رواية محسنين الغرام الفصل السابع 7بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام الفصل السابع 7بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
ـ ٧ ـ ~ بقايا إنسان لقي حتفه على يد الشيطان ~
ـــــــــــــــــــــــ
ـ فريد أنا عملت حادثة وخبطت واحدة بالعربية!
توقف فريد عن الحركة فورًا، وهتف بصدمة يحاول التحقق مما سمعه:
ـ إيه؟؟ طيب حالتها إيه؟
أجابه عمر وهو يرتجف خوفَا :
ـ مش عارف ، بس واضح إنها مش كويسة.. مش عارف ماتت ولا عايشة ! أنا خايف .
كان فريد يتحدث وهو بصدد الخروج من قاعة الرياضة، متوجهًا نحو غرفته، ثم إلى الخزانة، وانتزع قميصا ارتداه على عجالة، وهو يقول:
ـ طيب طلبت الإسعاف؟ الأول شوفها بتتنفس ولا قاطعة النفس؟
اقترب عمر من نغم المسچية أرضًا فاقدةً للوعي، وحاول تفقد أنفاسها ولكنه قال بانهيار:
ـ مش عارف يا فريد.. بس متهيألي إنها عايشة لسه.
ـ طيب حاول تهدى وابعتلي اللوكيشن فورا وأنا هبعتلك الإسعاف ، أهم حاجة متحاولش تيجي جنبها ولا تحركها من مكانها.
ـ حاضر، بس بالله عليك بسرعة أنا مش ملموم على أعصابي ومش قادر أقف.
وأنهى الاتصال ثم قام بإرسال موقعه إلى أخيه الذي تحرك صوبه على الفور.
وقف عمر يتأملها مشدوهًا، هل كان ينقصه ما جرى؟ ومن أين ظهرت فجأة ذات الرداء الأزرق ؟ وإلى أي مدى وصلت إصابتها ؟
رأى هاتفه يرن باسم والدته مرات عديدة، ولكنه تجاهلها، وأخذ يعد الدقائق والثواني عدًا في انتظار شقيقه.
بعد دقائق استمع إلى صوت سيارة الإسعاف يعقبه صوت سيارة الشرطة، فوقف متأهبًا والقلق يدب في أوصاله ويجمد الدماء في عروقه… ماذا تفعل سيارة الشرطة هنا ؟؟ ألم يخبره شقيقه ألا يقلق وأنه سيقوم بإرسال سيارة إسعاف لكي تنقل المصابة إلى المستشفى ؟
استل هاتفه من جيبه فورًا وعاد يتصل بفريد ولكنه لم يجب، فأخفض الهاتف عن أذنه وهو ينظر إلى السيارة التي توقفت أمامه مباشرةً، وترجل منها مسعفَيْن قاما بحمل نغم ووضعاها على السرير النقال بعناية، ثم حملاها إلى داخل السيارة.
وقف عمر ينقل عينيه بين سيارة الإسعاف حيث توجد الفتاة وبين رجال الشرطة والذين يقومون بفحص ومعاينة المكان، ثم إلى الرجلين الذين يتقدمان نحوه ويخبرانه أنه سيتم التحفظ عليه لحين التحقيق معاه،. وأخيرا إلى سيارة فريد التي ظهرت في الأرجاء وجعلت قلبه يطمئن نسبيا...
ترجل فريد من سيارته وهو يضع قناعه الطبي، نظرًا لضرورة تواجده في مكان وقوع حادث لا يعرف ملابساته، ولا يعرف ما هي الأضرار الصحية الناجمة عن تواجده في مكان كهذا.
ركض نحو فريد الذي يقف بجوار سيارته مذعورا ويقول بصوت مهتز:
ـ فريد.. الحقني دول هيقبضوا عليا.
وقف فريد أمامه عاجزا عن ضمه، وترك مسافته الآمنة بينهما بدون وعي، وأخذ يخبره محاولا تهدئته:
ـ متقلقش يا عمر أنا معاك ومش هسيبك..
ـ مش هتسيبني إيه بقوللك هيقبضوا عليا، انت هتسيبهم يقبضوا عليا؟
هنا برز صوت الضابط الذي كان يأتي من خلفهما وهو ينزع سيجارته من فمه ويلقيها أرضًا قبل أن يقوم بسحقها بقدمة وهو يقول بنبرة متهكمة:
ـ وهو في إيديه إيه يعملهولك؟ اللي انت دهستها بعربيتك دي بني آدمة مش قطة.. ولو ماتت اعرف انك هتتحبس مدة متقلش عن سنة..
وتابع وهو ينقل بصره بين عمر وفريد بابتسامة متهكمة:
ـ أما بقا لو ثبت إنك متعاطي حاجة كده ولا كده دي فيها كلام تاني..
اتسعت عينا عمر بخوف وأخذ يهز رأسه بنفي شديد:
ـ لأ.. لا والله مش متعاطي حاجة.. أقسم بالله هي اللي ظهرت قدامي فجأة وملحقتش أتفاداها..
ـ هنشوف..
