القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الحادي عشر والثاني عشر بقلم عفاف شريف

 رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الحادي عشر والثاني عشر  بقلم عفاف شريف 




رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الحادي عشر والثاني عشر  بقلم عفاف شريف 


❈-❈-❈

"صراعات الحياة كثيرة، تعيق طريقنا في كل لحظة. توقفنا أمامها، مجبرين على الوقوف. في تلك اللحظة، يكون الخيار بين الاستسلام أو خوض معركة قوية، حرب تستحقها كل عقبة تواجهنا."

❈-❈-❈

انتفض كمن لدغه عقربٌ وهو يراها تناظره بعيون مفتوحة بالكامل، كأنها تفاجأت أيضًا بوجوده.

بادلها النظر بعيون متسعة تشابهها.

كان كل منهما يحاول أن يفهم ماذا يفعل الآخر هنا.

وقف في مكانه متخشبًا، ينظر لها بقرف واشمئزاز، أوقف الكلام في حلقه.

ارتفع صدره بسرعة وهو يتنفس بضيق، يبتعد خطوة تلو الأخرى للخلف.

والأخرى تقف ببطء، كأنها ستنقض عليه فجأة في أي لحظة.

قبل أن يجد صوته ليصيح بصوتٍ عالٍ غاضب، بل غاضب جدًا، مناديًا على المبجلة زوجته: "فريييييدة!"

اتسعت عينا لوزة أكثر، وتوتر جسدها بشدة.

قبل أن تقفز ببطء مختبئة أسفل الأريكة، باحثة عن الأمان بعيدًا عن ذلك الغاضب.


كانت فريدة تضع الطعام الذي أحضره في الأطباق،

قبل أن تنفض إثر صيحته المفاجئة والعالية جدًا،

أوقعت الطبق أرضًا برعب،

وحمدت الله أنه فارغ.

قبل أن تهرع للخارج، تتعثر في اللا شيء،

محاولة اكتشاف ماذا يحدث.

اصطدمت بعمر فجأة لترتد للخلف، محاولة موازنة جسدها من تلك الصدمة،

وهي تراه يلتفت يناظرها بانفعال لم تفهم سببه، وهو يردد بعدم فهم: "إيه اللي كان على الكنبة ده يا هانم؟

إزاي أصلاً دخل هنا؟"

نظرت للأريكة الفارغة،

تناظره بعدم فهم،

قبل أن يصيح، وهو يشير أسفلها على القطة تحديدًا: "إيه ده؟"

نقلت عيناها بينه وبين ما يشير إليه،

قبل أن نحدجه بنظرة مليئة بالاستغراب، كأنه صاحب سبعة رؤوس.

لكنها أجابته ببساطة، كادت أن تصيبه بذبحه صدرية تناسب ما تفعله به: "دي لوزة."

اتسعت عيناه، يريد قذفها بأقرب شيء تطاله يده، عله يرتاح ولو قليلًا، قبل أن يقول بعصبية: "إيه لوزة يعني؟

مش فاهم.

بنت أختي وأنا معرفش.

القط ده بيعمل إيه هنا؟ مش فاهم.

دخل إزاي؟

خرجيه بسرعة، يلا.

إزاي تسمحي لقط أصلاً يدخل الشقة؟"

قاطعته مصححة بسرعة وغضب: "بقولك لوزة،

دي بنوتة.

قط إيه؟"

زم شفتاه، وهو يرد: "قط قطّة، هو أنا هتجوزها؟

بقولك طلعيها فورا

 حالًا يا فريدة.

دقيقة والأقي البتاعه دي بره، فاهمة؟"

كاد أن يتركها ويتحرك، إلا أنها أوقفته قائلة برفض : "تطلع فين؟

لا طبعا.

أنت بتهزر يا عمر؟"

التفت لها، يرد بتأكيد: "هزار؟

إنتي شايفة الموقف في إي دليل علي الهزار؟

القطّة دي تطلع حالًا يا فريدة.

وحسابك معايا بعدين."

طالعته بصدمة، وهي ترد برفض قاطع: "لا طبعا.

لوزة صاحبتي وخلاص، هتعيش معانا.

إزاي تطلب مني طلب زي ده؟

ترضي أقولك أطلع بره؟

أكيد لا.

لوزة هتبقى بنتي وأنا هربيها هي والبيبي بتوعها."

اتسعت عيناه، وهو يحاول إيجاد كلمات مناسبة لكي لا يسبها، وهو يردد: "لوزة إيه؟

وبيبي إيه؟

وتربي مين؟

مفيش قطط هتفضل في البيت ده.

القطّة دي مستحيل تفضل هنا.

وهتخرج حالًا.

ويا أنا يا القطة دي يا فريدة في البيت ده."


ظلت تناظره لعدة ثوانٍ قبل أن تتجه إلى لوزة، تحملها وتضمها إلى صدرها مربّتة عليها، وهي تخبره بقرارها القاطع الذي لا رجعة فيه: "تمام يا عمر،

وأنا مش همشيها أبدًا أبدًا.

ده قراري النهائي.

ويا نفضل أنا ولوزة سوا،

يا نخرج سوا.

اختار."

❈-❈-❈

حرك رأسه غاضبًا حقًا من هذا الحوار.

"إي قطة ومن أين ظهرت أصلاً؟"

كأنه بحاجة للمزيد من القرف ليزين حياته الرائعة.

تبا، تبااا.

ناظرها بغضب لعدة ثواني ، قبل أن يلتفت،

متوجهًا للخارج،

تاركا المنزل بأكمله،

وتاركا إياها تناظر مغادرته بعينٍ متسعة.

❈-❈-❈


تخشبت محلها، تضم لوزة إلى صدرها بقوة

كأنها تحتمي بها مما حدث،

والدموع تملأ عينيها وهي ترى مغادرته من المنزل.

غادر دون أن يعيرها اهتمامًا،

أو حتى أن يخوض نقاشًا معها.

غادر بكل بساطة،

كأنها غير مهمة.

أليس من حقها أن تأتي برفيق يؤنس وحدتها؟

هو بالخارج طوال اليوم،

يتركها تحادث نفسها.

ولا قريب تذهب إليه،

ولا بيت تلجأ إليه.

لا بيت ولا أهل،

هم أصلاً لا يريدونها.

هو وعدها أن يحتضن قلبها،

أن يكون لها كل شيء،

ألا يكون أبداً سببًا في دموعها.

ماذا الآن؟

ماذا تفعل هي؟

هي تكره الوحدة،

وهو يعلم.

ألا يحق لها بعض الرفقة؟

كيف له أن يطلب منها أن تطرد لوزة؟

هي أحبتها،

وتنتظر ولادتها لترعاها هي وصغارها.

انفجرت في بكاء حارق ليس فقط بسببه،

بل لأنها لا تعلم لم تبكي.

تحثها نفسها على البكاء،

أن تبكي وتبكي،

وتخرج خلفه لا تعود أبداً.

تململت لوزة من بين يديها متزمرّة،

منزعجة من صوت بكائها،

لتنزل أرضًا،

مختبئة أسفل الأريكة

من تلك الباكية التي تضمها.

هي تريد الهدوء،

وواضح أن هذا المنزل يفتقر له.

نظرت لها فريدة بقهر، وهي ترى تخليها  عنها هي الأخري،

لتنفجر مرة أخرى في بكاء حارق.


❈-❈-❈

كان يسير يستغفر ربه،

غير قادر على الهدوء بعد.

مسح وجهه بضيق،

يشعر كأنه يغلي من شدة الانفعال.

بحمد الله أنه لم يفعل ما يندم عليه فيما بعد.

كان لوهلة يشعر أنه حقًا سيلقي في وجهها كلمات لا يحمد عواقبها أبدًا،

أو حتى أن يضربها.

أغمض عينيه عند تلك الخاطرة

يضربها؟

فريدة زوجته،

حبيبته وأمانته.

كيف له أن يفكر هكذا؟

لا يعلم من أين أتت تلك الأفكار البشعة برأسه،

لكنها أتت،

ولم يحبها أبدًا.

لكنه لم يتحمل ما حدث.

كان اليوم ينقصها،

تزيد همه فوق ما لديه.

تثير غضبه ثم تقف تتبجح أمامه.

تضعه والقطّة بنفس الكفّة.

كيف لها أن تفعل ذلك؟

هو لا يحب القطط،

يشمئز منها.

نعم هي لا تعلم،

ولم يخبرها يومًا.

لكن هذا ليس بمبرر.

