القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الثالث عشر بقلم عفاف شريف

 رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الثالث عشر  بقلم عفاف شريف 



رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الثالث عشر  بقلم عفاف شريف 



#عريس_قيد_الرفض

#بين_الرفض_والقدر

#الفصل_الثالث_عشر

#عفاف_شريف

❈-❈-❈

أحاول لأجلك يا قلبي...

أحاول ألا أغرق.

أحاول ألا أحترق.

لأجلك يا قلبي،

سأسير مع التيار لن أعاكسه لأنجو.

لأجلك يا قلبي،

سأحاول أن أجعل الحرب بلا راء.

سأحاول أن أجعل الحب أكبر من كل الأشياء.

❈-❈-❈

في بعض اللحظات يساورنا الشك في قدرتنا على خوض بعض الأمور التي نراها حروبًا.

نسير بخطوات متعثرة خوفًا ورهبة من كل قادم، كان خيرًا أو شرًا.

ويظل السؤال دائمًا: إلى أين المفر؟

ولا يوجد مفر.


مر يومان منذ شجارهما الأخير.

لا هو تحدث، ولا هي كانت قادرة على خوض نقاش مرة أخرى.

كان كلاهما يهرب من الآخر.

هو ينشغل في عمله،

وهي تنشغل في نفسها،

تحاول لأجل نفسها ولأجله بالنيابة عنه.

يشعرها بشعور هي لا تحبه.

كان المنزل بمثابة فندق للنوم والطعام.

لا مشاركة بين اثنين.

حب،

أمان،

احتواء،

وحنان.

وعوده الكثيرة

بدأت تذهب أدراج الرياح،

كأنها لم تكن يومًا.

وهي لم تحب هذا أبدًا ولا تقبلته.

هي تريد ما تمنته وحلمت به،

لا ما تراه وتعايشه.

هو منشغل ويكافح لأجلها.

تعلم،

لكن متى لن يكافح؟

تلك سنة الحياة.

هل سيظلان هكذا دائمًا؟

ببساطة،

الأمر صعب.

تنهدت بحزن

وهي تتذكر.

لن تنسى أبدًا

سخريته من الحلوي الخاصة بها،

معلقًا بتَّهكم: "ده مش كريم كراميل، ده شوربة كريم كراميل."

"إيه يا بنتي اللي أنتِ عملاه ده؟"

لم تدري كم ظلت تناظره متعجبة من استهزائه منها.

لم يقلها ممازحًا،

كان يقولها متهكمًا.

هي تحاول لأجله،

وفي المقابل تجد سخريته بكل لحظة منها.

كان ما تقدمه له لا قيمة له.

هي تقدر، وهو لا.

لماذا؟

مرَّ الأمر وأخبرته بهدوء

أنها لا تستطيع التخلي عن لوزة،

لكن لأجله طوال فترة وجوده بالمنزل

ستضعها في الغرفة،

ولن تقربها منه أبدًا،

احترامًا له ولها.

طريقة لإرضاء جميع الأطراف.

ورغم رفضه التام،

لكن مع إصرارها صمت.

واعتبرت هي الصمت علامة الرضا،

حتى وإن كان غير ذلك.

تنهدت بهدوء وهي ترى لوزة تقترب، تجلس بجانبها،

تتقلب على ظهرها براحة مرحبةً بمداعبة ودلال من صديقتها.

ولم تخيب أملها وهي تقترب منها تدللها وتقبلها بقوة.

تحبها بشدة،

وتنتظر بفارغ الصبر أن تضع صغارها.

تضمهم أيضًا إلى صدرها.

لم تخطئ أبدًا حينما أصرت على وجود لوزة.

لا يعلم عمر شعورها وهي تكاد تحادث الحائط من شدة وحدتها.

هي وحيدة وإن أنكرت.

نعم، سارة صديقتها لا تتركها،

لكن أيضًا لديها همومها الخاصة

تثقل حياتها مهما حاولت أن تهرب، تحط فوق رأسها.

مسحت على رأس لوزة

قبل أن تقف متوجهة إلى المطبخ.

يوم جديد،

وحرب حقيقية لإعداد وجبة الغداء.

أصبحت كمن يحارب دون سلاح.

هي تحارب في حرب لا يعلم هو عنها شيئًا.

استغفرت ربها

ووقفت تنظر حولها بضيق.

عقدتها الأولى والأخيرة

تراها مهمة صعبة بل مستحيلة.

هي فاشلة، فشل البطريق في الطيران.

زمَّت شفتاها، تتطلع حولها بحيرة.

ماذا تفعل؟

سؤال تسأله لنفسها كل يوم.

جلست على المقعد الصغير بالمطبخ بحيرة

وهي تفكر.