ألقاها الضابط باقتضاب وتحرك، ثم أشار لمعاونيه ناحية اليسار حيث تصطف سيارة الشرطة فسحبا عمر نحوها وهو يتطلع للوراء متعلقا بعيني أخيه وهو يقول:
ـ فريد اعمل حاجه.. كلم بابا خليه يتصرف، متسيبنيش يا فريد.
وقف فريد يطالعه بقلة حيلة، ينقل ناظريه بين سيارتي الشرطة والإسعاف اللتان سارتا كلاً في طريقها إلى وجهتها.. وقبض على خصلاته بتوتر وهو يفكر في تصرف سريع وما لبث أن قام بالاتصال بوالده باستسلام…
ــــــــــــــــــــــ
كان سالم يجلس متمددا فوق فراشه، يسند ذراعه خلف رأسه وباليد الأخرى ممسكًا بمسبحته الخاصة يسبح بها..
ونادية تجلس فوق الأريكة المقابلة للفراش، تطالعه بصمت وعيناها مشتعلتان متقدتان بالغضب ما انفك يتفاقم وهي تراه يسبح بمسبحته بهدوء وكأنه لم يقم قيامة البيت بأكمله منذ قليل!!
ـ سالم !
قالتها بصوتٍ ممشوق فنظر إليها نظرة راسية بطرف عينيه وهز رأسه بهدوء فقالت وهي تحاول التحلي بالهدوء كالعادة:
ـ بقالي ساعة قاعدة قدامك مستنياك تنتبهلي عشان نتكلم..
ـ أيوة معاكي..
زفرت باستياء مكتوم وقالت:
ـ معايا إيه بس، إنت في ملكوت تاني مش سامعني ولا انت هنا أصلا.
ـ جربي تتكلمي وشوفيني هسمعك ولا لأ..
تنهدت مجددا وهي تريح ظهرها بالمقعد ثم قالت بهدوء:
ـ لو سمحت اتصل بعمر شوفه فين.
رمقها بنظرة جانبية مع رفعة حاجب تقول الكثير فنطقت بانفعال مقيد:
ـ متبصليش كده لو سمحت.. الولد حالته مش كويسة أبدا وإنت جيت عليه جدا وعلى فريد كمان، وانت عارف هو متحيز لفريد إزاي.
ـ الولد؟
كان هذا ما أثار انتباهه وسخطه، ولم يهتم من بين ما قالته سوى بهذه الكلمة فقال:
ـ أهي طريقتك دي اللي مبوظاه ومحسساه إنه لسه ولد فعلا.. إبنك المفروض إنه راجل يا نادية هانم.. لكن بدلعك ليه خليتيه ميسواش نكلة في سوق الرجالة.. ولا الحريم حتى!
واستطرد وهو يعتدل بمجلسه مائلا نحوها بتحفز:
ـ طبعا مهو عموره حبيب ماما اللي بتلم وراه بلاويه وتداري عليه وكأنه بنت خايفة عليها من الفضيحة .. زي ما خبيتي عليا فضيحته مع البت إياها.. وعرفت بالصدفة من التليفون.
أجابته بانفعال :
ـ لأني حاولت أتصرف من غير ما أضطر أبلغك.. وفعليا كلمت شريف وبلغته وهو اللي قدر يمسح الفيديو من على كل المواقع.. عشان كده كنت شايفه إن مفيش ضرورة إني أبلغك.
ـ آه تقومي تسيبيني نايم في العسل مش عارف إيه اللي بيدور حواليا بحجة إنك هتتصرفي، ليه هو كان ابنك لوحدك ولا إيه؟
ألقى الأخيرة بانفعال وصوت جهور، فتنهدت هي باستياء وهي تغلق جفنيها، تشعر كما لو أن الدم انسحب من جسدها كله واندفع بغتةً نحو رأسها، وهتفت به بنبرة حادة:
ـ لو سمحت .. لو سمحت بلاش الأسلوب ده معايا وبالذات دلوقتي لأني فعلا مستاءة من طريقتك دي..
ورمقته بعينين ضيقتين بتحذير وقالت:
ـ وافتكر إني مش عيل من عيالك هتكلمني بالطريقة دي وهسكت.
زم شفتيه بصمت ساد الأرجاء ثم نظر إليها مجددا وقال:
ـ قوليلهم يعملوا لي شاي.
حملقت به بغير تصديق، أحقًا يطلب الشاي وهما يتجاذبان أطراف موضوع مهم كهذا!!
أخذت تهز رأسها بغير تصديق وهي تطالعه بجنون وتقول:
ـ مش ممكن.. إنت كل ما بتكبر العِشرة بتستحيل معاك يا سالم، إنت بقيت بتضغط عليا بطريقة مش ممكنة بسبب برودك وتسلطك اللي بيزيد كل ما تكبر في السن. أرجوك إرحمني .
وقف سالم أمامها فأرغمها على رفع نظرها نحوه تطالعه، بينما هو يقف أمامها معلنًا الهيمنة الكاملة وقال:
ـ نادية.. متشغليش بالك بعمر، الواد ده لازمه رباية من أول وجديد.. لازم يبقى راجل بصحيح.. أنا مش هعيش لهم قد ما عِشت، عشان كده لازم أسيب ورايا رجالة.