كيف لها أن تأخذ هذا القرار وحدها؟

أتنسي أنه رجل هذا المنزل؟

رجل يجب أن تُراعى مكانته،

ولا يجب أن تأخذ خطوة واحدة دون الرجوع إليه.

تأتي بقطّة،

وترفض أن تطردها أيضًا،

بل وتخبره أنها ستخرج معها.

هزلت.

استغفر ربه مرة أخرى وهو يجلس بأول قهوة تقابله،

مقررًا ولأول مرة منذ زواجه بفريدة،

بأنه لا يريد العودة.

❈-❈-❈

طلب قهوة لتخفف حدّة هذا الصداع المقرف،

ورفع هاتفه يطالع بعض الأعمال المتراكمة عليه،

روفيدا تحاصره حد الغرق.

تراكم الأعمال فوق رأسه دون توقف،

وها هو يغرق في العمل يومًا بعد آخر.

وفي النهاية، بدلًا من أن يجد أجواء منزله هادئة مسالمة،

تجلب له قطّة.

ألا يكفيها أنها لا تصنع له الطعام؟

لا تتعلم ولا تريد، هو يعلم.

تضع الحجج الفارغة،

وهو يدفع دم قلبه.

لقمة دافئة لا توفرها له.

هي امرأة ككل النساء،

يجب أن تهتم به،

كما كانت عمته تهتم بزوجها رحمه الله.

يأتي للمنزل يجد طعامًا ساخنًا وشهيًا،

وليس ما يحدث معه أبدًا.

يومًا بعد آخر،

يشعر بعدم قدرته على التكيف.

غير قادر أبدًا.

تنهد بضيق وهو ينظر للهاتف،

لم تعره اهتمامًا

حتى ولو لمرّة.

أخرجته غاضبًا،

ولم تحاول أن تراضيه حتى.

ألقى الهاتف على الطاولة الصغيرة بغضب،

قبل أن يلتقطه مرة أخرى حينما تعالى رنينه،

مرددًا بنبرة هادئة محاولًا جعلها هكذا:

"مساء الخير يا حبيبتي."

وأكمل معتذرًا:

"معلش، إنتي عارفة الظروف.

حاضر،

حاضر.

بإذن الله في أقرب وقت.

معلش سامحيني.

حاضر يا حبيبتي.

وإنتي من أهل الخير.

سلام عليكم."

وأغلق الخط،

وبداخله،

يشعر بأن الوضع أصبح يزداد سوءًا،

من أسوأ لأسوأ.

❈-❈-❈

لم يتحرّك من تلك القهوة،

حتّى أُغلِقَت في وجهه،

ليعود مُضطرًا.


دلف إلى المنزل يبحث عنها بعينيه،

ولكن الهدوء أخبره أنّها لم تكن في انتظاره.

خيبة أمل أصابته وهو يدلف،

يضع ما بيده على الطاولة الصغيرة.


في طريق عودته، قابله محلّ حلوى جديد،

فجلب لها،

لكنّها لم تكن تنتظره.

مخطئة كانت أم كان هو؟

لم يعد يعلم،

من فيهما المخطئ.

أكان خطأها أم خطأه،

وهو يغفل: من أين أتت هي؟


❈-❈-❈


دخل إلى غرفتهم ليجدها تغطّ في نوم عميق،

وبجانبها تلك "اللوزة"،

تنام مكانه بكل قلّة أدب.

ناظرها بغيظ وهو يراها تتقلّب على فراشه،

بجانب زوجته.


لكن، والغريب،

أنّها لم تكن في جانبه، بل "فريدة"

نامت هي محلّه،

وضعت القطة محلّها،

بشكل أو بآخر، لم تحاول إزعاجه،

بل راعت اشمئزازه،

وأبعدتها عن طرفه من الفراش.


اقترب منها،

وكاد أن يوقظها ليحلا هذا الخلاف،

لكن مظهرها المُتعب،

كان كفيلًا بأن يجعله يتوقّف،

ولا يوقظها،

مُقرّرًا مصالحتها صباح الغد.


وغادر الغرفة،

بعد أن أهداها قبلة.

لم يدرِ أنّها مستيقظة،

لكنّها لا تريد الحديث،

ببساطة،

لا تريده.


❈-❈-❈

صباح يوم جديد،

استيقظت آلاء ولم تحظَ حتّى بكوب قهوة ليفيقها قبل أن تبدأ في دورة طويلة من الأعمال المتتالية ومتطلّبات الصغار التي لا تنتهي،

غير كلمة "ماما" التي تُقال سبعة آلاف مرّة في الدقيقة.


وكالعادة، لم يعد زوجها حتّى الآن.

العمل والمسؤولية،

هما حجته الدائمة.

حجج كثيرة،

والغريب أنّها لم تعد تهتم،

إذا كان هو لا يهتمّ بها.


أيَتوقّع منها أقلَّ ما يقدّمه؟

هي قدّمت أيّام الأسبوع كلها،

ولم يُعطها هو حتّى ساعة واحدة.

هي لم تعد تلك المُعطاءة،

أصبحت النسخة المعدّلة على يده:

النسخة القاسية والهشّة في ذات الوقت.


أصبحت غير ما كانت،

بفضله، أصبحت ترى نفسها خاوية،

غير قادرة على منح الحب،

والمؤلم أكثر: ولا حتّى تقبّله.

حتّى هذا أصبح صعبًا جدًّا.


أفاقت من شرودها على تلك الكرة التي أصابت وجهها،

جعلتها ترتدّ للخلف،

تحاول أن تتمسّك بأوّل ما تطاله يدها،

ولم تتوقّع تلك اليد التي حاوطت خصرها فجأة.

كانت يد رامي، زوجها.


انتفضت في اللحظة نفسها مبتعدةً كمن لُدغ بعقرب،

مُبعدةً كفّه، رافضةً إيّاه،

قبل أن تخلع خُفّها مُلقيةً إيّاه على ابنتها التي ركضت ضاحكةً من أمامها.

تنهدت بضيق، تُمسّد رأسها المتألم،

قبل أن تتابع لملمة الغرفة، وكأنّها لم تره،

وكأنّها لم تكن بين أحضانه منذ عدّة ثوانٍ.


هو لم يُلقِ السلام حتّى.

فكّرت لوهلة أنّه أصبح يظنّ المنزل فندقًا للنوم فقط وبعض الأشياء التي لم تعد تقبل بها.


تحرّكت حاملةً تميم الباكي، وهي تُربّت على ظهره محاولةً إسكاته بشتى الطرق.

الصغير مستيقظ بمزاج عَكِر كمزاجها.

مدّ يده الصغيرة، يحاول الوصول إلى والده الذي لم يعد يراه سوى القليل.

انتظرت أن يأخذه منها، يحتضنه ويقبّله مُشتاقًا،

لكنّه لم يفعل.


ورغم أنّ هذه الأمور الصغيرة تؤلم قلبها على صغارها،

لكنّها لم تهتم.

فدلفت به إلى غرفتها لكي تُطعمه وتُبدّل له ملابسه،

ولم تُلاحظ ذلك الذي أتى خلفها.


طالعها لدقيقة قبل أن يُكمل عملها،

ليقاطعها بنبرة مُستهزئة:

"ده منظر تقابلي بيه جوزك بعد ما يرجع من الشغل تعبان وشقيان؟"


وحينما لم تردّ،

زاد من قسوته وهو يُردّد ساخرًا:

"إيه المنظر ده؟

انتِ تقريبًا ما بتشوفيش الستّات عاملة إزاي،

ولا بتعمل في نفسها إيه؟

في شعرها وجسمها؟"


رفعت رأسها تُقابل حديثه الساخر بنظرة حادّة،

قبل أن تُضيف بسخرية:

"مش كفاية انتَ بتشوف،

هيبقى أنا وانت؟

لأ، عيب يا حبيبي.

لو سمحت، أنا دماغي مصدّعة من العيال،

مش حابّة أتخانق دلوقتي.

لما أبقى رايقة إن شاء الله."


اقترب منها يشدّها من ذراعها لتقف مُجبرة،

تاركًا صغيرها على الفراش، وهو يقول بحدّة:

"إيه البرود اللي انتِ فيه ده؟

من إمتى المعاملة دي؟

إيه، ما بقاش فارق معاكي ولا إيه؟"


أزاحت يده وهي تقول مؤكّدة:

"من زمان،

بس انتَ أعمى القلب والبصيرة.

قبل ما تيجي تطالب بحقوقك،

شوف واجباتك،

واجباتك اللي انتَ ما تعرفش عنها حاجة.

