت : مش هو اللى انت معجبة بيه ؟؟
اومأت ندى لتتسع ابتسامة ليليان : وساكتة ومكشرة حقك تعملى فرح .
استطردت ليليان فى التحدث عن تبعية الزواج ممن تحب وما يترتب عليه من سعادة وتفاهم ، تجاوبت معها نادية لتزداد حماستها حتى قاطعتها سهير بغلظة : ولما تجوزه وتخلف عيل زى ابنك !!!
توقفت الكلمات بحنجرة ليليان وتوقفت أنفاسها أيضا بينما اتسعت عيناها غضبا لتتحول للون أحمر يعبر عن مدى الغضب الذى وصلت له لتهب عن المقعد وتقول بحدة : ماله ابنى يا سهير !! انت واحدة جاهلة وعقلك راجعى ..انا راعيت كتير فرق السن بنا وماكنتش برد عليكى بشكل يناسب جهلك ورجعيتك .
نظرن لها بصدمة بينما نظرت ل ندى : اذا هتسيبى عقلك لواحدة زيها هتضيعى نفسك وحبك وحياتك .
عادت تنظر ل سهير التى قالت : ما انت لازم تقولى كده لانه ابنك ..القرد في عين امه غزال .
قالت جملتها بتهكم واضح لتبتسم ليليان : معاكى حق علشان كده بتحاولى تكرهى ندى فى ابن خالتها لانك عاوزة تجوزيها ابنك ..مش كده !!؟
شحب وجه سهير بينما تابعت ليليان : نسبة الوراثة فى متلازمة داون قليلة جدا لو حضرتك فاهمة انت بتكلمى عن ايه . وياما ناس متجوزين مش قرايب وولادهم من ذوى القدرات الخاصة .انا هقدم طلب نقل من الإدارة لأن مااحبش اشتغل مع ناس جاهلة وقلوبها عامية .
وقفت نادية تحاول تخفيف التوتر : استهدى بالله بس يا ليليان ..يا حبيبتي ربنا يبارك لك في ابنك الحكاية مش مستاهلة نقل .
نظرت لها ليليان بتحفز : لا مستاهلة انا لايمكن اتعامل مع واحدة بتبص لابنى على أنه مخلوق درجة تانية .عن اذنكم .
وتوجهت للخارج فورا لتنظر سهير فى أثرها بغضب واضح بينما نظرت لها نادية وندى بإتهام ولوم .
_________
حين عاد رفيع من الخارج أخبرته أمه بزيارة حجاج الغريبة مما أثار ريبته بالفعل ، أعلمه ضاحى عبر الهاتف بتلاعب المحامى والإفراج عن حجاج لكنه لم يتوقع منه زيارته مطلقا .
مر اليوم بطيئا ولم يغادر هيبة فراشه نهائيا مع تشديد سما على طعامه ودواءه مما اشعره بالمزيد من الراحة لمجرد عنايتها الفائقة .
ارتدى رفيع ملابسه واعزم على عودة هيبة فقد علم بمرضه ، كانت تساعده وتلاحظ شروده لتتساءل : مالك يا رفيع ؟
نظر لها بشرود : جلبى مش مطمن لرچعة حچاچ . زيارته لأمه مش طبيعية . انى ماجادرش اكسر فرحتها بيها بس هو ماراچعش عشانها .
قطبت جبينها بعدم فهم : امال راجع علشان مين ؟ تفتكر بيفكر يأذى حد تانى ؟؟
زفر بضيق : انى متوكد إن فى دماغه حاچة عفشة زييه . ربنا يستر .
وصل لها قلقه لتقول : طيب نحرص مش هيجرى حاجة . وقول للجماعة على شكك ده يزودوا الحراسة شوية .
أومأ موافقا حديثها : طبعا هجول ل ضاحى بينى وبينه ، هيبة لحد دلوك مايعرفش إنه خرچ من الحبس .
قاطعته فورا : بس كدة غلط لازم يعرف وياخد احتياطه .
رفيع بحيرة : بس هو بعافية !!
