القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الشرف الجزء الثالث الفصل السادس وعشرون السابع وعشرون الثامن وعشرون التاسع وعشرون الثلاثون والحادى والثلاثون الأخير بقلم قسمة الشبينى

 رواية الشرف الجزء الثالث الفصل السادس وعشرون السابع وعشرون الثامن وعشرون التاسع وعشرون الثلاثون والحادى والثلاثون الأخير  بقلم قسمة الشبينى 





رواية الشرف الجزء الثالث الفصل السادس وعشرون السابع وعشرون الثامن وعشرون التاسع وعشرون الثلاثون والحادى والثلاثون الأخير  بقلم قسمة الشبينى 


السادس والعشرون

استقرت الأحوال لعدة أيام ، ليال تتحسن عضويا ونفسيا بدعم من الجميع ورغم شعورها بالرضا تتسلل دمعات خائنة من عينيها كلما اختلت بنفسها ، راجى تماثل للشفاء التام وبدأ يمارس حياته اليومية بشكل طبيعى وأصبح مسئولا عن كل مسؤوليات ضاحى السابقة .

اكتفى الجميع من حماقات حجاج وأصبح ردعه أمرا شديد الإلحاح فقد أصبح يتوجه بشكل يومى لمنزل هيبة فقط لإثارة ريان وبدأ الجميع يشعر أنه يدفعه لقتاله ، هنا بدأت الصورة تتضح أمام أعين رفيع ، تلك الأعين التى أطلقها فى أثر حجاج لتعود له بكل تحركاته واخيرا عثر على شريكه في كل ما اقترفت يداه لتكتمل الصورة بوجود هذا المجرم ويجمع رفيع أطرافها  ليطرحها كاملة أمام هيبة بعد إتفاقه مع حسين زيدان للإيقاع بالمجرم .

توجه رفيع للمشفى صاحبا أبناء ضاحى ف راجى تحمل أعباء العمل كاملة ، بعد دخول ريتاچ وأبنائها لرؤية زوجها اقترب رفيع من هيبة الذى تساءل : خبر ايه يا رفيع ؟

جلس رفيع بجواره : انى شايف حاچة وخايف تحصل .

تساءل هيبة : حاچة ايه؟؟

استند بمرفقيه إلى ركبتيه وقال : حچاچ يوماتى على الله ياچى دارك ، ويوماتى على الله يتعارك هو وريان ، هيوحصل إيه لو لا جدر الله محدش موچود يفضهم عن بعض !!!

ضيق هيبة عينيه : جصدك إيه يا واد عمى؟

نظر رفيع أرضا ثم قال : حچاچ هيجتل ريان يا هيبة ويجول هو اللى بدأ وكنت بدافع عن روحى .

انتفض هيبة : انت بتجول ايه؟؟

نظر له رفيع بثبات : بجول اللى هيحصل . اللى يخليه يكرى على ولد عمه ..وجبليها يسم البهايم ويضرب الغفير اللى كان هيروح فيها لولا ستر ربنا ..وعمنول يكرى على دهشان ولا جتله بيده الله اعلم ..يا هيبة حچاچ عينه على خيتك أو على ورثها إن چيت للحج واسهل حاچة يرملها ويجتل چوزها ووجتها انت خابر عوايدنا زين .

اهتاجت انفاس هيبة : وعنديك بينة على الحديت ده يا رفيع لو فى شاهد واحد يجول الحج كنت اباجره واطرده من النچع كلاته .

ابتسم رفيع : الشاهد عندى يا واد عمى وهو اللى جال على نيته من ريان ..الاول كان هيكريه عليه لكن لما ريان من غير ما يدرى سهل له الطريجة التانية بعراكه معاه وكمان اكتر من مرة هدده جدامنا . صوح حچاچ اللى بيوصله لإكده لكن بجى جتله على يده اسهل واضمن إذا كرى عليه هيتهموه فيه بردك فسچن بسچن يشفى غليله منيه .

صمت هيبة وطال صمته ، لا يمكنه لوم ريان على انفعاله ، إنه يقسم لو أن أحدهم تجرأ على زوجته بهذا الشكل لبات ليلته بقبره .

عاد ينظر لابن عمه : والراچل ده عنديك ؟

أومأ رفيع : جصدك چابر الچبالى !!! منور حداك فى الزريبة اللى طخ خواتك جدامها وحسين زيدان بيحرسه بنفسيه .

هز رأسه وقال : اطلب مهران جوله يشيع طايع وماياچيش .ومارايدش عمى تاچ ولا عمى رفاعى فى الدار يتصرف ويشيعهم يجولهم ضاحى سأل عليهم ياچوه

أومأ رفيع بتفهم بينما ارتفعت عينى هيبة نحو باب الغرفة الذى خرج منه أبناء أخيه لترتسم بسمة صافية تزين ملامحه قبل أن ينهض عن مقعده متجها إليهم ليخبر زوجة أخيه أنه مضطر للمغادرة لكن طايع سيكون مكانه إن احتاجت لشئ .

دخل لغرفة ضاحى الذى بدأ يشعر بتحسن فى حواسه الخاصة ويميز اصوات الاقدام وانواع العطور ليعرف من مقدم نحوه قبل رؤيته فقال بود : تعالى يا ابو ليال .

طالعه وجه هيبة ليتساءل فورا : حوصل ايه ياواد ابوى ؟ عينك طلتها تخوف النهاردة !

ابتسم هيبة ليتابع ضاحى : جال يعنى هيجول !!

اقترب ليجلس : المرة دى هجول يا ضاحى .

قطب ضاحى جبينه بتعجب ليتابع هيبة : انى يا ضاحى عمرى ما سعيت للدم ولا بدى اخطى فى سكته لكن العين بالعين والسن بالسن وواد عمك الأظلم .

توجس ضاحى خيفة من هيئة هيبة التى تزداد قتامة وهو يقص له ما أخبره به رفيع ، حجاج لم يكتف بإستحلال المال بل وصل لاستحلال دماء ذوية والان يسعى لاستحلال عرضهم ، شقيقتهم التى سيحرق قلبها بقتله زوجها وهو شخصيا يثق أن تراجعه عن استئجار من يقتله نابع من حقده ليس إلا ، هو لن يهتم بتوجيه اتهام له وسيعرف كيف يتملص منه بمساعدة محاميه ذو الذمة الخربة ، هو يسعى لقتله بيده ليزيد من إذلالهم لاحقا وهو بمساعدة التقاليد والأعراف يتزوج شقيقتهم التى قتل زوجها ، يريد لهم ولها مزيدا من الذل والمهانة ليس إلا .

حين أنهى حديثه كانت قتامة الملامح متشابهة بينهما وكأنهما وجهين لشخص واحد ، اغمض ضاحى عينيه وهو يتساءل : وعمايله هى اللى حاشت خيتى عنى!!! 

وقف هيبة وصمت لحظة ثم قال : حج ربنا لاه . انى حوشتها عنيك 

تساءلت نظراته ولم ينتظر أخيه أن ينطق بها لسانه فأخبره برضوح عما لاقت شقيقته منذ حضورها للصعيد ليطلب ضاحى رؤيتها ويعده هيبة أن يحضرها لرؤيته بعد انتهاءه من حجاج .

______

وصل هيبة للمنزل ليجد مهران جالس بأريحية تحت أشعة الشمس وقف فور رؤيته ورفيع يستشف ما يحدث من ملامحهما لكنه فشل في ذلك .

اوقفهما ليتساءل : خبر ايه انت وياه حد فيكم يفهمنى !!

هم هيبة بالحديث لكن رؤيته ريان الذى تتأبط شقيقته ذراعه ويسير بها بخطى ثابتة السرعة للتمتع بدفء الشمس أوقفه عن الحديث لينظر مهران تجاههما ويقول : كان بيمشيها زى كل يوم مالكم !!

ليطحن رفيع اضرسه غيظا : وطبعا زى كل يوم حچاچ هياچى دلوك !!!

نظر له مهران : جصدك إيه ؟؟ حچاچ جاصدها يعنى ؟؟طب بيعرف منين أنهم خرچوا من الدار والسور مغطى الدار باللى فيه ؟

ربت هيبة على كتفه : هنشوف دلوك . تعوا وياى .

تحركا معه بصمت ودون تساؤل وما إن اختفوا عن الأعين حتى ظهر حجاج بالباب يقول بلهجته المتهكمة : كيفك يا بت عمى ؟

____

كانت ليال تتابع أخيها ورفيقيه وتتعجب انزوائهم قبل وصولها إليهم فقالت بحزن : شايف يا ريان !! هيبة لما شافنى جاية مشى علشان مااقلوش ودينى لضاحى؟

نظر لها ريان مركزا كل حواسه معها فقط : ليال احنا خايفين على ضاحى من الزعل مش اكتر لا أنا ولا هيبة قصدنا نحرمك منه وبعدين من أمته بتسيئى الظن كده !! مش يمكن ماشفناش ولا فى حاجة طارئة ؟

تنهدت ونظرت له بخجل اعتاده منها كإعتراف بالخطأ  ليبتسم : قلبى يا ناس . بلاش البصة دى مش قدها قلبى الغلبان .

وكأنه يستزيدها لتتسع بسمتها التى خبت فى لحظة حين علا صوت حجاج وكفيها يقبضان على ذراعه بتوتر واضح وكان هذا يزيد اشتعال غضبه ، شعوره بخوفها من هذا الحجاج يثير جنونه .

توقفت خطواته وهو يقول بلهجة آمرة تخلو من الحدة : ادخلى جوه .

نظرت له برجاء لكنه رفع قبضته يحرر ذراعه من كفيها لتهرول للداخل بخطوات واسعة .

نظر ل حجاج بغضب : الحمدلله ادينا لوحدنا لأول مرة . لا فى حد يحوش بنا ولا أنا خايف منك . هات اخرك بقا لانى اتخنقت من غباوتك .

ابتسم حجاج بتهكم : زمان بوك خد حج بوى وعمنول انت خدت حجى .. دلوك هتشوف مين فينا الغبى 

ومد يده بجيبه لتتوقف عن التقاط هدفها حين أتى صوت هيبة : الغبى اللى مفكر كل الناس اغبياء يا واد صخر .

نظر له حجاج بتحدى لم يفلح في إخفاء عجبه لهذا اللقب الذي ناداه به ، فهو منذ حادث إطلاق النار على اخويه يعامله بمودة شديدة .

اقترب ثلاثتهم منهما ليقول هيبة بحدة آمرة وكأنه يتحدث لشخص يشعره بالتقزز : تعا .

اخرج يده من جيبه متأهبا لمشادة كلامية ليجد يد رفيع موضعها فى نفس اللحظة لكنها لم تخطئ الهدف الذى ارتدت عنه يد حجاج فأخرج سلاح حجاج ليقول بتهكم : طبعا طبنچتك المترخصة .

نظر له بغضب وقد شعر أنه اوقع به ليدفعه مهران للأمام : مش كبيرك جالك تعا ؟

نفض حجاج يد مهران : كبيرك انت يا واد رفاعى انى كبير روحى .

كان ريان يتابع المشهد بتعجب دون أن يدرك حتى الآن ما الذى يحدث وما الذى سيحدث لكن فضوله يتزايد للفهم .

رضخ حجاج لهم حين رأى رجال هيبة ورفيع يحيطون بهم على مقربة كما أن باب الدار اغلق ووقف أمامه رجلين .

تحرك معهم وعقله يعمل بسرعة للخروج من تلك الورطة بأى طريقة وسيفكر لاحقا في الرد الملائم .

فتح باب الحظيرة لتتسمر قدميه فور رؤية جابر مقيد لأحد الأعمدة ويقف بجواره ذلك الحسين الذى لا يدرى من اين يظهر دائما .

دفعه مهران بينما تساءل ريان اخيرا : مين ده ؟؟ إيه اللى بيحصل هنا ؟

ربت رفيع على كتفه ولم يتحدث ليسرع جابر مستغلا صدمة حجاج لتخليص نفسه : انى جلت لكم الحجيجة هو اللى دفع لى لأچل اجتل هيبة ، بس يومها ماخابرش حوصل ايه وهيبة ماخرچش من الدار واصل ولما جلت له جالى اجتل ضاحى وراچى وهدفعلك كد اللى دفعته مرتين .

اتجهت الأنظار كلها ل حجاج الذى قال : والله عال .. چايبين واد ليل لاچل تحللوا لنفسيكم دمى وتخلصوا على !!! من ميتة بجيتوا چبنا إكده ؟؟

نظر له الجميع بتهكم عدا الريان الذى احتلت الصدمة ملامحه ؛ كيف تمكن بهذه السرعة من قلب الصورة ليظهر هو الضحية المنتظرة !!!

تحدث حسين ضاحكا : شيطان صوح..النچع مش مجامك والله اللى زيك مكانه الچبل مع الديابة والافاعى اللى حجهم يحذروا منيك .

هيبة : فى رمشة عين بجينا احنا جتالين الجتلة ؟؟؟

اقترب منه : سامحت فى مالى ومال خواتى اللى يدك النچسة اتمدت عليه .. 

اقترب خطوة منه وقد اسود وجهه : لكن دمهم مااسامحش فيه واصل .

زاد قربا ليظهر بصوته انكسار جاهد لاخفاءه : بسببك انت خوى ماهيجفش على رچليه بجية عمره .

علا صوت تنفسه ليفرغ غضبة بقبضته التى أطاحت حجاج للخلف : بسببك انت خوى هيعيش عاچز ..

وقف حجاج بتحد ينظر له بتشفى : لاچل أحرج جلبك عليه زى ما انى جلبى محروج على مكانتى وهيبتى اللى خدتهم انت وبوك غصبانية ..ومش بس إكده .

اتجه نحو ريان الذى سيطرت عليه صدمته حتى هذه اللحظة ليقف مهران بينهما فورا وحجاج يقول : وكنت هحرج جلبك على خيتك وچوزها 

لتأتيه الضربة من مهران الذى قال : بدك تمد يدك على واد عمتى . ده انى ادفنك مطرحك .

رغم اتداده للخلف إلا أنه اعتدل بقوة واضحة : انى واجف اهه . جدامكم واللى يجدر على حاچة يعملها . 

نظر لهم بتهكم : فاكرين هتچبونى الزريبة تباجرونى ب چابر هخاف يعنى !! يبجى ماتعرفوش حچاچ زين .. اللى خلانى دبحت دهشان من غير ما يرچف لى چفن !!

تحرك بخيلاء وثقة مشيرا ل هيبة : واللى خلانى اضرب غفيرك يا كبير واسم بهايمك فى جلب دارك

وأشار نحو جابر متابعا : واللى خلانى ادفع للغبى ده لاچل يجتل خواتك وتموووت بحسرتهم ..يبجى جلبى الميت ..اللى لمتكم دى ما تحركوش ولا تخوفه .

نظر إلى ريان وقال بغل واضح مصحوبا بإبتسامة متشفية : وجلبى الميت ده اللى هيچيب أجلك بردك .

اتجه مهران نحوه بغضب ليقف رفيع امامه فيقول بتهكم : دم دياب چرى فى عروجك على اخر الزمن يا واد شريفة ولا ايه ؟

نظر له رفيع ببرود : بزيدانى دم شريفة . انت فاكر انى ببعده عنيك محبة !!

تساءل بتهكم بينما اتجه حسين لأحد الزوايا ليخرج مكعبا صغيرا ثم يتجه لباب الحظيرة ويفتحه ليلتف ناظرا ل حجاج بتشفى : دلوك لو چبت الشيطان ذات نفسيه مايجدرش يخرچك من السچن .

وقبل أن يعى حجاج ما يحدث كان الجنود يتدافعون للداخل يحطونه ليصرخ جابر : جولت لك إحنا مش كد هيبة واد صالح .

بينما كان هيبة يتلفت حوله بالفعل مصدوما مما يحدث .

______

فى نهاية اليوم دخلت ليال وريان لغرفة ضاحى الذى ابتسم بحنان : الف سلامة عليكى يا جلب اخوكى . ربنا هيعوض عليكى ماتخافيش .

انحنت تقبل جبينه : الحمدلله يا ضاحى 

ابتسم ضاحى : ربنا يكتبك من الحامدين .

ريان : أنا جاى اسلم عليك يا ضاحى 

نظر لهما بتوجس : علطول إكده .

ريان : ماتخافش ليال هتقعد مع بابا وماما . انا وطايع ومهران هنمشى والكبار قاعدين على قلبك ههههه

ضحك ضاحى : على راسنا يا خوى .بس تهون عليك تهملها لحالها !؟

نظر له ريان ضاحكا ثم نظر لزوجته قائلا : مفيش فايدة ضاحى مابيكبرش .

قطب ضاحى جبينه بينما ضحكت ليال : ده ضاحى اطيب قلب فى الدنيا .

هز ريان رأسه متصنعا الاسف لتقول ليال : مش هيهملنى لحالى يا خوى انى وسط خواتى وعلى رأى راچى خواتى چبال مش رچال .

ضرب ريان جبهته : منك لله يا ضاحى رجعت النسخة الصعيدى من مراتى .

كادت أن تعترض لكنه تابع بمحبة : اسيبها ازاى دلوقتي !!! هتجنن والله .

ظلا معه حتى انتهت فترة الزيارة ، كان بقاء ليال بالنجع بعد الأحداث الأخيرة اقتراح ريان الذى اراد منحها بعض الاستجمام النفسى بعيدا عن أجواء القاهرة الخانقة ولولا تركه صغيره تاج برعاية شقيقته ما غادرها مطلقا . كما أنه يريد تهيئة صغيره وأخباره أن اخته المنتظرة لن تكون هنا فى وقت قريب ؛ ربما لاحقا يحصل على واحدة .

_____

فى اليوم التالى سافر ثلاثتهم بينما احب تاج البقاء في النجع فالاجواء مريحة نفسيا كما أن صحة زوجته قد تحسنت وقلت آلام العظام التى كانت تشكو منها بسبب انعدام الرطوبة في النجع بالإضافة إلى عدم ارتباطهما بأعمال تجبرهما على العودة للقاهرة . كذلك رأى رفاعى ان بقاءه في النجع سيخفف من حدة التوتر بين زينب وليليان فرغم محاولات زينب للتقرب من إياد إلا أن الجميع يرى أنها تخاف الصغير بالفعل ، تجلت المشاعر ليختفى التصنع ويظهر أنها تخافه ، تخاف حمله أو التعامل معه ، فقرر منحها بعض الوقت .

وصلوا للقاهرة وكان الليل قد فرض سطوته على البسيطة ، طلب منه طايع أن يبقى هذه الليلة بضيافته لكنه اعتذر وأخبره أنه سيصحب ولده وينصرف بعد الاطمئنان على شقيقته.

جلس الجميع بمنزل مهران حيث تقيمان ، لقد رحب بهم الأطفال واختفوا فورا حتى ارتاب ريان لأمرهم فقال : لى لى شوفى الولاد بيعملوا ايه ؟

ابتسمت روان : بقى لهم اسبوع على الحال ده يقفلوا الباب ويقولوا بنجهز مفاجأة .

حك طايع رأسه بقلق : ربنا يستر من مفاجأتهم .

بينما استخف مهران بالأمر : هيعملوا ايه يعنى ؟

صمت لحظة لتتسلل إلى قلبه بعضا من توجسات أخيه فيقول  : انى هجوم اشوفهم .

توجه إلى غرفة ابنه ليحاول فتح الباب فيجده مغلقا من الداخل . طرقه بقوة وقال بلهجة حادة : خالد افتح الباب .

لحظات وفتح خالد الباب وأخرج رأسه فقط ليقول بتحذير : بس يا بابا هتبوظ المفاجأة .

عقد مهران حاجبيه : مفاچاة ايه بجا ؟؟

خرجت رأس نسمة أيضا تأمره : عمو روح اقعد مع بابا وخالوا واحنا هنيجى بعد شوية .

رفع أحد حاجبيه وهو يقول بحدة : جلت افتح الباب ده .

زفر خالد بضيق وفتح الباب ولم يكن هناك ما يثير التحفظ أو الريبة . يجلس تاج وبسمة أرضا ويبدو أنها كانت جلسة رباعية قاطعها مهران .لكنه تعجب من نسمة التى وقفت أمام اختها : والله يا بسمة لو مش قومتى معايا هخاصمك ومش هكلمك تانى .

ليؤيدها تاج فورا : وانا كمان .

نظرت ل خالد الذى قال : هم معاهم حق المفروض ماتخافيش واحنا معاكى بس بردو أنا مش هزعل منك .

زفر مهران بضيق : خبر ايه انت وياه وياها !!

نظر ل بسمة بحنان : جربى يا حبيبتي . خايفة من ايه ؟ حد اتعرض لك ولا زعلك .

أشار له تاج أن يصمت : اسكت يا عمو انت مش عارف احنا بنتكلم عن ايه 

أمسكه مهران من مؤخرة ملابسه : ما انى بسأل لاچل افهم يا ابو نص لسان 

اخرج تاج لسانه ببراءة وحاول أن ينظر له ثم نظر ل خالد : خالد أنا عندى نص لسان بس ؟؟

تساءل بطفولية مضحكة صدمت مهران بالفعل لكنه لم يعلق لأن نسمة اسرعت تمسك كف شقيقتها : يلا أنا معاكى ماتخافيش .

ليتركه الاطفال بالحجرة ويغادرون . ضرب كفيه ببعضهما ثم تبعهم بغيظ .

خرج الأطفال وقبل أن يعلق أحدهم قالت نسمة : غمضوا عنيكو كلكم .

ابتسم ريان : ليه يا حبيبتي ؟

قاطعه تاج : بابا اسمع الكلام .

واتبع قوله بالجلوس فوق ساقى والده واضعا كفيه فوق عينيه وهو يقول بإنتصار : بابا مش هيبص أنا خبيت عينه يا بسمة .

تساءلت روان : انتو ايه حكايتكم ؟

نظر خالد لها  برجاء يفلح دائما في إخضاع قلبها : ماما من فضلك 

زفرت ثم أغمضت عينيها : حاضر يا خالد أنا واثقة فيك .

تعجبت ليليان قولها ونظرت لابنتيها بتعجب ثم نظرت لزوجها بقلة حيلة وأغمضت عينيها نظر طايع لأخيه وضحك قائلا : أنا مقدرش ازعل اميراتى 

اخيرا كان على مهران مواجهة أعين الأطفال التى تتهمه بإفساد مفاجأتهم المميزة ليزفر بضيق ويغمض عينيه عاقدا ساعديه برفض واضح .

ابتسموا جميعا لها بتشجيع لتشعر ببعض الراحة ويبدأ صوتها يغرد برقة لتكون ليليان أول من فتح عينيه بصدمة أظهرت التوتر في صوت بسمة فورا لكن تلك النظرة والتى طالما اختصت بها امها شقيقتها شجعتها للإستمرار وقد تعلقت عينيها بعينى امها .

انتهت بسمة من انشودتها ليصفق الصغار بحماس بينما هب طايع يلتقطها من فوق الارض ليزرعها بين ذراعيه بسعادة : حبيبة ابوكى ونور عينه .أمته وفين اتعلمتى تنشدى كده ؟؟

تساءلت بسعادة : يعنى مبسوط منى يا بابا ؟

جذبها ريان منه بلهفة : كلنا مبسوطين يا نور عيني ايه الجمال ده !!

نظرت روان ل ليليان لتقترب هامسة : مش قلتلك اكيد حاجة بتميزها .

حملت إياد عن ذراعيها لتوكزها فتقترب من أخيها وتضمه وابنتها : مين يا حبيبتي علمك كده ؟

لتقول نسمة بفخر : جدو تاج 

نظر لها الجميع بينما استرقت بسمة نظرة لعمها تستشف رد فعله لتراه مبتسما ، غمز لها بإعجاب لتضك وتدفن وجهها قرب رقبة ريان الذى نظر ل مهران متصنعا الصدمة : بتعاكس بنت اختى يا مهران ؟؟

جلسوا بعد قليل لتشرح لهم بسمة أن جدها أخبرها أنها تملك صوتا مميزا وبدأ تحفيظها بعض الأناشيد لكن حين سافر وارادت طلب الدعم من مدرسة التربية الإسلامية نهرتها الأخيرة لتخبرها أن صوت المرأة عورة وإنشادها غير جائز .تجهم وجه ريان لهذا التعسف والتشدد الذى لا يمت للدين بصلة .

تحدث خالد عن خيبة الأمل التى وجدهم بها في ذلك اليوم ثم أخبرهم ببساطة عن نتيجة بحثهم عن صدق تلك المقولة المتداولة واكتشافهم أنها ليست أكثر من تشدد لا اصل له .

دارت نظرات الإعجاب تحيط الصغار بمودة وحماية فهم قادرون جميعا على إجتياز صعوبات الحياة بعضهم يدعم بعضا .أبناءهم ليسوا سوى بنيانا شديدا اجادوا تأسيسه فأصبح عتيا لا تحنيه الرياح ولا تسقطه الزلازل .