أنا مش جارية يا رامي،

ولو انتَ ما تعرفش قيمتي،

دي مشكلتك،

وخسارتك، صدّقني."


وحملت ابنها وغادرت.

فالخسارة خسارته في كل الأحوال.


❈-❈-❈

            في إحدى الدول الأوروبية


أوقفت سيارتها لترتجل منها، واضعةً الهاتف على أذنها، تتحدث بهدوء مع أحدهم بخصوص أحد الأعمال المقبلة عليها، قبل أن تدلف إلى المنزل.


ويقاطعها ركض الصغيرين نحوها بسرعة. ارتدت للخلف لوهلة قبل أن تبتسم لهما، مبعدةً إياهما عنها وهي تربت على خصلاتهما بحنان سريع، قبل أن تشير للخادمة أن تصحبهما وهي تقول:


"لماذا الأطفال هنا؟ اصعدي بهم إلى الأعلى، لا أريد أن أراهم سوى في غرفهم يدرسون ويستعدون للاختبارات القادمة. لا أريد تقصيرًا أبدًا."


وأشارت للصغار مودّعةً إياهم، قبل أن تسرع إلى غرفتها لتأخذ حمامًا سريعًا استعدادًا لعشاء الليلة.


وفي الأسفل:


وصل أمير هو الآخر، يجري عدة محادثات هامة، ليقابل الخادمة وهي تحمل عنه معطفه وتخبره بهدوء:


"السيدان الصغيران مريم ومراد سألوا عنك كثيرًا، سيدي. يريدان الجلوس معك، هل آتي بهما؟"


هزّ رأسه نافيًا بانشغال، وصعد سريعًا إلى غرفته ليرتاح قليلًا قبل عشاء الليلة.


دخل الغرفة، وألقى بنفسه على الفراش قبل أن يأتيه اتصال من شقيقه تميم. فتح المحادثة سريعًا وهو يقول بشوق حقيقي:


"وحشتني يا ندل! كده متسألش عليا كل ده؟"


رمقه تميم بنظرة ساخطة وهو يرد بقرف:


"والله إنت ما عندك دم. إنت عارف أنا كام مرة أكلم الولاد ومبعرفش أوصلك؟ دايمًا تليفونك يا مشغول يا مغلق، ودائمًا يقولولي مشغول! مش عارف أوصلك خالص، بجد، إيه ده؟ فينك يا ابني؟ إيه كل ده؟ معقول مش فاضي تكلم إخواتك وتطمن على أبوك ولو خمس دقايق؟"


قالها بلوم وحزن من عدم وجوده وسطهم.


فأمير أصبح حقًا مشغولًا جدًا، وأصبح قليل الحديث معهم. أغمض أمير عينيه بإحراج قبل أن يكمل حديثه كأن شيئًا لم يكن. فهو حاليًا ينظر لمستقبله، لا وقت لديه حقًا، لا وقت حتى لأقرب ما لديه، أطفاله الصغار.


أغلق مع تميم بعد محادثة قصيرة اضطر لإنهائها للقيام ببعض الأعمال، قبل أن يقاطعه صوت دق على الباب. تأفف بضيق وهو ينظر للهاتف، وسمح للطارق بالدخول، ليأتيه بعدها صوت حماس صغيريه وهما يلقيان نفسيهما بين أحضانه.


احتضنهما بقوة، مقبلًا صغيرته مريم وأخاها مراد، وهو يسألهما أسئلة سريعة، قبل أن ينشغل بهاتفه مرة أخرى سريعًا.


لتقاطعه مريم، محاولةً جذب انتباهه:


"بابي..."


ربت على رأسها بحنان منشغل، وتدخلت زوجته التي خرجت لتوها من حمامها وهي تقول بجدية:


"بتعملوا إيه هنا؟ مش وراكم درس بيانو تقريبًا كمان شوية؟ يلا بسرعة! وقلنا قبل كده، بابي ومامي مشغولين أوي، أوك؟ يلا!"


ونادت:


"إيميليا!"


أتت الخادمة مسرعةً لتأمرها قائلةً:


"أحضري لي قهوة سريعًا، وخذي الأولاد لغرفهم. هيا!"


أومأت لها الأخرى وهي تردد:


"حاضر، مدام."


وجلست تمشط خصلاتها سريعًا تحت نظرات صغيريها وهما يغادران مجبرين.


ألقى أمير الهاتف متأففًا وهو يقول:


"يارا، عايزين نفضي وقت ننزل مصر أزور بابا ونتجمع مع إخواتي."


أجابته دون اهتمام:


"انزل إنت يا أمير، أنا مشغولة جدًا. مش معقول أسيب شغلي عشان ننزل ونضيع وقتنا هناك. حط أي حجة عادي، مش أول مرة. إحنا مش فاضيين، أنا عن نفسي مش فاضية. انت حر."


قالتها سريعًا وهي تتلقى مكالمة عمل جعلتها تندمج بها.


كاد أن يصيح بها، لكن مكالمة له هو الآخر منعته، لينغمس هو الآخر، غافلًا أنه يضحي بأهم الأشياء مقابل اللا شيء.


❈-❈-❈

كانت آسيا مستيقظة منذ الصباح الباكر، تحضر نفسها وملابسها وكل شيء. أدق التفاصيل اهتمت بها.

وقفت أخيرًا ترتدي ملابسها استعدادًا للذهاب مع عمتها إلى الشركة، أو بمعنى أصح، ستفاجئ عمتها بقرار مجيئها.

هي لا تعلم بعد، وستذهب مهما كلفها الأمر، فهي بحاجة لاستكشاف المكان أكثر عن قرب.

علمت أمس أن تميم كان المرشح الأنسب للزواج من الأميرة فريدة، والغبية الحمقاء صاحبة الرأس اليابس فريدة أضاعته من بين يديها.

غبية منذ يومها الأول، تضيع الكنوز لتتحط بين يديها هي.

تركت تميم لتتزوج ذلك الصعلوك على رأي عمتها.

تركت تميم، وكم كان هذا مناسبًا لها.

تركته لأجلها.

واضح أن تميم من نصيبها هي، سيصبح زوجها، وستربح جولة جديدة لصالحها.

قاطع خيالاتها دخول عمتها تحمل لها كوب حليب دافئ، وهي تناولته إياها، مقبلة إياها، متسائلة باستغراب وهي تراها تكاد تنتهي من ارتداء ملابسها:

"رايحة فين على كده؟"

أجابتها مؤكدة وهي ترد لها القبلة:

"جايه معاكي، مش أنتي رايحة لعمو مدحت  الشركة؟

هاجي معاكي، عايزة أروح أعمله مفاجأة، بعدين نخرج كلنا نتغدى سوا، إيه رأيك؟"

أومأت لها صفية بعقل شارد.

مدحت ليس كالمعتاد، هناك شيء لا تفهمه.

هناك حلقة مفقودة منها.

أصبح كثير التأخر، كثير السكوت أكثر من قبل.

هناك شيء هي فقدته، وكل يوم تزداد الخسارة، خسارة تظن أنها كبيرة.

❈-❈-❈

              بأحد دول العربية


كانت سارة تقف في المطبخ بجانب مربيتها حسناء، والتي تعد بمثابة أم لها ، هي من ربتها بعد ما رحلت أمها وتوفيت، وقابلت وجه كريم.

كانت حسناء الحضن الدافئ لها دائماً،

الملجأ الذي تحتمي به،

تشاركها أسرارها،

تضحك معها.

أبسط وأهم الأمور تكون معها.

نعم، هي بسيطة، بل بسيطة جداً.

أتت بها أمها منذ سنوات طويلة من بلدتها الصغيرة،

فهي مطلقة ولا تنجب.

ولم يرضَ بها سوى رجال متزوجين، امرأة واثنين وثلاثة، ويريدها لجمالها.

متعة لهم 

وهي لم ترَ نفسها سلعةً يوماً.

ف أتت مع أمها،

أصبحت أمها الثانية.

رغم بساطتها، لكنها مؤمنة أن الأمومة لا تحتاج علم أو شهادات، هي فقط بحاجة للعطاء والكثير من الحنان والحب.

حنان يفتقده الكثير من الأمهات الأحياء.

اقتربت منها، تطبع قلباً عميقاً على وجنتيها،

لتُهديها الأخرى قبلة أكبر، قل أن تكمل تحضير غداء اليوم، وهي تقول:

"يلا عشان تلفي ورق العنب،

ورانا شغل كثير،

يلا."

اتسعت عينا سارة وهي تحاول إيجاد طريقة للهروب من تلك الورطة،

ومن المطبخ بكامله.