قاطعته رنوة : ولو يا رفيع . المواقف أثبتت إن رؤية هيبة غير الكل ، هو بيشوف الصورة اوضح لانه بيحكم عقله ويخرج نفسه من النزاع .يعنى بيبص للحكاية كأنه مش طرف فيها وده بيخلى حكمه اصح دايما .
قطب جبينه وقد ظهرت علامات الغيرة بصوته : خلصنا أما اشوف ادينى رايح له .
تحرك لتضحك وتزيد احتراقه مع اقترابها منه : وبعدين فى الغيرة دى بقا !!!
نظر لها بطرف عينه بحدة : انى جلت لك من اول يوم انى بغير يبجى تاخدى بالك من لسانك وماتتحدتيش عن الرچالة جدامى .
وصلت له لتستند إلى صدره وتريح رأسها تستنشق عطره الذى زاد عشقها له مع الحمل : يا رفيع أنا بشوف الناس التانية فى مكانتهم من خلالك انت ، يعنى زناتى بشوفه بس علشان اخوك ، وولاد عمك بشوفهم بس علشان ولاد عمك لكن عنيا مابتشوفش راجل غيرك هم موجودين اه لكن يلفتوا نظرى لا.
شعر ببعض الراحة تتسلل لصدره الثائر بالغيرة من كلماتها الرقيقة وساعدها فى تحريره من غضب غيرته تلك اقترابها منه وطريقتها فى استنشاق عطره كأنها تحتفظ به كجزء منه بصدرها .
_____
عادت ليليان بصحبة طايع ككل يوم توجهت لشقة روان وطرقت الباب ليفتحه خالد متذمرا : بالراحة يا عمتو إياد نايم .
ابتسمت له بينما قال طايع بحدة : بالراحة انت هتعلمنا الأدب ولا ايه ؟
نظر له الصغير بتعجب : يا عمو لو صحى وهو لسه نايم من شوية دماغه هتوجعه ويبقى مضايق .
عقد ضاحى ساعديه : وانت ايش عرفك يا ابو العريف ؟
أجابت عنه بسمة : عمتو روان قالت لنا علشان نخلى بالنا منه .
نظر لها بحدة فهى تدافع عن خالد كعادتها إلا أن معارضة نسمة اسكتته وهي تقول : ايوه عمتو قالت كل الأطفال الصغيرين بيحبوا يناموا وهم اصلا بيكبروا وهم نايمين . واحنا عاوزين إياد يكبر بسرعة علشان يلعب معانا .
ضحكت ليليان بخفوت ف طايع لا يملك ردا يوقف به هجوم الصغار بينما اقتربت الفتاتان من خالد لتقول نسمة بخفوت : هو نايم من بدرى ؟
هز خالد رأسه نفيا وهمس : من ساعة واحدة
نظرت لهما بسمة : فاضل ساعة كمان علشان يبقى كويس
ظهر الامتعاض على ملامح نسمة : بس انا عاوزة اشوفه .
خالد بنفس الهمس : تعالو نطمن عليه من بعيد مش هنعمل صوت .
وهكذا تحرك فى المقدمة تتبعه الفتاتان بحذر وطايع ينظر فى أثرهم بدهشة ليقول : دول ولا كانهم هيحلوا أزمة الشرق الأوسط !!
تعلقت بذراعه : خليهم يتحملوا مسؤولية اخوهم .يلا نطلع
نظر لها بتساؤل : والعيال ؟؟
هزت كتفيها بدلال : هيجو لوحديهم .
نظر بحدة لخطواتها المتدللة ليقرر أن ترك أمر الصغار ل روان فكرة ممتازة بالفعل .
_____
أنهى راجى أعماله وقرر موافاة أخيه بالحظيرة حيث بدأ ثلاثتهم تربية سلالة جديدة من المواشى وكان ضاحى يتفقد الحيوانات يوميا ويعمل بنفسه على اطعامها ولا يسمح لغيره بإطعام أو سقاية المواشى ورغم أن هذا يحمله مسؤليات إضافية لأعماله اليومية إلا أنه يصر على متابعته بنفسه .