#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى


السابع والعشرون

فى الصباح دخلت الفتاتان لغرفة والديهما بعد أن أذن لهما طايع الذى ابتسم لرؤيتهما ورفع جزعه العلوى عن الفراش لتريا ملامحه الناعسة لتقول نسمة : اسفين يا بابا صحيناك بس احنا قررنا حاجة ومحتاجين مساعدة .

جلس طايع ينظر لهما بحنان : تعالوا يا حبايبى عاوزين ايه ؟

انطلقت بسمة تسبق اختها لأول مرة : قررنا نتحجب وعاوزين نعمل شوبنج .

نظر لهما بصدمة بينما تجاهلت ليليان تكاسلها الصباحى لتجلس بجواره فى ثانية : عاوزين ايه ؟؟

ردت نسمة بثقة : نتحجب يا ماما زيك .ما هو ماينفعش نلبس خمار واحنا بنصلى فى البيت ونخلعه واحنا برة !!!

ليليان : بس انتو صغيرين على الحجاب اوى !!

لتتساءل بسمة بعفوية : ليه يا ماما هو الحجاب ليه سن ؟

نظرت لزوجها الذى تنحنح بحرج وقال : خلاص انى موافج لما ارچع من الشغل نروح نعمل الشوبنج اللى طالعين فيه لامكم ده .

صفقت بسمة بحماس بينما تخصرت ليليان ونسمة ونظرا له بغضب ليقول ممازحا : سلام قولا من رب رحيم .. هتطلعوا نار ولا ايه ؟؟

ضحكت بسمة بشدة لينظر لها ويتبعها ضاحكا وسرعان ما استقرت بين ذراعيه لتقول بحنان : ماما إياد صاحى وبيتفرج علينا 

نظر الجميع لفراش الصغير الملحق بالغرفة ليطالعهم وجهه المبتسم فتتجه ليليان نحوه وينشغل طايع بمشاغبة الفتاتان .

____

ساعد ريان صغيره ليساعد ليومه الدراسى وفى أثناء ذلك قرر أن يحدثه بذلك الأمر فقال بحنان : تاج انا عاوز اقولك على حاجة وانت كبرت دلوقتى ولازم تفهم .

حصل على اهتمام الصغير فتنهد مستغفرا ثم تابع : حبيبى اختك اللى كنت مستنيها مش هتيجى دلوقتى .

اتسعت عينا تاج : ليه يا بابا مش هى فى بطن ماما وهتيجى بعد شوية ؟

ابتلع ريان غصته ثم قال : لا يا حبيبي هى مابقتش فى بطن ماما ومش هتيجى ..هى سبقتنا على الجنة 

انقلبت شفة تاج السفلية للخارج إنذارا بشروعه فى البكاء ليضمه والده لصدره رابتا فوق رأسه بحنان : إن شاء الله ربنا يعوضنا بس انا محتاج مساعدتك يا تاج .

رفع الصغير عينيه ليتابع ريان : طبعا إحنا زعلانين ..بس مش قد زعل ماما ابدا .هى اكتر حد موجوع ..لما ماما تيجى مش عاوزين نتكلم معاها فى الموضوع ده خالص .

أومأ الصغير بتفهم وكفه يتسلل لوجهه رافضا تلك الدمعة التى تهدد بالسقوط.

______

منزل طايع

بعد ساعة تقريبا كان الكل يستعد للمغادرة وانهت ليليان ارتداء الحجاب لتنظر لزوجها كأنها تذكرت : طايع انت صحيح هتلبس البنات الحجاب من دلوقتي ؟؟

ارتدى سترته وهو يقول : طبعا مش عاوزين إكده 

اعترضت ليليان : صغيرين يا طايع !!! وبعدين الرسول عليه الصلاة والسلام قال " لا تصلى الحائض إلا بخمارها " 

نظر لها بحيرة : ودى اشرحلهم كيف يعنى ؟؟ ومفيش حاچة فى السنة تمنع غير البالغ من الحجاب ده اللى اعرفه ماداموا حابين العفة اجولهم لاه كيف يعنى؟؟ بجى الناس تحايل بناتهم يتحچبوا وانى اجولهم لاه .

هز رأسه مستنكرا : لا يا لى لى خلاص انى بحمد ربنا إن هدى جلوبهم للحچاب هيلبسوه ونفهمهم أحكامه وربنا يثبتهم .

همت أن تعترض مرة أخرى فرفع كفه مقاطعا : كده هنتأخر على الشغل والبنات يتأخروا على المدرسة ..كمان لسه هتدى إياد لعمته روان وتتكلمى نص ساعة .

نست فورا أمر نقاشهما الأساسي وتحول اهتمامها إلى هذا الاتهام الجديد الذى أفلح فى رميها به لينهى أمر الحجاب .

_____

دخل هيبة لغرفة والدته للمرة الأولى منذ تم القبض على حجاج ، تقابلا مرة بغرفة ليال لكنه لم يقابل حسنات المقيمة بغرفة والدته بعد .

طرق الباب وانتظر السماح بالدخول ليدخل وعينيه تتهربان منها ، هو ليس له الحق في اتهامها بإفساد تنشئة ابن عمه ، هو يعلم أن الجزء الأكبر من اللوم يسقط على عاتق عمه الذى زرع تلك الأفكار برأسه صغيرا وغفل حين عاد للحق أن ابنه قد اصبح رجلا وتشكلت عقليته وافكاره ومحاولة تغيرها لن يجدى نفعا إلا أن أراد هو هذا التغير ؛ ولسوء الحظ لم يفعل بل وجد فى إلصاق الصفات السيئة بعمه وابناءه يظهره هو فى نظر نفسه على الأقل بصورة جيدة ارضته فبدأ من فوره يعمل على تأكيد ذلك ، وإن سلك طريقا اعوج فهو ينظر للنهاية لا لكيفية الوصول إليها .

أوقفت زبيدة حيرته وهى تستقربه منها : جرب يا ولدى . عمتك مش غربية .

هز رأسه مؤكدا قولها دون حديث حتى جلس أمامهما ليقول : اخباركم ايه ؟ مجصر فى حجكم .

وضعت حسنات كفها فوق ذراع زبيدة لتمتنع عن الرد وتقول هى : احنا بخير يا ولدى ..اوعاك تفكر انى مشيلاك حمله !!

نظر لها هيبة : والله يا عمة كنت هخرچه من النچع بس لكن بعد ما جر بلسانه على عمايله مااجدرش ألوم اللى بلغ عنيه .

ربتت فوق كتفه : عمل طيب ..لو خرچته كان هيرچع ..يمكن حبسته چت مصلحة لاچل نلحج ولده جبل ما يتحول ل دياب تانى .

عادت تربت فوق كتفه : شيع ل رفيع ياچى ياخدنى .

قاطعتها زبيدة : واه . ليه طيب ؟

نكست رأسها : احاول اصلح غلطى فى حچاچ مع ولده 

_______

فى المساء وصل مهران لمنزله ليجد إياد بعده برعاية زوجته ، تلفت حوله ليعلم أن إياد وحده ، اين الفتاتين إذا ؟؟

جلس ليتساءل : هو إياد لحاله إهنه ؟

قبلت الصغير وهى تمد ذراعيها ليتناوله منها وهي تقول : راحوا يعملوا شوبنج عقبال عندنا .

نظر لها بحدة لتتابع : ههههه خلاص ماتبرقش ..اصل البنات عاوزين يتحجبوا ونزلوا يشتروا لبس جديد .

هز رأسه بتفهم لتتقدم للداخل : دقايق والغدا يكون جاهز .

مهران : شيعى لى خالد وانت داخلة .

اومأت ولم ترد وفي خلال دقائق كان خالد يجلس أمام والده الذى قال : انى خابر انى خلفت راچل يعتمد عليه لكن انت غلطت ..ومش عيب كلنا بنعلط لكن لازمن نتعلم .

تساءل خالد بجدية : غلطت في ايه يا بابا؟

مهران : لما جفلت باب الاوضة وبنات عمك وياكم چوه .. ده مش بس غلط لاه ..ده حرام كمان .

قطب الصغير حاجبيه : ليه يا بابا أنا اخوهم الكبير ؟

ابتسم مهران : لاه انت واد عمهم مش اخوهم .. وتاچ واد خالهم مش اخوهم انى خابر زين إن بعدكم صغيرين ومافهمينش .. لكن إذا كبرتم على الغلط هيبجى عنديكم سهل تغلطوا .

تنهد خالد : بابا أنا مش فاهم !!!

نهض مهران ليقترب منه بمجلسه وهو يقول : افهمك .. انت تعرف إن امك بت عمى صوح ؟

أومأ خالد : صح عارف 

مهران : طيب اذا كانت اختى زى مابتجول على بنات عمك كان ينفع اتچوزها ؟؟

حك الصغير ذقنه : لا . محدش يتجوز أخته .

مهران : هو ده اللي رايدك تفهمه زين .. بنت عمك انت تچوز لها . يبجى لا ينفع تجعدوا والباب مجفول ولا ينفع تجرب منيها اكتر من اللازم . ولا ينفع مسكة ايد بسمة عمال على بطال .

قاطعه خالد : بابا بسمة بتخاف 

ابتسم مهران : اختها تمسك يدها . ولا بوها .. ولا انى . ولا حتى خالها ريان ..لكن انت وتاچ لاه . انى بكلمك لانك اكبر واحد فيهم والمفروض ماتسمحش بالغلط وتفهمهم .. تعرف ايه أكبر ذنب ممكن نعمله يا خالد ؟

هز الصغير رأسه نفيا ليقول والده : إننا نألف المعصية .. يعنى تبجى فى حياتنا عادى . 

ربت على رأس ابنه بحنان : فهمت يا خالد . راعى حدود ربنا 

أومأ الصغير : حاضر يا بابا ولما تشوفنى عملت غلط او نسيت فكرنى .

عاد يربت على رأسه لينظر ل إياد الذى يبدو معترضا على اهتمامه بخالد دونه فنظر له بحدة مضحكة : ايه يا سى إياد. انت كمان راعى حدود ربنا .

صفعه إياد لتتسع عينيه بشكل من الطبيعى أن يفزع الصغير لكنه وجده يضحك ويضحك خالد الذى قال : علشان مش بتكلمه هو بيضرب اللى مش بيكلمه .

هز مهران رأسه ليشاركهما الضحك مستسلما .

______

عاد طايع من جولة التسوق يستشيط غضبا من سوء الأذواق و المعروضات لذا عادوا جميعا بأيد خاوية سوى من بعض السترات ذات الأكمام وبعض اوشحة الرأس هادئة الألوان .

كانت الفتاتين فى حالة من خيبة الأمل اذ اقترحت ليليان تأجيل أمر الحجاب لبعض الوقت الأمر الذى رفضه طايع ووعدهما بجولة تسوقية أخرى لعلهما تجدان ما تبحثان عنه .

كان الحل الأمثل لدى روان التى اقترحت تفصيل الملابس عوضا عن شراءها وهذا يمكن الفتاتين من اختيار التصميم الذى تحبان ثم يفصل مناسب لهما تماما ليجد هذا الاقتراح صداه لدى الفتاتين وراحة لدى طايع فأجمعوا عليه .

_____

مرت الأشهر وقد بدأت الأمور تزداد استقراراً .. بعد عدة أشهر من البقاء في المشفى سمح الطبيب ل ضاحى بالعودة للمنزل ، قام هيبة بتجهيز جناح كامل بالدور الأرضي يتناسب مع احتياجات أخيه ، كما قام بإلحاق غرف أبناءه بجناحه ليكون مستقر نفسيا .

كما قرر هيبة التواصل مع طبيب بأحد مركز العظام بألمانيا وعرض تشخيص حالة أخيه بحثا عن امل جديد وإن كان ضعيفا وطلب من الطبيب أن يكون حلقة الوصل بينه وبين المركز و أن يعلمه بكل جديد .

عادت حسنات لمنزل رفيع وقد طلبت منه أن تقوم بتربية دياب ابن حجاج . كان سويلم اكثر اعتراضا من أبيه على ذلك لكن أمام رغبة حسنات وحزنها انصاعا للأمر . كانت البداية سيئة للغاية . دياب يكره سويلم بشكل مبالغ فيه . وهنا كان دور رنوة التى ارشدت ابنها ليتمكن من استمالة قلب ابن عمه بالكلمة الطيبة اولا ثم بالمشاركة وبعض الهدايا حتى بدأ دياب يتعامل مع الجميع بطريقة أقل حدة ، كما طلبت من زوجها صحبته للمسجد گطفليه تماما ولم تنتظر شريفة من يوجهها وبدأت تحفيظه القرآن ومما أثار دهشة رفيع أن الفتى يملك حافظة مدهشة فسرعان ما طلبت منه والدته الاستعانة بأحد الشيوخ لتحفيظه فهى لم تعد مؤهلة لتقدمه الشديد السرعة .

_____

منذ أعاد ريان زوجته للقاهرة عادت لعملها فورا فهى تجد المزيد من الراحة بين الأطفال لم يدخر جهدا للتعايش مع الأمر وكانت تستجيب بشكل كبير لمحاولاته ، تعددت زياراتهم للصعيد لتفقد ضاحى كما يفعل طايع ومهران بالضبط.

أصبحت إقامة تاج وغالية بالصعيد أكثر من القاهرة لدرجة أن فكر تاج فى شراء بيت صغير مستقل لمزيد من الراحة وهنا لم يتردد راجى فى تقديم المساعدة  وأوجد لهما منزلا صغيرا مكون من طابقين وحديقة لا تتعدى الأربع أمتار لكنها مبهجة .اشتراه تاج واحتاج لبعض التعديلات التى أشرف عليها راجى .

أما رفاعى فلم يجد بأسا من التنقل بين بيت ابن عمه وانسباءه فهو مرحب به دائما .

____

عصرا فى منزل رفيع حيث تعانى ألم المخاض ولم تخبره كالعادة ، دخل سويلم ودياب ليرى سويلم الألم بملامح أمه فيسرع نحوها : ماما مالك ؟بتولدى ولا ايه ؟

نهرته بضعف : سويلم عيب مالاكش دعوة . ادخل اوضتك يلا .

اقترب دياب مبتسما ببلاهة : صوح يا عمة !! بت عمى هتتولد دلوك ؟

نظرت لملامحه ولم تتعجب لهفته فهو ابن وحيد لم تنجب أمه بعده وقد صرحت لهم بعد أن حصلت على الطلاق بالمحكمة أنها منعت نفسها من الحمل مرة أخرى ،فكلما تعرفت إلى حجاج كلما زاد خوفها منه ولم ترغب في مزيد من الأبناء لاب مثله .

أفاقت من شرودها على صياح سويلم : دم !!! ارمح يا دياب نادم ستى .

نظرت أسفل قدميها لتتفاجئ ببقعة من الدماء تتسع ببطء . حاولت الابتسام للحد من فزع ابنها وهى تقول : ماتخافش يا سويلم أنا كويسة .

لكن محاولتها باءت بالفشل حين دخلت شريفة تلهث ودياب ممسك بكفها لتضرب صدرها بفزع : يا مرى !! فيكى ايه يا بتى ؟ حاسة بإيه ؟؟

هنا تخلت عن شجاعتها الزائفة ونظرت لابنها بفزع لتقول بضعف واضح : سويلم عاوزة رفيع 

لم يستجب سويلم ليدفعه دياب : اتحرك يا زفت .

اتجه سويلم لهاتفها فورا يتصل بوالده الذى كان بالمنزل فى خلال عشر دقائق كانت شريفة خلالهم قد أعدتها للذهاب للمشفى .

لم تكن ولادتها سهلة لذا اضطرت الطبيبة لجراحة لإخراج الطفلة مع مجازفة محسوبة لزيادة النزف الذى عانت منه الأم ؛ ورغم أن الولادة التى استغرقت وقتا أطول من المعتاد إلا أن  نتيجتها جيدة وتمكنت الطبيبة من الحفاظ على حياتها وطفلتها .

بعد ساعات من النوم المتواصل بفعل العقاقير نظرت حولها بتيه وترقب لتجد وجهه الغاضب : اعمل فيكى ايه لأچل تجولى موچوعة ؟؟ 

تحدثت بضعف : حقك عليا يا رفيع .. والله بخاف عليك من القلق . انا عارفة إنك بتتوجع علشانى ازاى اقدر اوجعك وانا قادرة اتحمل !!

وضعت كفها فوق بطنها لتتحول ملامحها للفزع : ايه ده ؟؟ بنتى فين ؟؟ رفيع ..

وضع سبابته فوق شفتيها وقد ازال فزعها غضبه وحوله لحنان ليهمس : نايمة ماتخافيش .

تنهدت براحة بينما ابعد كفه فور اقتحام سليم للغرفة بجنون يتبعه أخيه وابن عمه وجدته التى اشرق وجهها لرؤيتها بخير .

توجه سليم نحو فراش أمه ليرفعه أبيه ويبعده : حاسب يا ولد .

بينما توجه سويلم ودياب نحو فراش الصغيرة ليقول سويلم : ماما خيتى كيه الجمر . 

وقال دياب ببراءة : شبهك يا عمة . حته صغيرة منيكى .

نظر لهما رفيع بغضب وترك سليم لأمه ليتجه نحو الفراش الصغير  ليحمل طفلته الغالية بعيدا يخفيها بين ذراعيه ، تبعتها الأعين لتبتسم رنوة : رفيع اديها لسويلم يشيليها 

ليتساءل دياب بحماس :وانى يا عمة ؟؟

تبتسم بوهن : وانت يا حبيبي ...

نظر لها بغضب واضح لكنه لم يجد بدا من الانصياع لها .

جلس بالقرب منها وقد تخلى عن حمل صغيرته مكرها ليتساءل : هنسميها ايه ؟؟

سلين ..

 نطقتها بحب ليرددها مختبرا منطق الاسم بين شفتيه دون أن تتركها عينيه لوهلة واحدة 

___

دخل هيبة للمنزل بحماس ليسأل عن ضاحى الذى ساءت حالته النفسية إلى حد ما منذ عاد للمنزل ، فملازمة المنزل للنساء وها هو يلازمه مكرها تحت وطأة العجز الذى اوقف حياته . تجاهد ريتاچ لإخراجه من تلك الحالة النفسية وهو يبدى لها تجاوبا زائفا .

طرق هيبة باب أخيه ليأذن له وهو متسطح فوق فراشه كالعادة . دخل متهلل الوجه لتستبشر هى خيرا لكنها تخفى لهفتها ، جلس هيبة بحماس ليقول : الدكتور الألمانى وافج على حالتك يا ضاحى . من بكرة هبدا إچراءات السفر ليك ولأم مريم 

ابتسمت بسعادة واضحة بينما تساءل ضاحى : وجال فيه امل يا هيبة ؟ 

أومأ هيبة مؤكدا : طبعا فيه امل . هو جال الحالة صعبة وهتحتاچ اكتر من عملية وعلاچ طبيعى كتير بس الناس دى يا خوى ماتضيعش وجتها مع حالة مفيش امل منيها .

أسرعت تؤيده : يا ضاحى ابو ليال معاه حق ، اتعشم فى وجه الله خير .

رفع عينيه للسماء وتمتم بما لم يسمعاه .

_____

بمنزل مهران وقد دخلت ليليان بحماس بصحبة طايع الذى يستغل يوم إجازته ليرافقها وطفله إلى مركز الملائكة الصغار .كانت روان بإنتظارهما لتبتسم لمجرد هذا الحماس البادى عليها ولم تمنحها فرصة للتساؤل وقالت فورا : مش هتصدقى يا روان !! عملنا اختبار ذكاء ل إياد ونسبة ذكائه خمسة وسبعين فى المية 

بدت السعادة على قسماتها لتعاتبها برفق : كدة يا لى لى!! مش قلت لك نعمل الاختبار سوا 

اجاب عنها طايع : هى جالت لى إكده بس بالصدفة النهاردة فى خبير انچليزى بيزور المركز وعمل الاختبار لكل الولاد والنتيچة هايلة .. وجال مع التأهيل اللى بيجدمه المركز ده ممكن الولاد دول يبجى لهم حياة ممتازة ووعد كمان بدعم المركز من منظمة عالمية .

تابعت ليليان بحماس : فعلا تعرفى يا روان ! قال كمان هيعمل زيارات دورية للمركز لانه فخور بالولاد اوى وتقدمهم عن الاطفال في مراكز كتير فى الشرق الأوسط.

جمعت روان كفيها أمام صدرها بمحبة ليشير لها إياد فتحمله بلهفة ، جلست ليليان بالقرب منها لتقول : تعرفى يا روان انا اتعلمت مع إياد حاجات كتير فادتنى مش بس معاه لا مع اخواته انا كنت بفرق فى المعاملة بين البنتين ودائما اقارن بسمة باختها لما كنت هخسرها .

تنهدت براحة : الحمدلله مش هعيد اخطائى تانى .

ربتت روان على كفها بحنان : ربنا يبارك لك فيهم يا لى لى.

بينما نظر لها طايع مشككا فى قرارها ذا . أشاح بوجهه حسنا مهما تمادت بالخطأ فهى حبيبته وسيحاول تصحيح الفوضى التى تخلفها بحياة صغيرته ليحافظ عليهما معا . 

_____

دخل ريان وهو متوجس خيفة لقد هاتفته وطلبت عودته للمنزل على وجه السرعة ، ترى ماذا حدث ؟؟

أصاب ضاحى مكروه !!

ام والديه !!!

ربما صغيره !!

ربما هى !!!

تصارعت الأفكار برأسه حتى وصل للمنزل ليقتحم الباب بلهفة ، كانت جالسة وولدها أمامها يستخدم أحد ألعابه الجديدة ليرفع رأسه ويقول بحماس مقررا إخبار والده عن سبب إستدعائه على وجه السرعة : بابا اختى رجعت بطن ماما 

نظر لها بلهفة لتبتسم وكفها يلازم بطنها ليغمض عينيه ويخر ساجدا لله شكرا 

___

بدأت رحلة ضاحى العلاجية بجراحة استمرت ساعات كادت أن تقضى على تماسكها تماما . تحمد الله انها تجيد اللغة الألمانية مما سهل التفاهم بينها وبين طبيبه كذا العاملين بالمشفى .

بعد الجراحة احتاج لثلاثة أشهر كاملة كفترة نقاهة ولم يشعر بأى تحسن مما أخبره به الطبيب .

دخل الطبيب للغرفة مستبشر الوجه لتبتسم ريتاچ وتتبادل معه حديثا قبل أن يفحص ضاحى فحصا بدأ يضجر منه إلا أن نظرة الأمل بعينيها تدفعه للتحمل .

غادر الطبيب لتلتفت له بحماس : الحمدلله يا ضاحى الدكتور بيقول إن حالتك احسن والأعصاب بتستجيب .

ابتسم ضاحى ابتسامة باهتة : ماتفرحيش جوى إكده ، أنى ماواعيش اى فرج .

اقتربت لتربت على صدره بحنان : معلش حبيبي انت عارف المشوار طويل .

أشاح بعينيه عنها للحظات شاردا فى إحتمالات الفشل .

هل سيبقى بهذا الشكل ما تبقى له من عمر !!!

جسدا ميتا في حياة أحبته .

ترقرقت عينيه ودون أن ينظر لها قال برجاء مختنق : احضنينى يا ريتا 

________

بعد عدة أشهر مرت بتعب بدنى ونفسى كانت ترقد بالمشفى بعد أن وضعت صغيرا ذكرا .. تجهم تاج لمجرد معرفته أنه حصل على اخا وليس أختا كما تمنى .

سافرت زبيدة وراجى للقاهرة بينما اضطر هيبة للبقاء في النجع ف ضاحى عاد من رحلته العلاجية دون أن يحرز اى تقدم ، حقا لم يشعر أحد بأنه يعانى لذلك الفشل إلا أن الجميع يتألم لأجله .

إلتف الجميع حول فراش ليال لتقول غالية : تريم !! إسم غريب اوى يا ريان 

تاج : بالعكس اسم جميل جدا 

زبيدة : معناته ايه ده يا بتى !!

ابتسمت ليال بتعب : يعنى المتواضع لله يا ماما

هو راجى رأسه بتفهم : معناته زين بس غريب صوح .

تساءلت غالية : يعنى انتو كنتو عارفين معناه ؟؟

ابتسم ريان : طبعا يا ماما . احنا عملنا بحث عن أسماء الولاد والبنات من زمان كنا عاوزين بحرف ت زى تاج 

نظر لهم الصغير بغضب : لا انا مش عاوز تريم ده ماليش دعوة أنا عاوز اخت بنت 

اتبع قوله بإنعقاد ساعديه ليضحك الجميع بينما قال جده : ايه ده انت مش عاوز تريم اخوك اللى بيحبك !!

نظر له الصغير مختلسا لتقول غالية : ده لسه قايل ليا ولجدو تاج إنه هيجيب ل تاج اخوه الكبير اللى بيحبه حاجة حلوة 

ظهر الغضب على ملامح تاج : انتو بتضحكوا عليا ..هو صغير مابيتكلمش انا مش عبيط .