لماذا تستسلم بتلك الطريقة؟

هي لن تستسلم.

هي لن تسمح له أن يسخر منها مرة أخرى.

ستحاول وتحاول.

ستحاول أن تنجو.

ستحاول أن تنجح.

مهما حدث، ستحاول أن تنقذ قاربها من الغرق.

ستحاول أن تحارب لأجلها ولأجله.

أليس ذلك رجلها؟

حبيبها،

وزوجها،

صديقها،

أليس هو كل ما لها؟

أخطأ؟ نعم.

وهي كذلك.

هي لن تسمح بحدوث فجوة بينهم.

يجب عليها أن تجد حلًا.

الحل أمامها

إما أن تركض هاربةً مقررة الاستسلام،

أو أن تحارب مقررة الفوز به وبنفسها.

ستحارب لأجله.

لذا، وقفت تطالع المطبخ بعينين يملؤهما العزم والإصرار.

مقررة أنها

ستتعلم الطبخ.


❈-❈-❈

"الخيارات كثيرة أمامنا، ولكننا، بكل غباء، نضع أنفسنا في جُحر الثعابين."


كانت ممدَّدة على الأريكة، رأسها يرتاح بين يدي حسناء تمسح على خصلاتها.

تحكي لها إحدى مغامراتها القديمة مع أمها.

هي لم تكن لها مربية لابنتها.

هي كانت صديقة.

غريب، لكن فعلتها ولم تشعرها يومًا بأنها مجرد خادمة أو طاهية أو حتى مربية.

كانت يدها اليمنى،

وأمًّا ثانية لابنتها سارة.

مسحت على خصلاتها وهي تضحك قائلة: "اليوم ده باباكي رجع من الشغل،

لاقانا قاعدين نعيط، وانهيار بقي.

ويعيني اتخض خضة،

وجتله صدمة لما عرف أن العياط ده كله عشان البطل مات في الفيلم، وقتها بصلنا شويه،

وبعدين دخل ورزع الباب وراه،

وامك الله يرحمها راضته وطلع يتفرج عليه. هو كمان."

ضحكت سارة وهي تمسح دمعه انسلت من شدة ضحكها وهي تردد: "بتهزري.

بابا اتفرج على فيلم رومانسي!"

أومأت لها حسناء وهي تكمل ما تفعله،

قبل أن تتناول من جانبها فرشة الشعر،

تمشط لها خصلاتها بحنان.

لتكمل سارة بحيرة: "بس أنا تقريبًا

مشفتش بابا بيفترج على أفلام خالص.

يعني تقريبًا نادر ما بيحصل،

ولو حصل بيكون مش مركز خالص.

يدوب بس مشغله يعمل صوت."

تنهدت حسناء وهي تجيبها مؤكدة: "بموت أمك الله يرحمها ماتت حاجات كثير قوي.

فراقها مكنش سهل.

افتكر أستاذ جمال قعد فترة كبيرة عقبال ما قدر يعيش طبيعي.

ولو أني أشك أن بعد ما زينب توفت هو قدر يرجع زي ما كان.

كانت ست الستات،

ومكنتش أبدًا تزعله،

وهو عمره ما كسر قلبها.

وفضل مخلص ليها.

كانت عايشة، أو حتى بعد ما قبلت وجه كريم."

سقطت دمعة حزينة من عيناها،

لتمسحها سريعًا وهي تلاحظ شرود صغيرتها سارة.

مهما حاولت أن تعطيها حنانًا، تعلم أنها لن تعوضها أبدًا، ولو جزءًا صغيرًا عن أمها رحمها الله.

فهي من ذاقت اليتم،

تعلم كم هو غصة مرة في قلوب الأحبة.

تعلم كم هو نيران تحرق القلب والروح.

قالت بسرعة وحماس محاولة إخراجها من هذا الشرود: "قومي يلا!"

عقدت حاجبها في استغراب قبل أن تقول: "أقوم ليه؟"

واكملت وهي تلقي برأسها من أخرى على فخذ حسناء: "مش قادرة أنا أقوم."

واصلت حديثها بخبث: "ضفريلي شعري وأنا أقوم أغسل المواعين!"

قهقهت حسناء قبل أن تقوم بسرعة ليسقط رأس سارة على الأريكة.

أصدرت صوت صياح غاضب

وهي تناظر حسناء التي قالت: "قومي ننزل الماركت.

مش إنتِ كنتِ عايزة تكلي كيكه؟

قومي يلا ننزل نجيب الطلبات ونطلع نعملها."

انتفضت سارة بحماس وهي تسرع لغرفتها قائلة بصوت عالي: "أنا خلاص لبست!"