واستدار ليغادر الغرفة فهتفت به بقوة:
ـ مستحيل.
توقف وهو لازال يوليها ظهره ويستمع إليها وهي تتابع بنبرة محتقنة:
ـ أسلوبك ده ميعملش منهم رجالة أبدا.. إنت موهوم!
احتدت ملامحه بانزعاج، وهربت من فمه تنهيدة واستدار يواجهها. على ما يبدو أنه يوم التمرد العالمي! فالجميع واحدا تلو الآخر يعلنون تمردهم وعصيانهم بمنتهى الصفاقة دون الأخذ في الاعتبار أنه سالم مرسال.. الرجل الذي لا يُعارَض ولا يُجادَل.. ولا يُناقَش من الأساس.
بينما وقفت نادية في مقابله، بقامتها الفارعة تواجه قوته بقوة، وتحديه بتحدي، وترفض هيمنته التي ظن أنه حبس الجميع داخلها. وتابعت ما كانت تقول بمنتهى الحزم:
ـ بتوهم نفسك إنك الكل في الكل وإنك بتأمر تطاع، بس دي مش الحقيقة صدقني، الحقيقة إنهم هما كمان بيوهموك بكده. وفي النهاية كل واحد منهم بيعمل اللي هو عايزُه. استحالة الفجوة اللي بينك وبينهم دي هتتسد طول ما انت شايف إنك سالم مرسال بجلالة قدره وهما مجرد فريد وعمر .. اللي عايشين باسمك زي ما قلت. إنت غلطان .
ابتسم ابتسامة ساخرة مستاءة وهو يقول:
ـ عشان كده ابنك عمل عملته المنيلة، لأنه لاقي اللي بتدافع عنه وتبرر له.. أنا لو سبتهولك تربيه على كيفك هيطلع عيل خرع، طري.. معندوش إحساس بالمسؤولية وكل غلطة بيغلطها لها ألف مبرر.
وأشار بسبابته قائلا:
ـ خلاصة القول يا نادية.. ابني وأنا حر فيه.. أربيه زي ما أنا شايف إنه صح، هربيه زي ما اتربيت إن كلمة أبوه سيف على رقبته، يكون راجل ويستحمل نتيجة أفعاله ويكون قد كلمته ويواجه أخطاؤه..
وتابع بملامح ممتعضة ساخرة:
ـ مش كل ما أقوله بم يقولي هسيب البيت وأمشي زي فريد!! ياخي مع ألف سلامة هو هيهددني ولا إيه.
وصاح بمنتهى الديكتاتورية والتسلط وهو يشير بسبابته بزهو وثقة:
ـ اللي عايز يعيش في البيت ده لازم يعرف إن مفيش هنا كلمة فوق كلمتي، وإذا مكانش يعيش في بيتي باحترامه يبقى مع السلامه الباب يفوت مِية جمل.
وخرج من الغرفة تاركًا إياها في حالة ذهول.. ليس من أسلوبه، لا فهي تعرفه منذ خمسة وعشرين عاما.. ولكن من تجبره الذي أصبح لا حدود له، وأخذت تغمغم وهي تنظر في أثره بريبة:
ـ إنسان مستبد !!
خرج سالم من الغرفة متوجهًا نحو حديقة الفيلا ولكنه تلقى اتصالا من فريد جعله يقف حائرا وهو يفكر… بما أنه يتصل إذا فهناك أمرًا ضروريا.. فأجاب المكالمة على الفور بصمت فإذ به يصله صوت فريد وهو يقول بتوتر:
ـ عمر خبط بنت بعربيته وخدوه عالقسم.. وطلب مني أبلغك تكون جنبه .
ليصيح به والده في حدة؟
ــ والبنت ماتت؟
زفر فريد باستياء وقال:
ـ غالبا عايشة لسه، الإسعاف نقلوها على المستشفى وأنا هتابع حالتها بنفسي بس الأول هبلغ أستاذ نادر وأخده ونروح لعمر.
شعر سالم بالدماء تندفع فجأة نحو رأسه بغضب، وأغلق عينيه مع شعور بالتهديد يخترق رأسه، ثم تمهل وهو يحاول أن يكون هادئا لأبعد حد وقال:
ـ طيب، أنا هتصرف.. وبلغني هيحصل معاكم إيه أول بأول.
وأنهى الاتصال فجأة، واستدار متجهًا نحو غرفته ليرى نادية تجلس أمام طاولة زينتها، تضع بعضا من كريمات قبل النوم ليقف خلفها وهو ينظر إلى وجهها في المرآة ويقول بسخط:
ـ اتفضلي يا نادية هانم يا صواف.. فضيحة جديدة من فضايح إبنك عمر.. خبط بنت بعربيته وشدوه عالقسم يحققوا معاه. والله أعلم الجاي فيه إيه!