كبتت الضحكات وعاد الصغير يعقد ساعديه ليقترب منه جده ، قربه من صدره ليقول : مش قلنا يا تاج إن ربنا بيحبنا اوى ؟ 

هز الصغير رأسه مؤكدا حديث جده ليتابع : يبقى نعرف إن كل رزقه خير لينا ، اخوك ده نعمة من ربنا لازم نحمده عليها .

اعترض الصغير بوجه عابس : بس انا كنت عاوز بنت 

ابتسم جده بحنان : وربنا عاوز يرزقك اخ مش اخت ..أنهى احسن ؟ اللى انت عاوزه ولا اللى ربنا عاوزه ؟؟

لم يظهر الاقتناع التام على ملامح الصغير ليقول ريان : تعالى شيله وشوف هو شبهك قد ايه !!

____

جلست ريتاچ أمامه بشرود وقد غادر أطفالهما للتو بصحبة أبناء هيبة ، نظرت له بشوق ..نظرة لم تخطئها عينيه مطلقا .

وكم يؤلمه عدم تمكنه  من ضمها لصدره ورى أشواقها لقربه .. نظرتها تلك التى تحاول إخفائها عنه اسوأ ما مر به منذ ذلك اليوم . 

ألم إحساسه ذا أقوى من ألم إختراق الطلقة لجسده .

ما اصعب ان يشعر الرجل أن حبيبته تشتاقه !!

تحتاجه !!

تصبو لقربه !!

وهو عاجز تماما حتى عن ضمها لصدره .عن تذوق عذوبتها عن التدثر بدفئها .

تبدلت نظرته ولم تعد تدرى أينظر لها بحنان أم ألم !!؟

تنهد زافرا ألمه : جربى يا ريتا .

افاقت من شرودها لتقترب منه مسرعة : مالك يا ضاحى !؟ حاجة بتوجعك !؟

ابتسم : انى زين يا جلب ضاحى ؛ جربى مينى اتوحشتك فى صدرى حتى لو مش هحس  جربى بزيدانى انك حياه.

نظرت له بحنان : مش قد ما وحشتنى ، لما نعمل العملية التانية والكسر يلم مش هبعد عن صدرك ثانية .

تنهد بضيق : وبعدهالك يا ريتا بزيدانا وچع !!

اقتربت لتضع كفها فوق صدره : مجرد انى افتح عينى واشوفك فى دنيتى نعمة كبيرة اوى هفضل اشكر ربنا عليها طول عمرى وادعى له مايحرمنيش منها ولا منك ابدا .

  

#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى


الثامن والعشرون

تمر الأيام سريعة الدوران وكل يدور فى فلك حياته يهلكها وتهلكه .

شبت الأعواد وبدأت البراعم تميل للنضج ، بعضها يسير بخطى ثابتة وبعضها تفتحت براعمه وامتدت جذوره تغرس نفسها قبل أوانها .

ها هو إياد الذى اتم عامه الرابع منذ أشهر ، وكلما مر عام كلما زادت براءته ، وكلما تعلقت به القلوب.

لازال صاحب الوجه المشرق المبتسم .

كان إلتحاق إياد بالحضانة سببا في عودة روان للوحدة ، مما أثر تأثيرا عظيما على مهران  لم تعد تخنقه بغيرتها ، كما لم تعد كما كانت.

قل حديثها ، ندرت بسمتها لطول وحدتها ، كان صحبة خالد لتمرين السباحة هو الشئ الوحيد الذى يرى حماستها له ، خاصة مع إقتراب بطولة الجمهورية للناشئين والتى سيشارك فيها للمرة الأولى .

اسعد ساعات اليوم تلك التى تترك ليليان صغيرها بصحبتها عصرا ، تظاهر بالغيرة ليعيد شيئا من المرح لحياتهما لكنه فشل تعلم أنه يعشق إياد مثلها تماماً لذا لم تعره اهتماما مما أجج مخاوفه وزادها .

دخل مهران من الباب ليهلل إياد : مالااان 

ضحك مهران : يا بنى الله يرضى عنيك نطجت كل الاسامى إلا أسمى .

وضع إياد كفيه فوق فمه وضحك ببراءة ليميل ويرفعه فوق كتفه ليتدلى رأسه للخلف وتتعالى ضحكاته ، تقبل من الداخل تلومه برقة : يا مهران بطل تشيل الواد كده ممكن يرجع .

ضحك مهران : عادى بجا اتعودنا على جرفه هههه

جلس ليضعه فوق ساقيه بينما يهز الصغير رأسه معارضاً بحزم وهو يرفع إصبعه فى وجه مهران : إياد مش قرف .

تظاهر بقضم إصبع الصغير الذى أخفى كفه مسرعا وهو يقهقه بسعادة أفلحت فى رسم بسمة نادرا ما تزور شفتيها مؤخرا .

جلست بجواره لتقول : مهران فاضل شهر واحد على بطولة خالد .

ابتسم مهران فقد شب عود خالد واشتد وزادته الرياضة صلابة ليقول : الولد كبر يا بت عمى .

هزت رأسها ليرى لمحة الحزن بعينيها ، اقترب برأسه من إياد هامسا : روان زعلانة 

قفز الفتى من فوق قدميه ليقترب منها ، أحاط وجهها بكفيه وتساءل ببراءة : روان زعلانة إياد ؟؟

ابتسمت وقبلته : لا يا قلب روان ، روان مابتزعلش من إياد ابدا .

ضحك الصغير ليبتسم هو فهذا الصغير أصبح الأقدر على رسم تلك البسمة الشاحبة .

_____

جلس طايع وليليان وبسمة يتابعون نسمة وهى تمارس تدريب الفروسية الذى صممت على الالتحاق به .

نظرت ليليان ل بسمة الغاضبة لتقول : يابنتى ربنا يهديكى وفيها ايه ما انت هتشاركى فى المسابقة وتقولى إنشاد دينى مش اغانى !!

نظرت لها بسمة لازالت رغم أن ليليان تظهر افتخارها بها تشعر هى أنها تنظر لها بدونية عن شقيقتها . 

زفرت ليليان بضيق لتقول بسمة : ماما انا مش حابة الظهور ولا احب الناس تتفرج عليا ، انا ربنا ادانى موهبة وفرحانة بيها علشان قادرة اعبر بيها عن حبى لله والرسول بس لا يهمنى ناس ولا شهرة .

نظرت لها بغضب ليقول طايع بفخر : والله يابنتى عين العقل ..طول عمرى فرحان بعقلك لانه اكبر من عمرك .

ابتسمت براحة بينما نظر لزوجته لترتدع عن محاولاتها لدفع ابنته لتمارس ما ترفضه بينما نظرت ليليان لهما بغيظ فهى ترى أن طايع يشجع ابنتها على العزلة والانطواء بينما هى تجاهد لتمنحها الشجاعة وحياة اجتماعية مقبولة .

____

دخلت ليال للمنزل تلهث ليقول ريان : فى ايه ؟ كنت بتجرى ولا ايه ؟

جلست أمامه : طالعة السلم جرى خايفة تريم ينام من غير اكل .

ابتسم وقال تاج : ماتخافيش يا ماما انا أكلته .

نظرت لزوجها بغضب : انت يا تاج اللى أكلته !!؟ 

ضحك ريان : هههه بتبصى لى كده ليه ، اخوه الكبير وسى تريم متعلق فى رقبته مارضاش ياكل معايا .

زادت ضحكاته وهى تتوعده بإشارات من كفيها ، نهضت تتجه للغرفة لتتوقف وتلتف بحماس : ريان ضاحى راجع كمان تلت أسابيع .

تساءل بترقب : ماسألتيش اخبار اخر عملية ؟؟

تألمت قسماتها : خلاص بطلت أسأل ربنا يعوض صبره هو ومراته خير . 

___

هبطت رنوة الدرج الداخلي لتتعلق عينيه بها ، لا تزيده الأعوام إلا تعلقا بها ، نظر ابنه لاتجاه عينيه ليقول : احمممم

نظر له بغضب ليقول : عمى راچى جالى ابجا اروح انى ودياب نعلم صالح ركوب الخيل .

روحوا 

قالها رفيع لتظهر رغبته في التخلص منهما بينما قال سليم : وانا اروح اركب فرسة عمى ضاحى .

خرجت سيلين من غرفة جدتها تركض لتستقر فوق قدميه ، رأت عينيه تراقبان امها التى تتحرك بخفة تنظم المنزل لمرض شريفة وملازمتها الفراش ، نظرت له الصغيرة بغضب وامسكت وجهه بكفيها : بابا ماتبصش على ماما . بص على سيلي .

ربت على ظهرها بلا اهتمام : بس يا بنت الناس 

شهقت الصغيرة كأنه لطمها وقالت فوراً باستنكار واضح: انا مش بنت الناس انا بنتك انت وماما .

التقطت جملة صغيرتها لتنظر له وفى لحظة انفجرت ضاحكة ، نظر لها متصنعا الغضب وسرعان ما انضم إليها ليزداد غضب الصغيرة وعجب الصغار . مال سويلم على إذن دياب متسائلا : چرى ايه ؟ 

هز دياب كتفيه وصمت ليسعد رفيع بمشاركة صغاره تلك الذكرى وهو ينظر لابنته : بالكلمة دى تبجى بت امك صوح

عاد سويلم يهمس : جوم بينا نطل على ستى حسنات وستى شريفة ونخرچ 

بالفعل  تحرك معه دياب بصمت لقد أصبح قليل المشاركة وقليل الحوار أيضا ، يحاول سويلم أن يعلم سر صمته ذا لكنه يرفض أن يفصح عنه بينما ارجع رفيع صمته لحزنه للحكم الذى صدر ضد أبيه بتحويل أوراقه لمفتى الجمهورية وهم جميعا فى انتظار تصديق المفتى على إعدامه فمحاميه فشل في نفى تهمة القتل العمد عنه بعد أن أعترف وتم تسجيل اعترافه بإذن من النيابة .لذا طلب من سويلم أن يحسن رعاية ابن عمه حتى يجتاز هذه المحنة .

تفقدا شريفة وحسنات التى لزمت حجرتها ترعاها منذ لزمت الفراش ، كانت شريفة واهنة شاحبة ، نظر لها دياب ليشيح وجهه سريعا بينما سويلم يراقبه بدقة . ابتسمت شريفة وحادثتهما قدر استطاعتها ليغلبها الضعف مرة أخرى .

______

جلس هيبة فوق اريكته بصمت لتقترب منه سما : مالك يا هيبة ؟ 

نظر لها بألم : ضاحى راچع 

ابتسمت : يجى بالسلامة إن شاء الله .

تهرب بعينيه منها لتضع كفها فوق ذراعه : انت لسه مشيل نفسك الحمل ده ؟ 

تنهد بضيق : لو كنت خرچت يومها كان ضاحى زمانه بيمشى على رچليه .

هبت واقفة بغضب : وبعدين معاك يا هيبة !! قولتلك الف مرة ده شيطان بيوسوس فى دماغك وانت بتفتح له الباب بقولة لو ...

نظر لها متعجبا غضبها لتتابع : وليه ماتقولش كان زمان عيالك متيتمين .. وانا مترملة وقلبى محروق عليك .. حجاج كان زمانه كبير النجع وبهدل اخواتك بشره .. انت فاكر كان ينفع اخواتك قبلينا يعيشوا من غيرك .. امك اللى انت ضهرها كانت هتعيش ازاى !! اخواتك اللى انت عقلهم وقوتهم كانوا هيعيشوا ازاى !! ولادك اللى انت سندهم كانوا هيعيشوا ازاى !! الناس اللي انت كبيرهم كانوا هيعيشوا ازاى !!

وقفت تنظر له بضياع وتشير لصدرها : أنا..أنا كنت هعيش ازاى !! فكرت مرة كنت هعيش ازاى !! انا سبت اهلى اللى مالهمش غيرى ..سبت البلد اللى اتولدت وعشت عمرى فيها ..سبت أصحابى وحياتى والدنيا ورايا وجيت اخر الدنيا علشانك ..

أشارت نحو صدره : علشانك انت ودعيت ربنا تكون ليا عوض عن كل حاجة ..وانت عملت ايه يا هيبة قولى ؟؟ عمال تقطع فى قلبى عليك وانت بتتمنى الموت ..عمال تقطع فى عمرى وانت بتبعد عنى وتهملنى ..عمالة اقول اخوه معذور .. اخوه معذور بس خلاص بقا تعبت ..

انخفضت نبرة صوتها فجأة : تعبت حرام عليك كفاية تقطيع فى قلبى ..زى ما انت بتحب اخوك انا بحبك 

عاد صوتها يتلو ويزداد غضبها : عمال تقولى لو كنت خرچت يومها كان ضاحى زمانه بيمشى على رچليه !!! عارفة انك موجوع على اخوك .. وانا موجوعة على بنت عمى .. لكن انا مش زيها لو كنت مكانها ماكنتش هستحمل ..ارحمنى بقا ارحمنى .

اندفعت من الغرفة لتتركه بصدمته ينظر في أثرها بأعين متسعة ، للمرة الأولى منذ وطأت قدميها داره تحدثه بتلك الطريقة ، لأول مرة تنفعل بهذا الشكل وتنهار لهذا الحد .

طالما كانت قوية تحملت عبء كونها زوجة الكبير بلا تذمر ، لكنه لم يراعى أن لها طاقة قد تنفذ ، وها هي نفذت .

____

دخلت لغرفة زبيدة التى ابتسمت : تعالى يا بتى .

اقتربت تجلس بجوارها تطمر الغضب كما اعتادت لكن عينيها لا تساعدنها بتاتا . نظرت زبيدة ل صالح الصغير : صالح روح نادم ل مريم .

حاضر يا ستى .

قالها ليعقب قوله بالعدو خارجا ، نظرت لها زبيدة : متعاركة مع هيبة ؟؟

تهربت بعينيها لتربت زبيدة فوق ساقها وتقول : إنى خابرة إن الحمل تجيل عليكى وانت يا نضرى كنت وحيدة امك ومتچلعة ..صوح من يوم ما دخلتى دارنا كنت العاجلة الراسية بس انى خابرة إنك اتحملتى كتير . بزياداكى چنان ريتا .

انفلتت ضحكة من شفتيها لتتابع : هيبة طيب وانت خابرة ده أكتر مينى 

استنكرت سما خجلا رغم ثقتها بأن هذا القول عين الحقيقة : انت بتقولى ايه يا ماما ؟؟ هعرفه اكتر منك؟

ضحكت زبيدة : يابتى مايعرفش الراچل زين غير مرته ، ممكن يتخبى من كل الخلج بس هيتعرى جدامها ..ممكن يكبر عجله مع كل الخلج ويصغر جدامها .. يستجوى جدام كل الخلج ويظهر ضعفه.. بس جدامها .

نظرت لها سما بخجل لتبتسم : ضعف الراچل بيوچع الحرمة منينا جوى بس اذا الحرمة منينا مااتحملتش راچلها مين يتحمله ؟؟

صمتت سما لتجذبها زبيدة تقربها منها ، ربتت على رأسها بحنان وهى تضمها لصدرها بينما شردت سما ، تعلم أن زبيدة محقة ، لكن مجرد تخيلها ما قد يحدث إن خرج هو في ذلك اليوم يشعل صدرها بألم لم تعد لها طاقة به .. تحملته ..تحملته لسنوات لكنها لم تعد تحتمل .

رفعت كفها تأن بألم وتمسك رأسها الذى ارتخى فوق صدر زبيدة .

___

توجه هيبة للمسجد ليقابله تاج الذى احتل الشيب فوديه ومفارقة ولم تقاومه لحيته أيضا ليستعمر اللون الأبيض شعيراته وكم كان ملائما له ، ما زاده الشيب إلا بشاشة وبهاءا .

انتهت الصلاة ليقترب منه تاج : مالك يا ابن الغالى شايل هم مش همك ؟؟

ابتسم بحزن : الهم همى . والوچع وچعى .

كانت سما قد أفضت إلى عمتها حديثا عما أصبحت تشعر به وتخشى أن يفسد مابينها وبين زوجها ، نصحتها غالية بالتحدث إليه بهدوء ، عليها أن تفرغ مكنون قلبها له ليحتوى مخاوفها تلك. وعادت غالية تطلب من تاج إرشاد هيبة ألا يحمل نفسه مالا طاقة لها به .

ربت تاج فوق كتفه وقال : تعرف ضاحى اخوك قالى حاجة من زمان مقلهاش لحد منكم خاف تتوجعوا .

نظر له هيبة بتساؤل ليخبره تاج أن ارتطام الشباك الذى فتحته ريتاچ ذاك اليوم انقذ ضاحى من موت محقق وغرس به طاقة من الرضا أهلته لهذا الاختبار الصعب الذى طال لسنوات ولم ينته بعد ، أخبره أن رضا ضاحى وريتاچ كان داعما لهما وهما الأكثر ابتلاءا ، فلم لم يرض هو بما كتبه الله!؟

عاد تاج يبتسم وقد وصلا لقرب المنزل : ربنا مابيكتبش علينا إلا الخير حتى لما بيبتلينا بيبتلى كل إنسان على مقدار صبره .

أومأ هيبة : ونعم بالله يا عمى .

توقف تاج : استأذن انا بقا 

حاول هيبة ابقاءه ليرفض تماما ، فهو مرتبط بموعد القطار المتوجه للقاهرة فهذا موعد زيارته الشهرية للقاهرة هو وغاليته ، يعلم أن أحفاده بتشوقون لتلك الزيارة لكنه احب الحياة في النجع واستساغ بساطتها .

_____

أخبرت زبيدة أنها تشعر ببعض الصداع وستلجأ لبعض الراحة وطلبت من هناء الإنتباه للصغار ثم توجهت لغرفتها ، لم يكن هناك .

ابتسمت بمرار ؛ هو منذ سنوات لم يعد هناك ...

رفعت كفيها لرأسها الذى تحطمها مطارقه بألم ، قطبت جبينها لتتأوه بخفوت ، عادت تفتح عينيها لتشعر ببعض الدوار ، تنهدت بضيق وهى تنهض لتتجه للفراش وما إن استقامت حتى شعرت بسائل دافئ يسيل من أنفها بغزارة تفقدته لتسرع إلى المحارم تحاول إيقاف نزف أنفها الذى لا تعلم سببه ، كان نزفا شديدا فسرعان ما تتشبع المحارم لتلقيها أرضا وتلتقط أخرى ورغم ذلك تخضبت عباءتها فى دقائق .

بدأت تشعر بتثاقل أنفاسها وازدياد الدوار ، لم تظهر أمام عينيها فى تلك اللحظة سوى صورته وملامحه تحمل الهم لتترك وعيها دون أن تتشبث به فريسة لتلك الظلمة التى تزحف عليها وفى دقائق أخرى كانت أرضا مستسلمة منهزمة .

_____

دخل هيبة للمنزل ليجد أمه تجلس وهناء برفقة الفتيات بينما اختفى الفتيان كالعادة عدا صالح الذى رفض ركوب الخيل ليلازم جدته ولم يأبه لتهديد أمه بإخبار أبيه .

كان منذ غادرته يقلب حديثها برأسه وأيده حديث تاج ، حقا هو غاضب منها لصراخها بوجهه بهذا الشكل لكنه يقدر انفلات أعصابها سيعاتبها لاحقا حين تهدأ نفسها ، عليه فقط حاليا التعامل بشكل طبيعى ليمرر هذا الخلاف .

جلس بجوار أمه لتقول هناء دون أن يسأل : ام ليال فوج 

أومأ متفهما : ليال جومى نادمى على امك .

نهضت الفتاة لتقول : مريم تعالى معايا 

تحركت الفتاتان لتقول زبيدة هامسة : مرتك بعافية يا هيبة إذا ماجدرتش تنزل اطلع لها .

أشارت له ببساطة أن لا بأس من مد يده والتجاوز عما كان لكنه لم ير تلك الإشارة بل رأت هى لهفته تنبثق من بين شفتيه : مالها كانت زينة الصبح !!

ابتسمت زبيدة فهذا الخلاف الذى عكر حياة ابنها سينجلى قريبا ، هزت كتفيها وهى تخفى بسمتها و تزيده حيرة : ماخابراش .

تمسك بصلابته حتى انتفض فزعا لصرخات الفتاتين التى اخترقت قلبه قبل أذنيه ، اندفع نحو الدرج لتقابله مريم الباكية : الحق يا عمى عمتو سما واقعة في الارض وفى دم كتير .

أصبحت هرولته عدوا ليصل للغرفة فى لحظات فيجد ابنته تقف تحملق فى امها ليدفعها نحو مريم التى لحقت به : اخرچى من اهنه .

لم تستجب الفتاة لتجذبها مريم للخارج فتقابلا زبيدة التى تساعدها هناء لصعود الدرج وتسرع الصغيرات نحو ليال يحاولن إخراجها من تلك الصدمة لتترك هناء هذا الأمر جانبا .عليها الوصول ل سما اولا .

جلس على ركبتيه ليرفع رأسها عن الأرض وقد تخثرت الدماء ولطخته بالكامل ، لم يكن صعبا رؤية كم الدماء التي فقدتها ، ضرب وجنتها برفق : سما !! سما ردى عليا حجك على راسى ماتزعليش منيى .. سما ..

كان صوته الخافت بالكاد يسمعه هو لكنه عاجز عن التفكير ، تذكر في لحظة صراخها يوم إصابة أخويه : هيبة اتحرك الحق اخواتك . 

طالما كان صوتها دافعه ، وها هو صوتها قد غاب فكيف يتصرف !! تحرك كفه بلا تفكير ليخرج هاتفه ويهاتف أخيه الذى اجاب مسرعا فيقول : راچى هات الحكيمة على الدار جوام سما غميانة .

وانهى الاتصال مع دخول أمه الغرفة لتنهره : شيل مرتك من الأرض يا هيبة .

لم تكن الاستجابة لهذا الأمر سهلة مطلقا ، فكل ذرة بكيانه ترفض الخضوع لسيطرته فى تلك اللحظة .

وضعها بالفراش بمشقة لم تراها الأعين لتقول أمه : همى يا هنا وهاتى خلجات نضيفة نغير لها وهاتى مية دافية وخرجة نضيفة ننضف وشها .

عاد خطوات للخلف يراقب للمرة الأولى بحياته بدنها خال من الحياة ، وجهها خال من التعبير وحياته خالية منها .

_____

سمع الفتية صرخات الفتيات ليتوجس سويلم : خبر ايه ؟ ايه اللى حوصل فى الدار عنديكم ؟

كانت نظراته متوجهة ل لبيب الذى حث قدميه للتحرك : ده صوت ليال ومريم !! انا داخل اشوف فى ايه 

تقدم من المنزل ليقابله صالح الذى يعدو ليخبره : الحج يا لبيب امك  ماخابرش حوصل لها ايه !!!

كانت الكلمات القليلة التى خرجت من بين شفتى ابن عمه كافية لدفعه للركض نحو غرفة والديه فورا بينما تأهب الفتية كإشارة داخلية تنذر بالخطر القريب .

صعد الدرج عدوا ليجد ليال بين يدى فتيات العائلة تحملق فى صورة لا يراها غيرها .اعتصر قلبه حين التقت عينيه بعينيها ليشعل سوادها حميته لحمايتها ، اقترب دون تفكير مخترقا دائرة الفتيات ليجذبها لصدره ويقول بحنان : ابكى 

لم يشعر بإستجابتها ليزيد من ضمها ويعيد بحزم : ابكى يا ليال .

تحرك ذراعيها لتتمسك بسترته : ماما يا لبيب 

وبدأت في البكاء ليتنفس بهدوء ويقول بنبرة واثقة أجاد تصنعها : هتبقى كويسة ماتخافيش .

ظلت بين ذراعيه لدقائق حتى دفع بها إلى مريم لتقول خديجة : تعالوا ندخل اوضتنا .

استجابت مريم لتجذب ليال نحو غرفة قريبة فقد ظهر راجى متقدما الطبيبة التى تتبعه إلى غرفة سما 

______


كانت رؤية تاج وغالية تتأبط ذراعه غريبة لأهل النجع ببداية انتقالهما إليه ، لكن بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات أصبحت رؤيتهما مقبولة ، وبدأت بعض النساء يرغبن فى تجربة هذا الشعور . أن تسير أحداهن ملتصقة بمن تحب بهذه الحميمية ، بعض الرجال لم ير بأسا فى التجربة والبعض أبدى تحفظا عليها وعلى تاج نفسه الذى عليه أن يكون أكثر جدية وحزم فى عمره ذا . كان تاج يراقب نظرات الاستنكار ولا يقابلها سوى ببسمته التى تزيل الهواجس .

ارتقى العربة وساعدها لتفعل ، يرى بسمتها من خلف نقابها فيبتسم دون تردد ، اقتربت لتهمس : تعبتك يا تاج . 