وظلت حسناء تطالع أثرها بابتسامة.

فبالمطبخ توجد المكونات،

لكنها تريد أن تخرجها من تلك الحالة.

وتقريبًا

قلب المرأة في معدتها هي أيضًا.


❈-❈-❈

حركت سارة العربة بحماس وهي تثرثر قائلة: "إيه رأيك نجيب كمان بسبوسة ونعمل بسبوسة

ونحط عليها شوكولاتة؟"

هزت حسناء رأسها رافضة وهي تقول بتأكيد: "لا،

ممنوع اللعب في الأساسيات.

بسبوسة يعني شربات.

شوكولاتة بقى والحاجات دي مش بتبقى حلوة.

نعمل بسبوسة طبيعية بالله عليكي وبلاش فزلكة."

ناظرتها سارة بغضب

وهي تتجه بها للقسم المنشود.

وقبل أن تتوجه سارة للعبوات سريعة التحضير،

أوقفتها حسناء وهي تقول: "رايحة فين؟

يا بنتي هو إحنا اتشلينا!

روحي هاتي الدقيق يلا."

إلا أن سارة أصرت متمسكة بالعبوة،

لترد قائلة بوعيد: "صبرك عليا،

هتغسلي المواعين بتاعة العمايل كلها."

هزت الأخرى كتفها بدلال وهي تجيبها مؤكدة: "مش ههون عليكي أبدًا أبدًا."

ضحكت حسناء وهي تأخذها وتتجول لشراء نواقص المنزل طالما هم هنا.

اختارت سارة العديد من الأشياء،

مقررة طعام الأسبوع كله.

وقبل أن تتحرك لجلب العصائر،

أوقفتها يد تربت على كتفها.

التفتت تنظر خلفها

لتجد سيدة تناظرها بابتسامة واسعة قائلة بشوق: "سارة،

وحشتيني!"

"بقيتي نسخة من أمك الله يرحمها.

الله يرحمها."

رددتها سارة بحزن 

وهي تحدق بها بارتباك،

محاولة تنشيط ذاكرتها لمعرفة من تلك السيدة.

لتنقذها حسناء التي أتت تبتسم قائلة بهدوء: "أهلاً مدام جميلة."

وأكملت لسارة: "صديقة مدام زينب الله يرحمها."

أومأت لها بهدوء وهي ترفع يدها لتصافحها باحترام.

لتضمها الأخرى إلى صدرها قائلة بود: "ما شاء الله كبرتي، ما شاء الله!"

ابتسمت لها سارة ابتسامة مهتزة.

ليقاطعهم ظهور شاب من خلف جميلة

قائلًا بهدوء: "مش يلا يا ماما؟"

أومأت له وهي تعرفه على سارة,

التي أومأت له بهدوء واحترام وهي تسحب حسناء سريعًا للمغادرة.

فهي لا تحب التعامل مع الغرباء,

حتى وإن كانت صديقة قديمة لأمها.

ورحلو سريعاً 

وخلفها عيون تراقب رحيلها.

❈-❈-❈

وصلوا إلى المنزل،

لتخبرها حسناء أن تذهب لتنظيف غرفتها سريعًا قبل حضور والدها.

لتتحرك مرغمة، تشعر بالكسل الشديد.

ناظرت الغرفة بملامح كئيبة.

مع كل خروج من المنزل، تتحول الغرفة لساحة معركة كبيرة.

توبخها حسناء مرارًا وتكرارًا، وهي تدلل مرارًا وتكرارًا.

أسرعت بلملمة الملابس الملقاة على الأرض،

قبل أن يقاطعها رنين هاتفها.

التقطت الهاتف، ردت سريعًا على فريدة،

مجيبة بشتياق: "وحشتيني كثير."

ابتسمت لها الأخرى، تبادلتا الحديث لبضع دقائق،

قبل أن تصمت لعدة ثوانٍ.

صمت أثار قلق سارة على صديقتها،

وهي تسألها بحيرة: "مالك يا فريدة؟

أنتِ كويسة؟"

هزت الأخرى رأسها موافقة،

قبل أن تقول: "الحمد لله،

بس أنا عمالة أبحث على جوجل،

والوصف بتاع الأكل مش فاهمة.

حاسه إن أنا اللي مش بفهم.

مش عارفة أعمل إيه.

المفروض أحضر الغدا."

وأكملت بحيرة وهي ترفع طبقًا بداخله بضع سمكات:

"المفروض أعمل سمك،

بس ريحته مش ألطف حاجة.

وكمان أنا مش عارفة أمسكه."

هزت سارة رأسها بانزعاج هي الأخرى،

قبل أن تجد صوت حسناء يشاركهم المحادثة قائلة بتساؤل:

"بلطي ولا ماكريل؟"

انتفضت سارة، تناظر حسناء بغيظ.