"أي ورق عنب؟"

كادت أن تتحرك،

إلا أن يد حسناء منعتها، وهي تمسكها من ملابسها، تعيدها محلها، تجلس وتجلسها بجانبها، قائلة بصوت صارم أُمومي:

"لفي ورق العنب.

مفيش هروب.

هو كل يوم حجة شكل.

يلا بقي لفي،

وأنا براقبك."

قالتها بتحذير:

"يلا، أتعلمي عشان لما تتجوزي."

نظرت سارة للورق تارة، ولحسناء تارة،

قبل أن تضحك مرغمة على لف تلك الورقات، وهي تتحدث متسائلة:

"صح، تعرفي مين جي النهارده؟"

هزت حسناء رأسها بعدم معرفة،

وهي تقول:

"والله يا بنتي ما قال.

هو بس قال لي جهزي سفره معتبرة،

عشان جي ناس مهمة،

وادينا روقنا البيت،

وبنعمل الأكل."

هزت سارة رأسها بعدم اهتمام.

هي لا تهتم في تلك اللحظة سوى بفريدة،

تلك التي حادثتها أمس.

تشعر أن تلك الفتاة،

كلما نجت،

غرقت.


❈-❈-❈

انتهت من تنظيف سريع للمنزل،

أطعمَت لوزة ولعبت معها قليلاً فقط،

لكنها لم تقدر على أكثر من هذا.

اليوم هي لم تود أن تجلس في الشرفة،

لم تود فعل أي شيء،

بل دلفت لغرفتها مرة أخرى،

تندس بالفراش تريد النوم أكبر قدر،

النوم أم الهروب؟

لا تعرف، لم تعد تعلم.

تذكرت محادثتها مع سارة أمس،

ظلت تبكي وتحكي لساعات معها،

لم تجد سارة ما تقوله،

وهي عمر علاقة يجب فيها المعافرة من الطرفين،

محاولة التكيف لن تكون سهلة أبداً.

تنهدت بضيق،

وبعد الكثير من المحاولات الفاشلة للنوم،

استقامت تجلس، تضع الوسادة خلفها،

تمسك هاتفها وتقلب فيه بملل،

حتى وقع تحت يدها مقطع أظهر الدموع بعينها،

وهي تقرأ بحزن:


لم أرد يوماً...

ولم يحدث أن حلمت بحياة وردية...

فوق الغيوم اللّازوردية...

أردت فقط حياة...

فيها شيء من الحياة،

شيء من الألوان...

وربما شيء من الحب... شيء من الأمان...


بسيطة كانت رغباتي...

لم يكن الأمر يستحق...

أن تصفعني الحياة بسوادها ورماديتها، بدل أن تحتضنني

بشيء من حنانها...


لم يكن الأمر يستحق

ولم أكن أنا أستحق

لذا....

بحثت عن لونٍ في ركام رمادها،

عن زهرة نبتت وسط صخرها،

عن ضوء خافت يخترق ظلامها...

فربما، الحياة يوماً تبتسم... ولو بلمحة صغيرة.

فيروزة


مسحت دموعها بقسوة،

هي لا تريد البكاء.

أغمضت عينيها تحاول التفكير فيما حدث اليوم صباحاً.

Flash Back


كانت تغط في نوم قلق بعدما قضت ليلة مؤلمة مليئة بالأرق.

تقريباً الوحيدة التي نامت سعيدة كانت لوزة.

أما هي فظلت طوال الليل في قلق

ونوم مضطرب.

أفاقت من نومها على يد تمر على وجنتيها،

لوهلة لم تستوعب ما يحدث،

حتى أفاقت وهي تجد عمر يجلس بجانبها،

يمرر يده على خصلاتها،

قائلاً برفق: الفجر ضاع عليكِ يا كسولة.

نظرت له باستغراب من طريقته.

أيتخطى موقف الأمس وكان شيئاً لم يكن؟

صوته العالي والمشادة بينهم شيء لا تقبل هي به.

أخطأت نعم،

ستعتذر نعم،

لكن ليس قبل منه.

أخطأ سوياً،

فليتناقشا.

لا يتركها ويرحل بتلك الطريقة.

اعتدلت في جلستها مبعدة يده،

وهي تمسح وجهها محاولة الاستفاقة.

اقترب منها أكثر قائلاً برفق: هنفضل كده كثير يا فريدة؟

ماشي أنا غلطت بس أنتِ كمان غلطتي.

إزاي تجيبي قطة من غير ما تقوليلي؟

إزاي تخدي خطوة مهمة في إنك تجيبي حيوان أليف من غير ما أكون مشارك في القرار ده؟

أنتِ مش شايفة نفسك غلطتي؟

قالها وهو يدير وجهها بين يديه ليقابل وجهه.

زمت شفتيها قبل أن تقول بتعب: مشكلتك إنك مش قادر تفهمني يا عمر.

اللي بتعمله ده هيخلق بينا فجوة.

أنا مش بنكر إنك بتعافر عشاني.

طيب وأنا إيه؟

وأنا اللي بزرع نفسي في أرض جديدة

ويحاول بكل قوتي أكون زي ما أنت بتتمنى.

إيه المشكلة لما جبت لوزة؟

أولاً أنا مخدتش القرار لوحدي،

لوزة أنا لاقيتها في الشارع حامل والولاد بيضربوها، وشكلها قطة بيت،

بس صاحبها رماها تعبانه ومتبهدلة.

أكلتها ومشيت،

بس هي جت ورايا،

كانها اخترتني.

ربنا بعتها ليا.

أنت متخيل كمية الثواب اللي هنخدها لما نربيها؟

مش ده الدين.

إيه المشكلة؟

هي لطيفة خالص،

ومعملتش حاجة لكل العصبية دي.

كنت تقدر تتكلم بهدوء،

بس أنت خدت طريق الهجوم،

والأمر كأني مليش رأي.

وقالت أخيراً بتأكيد: بس مش أنا اللي هقبل بده يا عمر.

يمكن أهلي رفضوني،

بس أنا مش هكرر الغلطة مرتين.


عودة للوقت الحالي


انتهى النقاش أسرع مما تخيلت بمكالمة هاتفية تحثه على الذهاب حالاً للمكتب دون أي تأخير.

انتهى النقاش دون أن تكمله.

لا تلومه، هذا أمر طارئ خارج عن إرادته.

لكن بداخلها شيء لا تعلمه،

خوف يزداد،

يوم بعد يوم.

خوف من قادم تخشى أن يمزق قلبها،

خوف من تكرار الخيبات.

❈-❈-❈

كان يجلس بجانب والده يشاركه رأيه في بعض الأعمال.

منذ أشهر طويلة لم يأتِ إلى شركة والده،

لكن اليوم جاء،

ويبدو أنه سيأتي كثيراً في الفترة القادمة.

مشروع ضخم يريده والده أن يكون مساهمًا فيه، ووافق هو بشدة.

خطوة جديدة ستقربه من أن يراها.

سيرحب بها بالطبع،

وها هو يضع حجر الأساس مع والده لمشروع جديد،

مخططين نحو القادم.

قرر والده دون الرجوع إليه

أن التعامل سيكون معه فقط،

وهو سيكون همزة الوصل مع الجميع.

لم يفهم الفكرة،

لكن لم يجادل فهو ليس متفرغًا من الأساس.

رنين هاتفه قاطع شروده،

ليلتقطه وهو يقف قائلاً لأبيه:

"أنا همشي أنا يا حبيبي،

عشان ورايا شغل كثير،

بكرة نكمل إن شاء الله."

قالها بعد أن قبل رأسه،

مغادرًا سريعًا.

وفي طريقه للخروج،

لا يعلم من أين ظهرت تلك التي اصطدم بها،

أو بمعنى أدق،

اصطدمت به هي معتمدة.

تلك التي تنتظره خروجه منذ ساعتين وربع.

ها هي تسقط بين أحضانه،

وستسقطه هو قريبًا في شباكها.


❈-❈-❈

#عريس_قيد_الرفض

#بين_الرفض_والقدر

#الفصل_الثاني_عشر

#عفاف_شريف

❈-❈-❈

الحياة متاهة، في زواياها ضوءٌ وظلال،

منهم من يرقص على ألحان السعادة،

ومنهم من يضيع بين صمت الألم.

أناسٌ يرون العالم بألوانه الزاهية،

وآخرون لا يعرفون سوى الرمادي.

وفي القلب، هناك أوجاع لا تُرى،

وأحلام تائهة تبحث عن مأوى.