تجهم وجهه : اتعبينى ومالكيش دعوة .وبعدين انت عاوزة تقاسمينى الربيع وتعيشى الخريف لوحدك !! انا اصلا بحب الخريف لانه ادفى وواقعى اكتر .

استقرا جالسين وقد فهمت مغزى حديثه رغم رقة تشبيهه ،تخلل كفها كفه الدافئ لتتسع بسمته ويهمس بمشاغبة : خلى بالك احنا متراقبين .

نظرت له بتساؤل لتدور عينيه دورة كاملة فترفع كفها تكتم ضحكتها ، تتسلل أصابعها من بين أصابعه ليطبق عليها قبل أن تفعل ، عادت بنظراتها ليقول : خليهم يتعلموا الرومانسية من تاج الغلبان .

قرب كفيهما المتلاحمين من صدره ليعقد ذراعه الآخر معهما بينما تهمس غالية : مش من تاج الغلبان من تاج قلبى وراسى .

_______

خرجت الطبيبة من الغرفة لتقول دون انتظار تساؤلاته : المدام صغطها عالى جدا وده خطر كبير . النزيف اللى حصل رحمة من ربنا ..

قدمت له ورقة الأدوية دى تيجى حالا وانا هستنى علشان اديها الحقنة بنفسى .

التقط راجى الورقة مؤكدا : هچيبها حالا .

تحرك ليتحرك لسانه اخيرا : هتبجى زينة ؟؟؟

تنهدت الطبيبة : انا هديها منوم علشان اضمن اسيطر على انفعلاتها لحد ما اقدر انزل الضغط . اذا استجابت يبقى خير مفيش استجابة يبقى ننقلها المستشفى بكرة .

هز رأسه دون حديث لتعود هى للغرفة تنتظر عودة راجى .

_____

دخل طايع لشقة أخيه بتأفف ليرى مهران أن ثمة خلاف يلوح في الأفق واكده جفاء ليليان وهى تقول : يلا يا إياد 

اسرع إياد نحو روان ليجلس فوق قدميها : لا اقعد مع روان .

لم تبد اعتراض فقد نظرت لروان وقد أحاطت الصغير بالفعل لتشير بعينيها لزوجها ألا يشدد على الصغير في تركها فقال طايع : بس ماتعذبش عمتك .وابجا اطلع بعد شوي .

ابتسمت روان لمجرد بقاءه ليقول مهران : طب اجعدوا خدو نفسكم .

زفر طايع بضيق : لاه تعبان انى طالع .

وتحرك بالفعل لتتبعه بصمت فيقول إياد : بسسسمة اقعدى معايا .

ابتسمت واقتربت لتقول نسمة : انا كمان هقعد يا ماما شوية .

اومأت بلا حديث وتبعته وهى تعلم أنه لن يمرر هذا الموقف .

اسرع إياد لغرفة خالد ليعود به بعد لحظات ثم يعود مستقرا فوق ساقى روان ، تساءل مهران : وبعدين يا إياد جولنا خالد عنديه مذاكرة .

وضع الصغير كفيه فوق فمه : اسسكت مالان .

ثم نظر لشقيقته : قولى بسسسمة .

تساءلت بإبتسامة تخصه بها : اقول إيه يا إياد ؟؟

فتح ذراعيه بحماس : مولاااااى .

اتسعت ابتسامة الجميع ليضع رأسه فوق قلب روان وتبدأ بسمة بالانشاد الذى تتحرك له القلوب وجلا .

_____

ألمانيا .

دفعت ريتاچ بالمقعد المتحرك المستقر فوقه ضاحى إلى غرفته ، مرت أربعة سنوات طويلة من الألم والجراحات الدقيقة بحثا عن الأمل في الشفاء .طوال تلك الرحلة لم تترك مجالا لغيرها لمساعدته أو إشعاره بضعف ، كانت دائما لأجله دون أن يطلب وكلما رأت لمحة حزن تطل من عينيه قالت بمشاغبة : اوعى تكون زهقت منى !!

استقر فوق الفراش لاهثا بقوة لتتساءل بحنان : تعبت النهاردة !؟

ابتسم ابتسامة مريرة : تصدجى لو جولت لك اتوحشت الوچع .

ابعدت الكرسى لتجلس بقربه : وجع ايه اللى اتوحشته !! ماشبعتش وجع يا ضاحى ؟؟

بدأت أنفاسه تهدأ وهو يقول : هههههه مش وچعى اللى اتوحشته ..وچعك انت اللى بجالك سنين تداريه منى .. فكرك انى ماداريش بيكى . تبجى ماتعرفيش انك لما كنت بجولك يا جلب ضاحى كنت ببجى حاسس بوچعك فى جلبى .

ضمت كفه ورفعته لصدرها لتتخلى عنه وتتوسد صدره ، لكم اشتاقت لضعفها بين يديه !!

انتفضت فى لحظة حين طرق الباب ليقول ضاحى : اتفزعتى ليه إكده ؟ 

دخل الطبيب لتتحدث معه ريتاچ ويراقب هو حوارهما ، رأى خجلها جليا واعتراضها شديد اللهجة بينما لم يضغط الطبيب عليها وانصرف ليتساءل : جالك ايه عصبك إكده ؟ 

توجهت للاريكة المواجهة لفراشه توليه ظهرها : عاوزنا نقعد كمان شهرين .

ريتا ...

نطق اسمها بغضب واضح لتنظر له فيتساءل : جالك ايييه ؟؟

________

دخل هيبة للغرفة بعد مغادرة الطبيبة التى ستعود خلال ساعات ، تحركت أمه للخارج فور دخوله ، وقفت أمامه لتقول : دير بالك على مرتك يا ولدى .

أومأ ولم يرد لتغادر ويقترب هو من الفراش ، وقف يطالعها لدقائق وهى تحت تأثير المنوم ، اقترب وجلس بجوارها خلع عباءته ليدثرها بها كأنه يشعر بالبرد الذى ادخله على حياتها بجهالة ، رفع كفه يمسد جبهتها : حجك على يا غالية .. خابر انك زعلانة جوى .. وانى غلطان جوى ..بس بردو خابر انى ماههنش عليكى .

تنهد رافعا رأسه للسماء : رحمتك يارب .

نهض متوجها لأريكته يراقبها بترقب بلا ملل . ساعة كاملة قبل أن تفتح عينيها بتثاقل . رفعت كفيها لجانبى رأسها لشدة الدوار الذى تشعر به . اقترب منها بلهفة : سما .. حاسة بإيه ؟؟ 

نظرت له بتشوش وقالت بضعف : هيبة عاوزة ادخل الحمام .

رفعها بلا مشقة فورا واتجه بها للمرحاض لتضع رأسها فوق كتفه بلا مقاومة .

 

#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى


التاسع والعشرون


اندفع طايع لداخل الشقة دون أن يلتفت لها ، تبعته بصمت لتجده قد توسط الردهة فى تأهب ، وقفت أمامه بمكابرة واضحة تتساءل بسذاجة : مالك بقا !!!

اقترب منها لتجفل من هيئته وهو يقول : انا اللى مالى !! انت خلاص چنيتى رسمى ..جولت لك بدل المرة ألف مرة بسمة حاچة ونسمة حاچة تانية عاوزة البنت تبجى صورة من اختها ليه ؟؟ 

عادت خطوة غاضبة لتقول : الحق عليا عاوزاها تبقى احسن .

امسك ذراعها بغضب : مفيش فايدة فيكى ..مابتتعلميش ابدا ..ومين جالك إن نسمة احسن من بسمة ..كل واحدة منيهم ليها شخصيتها بطلى استبداد بجا .

اعتلت الصدمة ملامحها : استبداد !!! انا مستبدة يا طايع !؟؟

دفعها عنه : ايوه مستبدة .. حبى بنتك زى ما هى مش زى ما انت عاوزاها لأنها لو غيرت حالها لاچل حبك مش هتلاجى روحها ولو ضحت بحبك وفضلت زى ما هى هتعيش موچوعة .. انت ايه يا شيخة !!!

تركها مع صدمتها واتجه للغرفة مغلقا الباب بقوة وهو يعلم أنها لن تلحق به وهو لا يريد خوفا من انفجار غضبه أكثر .

_______

عاد بها للفراش ليضعها برفق فتغمض عينيها بتثاقل لكنه يقول فورا : سما .

فتحت عينيها بمشقة ترى صورته المشوشة ليقول بحنان: ماتزعليش منى .

قد تكون ابتسمت أو أرادت قبل أن تسحبها الظلمة من بين ذراعيه مرة أخرى وتغرق فى سباتها من جديد .

أعاد خصلاتها المتمردة رابتا فوق رأسها بدفء قبل أن ينهض عن الفراش ويعود للاريكة .

بعد ساعات عادت الطبيبة بصحبة راجى الذى لم يتوان عن تحمل أعباء أخيه .

_____

غادرا بيت هيبة عائدين سيرا على الأقدام يركض سليم أمامهما غير عابئ بشئ كعادته ، نظر سويلم ل دياب ؛ ذلك الفتى الذى كان خصمه فيما مضى وأصبح رفيقه بعد جهد منه ومن الجميع ، لم يكن الصمت من عادات دياب لذا تساءل سويلم : مالك يا صاحبي .

اختلس سويلم نظرة له : مالى !! انى زين اهه .

ابتسم سويلم : زين كيف يعنى ؟ من يوم ما ستى شريفة رجدت وانت ساكت .فاكرنى مش واعى لك ؟

تنهد دياب متذكرا ذلك اليوم الذى استمع فيه لحوار عمه مع الطبيب دون تعمد . وذاك الطبيب يخبره أن حالة شريفة ميؤس منها . لقد تحملت الألم كثيرا بصمت .. وتأخير التشخيص لهذه المرحلة أخر حالتها ولم يعد بمقداره المساعدة .

ذلك اليوم دخل إلى غرفتها فى خلسة من الجميع وظن أنها غافية . اقترب من فراشها مفسحا المجال لدموعه أن تعبر عن ألمه . فتلك المرأة لها الكثير من الفضل في تنشئته منذ انتقاله لمنزل عمه اذعانا لرغبة حسنات وقد كانت حكيمة فى رغبتها تلك فسرعان ما حصلت أمه على الطلاق من أبيه وها هي قد تزوجت من اخر فلولا انتقاله لمنزل عمه منذ أعوام ما كان يدرى مصيره إلام سيؤول .

تنهد دياب وقد منحه سويلم كل الوقت الذي يحتاج ليتذكر أن شريفة فتحت عينيها تنظر له نفس نظرتها الحانية 

عودة للوراء ...

نظرت له بحنان : ماتبكيش يا ولدى .

اسرع يكفف عبراته : ماببكيش يا ستى شريفة ماتخافيش .

ربتت فوق الفراش ليقترب ويجلس بجوارها : ماخيفاش يا ولدى . بس هطلب منيك اخر طلب 

تساءلت عينيه وعجز لسانه لتقول : بزياده انت وعمك عارفين الحجيجة ..مارايداش اوچع جلوبهم .

أومأ بطاعة عهدتها منه لترفع كفها وتربت فوق كتفه : انت نبتة صالحة من بذرة عطبة . سبحان من زرع جلبك .اوعى تهمل جلبك تانى يا دياب .خليك ورا جلبك هتوصل للسلامة .

ابتسم دياب بشحوب ، لقد تلقى منذ أيام أنهم بإنتظار التصديق على الحكم على أبيه بالاعدام ولم يشعر بالالم الذى شعر به حين قال الطبيب : انا اسف مفيش امل .

فقدان تلك المرأة اقسى من فقدان الرجل الذي انجبه  

عاد من ذكرياته على صوت سويلم : مش دى عفاف بت عمى .

نظر فى اتجاه عينيه لينطلق نحوها .

_______

ظلت ليليان تتحاشى دخول الغرفة حيث ينفرد بغضبه منها حتى صعد أبنائها بعد ساعة كاملة .

كانت لاتزال بملابسها لتفتح لهم الباب فيتساءل إياد وهو يتلفت حوله : بابا فين ؟؟

حسنا لن ينهى غضبه سوى أبنائه لذا أشارت نحو الغرفة : جوه يا حبايبى ادخلوا له .

تسابق ثلاثتهم وقد سمحتا لشقيقهما بأن يكون الأسبق . فتح الباب ليندفع نحو الفراش حيث يتمدد طايع الذى رفع رأسه ليبتسم فورا ويفتح ذراعيه ليقبل ثلاثتهم عليه .

بعد لحظات دخلت للغرفة لتجده متكئا بظهره للفراش وبسمة على يمينه ونسمة على يساره بينما يجلس إياد فوق ساقيه صارخا بحماس : بحبك قد الدنياااا 

ضحك طايع : بتحبنى لاچل هاخدك الصعيد بس ؟

هز الصغير رأسه نفيا : لا . لا .لا . بحبك كده بس انت بابا طالع حبيبى .

قطب جبينه بتساؤل : بابا ايه !!

صمت إياد لحظة ثم قال بمشقة : ط..طااا.طايييع .

صفقت الفتاتان بتشجيع لتقول بسمة : فاضل تقول اسم عمو مهران .

هز كتفيه ببراءة : مالان .مالان 

أنهت تبديل ملابسها لتقترب من الفراش وهى تخشى بالفعل رد فعله لقربها . أسرعت نسمة تتخلى عن موضعها لامها التى ضمتها بذراعها إليها .نظرت له خلسة تنتظر تشجيعه لتزداد قربا .. رفع ذراعه لتستقر فورا قرب قلبه وهى تضم صغيرتها .

صفق إياد بحماس وهو ينظر ل بسمة : قولى بسسمة

ضحك الجميع فالصغير لا يتوقف عن طلبه منها الانشاد وعلى عكس توقعات الجميع هى تلبى طلبه دائما بمنتهى السعادة قد تعتذر لأى شخص حتى والدها ..أما إياد فلا ترفض له طلبا .

نظرت له بحنان : اقول إيه يا إياد ؟؟

وضع إصبعه فوق رأسه ثم قال : گ م ناشد المختار ربه .

نظر طايع لابنه بتعجب كثيرا ما يشعر أن هذا الصغير يرى أعماق قلبه دائما ويبرع فى نزع ألمه ووضعه على الطريق الصحيح.

______'

وصلا للمنزل اخيرا وهو يرى الإعياء رغم اختفاء وجهها . اختفت البشاشة من ملامحه أيضا وتجهم وجهه قلقا : مالك يا غالية ؟؟

دفع الباب لترفع نقابها وتدخل : مفيش يا تاج الطريق طويل وانا كبرت .

وضع الحقيبة الصغيرة أرضا : لا مش حكاية كبرتى انت فى حاجة وجعاكى .

جلست فوق أقرب مقعد ، تعلم أنها إنه تاج من يرى دواخلها .

مسدت ساقيها بألم : رجليا بس من كتر القعدة وجعتنى شوية 

اسرع يمد كفه لها : طب قومى ارتاحى فى السرير 

نظرت له وهو يعود لمساعدتها في تبديل ملابسها والاسترخاء .. إلى متى سيظل هو من يتحمل عنها !!

منذ التقت عينيها بخاصته حمل عنها مشاق الحياة بلا تذمر . سنوات طويلة عاشت فى كنفه لم يشعرها يوما أنها عبء بل كان دائما نعم الزوج الذى ما ظنت فى صباها أن تحظى به .

دثرها لتتعلق بكفه : خليك جمبى .

ضحك تاج لتشبثها به : هههههه قولى بقا انك عاوزة تدلعى .

هزت كتفيها : اه عاوزة اتدلع ولا علشان بقيت جدة يعنى تبطل تدلعنى ؟

أحاط وجهها بكفيه : جدة مين يا غالية ..هم يكبروا مالناش دعوة بيهم انت هتفضلى فى عنيا اجمل ست فى الدنيا .

_______

مرت ليلة عصيبة حتى أخبرته الطبيبة فى اليوم التالى أنها تستجيب وستكون بخير .اخيرا شعر بما ارغمها على معايشته لاربع سنوات .. ليس من الهين الشعور بفقدان من نحب ..وقد استمر لسنوات يتمنى إن خرج في ذلك اليوم غافلا عن النيران التى يضرمها بصدرها حتى طالت صدره .

ليلة واحدة ولم يغمض له جفن . يراقب رتابة أنفاسها خوفا من فقدها دون أن يشعر .

ياله من ألم !!!

______

اجتمع الجميع بمنزل تاج فى اليوم التالى كالعادة كلما عادا من النجع . منذ اللحظة الأولى شعرت بتوتر الأجواء بين طايع وليليان . 

كانت ليليان شاردة اغلب الوقت . هى دفعته لذلك . لم يكن يتحمل بعدها عنه . لم يكن ينام ليلة متحملا برودة صدره الخالى منها ورغم ذلك فإنه ليلة أمس نام بغرفة صغيره لأول مرة على الاطلاق

زفرت بضيق وهى تتذكر أنه حذرها كثيرا من إرغام ابنته على كون ما لا تريد حتى دفعته لهذا العقاب الذى لن تتحمله ليلة أخرى . 

وصول ريان كان سببا في انتهاء شرودها لتحاول التفاعل مع الجميع .

اعددن الطعام ليقول تاج ممسكا بكف زوجته وبسمة : انا هقعد جنب غالية الكبيرة وغالية الصغيرة .

ابتسمت الصغيرة بسعادة وكذلك والدها الذى قال : والله يا عمى وياك حج . بسمة طبعها زى عمتى .

أسرعت نسمة تعترض : وانا يا سى بابا ؟؟

ضحك طايع وجذبها نحوه : انت حتة من لى لى فى كل حاچة .

اقترب تاج الصغير من أبيه : بابا بيقول انى شبهك يا جدو 

جذبته غالية : طبعا شبهه علشان كده هتقعد جمبى انا .

كان إياد وتريم يراقبان ما يحدث ليمسك كل منهما بكف الآخر فيجذبهما ريان : يلا يا حبايبى 

كانت الجلسة هادئة تحكم طايع فى معاملته لها جيدا ، تبادل تاج وغالية النظرات فيمكنهما بسهولة رؤية ما يدور خلف الستار .

عاد ريان للمتجر وانشغلت ليال بالصغار ليجدها تاج فرصة جيدة ويسأل طايع : مالك يا طايع ؟ 

ابتسم طايع بمودة : ماليش يا عمى سلامتك .

نظر باتجاه نظراته ليرى عينيه متعلقة بصغاره فيقول : سبحان الله توأم ونفس الشكل والروح حاجة تانية .

تساءل طايع بترقب : قصدك ايه يا عمى ؟ 

ابتسم تاج : نسمة جريئة و قوية وتحب تظهر نجاحها وتفتخر بيه . وبسمة هادية وخجولة بس اقوى من نسمة بكتير .

تنهد طايع بحيرة ليقول تاج : ماتخافش عليهم . 

أومأ ولم يرد فبم يخبره !! أنه يخشى على صغيرته من امها !! 

_______

عادوا للمنزل ليكون المرور بشقة مهران أمرا مسلما به فالصغير لن يتحرك خطوة واحدة دون تفقد روان .

وككل يوم أصر إياد على البقاء خاصة لعدم وجود مهران ولم يمنعه والديه بالطبع كذلك الفتاتين .

صعدت خلفه بصمت التزمه هو أيضا . فتح الباب لتدخل بهدوء .تجاوزها للداخل لتلحق به فورا : خلاص يا طايع حقك عليا .

زفر بضيق : خلاص يا لى لى بس بالله عليك بطلى أفكارك دى ممكن تخسرى بتك بيها .

نظرت أرضا وتمتمت : حاضر .انا مش هتدخل تانى واخليها تعمل اللى عاوزاه .

تعلقت بذراعه : طايع هتنام مع إياد النهاردة بردو ؟

نظر لها ليبتسم : وحد جالك هملينى انام حداه عشية ؟

قطبت جبينها ليتابع : انى راحت على نومة غصب عني ماجصديش اهملك .

تهلل وجهها واسرعت تضمه بحب : انا بحبك اوى يا طايع 

_______

وصل مهران متأخرا ليجد الهدوء يعم المنزل ، زفر بضيق تمنى أن تكون متيقظة واتجه لغرفته .

كانت تجلس أمام مرآتها بشرود تعجب منه .حمحم ودخل لتنظر له عبر المرآة.

ابتسم واقبل عليها : چبت لك هدية 

يعلم أن بسمتها تلك زائفة ورغم ذلك فتح الحقيبة التى يحملها وأخرج منها مجموعة من الروايات التي تعشقها لتقول : تعيش وتجيب .

تناولتهم منه لتضعهم جانبا بلا حماس لتزداد حيرته .

حبيبته تفقد شغفها بالحياة وهو يراقبها بعجز غير قادر على مساعدتها 

_______

حان موعد عودة ضاحى وريتاچ وعزم طايع على صحبة زوجته وأولاده هذه المرة للصعيد كما وعدهم . لم تحاول أن تعترض خاصة بوجود أبويها بالصعيد ومحاولاتها الأخيرة لتغير أفكارها لمصلحة أطفالها أولا .

لم يكن الموعد ملائما ل مهران فسيتزامن تقريبا مع بطولة ابنه الذى عمل جاهدا للوصول إليها ، لذا قرر أن ينتظر حتى تنتهى البطولة ثم يلحق بهم برفقة أسرته الصغيرة .

كانت ليال تتشوق لهذا اللقاء فأخر مرة رأت فيها ضاحى كانت منذ عام ونصف وهو لم يعد مذاك الحين .

______

وصل هيبة وراجى مطار اسيوط  لاستقبال شقيقهما العائد ، وقفا بصالة الإنتظار قرب باب الخروج فقد حان موعد خروج ريتاچ تدفع مقعد ضاحى وهما مستعدان للمساعدة .

تعلقت اعينهما بالباب فقد خرجت بالفعل لكن خرجت بدون ضاحى .

انتفضت القلوب فزعا وتساءل راجى فورا : ضاحى فين ؟؟

لم يجب هيبة الذى رأى أخيه قد ظهر بالباب ليخر ساجدا .اتسعت أعين راجى وهو يراقب تقدم ضاحى منه ؛ إنه يسير !!! يستند لعكاز معدنى لكنه يسير . 

هب هيبة واقفا تاركا راجى مع صدمتها السعيدة ليتجه نحو ضاحى مهرولا .

ضحك ضاحى حين وجد نفسه محاطا بذراعى شقيقه بدفء افتقد الشعور به ، لم يهتم هيبة لتلك العبرة التى خانت صلابته الدائمة وهو يتساءل : انى واعى لك صوح ولا بحلم ؟؟ انت واجف على رچليك صوح ؟؟

لم يملك وقتا يجيب وقد اقبل راجى : انت بتتحرك يا ضاحى ؟؟ يديك بتتحرك ورچليك واجف عليهم 

ربت ضاحى على ذراع راجى ليخفف ضمته له : الحمدلله انى بخير ..مارضيتش أجولكم . كنت رايد اشوف فرحتكم بعينى .

ضمه هيبة مرة أخرى : اكبر فرحة فى عمرى يا خوى .

حمحمت ريتاچ : احممم مش يلا نروح .الولاد واحشنى اوى .

إلتفت لها ثلاثتهم ليشعرا بالحرج من إهمال استقبالها لكنها كانت تبتسم وكأن شيئا لم يكن .ابتسم ضاحى لها فتلك الفتاة التى كانت أولى اهتماماتها لم تعد هناك استبدلتها هى بأخرى اقوى واصلب وأجمل فى كل شئ  .

____

كان وصول طابع وليليان لمنزل هيبة سببا في مخاوفها هى تعلم أن زوجة خالها هنا ولا تريد اى صدام معها حرصا على مشاعر طايع ، حقا لم تتجاوز خلافاتهما يوما حد النظرات لكنه يتألم لها .

فتح رفاعى ذراعيه فور رؤية إياد ليهرول الصغير نحوه فيضمه بحنان : اتوحشتك جوى يا جلب چدك .

يهز الصغير رأسه إعتراضا : انت وحشتنى اكتر .

رحب بهما الجميع لتجلس ليليان بجوار خالها : والله يا خالى طول الطريق مانطقش علشان روان ماجتش معانا .

ربت رفاعى على ظهر حفيده بينما قالت زينب : جلبه حنين كيه أبوه تمام .بس انى زعلانة منيك يا إياد .

تبادل وزوجته النظرات القلقة بينما قالت زينب : چيت من مصر وماچبتليش حاچة حلوة .

ضم إياد كفيه بسعادة : معانا حاجة حلوة كتييير هديكى واحدة ماتزعليش

ضحك الجميع لتقول زبيدة : وانى كمان عاوزة حاچة حلوة مش انى چدتك بردك !!

نظر الصغير لها دون أن يفهم كيف يكون له جدة ثالثة .نظر لكفه ورفع أصابعه كأنه يعيد العد ثم قال : عندى اتنين بس .

ضحكت زبيدة لتقول سما : براڤو يا إياد كل واحد عنده اتنين بس . 

أشارت لزبيدة : بس دى زى جدتك يعنى نحترم ونحب الناس الكبار زى جدو وتيتة .

