القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الشرف الجزء الثالث الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم قسمة الشبينى

 رواية الشرف الجزء الثالث الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر  بقلم قسمة الشبينى 



رواية الشرف الجزء الثالث الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر  بقلم قسمة الشبينى 



الحادى عشر

منذ ساعات وهو يجلس بغرفته يلوم نفسه على فرارها منه ، ما أخبره به زناتى من كلمات قوية نبعت من قلب صغير اولى نفسه بحمايتها حتى منه يشعره كم كان انانيا .

ذلك الصغير الذى أمام حماية والدته تناسى أن من أغضبها والده .

نظر فى ساعته أمامها ساعات بعد لتصل للقاهرة ، ترى كيف حالتها !!!

ألازالت حزينة !!

ألم تتوقف دموعها !!

بحث عن هاتفه يجب أن تعود إليه. لن يسمح لنفسه بالسير خطوات أخرى في طريق نهايته . عليه أن يواجه نفسه .

وهى .. هى نفسه .

___________

كان محمد يجلس وأسرته الصغيرة المكونة من حبيبته القوية رحمة وصغيره حمزة وزهرة العائلة كما يطلق عليها دائما ؛ زينة يتناولون الغداء بين مشاكسات زينة لوالدها وتدللها المفرط رغم شخصيتها الشديدة الشبة بوالدتها فى قوتها .

هزت زينة رأسها بإصرار : لا يا بابى ماليش دعوة هجيب ل تاج التاب اللى أنا قلت عليه .

حمزة : لا أنا اللى هجيب له تاب .

نظر لهما محمد ولصمت زوجته ثم قال بحزم : حمزة ايه رأيك تجيب له بلاى استيشن واختك تجيب التاب اللى قالت عليه .

تذمر الصغير : يا بابا انت كل مرة تسمع كلامها .

شعر محمد بأن صغيره محق ، هو دائما في جانب ابنته ، حسنا لابد أن لديها حل يرضى كلاهما . لم هى صامتة بهذا الشكل !!!

نظر لها يطلب دعما لتبتسم بظفر فهو دائما ما يفشل في إرضاء طفليه معا .

تحدثت اخيرا : طيب انا عندى فكرة حلوة .

نظرا لها لتتابع : حطوا فلوسكم مع بعض وهاتوا لاب توب هيشتغل كمبيوتر وبلاى استشن فى نفس الوقت .

تبادل الطفلان النظر لتقول زينة : أنا موافقة 

ويبتسم حمزة : وانا موافق .

نظر لها محمد بغيظ : ما كان من الاول !! 

اقتربت الصغيرة برأسها من أخيها وهمست بكلمات ليقف معها ويرددا : أنا شبعت .

ثم يهرولا للداخل لتتسع ابتسامة رحمة وتنظر له قائلة : علمهم يتفجوا ما تنصرش واحد على حساب التانى 

أومأ مبتسما ليقول : تعرفى زينة بتفكرنى بمين؟

نظرت له ليتابع : برونى بنت عمى . دلوعة ورقيقة زيادة عن اللزوم بس تخطف القلب ..حتة بسكوووتة

نظرت له بغضب توارى غيرتها بلهجة تحذيرية: مايصحش تتحدت على مرت اخوى إكده .

ضحك محمد فهى حين تغضب تعود لنسختها الصعيدية شديدة الحمية والغيرة ، تشابكت اصابع كفيه ليرخى رأسه فوقهما وهو ينظر لها بحب : يا عبيطة دى اختى الصغيرة وبعدين زينة بقا واخدة قوتك وعنادك . رنوة صحيح اكتشفنا قوتها بس الكل وانا أولهم كنت شايفها ماتنفعش فى حاجة خالص .

استرخت ملامحها بعض الشئ وقاطع حديثهما إقبال الصغيرين وحمزة يمسك كف أخته الصغيرة ليقاطع الجميع رنين هاتف محمد .

نظر لشاشته ليجيب ضاحكا : ههههه انت بتراقبنا ولا ايه يا كبير ؟ ده انا كنت لسه في سيرتكم .

تجهمت ملامح محمد وهو يهمس : اه . .. اهه .. 

ليهب فجأة عن الطاولة فيسقط المقعد محدثا ضجة فيفزع صغيريه ويعودا خطوة للخلف . اسرعت زينة بلا تفكير تقترب من أخيها الذى ضمها بلا تردد وهما يشهدان على غضب والدهما للمرة الأولى على الاطلاق.

انتفضت رحمة تبعا له وهو يقول بغضب : يعنى ايه مشيت يا رفيع !! انت اتجننت ؟ انت سبت اختى تسافر بعيالها من الصعيد لمصر لوحدها .

صمت لحظة ليصرخ : واعرف منين السواق اللى راكبة معاه ابن حلال ولا ...

شهقت رحمة للفظ البذئ الذى صرخ به لتتجمد ملامحه بعدها ويقول بجدية : شكرا يا نسيبى .. اختى أنا هعرف اوصل لها.. بس مش هعديهالك .

كانت لهجته التحذيرية لا تقبل الشك . بل تتجه لنبرة التهديد.

عاد للصراخ : لا مالاكش صالح دى كانت زمان دلوقتي أنا اللى بقولك مالاكش صالح بيها ولا بعيالها وإذا كنت فاكر إن عمى وابويا واخويا طيبين وهتقدر تأثر عليهم وترجعها فاعرف انى أنا اللى قدامك قبل الكل .

وانهى الإتصال قبل أن يستمع للرد ، نظر لها بحدة : دخلى الولاد اوضهم .

أولاها ظهره فورا لتسرع لطفليها المرتعبين وتجذبهما للداخل.. يمكنهما حتما التحدث لاحقا بعد أن يطمأن قلبه ويستعيد هدوءه .هى تعلم أن له كل الحق في غضبه دون أن تسأل عن الأحداث التى تسببت في هذا الخلاف لكن يكفى أن زوجة أخيها حاليا تسافر بطفليها وحدها ..هى نفسها ترفض ذلك.لذا تركته يتعامل مع الموقف . بينما اسرع بإجراء إتصال اخر .

_____

كانت بالسيارة وقد سأمت تكرار اتصاله ، هى لن تتحدث إليه وهى بتلك الحالة . أغمضت عينيها تدفن دموعها للمرة الألف منذ  غادرت منزله .

تركت جزءا من روحها فيه ، تركت اعوامها التى حيتها بحماه ، تركت قلبها الذى عشقه حد الجنون . رفضت رفيع الأجوف وهجرته لكنها غادرت جوفاء مثله تماما .

نظرت للشاشة مرة أخرى لتسرع ضاغطة زر الإجابة : محمد .

نطقتها بلهفة كتائه وجد ذويه بعد طول ضياع ، لم تعد قادرة على التماسك لتسمح لبعض الشهقات فى التعبير عن تمزق صدرها ليمنحها هو كل الوقت الذي تحتاجه .

______

نطقت اسمه كأنها تستنجد به من معاناتها ..منحها فرصة لتنفس عن الضغط الذى يقبل قلبها ثم تساءل بهدوء : رنوة انت فين ؟

سمع بكاءها الصامت فصمت مرغما ، لطالما رأى دموعها ولم تؤثر به يوما فطالما لم ير حقيقتها سابقا . لكنه رأى حقيقة رنوة بعد زواجها الذى تنبأ هو قبل الجميع بفشله لتثبت هى للجميع مدى قوتها . مدى تعقلها . مدى عشقها .

وبعد أن رأى كل هذا وشهد عليه اصبحت دموعها كأنصال تدمى قلبه . فمثلها لا يبكيه إلا جرح غائر .

انتظر حتى هدأت لتخبره بموقعها فيقرر ملاقاتها على الطريق ، لا طاقة له أن ينتظر وصولها . سيصل إليها .

______

أنهى رفيع الاتصال الذى زاده جنونا . أيعقل أن يتعرض لها ذلك السائق بالسوء !!!

كيف لم يتوقع ذلك !! 

إنها لا تجيب اتصالاته ...

لعن غباء أخيه وسذاجته . لما لم يلحق بها ؟؟

ولما لم يفعل هو ؟؟

كلما بحث عن مخرج يدور اللوم ويعود مسلطا أصابع الاتهام إلى صدره وحده .

دفن وجهه بين كفيه ، ليس أمامه سوى الانتظار ..سوى الاحتراق ..

______

صحبت الطفلين لغرفة حمزة فكلاهما مرتعب و رغم الباب المغلق إلا أن القلوب ترتجف لصراخ زوجها  .

هما لم تستوعب طفولتهما ما يحدث .

وهى للمرة الأولى ترى غضبه هذا . أعوام مرت لم تر هذا الغضب مطلقا ، هل ستحمل هى نتيجة ما حدث وما لا تعرفه ؟ 

لا هى تثق أنه لن يحملها ما حدث . هو فقط غاضب وهى تمنحه كل الحق ليفعل..

فتح الباب عنوة لينظر له ثلاثتهم . كانت نظراتها قوية كعادتها . ما افزعه الفزع بتلك الأعين الصغيرة .

تحدث فورا : رحمة البسى هنروح نقابل رنوة .

تحركت للخارج فوراً فهذه رغبتها أيضا . أقترب من طفليه ونظر لفتاته المتمسكة بكف أخيها متسائلا : مالك يا زينة ؟

اشاحت الصغيرة وجهها وقالت بخفوت : أنا خايفة منك يا بابى .

اغمض عينيه يستدعى هدوءه ليرى صغيرته هذه . هذه الرقيقة والتى شبهها بابنة عمه منذ قليل . أيعقل أن تدور الأيام ويرى ابنته في مكان رنوة حاليا . استعرت نيران الغضب حين أوصلته ظنونه لهذه النقطة . فتح عينيه ليتحدث بحدة : اوعى تخافى طول ما أنا عايش . ومهما حصل تيجى تستخبى فى حضنى . لو الدنيا كلها مش هتسيعك حضنى أنا هيسيعك .فاهمة ؟

تساءل بنفس الحدة لتتشبث الصغيرة بشقيقها أكثر وتقول وهى على وشك البكاء بمنتهى البراءة  : أنا مستخبية عند حمزة .

نظر حوله . إنها بغرفة شقيقها بالفعل ، ااااه من حبيبته التى تثبت فى اشد المواقف أن عقلها أوعى من استيعابه . لقد اتت بها لغرفة أخيها لتزرع فيه حمايتها وتزرع فيها لجوءها إليه .

نظر لصغيره الذى يحارب خوفه مبديا قوة ظاهرية لا تخفى عليه ليمد ذراعيه ويجذبهما معا إلى صدره هامسا : وانت وحمزة تستخبوا فى حضنى .

أحاطهما بحماية لينهض حاملا كليهما ويتجه للفراش . جلس وهما بين ذراعيه لينظر ل حمزة : حمزة أنا وماما خارجين .خلى بالك من زهرتنا لو اتأخرنا نيمها جمبك علشان ماتخفش .

ابتسم حمزة فوالده للمرة الأولى يستخدم صيغة الجمع فى نسب الصغيرة إليهما معا بينما تساءلت زينة دون أن يختفى الارتعاش من صوتها كليا : انت رايح فين يا بابى ؟

ربت عليها بحنان : هجيب عمتو رنوة واجى .

أقبلت عليه ليربت مرة أخرى على كليهما فيتحركا سامحين له بالمغادرة .إلتف ينظر لابنه مبتسما ليبتسم الصغير ويحيط كفى شقيقته بكفيه .

______

هاتفها مرة أخرى ليتحدث إلى السائق ويحدد موقعهم ويتجه إليهم من فوره ، كان الصمت صاحب السيادة ولم يفكر اى منهما في تنحيته جانبا .

اخيرا ظهرت السيارة ، لقد توقف السائق كما طلب منه وها هو يقف بجوار السيارة وبجانبه صغيرا تعرفت عليه رحمة فورا فهو ابن أخيها .

اوقف سيارته لتهرع إلى الصغير : سويلم . وحشتنى يا حبيب عمتك .

ضمته لتجده يربت على كتفها كما كان يفعل أخيها الراحل وكما يفعل والده ايضا  .لطالما كانا حانين عليها .

ابتعدت عنه تتجه نحو السيارة بينما توقف محمد ليخرج مبلغا كبيرا من المال يقدمه للسائق الذى تهلل قلبه فهو ضعف ما طلب ويزيد .

لحق بها ورنوة تغادر السيارة ليتساءل بلهفة : عاملة ايه يا رونى ؟

وكانت اجابتها بين ذراعى رحمة ؛ بكاءا يمزق القلوب ألما وأنينا . إنها تحتاج من يضم أحزانها بحب لتفرغ فوق صدره حمم أحزانها . وهو لا يمكنه تقديم ذلك فليترك زوجته لتفعل .يعلم أنها تستطيع.

فاجأته رحمة وهى تربت عليها ثم تبتعد قليلا وترتفع لتقبل رأسها بحنان : حجك على راسى يا خية . 

عادت تضمها ليرى تأثير تلك الكلمات في بكاء رنوة ويرى تأثير بكاء رنوة بعينى زوجته . 

حبيبته جزء من حبيبها وكم تحتاج الشعور بقربه أو قرب جزء منه . 

اتجه نحو الصغيرين : يلا يا ولاد اركبوا العربية .

تقبل سليم كفه الممدود بينما عقد سويلم ذراعيه ناظرا لأمه لا يحيد بعينيه عنها . تعجب محمد موقفه لكنه تحرك ليضع سليم بالسيارة ثم يحمل الحقيبة وعينيه تراقب سويلم بتركيز .

اقترب الصغير خطوات من أمه ليقول بحنان : ماتبكيش واصل .

نظر له الجميع ليتابع : ايوه ماتبكيش حجك مش حدا عمتى ولا حدا خالى .

أشار لصدره : حجك حداى وانى هعرف أجيبه من بوى .

صغيرها ذو السبع سنوات يخبرها ببساطة أنه يتكفل بإعادة حقها من والده ، وإن اعجزته الوسيلة فيكفيها قلبه الذهبى الصغير ذا .

ابتعدت عن رحمة لتهبط لمستواه تضمه. يربت على كتفها بكفيه معا . أشار محمد ل رحمة التى قالت : يلا حبيبتى . يلا نروح .

تحركت معها بهدوء نحو السيارة ما إن استقرت حتى قالت : محمد ودينى عند بابا .

نظر لها عبر المرآة ليقول بحزم : لا يا رنوة لما تهدى ابقى روحى دلوقتي هتيجى عندى .

همت بالاعتراض لتقول رحمة : بيتوا الليلة بس اشبع من ولاد اخوى .

تحدثت بخفوت : معلش خلونى ...

ليقاطعها سويلم : خالى معاه حج ماينفعش نفزع چدى إكده .

هذا الحبيب شبيه الحبيب الذى يفرض وجوده رغم صغره ، انصاعت اخيرا لرأى الجميع .

_______

اخيرا هاتفته رحمة ليسترد بعضا من أنفاسه .

إنها بخير ...

هذا يكفيه مؤقتا . ألقى جسده المنهك فوق الفراش 

مرت أسوأ لياليه طويلة شديدة الصعوبة . فهو وحده .