عين بعض الأفراد من ذوى الثقة لتنظيف الحظيرة ورغم ذلك يحظر عليهم إطعام الحيوانات . حين علم بخروج حجاج من السجن توجس خيفة من محاولة أخرى للاضرار بهم عن طريق قتل الحيوانات مرة أخرى لذا أراد أن يتأكد بنفسه من كل صغيرة وكبيرة .
عرج راجى على الحظيرة بطريق العودة ليجد ضاحى على وشك الانتهاء من عمله ليتساءل : جدامك كتير ؟
نظر له ضاحى : لا بس بطمن إن المداود فيها علف للصبح واسجيهم ونروح .
خلع راجى عباءته وأسرع ينضم لأخيه ليساعده على إنجاز العمل متسائلا : بيت على الفرسة ؟؟
ابتسم ضاحى : معلوم انى أجدر افوت ليلة ماابيتش عليها وأكلها بيدى .
ضحك راجى : ههههه فرسة شديدة وتستاهل .
افرغ ضاحى الدلو أمام الحيوانات ليقول : عربية أصيلة وبزيادة إن مفيش زييها فى الناحية كلاتها .غلبتنى صوح ف الاول بس خلاص بجينا حبايب ومحدش غيرى هيجدر يركبها
نظر راجى لأخيه بحنان : طول عمرك خيال يا ضاحى .
______
هبط رفيع الدرج الداخلي تصحبه رنوة المبتسمة ، نظرت لهما شريفة بسعادة بينما كان سويلم منكب على إنهاء فروضه ويشرح ل حسنات بعض المسائل الحسابية وهى تهز رأسها بتفهم رغم أنها لا تفهم اى مما يقول .
ضحك رفيع لاصرار ابنه على مشاركة حسنات اصغر شؤونه ليقول : انى رايح دار عمى عاوزينش حاچة ؟؟
وقبل أن يجيب أحد قاطعم الطرق بالباب ليتوجه نحوه رفيع وسرعان ما احتلت الصدمة ملامحه وهو يرى حجاج يزور بيته للمرة الثانية في يوم واحد وهذه المرة يصحبه زناتى .
_____
أنهى راجى وضاحى العمل ليخرجا من الحظيرة ويشدد ضاحى على الحارسين بالتنبه وعدم السماح لاى كان أن يقترب من الحظيرة .
ثم توجها للمنزل الذى تفصله بضعة أمتار عن الحظيرة وتربطه بها رواق داخلى طويل لكن لسوء الحظ قررا الدوران حول المنزل والدخول من الباب الرئيسى .
______
كان هيبة بفراشه وقد بدأت آلامه تتلاشى وقرر أن يتناول العشاء بصحبة العائلة ليطمئن قلب أمه ويشارك إخوته .
نهض عن الفراش وسما تمسك كفه وتبتسم : ايوه بقا انزل نور بيتك وانت احلويت على البرد كده .
ضحك هيبة وجذبها لتقترب : انت بتعاكسينى بجا ؟
اومأت بتأكيد : طبعا بعاكسك دى عاوزة سؤال !!!
لينتفض فور سماع أعيرة نارية تشق السكون النسبى المصاحب للغروب ليتساءل بفزع وهو يسرع نحو ملابسه : خبر ايه ؟ مين بيضرب نار جرب الدار إكده؟
_____
جلس حجاج أمام نظرات رفيع الثاقبة بينما اختفت رنوة فور وجوده ، كانت السعادة ظاهرة على زناتى وهو يصف لهم أن حجاج زاره بمنزله وأبدى ندمه عن معاملته المتدنية له سابقا واراد أن يبدأ من جديد وقد غيرته المحنة التي ألمت به وقد اقتنع زناتى تماما أن حجاج برئ من تلك التهمة ويطالب رفيع بالتدخل للإصلاح بين حجاج وأبناء عمومته .
وفى لحظة دخل سليم من الباب يصرخ بفزع : بوى . بوى .
ارتمى بين ذراعى أبيه الذى تساءل بثبات : حوصل ايه يا سليم ؟ مفزوع ليه إكده ؟؟
ليقول سليم لاهثا ببكاء : عمى ضاحى وعمى راچى انجتلوا
تعليقات
إرسال تعليق