صفق إياد : انت شاطرة ، زى روان .

عاد الشجن لملامحه فجأة وهو ينظر لوالده : بابا عاوز روان .

أسرعت بسمة نحوه : إياد فى حصان برة . تعالى نتفرج عليه .

تبدلت ملامحه وهو يقول: اركب زى نسسسمة .

جاءه صوت سويلم الذى قال : تعالى وانى اخليك تركب .

ضحكت زبيدة لتحث صالح الصغير لركوب الخيل : شايف نسمة بنت عمك اتعلمت تركب خيل وانت لاه .

نظر لها بلا مبالاة : مش عاوز اركب خيل عاوز اقعد معاكى .

اقبل سويلم ودياب مترافقين كالعادة ، قدما التحية للجميع لتهبط الصغيرات يهرولن فوق الدرج : عمتو ليال جت .

كان هذا صوت ليال الصغيرة . راقبت بسمة ونسمة هرولت الفتيات لاستقبال خالهما وزوجته التى سرعان ما دخلت محاطة بالفتيات .أشار طايع للفتيات : تعى يا مريم .جربوا يا بنات .

بدأ بتعريف فتاتيه إلى الصغيرات لتبدأ همهمات الإعجاب لشدة التشابه بينهما .

جلس ريان بجوار طايع : منور يا ابونسب .

وكزه طايع ليقترب منه فيهمس : انى كلمت راچى وهم على وصول .

تجهمت ملامح ريان : ربنا يستر .

دخل تاج تتأبط غالية ذراعه ليهرول نحوها الصغار وتستقر بسمة فورا بصدر جدها الذى قال بحنان : وحشتيني يا بسمتى .

لم يفلتها لينحنى حاملا إياد الذى قال : اركب الحصان يا جدو .اخد تريم معايا ؟

توجهت غالية ترحب بأبناءها ليتبعها تاج قائلا : نسلم عليكو الاول يا إياد .

اندمجت نسمة مع الفتيات سريعا بينما ظلت بسمة قرب جدها حتى استقر الجميع جلوس فأقبل سويلم : يلا يا إياد 

نظر له تاج : خلى بالك منه يا سويلم 

ابتسم سويلم : ماتخافش يا چد .

اقترب دياب يقبل رأس تاج الذى قال : يبقى دياب ياخد تريم وسويلم إياد .

تراجع إياد بخوف ظهر للجميع ممسكاً بابن خاله يعيده للخلف وعينيه تبحث عن شخص ما .اسرع طايع نحوه : مالك يا حبيبي .

ظل متمسكا ب تريم ونظراته زائغة ليقول تريم رابتا فوق كفه بحنان : إياد خايف ليه ؟ هنركب الحصان .

جثت بسمة أمامه ووضعت كفها فوق كفه المتمسك بملابس تريم وهمست له شيئا لتتحول نظراته إليها.ربتت على خده بحنان ليلتصق بها ويتساءل ابيها بقلق : فى إيه يا بنتى ؟ 

أشارت بعينيها نحو دياب وحركت شفتيها دون صوت ليهز والدها رأسه بتفهم ويزفر براحة ويقترب سويلم من دياب هامسا : إياد خايف من اسمك .

قطب دياب حاحبيه بتعجب ليقول سويلم : خلى بالك هو بس بيتأخر هبابة على ما يركز واضح إنه أول مرة يسمع الاسم وربطه بالديابة .

ابتسم دياب واقترب ليمسك كف إياد الذى تراجع بخوف ليقول : انى اسمى إكده . دياب اسم بس لكن انى بنى ادم زييك انت احلى شوية إن چيت للچد 

لم يتخل إياد عن حذره وتساءل : مش هتاكل تريم زى الحدوتة ؟؟

نظر طايع لزوجته بلوم واضح لقد حذرها من تلك القصص التى تقصها على الصغير و وعاد لمقعده تاركا زمام الأمور للصغار فيبدو أنهم سيكونون بخير .

تمسك إياد ب بسمة من باب الحذر فهو لم يطمئن بشكل كامل وأخيرا غادر الصغار جميعا الفتية للخارج والفتيات للداخل يترقبن وصول ضاحى بغرفة مريم التى لم تفارق الشرفة لوهلة انتظارا لابويها .

____

اقتربت سيارة هيبة من الباب لتتعلق مريم بالشرفة : بابا جه .

أسرعت الفتيات ينظرن للخارج ، توقفت السيارة ليترجل عنها هيبة فورا ويفتح الباب الخلفى اخذا بيد أخيه الذى وقف بحذر .

اتسعت عينا مريم وهى تقول بدهشة : بابا واقف ..بيمشى !!

وتبع قولها اندفاعها للخارج صارخة : بابا بيمشى يا تيتة .

خرجت من الغرفة تخترق الردهة عدوا ولم تتوقف عن الصراخ : بابا بيمشى يا تيتة 

توقفت الكلمات وساد صمت مهيب لا يتخلله سوى ركض الصغار . مصطفى الذى هبط من الدور العلوى راكضا يتبعه مهدى ولبيب .

وقفت ليال وقد عبرت دموعها عن سعادتها : بيمشى !! ضاحى بيمشى !!

وقفت زبيدة لتقترب منها غالية : مش قولتلك يا زبيدة والله هيرجع ماشى .

ضمتها زبيدة بسعادة : طول عمرك چلابة الخير .

أسرعت زينب للوم : كنتى خابرة !!

ابتسمت غالية : كنت متابعة الدكتور بتاعه على الانستا وحالة ضاحى إنجاز علمى جديد لازم يعلنوا عنها .

دفعها ريان للأمام : مستنية ايه أجرى روحى لاخوكى .

كادت أن تعدو بالفعل ليمسك كفها مسرعا : لا ماتجريش امشى بالراحة .

كانت مريم الأسبق فى الوصول ل ضاحى . اخترقت الجميع وارتمت فوق صدره بقوة أسقطت عكازه ليلتقطه راجى ضاحكا : على مهلك يا بتى .

وصل مهدى لتضمه أمه واخيه وتدمع عينيها : كبرتوا يا حبايبى .

جذبت مريم من بين ذراعى ضاحى ليحل اخويها محلها وهى تقول: بقيتى طولى يا مريم !! قصرت معاكم يا حبايبى سامحوني. 

ضمتها مريم بقوة : ماقصرتيش يا ماما كفاية انك رجعتى ببابا ماشى على رجليه .

_____

وقفت بسمة فى ركن خلف حاجز خشبى بينما يمتطى سويلم فرسا وأمامه إياد ويمتطى دياب اخر وأمامه تريم .

احكم سويلم قبضته حول خصر إياد الذى لم يتمسك بالسرج مطلقا وأخذ يصفق ويلوح بذراعيه لها ليسأله سويلم : مبسوط يا إياد ؟

أومأ بسعادة : اوووى قد الدنيا .

كانا يسيران الهوينا بالفرسين ويدوران فى حلقات متقاربة حين علا الضجيج ليقول دياب : عمى ضاحى وصل .

ظهر الارتباك على ملامحه وهو يقول : انى هسبجك على الدار .

أوقفه سويلم : استنى يا دياب .

وقف دياب وقد ترجل عن الفرس وحمل تريم ليضعه أرضا ليتابع سويلم : انت ماعملتش حاچة تهرب منيها .

قاطعه دياب بغضب : بوى عمل 

لينهره سويلم : بوك مش انت . انت واحد منينا ومحدش يجدر يجلعك منينا زيك زيي زى لبيب ومصطفى .

ترجل عن الفرس واياد بين ذراعيه ليقول : محدش هيحاسبك على حاچة معملتهاش واللى يفكر يعمل إكده عمك هيجف له .

ظهر التردد على ملامح دياب ليقول إياد ببراءة : شكلك وحش وانت زعلان ..بتخوف 

ابتسم دياب مكرها بينما رفرفت ضحكات سويلم : جوله يا إياد لو شاف خلجته هيبطل يزعل .

أقبلت بسمة بهدوء بعد مراقبة حثيثة للموقف ليتعلق إياد برقبة سويلم : بسسسمة خليه معايا هنركب حصان تانى .

اختطف نظرة لها ليقول : ماتخافيش عليه هدير بالى عليه زين .

اومأت ولم ترد وتساءلت : تريم هتيجى !!

ليقول تريم بعفوية : ودينى عند خالو اللى انا مش عارفه ده .

ابتسمت بهدوء : يبقى خليك معاهم هم رايحين عنده 

واتجهت للداخل ليحيط سويلم كتف دياب : خلينى نسلم على عمى ونرچع .ماتربطش الخيل يا عم عتمان .

اتجه دياب معه يقدم قدما ويؤخر أخرى وتلكأ سويلم حتى استقر الجميع بالداخل ليتأكد من وجود أبيه بينهم .

_____

استقر ضاحى بجوار أمه التى تنظر له بسعادة : بركة سلامتك يا ولدى .

ابتسم ضاحى برضا : الحمدلله يا اما 

تاج : ربنا يكتبك من الحامدين 

رأى نظرات السعادة التى ترمق بها أخيها ليستجيب لنداء طايع الذى يحثه ليلحق بهم فقد قرر هيبة أن يذبح ثلاثة عجول وأصر على ذبحها بنفسه تعبيرا عن سعادته بشفاء أخيه .

اقبل سويلم ينظر بحرص . ساءه عدم وجود أبيه ورغم ذلك لم يبد أي تردد وتقدم حاملا إياد : حمد الله بسلامتك يا عمى .

نظر له ضاحى ببشاشة : كبرت يا واد رفيع . جرب يا ولد .

نظر لرفيقه أيضا ليقول : انت دياب ؟؟

توقفت خطوات دياب وتوقفت أنفاسه أيضا وهو يشعر أن الأنظار كلها مسلطة عليه ليضحك ضاحى : انت حته من چدك .جرب يا ولد اهنه .

تقدم دياب بحذر بينما صافح سويلم ضاحى وقبل رأسه بإجلال . ترقب دياب حديث ضاحى الذى قال : ماتجرب يا ولد ولا اجوم لك .

هرول دياب نحوه : ماجصديش يا عمى .

ربت ضاحى على كتفه بحنان : اجعد چارى اهنه .

نظرت له ريتاچ برفض ليقول تاج : عارف يا ضاحى .دياب أول واحد ختم القرآن بأحكام التجويد .

نظر له ضاحى بفخر ليقول رفاعى : ربنا يطرح فيك الخير يا ولد .

تبسم دياب لتأتى ضحكة إياد معلنة نهاية التوتر قائلا بحماس : يلا نركب الحصان .

نظر ضاحى ل تريم متعجبا : انت واد مين !!

صمت الجميع ليقول تريم : انا واد وتريم .

ضحك الجميع ليقول ضاحى بسعادة : انت واد ريان !! ابن الغالية . تعالى بجا .

مد ذراعيه ليتساءل الصغير ناظرا لامه : هو ده خالو اللى معرفوش ؟؟

ضحكت ليال : ايوه يا لمض .

نظر تريم لهيئة ضاحى المرتبة وملابسه العصرية ليضحك : ههههه انت زى ماما نص ونص .

مازح ضاحى الصغير وشاغبه بوفرة وهو يضحك بسعادة واياد يضحك لضحكاته .

هموا بالانصراف ليوقفهم ضاحى : دياب .

نظروا له ليتابع : تعرف الفرسة بتاعتى !!

ابتسم دياب : وفى حد مايعرفهاش . اچمل واشرس فرسه فى النچع كلاته .

ضحك ضاحى : تمام هههه . جالوا لى چابت مهرة زييها تمام .

ضحك سويلم : اوعر منيها يا عمى .

أومأ ضاحى : حلال عليك المهرة حلاوة ختمك القرآن .

تهلل وجه دياب : صوح يا عمى !!!

اتسعت البسمات وتوالت التبريكات على دياب بينما تنحى تاج جانبا ليجيب هاتفه وسرعان ما عاد بوجه آخر انقبض له قلب غالية وتساءل رفاعى : خبر ايه يا ابو ريان ؟ 

تمتم تاج محتسبا ثم قال : الست شريفة فى ذمة الله .

أسند ضاحى رأسه لعكازه : كنت خابر ان مايحوشك عنى غير الشديد ياواد عمى  .

شهقت النسوة بينما وضع دياب تريم بين يدى والدته ليهرول خارجا وتصنم سويلم حتى أقبلت ليليان تحمل طفلها عن ذراعيه وتحاول تخليصه من تمسكه به ليزداد إياد به تعلقا فيربت على ظهره : همليه يا عمة ماتخافيش .

واتجه للخارج ومعه إياد لتتعجب ليليان : غريبة إياد اول مرة يمشى مع حد اول مرة يشوفه .

بينما لم يلحظ أحد اختفاء دياب تماما منذ أعلن تاج عن ذاك الخبر 

غادر الرجال وضاحى يصحبهم منتبها لخطواته بينما أقبلت سما تحمل عباءة زبيدة تساعدها في ارتدائها ليخلو الدار فى دقائق إلا من الصغار .


#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى


الثلاثون

نحر هيبة العجل غير ملتفت لرنين هاتفه ، مرت دقائق حتى استسلم الذبيح ليبتعدو عنه مع هرولة لبيب للحظيرة : الحق يا بابا ستى شريفة ماتت .

اتسعت الأعين بصدمة ليتحرك هيبة نحو جلبابه الذى خلعه ووضعه جانبا وهو يصيح : عتمان .

اقبل عتمان مهرولا ليتابع : العچل ده يتسلخ ويتشفى ويروح على دار رفيع واد عمى . والبنتة اللى شغالة فى الدار نصهم يروح يطبخ وشيع مرتك تشرف عليهم .

أومأ عتمان بطاعة وتحرك لينفذ بينما صرخ هيبة : واجفين ليه ؟؟ غيروا خلجاتكم وهمو نروح ل رفيع .

____

دخل لمنزل عمه لأول مرة منذ سنوات يبحث عنه بعينيه . وجده متكئا قرب باب الغرفة رافضا ترك باب أمه ، رغم علمه أنها تحتضر ورغم ألمه لألمها لكن فقدها زلزل كيانه كليا . فقد كانت له أما وابا .

رفع رفيع عينيه ليجد ضاحى أمامه ينظر له بحزن ، سمح لعبراته أن تتراقص بعينيه ليقترب منه ضاحى مسرعا قدر استطاعته ،لحظة واحدة وكان رفيع يدفن تلك العبرات بكتف ضاحى الذى تماسك قدر استطاعته لتحمل ثقل رفيع دون أن يتمكن من غمره لطمر أحزانه ليقبل تاج بإتجاههما ويغمر كليهما فيسمح ضاحى لبدنه بالتحامل قليلا على تاج الذى لم يتذمر نهائيا .

تمت مراسم الدفن سريعا رغم حرص رفيع على انتظار وصول رحمة والتى وصلت وزوجها قبل تشيع الجثمان

***

مرت أيام العزاء بثقلها يستيقظ رفيع صباحا ليستقبل من قدم لواجب العزاء ويظل على حاله حتى يأتى المساء فيلجأ لغرفة أمه بالدور السفلى  .

أسرعت رنوة ما إن سمعت صوت إغلاق باب الشقة خارج غرفتها لتجده سويلم تنهدت بحزن متسائلة : رفيع بردو هينام تحت ؟؟

هز سويلم كتفيه ثم قال : انزلى هاتيه مش هيجدر يكسفك .

نظرت له بحيرة ليقول مشجعا : هتهمليه للحزن يأكل جلبه ؟؟

ابتسم بخبث فقد تجاوزته بالفعل عازمة على العودة به .

___

تمدد ضاحى فوق الفراش متألما لتقول ريتاچ : تعبت طبعا من طول القعدة .

تنفس بهدوء : انى زين ماتخافيش .

ربتت على صدره بحنان : انا عاوزاك تبقى زين علطول .

توجهت للخزانة لتقول بتحذير : ضاحى اوعى تنام !! هاخد دش واجى علطول انا مش عارفة اقعد معاك من يوم ما وصلنا .

ابتسم بحنان : مش هنام بس همى هبابة.

اختفت داخل المرحاض ليلقى رأسه فوق الوسادة منتظرا عودتها .

_____

اجتمعت الفتيات بغرفة مريم لتتمسك ليال بذراع بسمة : قولى يا بسمة نشيد كمان .

خديجة : صوتك حلو اوي .

حسناء : بتقولى اغانى ولا اناشيد بس ؟؟

ابتسمت بسمة دون أن تحصل على فرصة لإجابة تساؤلات الفتيات لتقترب نسمة تحيط كتفها : حيلكم بالراحة شوية . بسمة بتقول اناشيد بس وتقول لما هى تحب بس .

نظرن لها بغيظ لتقول ليال : يا سلام يعنى مش هتقول لما إحنا نحب ؟

هزت نسمة رأسها بعند : لا مش هتقول .

ضيقت ليال عينيها بغيظ وهى تتوعدها : طب تعالى هنا .

تركض نسمة وتلحق بها ليال والفتيات يتابعن المطاردة بضحك هكذا تتحول أكثر اجتماعتهن لمرح لا ينتهى .

_____

هبطت ليليان الدرج الداخلي تحمل إياد متجهة للخارج ،وقفت بالحديقة الداخلية بالتزامن مع عودة الرجال من منزل رفيع ، اقبل عليها طايع بقلق : خبر ايه ؟؟

نظرت له بلوم : اتأخرتوا ليه كده ؟

طايع : انا وراچى چينا ماشين .

مد ذراعيه يلتقط الصغير الذى نظر له بحزن : بابا عاوز روان 

ضمه طايع بحنان : حاضر يا حبيبي تعالى نكلمها فى التليفون . 

اقترب راجى بحذر :ماله إياد كفاه الله الشر ؟ 

لم تجد حرجا وهى تجيبه : عاوز مرات عمه . أصله متعلق بيها اوى .

اخرج طايع هاتفه وهاتف أخيه الذى اجاب مسرعا : طمنى يا خوى ايه الأخبار عنديك ؟

طايع : بخير يا ابو خالد . إياد عاوز يكلمكم .

زفر مهران بضيق : انى لو خابر إن حالها هيبجى إكده كنت جولت لك سيب إياد .

تساءل طايع : ليه فى إيه ؟؟

همس مهران : ماهتبطلش بكا يا خوى انى تجريبا مابنزلش كد ما انى جاعد خايف يچرى لها حاچة من جهرتها دى .

نظر طايع لزوجته قائلا بتوتر واضح : للدرچة دى ؟؟

وهنا قاطعه بكاء إياد الذى يعتبر نادرا 

***

علمت حين انزوى جانبا أنه يحادث شقيقه لذا غادرت الغرفة لتجده بعد دقائق يلحق بها بلهفة: روان كلمى إياد سمعيه صوتك .

أمسكت الهاتف لتسمع بكاءه فتقول بتوجس : مالك يا إياد ؟ مين زعلك ؟ 

***

سمع صوتها لينظر للهاتف ويتوقف عن البكاء ، أمسكه بكفيه معا كأنه يتمسك بها : روااان مش هتيجى ؟؟

_____

تسللت للغرفة بهدوء لتجده ممددا بفراش أمه وذراعه فوق عينيه ، تنهدت ليقول بهدوء : تعالى يا رنوة .

جلست بطرف الفراش : يعنى لسه فاكر رنوة ؟؟من ساعة ما طلعت سلمت على بابا وماما قبل مايسافروا امبارح ماشوفتكش .

لم يجب فدققت النظر له ، رأت انفراجا بسيطا بين شفتيه دليلا على إلتقاط أنفاسه خلاله . توترا واضحا بحركة صدره يبدو أنه يحاول التحكم به . قبضته مشدودة بقوة .إنه يبكى !!!

وضعت كفها فوق صدره : رفيع تعالى فى حضنى .

وكأنه كان متشوقا لدعوتها فلباها و فى لمح البصر كان مستقرا بين ذراعيها تتوارى عبراته بمأمن عن الجميع .

اعتدلت لتستلقى وتجذبه معها وبدلا من العودة به لشقتها . عادت به للوراء لأول ليلة قضتها فى هذا المنزل وكان هو على نفس الحالة .

_____

خرجت من المرحاض تتهادى برقة ، وضعت المنشفة جانبا واقتربت تنظر له لتقول بإحباط : ضاحى !! انت نمت ؟؟

لم يصلها إلا رتابة أنفاسه ، اقتربت ببطء تنادى اسمه مرة أخرى بلا جدوى ، زادت قربا ورفعت كفها تتلمس ملامحه هامسة : وحشتنى اوى .

وصلت أناملها لجبهته لتمسدها بدفء : الحمدلله انك معايا . ربنا ما يحرمنى من نعمة وجودك في حياتي .

اقتربت تتنفس رائحته لتهمس : انا بحبك اوى يا ضاحى .

استقرت بجواره لتتنهد براحة عادت تجلس وتنظر له : بص هبوسك مرة واحدة من خدك 

انخفضت نبرة صوتها : اصلك واحشنى اوى . كويس انك نمت اصلا .

تلمست وجنته بدفء وشوق تطبع دليل شوقها إليه فوق ملامحه .شعرت بإختلاج أنفاسه لتبتعد فورا لكنه لم يسمح ببعدها عنه مرة أخرى . احكم ذراعه حولها متسائلا : لازم اعمل نايم يعنى لاچل اسمع الحديت الزين ده ؟ 

دفعته بصدره ليفلتها لكنه لم يفعل وهى تعترض : انت بتضحك عليا !!عامل نفسك نايم .

ضحك ضاحى : ههههه خلاص يا مچنونة ماجادرش .

تصلب جسمها لتتساءل : مالك ؟؟ انا وجعتك ؟؟

احسن استغلال لحظة هدوئها لتجد نفسها مستكينة تماما تحت سيطرته ،لم يجد وسيلة سوى المراوغة التى اعتادها منها مؤخرا كلما طلب منها أن تتقرب منه رغم أنه يرى شوقها له في تردد أنفاسها حتى ، يعلم أن فترة إصابته الطويلة أثرت على علاقتهما كما زادت ترابطهما ابعدتهما أيضا ..فهل فقدت رغبتها فيه !!

سؤال رواد عقله ليرفضه بلا تردد .حاول هدم الحاجز الذي اوجدته الظروف بينهما فلم يجد إلا المراوغة فلم يعد يطيق شوقها الذى يراه ويعجز عن رى ظمأه ولا طاقة له بأشواقه هو التى تعطشت لها حد الاحتراق .

 همس بخفوت مقربها منه : وچعتينى !! ده انت دوايا يا جلب ضاحى .

تبدلت نظراته لترى لمحة المرح وهو يتساءل :جولتى لى بجا  الحكيم جليل الحيا  كان بده يتأكد من ايه ؟؟

_____

عادت روان للغرفة بعد إنتهاء المكالمة وتفقد خالد . وجدته يجلس بصمت ، تعلم أنه يراقبها ويعلم أنها تعلم .جلست أمام المرآة تنظر لإنعكاس صورتها نظرة منكسرة لا يدرى سببها .نهض عن مقعده متوجها نحوها : فيكى ايه بس يا بت عمى ؟؟

تخللت أناملها شعيراتها شديدة السواد وتساءلت بشرود : مهران فى شعر ابيض ؟؟

سمع اختناق دموعها وإن لم يراها ليردد بتعجب : شعر ابيض !! 

هزت رأسها وهى على وشك البكاء : اه بص كويس .الظاهر نظرى ضعف ومش بشوف كويس 

جلس أرضا وأدار المقعد مبعدها عن مرآتها تلك وهو يتساءل بقلق : فى إيه يا روان ؟؟ نظرك ضعف ايه وشعر ابيض ايه اللى بتكلمى عنيهم ؟؟

جذب ذراعها لتهبط لمستواه ، رأى ضياعا وحزنا بعينيها لم يره مسبقا ، قرب رأسها من صدره هامسا : لو تفتحى جلبك بس وتفهمينى فيكى ايه ؟؟ 

تمسكت بملابسه وبدأت بالبكاء ليقول : بكرة اخدك للدكتورة ...

قاطعته بفزع : لا يا مهران ..دكتورة لا علشان خاطرى .

ابتعدت عنه ليرى انهيارها وهى تتساءل بلهفة : مش انت بتحبنى !!

أحاط وجهها بكفيه : بحبك !! روان انت روحى بس مافهمش چرى لك ايه !!

عادت تدفن نفسها بين ذراعيه : لو بتحبنى بلاش دكتورة يا مهران . لأچل خاطرى يا واد عمى .

غمرها بدفء : خاطرك على راسى يا بت عمى .. حاضر يا روان بلاش دكتورة .

تنهد بحزن ربما تفيدها زيارة النجع وتغيير الأماكن ، قد تكون حالة طارئة لن تطول .. إنه يتمنى ذلك . مجرد أيام ويغادرون قد تجد هناك بعض الراحة النفسية، أو على أسوأ تقدير ستغير صحبة إياد من حالتها تلك .

______

العلاقة متوترة بينهما منذ إصابتها بتلك الوعكة الصحية . حقا يهتم بكل ما يتعلق بها خاصة تلك العقاقير التى أوصت بها الطبيبة لكنه لم يعد لها رغم ذلك . 