فى كل الصعوبات كانت هنا لأجله . كانت تستقبل كل أحزانه برضا . تحتوى كل ألامه بحنان . تضم كل أوجاعه بصدر رحب .

اين يدفن اوجاعه !!!

كيف ينهى ألامه !!!

كيف يطفئ تلك النيران التى ترعى بصدره !!!

حسنا يحتاج أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب اى شخص اخر .عليه أن يزيل هذا الحاجز الذي يبعدها عنه . 

فهى ليست بعيدة بعدا مكانيا ..بل هى بعيدة بعدا روحيا .هو أبعدها بهذا القدر وعليه أن يعيدها .

____

تغلبت طفولة سليم كالعادة ليندمج تماما مع حمزة وزينة بينما سويلم أصر أنه بحاجة للراحة .

نظر له محمد بغيظ ، عن اى راحة يتحدث !!!

وحدها رنوة فهمت ، إنه يريد راحتها ، يريد منحها الخصوصية ، يريد منحها ما تحتاج .

دخل معها للحجرة التى أعدتها لهم رحمة وسرعان ما بدل ملابسه وتصنع النوم . بدلت ملابسها أيضا واستلقت بالفراش تمسك هاتفها حيث تحتفظ بصوره.. الألاف منها في الحقيقة . فقد كانت تلتقط له صورا على مدار الأعوام لم تحذف منها لقطة واحدة .

صورهما معا تذكرت طلبها المتكرر : رفيع تعالى نتصور سلفى .

لم يعارض هذا الطلب مطلقاً .لطالما كان متفهما لبراءتها ومحتويا لسذاجتها  . تسللت دموعها وبدأت تتحدث إلى صوره .

استمع الصغير دون أن يدرك معنى الكلمات ، إنها ليست غاضبة من والده كما يردد الجميع ؛ إنها حزينة لأجله .

لم يفهم لما تطلب من الصورة أن تعيد إليها حبيبها . أليست هي من غادرت !!؟

تخبطت أفكاره فحديثها مبهم لعقله الصغير ، لكنه مؤلم لقلبه . 

أدرك شيئا واحدا . أمه تعشق أبيه ولن تهجره . شعر بالراحة لتلك الفكرة . هى تطالب الصورة بإعادته إذا ستعود إليه وسيعرف هو وقتها كيف يثأر لحزنها الذى تسبب فيه والده وإن لم يكن متعمدا . كان عليه أن يكون حريصا .

تذكر قول أبيه حين كان يوصيه ب حسنات : يا ولدى الحريم عجلهم صغير وجلبهم كبير . اجل حاچة تزعلهم وأجل حاچة تراضيهم . النفر منينا لازمن يبجى واعى ويدير باله على الحريم زين . دول أمانة ربنا عندينا . هنتحاسب عليهم وعلى زعلهم ووچعهم . وستك حسنات طيبة وجلبها محروج على خوى سويلم . كل ما تراضيها ربنا يرضيك .

عقد الصغير حاجبيه ؛لما لم ينفذ أبيه تلك الوصايا وينتبه لوالدته . هو يعلم كم هى رائعة ، بل هى افضل النساء واجمل النساء واكثرهن عطفا ومحبة .

إنها أمه التي رأى بعينيها الحياة . وتعلم بقلبها الرأفة . وتفهم بعقلها كيف يكون فى عمره هذا مراعيا للجميع وحاميا لأخيه .لم تكن تعلم أنها تزرع فيه ما ستحصده هى . ربما لم تتوقع من ابيه الخذلان .

_____

أصرت فى الصباح أن تعود لمنزل والدها . ورضخ محمد لطلبها أمام إصرارها .

استعدت وانطلقوا جميعا لمنزل حازم .

إعتاد حازم الاستيقاظ مبكرا منذ سنوات . لكنه تعجب الزائر المبكر الذى يطرق بابه .

توجهت الاء للداخل بخطوات بطيئة بينما توجه هو للباب .

فتحه ليصدم من رؤية صغيرته ، لم تخدعه بسمتها الزائفة . لم يتحدث بل فتح ذراعيه لتستقر بينهما ويطبق عليها ذراعيه وعيناه تسألان محمد عما ألم بصغيرته .

_____

غادر محمد بعد أن شدد على عمه بالتحلى بالصبر حتى تأخذ هى قرارا بالتحدث .

مر اسبوع كامل لم تفكر أن تتحدث عما حدث وكلما تساءلت الاء راوغت وتهربت منها  .

تحضر رحمة يوميا لرؤيتها والترفيه عنها وقد انهكها أخيها دون أن يتحدث عما حدث ايضا .

كلاهما يتبع الصمت ولا يرضى فضول أحد .

هدأ محمد إلى حد ما وقرر أن يجيب اتصالات رفيع التى تتكرر وهو يرفضها .يكفيه أسبوعا كاملا من الاحتراق .

أتاه صوت رفيع المتلهف : اخبارهم ايه يا محمد ؟

ابتسم بسخرية : قال يعنى يهمك ! واحد غيرك كان جه جرى ورا مراته مش رماها اسبوع زى ما يكون ماصدق خلص منها .

أنفاسه الثائرة أخبرته بغضبه لكنه يريد هذا الغضب فتابع بخبث : انت تعرف الاسبوع ده هى فكرت في ايه ؟ أو غير جواها ايه ؟ خليك.. انت الخسران .

أتاه صوته الفزع : قصدك ايه ؟؟

محمد : مفيش بس رنوة مش صغيرة وخلى بالك كلنا في صفها حتى ابنك واللى هتطلبه هيتنفذ .

كتم ضحكاته وهو يستمع لصراخ رفيع الذى يخبره أنه لن يتخلى عن زوجته وسيعيدها إليه رغم انف الجميع حتى رغم أنفها هى .

أنهى رفيع الاتصال ليترك لضحكاته العنان مرددا : مجانين والله .

أتاه صوت ريان : بتكلم نفسك يا ابن عمتى ؟

لطالما احب ريان لتعقله ، نظر له مبتسما وتساءل : ريان هو لو واحدة زعلانة من جوزها وسابت البيت ازاى نقنعها ترجع  ؟

ابتسم ريان : بسيطة فكرها بقول الله عز وجل ( لاتخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ) 

محمد : بس هى زعلانة منه اوى !!

ريان بنفس البسمة : الست مهما تزعل من جوزها يا محمد جواها حته عاوزة تسامحه.. محتاجة له بس احنا اغبياء للاسف مابنعرفش نوصل للحته دى ونفضل نبعد بينهم اكتر ما هم بعاد .

تنهد محمد وعقد ساعديه متسائلا : وازاى نوصل لها بقا يا شيخ ريان ؟

ضربه ريان بخفه للهجته المستهزأة قائلا : ولو إن كلامى مش عاجبك وبتتريق عليا بس هفهمك . كل ما المسافة بين الزوجين وبين ربنا بعيد .هم بعيد عن بعض . لما يقربوا من ربنا هيلاقوا نفسهم قربوا من بعض .

تنهد محمد وظهرت عليه علامات عدم الفهم ليقول ريان : من الاخر لو جوزها كويس وهى بتحبه وهو بيحبها هاته وخليه يصلى بيها ركعتين .

تساءل محمد : وبعدين 

ريان بثقة : بعدين مالاكش دعوة إذا وقوفهم بين ادين ربنا حرك قلوبهم ربنا هيقربهم إذا وقوفهم بين ادين ربنا مااثرش عليهم يبقى قلوبهم ماتت وطريقهم اتقطع .

نظر له محمد بتركيز لتتسع ابتسامته وفى لحظة اقترب مقبلا رأسه : والله العظيم لأفضل طول عمرى اقولك يا شيخ . هو الدين ايه غير حب بالشكل ده .حب ربنا بيجيب كل حب .

تعجب ريان سعادته تلك بينما انطلق محمد عازما على تنفيذ تلك النصيحة .يعلم أن رفيع يقوده جنونه الأن وسيكون معه في غضون ساعات .


فصل المواجهة بكرة 😅 .اللى مستعجل يشوفه على التطبيق بعد ما اراجعه 


#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى

الثانى عشر

أحبك محمد خطته وسيطلب مساعدة أمه ، عليه أن يبعد رنوة عن الجميع يبجب أن يحصلا على فرصة قبل مواجهة العائلة  .

دخل لمنزل والديه وكانا جالسين يتحدثان بلا سأم ليقول بمرح : نفسى اعرف بتتكلموا فى ايه علطول كدة ؟ إلا مالاقيتكم مرة ساكتين .

نظر له حمزة بغيظ : وانت مالك يا اخى .

جلس محمد : لا بجد يا بابا ، دلوقتي كل المتجوزين بيشتكوا من الخرس الزوجى . محدش فيهم بيلاقى كلام يقوله للتانى 

ابتسمت ماسة : لو بيحبوا بعض زيى أنا وابوك هيلاقوا الكلام مابيخلصش .

غمز محمد بوقاحته المعهودة : طب ماتقولى لنا على الطريقة ده فى ناس ضايعة .

زفر حمزة بضيق : يعنى جاى تنق علينا ولا ايه ؟ قوم شوف اكل عيشك .

ضحك محمد وقال : خلاص يا حج روق . 

علت ضحكاته : بس النهاردة انضرب هههههههه

تجهم وجه حمزة ليتابع محمد متصنعا الجدية : يعنى يا حج يرضيك قعدة رونى كدة بعيد عن بيتها ؟

ظهرت علامات الحزن على وجه ماسة : مايرضيش حد يابنى بس هنعمل ايه مش راضية تتكلم .

نظرت لزوجها وتابعت : امبارح الاء ضغطت عليها جامد وفى الاخر اتهمتها إنها هى اللى غلطانة علشان كده ساكته بس بردو مااتكلمتش 

انفعل محمد : غلطانة !!! هو ده اللي مرات عمى قدرت عليه ؟ تكسرها اكتر ما هى مكسورة .

تعجب حمزة غضب ولده المبالغ فيه : يا بنى هى بتتهمها علشان تنفى وتبدأ تتكلم . ما هي بقالها اسبوع بتضحك فى وشوشنا وشايلة وجعها وساكتة .

زفر محمد بضيق : المهم جوزها جاى النهاردة . وانا عاوز أبعدها عن الكل 

نظر له حمزة : هو انت فاكر إن عمك يعنى عاوز يخرب بيتها . حتى لو شد عليه شوية المفروض يستحمل .

محمد : عارف يا بابا أنا مش قلقان من عمى . أنا قلقان من رنوة نفسها . سكوتها ده مايطمنش . أنا عاوز أهدى النفوس بس . اديهم فرصة هم الاتنين لوحدهم .

نظر له حمزة : ودى هتعملها ازاى بقا ؟ 

بدأ محمد يخبرهما بما يدور بعقله ، تحدث عن نصيحة ريان التى يراها مثمرة للغاية . تمكن من اقناعهما بمساعدته وقد رحبا بالمشاركة في إصلاح ذات بينهما . فالجميع يعلم مدى تعلق كل منهما بالآخر .

تحرك محمد بإتجاه الباب : ماتنسيش يا ماما اوعى تخليها تصلى العصر قبل ما يجى .

ماسة : ماتخافش أنا هاتصرف .

صعد محمد بعدها لمنزل عمه ليخبر رنوة أن امه تحتاجها فى بعض الشئون ، لم تمانع رنوة قضاء بعض الوقت بصحبة عمها وزوجته،تتهرب على الأقل من تساؤلات والديها التى لا تنتهى لكنها تركت ولديها فى رعاية رحمة التى أرادت صحبتها ليمنعها محمد بنظرة استجابت لها وإن لم تفهم السبب منها .

استأذن محمد بعد قليل لبعض الشئون الهامة كما أخبر الجميع لكنه فى الواقع توجه لملاقاة رفيع عازما على تلقينه درسا اخر  .

انتظر وصوله وما إن مرت سيارته حتى اسرع لاحقا به 

اوقف سيارته معترضا طريقه ليتوقف رفيع متذمرا منه ، فهو يظنه يعارض عودتها إليه . ترجل عن سيارته بغضب ليدور حولها مواجها محمد ومنتظرا ثورته .

اقترب محمد ينظر له بحدة : انت رايح فين كده ؟

اجابه رفيع بثقة : رايح ارچع مرتى دارى ومحدش هيجدر يمنعنى .

قال اخر كلماته بلهجة تحذيرية ليبتسم محمد بسخرية : هترجعها غصب عنها يعنى ؟ ترضاها على نفسك يا رفيع ؟

إحتقن وجه رفيع غضبا ؛ أحقا سترفض العودة إليه !!!

اهتزت نبرة صوته لتتأكد ظنون محمد تجاهه : هى جالت لك مارايداش ترچع !!

تساءل بصدمة واضحة ليهز محمد رأسه نفيا : حق ربنا ماقالتش . ماقالتش حاجة خالص وده اللي يخوف .

عقد رفيع حاجبيه ، لم تفصح عن سبب تركها منزله !!!

لم تخبر أحدا أنه هجرها بكيانه !!!

لم تخبر أحداً مدى الألم الذى شعر به اعتراها تلك الليلة !!!

اااااه من تلك الليلة . لولا انصياعه لرغبته ما وصلا لهنا .

أهانها !!!

بلى فعل . هو يعلم أنه فعل حين أهمل ما جعله الله بين كل زوجين لتقارب الأرواح . المودة . لم تكن تلك المودة يوما علاقة جسدية . بل علاقة روحية تصل بالزوجين إلى الرحمة . 

من حقها أن تفر . إن أهمل المودة فلن تحصل على الرحمة . لقد أهانها بشدة .

طال صمته ليقول محمد بنفس اللهجة الساخرة : ايه هترجع تانى وتسبها ؟

زاد تجهم وجهه وهو يقول حازما أمره : مش هعاود من غيرهم .

تفحص محمد ملامحه ليرى الاصرار على موقفه ، حسنا هذا ما يبحث عنه ،محاربته لأجلها . طالما حاربت لأجله وحان دوره ليفعل .

تنهد محمد : ماافتكرش إنها هتقبل تسمعك يا رفيع . رغم انى معرفش بينكم إيه بس رنوة اللى رجعت من اسبوع مش هى رنوة اللى سبناها عندك .

اخفض عينيه خجلا من نفسه ليتمتم : خابر .

دفعه محمد بصدره بغضب : وأما انت خابر سبتها ليه توصل لكدة !! هانت عليك يا رفيع . دى راجعة جسم من غير روح ؟

عاد يدفعه بصدره منفثا عن غضبه : هانت عليك رنوة تخرج من بيتك ؟

عاد يدفعه مع استسلام تام من رفيع وهو يقول: هانت عليك تسافر المسافة دى وانت عارفها كويس قد ايه رقيقة وبريئة ؟

رفع رفيع عينيه ينهره مزمجرا : محمد 

تراجع محمد وبدت السخرية على ملامحه : لا يا شيخ !!! غيران عليها منى !؟ من اخوها .وكانت فين غيرتك ورجولتك دى وهى راكبة مع راجل غريب معاها عيلين ؟

زادت انفاس رفيع اهتياجا ليشعر محمد بضرورة التوقف عن لومه ، أراد فقط أن يريه كم كان الموقف مؤلما .