كل لحظة هي وعدٌ مكسور،

لكنها أيضًا فرصة جديدة.

نحن جميعًا ضيوف في هذا الوقت،

نبحث عن معنى في الزمان والمكان،

وكلنا في النهاية،

نعيش على أطراف الأمل.

❈-❈-❈

ناظرها لوهلةٍ بدهشةٍ وهو يراها فعليًا بين ذراعيه، بين أحضانه.

قبل أن ينتفضَ مبتعدًا عنها بسرعةٍ، مبعدًا إياها عنه، حتى كادت أن تسقطَ أرضًا.

مسحَ وجهه بتوترٍ، وهي أمامه تهندم ملابسها بحركاتٍ واهيةٍ، بتوترٍ وخجلٍ مدَّعيهٍ أمامه.

لكن في الحقيقة، كانت عيناها عليه، تراقبانه بشغفٍ ودقةٍ،

 بدقةٍ أكبر.

تراه عن قربٍ وتتفحص ملامحه، وتكتشفه بشكلٍ جديدٍ لعينيها الهائمتين به وحده.

تشبع عينيها من زوجها المستقبلي.

نعم، لقد قررت.

ومن أول لحظةٍ، فهو...

وسيم،

جذاب،

شبيهٌ لهم،

من طبقتهم.

وببساطةٍ، هي تريده،

وهذا الأهم والمهم.

من لا تتمنى هكذا زوجٍ،

يجعلها ملكه كما أرادت،

وكما تربت.

غبيةٌ فريدةٌ،

بل وأكثر.

فمن تضيعُ هذا من بين يديها،

لم تكن سوى حمقاء.

وفريدةٌ هكذا دائمًا.

رفعت يدها تعيد خصلات شعرها للخلف وهي تتمتم برقةٍ:

"شكرًا جدًا.

لولاك كنت وقعت."

أومئ لها سريعًا بلا مبالاةٍ،

وكاد أن يتخطاها،

إلا أن أوقفته يدها وهي تمسك ذراعه.

نفض يدها بحركةٍ تلقائيةٍ، متفاجئًا بجرأتها.

وسحبت هي يدها بحرجٍ مصطنعٍ، مدركةً جرأتها في خطوةٍ كتلك.

ناظرها مستفهمًا بحدةٍ وتوترٍ في آنٍ واحدٍ.

لتجيبه مباشرةً ودون تجميلٍ:

"أنت مش فكرني؟

أنا آسيا."

أومأ برأسه صامتًا منتظرًا أن تنهي حديثها.

لتحدجه هي بنظراتٍ ممتعضةٍ، متسائلةً بضيقٍ:

"طالما فكرني، مردتش عليا امبارح ليه؟

أنا بعتلك مسدج."

ارتفع حاجبه بشدةٍ حتى كاد أن يلتصق بمقدمة رأسه من شدة صدمته.

لم يظن لوهلةٍ أن تأتيها الجرأة لتسأله هكذا سؤالًا قليل الأدب مثلها.

أكانت تريده أن يرد؟

هل تظن نفسها صديقته؟

زفر بضيقٍ وهو يجيبها بهدوءٍ واثقٍ:

"أرد على حضرتك ليه؟

أنا معرفش حضرتك.

مجرد معرفةٍ عابرةٍ.

وكونك قريبة زوجة شريك والدي،

ميخليش في بينا أي معرفة."

شايفه المسافة.

قالها بسخريةٍ.

ارتفع حاجبها بصدمةٍ من رده الصلف.

وهي ترد بنعومةٍ:

"المهم إننا نعرف بعض.

تسمحلي أكون صديقة ليك؟

مجرد صديقة."

ناظرها بغير فهمٍ.

"أي صديقة؟

أي صداقة من أساس؟

هو لا يعرفها،

ولا يريد."

منذ متى معروف عنه أنه يصادق النساء؟

هو رجلٌ.

وبداخله إيمانٌ أنه لا يوجد صداقة بين رجلٍ وامرأةٍ.

وما لا يقبله على إخوته،

لا يقبله على غيرهم،

وتحديدًا تلك الآسيا.

حسنًا، لن ينكر أنها جميلةٌ، بل جميلةٌ جدًا،

أنيقةٌ،

ذات حسبٍ ونسبٍ،

راقيةٌ.

لكن مهما كانت،

لا يهم.

لا تهمه،

ولا تروق له،

أبدًا.

رفعت يدها تطلب مصافحته وهي تقول برقة،

تخطو أولى خطواتها نحوه:

"أكيد مش هتكسفني، صح؟

أصحاب."

ظل ينظر ليدها لعدة ثوانٍ،

وهي تناظره بعينٍ متفحصةٍ،

متحمسةٍ.

قبل أن يرفع رأسه قائلًا بدون حرجٍ وهدوءٍ يليق به:

"آسف،

مش ممكن أبدًا."

وغادرها سريعًا،

دون حتى أن يعتذر.

الوقح.

ووقفت هي تنظر في أثره بعيونٍ متسعةٍ ووجهٍ أحمرٍ،

محرجًا غاضبًا.

وهي تكز على أسنانها منه،

ذاك البغيض.

أحرجها بكل بساطةٍ وغادر.

عضت على شفتها بغيظٍ حتى كادت أن تدميها.

وهي تفكر بإصرارٍ أكبر وأكبر.

من يفكر نفسه؟

يرفضها،

ويحرجها؟

التفتت تدخل حيث كانت،

وهي تفكر بعزيمةٍ .

مهما فعل،

هي لن تستسلم.

هو لها شاء أم أبي،

سيكون ملكها.

ستفوز برهانها مع نفسها.

هي امرأةٌ تَأبى أن يُقال عنها إنها استسلمت.

❈-❈-❈

بأحد الأحياء الهادئة،

ترجّل أحمد من سيارة الأجرة،

يحمل بين يديه باقة من الورود،

وأيضًا صندوق كبير به الكثير مما تحب.

جاء إلى هنا بأمر من أمه،

هي تجبره،

تريده أن يراضيها،

تخبره بضرورة الوصول لحل وسط،

وأن يمرر الأمور.

فتلك الأمور عادية جدًا بتلك الفترة.

تضغط عليه،

هو مضغوط من جميع الجهات.

ألا يحب داليا،

بل يحبها،

ألا يريدها،

بل وأكثر مما هي تتخيل.

لكن طريقتها،

أسلوبها،

تلك الأمور أصبحت صعبة.

أخذ نفسًا عميقًا،

وهو يدلف للبناية.

يقف أمام الباب،

قبل أن يدق الجرس،

لتفتح له أمها.

ابتسمت وهي تراه أمامها،

قائلة بهدوء:

"أهلا يا أحمد،

ادخل يا حبيبي،

نورت."

ابتسم لها وهو يدلف للشقة،

يجلس بمكانه المعتاد ينظر أرضًا،

منتظرًا أن تحضر حماته.

أتت وهي تحمل بين يديها كوب العصير،

وتجلس تسأله عن حاله وأهله.

قبل أن يسألها هو بهدوء:

"أمال داليا فين يا طنط؟"

تنهدت قبل أن تجيبه بهدوء:

"مش هنا والله يا ابني،

خرجت مع صحابها،

قالتلي هتجيب شوية حاجات،

وهتيجي كمان شوية ،

استناها إن شاء الله مش هتتأخر."

ابتسم لها قائلًا بهدوء:

"مش مشكلة،

الغلط مني إني جيت بدون معاد،

معلش سامحيني.

كنت عايز أعملها مفاجأة،

عشان نقعد نتكلم ونحل الخلاف بينا."

وأكمل قائلًا بإحراج وهو يقف:

" مش مشكلة، أنا همشي،

وإن شاء الله هبقى أجي وقت تكون موجودة.

يلا سلام عليكم."

وما إن خطا خطوة للخروج وحماته تحاول منعه ليبقى قليلاً حتى تأتي ابنتها،

حتى أوقفه دخول داليا من الخارج.

وعلى وجهها ابتسامة اختفت تلقائيًا بمجرد أن رأته،

وهي تقول بقلة ذوق حادة:

"إنت بتعمل إيه هنا؟

إنت مش قلت اللي عندك وأنا قلت اللي عندي؟

يبقى بتعمل إيه هنا؟"

انعقد حاجباه وهو يطالعها بلا رد،

قبل أن يتحرك للخارج متجاهلًا إياها.

لتوقفه والدتها بسرعة قائلة بتوبيخ شديد:

"إيه قلة الذوق دي؟

أما إنتِ بنت قليلة الأدب صحيح!