كم اشتاقت ل هيبة الذى تزوجته وغاب عنها منذ إصابة أخويه . تشعر بفراغ ووحشة حتى حين يجتمعان لا يكون هناك .

تذكرت جلستهن النسائية هذا المساء حيث اجتمعت وليال فى شقة رنوة تساعدانها ببعض المهام 

عودة للوراء ..

تنهدت رنوة : رفيع اتغير خالص من يوم وفاة ماما شريفة .

لتقول سما بشرود : اعذريه يا رونى دى أمه .

تنهدت رنوة : عذراه والله بس خايفة من بعده عنى .

لتقول ليال بحماس : خليه يصلى بيكى .

ابتسمت رنوة للذكرى وليال تتابع : انا ساعات اتخانق واعمل نفسى زعلانة علشان ريان يصلى بيا ، هههه هو بيبقى عارف وقافشنى بس بردوا بيصلى بيا .

شردت رنوة وهى تقول : تعرفى لما كنا متخانقين ورفيع صلى بيا .حسيت إني عاوزة اسمعه رغم إنى قبلها كان استعدادى لأى تجاوب معاه صفر . والحمدلله عرفنا نرجع لبعض .

عادت من شرودها على دخوله للحجرة ، لم تكن بالفراش كعادتها بل تجلس فوق الأريكة : السلام عليكم .جاعدة ليه لدلوك مانعستيش ؟

وقفت تشير لزاوية بالغرفة : مستنياك نصلى ركعتين سوا .

نظر لها بتعجب : نصلى !!

قالت بتأكيد : ايوه مش انت بتصلى الوتر كل يوم قبل ما تنام ؟ انا هستناك كل يوم نصليه سوا .

هز كتفيه متوجها للمرحاض : حاضر اللى يريحك .

دخل المرحاض واغلق الباب خلفه لترفع كفيها للسماء بتضرع : يااارب قرب بنا ورجعلى هيبة حبيبى بقلبه الطيب .يارب انت عالم انا قلبى صافى ومش زعلانة منه انا كنت خايفة عليه .يارب ماتحرمنى من نعمة وجوده في حياتي واجعل يومى قبل يومه واجعله زوجى دنيا وآخرة .

عادت تجلس تنتظر خروجه دون أن تلحظ طول غيابه .

***

اغلق هيبة باب المرحاض ،رفع أكمام جلبابه وفتح الصنبور استعدادا للوضوء لينظر أرضا ويشعر بغباءه ؛ هل سيتوضأ بهذا الحذاء !!؟ 

هم بالخروج مرة أخرى مقتربا من الباب ليسمع تضرعها لله . أسند جبهته للباب مستمتعا بمناجاتها التى كان هو محورها .لكم اشتاقها أيضا !!!

أيمكنه بالفعل تجاوز تلك السنوات والعودة بها لنفس إحساسه قبل إصابة أخويه !!؟

رغم عدم ثقته في قدرته على ذلك لكنه سيحاول جاهدا ، فحبيبته تستحق المحاولة .

______

عادت ليليان للغرفة ومعها إياد مرة أخرى اعتدل طايع جالسا : مالك بس يا إياد ؟ مش عاوز تنام ليه يا حبيبي ؟؟

تدلت شفته السفلى دليلا على شروعه فى البكاء مجددا لتقول ليليان برجاء : بلاش عياط يا إياد علشان خاطر ماما .مش انت بتحبنى؟

أومأ الصغير لتجلس بالفراش وتضعه بينهما وتقول : يبقى ماتعيطش علشان خاطرى .

حمله طايع مبتسما : لما ياچى سويلم الصبح اخليه يركبك الحصان .مبسوط !!

اقترب الصغير دون إجابه ليضع رأسه فوق صدر أبيه .داعبت أناملها خصلاته متنهدة : انا خايفة تكون حاجة وجعاه وانا مش فاهمة .

تنهد طايع فمخاوفه لا تقل عن مخاوفها  ثم قال : الصبح نشوف دكتور في المركز يطمنا .

ربت فوق ظهر صغيره : إياد حاچة بتوچعك ؟؟

لم يجب الصغير ، نظر يتفقده ليجده نائما ودمعة عالقة برموشه ، كم تؤلمه تلك الدمعات !! كما أن نومه بهذه الطريقة كان يختص بها روان دون الجميع .ترى ما الذي يحدث مع صغيره ويعجز الجميع عن تفسيره !!

استلقى ليمنحه بعض الراحة وجذبه مصلحا من وضعية نومه لكن لم يبعده عن صدره وهو يهمس ليبث بعض الأمان لقلبه قبل قلبها  : نام الحمدلله . إن شاء الله هيبجى زين .

فتح ذراعه مرحبا بقربها لتتوسده وعينيها معلقة بالصغير تخشى اختفاء صورته من بين اجفانها .

_____

انتهيا من الصلاة ليرفع هيبة كفيه للسماء ويردد الدعاء الذى سمعها تناجى الله به دون لحظة تردد .

انتهى والتف ينظر لها ليرى عينيها غائمتين ، مد كفه لتضع كفها بأمانه ويقول : انى كمان منى عينى امحى السنين اللى فاتت من حياتنا وارچع بيكى كيه ما كنا .

همست بتساؤل وهى تنظر لعينيه بثقة : سمعتنى !!

أومأ مؤكدا : يوم ما وجعتى منى حسيت كد ايه بوچعك بجا لى سنين ،لما ربنا رچعك ليا من كرمه ورحمته لجيت روحى واجف مكانى . لا جادر ارچع كيه ما كنت ولا جادر اعيش كيه ما كنت عايش .

صمت لحظة واحدة ليتابع : يوم ما رچع ضاحى على رچليه جولت امل چديد كل حاچة ممكن ترچع كيه ما كانت مهما نتعب .

ضغط على كفها : والله يا سما كنت هاچيكى يوميها كيه ما كنت أچيكى جبل سابج . بس موت خالتى شريفة خربطنى .

مد ذراعه يقربها منه : انى رايدك اكتر ما انت ريدانى .

احاطته بذراعيها ترفض البعد عنه . إنها تعشق هذا الرجل الذي أصبح يخالط عشقه دماءها . إن استطاعت إخفاءه داخل ضلوعها لفعلت دون تردد.

_____

همهم رفيع لتهزه مجددا : رفيع قوم مش هتلحق الجماعة .

فتح عينيه بتثاقل ليغمضهما فتقول : " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعا ومما رزقناهم ينفقون "

فتح عينيه لترى شبح ابتسامة وهو يعتدل جالسا ، نظر للساعة المجاورة للفراش ليسمع نداء إقامة الصلاة فيقول بأسى : يا خسارة الجماعة .

ابتسمت فورا : من حظى بقا علشان نصلى سوا .يلا قوم اتوضأ .

تحرك بحماس عن الفراش : والله فكرة وتبجى جماعة بردك .

عاد للفراش بعد أن أنهى صلاته ، اقتربت تجلس بجوراه تعلم أنه يلوم نفسه كالعادة ، وضعت كفها فوق كفه : مكنتش تقدر تعمل حاجة .

نظر لها لتتابع : العمر لما بينتهى محدش يقدر يعمل حاجة .

اعتدل جالسا دفعة واحدة : مين جالك ؟ 

ابتسمت برقة : انت .

قطب جبينه بلا فهم لتتابع : انت فاكر بعد العمر ده مش هعرف انت امته بتهرب فى حضنى !! من يوم ما عملنا الفحوصات والدكتور قعد معاك وانت بتهرب .مش محتاجة مجهود علشان افهمك يا رفيع .

تنهد رفيع لكم تمنى أن يخبرها !! لعلها تخبره ماذا عساه قد يفعل ؟؟ لكنها كانت رغبة والدته وقد احترمها ونفذها ، أراد فقط أن يكون بجوارها فى النهاية ويحمد الله أنه كان .. قربت رأسه منها ليغمض عينيه مستسلما لحاجته للحنان الذى تغمره به .

_____

استيقظ طايع مبكرا فور شعوره بحركة إياد ، شعر به يهرول ليفتح عينيه بفزع مناديا اسمه : إياد .

توقف إياد لكنه ينظر أرضا بخزى لينهض طايع يتفقده : مالك يا حبيبي ؟؟

امسك الصغير سرواله ليفطن طايع لابتلاله ، اقترب مبتسما : عادى يا حبيبي ماتخافش . 

حمله بلا تردد : تعالى اسبحك .

توجه به نحو المرحاض ليخلع عنه ملابسه ، بدأ برشه بالماء ليبتسم إياد . زاد عبثا فأصبح يملء كفه بالماء الدافئ ويفركه بشعره ليضحك إياد مما رسم الابتسامة على وجه طايع بالتبعية . مد الصغير كفه تحت الماء ليخيل له أنه يمتلء يبعده فيجده فارغا .

أعاد الكرة مرتين وفى كل مرة يجد كفه فارغا نظر لوالده الذى يبتسم وأمسك كف أبيه ووضعه تحت الماء حتى امتلأ ليخرجه بحرص وطايع تاركا كفه له ويترقب حركته القادمة .

رفع كف أبيه بحرص فظن طايع أنه سيغسل وجهه بالماء ليدفعه مرة واحدة تجاه وجه طايع الذى اتسعت عينيه بصدمة وسعادة لذكاء الصغير وتجاوبه بينما علت ضحكات إياد السعيدة .ضيق عينيه بخبث : بتاخد تارك يعنى !! طب تعالى بجا .

وظلا بتراشقان بالماء حتى أوقفت ليليان عبثهما بطرقها وتساؤلها : بتعملوا ايه جوه ؟

فتحت الباب لتنظر لهما إياد بحوض الاستحمام وطايع مبتل تماما همس طايع ل إياد الذى ضحك بقوة وملء كف طايع الذى ساعده في دفعه ليصل الماء حتى رأسها .وفى لحظة تحولت اللعبة لثلاثية ليحظى إياد بصباح سعيد مخالف تماما لليلة البارحة ويهنأ بنوم هادئ عميق بعد ذلك مباشرة فوق صدر أبيه ايضا .

____

دخل رفيع إلى غرفة دياب صباحا و الذى لم يغادرها منذ عاد من مراسم الدفن .حاول سويلم كثيرا إخراجه منها ليرفض تماما .

تركته رنوة واوصت سويلم بمراقبته وتفقده وحرصت على تناولهما الطعام معا لتتأكد فقط أنه يتناول طعامه .

كان دياب جالسا قرب النافذة وقد شرد بعيدا ليقترب رفيع ويجلس بجواره . رفع ذراعه وربت فوق كتفه لينظر له دياب مبتسما .

تحدث رفيع بهدوء : هتضل حابس روحك إكده ؟

لتتسع ابتسامة دياب وكأنه لم يستمع لقوله ويقول : انى شوفت ستى شريفة عشية .

تجهمت ملامح رفيع بشدة بينما تابع : كانت جاعدة تسمع لى قصار السور مااتحدتتش واصل لكن كانت متبسمة .وأما سألتها مابتتحدتيش وياى ليه يا ستى ؟ مسحت على صدرى وعطتنى مصحفها ومشت .

دق قلب رفيع بقوة ..لا احد يمكنه أن يتنبأ بما يحدث بعد الموت .. وهو لا يملك تفسيرا لحديث الفتى ولا لمنامه ذا لكنه دون أن يفكر قال : ومستنى إيه ؟؟

نظر له الفتى بتساؤل ليقول : روح خد المصحف 

تهلل وجه الفتى وتحرك للخارج ثم توقف بغتة كأنه تذكر أمرا ما ليقول دون أن ينظر ل رفيع : عمى زناتى كان رايدك عشية وانت كنت دخلت جاعة ستى تنعس .جالى إن المفتى صدج على الحكم .

نظر له رفيع بفزع بينما التقط الفتى أنفاسه ثم قال برجاء : لم سمحت يا عمى تبجى تجولى لما الحكم يتنفذ لأچل اصلى على بوى .

وكأنه علم بفطنة أن رفيع كان ينتوى إخفاء الأمر عنه .زفر رفيع دون تحدث ليسرع الفتى نحو غرفة شريفة وينظر رفيع في أثره بألم متعجبا حاله .

لم يرثى لحاله بينما هو يرى هذا الفتى بحال أسوأ منه ورغم حداثة سنه يقف صامدا تماما .


أصرت ليليان فى المساء على رؤية طبيب لعل صغيرها يعانى أمرا لا تدركه وبالفعل صحبها طايع لأحد أطباء الأطفال الذى أكد أن الصغير لا يعانى اى خطب بل وسعد بمستوى ذكاءه وتقبله للآخرين .

عاد رفيع للنوم بغرفته فى الليلة التالية بينما أصر سليم على النوم في الشقة السفلية بصحبة دياب وحسنات ولم تر بأسا فى ذلك فقد كان شديد التعلق بجدته ، أما سيلين فقد كان لها دورا أساسيا في إخراج رفيع من دوامة الحزن التى كادت تبتلعه .

أصبح هيبة يعمد لتأخير الوتر حتى يعود ويشاركها فيه وكم اثر ذلك على تقاربهما الروحى ورأب الصدع الذى هدد حياتهما .

بدأت حياة ضاحى تبدو طبيعية وبدأ يخرج من المنزل حقا لا يكون وحده مطلقا لكنه بدأ يزور حدائق الفاكهة وصحبة دياب مرة لإسطبل الخيل ليشاهد محاولاته لترويض المهرة التى رأى بعينه أنها أكثر شراسة بالفعل وبفضل توجيهات ضاحى امتطى دياب المهرة للمرة الأولى بوجوده .

استيقظ طايع بعد عدة أيام على دفعات صغيره : بابا .بابا قووووم 

فتح عينيه ونظر له بقلق : مالك يا إياد ؟ 

جذبه إياد : قوم بابا روان ومالان هيجوا دوقتى .

ضحك طايع : جول إكده بجا .

بالفعل بعد نصف ساعة كان إياد ببهو المنزل برفقة والديه لتتساءل زبيدة : خبر ايه مالكم جايمين من النچمة إكده ؟؟

جلس طايع بتكاسل : حكم الجوى يا عمة

نظرت ل ليليان التي قالت : روان جاية النهاردة ونزلنا نستناها .

ضحكت ونظرت ل إياد الذى يذهب للباب ويقف قليلا ينظر للخارج ثم يعود .

رفض تناول وجبة الإفطار رغم محاولات والديه .حظى ببعض المرح ظهرا برفقة سويلم وركوب الخيل . 

اجتمعت الفتيات بالحديقة ليصر على الإنضمام لهن رغم اعتراض سويلم الذى وقف يراقبه ، سمع صوتا شجيا ليقترب مرغما تحت سطوة جماله بدعوى مراقبة إياد الذى قال : لا يا بسسسمة قولى اغيب 

ايدته الصغيرات لتستجيب بسمة له ولهن وتعاود الانشاد حتى قاطعها صراخ إياد : روان جت .

ثم إندفاعه نحو السيارة التى توقفت أمام المنزل وترجل عنها عمه .لحظات وكان بين ذراعيها يربت على أكتافها : وحشتينى قد الدنيا روان .

أسرعت الفتيات لاستقبال مهران الذى رحب بهن جميعا واحتفظ بكف بسمة التى سعدت بذلك قبل أن تصحب خالد ويجتمع الصغار جميعا فى أحد الأركان يشاهدون بحماس الميدالية التى حصل عليها خالد وأصر على تصوير الإحتفال ليشاركه رفاقه الغائبون فرحته احضر لبيب حاسوبه ليعرض خالد عليهم الجولة النهائية في البطولة  

امطرته روان بالقبلات فقد اشتاقته بشدة ولم تفلته حتى استقروا جميعا بالداخل ليسكن إياد بين ذراعيها بشكل مريب . 

نظر له والده بتعجب : مالك يا إياد ؟ انت مع روان اهو؟ 

نظر له الصغير بحزن ثم نظر ل روان بإنكسار واضح .تدلت شفته السفلى دليلا على شروعه فى البكاء ليتساءل مهران أيضا : واه چرى ايه يا حبيبي؟

ربتت روان عليه بحنان : انت زعلان مني يا إياد ؟؟

أخفى وجهه بملابسها ولم يرد لتقول والدته بقلق : لا الحكاية دى مبقاش يتسكت عليها . احنا لازم نرجع مصر ونشوف الدكتور بتاعه .

تساءل ضاحى : مش الدكتور جالكم إنه زين ؟ 

طايع : ايوه لكن أحواله غريبة اوى .عمره ما كان بيبكى بالشكل ده .

حاولت ليليان أن تبعده عن روان ليتشبث بها ويبكى فتقول زبيدة : خلاص يا بتى همليه مع مرت عمه .

شعر مهران أن زوجة أخيه تخجل من ترك صغيرها فور وصولهم ليقول : خليه معانا النهاردة.

تحدث طايع بلسانها : انتو تعبانين من السفر يا مهران .

ضحك مهران : ليه چايين مشى !! 

نهض فورا : بالاذن يا عمة 

ابتسمت زبيدة ليقترب من زوجته : تعالى يا إياد نطلع فوج .

نظر لها إياد بحزن ليتجه نحو عمه ليحمله بتعجب  فيقول فورا : تعالى روان .

نهضت بلا مناقشة : جاية يا إياد .

نظرت ليليان فى أثرهم بحزن : انا خايفة على إياد اوى .

نظرت لزوجها وقالت بقلق  : طايع إياد فيه حاجة 

تنهد طايع لتقول زبيدة : انى خابرة ولدكم فيه إيه .

نظر لها الجميع وقال ضاحى : طب ماتجولى يا اما لو نجدر نعمله حاچة .

______

دخلت روان خلف مهران لتجلس فوق الفراش بتعب : كويس إننا طلعنا انا مش قادرة 

تساءل بقلق: مالك يا روان ؟؟

أجابته بصوت مختنق : كبرت يا مهران ..انا كبرت 

ردد بلا فهم : كبرتى !!

لتنظر ل إياد وتغير مجرى الحديث وهى تفتح ذراعيها له ليتركه مهران فيهرول إليها .

لزمت روان الحجرة ذلك اليوم ليكون إياد ملازما لها بالتبعية ، لم يعترض مهران على نوم إياد بين ذراعيها بل ساءه دموع إياد الصامتة وزادت مخاوفه وانقباض صدره .

استيقظ مهران صباحا على بكاء إياد مناديا اسمه : مااالاان 

ليتساءل بكسل : مالك يا بنى بتبكى ليه ؟؟

نظر له إياد ليصفعه فوراً ويصرخ : مالان قوم روان مش بتصحى . 

انتفض فزعا : بتجول ايه !!؟ 

هزها بفزع فاق فزع الصغير : روااان .

ليجد جسدها باردا بشكل أسرى البرودة بين أضلعه فورا 


#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى


الحادى والثلاثون

استيقظ طايع على صرخات إياد ليهب للخارج بفزع تتبعه زوجته ، اتجه نحو غرفة أخيه ليجد ابنه متمسك بالباب ويصرخ بينما مهران يحاول إخراجه من الغرفة ، وصل لابنه متسائلا : خبر ايه ؟؟

ليصرخ إياد : عاوز روان ..سيبنى .روان 

فزع طايع من عينى أخيه الغائمة ليحاول حمل إياد دون أن يسأل مرة أخرى وصل لهما هيبة ومهران يجاهد لإغلاق الغرفة ويمنعه إياد ليتساءل : حوصل ايه ؟

نطق مهران اخيرا : غيتنى بالحكيمة يا واد عمى جوام .

سمعت ليليان قوله لتتجه للغرفة مباشرة فقد تمكن طايع من حمل إياد وتتمنى أن يتحكم في صرخاته أيضا .

لحق مهران بزوجة أخيه التى تحاول إفاقة روان بلا فائدة ، لحظات وتجمعت النسوة في الغرفة ليحلن بينه وبينها .

اقترب من الفراش حيث شقيقته تحتضن رأسها . سحبها من بين ذراعى أخته التى تركتها بصمت ليقول بنبرة جاهد لتبدو طبيعية : هملونا وحدينا 

تبادلن النظرات الصامتة لتقول ليليان : مهران عاوزة اقولك حاجة 

استقر بجوار زوجته بحزم : بعدين يا مرت اخوي 

جذبتها ريتاچ للخارج حيث يقف طايع يحمل ابنه الذى يريد الدخول ولم تجد محاولاتهم لإبعاده عن الغرفة .

وصلت الطبيبة لتصحبها سما .طرقت الباب ودخلت لتجد روان على حالها ومهران يجلس بطرف الفراش بصمت مخيف : الدكتورة يا مهران .

وقف مهران الذى كان حازما أمره : كتر خيرك يا بت عمى روحى انت .

نظرت له بصدمة لكنها خرجت ولم تعقب ، اقتربت الطبيبة من الفراش وبدأت تسأل أسئلة رتيبة عن الأمراض المزمنة والأدوية المسببة للحساسية .

اخرجت بعض الانابيب وهى تقول بمرح لا يليق بالموقف: احسن حاجة فى الوحدة الصحية بتاعة بلدكم أنى ممكن اشيلها كلها في الشنطة

سحبت عينة من دم روان وبدأت بتوزيعها داخل عدد من الأنابيب بينما يراقبها مهران بتوجس

اخيرا خطت بضعة حروف وقدمت له الورقة : عاوزين المحاليل لأن عندها هبوط في الدورة الدموية لكن مش هكتب اى أدوية قبل ما نتأكد من حالتها الصحية ووضعها لما تفوق .وحد ياخد العينة دى لدكتور الوحدة وانا هكلمه فى التليفون

التقط الورقة بلهفة : يعنى هتفوج !!؟

ابتسمت الطبيبة : إن شاء الله 

غادر الغرفة بلهفة ليجد أخيه بالخارج : خير يا مهران ؟

اختطف الورقة من كف أخيه الذى قدم له الأنابيب طالبا منه حملها للوحدة فى طريقه ليتدخل راجى ويعرض أن يتحرك كل منهما في اتجاه وافقه طابع وطلب منه العودة لزوجته ليوقفه صوت إياد الذى استقر بين ذراعى والدته : مالان 

نظر له ليرى انكسارا لم يره من قبل ، فتح ذراعيه ليرتمى الصغير على صدره لتقول ليليان : انا عاوزة اقولك حاجة 

اتجه للغرفة دون أن يلتفت لها : بعدين يا مرت اخوي .

اقتربت منها ريتاچ : فى إيه يا لى لى .

نظرت لترى ضاحى يقف بالقرب منهما لتقول : ضاحى يقولك هو عارف .انا رايحة اشوف الولاد علشان خالد مايحسش بحاجة .

عاد مهران للغرفة حيث تنتظر الطبيبة التى ابتسمت لرؤيا إياد : ابنكم ؟؟

تساءلت ليهز رأسه نفيا : واد اخوى .

اقترب من الفراش ليضعه بجوارها دون تردد ليسرع إياد يهزها برفق : روان قومى بقا روان .

أمسكت الطبيبة ذراعه : هى هتصحى بعد شوية .انت اسمك ايه ؟ 

نظر لها إياد لتبدأ تتحدث إليه فيجيب احيانا ويصمت أخرى .طرق الباب معلنا وصول المحاليل لتكون بين يديها فى لمح البصر 

بدأت إعداد جرعتها لينظر لها إياد بفزع : اديش روان حقنة 

رفع إصبعه وهو يحذرها ببراءة لتضحك الطبيبة : معلش لازم علشان تصحى .

أوصلت الإبرة بذراع روان بينما أخفى إياد وجهه بكفيه ثم نظرت ل مهران : هتفوق فى خلال ربع ساعة بس خلى بالك الهبوط في الدورة الدموية ممكن يقتل أثناء النوم يعنى المرة دى خدتوا بالكم اتمنى تتابعوها علطول .

تنهد مهران بحزن : والله يا دكتورة هى بجا لها فترة حالها متغير ..بتبكى عمال على بطال والحزن راكبها وأما جولت لها نروح للدكتورة كانت هتچن صراخ وعويل .

قطبت جبينها وتساءلت : ماحاولتش معاها تانى ؟كان ممكن اجى لها مش لازم تيجى هى .

مهران : احنا لسه چايين عشية .جولت يمكن زيارة النچع تغير حالها .

اومأت وقد وصل إليها صورة كاملة عن حالة روان ، جلس إياد بترقب ينظر لها ، دقائق وبدأت ترمش ليقول إياد بحماس : روان .

ضم كفيه بسعادة وانحنى يقبلها عدة قبلات : مالان روان صحيت ..شوف مالان .

ابتسمت روان : فى إيه يا إياد ؟ هو انا كنت ميتة !!

فتحت عينيها لتفزع لرؤية الطبيبة وتختفى ابتسامتها ، حاولت أن تعتدل لتمنعها الطبيبة وتطلب منها الراحة .أمسكت دفترها وبدأت بإلقاء بعض الأسئلة الروتينية .رفعت عينيها تنظر لها بدهشة : وكل التأخير ده ماقلقكيش ؟؟

اختطفت نظرة إليه رأى فيها حزنها وهى تقول : ما انا عرفت ايه بيجرى لى .