مسح وجهه مستحضرا هدوءه ليقول : عموما اذا رنوة هانت عليك ماتهونش عليا .

رأى اشتعال غيرته ليتابع : لانى عارف إنها بتحبك .مهما تزعل منك بتحبك . وعلشان خاطرها بس انا هساعدها هى مش هساعدك انت .

هدأ غضب رفيع إلى حد ما وهو يرى أن محمد سيساعده رغم كل شيء ، لا يهم إن كان يرى المساعدة مقدمة لها فهما كيان واحد سيعمل على ألا يتجزأ مرة أخرى .

لم يتمكن من إخفاء لهفته : جصدك إيه ؟

تنهد محمد : هى من زعلها مش هترضى تسمعك . ويمكن ماترضاش تشوفك من أصله 

بلغ رفيع ذروة قدرته على التحمل ليصيح بغضب : وبعدهالك يا اخى !! عنديك كلمة زينة جولها مفيش هملنى اصرف حالى وكفاية تجطيع فيا بجا .

جاهد محمد لإخفاء بسمته الظافرة فقد أوصله للنقطة التى يريدها تماما .وهو فى تلك اللحظة مستعد لسماعه بلا مناقشة .وبلا تهور .

تنهد براحة : الحاجة الوحيدة اللى تساعدك علشان هى تضطر تسمعك دلوقتي لحظة قرب من ربنا .

قطب جبينه : مافاهمش .

محمد : صلى بيها يا رفيع .. اقف انت وهى بين ادين ربنا وادعى له يصلح بينكم ويفتح قلبها تانى .

ظهر الضيق على وجه رفيع : يعنى انى اروح دار ابوها اللى غضبانة عنديه ليها سبوع واجوله انى چاى اصلى بيها !! ماتصرفنى يا اخى ؟

ابتسم محمد : هى اصلا مش عند عمى . هى عندنا وزمان ماما مأخراها عن صلاة العصر على ما حضرتك توصل وانت بقا أقنعها تصلوا ركعتين بعد العصر ولا قبله .اتصرف انت بقا .

التقط أنفاسه اخيرا . لقد ارعبه هذا المتهور . لكنه محق إن عادت له شقيقته يوما بالحالة التي عادت بها رنوة لأذاقه الأمرين .

ابتسم وهو يتحرك عائدا للسيارة : طيب انطج يا اخى نشفت دمى .

استقل السيارة ليوقفه محمد : رفيع .

نظر له ليقول محذرا : حافظ على فرصتك لأن مفيش غيرها .

ابتسم رغم حدة محمد ليقول : برجبتى 

ابتسم محمد : وانا هستناكم عند عمى .

انطلق رفيع بالسيارة ليتنهد محمد براحة ويدعو الله أن يصلح بينهما ..لقد ذاق مرارة الفراق معهما وإن لم يعشها فعليا .

______

دخل ريان لمنزله يبحث بعينيه عنها ، اشتاق الوقوف بها بين أيادى الله .لكم هو شاكر سؤال محمد الذى نبهه إلى تقصيره ذا .

كيف لم يفكر في إجلاء همومها بالصلاة !! كان يراها تتألم وهو يملك علاجها وأغفله .

لم يسعده محياها ليناديها بتلهف ، خرجت إليه من غرفة صغيره متسائلة : فى ايه يا ريان ؟

اقبل يقبل جبينها بحب : بتعملى ايه ؟

ليال : بنجهز لعيد الميلاد بتاع ابنك . ده عازم العيلة كلها .

ضحك ريان : وماله خليه يفرح . 

جاء صوت صغيره مقاطعا : قولها يا بابا .كل شوية تقولى كدة كتير .كدة كتير .

ضحك ريان وقال بحماس : طيب ايه رأيكم نصلى سوا وبعدين نجهز سوا لعيد الميلاد .

اقترب برأسه من ليال هامسا بحنان : هتصلى معايا ولا لازم ازعلك .

نظرت له بمشاغبة : ما أنا زعلانة اهو مش هتمشى كلام ابنك عليا ؟

اتسعت ابتسامته بشوق واضح : يبقى لازم اصالحك بعد الصلاة .

رفع تاج رأسه متسائلا : انتو بتقولوا ايه ؟

عقد ريان حاجبيه وهو يدفعها ممازحا : خليكى زعلانة بقا .

ضحكت ليال وهى تهبط لمستوى صغيرها : يلا يا ملاكى روح مع بابا اتوضوا وانا هتوضأ فى حمام اوضتى .

تعلق تاج بكف ريان الذى نظر لها بغيظ ثم امسكه من مؤخرة رأسه : يلا يا اخويا أما اشوف اخرتها معاك انت وامك .

_______

طرق الباب وهو يشعر أن طرقات خافقه تعلوه صوتا . انتظر لحظات حتى طالعه وجه حمزة البشوش الذى أزاح عن كاهله الكثير من معاناته الداخلية .

ابتسم حمزة ورحب به، يشعر بحرجه ومخاوفه من لقاء الجميع . ادخله بهدوء حيث جلست رنوة اخيرا بجوار ماسة بعد الانتهاء من عدة أعمال ليست ذات أهمية .

رفعت عينيها تطالع محياه الذى تتوق له ، تبحث في عينيه عنه ، عن روحه التى اشتاقتها حد الجنون .بينما نظر هو لها لائما . رغم تقصيره هو يلومها هى . ولم لا يفعل !!!

تظن نفسها تهجره وهى تقتله .

هبت واقفة حين اقترب منها : طيب انا هطلع ياطنط علشان اصلى العصر .

إنها فرصته فأسرع يقتنصها : نصلوا سوا .

نظرت له ليحمحم : احمم انى كمان ماصلتش نصلوا سوا .

ابتسمت ماسة تخفف جو التوتر : اقعد يابنى حمدالله على سلامتك .خد نفسك وبعدين صلوا سوا .

حمزة : والله خير تفعل دى احسن حاجة الراجل يعملها يقف بين ادين ربنا بحبايبه 

مزيد من الراحة تتسلل لقلبه بينما يزداد وجهها جمودا ، ربت حمزة على كتف رفيع ليقترب منها ، عادت خطوة للوراء لتستقر جالسة فوق المقعد فتقول ماسة : قومى يا رونى اتوضى محدش غريب ده عمك وجوزك .

رغم ما تشعر به من غضب إلا أنها هزت رأسها وتحركت للداخل .عاد حمزة يربت على كتف رفيع : بالراحة عليها يا رفيع .

اخفض عينيه خجلا من نفسه : حجها يا عمى انى غلطان وغلطى واعر .

ماسة : مادمت عرفت غلطك تبقى تقدر تصلحه 

حمزة : الراجل اللي يعترف بغلطه ومايكابرش يبقى مش هيعيده ، وده املى فيك يا رفيع مش عاوز رونى ترجع لنا تانى بالحالة دى .

أومأ موافقا على الحديث : حاضر يا عمى انى محجوج لكم ومحجوج لها .

ابتسم حمزة : لو على حقنا إحنا مسامحين لكن حقها لحد دلوقتي في رقبتك .

أقبلت رنوة ليقول حمزة مغيرا مجرى الحديث : رونى خدى جوزك يتوضأ وصلوا فى اوضة محمود .

هزت رأسها ولم تتحدث ليقف مقتربا منها فتسير أمامه وهو يتبعها بصمت .

منحهما حمزة وماسة كل الخصوصية التى يحتاجان إليها .

انهيا صلاة العصر ليطلب منها أن تصلى معه ركعتين تقربا لله . واطال الصلاة .أراد أن يمنح قلبها الوقت الذي يحتاجه ويمنح قلبه الوقت الذي يحتاجه ليفصح عن معاناته التى يتمنى أن يفصح عنها لها هى دون الجميع .

ما إن أنهى الصلاة حتى أسرعت تتحرك عازمة على الفرار مرة أخرى.لكنه هذه المرة معها ولم يسمح لها بمغادرته

أنهى الصلاة ليشعر بها تهب واقفة فيقول مسرعا : فاكرة لما جلت لك خايف فى يوم الجى واد عمى جتيل وخوى جاتل .

توقفت خطواتها وعادت تجثو فوق سجادة الصلاة ليستدير بكيانه كاملا لها . نظر بعينيها مباشرة وقال : كانت اول مرة اشوف الخوف في عنيكى .

اغمض عينيه يحاول التحكم في ثورة أنفاسه ليفتح لها عينين غامتا بظلمة لم ترها بعينيه من قبل وهو يقول : من اول يوم ليكى فى دارى شيلتك هم كبير . ووجع اكبر وجهر اكبر واكبر .

جالت عينيه بظلامها فوق ملامحها بلهفة لم تخف عليها : وعمرك ما هزك اى حاچة من دول . طول عمرى ألجى فى حضنك الامان والراحة والجوة والحنية وكل اللى ادور عليه . ماخلتيش حاچة معملتهاش . ولا حاچة مجدمتهاش .

اقتربت بجلستها تمسك كفيه وتضغطهما برفق ليتنهد براحة : عاوزانى بعد كل ده انضر خوفك اوى كيه؟ فريت منيكى مش زهد ولا كراهة ..فريت منيكى ماتحملتش خوفك .جلبى خلعته عينك الخايفة . لاجيت نفسى عشت عمر معاكى باخد منك الامان اللى المفروض اجدمه .

ضغط هو كفيها بلهفة : شوفت نفسى صغير جوى . كنت محتاچ حضنك جوى وماجادرش أرمى فيه وجعى . 

تعلقت عينيه بعينيها وهو يتابع : موچووووع جوى يا رنوة وماجادرش ارتاح بعيد عن حضنك .

مدت ذراعها لرأسه لتقربه إليها هامسة : مين قالك إن دى كانت اول مرة اخاف فيها ؟ أنا علطول بخاف ..بس مش من كلامك ولا همك ولا وجعك أنا بخاف عليك من وجعك .. وده كان أكبر وجع ممكن تحس بيه انك تشيل دم القاتل والمقتول . 

ابعدت رأسه لتحيطه بكفيها وتقول بثقة : أنا بخاف عليك مش منك .حتى لما بعدت عني ماكنتش زعلانة منك كنت زعلانة عليك .

غمرها بدفء : حجك على جلبى ..انى غلطان  بس مافكرتش يوم انك ممكن تهملينى ..ده انت فى اشد ايامى كنت چارى .

نظر لها بعتاب : هان عليكى رفيع ؟

دمعت عينيها وهي تقول : عمرك ما تهون . وانا مابعدتش عنك .أنا كنت بدور عليك . كنت عاوزة حبيبى كله زى ما حبيته كله .

أشارت لصدره بإصبعها : ده لوحده مايكفنيش .

أشارت لرأسه : عاوزة ده .

ثم موضع قلبه : وده 

ثم ربتت على صدره : وده 

ونظرت لعينيه : وروحك قبل كل ده .روح رفيع هنا 

أشارت لصدرها : لما تيجى لى من غيرها هنا يموت يارفيع 

لم يشعر أى منهما أن دموعه تتساقط حتى شعر بكف الاخر تعترض طريقها بحنان يشتاق إليه كل منهما .

قربها منه بهدوء : كان لازمن ارچع خطوة واشوف زين انى عملت ايه ، لاچل ماعيدش غلط ممكن ياخدك من حضنى تانى . السبوع اللى فات كنت بتكوى كل ليلة ببعدك .

بادلته ضمته : اوعدنى يا رفيع افضل طول عمرى برك 

ابتسمت بحنان : وإن لاقتنى خايفة تانى احضنى ماتهربش منى 

ضمها لتقول بمشاغبة : لا أنا مش خايفة دلوقتي بلاش استغلال .

ضحك رفيع لتقول بأسى : يا خسارة يارتنى جبت الموبايل ..كان نفسى اتصور سلفى معاك بعد ما صلينا سوا .

اخرج هاتفه من جيبه هامسا : بس إكده . وغلاوتك لنتصور سلفى .

أعاد هاتفه لجيبه متسائلا بخبث : هو انت مرتاحة إكدة !! 

دارت عينيها بالمكان لتكتشف أنها تستقر بين ذراعيه بكامل جسدها وهما بغرفة محمود . انتفضت مبتعدة ليتبسم ويقف متمسكا بكفها : على فين !! ماهملكيش لحظة واحدة .

ابتسمت بدلال : اصلا ماتقدرش .

رفع حاجبيه بدهشة مصطنعة متسائلا : واثجة من حالك جوى ؟

اقتربت لتهلك شوقه : لا واثقة فيك .

همت بالتحرك ليوقفها قائلا : استنى اهنه . لسه مااتحاسبناش 

قطبت جبينها : على ايه ؟؟

جذبها نحوه : على خروچك من الدار من وراى . انت فاكرة دى حاچة هينة ؟ 

نظرت لعينيه مباشرة : عاوز تدى نفسك الحق تهرب وانا لا !

استنشق أنفاسها مستمتعا : انى فريت منيكى صوح بس ماهملتكيش .. كنت مطمن انك چارى ، أجدر اشوفك 

ارتفع ذراعه غامرا ظهرها : أجدر اطمن انك بخير .لكن انت هملتى الدار وسافرتى لحالك ..مع راچل غريب 

تغيرت نبرته واشتد ذراعه لتفهم أن لومه من باب الغيرة ،وما كان هذا ليغضبها مطلقا .

رفعت كفها تتلمس ملامحه هامسة : سماح النوبة علشان خاطرى .واوعدنى ما نوصلش للنقطة دى تانى .

اهتز صوتها : انا كنت خايفة أوى يا رفيع .

حسنا انهارت كل حصون مقاومته أمام هذا الاعتراف ورحب برفع راية الاستسلام .

جذبها لصدره المتعطش لها حد التصحر . كم اشتاق هذا الدفء الذى يسرى بأوردته حين يغمرها بهذا الرضا من قبلها .

أبعدته برفق لتتساءل نظراته فتقول : هو انت مرتاح إكده!؟

تسربت ضحكاته التى تحسن استخراجها من قلبه ليستلسلم تماما .قبلت خده بلهفة وجذبت كفه متجهة للخارج ليتبعها بلا مناقشة . خرجت من الغرفة بقلب غير الذى دخلتها به . دخلت بقلب حزين فاقد وخرجت بقلب سعيد راضى .

لمحهما حمزة ليبتسم براحة ، مجرد رؤية ملامحهما الراضية تسعده ، لقد محى هذا الرجل الكآبة عن وجهها والحزن عن قلبها .

اقتربا منه لتتساءل : امال طنط فين ؟

ابتسم حمزة لقد توجهت لمنزل حازم لتهيئ الجو العام لاستقبال رفيع وتقبل عودة رنوة إليه دون التساؤل عن مبررات وأسباب الخلاف  .

لقد اصرت ماسة أن تؤيد صمت رنوة وتعززه بالثقة . فهى ترى أن هذا الصمت سيفيد علاقتهم ب رفيع مستقبلا . فقلوبهم لم تتلوث بحقد لمعرفة سبب ما حدث بينهما أو حقيقته . 