بقي الراجل جي عشان يصالحك،

وجايبلك حاجات وهدايا،

وإنتِ تقولي الكلام ده؟

إنتِ قليلة الذوق.

والله ما هو ماشي،

ولو حد هيمشي يبقى إنتِ.

فاهمة؟"

قالتها وهي تتوجه به حيث مكانه مرة أخرى وهو صامت لا يرد،

ولا يريد أن يرد.

وقفت أمها تراضيه وهي تحدجها بنظرات غاضبة،

مغزاها: "إنكِ أخطأتِ،

وزاد الوضع سوءًا يا غبية."

والأخرى تقف متأففة.

ربتت أمها على ظهره،

وهي تبتعد تأتي بابنتها تجرها خلفها،

ملقية إياها بجانبه،

وهي تقول بهدوء محذرة إياها بشدة:

"أحمد جه عشان تتصالحوا،

وتتكلموا وتشوفوا المشكلة فين وتتحل،

لازم تتحل.

اللي بينكم أكبر من التفاهات دي.

الراجل جه بنفسه.

عيب يا داليا،

عيب."

قالتها مشددة،

وهي تشير للهدايا،

وأحمد الصامت تمامًا.

قبل أن تربت على رأسه قائلة بحنان:

"متزعلش يا حبيبي،

أنا هروح أعملك لمون،

وأنتوا اقعدوا اتكلموا وحلوا مشاكلكم تمام."

قالتها،

وتوجهت للداخل،

بعد أن أشارت لابنتها أن تلملم الوضع.

فهي تقف على الحافة،

وستقع في أي لحظة.

❈-❈-❈

ظلل الهدوء جلستهم.

لا هي تحدثت ولا هو بدأ ككل مرة.

وحينما طال صمته،

رفعت عينيها تناظره بغيظ.

إنها المرة الأولى أن يصمت بهذا الشكل.

كان دائمًا يأتيها راكضًا،

يصالحها،

يدللها،

ويطلب مسامحتها،

مهما فعلت ومهما تدللت.

يظل هو المبادر،

ويبدأ ككل مرة.

لكن تلك المرة،

صامت.

حذرتها أمها أمس،

أن تكف عما تفعل،

لكن ماذا فعلت هي؟

طلبت ما لا يقل عن أبناء عائلتها.

أيريد أن تُهان وسطهم،

أن تكون أقل.

هي كانت دائمًا تسعى لتكون مساوية،

بل وأحسن وأفضل.

الآن يريدها أن تحط من قدرها بتلك الطريقة؟

ما الكثير بطلباتها!

هي تطلب ما يناسب ذوقها وذوق أصدقائها.

تنهدت بضيق قبل أن تقترب منه،

تناظر الورود والصندوق بعين فضولية.

لطالما تميز أحمد بهداياه.

كانت رقيقة تجعل قلبها يبتسم،

وعينها تلمع فخرًا بكل مرة تتباهي بكل ما يحضره لها.

والآن يجب عليها حل الأمر كما أمرتها أمها.

فالتنازل الصغير،

سيعفيها من خسارة أكبر.

خسارته.

اقتربت أكثر حتى كادت تلتصق به،

ليبتعد هو كالعادة،

بدون أن يرفع عينيه ويوبخها.

قربت يدها لتمسك يده،

كاد أن ينتزعها فورًا،

لكنها أصرت وهي تتمسك أكثر،

وتقول برقة:

"أحمد."

حينما لم يرد،

كررت ندائها،

مرة بعد مرة،

حتى رفع وجهه يطالعها،

وكأنه حان دورها لتخفض هي عينها،

تردد على مضض مجبرة وشعور الثقل داخلها يزداد،

ترفض ما ستقول:

"أنا آسفة."

تنهد بإرهاق هو الآخر،

قبل أن يشدّد على يديها قائلًا بضيق:

"أنا مش عايزك تعتذري يا داليا،

مش عايز بجد.

أنا حابب إنك تشوفي الدنيا بعين تانية،

تشوفي إن الحياة أبسط من كل البهرجة دي.

في حاجات كتير حلوة بس مش بالأوفر ده.

أنا تعبت من تحميلك ليا فوق طاقتي،

تعبت من إني دايمًا الوحش الغلطان.

أنا بحاول وعلى إيدك،

بس كل حاجة فوق طاقتي،

فوق قدرتي.

أنا عمري ما أعيشك أقل من حد،

بس لكل إنسان طاقة وقدرة،

عشان كده ربنا خلقنا طبقات.

أنا وإنتِ من نفس الطبقة.

ولما حبيتك بقيت بحط نفسي في ضغط كبير عشان نخرج من المستوى اللي مش عجبك ده.

رغم إني ما عنديش مشكلة أبدًا معاه.

إنتِ عايزة شقة في مكان معين،

وتجهيزات معينة اتكلفت مبالغ تجوز كذا راجل،

ومع كده أنا جيت على نفسي كتير عشانك.

بس خلاص كفاية كده،

كفاية بجد."

قالها بتأكيد وضيق مما تحمل على مر تلك الفترة المرهقة جدًا له،

نفسيًا وجسديًا من كل الجهات.

هو ينهار،

يكاد لا ينام،

لا يأكل كباقي البشر،

من هذا لذاك،

ولا يعجبها أيضًا.

تنهد قبل أن يكمل بتأكيد:

"مفيش فلوس لكل أحلامك دي،

هنحلم ونحقق كل اللي إنتِ عايزاه

وبتتمنيه،

بس واحدة واحدة.

محدش بيجري ورانا،

ومحدش بينط السلم،

بنطلع سلمه سلمه،

عشان نوصل قادرين نكون سعداء،

مش محملين بديون تقصف عمرنا.

إحنا كان زمانا متجوزين من بدري

بس أنا محبتش أكسر فرحتك

وبقيت بشتغل ليل نهار عشان أوضب التوضيب اللي إنتِ عايزاه

والشقة كل ركن زي ما إنتي حابة

رغم إنك كنتي عارفة رفضي لكل الحاجات المبالغ فيها

بس رضيت واستحملت

عشان إيه؟

مش عشان خاطرك

مش عشان أحققلك كل ده من غير كلمة "لا"

بس بجد، كل ده فوق طاقتي

أكثر مما لازم أتحمل

وعشان حاجات مش أساسية

عادي، نقدر نجيبها بعدين واحدة واحدة

مش لازم نتجوز بكل الرفاهيات دي

صمت قليلاً

قبل أن يمسح وجهه مستغفرًا

وهي يرى التماع الدمع في عينيها

ليستغفر ربه

وهو يشد على يدها قائلًا برفق: ممكن متعيطيش؟

مسحت دموعها وهي تحاول تلك المرة سحب يدها

ليشدد وهو يلف وجهها لتطالعه وهو يكمل: عشان خاطري يا داليا، زقي معايا الدنيا

عايزين نتجوز بقى

بلاش الأسعار الخزعبلية دي بالله عليكي

خلينا نشوف حاجة وسط

لا غالية أوي كده

ولا رخيصة

أنا مرضهالكِش أصلاً

بس خلينا وسط

أوك، تمام

مرضيه

قالها وهو يقبل يدها

كتمت غيظها بداخلها وهي تطالع أمها خلف أحمد

قبل أن تُومئ برأسها غصبًا

هي لا تريد تلك الوسطية

لكن ستجد حلًا

أكيد

هي لن توافق بتلك السهولة

فلتحل أمورها الآن

وحينما يحين الوقت

ستجد ألف طريقة وطريقة

فهي لا تقبل بأقل مما تريد

أبدًا أبدًا

ابتسم لها بحنان وهو يمسك الصندوق

يعطيها إياه

لتأخذه بفرحة وهي تلقي له قبلة في الهواء، تصور الكثير من الصور

اتسعت ابتسامته وهو يراها سعيدة

ستنشر الصور بكل مكان متباهية بهديته

كالعادة

ولم يستطع مهما حاول أن يمنع تلك العادة فيها

تنهد بهدوء وهو يراها تقترب منه مرة أخرى

لتلتقط صورة جديدة معه

أهدته ابتسامتها الخلابه

لتدثر مخاوفه بدثار من حرير

غافلًا أن وربما رغم نعومته وفخاتمه

أنه لا يناسبه

وكان عقله في تلك اللحظة

يود ضرب قلبه مرددًا:


"أفق غفلة الحب، حيث يتيه القلب بين خيوط الوهم، يظن أنه يلامس السعادة، لكنه يعلم أنه لا يستطيع العيش معها

فيكتشف أنه يغرق في بحرٍ أعمق من التيه."