تساءلت الطبيبة : وطلع ايه اللى بيجرى لك ؟

تركت العنان لدموعها وهي تقول بأسى : سن اليأس .

اتسعت عينا مهران والطبيبة كذلك لكنها تجاوزت تلك الصدمة وهى تقول : اللى أطلق الاسم ده مش انسان طبيعى .

دق هاتف الطبيبة لترفعه دون أن تنظر : ايوه يا دكتور .

صمتت لحظات : ايوه كويس انك عملت كده .لا تمام مفيش داعى خلاص .

هزت رأسها مبتسمة وبدأت تسأل عن عمر روان وحملها السابق وأسباب عدم الحمل مرة أخرى . عادت لدفترها تكتب وصفة طبية ثم مجموعة من التحاليل المخبرية وتقدم الورقتين ل مهران . نظرت ل روان التى ضمت إياد بذراعها الحر والتزمت الصمت لتقول : كان ممكن توفرى على نفسك وعلى جوزك كل التوتر والقلق ده لو روحتى للدكتور ، مفيش حاجة فى الطب اسمها سن اليأس ، والموضوع اللى بتفكرى فيه فى عمرك ده علميا مستحيل .عموما يا ستى مبارك انت حامل .

انتفضت روان : انا ايه ؟؟

ضحكت الطبيبة : هتاخدى الڤيتامينات فى مواعيدها لحد ما تعملى التحاليل .

تحركت الطبيبة للخارج يتبعها مهران الذى يخفى ضحكاته . فتح الباب ليقول : متشكرين جوى يا دكتورة.

ابتسمت بهدوء : الشكر لله مش هوصيك عليها واضح انك مش محتاج وصاية .

ابتسم مهران وأشار ل راجى : وصل الدكتورة يا واد عمى .

ثم اغلق الباب وإلتفت لها لينفجر ضاحكا ، رأى الدموع بعينيها لكنه لم يهتم تحولت ملامحها وانجلى التوتر لتنظر له بغيظ وهو يقترب ممسكا بعض خصلاتها : روان شعرتين بيض اهه ههههههههه

دفعته ليضحك مجددا : انت عچزتى جوى هههههه .

تقبل دفعات كفها برحابة لينتبه ل إياد الذى إلتزم الصمت ، سحبه ليحمله مقبلا وجهه : تعالى يا وش السعد انت .

دفعه إياد رافضا تقبيله : ده وش إياد . انت عبيط مالان ؟

ضحك مهران ثم قال : تعرف !! جوه بطن روان فى ولد صغير كد إكده 

جمع إصبعيه ليقدر منتهى الصغر ويتابع : بكرة يكبر وينولد وتبجى تدير بالك عليه .

نظرت روان ل إياد ونظراته الحزينة لتقول : انت زعلان يا إياد ؟؟

هز رأسه نفيا لكنها فطنت أنه يغار ليس إلا جذبته من مهران لتضمه وتقبله بحنان ، رفعت ذراعها المتصل بالابرة لتقول بمرح : هو انا هكمل بالخرطوم ده ولا إيه؟؟

اسرع إياد يخفى وجهه لتعلو الطرقات اسرع يفتح الباب لتدخل زبيدة مع سما وخلفهما ليليان تحمل صينية الفطور : كان فيها ايه لو سمعت كلامى . بعدين يا مرت اخوي .

تأكدت من تغليظ نبرة صوتها لتضحك روان ويتساءل مهران : ليه كنت خابرة اياك ؟؟

رفعت كتفيها بفخر : طبعا .

ثم حمحمت : ماما زبيدة قالت لى امبارح .

جلست زبيدة بطرف الفراش لتقول سما : مبارك يا روان ربنا يكمل لك على خير .انا هنزل أوصى لك على غدا تمام .

غادرت لينظر مهران ل زبيدة التى أخبرته أن تعلق إياد ب روان وانكساره الواضح هو سبب فطنتها لحمل روان ، تحدثت بإستفاضة أن الصغار هم الأقدر على اكتشاف هذه الأمور . لم بجادلها مهران يعلم أنها تخبره عن تجارب عايشتها .

سرعان ما انتشر خبر حمل روان ليصل ل رفاعى بمنزل انسبائه ، قدم وزوجته لتعود هواجس ليليان تتأجج ، أنها ترى من زينب فرحة تخيفها . ترى منها أن هذا الصغير القادم سيؤثر سلباً على وضع إياد الذى بدأت أخيراً علاقته تتحسن ب زينب حين تطور نموه فى عامه الأخير ليقترب من أقرانه بنفس العمر . الأمر الذي كان يفزع زينب دائما ويزيد من الفجوة بينها وبين الصغير هو مقارنته بأقرانه ومهما دفعها رفاعى لعدم القيام بذلك إلا أنها تراه ضروريا .

______

مرت عدة أيام زاد فيها إلتصاق إياد ب روان ولم تعترض ليليان تعلم أنها مقربة منه ربما تقترب مكانتها عند صغيرها منها وهى لن تنكر فضلها مطلقا ، من حق صغيرها أن يغار .أمر تراه طبيعيا تماما .

بدأت روان تخرج بصحبة إياد حين يركب الخيل مع سويلم الأمر الذي نبه زبيدة أن تقوم بالمثل ربما تمكن صالح الصغير من تعلم ركوب الخيل إن شجعته بتلك الطريقة.

لذا أصبح اجتماع النسوة بالحديقة قرب اسطبل الخيل أمرا طبيعيا يوميا .

اخيرا وجد هيبة الوقت للوفاء بنذره ونحر العجول احتفالا بشفاء أخيه .كان يوما مرهقا للجميع بينما كان مرحا للصغار .

جلست بسمة بجانب جدها يحيط كتفها بذراعه لتستقر فوق صدره ويتهامسان بخفوت .يبدو أنها تصمت لتفكر وتعيد صياغة الأسئلة بينما تاج يبتسم احيانا ويضحك أخرى ويجيب دون ملل .

اقترب ريان ليجلس : خليكى مكوشة على جدك كده ومحدش عارف يقعد معاه .

ضحك تاج : مالاكش دعوة .

ثم احاطها بعناد وهو يقول : خالك ماكانش بيغير من امك قد ما بيغير منك يا بسمتى

ضحكت بسمة ليرفع ريان حاجبيه كاتما غيظه : انا اقدر اتكلم .ساكت اهوه .

اقترب رفيع متأوها : كيفك يا عمى ؟

جلس ينظر ل هيبة الذى يلحق به : تلات عچول فى يوم واحد ربنا على المفترى 

ضحك طايع : عچزت ولا إيه ؟؟

ليسانده ضاحى : عچز وسنانه وجعت ههههه

نظر لهما بغيظ وهو يمسد ظهره : ضهرى منكم لله .

تحدث هيبة بهدوء : ماخلاص يا رفيع كلنا اشتغلنا زينا زييك .

نظر له رفيع شزرا : يا راچل انجل ست ارباع لحالى وتجول زينا زييك .

ضحك رفاعى الذى يقبل بصحبة مهران : اما لو بوك عايش وسمعك بتتوچع إكده !!!

ضحك الجميع وقال رفيع : الله يرحمه كان ودرنى .

علت ضحكات راجى : وانت الصادج كان علجك .

علت الضحكات بينما عادت بسمة للهمس مرة أخرى وهى تنظر ل رفيع بسعادة واضحة . 

نظر لها رفاعى : چرى ايه يا بت چدك ؟ ماتجومى تلعبى ويا البنتة .

نظرت له بسمة ولم تغب بسمتها : كنت بسأل جدو حاجة مهمة جدا .

ربت تاج على رأسها بحنان ليقول رفاعى : طب ما انى كمان چدك ماتجولى لى الحاچة المهمة دى .

حاول طايع تمرير الأمر فهو يعلم أن ابنته لا تحب التواجد في التجمعات ولا تحب الظهور فقال : خلاص يا بوى .

أشار له رفاعى : اسكت انت انى بتحدت ويا حفيدتى .

ظهر الخجل على ملامحها ونظرت ل ابيها بتوتر بينما قبل تاج رأسها وقال مشجعا : قولى له يا بسمتى اصل جدك رفاعى مش هيسكت 

نظرت ل رفيع وقالت : كنت بسأل جدو عن قصة زواج السيدة خديجة والرسول عليه الصلاة والسلام.

بدأت الهمهمات بالصلاة على النبى لينتبه الجميع وهى تتابع ، السيدة خديجة بعتت واحدة تسأل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إذا كان يقبل بتجوزها . بس ده كان قبل الإسلام .انا بقا كنت عاوزة اعرف الاسلام منع كده ولا لأ .

نظر طايع لابنته بدهشة تقاربت منها دهشة الجميع ورفاعى يتساءل بدون حرج : وجدك جالك ايه ؟

ابتسمت براحة : جدو قالى إن الإسلام ماحرمش إن البنت تبعت لواحد لو عجبها تسأله لو يحب يتجوزها يعنى مش حرام عليها يا جدو فهمت !!

تساءلت برقة لتنفلت بعض الضحكات التى نهرها رفاعى بنظراته ليتساءل من جديد : انى فاهم بس مافاهمش انت بتسألى ليه ؟ بدك تتچوزى إياك !!؟

نظر له تاج بحزم يمنع استرساله بينما قالت بسمة بجرأة غير معهودة منها : لما اكبر يا جدو اكيد هتجوز وانا  هتجوز اللى اخترته إن شاء الله .

حملق بها طايع بدهشة ليقول ضاحى : بعدك صغيرة يابتى ماتعرفيش تختارى زين . لما تكبرى ابجى اختارى .

قاطعه ريان : استنى بس يا ضاحى .

نظر لها مبتسما : انت يا حبيبتي فاهمة يعنى ايه جواز ؟ 

قالت بثقة وهى تهز كتفيها : اكيد زى ما ربنا قال ( ومن آيته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) بابا قالى إن الزوجة بتكون جزء من نفس زوجها لما يتجوزوا يكملوا بعض .

ونظرت لأبيها بحب : علشان كده بابا عمره ما زعل ماما ودايما يقول محدش يزعل من روحه .

ابتسم هيبة رابتا فوق ذراع طايع بفخر : يازين ما ربيت يا واد عمى .

اسرع راجى يقاطعه : اصبر يا هيبة 

ونظر لها : جولى لى يا حبيبتى انت اخترت اللى بتجولى عليه ده كيف ؟

نظرت ل راجى وقالت ببساطة : راقبته يا عمى .

اتسعت الأفواه دهشة مرافقة الأعين وضاحى يتساءل بقلق بالغ : راجبتيه كيف وميته ؟

قالت ببساطة : مش محتاجة اراقبه سنين يا عمو علشان اعرفه كفاية موقف يبين شهامته وشجاعته وموقف يبين عقله وانا عارفة إنه صبور وطيب .

نظرت لأبيها بإنبهار : يعنى زى بابا تمام .

نهض مهران عن مقعده ليجلس بجوارها : بس يا حبيبتي ممكن تختارى راچل يبجى زين صوح بس مش مناسب ليكى . احنا اهلك والأهل لازمن يفهموا ولادهم ويفهموا منيهم .يعنى إذا بوكى جالك الراچل ده مش مناسب لازمن تطاوعيه .

أمسكت كف عمها ، طالما كان التواصل بينهما سلسا ، احتضن كفها بين كفيه لتقول : ماتخافش يا عمو انا عارفة إن بابا هيحبه .هو اصلا بيحبه .

عاد ضاحى للضحك : لاه.. انى لازمن اعرف مين واد المحظوظ ده !!

أيده راجى : جولى لنا طيب وهيبجى سر بناتنا .

ضحكت برقة : سر ازاى يا عمو وكلكم عارفين !! 

ابتسم تاج وربت على رأسها بحنان : اصل يا بسمتى اعمامك اول مرة يشوفوا بنت جريئة زيك تتكلم في الموضوع ده فى سنك ده .

نظر ل رفاعى : حتى جدك رفاعى اول مرة يسمع كلام زى اللى انت بتقوليه ده .

ابتسمت الصغيرة : عارفة يا جدو البنات قالوا لي إن عيب اقول انى عاوزة اتجوز واحد دلوقتى او لما اكبر ولما سألتهم ليه مش كلنا لما نكبر هنتجوز قالوا إن الراجل اللى يختار مش البنت

ابتسم ريان : لا يا حبيبتي الاتنين بيختاروا بعض ولازم يقتنعوا ببعض يعنى ممكن الراجل يتقدم لعشر بنات ويرفضوه . يعنى الاتنين لازم يختاروا .

اتسعت ابتسامتها : صح يا خالوا علشان كده انا اخترت .

تحدث طايع بعد طول صمته : اخترت مين يا بسمة ؟؟

لم يشك يوما أن تلك الصغيرة الصامتة تملك عقلا راجحا ، بالتأكيد تفعل وإلا ما استطاعت التجاوز عن تفرقة امها بينها وبين شقيقتها ، إن لم تفعل لكانتا وشقيقتها الأن تكره كل منهما الأخرى ، صدم حين بدأت تتحدث لتخليها عن صمتها لكن مع تقدم الحوار فطن أنها تخلت عن الصمت لأنه لن يفيدها حاليا .صغيرته ترسم مستقبلها بثقة وحزم كالعادة بل ووضعت صورة لفتى أحلامها ، ربما ابكرت فى ذلك وربما كانت تلك الصورة قوية بما يكفي لفرض سطوتها على صغيرته ؛ لذا تخلى عن صمته وقرر دعمها ، إن أخطأت الاختيار لا بأس يمكنه أن يشرح لها فيما أخطأت وهى ستتفهم يثق أنها ستفعل ، أما إن احسنت الاختيار فسيكون اسعد من تحمل الأرض فى تلك اللحظة .

نظرت لأبيها لترى بسمته الصافية ، تلك البسمة التى يخصها بها دون الجميع ، بسمة تطل من قلبه فتربت على قلبها فى أشد المواقف صعوبة ، ابتسمت بالتبعية وقد رأت دعمه لها لتقول بثقة : سويلم يا بابا . لما اكبر عاوزة اتجوز سويلم 

اتسعت عينا رفيع ليتساءل بإنكار : سويلم ولدى ؟؟

رفع تاج كفه وهو ينظر ل طايع : لسه عارف زى زيكم

لم تجب ليسأل هيبة : طب شوفتى ايه منيه ؟

نظرت ل ضاحى : يوم ما عمو ضاحى رجع من السفر دياب كان خايف وعاوز يمشى ..سويلم مارضاش وقاله محدش هيحاكمه بذنب باباه وده لانه حقانى . مايقبلش الظلم .

ثم نظرت ل رفيع : مش انا جيت مع ماما عندكم امبارح .

حمحم رفيع : ايوه 

نظرت بسمة ل هيبة : واحنا هناك يا عمو ..عمو زناتى جه علشان ياخد تيتة حسنات تقعد معاه لأن هو اللى ابنها مش عمو رفيع ..سويلم بقا مارضاش 

تساءل ضاحى بضجر : ومارضاش ليه ؟؟

نظرت له دون أن تعير أسلوبه المتهكم اهتماما : علشان هو بيحب تيتة حسنات ولازم يشوفها كل يوم وماينفعش يروح عند عمو زناتى كل يوم لأن البيت فيه بنت .عارف مين اللي يعمل كده يا عمو ضاحى ؟

اجاب ريان بثقة : الراجل اللى عنده نخوة .

ثم نظرت لأبيها وقالت : وصبور اوى مع إياد .إياد اخويا مفهوش حاجة تعيبة هو طبيعته كده واحنا بنحبه كده بس ناس كتير مابتقبلش طبيعته لكن مش المهم إن سويلم تقبله وحبه لا المهم إن إياد حبه وإياد مش بيحب غير الكويسين حتى لو عملوا نفسهم كويسين .

ابتسم طايع لقد كانت عند حسن ظنه ؛ طالما كانت ، عاد هيبة يربت فوق كتفه بفخر : يا زين تربياتك يا واد عمى .

قبل تاج رأسها ثم قال : بس لازم نتفق إنك لسه صغيرة والكلام ده بدرى عليه اوى .

نظرت لجدها مبتسمة : انا يا جدو عندى اهداف لازم احققها ، يعنى لازم أحفظ القرآن كامل ، لازم انجح في دراستى ، لازم ادخل كلية صيدلة ، الجواز ده هيبقى هدف زى بقية الأهداف انا عارفة إن قدامى طريق لازم امشيه علشان احققه لكن ده يزدنى إصرار على تحقيقه .وكل هدف ليه وقت هيتحقق فيه انا بس بحدد اهدافى .

حمحم رفيع بحرج : طب فرضنا يعنى سويلم ماوافجش .

هزت كتفيها : حقه يا عمو وقتها هدور على هدف جديد مايقلش عنه ابدا .

جذبها ريان من بين ذراعى والده : الله اكبر فى عنيكم اوعوا تحسدوا بنت اختى .

ثم نظر ل طايع : شوف انا بعاكسك علطول بس عارف انك تستاهل اختى .

ابتسم طايع وهو يجذب ابنته نحوه : طب وسع إكده خليها تجدر تتنفس .

نظر مهران ل ريان وضحكا دون أن يفهم الحضور لما يضحكان وسرعان ما انضم لهما طايع وهو يحرر ابنته التى عادت لتجلس قرب جدها .

نهرها رفاعى : يا بت تعالى اجعدى چارى مرة 

ثم نظر لولده : ايه الخلفة دى !!

أشار لها تاج لتبتسم وتتجه نحو رفاعى : انا اقدر ازعل جدو رفاعى حبيبى 

ضحك رفاعى : ايوه كلى عجلى بكلمتين .بوك بيجول حسك زين وبتنشدى 

ضرب عكازه بالأرض : انى مايرضنيش غير مدح النبي .

قالت برقة : هقولك يا جدو نشيد بحبه اوى

أومأ رفاعى مواقفا ومنحها جم تركيزه

ابتسمت ولأول مرة تشعر بالقدرة على الانشاد فى حضور عدد من الرجال .لكنها شاركتهم أفكارها منذ قليل ، لم تعد تشعر بالغربة بينهم . لذا لم تتردد وبدأ صوتها يعلو بكلمات تحركت لها القلوب .

النفس تبكى على الدنيا وقد علمت

أن السلامة فيها ترك ما فيها 

لا دااار للمرء بعد الموت يسكنها

إلا التى كان قبل الموت يبنيها .

فإن بناها بخير طاب مسكنه

وإن بناها بشر خاب بانيها 

أموالنا لذوى الميراث نجمعها 

ودورنا لخراب الدهر نبنيها 

اين الملوك التى كانت مسلطنة 

حتى سقاها بكأس الموت ساقيها 

إن المكارم اخلاق مطهرة .

الدين أولها والعقل ثانيها 

الحلم ثالثها والعلم رابعها 

والچوووود خامسها والفضل باقيها 

واعمل لدار غد رضوان خازنها 

والجار أحمد والرحمن .والرحمن ناشيها 

قصورها ذهب والمسك طينتها 

والزعفران حشيش نابت فيها 

أنهارها لبن مصفى من عسل 

والخمر يجرى رحيقا فى مجاريها

والطير تشدو على الأغصان عاكفة 

تسبح الله جهرا فى مغانيها 

فمن يشترى الجااار ؟؟

من يشترى الداار ؟؟

فمن يشترى الدار للفردوس يعبرها 

بركعة فى ظلام الليل ..يحيها 

أنهت الانشودة ليحيطها رفاعى بحنان مقبلا رأسها : الله اكبر عليك يا قلب چدك .

علت التنهدات من القلوب التى حركتها بصوتها وأدائها المميز وساد صمت والكل ينظر لها بفخر حتى حمحم هيبة ليقطع هذا الشعور بقلبه قبل أن يستسلم له بينما أسند ضاحى رأسه إلى عكازه وقال بشرود : تعرفوا نفسى فى إيه ؟؟

نظروا له جميعا ليقول : نفسى ازور سيدنا النبى .

ونظر إلى هيبة : بدى اطلع عمرة يا هيبة .

اتسعت ابتسامة هيبة وهو يقول بحنان : وماله يا خوى ...

ليرفع ريان يده مقاطعا : لا دى رؤية مراتى هنروح انا وهى وضاحى وام مريم وطايع ولى لى .

قطب ضاحى جبينه وقد تذكر للتو ما أخبرته به شقيقته منذ سنوات .

اقبل إياد نحو تجمعهم يعدو ليمسك كف بسمة : يلا بسسمة سسويلم جه خليه يركبنى حصان .

هب مهران فورا : انى چاى معاكم 

ضحك طايع بينما لم تتردد بسمة واقتربت من صدر عنها الذى احاطها بحماية وإياد يصفق ويعدو أمامهما : هييييه مالان 

_____

عاد رفيع إلى منزله مفتونا بعقلية تلك الصغيرة بل ويتمنى أن تصبح ابنته يوما بذلك بتلك العقلية المنظمة والدقيقة 

دخل للغرفة ليجد رنوة فى انتظاره . نظرت له ليسأل فورا : سلين فين ؟

تعجبت سؤاله : نايمة . ليه فى حاجة ؟

جلس أمامها : حاسس اني مجصر معاها .يعنى فين وفين لما بجعد وياها .

ضحكت رنوة : لا انت فين وفين لما بتقعد مع اى حد 

نظر لها بدهشة ؛ حقا انشغل عن أسرته كثيرا ، لكن لا بأس لقد تعلم أنه بإمكانه دائما البدء من جديد .

ابتسم وضرب جبهتها بجبهته مترفقا : انى مجصر جوى على إكده .

_____

جلس راجى أرضا بعد أن وضعت هناء الطعام ، فقد إعتاد تأخير وجبة العشاء وتناولها برفقة صغاره ليوفر لهم مزيدا من الخصوصية ، فقد يحتاجون إليه ويحول إجتماع الأسرة دون اللجوء إليه .

جلس الجميع حوله ليبتسم بود : عاملين ايه يا بنات ؟

ابتسمن نفس بسمة امهن البريئة لتقول خديجة : الحمدلله يا بوى بخير طول ما انت بخير .

ربت على خدها بحنان : بفضل ربنا يا حبيبتي .

بدأ الجميع تناول الطعام لتقول هناء : صالح بجى يركب خيل لحاله .

ابتسم راجى لتقول : بس فى حاچة ...

نظر لها متسائلا لتتلعثم وتقول حورية : صالح بعيد عنينا جوى يا بوى . لا بيجعد معانا ولا بيتحدت معانا .

وتابعت حسناء : ليل نهار مع ستى .

شعر بالضيق لتقول خديجة : صالح لساته صغير يا حورية وبعدين يا حسناء عمره ما راح چاب لنفسيه حاچة ونسى واحدة فيكم .

قاطعتها هناء مدافعة عن صغيرها الغائب : هو حج ربنا حنية الدنيا فيه .

تبدلت نظرتها للحماس : عشية جده تاچ عطاه حاچة طعمها حلو جوى .چه فرج علينا كلنا .

يعلم أن حبيبته شديدة البساطة لذا نظر لابنته التى قالت : سنيكرز يا بوى .

ابتسم راجى : ماتخافوش يا بنات خوكم عمره ما يجسى عليكم . ده ترباية ستكم زبيدة .

لم تحاول مناقشته لا لشئ إلا لأنها تعلم أنه يقول الحقيقة قد تشعر فتاتيها بالغيرة لبعد شقيقهما مع رؤية علاقات قوية بالمنزل مثل ليال ولبيب لكنها تعلم أيضا أن ابنتها الكبرى هى ميزان التعقل لهن ويمكنها دائما توضيح الأمور كما أن صغيرها رغم إلتصاقه وتعلقه بجدته إلا أنه بالفعل بحب شقيقاته كثيرا .

______

تنهد رفيع بإرتياح وهو يقربها منه ، بدأ يقص عليها ما حدث من تلك الصغيرة والذى يراه للمرة الأولى بحياته .ابتسمت رنوة لحديثه فيبدو أن الصغيرات سيكن أكثر جرأة من جيلها . هى لا تنكر أنها اختارت بمنطقية مشابهة لكنها ما كانت لتتقدم خطوة دون أن يكون له السبق في التقدم نحوها .

نظر لها متسائلا : تفتكرى ممكن فى يوم حديتها يبجى حجيجة وتتجوز ولدك .

هزت كتفيها : كل شيء جايز خصوصا إن ابنك كمان كان بيراقبها .

اعتدل جالسا لتعترض وتدفعه ليستلقى مجددا  : وانا داخلة الصبح اساعد علشان الدبح لاقيت سويلم واقف ورا شجرة ، قربت وسألته واقف ليه اتلخبط وجاب ألون ..بصيت لاقيت البنات قاعدين لسه هبستفه لاقيته بيقول ؛ حسها حلو بحب اسمعها تنشد .عرفت علطول بيتكلم عن مين .

تنهد رفيع : إن چيتى للحج حسها حلو جوى .