ترى ماسة أن الزوجين قادرين على إيجاد الطريق ليعود كل منهما للآخر وتدخل الأهل فيما بينهما لا يورث إلا احقادا لا تمحيها الايام .

ابتسم حمزة : طلعت فوق يا حبيبتى . يلا نحصلها .

دخل رفيع برفقة حمزة لينظر له حازم بغضب . مد رفيع كفه مصافحا لينظر له حازم ويرفض مصافحته ، رفع حمزة عينيه له بلوم : جرى ايه يا حازم ؟

مد حازم كفه بتردد بينما قال رفيع : حجه يا عم حمزة .

سحب حازم كفه منه ليجذب رنوة المتشبثة بكفه يبعدها عنه بحدة فتتعلق بها عينى رفيع .أعادها حازم خلف ظهره لتظهر فورا علامات خيبة الأمل تحتل ملامحهما معا .

ساد التوتر وجوه الجميع ليشير محمد لزوجته فتقترب من أخيها مسرعة تضمه وتبعده خطوات عن حازم : أتوحشتك جوى يا خوى .

ضمها رفيع وعينيه متعلقة ب رنوة ليقترب منها محمد : رونى ما تجيبى الولاد من جوه يسلموا على باباهم .

هزت رأسها وتحركت للداخل ليقترب حمزة من حازم بلوم : ليه كدة يا حازم ؟الراجل فى بيتك ؟

حازم بغضب : انت بتقول ايه يا حمزة !! أنا شوفت قهرة بنتى فى عنيهاحتى لو مااتكلمتش . بقا لها عندى اسبوع شايلة همها فى قلبها .عاوزنى ارجعهاله كدة بالساهل ؟؟اصلك ماعندكش بنات يا حمزة مش حاسس بقلبى .

تجهم وجه حمزة : كدة بردو يا حازم ؟ يعنى بناتك مش بناتى ؟

تدخل محمد فورا لإنهاء خلاف قد يؤذى الجميع : أنا يا عمى عندى بنت .وقبل ما اعرف إن رونى جاية فى الطريق بخمس دقايق كنت بقول لمراتى ان بنتى بتفكرنى برونى . أنا يا عمى اللى قلبى اتحرق ورفيع بيكلمنى بيقولى رنوة زعلت منه وسابت البيت وهو مش موجود .أنا يا عمى اللى شوفت كسرتها بجد وقت ما وصلت . ورغم كل ده انا اللى كلمته وخوفته إنها تطلب الطلاق علشان يجى جرى قبل ما المسافات تبعد اكتر من كده .عارف ليه يا عمى ؟

نظر له حازم ليتابع : لانى شايفها بتدور عليه وسطينا . احنا كلنا كدة ابوها وامها وعمها واخواتها وولادها وهى بتدور عليه هو .لو رونى عاوزة تسيبه يا عمى كانت كرهتنا فيه من أول لحظة جت فيها وقالت عمل وعمل حتى لو معملش . بس هى بتحميه مننا . من زعلنا وقسوتنا . بتحميه بسكوتها يا عمى..بتحميه من الموقف ده تحديدا . يا عمى أنا اب وعندى بنت وبقولك بنتك بتحب جوزها ماتبقاش سبب تعاستها .

أنهى حديثه وتحرك مبتعدا يوارى غضبه ، اقترب من رفيع رابتا فوق كتفه : ايه يا ابو نسب ما تيجى تبات مع ولاد اختك النهاردة حمزة وزينة متعلقين اوى ب سليم هاته ويلا نروح .

شعر رفيع بالانكسار . إن غفرت له كل ما حدث فوالدها لم يفعل . له كل الحق في هذا لا يملك لومه .لكن أيمكنه حقا أن يغادرها مرة أخرى !! 

تنهد رفيع مع إقبال ولديه نحوه . سليم يعدو ليرتمى بين ذراعيه بسعادة يتبعه سويلم بحذر .

ضم كليهما وعينيه متعلقة بها وهو يقول بإنكسار : حاضر يا محمد بس خلى سليم مع رنوة ..مابتطمنش وهما بعيد عنيها .

حمل صغيريه واقترب منها : هروح حدا محمد ورحمة الليلة .

نظرت لأبيها بلوم كما فعل حمزة بينما تعجب حازم لما يلقى اللوم عليه بينما كان رفيع المخطئ حتى ساعات مضت .

تنهد بضيق وهو يرى اللوم بعينى صغيرته ، لطالما كانت الأقرب إلى قلبه ليس صعبا عليه رؤية حبها له . ذلك الحب الذى دعمه فى الماضى وساعدها على قربها منه .

وهو قادر على إعادة الماضى مرة أخرى . يمكنه أن يظل للأبد داعما لها . وكيف لا يفعل !!! إنها صغيرته .

نظر ل رفيع بحدة ثم تحدث إلى محمد : خلاص بات انت ورحمة تحت يبقوا الولاد مع بعض ورونى مع جوزها . مش جاى بعد الغيبة علشان نبعده عنها .

اغمض رفيع عينيه براحة . لقد منحه فرصة أخرى . هو يتذكر جيدا فرصته الاولى . 

لكم وثق به حازم فى الماضى !!

سيتذكر هذا دائما ..

ثقتها .. ثقة ابيها ..ثقة عمها ..ثقة محمد .

إن زلت قدمه مرة وأضاع طريقه إليها فسيعرف كيف يمحى هذه الزلة عن الجميع .

قبل محمد ورحمة قضاء الليلة بمنزل حمزة وكم سعدت ماسة بقضاء ليلة بصحبة أحفادها . تعلق سليم بحمزة وزينة وتوجه لمنزل حمزة للعب معهما بينما لم يبتعد سويلم إنشا واحدا عن والدته . أعدت ألاء غرفة چودى ليبيت فيها الأطفال ليلتهم وبالفعل وضعت سويلم بالفراش لحظات وكان يغادره متجها لغرفة أمه .

استلقى رفيع فوق الفراش يراقب حركاتها وسكناتها التى اشتاق إليها جميعا . اقتربت لتستلقى بالقرب منه : اوعى تفكر إننا كدة اتصالحنا .أنا لسه زعلانة يا رفيع 

ابتسم رفيع : وايه يراضيكى يا جلب رفيع ؟

قبل أن تجب فتح الباب وسويلم يعدو ليجلس بينهما ، نظر له رفيع بغيظ : انت هتعمل ايه ؟

سويلم ببساطة : هنعس چار امى . اصلى اتعودت انام چارها السبوع اللى فات.

شعر أن صغيره يلومه أيضا . وكأنه لم يكتف من ملامة الجميع له .

نظر لها بغيظ : مكتوبالك تبيتى زعلانة . ارتاحتى ؟

ضحكت رنوة بينما نظر له الصغير بحدة ثم تمدد ليوليه ظهره قائلا : نامى ياحبيبتى انى چارك اهه .

ضرب رفيع كفيه ببعضهما وتمدد مرغما يختلس النظرات إليها وهى تضم صغيرها أو يضمها صغيرها . اقترب اخيرا مذعنا لأشواقه ليمد ذراعه يبسطه فوقهما معا ويغمض عينيه براحة


#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى


الثالث عشر

عرض محمد علي رفيع قضاء يومين بالقاهرة لمنح بعض الهدوء النسبى للانفس المتوترة من ناحية وحضور عيد ميلاد تاج ليزداد تعارف الصغار من ناحية أخرى ، لم ير رفيع بأس فى ذلك لكنه يشتاقها حد الجنون ، تهفو روحه للسكينة التى تمنحها له روحها ، يصبو عقله للوعى الذى يجده في عقلها ،يشتاق قلبه للدفء الذى يبثه إليه قلبها . لكن نهارا يأخذها منه ذويها وليلا يأخذها منه ولده سويلم الذى يصر بشكل مثير للجنون أن ينام بين ذراعيها.

________

تحركت غالية بخطوات مثقلة نحو غرفتها ، أطال تاج صلاة الضحى هذا اليوم وعليهما التوجه لشراء هدية تاج الصغير ، رغم شعورها ببعض الألم الذى يثقل حركتها .

دخلت الغرفة بهدوء لتجده جاثيا يناجى ربه ، يبدو أنه فرغ من صلاته لتوقفها كلماته وتزيد وجيب قلبها صخبا مع كل حرف يخرج من قلبه لا من بين شفتيه : يااااارب اللهم اجمع بيني وبين زوجتي في خير ..

وألف بين قلوبنا وارزقنا الرضا وراحة البال ..

اللهم احفظنا من الهم والكسل والحزن .. واجعلني لها عوضا عن حنان الاب الذي فقدت وبديلا عن عضد الاخ الذي غابت عنه .. 

اللهم احفظها بعينك التي لا تنام ..  واشرح صدرها للايمان .. واصلح ذات بيننا واخرج الشيطان من بيننا ..

اللهم إن هذا البيت بني علي طاعتك .. فاحفظه من كل سوء واسعدني بقربها وارزقنى وإياها حسن الخاتمة .

اللهم اجعل زوجتي رفيقتي في الفردوس الأعلى من الجنة .. مع النبين والصدقين والصالحين ..

وحسُن اولئك رفيقا ..

يا من جعلتها رفيقة الدنيا بنعمتك اجعلها  رفيقتي في الجنة برضاك ورحمتك يا ارحم الراحمين

وصل اللهم وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه اجمعين 

نهض تاج ليجدها تقف خلفه بقلب رق لدعائه وعين غامت من سعادتها . اقترب منها ليقف أمامها فاتحا ذراعيه فتستقر بينهما دون تفكير . شد ذراعيه حولها ليسمع زفرة ارتياح خرجت من صدرها لتريح صدره .

غالبت قلبها لتتساءل : يعنى راضى عنى يا تاج ؟

أبعدها برفق ليتطلع لوجهها : راضى يا قلب تاج . انت راضية ؟

عادت تستقر بين ذراعيه : ربنا يشهد ماعرفتش الرضا غير لما عرفتك .

نظر لها متعجبا : انت لابسة ورايحة فين ؟

غالية : مش قلت هننزل نشترى هدية تاج ؟

قطب جبينه متسائلا بمرح : تاج مين ؟ هو الواد ده هياكل منى الجو ولا ايه !

ابتسمت غالية : يقدر !!! 

همس بلهفة : طب ورينى إنه مايقدرش 

اتسعت ابتسامتها ليتتاولها بروية ويحفظها بصدره الذى احتفظ لها به بكل بسمة محبة انفرجت عنها شفتيها منذ أعوام حتى فشلت معلوماته الحسابية فى إحصائها .

______

خرج مهران من الغرفة حاملا صندوقا كبيرا يبدو ثقله من حجمه وخلفه روان بخطوات مهرولة  : حبيبى نزله وانا هجيب اخر شنطة .

ليزمجر مهران : انى جولت ايييه ؟

توقفت مرغمة تعقد ذراعيها حتى عاد إليها بعد دقائق لتقول بحدة : ماهو حرام عليك نفسك كدة ! وانا مش هخس لو شلت شنطة ؟

حمل مهران الحقيبة وهو ينظر لها بطرف عينه بغيظ لتتبعه نحو الباب ، وقفت تتطلع للشقة مرة أخيرة ، فهنا وجدت سعادتها معه ، هذه الجدران تحتفظ بأجمل ذكريات لهما معا ، استغرقت دقائق دون أن تشعر لتجده يقف خلفها مرة أخرى : مالك يا روان ؟

هزت رأسها : ماليش أنا كويسة .

دفعها للداخل واغلق الباب فى لحظة . تسابقت الأعين فى لهفة يطوى كل منهما ملامح الآخر . هو يفهم ما تشعر به . وهى تعلم أنه يشعر بها .

ارخت جسدها على الباب بإستسلام لتتساءل : فاكر يا مهران ؟

امسك كفها يقبله باطنه برقة ثم يضعه فوق صدره : هنا يا جلب مهران .

نظرت لعينيه ليتابع : هنا كل لحظة عشتيها من عمرك ..محفورة جوايا . مش بين الجدران .. بين ضلوعى .

اقتربت بلا إرادة ترتوى من نبع صدقه الذى طالما أحياها ...

حين خرجت من الباب بعد دقائق لم تحصيها لم تنظر للخلف مرة أخرى بل عانقت كفه الذى يضم كفها وسارت للأمام .معه يمكنها دائما السير للأمام.

________

وصل مهران للمنزل الجديد ليجد طايع بإنتظاره : اتأخرت ليه يا مهران ؟

فتح مهران باب السيارة موليا ظهره للعاملين ليهمس بحدة : ادخلى شجة طايع مااشوفش طرفك .

وضعت كفها فوق فمها توارى بسمتها وهى تهرول للداخل حيث تنتظر ليليان والأطفال .

فتح خالد الباب لتدخل أمه متسائلة : خالتو ليليان فين؟

خالد وهو يهرول عائدا للفتاتين : فى المطبخ .

توجهت للداخل بوجه مكفهر : بتعملى ايه حضرتك ؟

نظرت لها ليليان بوجه شاحب : بساعدك يا روان مش معقول تعملى كل حاجة . بقا لكم اسبوع انت ومهران بتنقلوا معانا وبعدين لنفسكم .

جذبت روان كفها لتجلسها وهى مستسلمة تماما : تسمحى تقعدى هنا .

جلست ليليان لتتابع روان بمحبة : محدش اشتكى لك انت كل اللى عليكى ترتاحى علشان ربنا يكمل لك على خير .خلاص هانت يا ليليان لما تولدى هسمح لك تطبخى .

توجهت نحو الموقد لتتابع الطعام وليليان تنظر لها بحب ، مسد كفها بطنها المنتفخ لتربت عليه بحنان حين شعرت بركلة جنينها ، لقد ساعدتها روان مساعدة كاملة منذ علمت بحملها ، لم تدخر جهدا لمنحها الراحة النفسية والجسدية التى تحتاج . 

فى الحقيقة الكل يفعل بداية من والديها قدر الإستطاعة وريان وليال ، ومهران وروان ، خالها الغالى ، وحدها زوجة خالها وحماتها التى ترفض تقبل هذا الصغير .

تنهدت بحزن لكم تمنت أن تفتح الدنيا ذراعيها مستقبلة صغيرها بحب الجميع ، لكن حقا ما كل ما يتمناه المرء يدركه .

نظرت لها روان : مالك يا لى لى ؟ 

ليليان : ابدا حبيبتي .

ابتسمت روان : انت فاكرانى مش حاسة بيكى ؟

نظرت لها ليليان لتتابع : والله مرات عمى دى اطيب قلب فى الدنيا وبكرة تشوفى هتحب ابنك ازاى . اديها بس شوية وقت .

ابتسمت ليليان  بشحوب لتغير مجرى الحديث : هو احنا مش هناكل العمال اللى بيشيلوا العفش ؟

ضحكت روان : لا هنأكلهم بس لما يأمر سى مهران ولا عاوزاه ياكلنى ؟

ضحكت ليليان : اوف غيرتهم مش طبيعية !! إيه يعنى لو كنا سعدناهم

روان : ههههه  طب قومى جربى علشان طايع يتعشى بيكى .