لم تهتم لها الأخرى، وهي تزيحها جانبًا،

ممسكة بالهاتف، تتساءل مرة أخرى:

"بلطي ولا ماكريل؟"

هزت فريدة رأسها بعدم معرفة،

وهي تريها الطبق.

ابتسمت الأخرى بهدوء، مرددة بتأكيد:

"بلطي،

سهلة إن شاء الله."

"تصدقي هنعمل إحنا كمان سمك.

قومي يا سارة، طلعي السمك،

وتعالي إنتِ كمان عشان تتعلمي."

وغادرت المطبخ،

تحت نظرات سارة المصدومة،

وفريدة التي تكاد تطلق صرخة سعادة

على معونة حسناء لها.

يبدو أن الأبواب تتفتح لها،

مقررة إعطاءها فرصة.

فرصة لتنجو.


❈-❈-❈

ذكريات الطفولة أثمن ما يحصد الجميع، آباء كانوا أم أبناء.

ماذا إذا ضيعت كل فرصك، متخليًا عن حقك ومتغيبًا عن أداء واجباتك؟

حينها تصبح الخسارة باثنين.


أوقف سيارته أمام المنزل، يطالع زوجته الجالسة بجانبه، لم ترفع عيناها عن الهاتف حتى لتكتشف وصولهم.

أصبحت مهوسة بالعمل، ولن ينكر هو كذلك.

غادر البلاد يومًا ما بقلب واعد الجميع بعدم الغياب، وقد غاب.

خرج من السيارة صافقًا الباب خلفه.

لتنتفض الأخرى، ناظرة حولها مكتشفة وصولهم.

أغلقت الهاتف، وهي تخرج، تحرك رأسها باجهاد.

أقصى ما تريده في تلك اللحظة هو إلقاء نفسها على الفراش بعد الاستحمام سريعًا والشعور بالراحة.

لكن خابت آمالها، وهي تقابل المشهد الآتي:

أمير يقف يحمل الصغيرة مريم الغافية على أحد الأرائك، ويصعد بها للأعلى بعد أن حدجها بنظرات غاضبة.

تبعته سريعًا لتراه يضعها في فراشها، مدثرًا إياها، مقبلًا وجنتيها.

لتتململ الصغيرة قائلة بنعاس: "بابي، أنت جيت. أنا استنيتك أنت ومامي كثير أوي."

هدهدها بهدوء، وأهدأها قبلة أخرى، حتى غفت مجددًا، تحتضن يده، تضمها بشدة، كانها تخشى أن تستيقظ فلا تجده ككل يوم.

ووقف هو في محله، يناظرها بعين تملؤها الكآبة،

قبل أن يسحب يده بحرص شديد لكي لا تستيقظ، وهو يسرع بالخروج من الغرفة بعد أن ألقى زوجته بنظرة غاضبة.

نظرة اتهام، نظرة لم تهتم بها هي.

❈-❈-❈

ولجت الغرفة تناظر غضبه بعيون متفحصة وهو يخلع سترته ملقيًا إياها على الفراش بإهمال، قبل أن يجلس عليه يضع رأسه بين يديه، شاعراً برأسه على وشك الانفجار.

ناظرته بضيق قبل أن تتوجه للخزانة لتخرج ملابس مريحة لها دون النظر إليه.

ليتنفض هو ناظرًا إليها بضيق وهو يراها تتجاهل ما حدث ببرود تام.

جزّ على أسنانه وهو يقول بعصبية بدأت تزداد:

"يعني مسمعتش صوتك بعد اللي حصل؟

انتي مش شايفة إنك بقيتي مقصرة أوي مع الولاد؟

تقريبًا مبقيتيش تقعدي معاهم خالص.

مش شايفة أن حقهم عليكي وجودك في حياتهم؟

تهتمي بيهم أكتر من كده؟

تشاركيهم سوا مذاكرة أو متابعة أو حتى التمارين الخاصة بيهم؟

مش طبيعي اللي بيحصل ده يا يارا،

مش طبيعي أبدًا.

انتي مهملة في الولاد،

ولازم تفوقي ليهم بأسرع وقت."

التفتت له تطالعه ببرود وهي تتحرك في الغرفة حتى وقفت أمامه قائلة بهدوء:

"قد إيه أنت منافق يا أمير!

قد إيه أنت إنسان أناني جدًا... جدًا!

فوق ما أي حد ممكن يتخيل!

عايزني أعمل إيه؟

عايزين أسيب شغلي وحياتي واسمي اللي بنيته بطلوع الروح

وأقعد في البيت أربي الولاد وأقعد معاهم؟

أنت اتجننت!