❈-❈-❈

كان مدحت يقف بالمطبخ بجانب منير، يوجهه ويعلّمه طريقة عمل طبق البصارة الشهي المشهور به وسط العائلة.

طبق شهي فوقه الكثير من البصل، وبجانبه أعواد البصل الأخضر والخبز الطازج.


ربت على معدته بجوع شديد وهو يتمتم بفخر: "شامم الريحة يا واد يا منير!"

وأكمل بتهكم: "يكش تتعلّم بس مني. 

الله يرحمك يا أم تميم، كان عليها حلة بصارة يُضرب بيها المثل."

قالها بحزن، وأكمل قائلاً بسرعة:

"يلا هاتِ البصل عشان نقطّعه ونعمل التقلية قبل ما تميم يجي ويقرفنا ويقعد يزن."

وأكمل بخبث: "عايز أفاجئه."


أحضر له منير البصل ليقف يناظره بعين متفحصة قبل أن يتركه له، مقرراً أنه لن يقطع بصلًا، فهو لا يريد البكاء الآن. واتجه ليحضر عصير الموز بالحليب.


وقف لدقيقة أمام المكونات وهو يفكر باشتياق؛ كم كانت تحبه الصغيرة ملك. اشتاق لها، اشتاق لهم جميعاً، اشتاق لتجمعهم وصوت ضحكاتهم وصراخهم العالي، ركضهم وراء بعضهم البعض، صوت الصغار، والضجيج في كل مكان، مشاكستهم ودلالهم.


كانت الضوضاء تعم منزله، والدفء يحيط قلبه بهم ولهم. لم يعرف الهدوء القاتل هذا يوماً، والآن أصبح الهدوء سيد المنزل.


تميم بعمله، وهو كذلك، حتى ولو معاً لكن يظلا وحيدين.

لو كان تميم تزوج منذ سنوات، لكان له الآن الكثير من الأطفال يركضون هنا وهناك، وما ظل وحيداً هكذا. لكن ابنه العنيد يصمم على أن يظل كما هو، غافلاً أن العمر يتسرب من بين يديه.


 لو أطاعه وتزوج منذ عام مضى، لكان الآن يحمل بين يديه طفله الأول. 

تنهد بقهر وهو يفكر حتى من كانت من المفترض أن تكون زوجته وأم أبنائه، تزوجت.


فريدة... تزوجت.

وكم تمناها له زوجة! أحبها كابنته، وتمنى من كل قلبه أن تنير منزله، لكن تبخرت أحلامه وضاعت من بين يديه.


تحرك للخارج شاعراً بالاختناق عند تلك الذكرى. دلف حيث مكان زوجته المفضل، جلس على الأرجوحة وهو يفكر. لن ينسى أبداً ذلك المشهد وكأنه كان أمس، حينما سمع بالصدفة البحتة أن فريدة ستتزوج.


                   Flash Back


دلف سريعاً لمكتب شوكت وبيده عدة ملفات مهمة يجب أن يوقعها.

رفع عينه من الملف، وقبل أن ينطق بحرف ينبه شوكت بوجوده وهو يوليه ظهره.


تسمر في مكانه وهو يسمعه يهتف بغضب مردداً: "انسي يا صفية! مش هحضر يعني مش هحضر.

عايزه تتجوزه؟ تتجوزه بعيد عنّا.

لا هي بنتي ولا أعرفها. هي بنتك، فاكرة لما تتحداني وتكسرِ كلمتي؟

هتلوي دراعي؟ بكرة تيجي ندمانة تبوس إيدي، بس خلاص، هيكون الوقت فات.


من يوم ما كسرت كلمتي، فريدة مبقتش بنتي. وده آخر كلام عندي.

أنا مش هحضر كتب كتاب بنتك، خليها تعرف قد إيه هي غلطت."


قالها وهو يغلق الخط سريعاً، قبل أن يلتفت ملقياً إياه بغضب.

تسمر شوكت محله وهو يرى مدحت يقف خلفه يناظره بذهول، وواضح أنه استمع إليه.


تنحنح مدحت قائلاً بحرج: "مكنتش أعرف إن معاك مكالمة... كان في ورق محتاج يتوقّع ضروري."

تنهد شوكت وهو يلقي بنفسه على المقعد قائلاً برفض: "مش وقته يا مدحت، أنا شكلي همشي أصلاً... مش قادر أفضّل هنا."


اقترب منه مدحت وبعينه العديد من الأسئلة، قبل أن يسأله مباشرة ولم يقدر على منع نفسه: "هي فريدة هتتجوز يا شوكت؟"

جز شوكت على أسنانه بغيظ قائلاً بقرف: "أيوة، حتة محامي لا راح ولا جه. ضحك عليها وأقنعها بالجواز. خليها يكش تتحرق بجاز! أنا مش موافق على المهزلة دي. بنتي تتجوز صعلوك زي ده؟"


ظل مدحت في مكانه بضع ثوانٍ يفكر بقهر. فريدة، تلك التي تمناها ابنة له، تتزوج. أخذت الخطوة وستتزوج.


              عودة للوقت الحالي


مسح وجهه بحزن وهو يتذكر.

دعاه شوكت دعوة ظاهرية بعد عدة أيام، حينما اضطر أن يوافق ويرضخ لأن يكون وكيلها في عقد القران.


وبداخله يعلم أنه غير موافق على دعوة أحد يعرفه.

هو فقط اضطر لذلك مجبراً على دعوته.


وحتى لو أراده شوكت أن يحضر،

 هو لم يرد ولم يقدر على ذلك.

كيف له أن يذهب إلى عقد قران فريدة؟ لم يرد أن تزيد حسرة قلبه وهو يرى من أرادها زوجة لابنه

 تزف إلى غيره.


❈-❈-❈

وقفت آلاء تقطع الخضروات بِإرهاق لتحضير حساء.

ف الصغار مرضوا دفعة واحدة.

بدأت بآية وآيلا،

ثم عز،

والآن الصغير تميم على ذراعها باكٍ.

لا يكف عن الصراخ.

أطعمته وأعطته دواءه وبدلت له ثيابه، فعلت كل شيء ممكن،

والصغير لا يكف عن البكاء، يصمت دقيقة ويعود مرة أخرى للبكاء.

تريد خمس دقائق هدوء،

خمس دقائق فقط.

لكن الصغار لا يسمحون أبداً.

وضعت الخضروات على النار بيد، والأخرى تربت بها على ظهر الصغير.

وقبل أن تكمل إعداد الطعام،

استمعت إلى صوت بكاء الصغير عز.

أغمضت عينيها، تريد أن تشق ملابسها وتلقي بنفسها من نافذة المطبخ.

ماذا تفعل بنفسها؟

رفعت صوتها قليلاً تقول بهدوء: "تعالَ يا عز، أنا هنا في المطبخ.

تعالَ يا حبيبي، ماما هنا."

لكن الصغير يريدها أن تظل بجانبه في الفراش، تحتضنه وتربت عليه.

والله، وهي تريد.

لكن كيف وهناك ألف عمل يجب أن تقوم به؟

هناك سلة الملابس، كومه كبيرة،

تحتاج للغسل،

وأيضاً للنشر.

وهناك الأطباق المتسخة،

والمنزل أيضاً،

لا يظل نظيفاً أكثر من عشر دقائق.

تنهدت بضيق وهي ترى الصغير عز أتى نحوها بوجه أحمر متعب،

يرفع يديه يريدها أن تحمله هو الأخرى.

لحظة تفكر، هل لها يد ثالثة مثلاً

لتحمل طفلين وتعد الطعام في نفس الوقت؟

فلم تجد نفسها سوى وهي تغلق على الطعام

وتحمل الصغير باليد الأخرى

وتعود بهما إلى الغرفة.

مقررة اليوم،

ستطلب الطعام من الخارج.

فالجميع متعب.

حتى هي متعبة.

تفقدت الصغار وتدثرتهم جيداً،

فلم تشعر بنفسها إلا وهي تغفو بتعب.

تضم الصغار لها،

أو هم يضمونها.

❈-❈-❈

لم تعلم كم غفت،

لكنها أفاقت بقلق على شعورها بأحدهم ينغز كتفها.

انتفضت تنظر حولها بتيه وعدم فهم.

قبل أن تصطدم عيناها بعين رامي الواقف بجانبها بملامح متجهمة،

يناظرها باستياء.

اعتدلت في جلستها، تضع الصغير تميم الغافي على صدرها بجانبها برفق لكي لا يستيقظ، وهي تعدل من ملابسها.