ربتت على صدره بتكاسل : طب نيمنى بقا وبطل كلام ابنك ربنا هيكتب له الخير إحنا نعمل اللى علينا ونربيه صح وربنا يحفظه ويبارك فيه .

______

لم تصدق ليليان ما أخبرها به طايع . شعرت بحماس كبير وظلت تعيد سؤاله كل عدة دقائق أن بسمة قامت بذلك بالفعل .. كلما حاول النوم تحدثت حتى جلس متربعا فوق الفراش : وبعدين وياكى . خلينى انام ساعتين ماجادرش 

جلست أمامه بعند : انت عاوز تنام وتسبنى !! انا مش مصدقة إن بسمة عملت كده ..انا طول عمرى فاكرة سكوتها ضعف .

تنهد طايع : وانى جولت لك الف مرة إنه مش ضعف .عموما هى لسه صغيره وعاجبها صورة سويلم مش سويلم نفسه .

أسندت رأسها لكفها وهى تقول : طب ما انا بحبك من وانا اصغر منها .

اقترب بوجهه هامسا : عن چد ؟؟

اومأت برقة وتابعت : لما كنت بتيجى تلعب معايا واحنا صغيرين كنت بفرح اوى بس لما كبرنا شوية وبدأت احبك لاقيتك بتبعد عنى وتسكت .

دفعته بصدره : انت وجعتنى كتير اوى 

قربها منه : كنت بحبك وخايف اجرب ترفضينى كنت اجول لحالى كفاية انى شايفها زينة . واخاف اجرب جربى يبعدك عنى اكتر 

نظرت له بغيظ فهى كانت تفكر بنفس الطريقة حسنا لا عجب فهما بالفعل متشابهي الروح  . 


#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى


الخاتمة 

مرت الأيام تحمل اوجاعا وافراحا ليتسرب العمر من بينها كماء بين أكف مفرقة أناملها .

وصلت بسمة للسنة الرابعة بكلية الصيدلة كما تمنت تماما بينما حصلت نسمة على بطولة الجمهورية في الفروسية للفتيات وقد فضلت دراسة الإعلام وتحلم بكونها مذيعة تضئ صورتها على الشاشات الفضية .

وصل خالد للفرقة الخامسة بكلية الطب البشرى ويستمر بتفوق .

فى الصعيد وصل سويلم للفرقة الرابعة بكلية الزراعة التى أصر أن يلتحق بها وأوضح أن حلمه الخاص هو الارتقاء بالزراعة المحلية والوصول للسوق العالمى بإنتاجه الخاص أما دياب فقد أنهى دراسته بكلية الحقوق التى احب الالتحاق بها وساعده هيبة للتدريب بمكتب الاستاذ عرفان المحامى .

التحق لبيب بكلية الطب البيطري هو ومصطفى الذى ورث حب الخيل عن أبيه لكنه لا يبرع فى الفروسية مثله بل برع في إنتاج السلالات العربية الأصيلة .

أما مريم فقد أصرت على دراسة اللغة العربية بكلية الآداب والتحقت ليال بنفس الكلية لشغفها بدراسة التاريخ لتكون خديجة هى اكثرهن طموحا بإلتحاقها بكلية الآثار .

وصل إياد للمرحلة الثانوية ويجتاز اعوامه الدراسية بنسب نجاح تشعر والديه بالفخر .

استيقظ إياد الذى اتم عامه السابع عشر فى موعده المبكر حيث ستصحبه بسمة إلى مدرسته فى طريقها للجامعة ،يشعر طايع ببعض القلق الذى يغذيه قلق ليليان لتغير أحوال إياد مؤخرا ولجوءه للعزلة .فهو لا يغادر حجرته إلا لتناول الطعام كما أصبح مؤخرا يغلق خزانته ويحمل مفتاحها اينما ذهب .

خرج إياد بوجهه المبتسم ليجد الجميع على مائدة الإفطار فيجلس فى مقعده لتقول ليليان : إياد انا هنضف اوضتك النهاردة سيب الدولاب مفتوح .

نظر لها طايع بحدة بينما اسرع إياد : لا .لا يا ماما انا هنضفها .اوضتى اصلا نضيفة .

ابتسمت بسمة : انا مش عارفة انت بتجيب وقت منين تعمل كل حاجة .

ليبتسم لها : بعمل زي ما قولتى لى وبنظم وقتى .

زفرت ليليان بضيق : بس انا عاوزة انضف اوضتك كويس .

قاطع طايع حديثها : خلاص يا لى لى هو عارف مسؤولياته.

اتسعت ابتسامة إياد لدعم أبيه وثقته لتتدخل نسمة بمشاغبة : خلاص مادام اوضتك نضيفة اقعد فيها النهاردة.

أغمض إياد عينيه بتوتر : لا محدش يقعد في اوضتى ..محدش .

ورفع كفه محذرا ليتعجب الجميع انفعاله بينما تبتسم نسمة بتوتر : الله انت زعلت ؟ انا بهزر معاك يا إياد .

هز رأسه برفض بينما قررت بسمة إنهاء الحوار : طب يلا علشان ننزل إحنا .

نهض دون مناقشة وغادر معها بصمت لينظر طايع إلى زوجته لائما : وبعدين يا لى لى ! الولد لازم يحس أننا واثقين فيه .

نظرت له بحدة لتقول : انا خايفة عليه يا طايع ..انت مش شايف متغير ازاى ؟

بدلت نسمة نظراتها بينهما لتقول : ماتقلقيش يا ماما إياد برئ جدا . ده اعز أصحابه خضر ابن عمى .

لتضرب ليليان الطاولة : ده يقلق اكتر .. 

رفع طايع حاجبيه بدهشة : ويقلق اكتر ليه بقا ؟ ماله خضر ؟

زفرت بضيق : مالوش يا طايع بس ده اصغر منه بخمس سنين .

ضحكت نسمة وهز طايع رأسه بأسف : جومى نروح شغلنا جومى بلا حديت مالوش عازة .

هبطت بسمة وإياد ليلحقا ب خالد وخضر كالعادة ، اسرع إياد نحو خضر يهمس له بشئ ما بينما ابتسم خالد : سويلم بيصبح عليكى ياختى .

ابتسمت بخجل ليتابع : امته تكتبوا الكتاب علشان ربنا يتوب عليا من صوته كل يوم الصبح .

وبدأ فورا يقلد صوت سويلم بلكنته الصعيدية وهو يتساءل يوميا عن أخبار بسمة ويطلب منه أن يقرأها سلامه وتحياته وأشواقه وإن خجل من ذلك .

ضحك بالنهاية : هههههه لا بقولك ايه انجزوا انا مش هشتغل لكم مرسال غرام كده كتير .

تحدثت اخيرا بعد أن استمتعت بما قصه على أذنيها من مشاعر صادقة وبريئة لتقول بعتاب : مستعجل علشان تخلص منى يا خالد ؟ ربنا يسامحك .

ضحك خالد : لا مش انا اللى مستعجل ده سويلم 

نظرت أرضا ثم نظرت ل إياد وخضر وهما يتهامسان أثناء سيرهما .

______

طرق الباب لتتجه إليه روان لتجد الطارق إياد الذى قلت زياراته لها كثيرا في الأونة الأخيرة ورغم ذلك تقابله بود كبير : إياد !! تعالى يا حبيبي وحشتنى اوى .كده ماتسألش عليا ؟

ابتسم إياد بود هامسا : معلش روان معلش ماتزعليش

ضحكت روان : مش زعلانة يا حبيبي ادخل .

امسك الباب بكفه وتطلع بالانحاء : فين خضر ؟

عقدت ساعديها : خضر ماجاش .

ظهرت علامات. الإحباط على وجهه ليقول : طب لما يجى خليه يجى فوق .ماشى ؟

______

دخل إياد من الباب إلى غرفته مباشرة يعلم أن لا أحد بالمنزل لذا يتحرك بأريحية ويترك باب غرفته مفتوحا دون الخوف من تلصص أمه الذى يخنقه كثيرا .

هو لا بدرى لما لا تسأله أسئلة مباشرة ؟؟

لما لا تفهمه ک بسمة أو أبيه أو حتى خضر ؟؟

زفر بضيق وهو يعود لغرفته فقد اقترب موعد عودة والديه وهذا يعنى مراقبة أمه .

_______

دخلت زينة من باب المنزل بوجه متجهم وكانت رحمة تتحدث هاتفيا مع رنوة وهما تتحدثان عن إعدادات خاصة تنوى رنوة القيام بها احتفالا بعقد قران سويلم رغم إعتراض الأخير وإصراره أن يتكفل بمدخراته البسيطة نسبيا بعقد قرانه .

اقتربت زينة من امها متسائلة : حمزة جه يا ماما ؟

كتمت رحمة سماعة الهاتف بكفها وقالت : لسه داخل من شوية .

لتتركها زينة تنهى حديثها وتتجه لغرفة حمزة مباشرة ، طرقت الباب ليأذن لها ، دخلت بهدوء تنظر أرضا وكان حمزة منكب على مكتبه الهندسى يحاول إنهاء التصميم الذى طلبه استاذه الجامعى .

رفع عينيه مبتسما لتحتجب بسمته فورا ويحتل محلها قلق واضح : مالك يا زينة ؟؟

ظلت مكانها تفرك طرف ثوبها بين أناملها وكلها الاخر يضم كتبها لصدرها وعينيها أرضا لينهض عن مكتبه فورا ويتقدم منها وما إن وصل لها حتى غمرها بحنان لتبكى بصمت ، أطبق ذراعيه عليها بترفق وهو يتنهد بحزن فهو يعلم دون أن تتفوه بكلمة واحدة عن سبب بكائها .

______

دخل محمود من الباب وهو يصيح بغضب : مااازن .

أقبلت حياة مهرولة نحوه بخوف : فى إيه يا محمود ؟ 

نظر لها محمود متسائلا : البيه شرف ولا لسه ؟؟

زادت قربا وخوفا من غضب محمود الذى تعلم جيدا أن إثارته صعبة للغاية ، ربتت فوق صدره برقة : جه يا حبيبي ودخل ياخد دش ..انت مضايق ليه بس .

صمت محمود واتجه من فوره لغرفة ابنه ليقتحمها بالتزامن مع خروج مازن الذى أنهى حمامه للتو ليرتد للخلف بتلقائية مع اندفاع أبيه الذى اتجه نحوه فورا ليمسك ذراعه : انت مفيش فايدة فيك ؟ هتبطل قرفك ده امته ؟ 

لحقت حياة بزوجها لتتساءل بقلق : فى إيه بس يا محمود ؟ قولى طيب عمل ايه ؟ 

دفع محمود ابنه للخلف : البيه مرافق واحدة زميلته فى الكلية ومتجوزها عرفى .

شهقت حياة وهى تنظر لابنها بصدمة ليصيح مازن : انا ماضربتهاش على أيدها وهى مش صغيرة !!

رفعت حياة كفها لرأسها وهى تشعر أن الأرض تدور أسفل قدميها بينما وقف محمود امام ابنه : البنت حامل يا بيه ابوها كان عندى النهاردة . اعمل حسابك كتب كتابكم يوم الخميس .

انتفض مازن : انا لايمكن اتجوزها 

ليصمت مع صفعة والده التى هوت على وجهه وهو يصيح : اتساهلنا معاك كتير ونصحناك اكتر وانت مفيش فايدة فيك .هتعيش وتموت حيوان ..

نظر له مازن بصدمة ليتابع : إلا الأعراض ..انت فاهم ...

صرخ محمود لتبكى حياة : ليه كده يابنى ؟؟ ترضاها على اختك ؟؟ حرام عليك يا مازن للدرجة دى وصلت !! للدرجة دى .

امسك محمود بكف حياة وهو يرى أنها لا تتحمل تلك المصيبة لينظر لابنه محذرا : آخر كلمة البنت دى هتكتب عليها يوم الخميس وكلمة تانية منك لا انت ابنى ولا اعرفك وبردوا هتكتب عليها لأنى انا اللى هبلغ عنك .

استندت حياة لصدر محمود الذى أحاط كتفيها بقلق وغادرا الغرفة ليرتمى مازن جالسا ويدفن وجهه بكفيه وهو على وشك خسارة كل شئ .

_______

طرق الباب بحماس وكان طايع قد استلقى للتو لتتحرك ليليان فورا : دى خبطة خضر .

اتجهت للخارج بينما نظر طايع فى أثرها بأسف وعاد للاستلقاء . فتحت الباب ليندفع خضر : عمتو انا داخل ل إياد 

واسرع من فوره لتختبأ ليليان قرب المطبخ وتنتظر أن يفتح له إياد فإغلاق باب الغرفة من مستحدثات تصرفاته .

فتح إياد الباب لتسمع خضر يقول بحماس : انا جبت المجلة.

ترى تهلل صوت إياد : هات يا خضر بسرعة .

ليعترض خضر فورا : ماليش دعوة عاوز اتفرج ..

يضحك إياد : طيب ادخل بسرعة .

ليدخل خضر ويغلق إياد الباب لتندفع فورا عائدة لغرفتها وقد احتل الهلع ملامحها تماما . دخلت لتجد زوجها مستلقيا وقد أرخى ذراعه فوق عينيه لتصيح : مصيبة يا طايع .

انتفض طايع الذى أوشك وعيه على الذوبان في غيبوبة نعاسه ليلهث فزعا : خبر ايه ؟ 

تجلس بطرف الفراش : خضر جايب مجلة ودخل عند إياد 

نظر لها بعدم فهم لتتابع : جرى ايه يا طايع هم المراهقين بيجيبوا مجالات لايه ؟؟ 

قطب طايع جبينه : اتق الله بجى حرام عليك .شوفتى ايه من ولدك ولا من خضر لظنونك دى ؟؟

أشارت لصدرها بفزع : اتق الله !! انا خايفة على ابنى ..ده جزاتى يا طايع ؟

أسند طايع رأسه لكفه قبل أن يعاود النظر نحوها : ابنك البرئ اللى مايعرفش فى الدنيا غير دراسته وعيلته !! ابنك اللى حافظ القرآن !! ابنك اللى عمره ما رفع عينه فى حرمه واصل !! اعجلى حديتك جبل ما تخسرى ولدك بزيادة البنية اللى لولا ستر ربنا وعجلها الكبير كان زمانها بتكره اختها بسبب عمايلك .

نهض عن الفراش ليقف أمامها : انى صبرت عليك كتير جوى لأنى عاشجك .. ولحد دلوك عاشجك .. وخابر زين انك كنت متجلعة وماشيلاش للدنيا هم 

ابتعد خطوتين عنها ليقول : عمال اصبر روحى واجول بكرة تعجل .. بكرة تفهم .. بكرة توعى ..لكن انت مفيش فايدة فيكى واصل .

اتجه نحو الخارج لتلحق به ، أمسكت ذراعه لينظر لها فتقول : للدرجة دى انا وحشة !! للدرجة دى انت تعبان منى !! كل ده علشان بخاف على ولادى بزيادة ؟

تنهد طايع ورفع كفه ليتخلل شعره بغضب : يا ليليان بدل ما تراجبى ولدك صاحبيه وبدل ما تفاضلى بين البنات شچعى كل واحدة على اللى بتحبه حتى لو مش على هواكى .. دى حياتهم يعيشوها كيه ما هم عاوزين مش كيه ما انت عاوزة .

وغادر الغرفة تحت نظرها ليتجه لغرفة ولده ، طرق الباب ليفتحه إياد بوجهه البرئ ..نظر له طايع بحنان : بتعملوا ايه ؟ اچى اجعد معاكم هبابة ؟؟

تعلق إياد بذراع أبيه بسعادة : بنعمل مفاجأة .تعالى بس سر ماتقولش .

ضحك طايع : ماهجولش هههه.

وقبل أن يدخل للحجرة ألقى عليها نظرة آسفة فهو على ثقة أنها لو مكانه لكان ل إياد نفس رد الفعل .

_______

بعد مرور ثلاثة أيام حيث سيعقد قران مازن على هيا ؛ تلك الفتاة التى تزوجها عرفيا .

كان محمود بمنزله يستعد وزوجته للمغادرة لينظر لها بأسف : حياة لو لسه تعبانة خليكى .

هزت رأسها نفيا : لا يا محمود انا كويسة .

واختنق صوتها لتخفض وجهها فيسرع نحوها ، جلس أمامها لتتساءل : إحنا عملنا ايه علشان ابننا يبقى كده ؟ قصرنا معاه في ايه يا محمود ؟ 

نكس محمود رأسه : ربنا عالم مقصرناش معاه خالص ، حفظناه القرآن لحد ما هو رفض يكمل ..علمناه الصلاة ونصحناه كتير وبردوا رافض يصلى .هنعمل ايه بس تانى ؟ ربنا يهديه .. ادعى له يا حياة .

طرق الباب لتسرع بتكفيف دموعها وينهض محمود مبتعدا وقد تغيرت كل تعابير وجهه : تعالى يا مروة .

دخلت فتاة مراهقة ليفتح ذراعه : نور عين بابا .

ارتمت الفتاة بين ذراعيه ليقبل رأسها فتقول برقة : نور عينك زعلانة يا سى بابا .

شهق محمود بتصنع : مين يقدر يزعلك !!

لتشير نحو امها : اللى يزعل ماما يزعلنى .

اتجهت الفتاة لتجلس بجوار حياة : مالك يا ماما ؟؟

اقترب محمود ليجلس بينهما بمشاغبة : ام العريس يا ستى لازم تعمل شغل الحموات .

ضحكت مروة وحياة التى جاهدت وزوجها لمنع هذه الكارثة من الوصول لمسامع صغيرتهما لتتساءل حياة : انت لسه يا مروة ماجهزتيش ؟ 

تنظر الفتاة بين يديها وكأنها تذكرت للتو : نستونى ..

نظرت لامها : اى خمار يليق اكتر يا ماما ؟؟ انت عارفة ماليش فى الالوان .

_______

دعاه حمزة لحضور عقد قران ابن عمه فالكل يعلم عشقه لها وعشقها له ورغم ذلك لم يحاول اى منهما تجاوز حدود الله لذا يتحين الجميع اى تجمع عائلى لدعوة سويلم الذى لا يرتوى منها سوى بنظراته التى أصبحت محور الهمسات العائلية رغم علم الجميع أنهما ينتظران إنهاء سويلم عامه الدراسى الأخير ليتم عقد قرانهما الذى تحدد موعده بالفعل بعد أن اشترى لها محبسا فى الصيف الماضي .

جلس سويلم ممسكا ببعض الأوراق التى وضعها داخل ملف مخفيها من الأعين وهو ينظر أرضا .نظر له خالد بتعجب : فى إيه يا بنى ؟؟

نظر له بفزع : مفيش حاچة ..هم نطلع عند عمى طايع .

أنهى خالد اغلاق قميصه وهو يبتسم : ايوه يا عم مين قدك !! يلا يا سيدى انا خلصت .

تساءل سويلم : عمى مهران فين ؟

خالد وقد وصل لباب الغرفة : سبقنا على فوق قال إياد وخضر عاملين مفاجأة لجنابك .

تحرك سويلم بتثاقل يتبعه ليصعدا معا ، فتح خضر الباب وكان الكل مجتمع . تقدم سويلم وهو ينظر أرضا ليصافح مهران وطايع . تعجب الجميع أمره بينما اسرع إياد إلى غرفة شقيقته .

كانت تنهى استعدادها وقلبها النابض بإسمه يحثها للإسراع .دخل إياد بلهفة : بسمة استنى ماتخرجيش .

نظرت له بتساؤل ليقول : هجيب حاجة وأخرج معاكى .

اتجهت نحوه تقبل خده بقوة ليضحك ببراءة ويتجه لغرفته ، عاد إليها بعد دقيقة يحمل علبة محكمة لتتساءل : إيه ده ؟

ضحك إياد : هقولك عند سويلم .

امسك بكفها ليخرجا معا لترتفع عينيه للمرة الأولى تحتضن ملامحها بلهفة بينما ذبلت بسمتها وزاد وجيب قلبها للألم الذى يصرخ بعينيه .

اسرع خضر نحو إياد : قولهم انى ساعدتك فى المفاجأة .

ابتسم إياد : خضر ساعدنى وبابا كمان ساعدنى .

تساءلت نسمة : المهم إيه هى المفاجأة ؟ 

ضحك طايع : حج ربنا هى مفاچأة صوح .

استمر الجميع بالتحدث عن تلك المفاجأة الغامضة لتغفل الأعين عنهما لدقائق استغلاها فى حوار صامت لم ينبت من شفتى اى منهما .

هو يودعها !! 

قلبها يقول إنه يفعل ...

اخيرا فتح إياد علبته الثمينة ليخرج منها فستان علت الشهقات فور ظهوره ليلتفت كليهما للمجتمعين حولها بينما يقول إياد بسعادة : انا اتفرجت على كل موديلات فساتين الافراح ماعجبنيش حاجة .

نظر ل بسمة بحب : مفيش حاجة منهم تليق باختى .عملت لك التصميم ده يارب يعجبك .

نهض مهران ليمسك بالفستان بتعجب : انت عاوز تفهمنى إن ده تصميمك انت ؟ 

هز إياد رأسه بينما قال طايع : انت مستجل بولدى يا مهران ولا إيه ؟؟

نظر لزوجته بعتاب وهى ترى بعينيها ما كان يخفيه ولدها ،لم يكن يخفى سوى فرخة لأخته التى طالما دعمته .

نظر إياد ل بسمة وتعجب صمتها لتعلو الكآبة ملامحه : بسمة الفستان مش عاجبك ؟؟

هزت رأسها نفيا : حلو اوي يا إياد .اجمل فستان شافته عيني .

تهلل وجهه بينما نظرت ل سويلم : بس الظاهر مش مكتوب لى البسه

صمتت كل الأصوات وتوجهت كل النظرات نحوه . تمنى فى تلك اللحظة أن يصير غبارا يذروه الهواء فقد يعلق بثناياها . أن يكون نسيما تطلقه السماء فقد يحبس بصدرها .بل تمنى إن كان هذا الفستان الذى تضمه لصدرها .

تمنى أن يكون اى شئ ، عدا كونه سويلم الذى سيذبح قلبه وقلبها بعد لحظة واحدة.

لم يعبأ بنظرات المحيطين ولا بأنفاسه الثائرة ولا بقلبه الذى بلغ من الجنون مبلغه .

هو لا يهتم فى تلك اللحظة سوى بها ..هى فقط .

ارتجفت يداه ودون أن يحيد بناظريه عنها تحدث لأبيها : يا عمى انى چاى النهاردة احلكم من وعدى . انى ماجدرش اتچوز بسمة .

زاد تجهم الوجوه وصاح مهران : انت بتخربط بتجول ايه يا ولد ؟ فاكر روحك مين  .الحج مش عليك الحج علينا اللى رضينا ندى بتنا لعيل ماخابرش هو رايد ايه .

أسرعت روان تهدأ غضب مهران : اصبر بس يا مهران .

أشاح بوجهه بينما قالت ليليان : انت بتقول ايه يا سويلم ؟ شوفت ايه من بنتى علشان تعمل فيها كده ؟ 

صرخ طايع بغضب : ليليان اسكتى ..

وقف سويلم دون أن تخفى إرتجافته ، مد كفه بالاوراق لتلتقطها منه وتبدأ في مطالعتها لينضم لها خالد بينما يقول سويلم بحزن : شوفت منها كل الخير يا عمة ..زينة البنتة ..وست البنتة ..ست الناس كلاتها لأچل إكده انى مانفعهاش ولا هى تنفعنى . 

رفع كفه المرتجف ليخرج محبسه من بنصره ويشهق وكأننا أخرج روحه معه .وضعه فوق الطاولة لتفر دمعات من عينه لم يهتم بأمرها وهو ينظر لها نظرة أخيرة قبل أن يفر ويلحق به خالد .

كانت لاتزال بمكانها فستانها بين ذراعيها والأوراق بين أناملها وعينى ابيها معلقة بها وهى تنظر للفراغ الذى خلفه رحيله لينتفض طايع صارخا بإسمها وقد تلقاها إياد بين ذراعيه وسقط معها أرضا .

تراجعت نسمة خطوات للخلف وقبل أن تعدو هاربة كان مهران يحيطها بذراعيه : ماتخافيش هتبجى زينة .

لتتمتم بهسيتريا : عمى ..بسمة ..عمى ..

كانت تشير لجسد بسمة الذى حمله طايع بين ذراعيه متجها لغرفتها لتسرع ليليان نحو إياد الذى سيطرت عليه الصدمة وخضر يجثو أرضا بجواره لتلتقط روان ابنها الخائف وتضم ليليان ابنها المذعور الذى يهذى : ما ..ماما ..بسسس .بسسسمة .

لتدرك فورا أنه يمر بنوبة ذعر فتخفى وجهه بصدرها : ماتخافش يا حبيبي بسمة كويسة ..بسمة كويسة ...


تمت وفي انتظار الجزء الرابع 






تعليقات

التنقل السريع