أنت فاكرني إيه؟

أنا زي زيك،

بشتغل وبتعب زي زيك،

أنا مش بلعب وطول اليوم بعمل شوبنج!

أنا امرأة عاملة،

مشغولة ومش فاضية أبدًا للي أنت عايزه ده.

والله حابب تقعد مع الولاد،

اقعد!

مظنش أني منعتك!"

وكادت أن تتخطاه إلا أنه وقف أمامها قائلًا بدهشة:

"يعني إيه؟

يعني إيه أقعد أنا معاهم؟

أنت ناسية إنك إنتِ أمهم؟

بصي إحنا راجعين الساعة كام،

وقد إيه الوقت متأخر،

ونتيجة عدم وجودك

نلاقي بنتنا مستنية تحت بالطريقة دي؟

إنتِ لازم تقعدي معاهم أكثر!

إنتِ أهملتي فيهم!"

رفعت حاجبها تحدجه بنظرات ساخرة وهي تجيبه:

"تاني هقولك، طالما إنت حنين أوي كده،

وشايف إنّي مقصرة،

ما تقعد إنت معاهم!

اسمع يا أمير، أنا مش هسمحلك تضغط عليا!

الولاد مش مسؤولين مني لوحدي!

إنت شايف نفسك مقصر في حق ولادك؟

اقعد معاهم أكثر!

قضي وقت،

اقعد ذاكر والعب وروح تمارين

ودروس الموسيقى،

اعمل كل ده من نفسك!

إنت حابب أعمل؟

لكن متجيش تقولي اقعدي واعملي!

مش من حقك!

أنا بقعد لما يكون مناسب معايا،

أما إنك ترمي عليا الحمل وتعيش إنت حياتك،

فمش هسمحلك أبدًا!

حياتي، شغلي، مكانتي، مش هتخلى عنهم أبدًا!

إنت عايزني أضحي بكل حاجة

وفي المقابل إنت متضحيش بأي حاجة؟

لو فاكر كده،

يبقى إنت غلطان!

مش من حقك تطالب مني أعمل حاجة إنت نفسك مبتعملهاش يا أمير!

لا إنت هتتخلى عن حلمك وشغلك واسمك ووقتك،

ولا تطلب مني أعمل ده!

لأن لا أنا ولا إنت هنعمل كده!

بلاش تخدع نفسك

عشان تبان الملاك!"

قالتها ودلفت سريعًا إلى الحمام،

تاركة إياه يغلي غضبًا.

❈-❈-❈

بين الطرقات نسير متخبطين،

ندهس أنفسنا من أجل الآخرين،

نبحث عن رضاهم في كل خطوة،

وننسى أن لنا أيضًا حقًا في الحياة.


وربما في يومٍ من الأيام،

سيصفعنا الندم على أناسٍ لم يستحقونا،

سنجد أنفسنا غارقين في بحر الذكريات،

نتساءل: هل كان كل هذا العطاء في محله؟

أم أن أنفسنا كانت تستحق أكثر من ذلك؟"


فتح باب منزله بتعب شديد،

يشعر أنه يكاد يسقط من شدة الإرهاق،

لتقابله أمه بابتسامة بشوشة ونظرات مشفقة، قائلة برفق، مربتةً على صدره:

"حمد لله على سلامتك يا حبيبي،

اتأخرت أوي."

أمسك يدها يقبلها قائلاً بابتسامة:

"الله يسلمك يا أم أحمد،

عاملة إيه يا غالية؟

سهرانة ليه لحد دلوقتي؟"

أهدته ابتسامة حنونة وهي تجيبه قائلة:

"مقدرش أنام وإنت بره يا حبيبي،

ادخل يلا غير هدومك،

عقبال ما أحضرلك لقمة تاكلها."

أومأ لها بإرهاق وهو يسرع بتغيير ملابسه والحصول على حمام سريع،

رغبةً منه في تناول لقمة سريعة،

والخلود للنوم بأسرع وقت،

لينال جسده القليل من الراحة.

وبالفعل انتهى سريعًا،

وتوجه حيث تجلس والدته في انتظاره،

وقد جهزت له الطعام،

ليجلس بجانبها يأكل بصمت على غير عادته.

ناظرته بحيرة وهي تربت على كتفه متسائلة بقلق:

"إنت كويس يا ابني؟"

أومأ لها بهدوء قبل أن يقول:

"تعبان بس،

حاسس إني بقيت مرهق أوي،

وإني محطوط في دايرة مش عارف أخرج منها أبدًا."

تنهدت وهي تقول بتقرير:

"برضو طلبت حاجات جديدة."