طالعت انعكاس صورته أمامها بفزع، ونهضت لتتقدم منه بقلق بالغ وقالت:
ـ وعمر كويس؟ جراله حاجه؟؟
هدر بها بانفعال قائلا بنبرة يملؤها التهكم :
ـ لا متقلقيش خالص عمر بيه كويس.. إدعي إن البنت هي اللي تبقا كويسة و تقوم منها وإلا يبقا روحنا كلنا في داهية.
وتوجه نحو مكتبه يجري اتصالاته ليرى ما يمكنه فعله وتركها تحدق في أثره بريبة وهي تشعر بقدميها ترتجفان من فرط القلق، فجلست على طرف فراشها وهي تشعر بالرجفة تسري في كامل جسدها..
لحظات واستمعت إلى طرقات على باب الغرفة ثم دخلت چيلان التي يبدو عليها آثار النعاس وهي تقول :
ـ في إيه يا مامي أنكل سالم منفعل ليه كده، وبعدين أنا سمعاه بيتكلم على عمر، ماله عمر؟
ألقت نادية وهي تثبت مقلتيها نحو نقطة وهمية:
ـ عمر عمل حادثة وخبط بنت بالعربية وخدوه على القسم.
ـ معقول!! والبنت حالتها إيه؟
ـ مش عارفه يا چيلان.. أنا مابقتش عارفة ولا فاهمة حاجة.. أنا خلاص بفكر أخدكم ونرجع دبي.
قطبت چيلان حاجبيها بتعجب وقالت:
ـ دبي ؟ ليه؟
ـ من غير ليه.. أنا خلاص مبقاش عندي طاقة أستحمل، أول ما تتحل مشكلة عمر هنرجع كلنا دبي مع چوليا.
صمتت چيلان لدقائق ثم قالت بحزم وحدة:
ـ بس أنا مش هرجع معاكم، أنا هفضل هنا.
ضيقت نادية عينيها ناظرة إليها، وزادت حدة نظراتها وهي تتساءل بالرغم من معرفتها الإجابة، ولكنها ترغب في مواجهتها بحقيقتها:
،ـ ليه؟
ابتلعت الأخرى ريقها، وتسارعت أنفاسها، بينما كل كلمة تكلفها مجهودًا كبيرًا في نطقها:
ـ حضرتك عارفة السبب.
ـ فريد مش كده؟
رفرفت چيلان بأهدابها بتوتر، وحاولت تنظيم أنفاسها دون جدوى، وهمست بصوتٍ ضعيف؛
ـ أيوة.
ـ فريد عمره ما هيبص لك ولا هيشوفك!
ألقتها بحدة جعلت چيلان تنظر إليها بعينين زرقاوتين مستنكرتين، وكأن ما قالته والدتها كان بمثابة صفعة قوية على جدار قلبها، وأخفضت كتفيها فيما يشبه الهزيمة، ثم طأطأت رأسها وأقرت:
ـ عارفة.
وصمتت للحظات، ثم نظرت إلى أمها بلوم صارخ واتهام مستتر وقالت:
ـ لأني بنتك.
حافظت نادية على نظرتها، ثباتها، هدوئها المزعوم. وازنت كلماتها ثم تساءلت ببطء:
ـ قصدك إيه؟
ـ قصدي إن الحاجز النفسي اللي بين فريد وبينك مستحيل يسمحله يشوفني أو يفكر فيا، انتِ وأنا وچوليا هنفضل بالنسبة لفريد السبب في موت مامته..
ـ اسكتي يا چيلان من فضلك..
هبطت دموع چيلان وقد تساقطت تلك الذكريات دفعةً واحدةً فوق رأسها لتشعل عقلها شبه المستفيق وقالت:
ـ ليه بتطلبي مني أسكت وأنا بواجهك بالحقيقة؟ ليه بتدي لنفسك الحق ده وتسلبيه مني؟ مش هي دي الحقيقة؟ إن وجودنا هنا هو السبب في موتها؟ لما أنكل سالم اتجوزك وقرر يجيبنا هنا ويواجه مامت فريد بجوازه منك.. ويومها هي مستحملتش الصدمة ورمت نفسها من شباك أوضتها..
ـ چيلان اسكتي…
ـ فريد عمره ما هيعرف يتخطى الموقف ده أبدا.. هيفضل طول عمره بيكرهك حتى لو مضطر يعاملك كويس، وحتى لو بيعاملني أنا وچيلان بلطف.. بس من جواه في حاجز نحيتنا هو محبوس وراه.. إستحاله هيقدر يتخطاه مهما حصل .. عرفتي ليه بقا عمره ما هيحبني؟ لأني بنتك.
وتابعت وهي تجاهد لكي يخرج صوتها ثابتًا:
ـ عشان كده بليز بطلي تواجهيني بحقيقة إنه عمره ما هيحبني، لأني وقتها هكون مضطرة أواجهك بحقيقة إنك السبب.