شاركتها الضحك فلا بأس من بعض المرح الذى يجلى الحزن عن القلوب.

______


اقترب حازم من رفيع الذى لم يبرح مكانه منذ عاد من صلاة العصر ، جلس بالقرب منه فى محاولة لتهدئة النفوس كما نصحه محمد لصالح رنوة اولا : قاعد لوحدك ليه يا رفيع ؟

ابتسم رفيع بمجاملة : ابدا يا عمى مش عاوز اشغلك .

تنهد حازم ليتحدث بصراحة : شوف يا بنى أنا ماحبش اللف والدوران ، أنا فعلا زعلان منك . وزعلان قوى كمان . ماكنتش مستنى ابدا اللى حصل منك يا رفيع . ده انا كنت بضرب بعقلك المثل !!

تنهد رفيع بضيق : خابر يا عمى كل اللى بتجوله ده وواعيه زين .

نظر لحازم ليتابع : النفر منينا يا عمى اوجات عجله يشت ويشرد من ذاته ، اللى ربنا يحبه يلجى چارة واحدة زى رنوة 

ابتسم بمحبة ليتابع : تعرف ترچع له عجله .

رمش بتأثر عدة مرات : وانى شردت منيها كتير .

نظر لحازم بندم : هى حاولت ترچعنى جبل سابج بس انى عاندت وشردت تانى .. رمحت بعيييد جوى كأنى متوكد انى هرمح وارچع ألجيها مستنيانى .

ضحك بمرار : جامت ضربتنى كف ههه

تعجب حازم : ضربتك !! رنوة !!!

بهتت ضحكته وخبت : مش بيدها يا عمى . ضربتنى لما هملت دارى . كأنها بتجولى إذا انت شردت اجدر اشرد زييك .

نظر لحازم بجدية : انى كنت چاى وصدرى جايد نار منيها . بس مش نار تأذى .لاه .

ابتسم وصمت لحظة واحدة ثم قال : ماتخافش على رنوة يا عمى . وإن كان على رچعتها النوبة فانى محجوج لك فيها واوعدك ماتتكرش واصل .

ثقته أدخلت بعض الراحة لقلب حازم الذى سكنه القلق قاطع حديثهما إقبال رنوة المبتسمة : بتكلموا عن ايه ؟

ليجيب رفيع بلا تفكير: عنيكى طبعا .

ضحكت بمشاغبة : ما أنا عارفة 

ابتسم حازم : وبتسألى ليه ؟

قبلت رنوة ابيها بمشاغبة : بعاكسك يا زومى 

ارتفع حاجبى رفيع بينما علت ضحكات حازم وهو يرى ابنته تعود لها رقتها ويعود لها دلالها . لم تعد بنفس الحزن المتوارى بعينيها حين فتح بابه وقلبه لاستقبالها ، بل عادت لها روحها حين عاد هو إليها .

نظر لها بحنان ؛ ضحكتها هذه استحقت تضحيته مرة أخرى . عودة روحها استحق منه أن يفتح قلبه لمن عشقه قلبها مرة أخرى . عودة سعادتها استحقت أن يتغاضى عن خطأ رفيع هذه المرة .

أومأ محدثا نفسه ؛ كان الأمر يستحق . بل صغيرتى تستحق .

أفاق من شروده على كف رنوة : انت سرحت فى إيه يا بابا !

ابتسم لها مجددا : مفيش يا قلبى بتقولى ايه ؟

رنوة وهى تمسك كف رفيع وتنظر لأبيها بدلال : بقول هاخد رفيع منك علشان محمد هيعدى عليه يروحوا لطنط غالية .

أومأ حازم مبتسما ليبتسم رفيع مستسلما لكفها الذى يجذبه ولعينيها التى تمنيه بدلالها وعشقها له متوجها معها نحو غرفتها .

أغلقت الباب وهى تشير للفراش : جهزت لك هدومك يادوب تجهز محمد كان بيكلم طنط ماسة وقال جاى فى الطريق .

جذبها لصدره المتلهف لقربها هامسا : وبعدهالك !!! الكل واخدك منى وانى ..

قاطع حديثه طرقات يحفظها جيدا ليزفر بضيق : فى ايه يا سويلم ؟

فتح الباب ليدخل رأس سويلم قائلا بفظاظة : چعان 

ضحكت رنوة ورفيع يتمتم بغيظ لتقول : تعالى يا قلبى اجيبلك تاكل .

وغادر سويلم لتقول بتحذير : رفيع ماتشتمش ابنى 

نظر لها بحدة : روحى يا رنوة .روحى الله يرضى عنيكى من خلجتى الساعة دى .

لتضحك مرة أخرى وتغادر .حقا هى اشتاقت له بشدة لكن اعجبتها تلك اللعبة بين حبيبها الصغير وحبيبها الكبير ..لكم تعشق تأجج شوقه هذا .

حقا كل لمسة ونظرة منه تعترف بأنوثتها ودلالها لكن حديث الشوق يطرب القلوب . وما أمتعه من طرب .

_______

توجه رفيع بصحبة محمد لزيارة تاج وغالية وقد سعدا جدا بهذه الزيارة ، رفيع يذكرهما كثيرا ب صالح الذى اثر فراقه فى الجميع .

استمر الوضع على نفس الحال ومر اليومين وتوجه الجميع لمنزل ريان الذى استقبل الجميع بسعادة ومحبة.

تأخر رفيع وطلب من حازم أن يصحب رنوة وسيوافيهم إلى منزل ريان .

قدم الأطفال الهدايا التى سعد بها الفتى ليبدأ المرح بين الأطفال ويجلس الرجال بمنأى عن النساء اللائى كان جم حديثهن عن فرحة إستقبال الصغير المنتظر ل ليليان وطايع .

وصل رفيع بصحبة محمد وكل منهما يحمل صندوقين ، تجمع الأطفال حولهما فور دخولهما ليضحك رفيع : كل عام وانت بخير يا تاچ .

ريان : وانت بخير يا رفيع .ايه ده ما الولاد جابوا هدايا ؟

رفيع : دى هدايا أخواله 

ابتسمت ليال فورا وكذلك ريان .

مر الحفل بسلام ولم يخلو من مشاكسات مازن ومقالبه التى تغضب الصغار بينما كان تعقل خالد وسويلم يحول دون المشاجرة بينهم . 

______

فتح رفيع باب المنزل ليدخلوا جميعا إلى شقة والدته التى نظرت لحسنات وابتسمتا بسعادة ، انطلق سويلم نحو صدر حسنات : اتوحشتك جوى يا ستى .

اطبقت عليه ذراعيها : وانى اتوحشتك اكتر يا جلب ستك .

اعترضت شريفة : وانى مااتوحشتنيش يا واد رفيع ؟

أصدرت صوتا ممتعضا من شفتيها وهى تنحنى لتحمل سليم : انى بجى اتوحشت سليم اكتر منيك .

نظر لها سويلم بغضب لتقبل نحو رنوة : واتوحشت بتى اكتر منيكم كلاتكم .

شعر رفيع بالراحة فتقبل والديها لخلافهما كان له عظيم الأثر في رأب الصدع بينهما كما أن تقبل أمه له سيدعم قربهما ويساعد على عدم الخلاف مرة أخرى.

اقتربت منه فى النهاية : نورت دارك يا ولدى .

قبل رأسها ثم توجه لحسنات : عاملة كيه يا أما حسنات ؟

ربتت على كتفه بحنان وفخر : بخير يا ولدى .

شريفة : خد مرتك واطلعوا ارتاحوا من الطريج وهنتغدوا سوا النهاردة .

قفز سويلم من بين ذراعى حسنات : انى كمان هطلع ارتاح مع امى .

نظرت له شريفة بتعجب بينما مسح رفيع وجهه بغيظ : وبعدهالك يا ولد ؟ انت بتكبر ولا بتصغر ؟ متشعلج فى ديل أمه ليل نهار .

شعرتا أن سويلم يغضب والده بشكل مبالغ فيه فنظرت شريفة لحسنات نظرة فهمتها جيدا لتقول : خبر ايه يا رفيع ؟ هتعمل عجلك بعجل الولد ؟ خليه يتجلع له يومين .بعده صغير 

ايدتها رنوة فورا : قولى له يا ماما حسنات حاطط نقره من نقر سويلم .

فتحت ذراعيها تضم سويلم : حبيب قلب ماما يتدلع براحته .

زاد غضب رفيع : الرچالة ماتدچلعش يا ام الرچالة .

ورغم لهجته الحادة إلا أنها نظرت له بسعادة لم تخف عليه ولا على الموجودين ، سعادة نجحت ببراعة فى تنحية غضبه ليشيح بوجهه يوارى ابتسامته التى ستحتل شفتيه فى لحظات .

______

استلقى طايع فوق الفراش اخيرا انتهى وأخيه من الانتقال بالسكن ، كم كان الأمر شاقا نفسيا وبدنيا ، هون صعوبته مشاركة مهران له في كل خطوة .

اعتدلت فوق استلقاءه لتضجع على صدره ليضحك بخفوت فتتساءل بحدة : ايه مش عاجبك ؟

علت ضحكاته : انى نطجت ، ولا هو شكل للبيع ؟

اعتدلت بحركة حادة تنظر له: قصدك ايه بقا ؟ مجنونة يعنى بجر شكلك وخلاص !

ضرب كفيه ببعضهما ليتسلل الحنان من نظراته : لى لى انى ماجادرش اچرى وراكى النهاردة لبيت عمتى .

ربت على رأسها : نامى . نامى ياحبيبتى

دفعت كفه بعيدا عنها  : ماتقولش حبيبتك 

ها هو جنونها يلوح في الأفق ليفسد تلك الليلة كما اعتادت مؤخرا ؛ تنهد وهو يبتسم لها: انت مش حبيبتي يا لى لى؟

بدأت الكأبة تحتل ملامحها : ايوه ما أنا بقيت مكعبرة وشكلى وحش . وانت بطلت تقولى يا قلب طايع . انت مابقتش تحبنى .

انحنى يقبل بطنها المنتفخ هامسا : ده انت جلب طايع وعجل طايع وروح طايع . 

رفع رأسه لينظر لها معاتبا : انت شوفتى الأيام اللى فاتت كنت بلف حوالين روحى لاچل اخلص كل حاچة جبل ولادتك . يعنى لما انشغل عنيكى يومين بحياتنا ابجى بطلت احبك !! للدرجة دى حبى هين عنديكى ؟

تبدل حالها وفرت دمعة ليسرع كفها لشفتيها فى محاولة لمنع بكاءها ، تنهد واقترب منها : بتبكى ليه دلوك ؟

زاد بكائها : علشان انت زعلان مني .

ضمها بحيرة وهو عاجز تماما على السيطرة على نوبات البكاء التى زادت بكثرة . كان حملها الأول شديد الصخب لكنها كانت سريعة الرضا . كم يخشى أن تكون طبيعة طفلهما المنتظر تسبب لها تشويشا مضاعفا .

______

رغم عودتهم للنجع من اسبوع كامل إلا أنه لم يحظ بلحظات يرتوى فيها منها . هناك نهارا والدته وحسنات تستأثران بها . وليلا سويلم يستحوذ عليها . أصبح الوضع لا يطاق لهفة قلبه ستهلكه .

كان يسير على غير هدى ليوقفه صوت هيبة مناديا اسمه . توقف واقبل عليه هو وضاحى الذى تساءل فورا : شارد فى ايه يا رفيع ؟

تنهد رفيع : ولا حاچة .

هيبة : من يوم ما رچعت مابجتش تاچى تسهر ويانا . ايه حاشك عنا ياواد عمى ؟

عاد يزفر بضيق  : ولا حاچة الليلة أچيكم .

ابتسم ضاحى بخبث : وسويلم كيفه ؟

ليقول رفيع بحدة : زى الجرد 

انفجر ضاحى ضاحكا بينما نظر له هيبة بلوم فقد استمعا لضحكات شريفة وحسنات وهما تخبران زبيدة بمشاكسات سويلم لوالده منذ عودتهم للمنزل .اقترب ضاحى منه هامسا : حريم عمى التنين حدانا فى الدار .

نظر له رفيع ليتابع : والولد معاهم .

ابتسم رفيع بينما قال هيبة : ضاحى بزيداك حديت فاضى . هم ورانا اشغال .

دفعه رفيع بصدره ليخفى سعادته بهذا الخبر : هيبة وياه حج .هم شوف اشغالك .

ضحك ضاحى وتبع هيبة بينما تحرك رفيع إلى منزله فورا .

___

صعدت لشقتها بعد مغادرة حسنات وشريفة فى زيارة لمنزل هيبة لتفقد زبيدة . لم يكن لديها مايشغلها لذا أحبت الحصول على وقت خاص لعنايتها الشخصية . انتهت لتشعر بالانتعاش وتتوجه للمطبخ وقد خططت لإعداد كوب من القهوة ثم محادثة شقيقتها .

غادرت المطبخ لتجده أمامها ، شهقت بفزع : رفيع !! ايه جابك دلوقتي ؟ انت كويس ؟

ابتسم للهفتها واومأ قائلا : عطشان .

عادت للمطبخ فورا لتضع كوبها جانبا ، فتحت البراد لتخرج زجاجة المياة ليغلقه كفه قبل أن تصل كفها إليها .

احاطها ذراعه الآخر لتتساءل بخفوت : مش هتشرب ؟

حملها بلا مشقة وهو يلتف ليقابلها : هشرب طبعا . 

قبل وجنتها بحنان : هشرب لما جلبى يرتوى .

تعلقت برقبته بطفولة اعتادها منها وهو يرتشف بتمهل من قسماتها ، انتفضت وهى تأن بخفوت ليشعر أنها ارتطم بالحائط .لم يبتعد عنها إنشا واحدا ولم يحد بعينيه عن عينيها بل دار على عقبيه يتلقى عنها ما تبقى من صدمات حتى وصل بها لغرفته . لم يشعر بمرور الوقت ولم يرد أن يفعل بل  رحب تماما بالغرق بكل كيانه فى نبع عشقه لها أملا في ارتواء يعلم أنه لن يصل إليه مهما حيا .


#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى


الرابع عشر 

شعرت بالإجهاد فعادت للنوم بينما لم يشعر بالخمول مطلقا ففضل مراقبتها ، لكم اشتاق إليها!!!

طرقات على الباب يعلم أنها ستحرمه من متعة التطلع إلى حبيبته لكنه مضطر للاستحابة .هرول طفليه للداخل ليتساءل سليم عن أمه فيخبره أنها نائمة وعليه أن يكون فتى جيدا وهادئ لترتاح .

نظر له سويلم نظرة اصبح رفيع يتخوف منها ثم توجه لغرفة والدته حيث أمه النائمة ، دخل بهدوء ليستقر بجوارها فى الفراش ويجلس عاقدا ساعديه . تفقد سليم الذى بدل ملابسه وعاد أدراجه لشقة شريفة كما إعتاد ليقرر أنه الوقت المناسب للتحدث إلى سويلم وفهم ما يحدث معه .