هز رأسه يائسًا،

"داليا تدلل أكثر مما هو قادر.

مهما تكلم،

مهما شرح،

ومهما وضح،

هي كما هي،

تدعي التغيير،

وفي الحقيقة تزداد سوءًا.

وماذا هو فاعل في تلك المعضلة؟"

نظرت له أمه بحيرة،

ماذا تخبره؟

أن يفض هذا الأمر،

ويتركها لحال سبيلها عله يجد من يحقق لها أحلامها الكبيرة بسهولة ويسر؟

أم تدعوه للصبر والتحمل لتسير المركب،

داعيةً من الله أن تتغير داليا بعد الزواج والمسؤولية؟

خائفة هي،

خائفة أن تدله على طريق شر تراه هي خيرًا الآن،

ويتضح فيما بعد أنها ألقته بيدها إلى الهلكة.

أمسكت يده بقوة وهي تخبره مؤكدة:

"بص يا أحمد، إنت مش صغير، بالعكس إنت راجل ملو هدومك.

إذا يا ابني شايف نفسك مش قادر،

خلاص كل واحد يروح لحاله.

أكيد أنا مش حابة أظلمها،

بس أكيد مرضاش بظلمك لنفسك.

داليا زي بنتي وأنا محبش تتعرض لحاجة زي دي.

بس إنت مش مرتاح، صح؟"

ظل الصمت جلستهم،

تناظره هي بقلق تنتظر إجابة،

تتمنى بداخلها أن يقولها ولا يقولها،

قبل أن يهمس بارهق:

"صح."


بداخله يريد ولا يريد،

حيرة العالم داخل رأسه،

يحترق ألف مرة يفكر في تركها،

ويحترف ألف مرة يقرر أن يظل معها.

فأي احتراق أهوان على قلبه؟

وبين قلبه وعقله،

صراع يقتله ببطء.

❈-❈-❈

"علاقة بين طرفين لا دخل لثالث بينهما. التدخلات تشبه وضع الملح في وصفة حلوى، تفسد الطعم فتلقي في سلة المهملات.

هكذا تكون العلاقات، نقاؤها يكمن في خلوها من التدخلات."


لا يعلم كم ظل جالسًا في محله،

هكذا هو منذ ساعة ونصف.

عاد من عمله ليجد المنزل خاليًا،

دونها ودون صغيرته.

ليست بالمنزل.

وحينما حادثها بقلق وتوتر،

فهي لم تفعلها أبدًا من قبل.

أجابته أنها بالخارج لشراء بضع أشياء،

وستعود سريعًا،

وأغلقت الخط.

بكل عين وقحة.

وحينما أعاد الاتصال بها سريعًا،

وجد الهاتف مغلقًا.

ليجلس هو محله،

يشتاط غضبًا من تصرفها.

تشعره أنه يمنعها من الخروج،

وهي من كانت ترفض الخروج متعلةً بالكسل ورعاية الصغيرة وأشياء غريبة لم تقنعه يومًا.

وهو يكاد يقبل رأسها لتخرج للخارج،

تري العالم، تتعامل مع الناس.

وكان ردها الرفض دائمًا.

هي مرتاحة هكذا،

وتولى هو تلك المهمة،

ترسله لكل مكان، يشتري جميع الطلبات والمستلزمات،

رغم عودته مرهقًا من العمل.

لكنه لم يعلق على الوضع يومًا.

واليوم تغادر المنزل دون أن تخبره.

لماذا؟

فلتخبره ولن يمانع أبدًا.

لم يعد يفهم ماذا تريد حور.

هل كان صعبًا أن ترسل له رسالة تخبره بأنها بحاجة للخروج وحدها؟

لم يكن صعبًا لكنها لم تفعله.

رغم أنه حادثها صباحًا ثلاث مرات.

نظر لساعته بملامح متجهمة،

تأخر الوقت،

والصغير شمس معها،

وهي تعلم أنها تمرض من أقل شيء.

تأفف بضيق وهو يقف مقررا،

الخروج والذهاب للأماكن المعتادة هي للذهاب إليها معه.

وقبل أن يضع يده على المقبض،

فتح الباب لتظهر هي أمامه،

تحمل الصغيرة بين أحضانها،

وبيدها العديد من الحقائب،

وتطالعه بابتسامة مرتبكة من وقوفه بتلك الطريقة.

❈-❈-❈

اقترب منها ينتشل الصغيرة التي كادت أن تلقي بنفسها أرضًا من شدة اشتياقها له،

وهي تسفق بيدها على وجهه وتمرمغ وجهها في عنقه بشوق وحب.