وغادرت إلى غرفتها بانفعال والدموع تغشى عينيها، بينما تركت أمها تستحضر تلك الليلة اللعينة ، نعم هي تعرف أن ابنتها محقة، وعلى ما يبدو أن شعورها بالذنب طيلة السنوات الماضية تجاه ما حدث لم يكن كافيًا لكي تتحرر منه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت عائشة قد غفت من شدة التعب، بعد وصلة بكاء دامت لأكثر من ساعتين، وهي تضم إحدى منامات نغم إليها وتشم رائحتها وتستأنس بها.. وإذ بها تصارع منامًا أسودًا، جعلها تشعر بالاختناق وكأنها تصارع الموت. حيث رأت نفسها مسچيةً فوق سرير حديدي، ويداها مقيدتان بجانبي السرير، وعلى جانبيها يقف عدة رجال يرتدون ملابسَ سوداء وكلاً منهم بيده آلة حادة يصوبها نحوها والشرر يتطاير من عيونهم ، فصرخت بكل ما أوتيت من قوة لينهالوا عليها جميعهم بآلاتهم الحادة ويترك كلا منهم جرحًا عميقًا في أنحاء جسدها المتفرقة.
فتحت عينيها فجأة وهي تلهث بفزع، وقلبها يطرق بعنف وكأنه سيتوقف حالا.. ثم مسحت على وجهها وشعرها وهي تغطي وجهها بيديها وتشكر الله لأنه لم يكن سوى كابوسًا ومضى.
ولكن انقباضة قلبها تلك أخبرتها أنه لم يمضِ، وأنه ليس كابوسًا، ربما يكون واقعًا تعيشه ابنتها التي لا تعرف سبيلا للوصول إليها منذ أيام. وعند هذا الخاطر وجدت دموعها تنهمر وهي تقبض على تلك المنامة بيديها وتقول بلوعة:
ـ رُحتي فين بس يا نغم وسبتيني!
استمعت لصوت الباب فعلمت أن ابنها قد عاد، نادتهُ فدخل إلى غرفتها متجهمًا، وملامحه المنقبضة تفصح عما يشعر به، ثم نطق متسائلا بضيق:
ـ مين اللي دل نغم على شغلانة الكوافير دي؟
قطبت حاجبيها باستغراب وهي تجيب:
ـ نيهال، بس بتسأل ليه؟
هز رأسه باستياء وقد صدق حدسه، فلقد توقع أن تكون هي نيهال هي من ألقت بها في هذا المكان العجيب، ثم نظر إلى أمه التي تبدو متعبة بشدة وقال:
ـ أصلي رُحت وسألت عليها هناك، قلت جايز أوصل لحاجة، واستغربت لما شفت الناس هناك لا هما شبهنا ولا إحنا شبهم، مش عارف نغم كانت شغالة معاهم إزاي!
ثم أخذ يغمغم بغضب وعجز:
ـ دلوقتي مبقيتش أستغرب اللي هي عملته، واضح إن التلت سنين اللي غبت فيهم نغم بقت واحدة تانية غير نغم اللي أنا مربيها على إيديا، اختلاطها بالناس دي وشغلها في مكان زي ده وصحوبيتها لنيهال خلوها واحدة تانية، عملوا لها غسيل مخ.
نظرت إليه وطالعته مليًا باتهام غير ملفوظ، ثم قالت بنبرة قاسية:
ـ لو نغم مرجعتش مش هسامحك أبدا يا حسن.
زم حسن شفتيه وهو يرمقها بصمت، ثم زفر وهو يغادر غرفتها متجهًا إلى غرفته، وتركها تبكي وشعورًا بالضياع يغزو قلبها وراحت تتمتم:
ـ يا رب.. إحميلي بنتي.. يارب رجعها لحضني أنا مش حِمل إني أخسر تاني.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كان فريد ينتظر بسيارته أمام قسم الشرطة ، لم يستطع الدخول إلى ذلك الوسط المليء بالبشر حيث كل واحدٍ منهم يشكل بمفرده بيئة خصبة مملوءة بالجراثيم.
وأخذ يفكر.. كيف سيكون مصير عمر لو لاقدر الله توفت الفتاة؟ وكيف سيتصرف والده في هذا الأمر، حسنا هو يعرف أن والده يملك معارفًا كثيرة ولكنه يظن أنه لن يغامر باسمه وهيلمانه ويطلب من أحدهم مساعدة أو تدخل في موقف غير مشرف بالمرة كهذا.
وبينما هو غارقٌ في أفكاره انتبه عند اقتراب المحامي منه، والذي طرق بإصبعه على زجاج النافذة ففتح له فريد باب السيارة ودعاه للداخل وهو يقول:
ـ ها يا أستاذ نادر عملتوا إيه؟
تنهد المحامي ثم قال بأسف:
ـ خد حبس أربع أيام لحين ورود التحريات.
زم الآخر شفتيه وأفرج عن تنهيدة كانت محتبسة داخل صدره بأسى، ثم نظر إليه نظرةً جانبية يملؤها الضيق وهو يقول:
ـ طيب في إيدينا إيه نعمله دلوقتي ؟
لينظر إليه المحامي ويجيبه بابتسامة واثقة:
ـ ندعي للبنت تقوم منها.. لأنها لو ماتت الموضوع هيتعقد جداا.