دخل رفيع الغرفة ليجد سويلم يجلس بجوار أمه في صمت ينظر له بتحدى معلن .زفر رفيع وهو يجلس فوق أريكة بالغرفة ويشير له : تعالى يا سويلم 

اشاح سويلم وجهه بنفور تعجب منه رفيع ليقول بحدة وصوت جاهد الا يفزعها : بجولك تعالى اهنه .

تحرك الصغير ببطء ليقف أمام أبيه الذى بات غضبه واضحا . نظر له رفيع بحدة : جول بجا حكايتك ايه ؟ من لما أدليت مع امك مصر وانت حالك اتبدل ! شبطان فى امك زى اللى هتفر منيك .

تحدث الصغير بهدوء : امى لو فرت مش هتفر منى أنى .

دقق رفيع النظر لوجهه : جصدك إيه ؟

بادله سويلم النظرات الحادة التى تخفى براءة طفولته : فاكر لما وصتنى بستى حسنات ؟

عقد رفيع حاجبيه بلا فهم : فاكر 

تابع سويلم : وماوصتش روحك ليه ؟

لم يفهم حتى الآن ما يرمى إليه ولده ليتساءل بترقب : اوصى روحى على مين ؟

ظهرت الشراسة على ملامح سويلم : على امى اللى خرچت من دارك مكسورة الخاطر .

صدم رفيع ليبتلع حروفه وتتسع عينيه وصغيره يتابع : فاهم يعنى ايه امك مكسورة الخاطر ؟ فاهم يعنى ايه امك تبكى وانت ماجادرش تطيب خاطرها ولا دارى فيها ايه ؟ كنت بسمعها تنادم عليك وانت مهملها فى دار چدى سبوع بحاله . إذا امى مش غالية عنديك يا بوى غالية عندى .

بدأ رفيع يتعامل مع صدمته ، للحظة تمنى أن كان بمثل شجاعة هذا الصغير يوما ما ، لطالما رأى حق أمه المهدور ولم يتمكن يوما من الدفاع عنها . لطالما كانت حسنات ندا غير منصف بأى شكل كان وكان والده جائرا على حقوق الجميع وكان هو مراقب بصمت،بضعف ،بتخاذل .

لم يعتب على أبيه يوما دموع أمه أو ألمها . ربما لأنها لم تشتك يوما !!!

ربما لقبولها بأبيه بكل عيوبه !!!

ربما لاستسلامها لمصيرها !!!

وربما لجبنه هو !!!

هذا الصغير يقف أمامه وهو على ثقة بقدرته على ايذاءه ولم يرجف له جفن ، بل وقف يعاتبه ويلومه بجرأة على إهمال أمه كما يرى من وجهة نظره المحدودة . وربما كان محقا فهو الملام بالفعل .

طال صمت رفيع ليضجر الفتى من صمته هذا ويتحرك من أمامه لكن كف رفيع أوقفه ليقول : بتلومنى لاچل امك يا سويلم ؟

حسنا سيحاول اكتشاف سبب شجاعته تلك ، ربما لقنه أحدهم تلك الكلمات ، إنه طفل !!! كيف وصل تفكيره لتلك النقطة .

نظر له سويلم : لو انى هملت حج امى مين يدير باله عليها ؟

رفيع بترقب : بس بعدك صغير ؟

سويلم : امى جالت لى انى راچل والراچل بيتولد كبير .

حك رفيع ذقنه بحيرة ، إذا لم يكن الأمر كما ظن لقد تعمد سويلم كل أفعاله فى الأيام الماضية، لير مدى شجاعته .دقق النظر إليه متسائلا : يعنى انت جاصد تبعدنى عن امك ؟

ليفاجأه سويلم : بحافظ عليها منيك .

عادت الصدمة لملامح رفيع وهذا الصغير يخبره أنه يحمى والدته منه !!!

هو زوجها والمنوط به حمايتها . حاول رفيع التحكم في أعصابه ليتفهم على الأقل ما يفكر به هذا الصغير فقال : انى اللى بحافظ عليك انت وامك وخوك . ازاى تحافظ على أمك منى ؟

صمت الصغير لحظة ليقول : بحافظ عليها من وچعك .. امى ماتستاهلش منيك البكا والحزن .

رواغ رفيع : انى مابكتهاش 

سويلم بحدة : لا بكتها وخرچت من دارك جلبها مكسور 

مسح رفيع وجهه بكفه مستدعيا الصبر : انت بتجول ايه يا ولد ؟ انت فاهم حديتك ده ؟

رفع الصغير رأسه بثقة : فاهم .. انت فهمتنى ادير بالى على ستى وماخليش دموعها تنزل واصل مع انها مش ستى هى مرت چدى فهمتنى يعنى ايه كسر الخاطر وعرفت يعنى ايه كسر الجلب لما عمى حچاچ هملها تخرچ من داره وتاچى عندينا وهى أمه .

توالت الصدمات تهز كيان رفيع والصغير يتابع : وصتنى وماوصيتش روحك يا بوى ، جلت لى الحريم أمانة ربنا هيسألنا عليها . وهو ربنا مش هيسألك عن امى وحزنها ؟مش هيسألك عن دموعها ؟ مش هيسألك عن كسر خاطرها ؟

وضع رفيع كفه فوق صدر صغيره ليجفل الفتى ويصمت ، وهذا ما كان يريده تماما ، أن يوقف سيل كلماته تلك .

ما هذا الصغير!!!

بل من هذا الصغير !!!

ولده !!!

كيف اغفل أن صغيره نضج قبل الأوان !!!

متى تمكن عقله الصغير من ربط الأحداث بهذه الروعة !!!

اغمض عينيه ، ولم لا يفعل !!

لقد ولد هذا الصغير لأم يسع قلبها هموم رجل ، لم يتعجب منه !!

ابتسم رفيع وقال بصدق : تعرف انى لو مت دلوك هموت وجلبى مطمن ؟

رأى الفزع بعين الصغير ليتابع : ورايا راچل ما يتخافش عليه هيدير باله على أمه .

ابتسم وتابع : تعرف يا ولدى ؟ انى ماخفتش فى حياتى على حد كد ماخفت عليها . جلبى ما فزعش فى عمرى زى ما فزعت عليها يوم ما كانت هتروح منى .

شرد رفيع : كانت اصعب ليلة فى عمرى كلاته . عمك انجتل وامك اتخطفت وعمتك رچلها انكسرت وچدك وجع من طوله .

نظر له الصغير بدهشة ليتابع بإبتسامة منكسرة : تعرف لولا امك فى الليلة دى ماكانش طلع على نهار .. 

لم يشعر أى منهما أنها استيقظت بالفعل وتستمع لحوارهما ، هى تعلم أن صغيرها ليس كأقرانه ، أن بصدره قلب سيوصله لشأن عظيم . لطالما توسمت فيه خيرا . وكان صغيرها كما تمنت تماما .

أغمضت عينيها تدعى النوم لتعلم إلى أى مدى قد يتفهم صغيره .وكم أذهلها تفهمه !! هذا الرجل يثبت لها دائما أنها احسنت الاختيار .لا بأس إن تعثرت الخطى . المهم هو القدرة على المتابعة والمضى قدما دون الإلتفات للعثرات .

قرب رفيع صغيره من صدره ليستجيب له وينحى المكابرة جانبا ، ضمه بدفء واغمض عينيه قائلا : ماتخافش على امك يا سويلم . اللى تخلف راچل زييك مايتخافش عليها .

ابعده برفق ليقول الصغير : ماتبكيش امى تانى . امى ماتستاهلش منيك البكا.

ابتسم رفيع: حاضر يا ولدى .ماهبكهاش تانى واصل .

رفع الصغير سبابته بتحذير : كلمة رچالة؟

ضحك رفيع : كلمة رچالة .

ابتسم وجه الصغير ليكتشف رفيع كم اشتاق لتلك البسمة البريئة ويضمه مرة أخرى قبل أن يقول : هروح اجعد مع ستى حسنات زمانها زمجانة .

ربت رفيع على كتفه بحنان ليهرول للخارج بينما يخلع هو جلبابه ويتجه لفراشه ، أحاطها بذراعيه لتلتصق به ، زفرت براحة ليبتسم : كنت خابر إنك فايجة.

همست : شوفت سويلم يا رفيع ! ابنك بقا راجل قبل أوانه .

شد ذراعيه حولها : ولدك اتولد راچل يا أم الرچالة .

اتسعت ابتسامتها لهذا اللقب الجديد ، فكم تنجب الإناث من ذكور ، لكنها أنجبت رجلا .

اسرعت تشاكسه : والرچالة مابتدچلعش .

ضحك رفيع هامسا : مين مغفل جال إكده ؟ 

ابتعدت عن صدره لتقول بحدة : جوزى مش مغفل .

عاد يضحك ويتعجب لعجبه من امر صغير ولد لأمرأة مثلها .حسنا لا بأس من بعض المرح ، أحاط وجهها : كنت هعيش ازاى من غيرك ؟

_______

اسرعت الايام  تطوى الأعمار ولا حيلة سوى الاستمرار . 

لم يدخر طايع جهداً لرعايتها ، الكل يقدم المساعدة قدر الإمكان لكنها تحمله وحده أكثر مما يقدم الجميع . ورغم ذلك لم يتذمر يوما .

كلما اقترب موعد الولادة كلما زاد توتره .

يخاف عليها . ويخاف على صغيره .

رغم الدلال الذى لم تتخل عنه إلا أنها تلتزم بكل تعليمات الطبيبة بلا تذمر ، توقفت من تلقاء نفسها عن تناول الحلوى رغم عدم أصابتها بسكر الحمل هذه المرة ، لم تتذمر من شرب الحليب أو تناول الطعام الصحى . تلتزم بكل ما قد يساعد صغيرها حاليا ومستقبلا .

كانت سما تنتظر ميلاد هذا الصغير وكأنها تحمله بأحشائها . أحبته قبل أن تراه . لم تشعر بالغيرة مطلقا لعدم حملها منذ حملت ليليان هذا الصغير . 

اجتمعوا على موعد الغداء كما اعتادوا منذ اثقل الحمل ليليان عن الحركة وطلبت منها الطبيبة الراحة التامة .

تناوب الصغار نقل الطعام للمائدة ف روان تطالبهم دائما بتحمل المسؤولية ، لا ينكر طايع تأثر صغيرتيه بها تأثرا جيدا .

جلس مهران مسندا رأسه لكفه ويبدو الإجهاد على ملامحه بينما طايع يتابع حركة الصغار ليتساءل : مالك يا مهران ؟

تحرك مهران ببطء : شوية صداع .

ربت طايع على كتفه : هلكناك معانا يا مهران ! 

ابتسم مهران وأشاح بكفه  : بلا حديت مالوش عازة .

ضحك طايع هامسا : طب أنا بتكلم صعيدى تحت التهديد انت بقا بتكلم صعيدى ليه ؟ اوعى تكون متهدد انت كمان ؟

ضحك مهران : لاه انى بحب لغوتى .لغوة بوى وإجدادى ماغيرهاش واصل..

دقق النظر لأخيه : وانت مين مهددك ؟

أشار له بيده وقال : نسمة حبيبتى نادى ماما علشان تتغدا .

ليرى مهران تغير ملامح الصغيرة وهى تعقد ذراعيها : بابا قلت لك مش تكلمنى إلا صعايدة .

علت ضحكات مهران حتى دمعت عينيه وطايع يقول بتهكم : دى النسخة المصغرة حضرتك .

خرجت روان تبتسم لضحكاته : بتضحك على ايه يا مهران ؟

تحكم في ضحكاته : ولا حاچة يابت عمى .

اقبلت ليليان تمسك بكف نسمة لتتساءل أيضا : بتضحكوا على ايه ؟

نظر لها مهران وانفجر ضاحكا لينظر له طايع بلوم ثم يقول : ولا حاچة يا بت عمتى .

ارتطم رأس مهران بالطاولة وقد عجز تماما عن السيطرة على ضحكاته .نظرت له روان بتعجب لتبدأ فورا حديثا هامسا مع ليليان التى أوشكت على وضع صغيرها .أخبرتهم الطبيبة أنها قد تحصل على ولادة طبيعية هذه المرة فلا خوف من بعض الألم.

______

مرت عدة أيام وكعادته كل يوم توجه طايع لعمله مبكرا فزوجته فى إجازة مرضية بأمر الطبيبة . تركها فى رعاية زوجة أخيه وابنة عمه مطمئنا . 

غادرت الغرفة متوجهة للمرحاض للمرة الرابعة فى نصف ساعة لتنظر لها روان : ليليان انت كويسة ؟

أشارت برأسها وتوجهت للمرحاض لتبدأ فى التقيؤ مرة أخرى . اسرعت إليها روان : الوضع ده مايطمنش . أنا هنادى مهران يودينا المستشفى اهو نطمن .

أمسكت ليليان كفها وهى تتحدث بتعب : أنا كويسة تلاقينى اخدت برد ولا حاجة .

اسندتها روان لتتجه للغرفة مرة أخرى : معلش نطمن مش هيجرى حاجة .

اتجهت للخارج وهى ترفع الهاتف حتى أتاها صوت غالية : عمتى احنا هنروح المستشفى لو فى حاجة هكلمك .

______

جلست وزوجها يتمتعان بتجويد القرآن حين دق هاتفها ،نظرت له لتتوجس وينقبض قلبها : دى روان 

استمعت إليها لتقول فورا : لا هنقابلكم هناك .

أنهت المكالمة لتنظر له بلهفة : تاج ودينى لبنتى .

تلفتت حولها بحيرة وكأنها لا تعلم ما الذى عليها فعله . نظر لها بتعجب لينهض ويضمها لتنهض معه : مالك يا غالية متلخبطة كدة ليه ؟

زفرت بضيق : خايفة يا تاج .خايفة اوى .

سارت معه نحو غرفتهما وهو يعاتب نفسه . بالطبع خائفة . كيف اغفل ذلك ! إنها لا تتخبط بهذا الشكل إلا بسبب الخوف .

ساعدها لتبدل ملابسها قبل أن ينطلقا نحو المشفى فذكرى مولد الفتاتين يثير المخاوف .

_____

كان نائما حين أتاه صراخها ، فهى تتصنع الهدوء حتى لا تخيف ليليان بينما هى ترتعب داخليا . انتفض جالسا : فى ايه ؟

اسرعت نحوه : الحقنى يا مهران ليليان بتولد .

تصنع الجلد ونهض عن فراشه : ومفزوعة ليه ؟ ربنا يجومها بالسلامة .

كانت تبدل ملابسها وتلقى ما تخلعه أرضا بتوتر على غير عادتها ليقترب ويمسك ذراعيها يجبرها أن تنظر له : ماتخافيش ربنا هيچبرها إن شاء الله بس ماينفعش تشوفك إكده .

هزت رأسها وعادت تكمل ارتداء ملابسها لتهرول للخارج : ماتتأخرش طايع فى شغله .

سرعان ما كان يقف أمام باب أخيه يقول لولده : خالد دير بالك على بنات عمك انى هطمن على عمتك وأچى اخدكم .