أخذها سريعًا للداخل ليهتم بها،

مدثرًا إياها،

ومبدلًا لها ثيابها سريعًا،

قبل أن يجلس بها على الفراش يعطيها زجاجة الحليب بهدوء،

والأخرى تتناولها بنهم شديد.

مسد على خصلاتها الناعمة وهو يداعب وجنتيها.

ولم يرفع عينيه لتلك التي تقف تراقبه بعيون متلهفة للحصول على قدر من الحنان كابنتها.

تعلم أنه غاضب.

هي لم ترد أن تفعل.

تحركت ببطء تراقبه وهي تتذكر محادثتها مع أمها وشقيقتها صباح اليوم.


عودة لليوم صباحًا


كانت تجلس بجانب شمس تلاعبها وتمشط خصلاتها القصيرة الناعمة،

قبل أن تأتيها مكالمة جماعية من أمها وشقيقتها.

حادثتهم،

قبل أن تسأل شقيقتها:

"إنتوا هتنزلوا مصر إمتى يا حور؟"

أجابتها بابتسامة:

"مش عارفة حقيقي،

حسام هيظبط شغله ويقولي،

وإن شاء الله هينزل يجيب هدايا للكل."

تدخلت أمها قائلة بتقريع:

"انزلي إنتي،

ولوحدك."

ناظرتها باستغراب متسائلة:

"ليه؟

حسام اللي بيجيب أي حاجة تخص البيت،

حتى الهدايا.

مش إنتِ قلتيلي أخليه هو مسؤول عن الموضوع ده

عشان ميعتمدش عليّ،

وأفضل أنا في مكاني أدلع وأطلب.

إنتِ اللي قلتي لي كده.

ليه أنزل المرة دي؟

إيه اللي اختلف؟"

هزت أمها رأسها بضيق:

"يختي ما هو جوزك استحلى الموضوع،

واديكي شفتي المرة اللي فاتت جاب إيه ليّا ولا لأخواتك.

بدل ما يقدرنا إحنا أهل مراته،

رايح جايب شوية حاجات تكسف ومش من مقامنا."

أسرعت حور تنفي التهمة عن زوجها الحبيب قائلة بتبرير:

"ليه يا ماما بتقولي كده؟

حسام عمره ما جاب حاجة وحشة.

بالعكس دائمًا بيجيب حاجات قيمة ليكم.

بس السنة اللي فاتت كنت حامل والدنيا مكنتش أحسن حاجة.

هو كان مصر يجيب الغالي،

بس أنا قلتله مفش مشكلة،

إنتوا أهلنا،

وأكيد مش هيفرق معاكم.

الهدية بقيمتها المعنوية،

مش بالفلوس.

وكمان حسام مش مقصر أبدًا أبدًا معاكم."

قالتها بتأكيد.

مصمصت أمها شفتاها وهي ترد بعصبية:

"إنتِ هتفضلي خايبة كده لأمتى؟

لازم تعرفي جوزك،

إن من حقك تنزلي وتروحي وتجيبي وقت ما إنتِ تعوزي.

طول ما في إيده المصروف،

هيجيب بمزاجه هو."

هزت رأسها بعدم فهم.

ماذا يحدث؟

لتقول بحيرة حقيقية:

"ماما أنا مش فاهمة،

منين كنتِ رافضة إني أنزل أجيب طلبات البيت،

ومنين دلوقتي بتقولي أشيل المسؤولية؟

إزاي الاثنين مع بعض؟

أنا مش مقتنعة أبدًا."


كانت أمها دائمًا تأمرها بعكس تيار حياتها.

إن كانت تسير يمينًا، تأمرها باليسار.

وخوفها من الطلاق كأختها يجعلها

تسير بخوف من تلك اللحظة.

غافلة أنها بغباء

تسير في الطريق الخاطئ ككل مرة.


وبعد مجادلات كثيرة،

أمرتها أمها أن تخرج اليوم،

والمدهش دون إخبار حسام.

رفضت هي،

لكنها أصرت مخبرة إياها

أنه أصبح يضمن وجودها

تجلس دائمًا بالمنزل.

فلتخرج وليعود اليوم ولا يجدها.

عله يشعر بقيمتها،

ويشتاق لها.

ورغم عدم فهمها أو اقتناعها،

وبعد الكثير من الضغوط،

فعلتها هي،

وغادرت بتوتر بالصغيرة

إلى أحد المولات.

واشترت الكثير من الأشياء،

بعدما رافقتها أمها وشقيقتها على الهاتف طوال اليوم.

حتى حادثها حسام بقلق.

حادثته بتوتر،

وأغلقت سريعًا خوفًا من القادم.

لتأمرها أمها بغلق الهاتف

والتأخر قليلًا،

لكي يشتاق إليها.