تنهد فريد وهو يومئ مؤكدا على ما قاله المحامي ثم تنهد وقال:
ـ ربنا يعديها على خير. على العموم أنا هروح دلوقتي المستشفى أطمن بنفسي. وحضرتك لو حصل معاك أي جديد بلغني.
هز نادر رأسه موافقا، ثم قال؛
ـ طبعا يا فريد بيه، إن شاء الله خير.. عن إذنك.
وخرج من السيارة فأسرع فريد يلتقط زجاجة الكحول ويرش منها على يديه والمقعد حيث كان يجلس المحامي ، وعلى زجاج النافذة حيث طرق الرجل بإصبعه ، ثم تحرك منطلقًا نحو المشفى لكي يتابع حالة تعيسة الحظ التي صدمها أخيه بسيارته، ويقف فوق رأسها يدعو لها بالنجاة لكي لا يكون السجن مصيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وصل فريد المشفى، صف سيارته وأخرج قناعًا طبيًا وقفازَا طبيًا، ارتداهما وترجل من السيارة متجهًا نحو الداخل، قصد قسم الاستعلامات وسأل عن المصابة التي وصلت قبل ساعة تقريبا فأخبرته أنها بغرفة العمليات بالطابق الثاني .
صعد حيث الطابق الثاني ووقف منتظرًا أمام غرفة العمليات لخمس دقائق تقريبا حتى انفرج الباب.. وظهر بعدها بعضا من طاقم التمريض وهم يسحبون سريرا طبيا للخارج، فنظر فوقه حيث تستلقي فتاة ضئيلة الحجم، لم يستطع التحقق من ملامحها نظرا لتلك الرقبة الطبية التي كانت مثبتة بعنقها، وتلك الكدمات التي غطت وجهها تمامًا، والضمادة الطبية فوق رأسها، فجعلت التعرف عليها أمرًا مستحيلا.
انقبض قلبه بأسف وهو يراقب تلك الصغيرة التي لا ذنب لها سوى أنها ظهرت في طريق شقيقه الأرعن، وشعر حيالها بالشفقة وهو يراها تتجه نحو غرفة العناية المركزة ليتفاجأ بعدها بصديقه الدكتور يوسف البيهي وهو يغادر غرفة العمليات.
والذي يعرفه معرفة شخصية بعد أن تقابلا في فندق في فرنسا قبل سنة حيث كان الطبيب ذاهبا لحضور مؤتمرًا طبيًا هناك ، وكان ينزل في نفس الفندق الموجود به فريد، وكان الطبيب قد تعرض للسرقة وفريد هو من ساعده في استرجاع أغراضه بالكامل.
تفاجأ الدكتور يوسف بوجوده وابتسم وهو يدنو منه ويمد يده إليه بعد أن خلع قفازاته الطبية ليصافحه، ولولا أن فريد قد اتخذ احتياطاته الاحترازية جميعها قبل الدخول لهذا المكان لكان اضطر لقطع يده التي ستصافح الطبيب حالا..
ـ معقول فريد بيه.. إيه الصدف دي؟
رمقه فريد بود وابتسم وقال:
ـ إزيك يا دكتور يوسف.
ـ أنا بخير، حضرتك جاي ليه؟ كله على ما يرام ولا في مشكلة؟
تنهد فريد مردفًا باستياء وقد تعلقت عيناه بالغرفة التي دخلت إليها الفتاة وقال:
ـ البنت اللي خرجت من العمليات حالا.. للأسف أخويا اللي خبطها بعربيته.
رفع الطبيب حاجبيه بغرابة، مع زمة شفاه متأسفة وقال:
ـ معقول!
أومأ فريد بأسف وتنهد ثم قال؛
ـ ممكن أعرف حالتها مستقرة ولا لأ.
وضع الطبيب يديه بجيبي قميصه وهو يردف بعملية:
ـ إحنا الحمد لله قدرنا نسيطر على النزيف اللي كان موجود، ودلوقتي هننقلها على العناية المركزة والكام ساعة الجايين هما اللي هيحددوا مدى استقرار الحالة.
أومأ فريد بعد أن أطلق تنهيدة محبطة ثم قال:
ـ شكرا لحضرتك يا دكتور..
ـ تحت أمرك يا فريد بيه، لو احتجت أي حاجه اطلبني بس وأنا في الخدمة.
شكره فريد وانصرف الطبيب ، وهم هو كذلك بالانصراف ولكن شيئا ما استوقفه.. تلك الممرضة التي غادرت غرفة العمليات وتحمل بيدها كيسًا بلاستيكيًا به شيئا ما لفت انتباهه. فاقترب منها على الفور وأشار للكيس بيدها باهتمام وهو يقول:
ـ إذا سمحتي.. إيه اللي في إيديكي ده؟
طالعته الممرضة باستغراب وقالت:
ـ دي الهدوم اللي كانت لبساها المصابة.