تحدث الصغير بثقة : ماتخافش يا بابا 

خرجت ليليان تسير بخطوات بطيئة ، أفسح لها مجالا لتمر تستند لزوجته ، توقفت قليلا تضع كفها فوق بطنها .نظرت روان له بفزع ليهز رأسه بغضب ويحمل زوجة أخيه التى صدرت عنها صرخة مكتومة لتهرول ساقيه بلا تفكير .

وصلوا للمشفى لتبدأ الطبيبة فى فحص ليليان وتخبر روان أنها ستضع صغيرها خلال ساعات .

اقبلت غالية وتاج بخطوات مهرولة ليقف مهران فور رؤيتهما وقبل أن يتحدث بادرته بفزع : بنتى عاملة ايه يا مهران ؟

اسرع يطمئن قلبها : بخير يا عمة .ربنا هيچبرها إن شاء الله

تاج بنفس الفزع : يعنى هى بتولد ولا شوية تعب ؟

مهران بزفرة خرجت رغما عنه تعبر عن قلقله : بتولد يا عمى .

أشار بكفه للغرفة : ادخلى لها يا عمة روان وياها .الدكتورة جالت جدامها شوية .

اقبل طايع عدوا والفزع يحتل قلبه ويعلن سيطرته على كامل بدنه ، أوقفه مهران ليبادر : حصل ايه ؟ أنا سايبها كويسة !! تعبت صح !!! زى المرة اللى فاتت مش كدة !!!!

نظر ل تاج بضياع : والله يا عمى مابتاكلش حلويات خالص ..خالص والله

نظر تاج لفزعه ، إنه يعانى ذكرى مولد فتاتيه ، اسرع مهران يضمه لصدره محتويا تخبطه ومخفيا ضعفه كالعادة ليقول بمرار : ليليان يا مهران ..هتروح منى ..

اقترب تاج منه مسرعا وقد نفضت الفكرة قلبه : يابنى هى بخير . ماينفعش كدة يا طايع  . تمالك نفسك انت المفروض تقويها .

مهران : عمى معاه حج . أچمد وادخل لها .خليها تتجوى بيك .

هز رأسه لكن خذلته قدميه ، ترنح ليجد ذراع أخيه حتى اجلسه وفى لحظات انتفض على صرختها المتألمة الباحثة عنه: فين طايع ؟

ترك لساقيه حرية الحركة لتحملاه إليها . منذ عبر باب الغرفة بدأ عقله يجمع صورة جديدة . ليست غائبة ولا شاحبة ، إنها تعانى ألم المخاض لكنها تنظر إليه . تحتاج قوته . تحتاج دعمه .

تسللت لشفتيه تلك البسمة تشد ازرها وصوت عمته ياتى من مكان ما بالغرفة : الحمد لله طايع اهو .

انتقلت بسمته إلى شفتيها وهى تقول : طايع ابننا جاى دلوقتي. 

اهتزت ابتسامتها وتساءلت بترقب : هيبقى كويس .صح ؟

وصل للفراش ليمسك كفها : هيبجى زين وزى الفل بس شدى حيلك لاچل يوصل بالسلامة .

عادت تبتسم رغم الانقباضة التى جعلتها تعتصر كفه بينما عينيه لم تفارقا عينيها .

اقبلت الطبيبة لفحصها لتجد مهران وتاج بالباب : استاذ طايع وصل ؟

تاج بريبة : ايوه جوه.. هو فى حاجة؟

الطبيبة : لا ابدا بس متفقين مع دكتور مخ واعصاب يحضر الولادة علشان نطمن على الجنين وكمان دكتور باطنة وقلب أنا كلمتهم وحبيت أبلغه مش اكتر .

مهران : اعملى الصح يا دكتورة هاتى اكبر دكاترة المهم الولد يبجى بخير .

توجست الطبيبة خوفا من عدم إلمامهما بحالة الجنين بينما قال تاج : من فضلك بلاش تبلغيه قدام لى لى هى ام وهتتفزع مهما تكون مدركة .

اومأت موافقة : ماتقلقش حضرتك .

توجهت للداخل وفحصت ليليان لتبتسم بتشجيع : لا احنا كدة خلاص ننزل العمليات .

انتفض طايع : عمليات ليه ؟

أسرعت روان تطمأنه : كل الولادة فى العمليات يا طايع .

ابتسمت الطبيبة : هو كده بالضبط .

تمسكت ليليان بكفه : طايع ماتسبنيش تعالى معايا .

نظر للطبيبة بحيرة لكنها أخبرته أن بإمكانه دخول غرفة الولادة مع زوجته بينما كانت حيرته تتلخص في عدم قدرته على ذلك

 دخل معها لغرفة الولادة وكم كان الأمر شاق على كليهما ، مر الوقت بطيئا لكن مع مهارة الطبيبة ودعم طايع وضعت طفها اخيرا .

نظرا للطبيبة وهى تصفعة عدة مرات حتى أصدر صوتا مهزوزا صارخا لمرة واحدة قبل أن ينتقل من يدى الطبيبة إلى ايدى الأطباء وأعينهما تقتفيان أثره في هلع .

صرخت ليليان : طايع هم واخدينه فين ؟ أنا عاوزة ابنى يا طايع هات لى ابنى ...


#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى



الخامس عشر

دخل معها لغرفة الولادة وكم كان الأمر شاق على كليهما ، مر الوقت بطيئا لكن مع مهارة الطبيبة ودعم طايع وضعت طفلها اخيرا .

نظرا للطبيبة وهى تصفعة عدة مرات حتى أصدر صوتا مهزوزا صارخا لمرة واحدة قبل أن ينتقل من يدى الطبيبة إلى ايدى الأطباء وأعينهما تقتفيان أثره في هلع .

صرخت ليليان : طايع هم واخدينه فين ؟ أنا عاوزة ابنى يا طايع هات لى ابنى ...

ربت على رأسها يبثها طمأنينة هو يحتاجها بشدة : ماتخافيش هيطمنوا عليه بس .

عادت الطبيبة إليها : ماتخافيش هو كويس بس ضرورى نطمن عليه نص ساعة بالكتير وهيبقى معاكى .

أمسكت كفه المشتعل دون أن تنتبه أنه يحترق ذاتيا .

______

وصل ريان وليال منذ نصف ساعة وينتظر الجميع بصمت وقلق . فتح الباب ليخرج الفراش حاملا ليليان ويتبعها طايع بصمت زاد من توتر الأجواء .

تنظر للسقف وصمتها يزرع الخوف بقلوب الجميع .

اقترب منه ريان مسرعا : طايع حصل ايه؟

حاول أن يبتسم : الحمدلله الولد بس بيطمنوا عليه وليليان كويسة .

مهران : طيب ساكتة ليه إكدة ؟

إجابته زوجته : قلبها موجوع يا مهران مالحقتش تاخده فى حضنها .

أسرع تاج خطواته ليلحق بالفراش ويمسك كفها لتنظر له ، ابتسم لها مشجعا : حمد الله على سلامتك يا بنتى.

ابتسمت اخيرا بسمة شاحبة لم تطل من عينيها واحتفظت بصمتها ، اوقف العاملين الفراش وهما بنقل ليليان لفراشها ليصيح طايع : شيل يدك انت وياه .

افزعهما صوته بالفعل ليقترب من الفراش : يدك يا ريان .

اسرع ريان للجانب الآخر من الفراش وحملا ليليان للفراش ثم نظر للعاملين وأخرج من جيبه بعض النقود ليضعها بكف أحدهما ليغادرا بصمت .

اقتربت غالية من ابن أخيها : بالراحة عليهم يا طايع دول غلابة يابنى .

نظر لها : حاضر يا عمة بس ماينفعش يشيلوا مرتى وانى واجف انى وأخوها .

اقترب مهران من زوجته الصامتة ليهمس : مالك يا روان ؟

نظرت له بفزع : خايفة يا مهران 

وقف أمامها يحجب رؤيتها عنهم ليسمح لها بتكفيف تلك الدمعة الخائنة التى هتكت قناع جمودها وعاد يهمس بحزم : ماينفعش إكدة المفروض تخففى عنيها .

اشاحت وجهها عنه وهى تزفر بضيق ليعلو صوت ليليان : طايع هو اتاخر ليه!؟

جالت عينيه بالوجوه يرجو المساعدة ليقول تاج : يابنتى مااتأخرش ولا حاجة انت هنا من عشر دقايق.

وتقول ليال : يا حبيبتي بيطمنوا عليه عادى مش فاكرة يوم ما ولدت تاج فضلوا يفحصوه ساعتين واكتر 

اسرع ريان يجاريها : اه فعلا  والحمد لله كان كويس ، يعنى التأخير مايقلقش خالص .

جلست غالية بطرف الفراش وهى تخرج من حقيبتها علبة بلاستيكية وتنزع غطاءها مبتسمة بحنان : إحنا اتفاجئنا مالحقتش اعمل اكل ، كان عندى تفاح قطعته وجبته .

مدت كفها بقطعة لفم ليليان لترفض وتشيح وجهها : مش عاوزة يا ماما .

اقترب ريان يقبل رأسها : لا مش عاوزة ايه كلى وانا هروح اجيب لك عصير .

اقترب طايع ليأخذ شريحة التفاح من بين أنامل عمته ويحاول بث روح من المرح : اكل أنا يا عمتى هى اكلت دراعى وهى بتولد 

وضع القطعة بفمه ليضحك الجميع ويقترب مهران : وكلينى انى كمان يا عمة مادوجتش الزاد من عشية .

مدت له قطعة مسرعة لتقرر روان المشاركة : بتعملى ايه يا عمتى ! ده يادوب العلبة دى فتح شهية لجوزى .

سعل مهران بمبالغة واضحة ليضحك الجميع وتسرع هى تختطف قطعة من العلبة وتدسها فى فم ليليان قبل أن تعترض فيعود الجميع للضحك .

لحظات وطرق الباب لتدخل إحدى الممرضات متسائلة : والد الطفل موجود؟

صمت الجميع فورا ووقف طايع : ايوه .

ابتسمت له : اتفضل معايا .

لاحظ أخيه كفه الذى انقبض فورا رغم ملامحه الجامدة وهو يتقدم تابعا لها ليتبعه فوراً  

_____

وصل طايع ومهران لغرفة الفحص ليجد صغيره يرقد فوق الفراش وحوله الأطباء ليقف صامتا بينما تساءل مهران : فى ايه ؟ الولد بخير ؟

ابتسم أحدهم : الحمدلله صحته كويسة جدا والحمدلله مفيش اى امراض مصاحبة .

زفر براحة بينما اغمض طايع عينيه للحظة قبل أن ينظر لهم مرة أخرى متسائلا بترقب : يعنى اخده معايا .

حمله طبيب الأطفال ليضعه بين ذراعيه بحرص : طبعا تاخده ومامته تحاول ترضعه علطول .

التف ناظرا لأخيه بسعادة : ولدى يامهران .

ربت مهران على كتفه بفخر : ربنا يبارك فيه ويكون ذرية صالحة .

ابتسم طايع بسعادة لتهمس الممرضة : حضرتك هتحاسب الدكاترة ولا الحسابات .

كأنه تذكر للتو ليدفعه مهران خارجا : روح لمرتك طمن جلبها وانى هتصرف .

_______

ظلت عينيها متعلقة بالباب الذى خرج منه ليشرق وجهها وهى تراه يقبل حاملا لفة صغيرة وتشير نحوه بلهفة : ماما ابنى جه .

نظر الجميع نحو الباب حيث تشير ليظهر طايع يحمل الصغير فتهرول نحوه روان : الله اكبر . بسم الله الرحمن الرحيم

لم يعترض وهى تحمله مبتسمة وتتحرك نحو ليليان : الله اكبر ، ربنا يبارك يا ليليان ده قمر .

وضعته بين ذراعيها المتلهفين لتنظر لأبيها : بابا ..ابنى .

اسرع تاج يقبل رأسها : بارك الله فيما وهب .

اسرعت ليال تتساءل : هتسموه ايه بقا ؟

نطقا بنفس اللحظة : إياد 

أمسكت غالية كف الصغير تقبله بحنان : ربنا يبارك فيه يا ليليان .

وقف تاج : احنا هنروح للبنات يا لى لى وناخدهم عندنا الليلة .

وصل ريان الذى احضر العصائر وبعض الأطعمة الخفيفة لتخبره شقيقته أنها تشعر بالجوع الشديد ليلاحظ الجميع اختلاف حالتها بمجرد وجود الصغير . غادر تاج على أن يصحبا الأطفال الثلاثة للمبيت بمنزل تاج فقد أصرت روان أن تبيت الليلة بصحبة ليليان رغم مبيت طايع معها .

_________

زفر رفاعى بضيق بينما تجلس زينب أمامه عاقدة جابيها وهى تصر على رفض هذا الصغير الذي تراه غير طبيعى .

حاول رفاعى أثناءها عن هذه الأفكار طيلة فترة حمل ليليان لترفض بشكل كامل ، كلما زارهما طايع تهربت منه أو ادعت النوم . تقابل معها منذ جرحت قلبه برفضها لصغيره مرات لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة وكانت لقاءات غير ودودة بالمرة .

نهرها رفاعى : يا زينب ماينفعش إكده . اعملى حتى خاطر لولدك .

لتقول بحزم : رفاعى انى جولت مش رايحة وخلصنا .

اقترب بغضب ليمسك ذراعها ويضغطه بقوة : چرى لك يا زينب ؟ كبرتى وخرفتى ولا فاكرة انى كبرت وماجدرش اشكمك واكسر راسك كمان .

نظرت له بفزع : هتكسر راسى يا رفاعى ؟ هى دى اخرتها يا واد عمتى ؟

دفعها للخلف : لما تغلطى اكسر راسك ورجبتك . بجى لى شهور احايل فيكى وزهجت من عجلك الصغير .

عادت تتساءل : انى يا رفاعى عجلى صغير .

رفاعى بغضب : ياريته صغير انت معندكيش عجل واصل . نسيتى لما كنتى بتحلمى بعيل ؟ولا لاچل ربنا عطاكى وأكرمك تتچبرى على نعمته ؟ تجدرى انت تخلجى ضافر العيل اللى ماعچبكيش ده ؟ 

نكست رأسها بخزى ليقول : طب يمين تلاتة ما انت رايحة ولا طالة فى وشه .

امسك ذراعيها بقسوة مرة أخرى : خابرة ليه ؟ لانك ماتستاهليش تشوفيه جولتهالك زمان يا زينب . الولد رزج وبجولك تانى اهه . الولد رزج والرزج نعمة وانت ماتستهليش النعمة دى .

دفعها للخلف مرة أخرى بشكل أكثر قسوة ليندفع خارجا بسرعة دون أن يلتفت لبكاءها .

_________

وصل رفاعى للمشفى وحده ليكفهر وجه طايع لحظة دخوله بينما ابتسمت ليليان ابتسامة خفيفة ليسرع هو معاتبا : بجى إكده معرفش بردو إلا أما تولدى .

تحدثت بوهن : معلش يا خالى انت عارف الظروف بتحكم .

اقترب ليقبل رأسها ويجلس بالقرب منها : حمد الله بسلامتك .المهم عندى انكم بخير .

تلفت حوله ليعلم طايع أنه يبحث عن الصغير فيتوجه لفراشه ويحمله برفق ويتقدم منه : إياد يا بوى .

فتح رفاعى ذراعيه مبتسما ليضع طايع الصغير بينهما ، قطب رفاعى جبينه بتخوف : هو صغير جوى ليه إكدة؟

ليضحك طايع : أمه كانت بتاكل أكله .

نظرت له بغيظ : لا يا خالى هو اللى كان بياكل اكلنا أنا وابنى .

ضحك رفاعى وفطن أن الصغير بخير ليدقق النظر لملامحه البريئة قائلا بسعادة : الله اكبر .كيه البدر ليلة تمامه .زى بعضه الصغير بكرة يكبر إن طال العود اللحم يچود واحنا فاتحين حچرنا وراضين بنعمته

رفع طرف عباءته ليخفى الصغير بحماية فطرية سعدت لها ليليان كثيرا .

دخل من الباب مهران تتبعه روان محملان بالعديد من الحقائب التى تحوى الطعام . تهلل وجه روان وهى تقبل نحو عمها : شوفت إياد يا عمى ؟

رفع رفاعى طرف عباءته عن الصغير خوفا على مشاعر روان التى قالت : هاته عنك .

اشاح برأسه : لاه خليه شوى .

عادت تبتسم : خليه لما تشبع منه بس تأكل معانا .

كان طايع قد توجه نحو مهران يعاونه فى تحضير الطعام ليهمس طايع بحزن : مش قلت لك يا مهران مش هتيجى .

تألم مهران لأجل أخيه لكنه حاول أن يبرر غياب والدته : معلش يا طايع يمكن مجدراش محدش خابر . انى هبجى اروح اتحدت وياها .

هز طايع رأسه بلا حماس . كانت تراقبه وتعلم أنه يتألم لعدم تقبل والدته لصغيرهما .

حاولت أن تخرجه من تلك الحالة فقالت : طايع أنا مرقباك علفكرة .

نظر لها بتساؤل لتقول : بطل تاكل اكلى .

ابتسم وهو يفهم ما ترمى إليه وضحك رفاعى واسرعت روان نحو الطعام : لا إحنا فينا من كدة . أنا جيبالك اكل لوحدك اصلا .

________

غادرت المشفى فى الصباح التالى عائدة لمنزلها لتجد والديها وليال بصحبة الأطفال جميعا في انتظار رؤية إياد .

ما إن استقرت بالفراش حتى أحاط بها الأطفال جميعا ليتساءل تاج : عمتو هو هيكبر أمته ويلعب معانا .

فيجيبه خالد : يابنى ده لسه مولود لما يمشى هيلعب معانا 

نظر تاج الصغير لوالدته : ماما أنا عاوز نونو يبقى اخويا . هاتى لى واحد زى عمتو .

تورد وجه ليال بينما أيدت غالية الفكرة فورا : فى دى بقا تاج معاه حق هو كبر ودخل المدرسة اهو .

ضحكت ليليان : يا ماما انت فى صف تاج الصغير علطول .

لتقول ليال : فى دى بقا لي لى معاها حق .

نظرت لهما غالية بغضب : بس يا بنت انت وهى ده كفاية اسمه ..حبيب قلبي.

أمسكت وجه الصغير تقبله ليشعر هو بالسعادة لأفضليته لدى جدته .طرق تاج الجد باب الغرفة قبل أن يدخل لتقول ليليان : تعالى يا سى بابا شوف ماما بتحب عليك .

جلس تاج خلف غالية مبتسما ليقول: مفيش فايدة كبرت واتجوزت وخلفت وبتغير منك .

أعقب جملته بقبلة خفيفة على وجنة غالية التى ابتسمت لتقول ليليان بغضب : بقى كده يا سى بابا طب مخصماك .

دخلت روان للغرفة تحمل صينية الطعام لتقول بتحذير : عمى ممنوع منعا باتا زعل لى لى .. أنا قلت اهو .اللى يزعلها يزعل إياد واللى يزعل إياد يزعلنى واللى يزعلنى يزعل مهران واللى يزعل مهران يزعل طايع واللى يزعل طايع ...

خلااااص . اوقفتها غالية بمرح لتتابع : ابلعى ريقك يا روان هتزعلى العيلة كلها ولا ايه ؟

نهرت روان الاطفال ليبتعدو عن ليليان لتضع الطعام أمامها بحرص وتحمل إياد عن ذراعيها بسعادة لم تخف عن الجميع .

اقتربت غالية برأسها من تاج : طايع ومهران قاعدين برة ؟

همس تاج : طايع متأثر جدا بموقف الست زينب .

تنهدت غالية : ربنا يهديها ..أنا هقوم اطيب خاطره بكلمتين .

أومأ موافقا لتتحرك للخارج بينما نظر لحفيده وهو يجذبه نحوه : تعالى يا سى تاج .انت بقا اللى خليت حبيبتى تحبك وتسبنى ؟

ربت الصغير فوق لحية جده ببراءة : لا يا جدو نانا بتحبنى علشان اسمى على اسمك .

جذب تاج الفتاتين وخالد أيضا ليقتربوا جميعا : انتو بس مسموح لها تحبكم .ايه رأيكم بقا نسمع إياد القرآن بصوتنا .مين يقرأ سورة النبأ ؟

التف الأطفال حوله باهتمام وتساءلت نسمة : هو سامعنا يا جدو ؟

ابتسم تاج : طبعا سامعنا . تعالى بقا اقرأى الاول وبعدين خالد وبعده بسمة وتاج فى الاخر 

استقرت فوق ساق جدها لتشير ل روان : عمتو روان تعالى جمبنا علشان إياد يسمع كويس .

______

غادر الجميع في المساء وقد تحسنت حالة ليليان كثيرا وجلست بلا مشقة فوق الأريكة ليتمكن مهران من صحبتهم بلا حرج . اقبلت روان تحمل الصغير كالعادة لتضعه بفراشه بعد أن غفى الأطفال لتتأكد أن أحدهم لن يضايقه . 

وقف مهران : يلا يا روان ننزل شجتنا .

نظرت له برجاء : خلينى ابات مع ليليان النهاردة بعدين إياد يعيط ماتقدرش عليه .

رفع حاجبيه بدهشة : بوه يشيله 

ضحك طايع لغيرة اخيه الشديدة : ماتخافيش يا روان أنا معاها 

زفرت بضيق وهى تنظر ل ليليان تخاطبها بلهجة تحذيرية : طيب انا هنزلك بدرى اوعى تقومى من السرير .

ابتسمت ليليان : حاضر 

خطت خطوة وتوقفت لتتابع : لو احتجتى حاجة بالليل نادى عليا .

اتسعت ابتسامة ليليان : حاضر 

خطت خطوة وتوقفت لتتابع مرة أخرى بتحذير أشد : اوعى يا ليليان إياد يعيط وتسيبيه نادى عليا هنزلك فى ثانية .

ضحكت ليليان ليضرب مهران كفيه ببعضهما بغيظ : ماتاخديه معاكى احسن !

تخصرت وهى تنظر له بغيظ دون أن تجيب ثم اتجهت للخارج برأس مرفوع بمبالغة واضحة ليضحك الجميع ويلحق بها بغضب مصطنع .

تحركت ليليان ببطء نحو الفراش ليقول طايع : روان بتحب إياد اوى .

جلست ببطء وهى تقول بغرور مصطنع : معذورة طبعا أنا ابنى يتحب .

ضحك وهو يستلقى بجوارها : طبعا لازم يتحب اللى عاوز يحب الواد يحبه لكن أم الواد انى بس اللى احبها .

ابتسمت وهو يعتدل ليساعدها فى الاستلقاء جاذبا لها نحو صدره . مدت أناملها تتلمس ملامحه التى رغم مرحه الظاهر عجزت عن اخفاء حزنه عنها . نظر لها مبتسما لتبتسم له : معلش يا طايع أصلها لسه ماتعرفوش .

قطب جبينه مدعيا عدم الفهم لتقول : طنط زينب انا عارفة إنها طيبة وبتحبك وبتحب ولادنا .. أنا مش زعلانة منها بكرة تفهم .

اغمض عينيه يوارى ألمه عنها لتربت على كتفه قبل أن تستلقى فوقه وتغمض عينيها شعرت بمعاناته للتحكم في ثورة أنفاسه لتغير مجرى الحديث وتتساءل : طايع هو إياد مابيعيطش ليه ؟

ضحك مرغما لتفاهة سؤالها وسذاجته : معرفش يا جلب طايع .تحبى اجوم اضربه ؟

شهقت بفزع : اوعى ...

رفرفت ضحكاته وكأنها تصدق أنه سيفعلها بالفعل لتقول : طايع اقرأ سورة البقرة زى ما كنت بتقرأ للبنات .

ابتسم طايع وبدأ يرتل آيات سورة البقرة حتى شعر بانتظام أنفاسها . نهض بحرص دون أن يتوقف عن التلاوة واقترب من فراش الصغير بحذر . ابتسم ملامحه البريئة وحمله ليتوجه نحو الأريكة .

________

فى الصباح التالى وصل رفاعى لمنزل طايع محملا بالهدايا للأطفال جميعا وقد حرص على أن يكون موعد الزيارة ملائما لوجود ولديه بالمنزل لكن أحبطت خطته فور أن فتحت روان الباب لتقول : انت جيت يا عمى ده مهران راح لكم ؟

يعلم سبب زيارة مهران لمنزله لكنه لن يتنازل عن قسمه ، على زوجته أن تعترف انها مخطئة .

جلس رفاعى متربعا فوق الفراش لتتنازل روان عن حمل الصغير له لبعض الوقت . جلس تاج وغالية فوق الأريكة ليتساءل رفاعى : هتدبحوا اهنه ولا فى الحسين ؟

تحدثت غالية فورا : اظن فى الحسين احسن هنا هيبقى صعب .

أيدها تاج : فعلا يبقوا يفرقوا هنا لو عاوزين بس خلى الدبح فى الحسين .

طايع : لسه يا بوى مااشترتش كباش ..يوم ولا تنين إكده .

نظر له رفاعى بغضب : كباش !!! إياد هيندبح له عچل زيه زى خالد وخواته كمان .

لم يفكر طايع فى التفرقة بين أطفاله لكنه فقط يريد أن يقتصد خوفا من حاجة الصغير لمصروفات إضافية . شعر بالخجل من والده ليقول : وماله يا بوى ماجصديش ..نشترى عچل .

دخل ريان من باب الغرفة : خلى عنك يا طايع .

نظر له الجميع ليبتسم : ضاحى كلمنى من شوية وجاى هو وريتاچ وجايب عجل هدية ل إياد .

ضحك رفاعى : رزجك واسع يا عم إياد چوز عمتك چايب لك عچل من الصعيد لإهنه .

ابتسم تاج وهو ينظر لأبنائه وقد حصل كل منهما من السعادة ما تمنى ليبتسم براحة تامة . نظر ل رفاعى الذى يتوسد الصغير حجره ويغطيه بعباءته ليرى كم تغير الأيام من عقول البشر ، التف يرى سعادتها بعينيها . تلك العينين اللتين دفعتاه يوما للمحاربة لأجلها ، لينزع عنهما الحزن والدموع ..وقد فعل .

______

طرق الباب وبعد دقائق دخل خالد يعدو : عمو فى ناس أصحاب عمتو عاوزين يشوفوها .

نهض طايع فورا مخاطبا ليليان : اكيد زميلاتك فى الشركة .

تخلى رفاعى عن الصغير واتجه الرجال للخارج وبعد دقائق دخلت زميلات ليليان الثلاث .

ابتسمت لهن بترحاب : اهلا وسهلا اتفضلوا .

وضعن ما يحملنه جانبا واقتربن من الفراش لترحب بهن وتعرفهن إلى والدتها : ماما ..زمايلى فى المكتب مدام سهير ومدام نادية ودى ندى .

رحبت غالية بهن : شرفتونا اهلا وسهلا .

جلسن يحطن بها لتقول ليليان : ماما هاتى إياد من فضلك .

توجهت غالية لفراش الصغير وحملته لتضعه بين ذراعى والدته . رفعت ليليان وجهها لترى الدهشة على ملامح ندى والشفقة على ملامح سهير فقط نادية ابتسمت بهدوء .لحظات من الصمت وقالت سهير : احمم هو كده علشان انت والبشمهندس قرايب ؟ 

قاطعتها نادية : لا علفكرة الوراثة نسبة قليلة جدا .

مدت ندى كفها تتلمس كف الصغير لتقول : يا حرااام .

اتسعت عينا غالية بدهشة بينما قالت ليليان : ابنى مافهوش حاجة علشان تتصعبى عليه يا ندى .

شعرت ندى بالحرج : مش قصدى والله

لتقول سهير فورا : مافهوش ازاى ده مصاب متلازمة داون!!

تساءلت غالية : وفيها ايه يا مدام ؟ 

قالت سهير بعنجهية واضحة : طفل زيه فى البيت عبء وحمل تقيل .

وصلت روان تحمل صينية الضيافة لتسمع الجملة الأخيرة فتقول بغضب : يعنى ايه زيه ؟؟ حضرتك مش عاجبك المخلوق ولا الخالق ؟؟ 

نظر الجميع لغضب روان الواضح لتقول سهير : استغفر الله العظيم مش قصدى انا عاوزة افهم ليليان مش اكتر .

وقبل أن يجيب احد قالت روان : كتر خيرك محدش محتاج منك فهم وليليان مش صغيرة وتقدر تقدم لابنها كل اللى يحتاجه .

وضعت الصينية بغلظة لتتجه نحو ليليان وتحمل الصغير دون أن تعترض الأخيرة ، نظرت ل سهير بتحدى : عن اذنكم علشان النفس بس .

اتجهت للخارج لتنهض غالية أيضا معلنة اعتراضها على تلك السيدة وتقول : خدينى معاكى يا روان .

اتجهتا للخارج لتقول سهير بحرج : ماتزعليش يا ليليان انا مش قصدى حاجة .

نظرت لها ليليان بغضب واضح وقالت : اعرفى يا مدام سهير إن إياد نعمة من ربنا انا عارفة قيمتها كويس اوى .

لتقول سهير مرة أخرى : بس هيتعبك اوى خليكى عارفة 

رفعت نادية كفها بحدة : خلاص يا سهير إحنا جايين نبارك ونفرحها مش نديها درس في التربية .

زفرت سهير بضيق واضح بينما حاولت ندى كسر حاجز التوتر قائلة : المهم قومتى بالسلامة وهترجعى تنورى المكتب .

ابتسمت ليليان بتكلف لولا وجودهن ببيتها للقنت سهير درساً لتلك الطريقة التي رمقت بها صغيرها ، شكرت روان داخليا لحملها الصغير بعيدا.


تكملة الرواية من هنااااااااا


تعليقات

التنقل السريع