وواضح أن ثمار نصائحها

تحط فوق رأسها بعنف.

❈-❈-❈

عودة للوقت الحالي

هدهد الصغيرة حتى غفت بإرهاق، ليضعها في فراشها، مغادرًا الغرفة تتبعه هي ببساطة.

وقف في منتصف غرفة المعيشة، يضع يده في خصره محاولًا التحكم بأعصابه وهو يفكر.

لم يعد يفهم أبدًا. لم يعد يفهم كيف تسير حياتهم.


اقتربت منه، تمس كتفه قائلة بشوق:

"وحشتني."

أزاح يدها، والتفت يناظرها بحنق، وهو يقول:

"كنتي فين يا حور؟ وخرجتي ليه من غير ما تقوليلي؟ أنا كلمتك كام مرة النهاردة؟ مجاش في بالك ولا مرة تقوليلي إنك خارجة؟ ليه؟ مش فاهم. إيه السبب للتصرف ده؟"

ارتبكت ملامحها وهي تقول:

"كنت عايزة أعملك مفاجأة، اشتريت شوية حاجات ليا وكده."

قطب حاجبه، يزفر بضيق، وهي تخرج ما أحضرت لتريه إياه.

كانت قمصان نوم حريرية ومنامات لها ولصغيرته، مكواة للشعر وأشياء بالفعل لديها منها.

ناظرها قائلاً باستغراب:

"إيه كل ده يا حور؟ أنا ما عنديش مشكلة أبدًا إنك تجيبي حاجة لنفسك. بالعكس، انتي عارفة رأيي في الموضوع ده. بس انتي مش شايفة إن ده كثير أوي؟ أنا لسه من فترة كنت جايبلك حاجات، وكمان انتي عندك المكواة دي صح؟ أنا جيبلك اختها من كام شهر."

أومأت برأسها وهي تقول بتوتر:

"دي لمنال، أختي، لما شفتها عندي طلبت تكون هديتها السنة دي لما ننزل."

اتسعت عيناها، وهو يناظرها بصمت، واثق من سعر تلك المكواة.

هذا وإن لم يكن قد ازداد.

زفر بضيق محاولًا الهدوء.

هل سيمنعها من أن تشتري أو تهادي شقيقتها؟ لن يفعل طبعًا.

لكن تلك ليست طبيعة حور. هي تعلم الأوضاع، تعلم وضعه، وأنه يرفض وبشدة أن يأخذ المال من والده.

فكيف تفعل هذا؟

لذلك ناظرها بعدم فهم.

قبل أن يتوجه لغرفة الصغيرة "شمس" مرة أخرى، مقرّرًا الابتعاد عنها حتى يهدأ.

تبعته وهي تراه يقف يراقب الصغيرة.

ظن أنها ستراضيه أو تعتذر، لكنها لم تفعل.

بس سألته بهدوء:

"حسام، هو إحنا هننزل مصر إمتى؟"

أجابها بهدوء دون أن يلتفت لها:

"لما الأمور تتظبط شوية إن شاء الله."

صمتت قبل أن تقول:

"المرة دي هاجي معاك وانت بتجيب الهدايا، تمام؟"

التفت لها، يناظرها بتفحص، محاولًا أن يستشف ماذا تريد حقًا.

قبل أن يمد يده، يقبض على رسغها، ساحبًا إياها للخارج بسرعة.

وما إن خرج من غرفة ابنته حتى سألها مباشرة:

"بصي يا حور، أنا مش غبي، ولا راجل أهبل. دي مش إنتي. ف طبيعي أي تغير بيحصلك فجأة أو أي قرار أو تصرف مش من طبعك ولا يطلع منك ، بيكون وراه شخص واحد بس، شخص مصمم يخرب عليكي وعليا.

 مامتك، صح؟"

ارتبكت، تحاول التحكم بنفسها وألا تقع بلسانها أمامه.

لكنها أجابته:

"ليه بتقول كده يا حسام؟ إيه دخل ماما في الموضوع؟ أنا بس عايزة أنزل أنقي هدايا عيلتي براحتِ، وأجيب الحاجات اللي هم طلبوها."

لكنها لم تتوقع صوته الذي ارتفع فجأة قائلاً بغضب:

"حور، أنا أكثر ما بكره في حياتي اللف والدوران، وإن مراتي تكون لعبة في إيد حد، حتى لو الحد ده كان مامتك. أمك على عيني وعلى رأسي، بس تاني وثالث وعاشر، إنتي مبتحرميش، ومشيك ورا أمك هيكون سبب طلاقنا."

قالها بتأكيد.

قابلته هي بعيون متسعة هلعًا.


تكملة الرواية من هناااااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا




تعليقات

التنقل السريع