أصابه الارتباك للحظات وهو يلتقط ذلك الشعر المستعار بلونه الأصفر من الكيس بأطراف أصابعه ويقول:
ـ الباروكة دي كانت لابساها بردو؟
أومأت وهي تتفحص التعجب البادي على وجهه ، ثم التقط ذلك الثوب بتقزز ويقول:
ـ والفستان ده بردو فستانها؟
ـ أيوة حضرتك، هو إنت تعرفها؟
نظر إليها بعد شرود لم يطل، ثم قال:
ـ لأ.. أقصد أيوة.. يعني معرفة سطحية.
وتركها وابتعد فورا، ثم قام بفتح هاتفه ليراجع تلك المقاطع المرئية التي أرسلها إليه أيمن عن طريق تفريغ الكاميرات، حيث ظهرت بها نغم وهي تترجل من السيارة.. إنها هي !! هذا الثوب لها ! وتلك الباروكة الشقراء اللعينة لها كذلك ! إنها هي وليست سواها !
ـ مش ممكن! معقول هي نفس البنت بتاعة الحفلة؟!!
قالها فريد وهو يحدق بباب غرفة العناية المركزة بغير تصديق ، هل يعقل أن تقع في طريقه وهو الذي كان مستعدا قبل ساعات لدفع الملايين ليعثر عليها ؟!! إنه إنصاف القدر .
أومأ يؤكد ذلك الهاتف برأسه، نعم.. إنه إنصاف القدر.. فبعد أن تسببت له في فضيحة مدوية وتسببت في طرده من بيته والعائلة، ها هي تلقى جزاءها بدون سعي أو أدنى مجهود منه.
جذبه من حالة التيه التي كانت تغمره اتصالا من والده فأجابه بهدوء:
ـ نعم؟
ـ إنت فين دلوقتي ؟
ـ في المستشفى.
ـ والبنت حالتها إيه؟
ـ في العناية المركزة لسه مفيش أخبار أكيدة إذا كانت كويسة أو لأ.
صمت والده للحظات ثم قال:
ـ نادر بلغني إن أخوك هيتحبس أربع أيام..
ـ مظبوط.
فألقى بحدة وغضبٍ هادر:
ـ أنا مش عارف هلاحق على إيه ولا إيه، كل يوم بلوة جديدة.. كل يوم إيه ده كل ساعة، إنتوا لو ناويين على موتي مش هتعملوا كده .
لم ينطق فريد وآثر الصمت تمامًا حتى قال سالم بحدة خافتة:
ـ خليك جنب البنت لحد ما تفوق، لازم تقنعها بأي طريقة تتنازل عشان البيه يتهبب يخرج، لو طلبت فلوس اديها اللي هي عايزاه المهم نخلص.
أطلق فريد سراح ضحكة متهكمة ثم قال بنبرة مراوغة:
ـ متقلقش مش هتحرك من جنبها حتى لو قعدت سنه.
ـ تمام. وبلغني بالأخبار أول بأول.
وأنهى الاتصال فوضع فريد هاتفه بجيبه، ثم استعان بزجاجة الكحول للتخفيف من وطأة توتره والضغط الواقع عليه ، رش منها الكثير على يديه ليلاحظ شيئا هاما.. لقد لاحظ ظهور بقع خفيفة مثيرة للحكة على ظهر كفيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمعن النظر فيها باستغراب !! إنه يلاحظها للمرة الأولى وكأنها قد ظهرت للتو ، لم يلحظها من قبل وبقدر ما حاول تجاهل الأمر إلا أنها شغلت تفكيره وبشدة.
تنهد بضيق، ثم نهض.. عليه أن يذهب للبيت حالا ويأخذ قسطا من الراحة ويسترخي، فما حدث معه اليوم لا يحدث مع أحدٍ غيره في سنوات ولكنه سوء الحظ.
سار بالممر وفجأة توقف أمام الغرفة الموجودة بها المحتالة الصغيرة، وصكّ على أسنانه بتوعد هادئ ثم قال للمرضة التي خرجت من الغرفة للتو:
ـ بعد إذنك خلي بالك منها.. أوي!
شدد على كلمته الأخيرة بقوة وأردف بتحذير :
ـ ممنوع تخرج من هنا بدون علمي.
رمقته الممرضة بنفاذ صبر وقالت باستهجان:
ـ تخرج إزاي يا فندم بحالتها دي؟
وهزت رأسها في استنكار فقال بإيجاز:
ـ تمام.
غادر المشفى، واتخذ سبيله نحو منزله، دخل ومن فوره توجه إلى الحمام ليبدأ رحلته في تطهير وتعقيم نفسه من الجراثيم التي بالتأكيد علقت بجسده بعد أن تواجد في المشفى وسط حالات مختلفة من المرضى.
أنهى حمّامه وخرج وهو يرتدي مئزره، جلس على حافة الفراش وأخذ ينظر لتلك التقرحات على ظهر كفيه والتي آلمته ألمًا طفيفًا عند الاستحمام وخاصةً وقت استخدام سائل الاستحمام الممزوج بنسبة كحول عالية.