وتخرج خلفه لتري ماذا يريد.

خرجت لتجده يقف يناظرها بملامح غاضبة.

تجاهلته وأسرعت تلملم المنزل سريعاً،

محاولة اللحاق بأكبر قدر من الأعمال قبل أن يستيقظ أحدهم فجأة.

التفتت تدخل لغرفة الصغار بعد أن حملت ألعابهم لتضعها بالصندوق المخصص لها.

لكن ارتطامها به جعلها ترتد للخلف وتقع بعض الألعاب من بين يديها.

وقبل أن تعطي رد فعل،

أمسك بالباقي ملقياً إياهم أرضاً بغيظ.

أغمضت عينيها، تود أن تضربه،

لكنها انحنت بهدوء تلملمهم.

فلا طاقة لها حقاً.

لا تريد الشجار.

فليرحل، وهي لا تريد أكثر من هذا.

وقفت تناظره قائلة بإرهاق: "حاول تتجنب تستزفني يا رامي،

رد فعلي مش هيعجبك.

كفاية ضغط،

الضغط بيولد الانفجار،

وصدقني أنت مش قده."

قالتها وحاولت التحرك،

لكن يده منعتها،

وهو يلقي كل ما بيدها أرضاً.

يصيح بغضب أعمى: "أنت اتجننتِ يا آلاء!

هتعملي إيه يعني؟

فوقي لنفسك،

يعني إيه أجي من الشغل ألاقِيكِ نايمة في سابع نومها،

والبيت يضرب يقلب،

والغسيل متكوم،

وفين الأكل؟

حضرتك نايمة في العسل،

وسايبة الشقة زريبة.

فاكرة نفسك هانم ومستنية حد يخدم عليكي؟

آخر مرة أرجع ألاقي البيت كده."

رد فعلِي أنا اللي مش هعجبك،

عينك على بيتك وجوزك وعيالك،

غير كده هتزعلي."

قالها وهو يزيحها حتى كادت أن تسقط أرضاً،

وهو يغادر المنزل بغضب أعمى كقلبه.

وقفت محلها تراقب رحيله.

لماذا لم تصرخ به؟

"أنا لست خادمة!

افهم يا رامي،

أنا زوجة وأم،

لست جارية!"

التفتت تناظر المنزل بعين غاضبة،

تحترق ألف مرة،

كل يوم،

كل ساعة،

كل دقيقة،

هي تحترق.

أيظنها تقبل؟

هي آلاء مدحت العسيلي،

لا تقبل أبداً أن يقلل من قدرها بتلك الطريقة.

سقطت تجلس على الأريكة تفكر،

متى أصبحا هكذا؟

لا يطيقان بعضهما البعض،

وجودهم غصة في حلقهم.

كأنهم في حرب.

كانت سعيدة يوماً ما،

لكنها لم تعد منذ مدة طويلة،

بداخلها الكثير من الشكوك والتساؤلات.

لكن تظل دون أي إجابات،

تعرف فقط أنها ستحرق نفسها ألف مرة،

ولا يحرقها هو مرة.

❈-❈-❈

تمددت على أريكتها الناعمة تحمل علبة ضخمة مليئة بالفشار تأكل الكثير منه في مرة واحدة.

اشتهته، ماذا تفعل؟

هي هكذا من ساعة ونصف.

تبكي، تأكل، وتبكي، وتاكل.

دوامة من البكاء والأكل.

لا تستطيع الخروج منها.

التقطت عدة مناديل من أمامها تمسح دموعها،

وهي تبكي وتشهق متأثرة بذالك الفيلم الرومانسي.

آه، كم هم لطفاء.

انتهى الفيلم.

لتتنهد بسعادة،

كم تحب النهايات السعيدة.

بدلت القناة،

لتجد أمامها أحد قنوات الطبخ،

وهي ترى الأطعمة الشهية.

كانت الطباخة تعد المحشي.

سال لعابها وشهيتها تتحرك تجاه الطعام.

تفكر أنها تشتهي محشي البصل والباذنجان بشكل جدي.

وبجانبه قطع الدجاج المقرمشة.

ولا تنسى السلطة بالفلفل الحار.

أممم، قالتها وهي تحرك شفتيها وعيناها.

تفكر كم سيكون شهيًا ولذيذًا.

مسّدت على بطنها تحادث صغيرها وهي تفكر معه بصوت عالٍ:

"أي رأيك ناكل محشي ولا نطلب بيتزا وفرايد تشكن؟ أممم، وجنبها بطاطس كمان.

بس عايزين مكان يكون مصري وكمان نضيف قوي.

ولا أقولك بلاش فاست فود؟

خلينا في المحشي.

إنتَ أي رأيك؟"

وأكملت مفكّرة:

"أممم، نعمل إيه؟"

قاطع تفكيرها صوت أنس الذي لا تعلم من أين أتى فاجأه،

وهو يقول باستغراب:

"ملك حبيتي!

إنتِ بتكلمي نفسك؟"

انتفضت تطلق صرخة خافتة متفاجئة من وجوده.

قبل أن تمسك أول وسادة تطالها يدها لتقذفها به بقوة.

تفاداها سريعًا وهو يناظرها بتعجب من جنونها.

قيل أن يقترب منها لتضربه بقوة على صدره،

جعلته يتأوه.

وهو يمسك يدها يحاصرها تلك العفريته ذات القبضة القوية،

وهو يقول بصدمة:

"في إيه يا بنتي؟

إنتِ بتتحولي؟

عملتك إيه أنا؟"

إجابته بتأكيد:

"خضتني."

ارتفع حاجبه قبل أن يكرر مقلدًا إياها:

"خضتني!

بقالّي ساعة بخبط وأنتِ مش هنا يا ختي.

دخلت لقيتك بتكلمي نفسك زي المجانين."

هزت رأسها بحماس وهي تقول برجاء:

"أنس، أنا جعانة أوي أوي أوي.

عشان خاطري قوم هتلنا أكتر.

بص، أنا نفسي آكل بصل محشي، كمان بتنجان برضو، ويا لو في طماطم. أممم.

وعايزة كمان بانيه محمر وكرسبي، وشوية سلطة حاتي تكون حراقة.

ومايه سلطة أهم شيء.

بس متنساش، مهم تجيب الرايب والزبادي عشان الحموضة.

وكم..."

وضع يده على فمها يمنعها من المتابعة،

وهو يقرص وجنتها باليد الأخرى قائلاً بمشاكسة:

"إيه كل ده يا لوكة؟

هتكلي كل ده؟

إيه، قاعد مع دب صغير؟

وثم راح فين الأكل الصحي؟"

زمّت شفتيها بطفولية وهي تقول بمسكنة:

"والله هاكل صحي،

بس نفسي راحت أوي ل محشي البصل.

والمحشي والبانيه.

مشتاقة أوي حقيقي.

قولي بقى،

هنجيبه منين يا أنس؟"

قالتها مفكّرة.

زمّ شفتيه وهو يفكر معها.

قيل أن تصيح بسعادة وهي تقول:

"أيوة، أنا عرفت!

في بيدج، فاكر الي جبنا منها من سنة ونص؟ فاكر لما طنط كانت هنا.

لما جبنا الممبار والمشكل."

وأكملت بتأوه سعيد:

"أيوة كمان أطلب ممبار.

وحشني أوي!"

ظل يناظرها لدقيقة،

قبل أن ينفجر ضاحكًا من كل قلبه،

سعيدًا بتلك اللحظة.

بل كونه سعيدًا، شعور قليل على ما يشعر به.

فملك أخيرًا بدأت تحاول أن تنجو من تلك البؤرة السوداء التي وقعت فيها.

عادت ولو بجزء بسيط مما كانت عليه،

وهذا يجعله يريد أن يسجد لله شاكرا.

اقترب منها، يحاول ضمها لصدره،

وهي تكيل له الضربات المغتاظة لضحكة عليها.

قبل أن تتوقف فجأة لاهثة بشدة.

ليناظرها بخوف وهو يحاول أن يفهم ما يحدث،

قبل أن تمسك يده بسرعة،

تضعها على بطنها،

على جنينها.

كان ابنهم يتحرك،

كأنه يخبرهم: "أنا هنا."

يشاركهم اللحظة.

وكانت لحظة بألف لحظة.

لحظة تتسابق فيها نبضات القلب مع الزمن، وكأن العالم كله يتوقف فيها."


❈-❈-❈


تكملة الرواية من هناااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا




تعليقات

التنقل السريع