ولأنه حريص جدا على ألا يصاب بأي مرض جلدي يغير من شكله، أو يسبب لديه حرجًا في التعامل مع الآخرين ، أو يعيق أيًا من مهامه بأي شكل من الأشكال . قام بالبحث عبر الإنترنت عن أي معلومة مفيدة ريثما يستشير طبيب أمراض جلدية في أقرب فرصة متاحة، قام بتصوير تلك البقعة في يده وقام بالبحث عن الصورة فإذا به تظهر أمامه عدة صور مشابهة تماما وكانت نتائج البحث كالتالي:
" الإفراط في استخدام الكحول قد يتسبب في التهاب الجلد و ظهور بقع طفح جلدي "
أُصيب بالإحباط عندما قرأ تلك الجملة ، وتنهد وهو يغلق الهاتف ويسنده فوق الكومود بجوار سريره في وضع أفقي .. ثم انتبه من شروده وهو ينظر نحو باب الغرفة ويحدث نفسه بشك، هل قام بإعادة ترتيب الحمام بعد أن انتهى من الاستحمام أم أنه تركه يعج بالفوضى ؟
وبالرغم من أن عضلاته قد بدأت في الاسترخاء طلبًا للنوم إلا أنه نهض وعاد إلى الحمام مجددا.. يتفحص كل إنش به ، الأرضيات هل هي نظيفة وجافة أم لا، المرآة لا بد أن تكون لامعة، كل شيء في مكانه، كل شيء في اتجاهه الصحيح.
وبعد أن تأكد أن كل شيء على ما يرام وهم بالخروج التقطت عيناه ـ التي تشبه العدسة المكبرة المستخدَمة في كشف الجراثيم والميكروبات ـ مرذاذ الماء الذي يميل إلى اليسار قليلا، فدخل كابينة الاستحمام وعدله متنهدًا بأسى، ثم عاد إلى سريره، وقام بدهن ملطف للجلد على تلك البقعة بيده وهو ينوي استشارة طبيب مختص في الغد ، ويأمل أن يخبره أن الأمر لا علاقة له بالكحول الذي يثق به أكثر مما يثق بالبشر من حوله، وراح يتمتم بقلة حيلة وهو يتمدد فوق الفراش ويسحب الغِطاء فوقه :
ـ إن شاء الله تكون بسبب أي حاجه تانية ويكون الكحول ملوش ذنب !
وتنهد وهو يثني ذراعه أسفل رأسه، وشرد قليلا يلقي نظرة على أحداث يومه بعقل لا يتوقف عن التفكير القهري ، فوجد أنه يشبه شخصًا خرج حيًا من معركة ضارية .
تنهد وأغمض عيناه يحاول تجاهل كل تلك الخواطر التي تسيطر على تركيزه وتثنيه عن النوم، فإذا به يشعر بغصة تتعلق بحلقه وهو يتخيل حالة عمر الآن!
هل يعقل أنه السبب في ما حدث له ؟ نعم هو السبب بشكل أو بآخر ، فلولا تدخل عمر ودفاعه عنه لما كان والده طرده من المنزل واضطر للمغادرة وهو في تلك الحالة السيئة التي على إثرها كان يقود بسرعة جنونية جعلته يصدم الفتاة بسيارته !
نخر الشيطان برأسه كما ينخر السوس بالخشب وأخذ يصور له أنه المتسبب فيما حدث، وجعله يحيد بفكره عن كون أن الله وحده هو من يسبب الأسباب و يحركها بحكمته.. فاستعاذ من الشيطان ثم أخذ يردد عدة مرات علّه ينصرف:
ـ استغفر الله العظيم.
ولكن دون جدوى، لا يهدأ.. لا ينصرف.. الوساوس لا تتوقف، بل تكبر وتتضخم حتى أوشكت على قتله حيًا. تزيد.. وتتعمق.. وتأخذه حيث يكره.. تجعله ينفر من نفسه، من تفكيره، من الخواطر التي يتطرق إليها دون إرادة منه.. فيقشعر بدنه وهو يشعر بالخزي، يشعر بأنه على وشك الخروج عن إيمانه بالله من فرط الوسوسة والهواجس التي تعيث فسادا برأسه..
ـ بس بقا.. بسسسسس.
قالها وهو يمسك برأسه بكلتا يديه ويضغط على عقله لكيلا ينفجر، ثم فتح درج الكومود مجددا وأخرج تلك الأقراص المنومة وأخذ يطالعها بحسرة. لقد ظن أنه لن يلجأ إليها مجددا ولكن في كل مرة يسوء به الحال يكون مضطرا لتناولها مقهورًا . فابتلع قرصًا ، ثم أخذ يطالع الشريط بيده بضيق، وابتلع قرصا آخرا وأعاد الشريط حيث كان، ثم أطفأ الضوء ودس رأسه بين الوسادتين هربًا من تلك الوساوس التي تندفع أسفل فروة رأسه وخلف عينيه، تضربه بموجات من الحزن وتثير سخطه وتُفقده حواسه، وتتركه بقايا إنسان لقى حتفه على يد الشيطان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق