القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الرابع عشر 14بقلم عفاف شريف

 

رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الرابع عشر 14بقلم عفاف شريف 





رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل الرابع عشر 14بقلم عفاف شريف 


#عريس_قيد_الرفض

#بين_الرفض_والقدر

#الفصل_الرابع_عشر

#عفاف_شريف

❈-❈-❈

الخوف الدائم هو خوف مضاعف بحد ذاته.

يجعلنا نحيا في اضطراب مستمر، نخشى اليوم والغد وحتى الأمس الذي مضى.

تتراكم المخاوف كأثقال على الروح، حتى تتحول إلى طريق يقودنا للهلاك.

❈-❈-❈

كانت تسير ببطء وسعادة، تتأبط ذراعها.

يكاد يضمها إلى صدره عله يخبئها بداخل قلبه.

اليوم اصطحبها أنس لشراء بعض الملابس الخاصة بها، تحديدًا المناسبة للحمل وزيادة الوزن.

فمع زيادة وزنها، رغم أنها لم تزداد كثيرًا،

لكنها أصبحت تحتاج للكثير من الملابس المريحة والواسعة.

ولم تعد تطيق ملابسها التي ضاقت عليها.

رغم أنه أخبرها بعبث ليلة أمس أنه يحبها كما هي،

لكن بعيدًا عن المزاح هو يعلم أنها لا ترتاح أبدًا سوى بالملابس المريحة.

وأنها أيضًا تخلصت من كل ملابس حملها السابق بابنهم رحمه الله لأحد السيدات الحوامل المحتاجات.

ولم يمنعها هو يومًا.

فأصر عليها اليوم ورضخت هي تحت إصراره.

ولم تعلم أنه لم يأخذها فقط لشراء الملابس،

بل كان بحاجة لإخراجها ببطء من تلك الحالة التي تلبستها مؤخرًا.

راغبًا وبشدة في استعادة حبيبته،

وأم أبناءه، ورفيقة دربه.

يريدها كما كانت،

كما وقع في غرامها أول مرة ومن أول نظرة.

يريد تلك التي لم تخبو الضحكة عن وجهها أبدًا.

كانت بجانبه دائمًا، والآن حان دوره.

دورة أن يحتضن قلبها

ويشعرها بالأمان.

كانت تسير صامتة إلى حد ما.

يثرثر هو وترد هي.

يلقي النكات.

حتى انطلقت ضحكتها ولم يستطع هو التحكم بها.

انفرجت شفتاه بابتسامة محبة وهو يشير لها على أحد المحلات المشهورة.

لكن توقفها فجأه، مما جعله يناظرها باستغراب يرى ماذا حدث.

قبل أن ينظر لها،

وهو يراها تقف متصنمة.

تغمض عينيها وترفع رأسها قليلاً.

اقترب منها يهمس في أذنها باستغراب وإحراج: "ملك، إنتي عايزة تدخلي الحمام ولا إيه؟

وقفة وانتِ مغمضة كده ليه؟"

فتحت عينيها سريعًا تناظره شذرًا.

قبل أن تهمس له هي الأخرى، وهي تشمشم حولها كالقطط: "شامم..."

هز رأسه نافيًا وهو يتشمم الهواء بحثًا عن تلك الرائحة المجهولة بالنسبة له.

قبل أن يجدها تتحرك وتسير للجهة الأخرى،

كأنها مسلوبة الإرادة.

تبعها سريعًا وهو يمسك يدها مرغماً.

فهذه المجنونة يتوقع منها كل شيء.

وفي النهاية، وقفت به أمام أحد محلات المشويات بالقسم المخصص للمطاعم.

ورغم أنه يبعد الكثير،

إلا أن أنفها التقط الرائحة.

أنفها يعمل بضمير منقطع النظير.

فأحضرها لهنا.

أمسكت كم سترتها تشدها للأسفل،

وهي تقول بدلال وجوع: "أنس حبيبي،

لو سمحت، عايزة وجبة كفتة وطرب،

وزود السلطات."

اتسعت عيناه يناظرها بصدمة.

فهي تناولت طبقًا كبيرًا من طعام الغداء قبل أن يخرجا معًا.

كيف جاعت وهو يشعر بأن بطنه ستنفجر؟

إلا أنه عاد وتذكر أنها حامل.

فلْتأكل قدر ما تشاء، المهم أن تكون هي والصغير سعيدين.

وبعد بحث طويل عن مكان للجلوس بسبب الزحام،

أجلسها وذهب لشراء ما طلبت.

وقبل أن يعود مرة أخرى،

أرسلت له رسالة.

تطلب أن يأتي لها أيضًا باثنين من الحواوشي.

واحد لها،

وواحد له.

وعندما أخبرها أنه لا يريد،

أصرت هي بأن يأتي به ولا يتدخل.

فعاد سريعًا ليطلب لها.

وظل محله،

لعلها تطلب أي شيء آخر.

فيعود مضطرًا.

ورغم غيظه منها، تلك المحتالة،

إلا أنه سعيد.

سعيد بكونها تتفاعل من جديد.

❈-❈-❈

أحضَر لها الطعام ولنفسه كوب قهوة،

وجلس يطالعها وهي تأكل بشهية، مصدرها أصوات استمتاع وسعادة حقيقية.

قبل أن تمسك لقمة تدسها في فمه  متسائلة برقة: "حلو صح؟"

أومأ لها مع ابتسامة.

قبل أن يرفع يده يعدل حجابها بهدوء.

يراقبها ولا يمل أبدًا.

وكيف يمل من تلك الجنية؟

وجد يدها تمتد لما أحضر له ليسألها بمشاكسه: "مش ده الحواوشي اللي قلتي ليا ؟"

هزت رأسها قائلة بتأكيد: "هو."

بس، مش أنت بتقول شبعان هأكله أنا.

حرام يترمي.

وأكملت بتذكر: "طنط إمبارح وهي بتكملني بتقولي إنها مستنية أجي أولد في مصر.

هو أنت مقلتلهمش إني هولد هنا؟

عشان مش هقدر أنزل أولد هناك."

ناظرها لثوانٍ قبل أن يقول بضيق: "قلتلها،

بس هي كل مكالمة تصر على الموضوع ده،

مصره يعني عشان تطمئن على الطفل وكده.

بتقول عايزاه في حضني."

قالها ولم يخبرها الحديث كله،

فأمه تتهم ملك بأنها السبب فيما حدث.

ومهما نهرها عن قول تلك الأمور لا تتوقف.

ويخاف بل يرتعب أن تسمعها ملك.

ليكمل قائلاً: "فقلت خلاص مش مشكلة،

وقتها نقول إن الدكتورة منعتك من السفر.

هنلاقي سبب مقنع إن شاء الله،

بس الأهم عندي هو أنتِ.

أنتِ ليه مش حابة تولدي هناك يا حبيبي؟

يعني هناك هتكوني هناك وسط العيلة،

وعمو وتميم وكلهم أكيد هيكونوا موجودين.

وبرضو أكيد الاء هتنزل تكون معاكِ."

إجابتها سريعًا بتوتر: "لأكثر من سبب.

أهمهم طنط يا أنس.

صدقيني أنا مش عايزة أبدًا أزعلك،

بس طنط يا أنس بتضغط عليا،

وأنا مش بحب أزعّلها أبدًا.

وقتها هتصر أولد هناك في شقة في البيت بتاعها،

وأنت عارف أنا مش متعودة على الجو هناك،

وكمان مفيش أي خصوصية أبدًا.

يعني بنروح نقعد شوية بتشوف اللي بيحصل.

تخيل لو ولدت عندها،

مش هقدر لا أنام ولا أخد بالي من البيبي خالص.

فهي لو مش هتزعل من رفضي كنت ولدت هناك،

بس أنت عارف إيه اللي هيحصل،

وأنا مش حابة أقضي الفترة دي في تعب ومناهده وكلام مش لطيف من أي حد.

أنت عارف أكيد هي بتزعل من أقل حاجة أنا بقولها."

تنهد بضيق وهو يُجيبها مؤكداً: "عارف، للأسف.

إن شاء الله محلولة يا حبيبتي،

متزعليش، بإذن الله نراضيها وما يكونش في زعل أبدًا."

أومأت له، وقبل أن تعود لطعامها،

قاطعهم رنين هاتف أنس،

ولم تكن سوى أمه.

ناظرها سريعًا وهو يقول: "كملي أنتِ أكلك،

وأنا هرد وأجي."

كانت تعلم ممن تلك المكالمة،

ولم يكن لها طاقة في تلك اللحظة

لإفساد يومها بسبب حماتها العزيزة.

❈-❈-❈

ابتعد قدر الإمكان قبل أن يجيب قائلاً بابتسامة: "حبيبتي وحشتني، عاملة إيه؟

والكل عندك؟"

"الحمد لله بخير،

وملك كمان كويسة."

"لا مش جنبي دلوقتي،

بعدين إن شاء الله هخليها تكلمك."

"آه، قوليلي طبعًا."


إجابة أمه بنبرة أمره: "أنس، أنا عايزة مراتك تنزل تولد هنا

في بيتي أنا،

عشان أخلي بالي من العيل."

صمت قليلاً،

لتكمل هي: "أديك شفت اللي حصل المرة اللي فاتت،

أكيد بسبب إهمالها.

ما كان الحمل ماشي كويس.

أنا يا ابني عايزة أفرح بابنك،

مش كفاية قهرتي على اللي راح."

قالتها بحزن.

ليلتفت هو يطالع تلك التي تناظره من بعيد،

قبل أن يهديها ابتسامة وهو يقول بتأكيد: "ماما، الكلام ده قبل أوانه،

والي حصل مع ابني مكنش سببه ملك.

ده كان قسمه ونصيب،

نصيبه وعمره.

مينفعش اللي بتقوليه ده أبدًا.

أرجوكي، أنا مش عايز أبدًا ملك تسمع الكلام ده،

لأنك وقتها هتكوني بتاذيني أنا قبلها.

لو سمحتي يا ماما."

"تمام."


ظل الصمت يظلل المكالمة بضع ثوانٍ،

قبل أن تقول أمه بغضب: "كده يا أنس؟

ماشي، اعمل اللي أنت عايزه."

وأغلقت.

ظل ينظر للهاتف بضع ثوانٍ،

قبل أن يحادث والده

ليخبره الآخر أن يطمئن، هو سيحل الأمر.

ومع ذلك كان حزينًا،

لا يرضيه أبدًا حزنها،

لكن ماذا إذا كان يمس زوجته؟

هي في مكانه،

وملك في مكانه،

ولن يميل لجهة لأجل الأخرى أبدًا،

أبدًا ما حيَّا.

❈-❈-❈

انتهت من الطعام،

ودلف كل منهما إلى المسجد  ليصليا.

وما إن انتهيا حتى توجه معها لشراء ما أتيَا لأجله.

وقف ينتقي لها قطعًا مريحة تناسب ذوقها، لكن لم يعجبها أي شيء،

وحركت كتفها بدلال مخبرة إياه: "مفيش حاجة حلوة، تعالي نبص في مكان تاني."

وخرجا سريعًا.

ولم يدرك أنها خرجت به ليس لأنها لم يعجبها شيء،

بل بسبب نظرات العاملة التي لم تكف عن التحديق به والابتسام.

ولم يرها هو حتى.

ودلفا إلى آخر،

وانتقت ودلفت لغرفة القياس لتقيس وتريه.

وظلا هكذا حتى انتهت تمامًا.

أجلسها في أحد المقاهي

حتى يضع الحقائب في السيارة ويعود لها.

وجلست هي تطلب كوب الشاي بالنعناع

وحلوى بالشكولاتة،

وله بالمانجو لأنها تحبها.

❈-❈-❈

عاد إليها وكانت تتناول حلواها بهدوء،

قبل أن تبتسم له مشيرة على الحلوة.

وظلا هكذا يجمعهما حديث هادئ

حتى ظهرت امرأة من حيث لا تعلم

تحادث أنس بابتسامة كبيرة تشمل وجهها، وهي تقول بسعادة ودهشة: "إيه ده يا أنس؟

إيه المفاجأة الحلوة دي؟"

التفت لها الآخر يبتسم لها بهدوء وعينه على تلك التي تركت شوكتها ورفعت أحد حاجبيها،

وعادت بظهرها للخلف قليلاً واضعة يدها على بطنها، تناظره بشر.

وقبل أن ترفع الأخرى يدها للسلام،

مد يده وضعها على صدره بإحراج قائلاً بهدوء: "أهلاً، إزايك آنسة صافي؟"

ردت عليه الأخرى بحفاوة شديدة: "الحمد لله،

أنت عامل إيه في شغلك الجديد؟

والوضع إيه؟"

ارتفع حاجب ملك أكثر وهي تردد بصوت لم يسمعه سوى أنس: "ما شاء الله يا حبيبي.

ها، وأي كمان؟

أشجيني.

وكمان، آنسة؟

يا حلاوتك."

تغير لون أنس وهو يطالعها تارة وزوجته تارة

قبل أن يرد على الأخرى قائلاً: "الحمد لله،

الحمد لله."

ظلت الأخرى تثرثر

قبل أن تقول: "وحشتنا كلنا والله يا أنس.

لازم تيجي تزورنا مرة،

أو نتجمع كلنا.

إيه رأيك؟

أنت معاك رقمي صح؟"

ارتفع حاجب ملك أكثر وهي ترى ما يحدث.

قبل أن تنهض ببطء مقتربة منه قائلة بصوت يحمل الكثير من الوعيد: "مش يلا ولا إيه؟"

نظرت لها الأخرى بملامح متفحصة

وهي تسأل: "أختك؟"

ابتسمت لها ابتسامة صفراء وهي تمسك بأنس من ذراعه قائلة بدلال وهي تقرصه من خصره في الخفاء: "الله، هو مش قايل إنه متجوز ولا إيه؟

كمان.

يا حبيبي،

مراته.

مراته يا حبيبتي."

قالتها وهي تنزع يد زوجها،

ترفعها لتريها خاتم زواجهم

علها تضع في عينها حصوة ملح.

ابتلع أنس ريقه وهو يبعد ملك قليلاً للخلف،

يخشى أنها تنقض عليها في أي لحظة.

تجاهلت الأخرى نظرات ملك قائلة بابتسامة: "إيه رأيك نقعد سوا في الكافيه هنا؟

بقالى كتير مشفتكش."

قالتها وهي تضع يدها على ذراعه،

ليبعدها هو فورًا بحده.

وحدث بعدها كل شيء في غمضة عين.

ففي ثوانٍ معدودة لم يدركها هو حتى.

كانت ملك تضع يدها على جنينها تحتضنه،

تصرخ بأعلى صوت

وهي تصيح بألم شديد: "أنس،

الحقني،

الحقني أنا بولد!"

"آه!"

قالتها بصراخ سمره للحظة.

ينظر لها بذهول،

قبل أن يحملها برعب شديد،

يركض بها خارج المقهي،

يركض في الرواق بهلع شديد.

وهنا خفت صراخها شيئًا فشيئًا،

وبطأت خطواته هو الآخر شيئًا فشيئًا،

كانه يحاول أن يدرك ما يحدث.

حتى توقف تمامًا وهو يناظرها بعين متفحصة،

قبل أن يقول بإدراك وغباء: "دقيقة.

إيه الهبل ده؟

بتولدي في الخامس؟"

قالها بتأكيد وتفحص شديد.

❈-❈-❈

كل يوم تبني فجوة جديدة بينهما، حواجز صمت وكلمات. هي تظن أنه اكتفى، وهو يبتعد بصمت، والفجوة تكبر دون أن يلحظها أحد.


لم تعرف كم ظلت تنتظره وحينما تأخر

اضطرت مجبرة أن تدلف لابنتها لتكون بجانبها،

ولم تدري متى غفت حتى.

وحينما حل الصباح،

لم يكن بالغرفة،

لكن الفراش وملابسه الملقاة عليه

أثبتت حضوره ليله أمس.

أتى وغادر وهي نائمة، لم تشعر به

ولم يعطها فرصة لتبرر

ولا لتسد تلك الفجوة.

فقط ابتعد مقررا عقابها.

نظرت لابنتها النائمة:

"أكِيد أنه رآها قبل أن يغادر، وقبلها أيضًا.

مستحيل أن يتخلى عن عادته تلك."

وهي،  هل قبلها؟

هل اهتم بها كابنته،

حتى ولو لم تره.

تنهدت بضيق وهي تضع ابنتها بالفراش الخاص به،

تضع لها الرقية

وتتركها

 القليل وتستيقظ.

خرجت أخذت حمامها وأبدلت ثيابها،

وجلست تنظر للباب،

بيدها الهاتف مترددة.

أمس هاتفته عشر مرات،

ولأول مرة منذ أن تزوجته

تجاهلها،

كانه لا يريد الحديث،

كانها لا تهمه.

رفعت الهاتف على أذنها تحادثه مرة أخرى،

لكن لا إجابة.

انزلقت من عينيها دمعة نادمة،

تشعر بقلبها يحترق.

خلاف بعد آخر،

وهي تخطئ.

لكن ماذا هي فاعلة؟

تخاف، بل ترتعب.

تتذكر ما حدث مع شقيقتها

فأصبحت ترتعب.

بداخلها الكثير من الهواجس،

خوفًا بل رعبًا من كل شيء.

لكن بداخلها دائمًا صوت يخبرها:

"متى كان حسام سي؟

بالعكس كان دائمًا حنونًا،

لا يبخل عليها

بمشاعره كان أو بماله،

كان يأتيها بالشيء قبل أن تطلبه حتى."


وماذا تفعل هي؟

تخلق الشجار بينهم كل يوم وآخر.

تعلم أنها مخطئة،

وبكل مرة تقرر أنها لن تفعل هذا مرة أخرى.

لكن ومع كل محادثة مع أمها،

تتبخر قوتها المزعومة

وتقع في شر أعمالها.

لا يأتي حديث أمها سوى بثمار فاسدة.

اتصلت به مرة أخرى، وأخرى، وأخرى،

ظلت هكذا حتى وصلت لثلاثين مكالمة.

لم يرد.

حتى أغلق الهاتف.

نظرت لهاتفها بعين مرتعشة،

وقبل أن تفكر بالبكاء،

صدح صوت بكاء صغيرتها.

انتفضت من مكانها تذهب للصغيرة التي كانت تقف تستند على الحواجز بعيون باكية.

حملتها، تضمها إلى قلبها.

هل هي أيضًا اشتاقت له؟

اشتاقت لحضنه الدافئ

وقلبه الحنون.


❈-❈-❈


مر يومها ببطء السلحفاة.

نامت الصغيرة واستيقظت ثلاث مرات.

وظلت هي تنظف المنزل النظيف بالفعل،

والوقت يمر ببطء مرهق،

كأنها تعد الدقائق منتظرة عودته.

كانت تنظف الحمام،

قبل أن تستمع لصوت رنين هاتفها.

انتفضت، تركض للخارج،

وفي غمرة سرعتها

انزلقت وسقطت أرضًا بقوة،

فارض الحمام مبتلة بسبب الماء المسكوب عليها.

كانت تتأوه بألم شديد

وهي تمسك ظهرها،

تبكي وكأن ألم قلبها لا يكفيها.

ظلت هكذا حتى استطاعت أن تتحرك،

وهي تتجه لهاتفها شاعرة بألم شديد

وهي تنظر لملابسها المبتلة.

صدع رنين هاتفها مع آخر،

وكانت أمها.

رفضت المكالمة وصوت بكائها يزداد.

قبل أن تتصل عليه،

وحينما لم يرد،

بعثت له رسالة سريعة وهي تشعر بالألم:

"الحقني يا حسام".

وجلست على الأريكة تشعر بألم شديد

بظهرها وقلبها.


❈-❈-❈


كان يجلس خلف مكتبه بانتظار المريض التالي،

يعمل بشرود لا يريده،

لكن لم يعد يحتمل تدخل حماته الشديد في حياته.

أيطلقها حتى يرتاح قلبها؟

يكره هو التدخلات وتعشق هي التدخل في حياتهم.

ويكره هو أكثر استسلام حور لها.

حتى وإن تحدثت، لماذا تطيعها؟

لماذا تسير خلفها مغمضة العين؟

ما السبيل لهذا؟

أهو مقصر؟

لا يرى؟

حتى وإن كان هكذا، فلتخبره،

لا تتصرف بتلك الطريقة أمامه.

وسط شروده، صدح رنين هاتفه للمرة التي لم يعد يعلم عددها.

وكالعادة، تجاهلها.

لكن وصول رسالتها له

جعله ينتفض، يغادر سريعًا بهلع،

دون أن يكون قادرًا على منع نفسه.

ففي النهاية،

إنها حور،

حبيبته.


❈-❈-❈


لم يعلم كيف وصل للمنزل بتلك السرعة،

وهو يدلف سريعًا وصوت أنفاسه العالية يزداد رعبًا.

وهو يجدها متكومة على الأريكة،

ملابسها المبتلة تلتصق بها،

ووجهها أصفر اللون شاحب وباهت كأنها لم تكف عن البكاء.

اقترب منها يطالعها بعين عاتبة، متعبة وخائفة،

قبل أن يحملها برفق.

انتفضت هي على أثره،

قبل أن تضع رأسها على صدره بستسلام، متألمة غير قادرة على الحديث

ولا لأي شيء.

وضعها برفق على الفراش،

أخرج ملابس نظيفة

وملىء الحوض بمياه ساخنة،

قبل أن يساعدها لتدخل،

ويسرع هو للخارج لإحضار الأدوية اللازمة

والاطمئنان على الصغيرة شمس.

انتهى سريعًا وحمل الصغيرة لغرفتهما لتظل بجانبهم.

وضع الصغيرة سريعًا على الفراش،

وهو يراها تخرج من الحمام

ليحملها برفق، يضعها بجانب ابنتها لتضمها إلى صدرها.

تاركًا له الحرية في تجفيف خصلاتها وعلاج ظهرها،

ودون أي رد فعل آخر،

دون حديث أو عتاب بتلك اللحظة.

انضم لهم في الفراش،

يضمهم إلى صدره،

فكفي ما حدث  لليوم،

وليترك الغد للغد.

❈-❈-❈

اليوم صباحًا

دلفت للمدرسة تدفع عربة الصغار،

يجلس فيها الصغير عز يضم أخاه تميم.

اليوم هو الحفل المدرسي الخاص بالصغيرتين آية وآيلا،

وكالعادة رامي مختفي من الوسط،

ولكن هي لم تعد تهتم.

فلتهتم بالصغار

ونفسها والباقي لا يهم.

يكفيها أن تكون هي وهم بخير،

ولكن بداخلها سؤال يستمر في الظهور:

هل هي حقًا بخير

أم تدعي أنها بخير؟

انطلق صوت صراخ تميم وعز يحاول أن يضع يده في عينه،

لتحمله، تضمه إلى صدرها،والصغير يتشبث بها.

ليناظرها عز بعيون حزينة هو الآخر.

ابتسمت له بهدوء قبل أن تقربه هو الآخر إلى قلبها، تحمل الاثنين.

لم يمر الكثير وبدأ الصغار يظهرون،

يرقصون ويغنون، والصغيرتين تنيران المسرح.

تشيران لها بحماس.

ابتسمت لهم تشير لهم هي الأخرى،

وهي ترسل لهم الكثير من القبلات،

وتشير لتميم وعز على شقيقتيهما بفرحة.

وفجأة، من حيث لا تعلم،

سحب أحدهم عز من علي ساقها.

انتفضت سريعًا برعب،

قبل أن تهدأ وهي ترى رامي يقف أمامها، يناظرها بهدوء، يحمل بين يديه عز المشتاق له.

ناظرته لثوانٍ قبل أن تعيد وجهها حيث الصغار،

متجاهلة إياه تمامًا.

وقد جلس جانبها،

بعد أن طلب من أحد الآباء الذين كانوا يجلسون بجانبها أن يتنحى للمقعد الآخر ليجلس محله

بجانب زوجته.

سارت الحفلة بهدوء إلى حد ما،

كان صامتًا، وهي لم تحاول كسر صمته،

بل العكس أصرت أن تبقى مستمتعة بحفل صغارها

وهي تراهم يرقصون ويغنون على المسرح.

الجنيات الصغار،

زهرة حياتها.

قرأت المعوذتين وهي تراقب جمالهم

وبهاء طلتهم الخاطفة للأنفاس،

وهي تدعو في سرها أن يحفظهم الله لها.

دعتها من كل قلبها

وهي تضم الصغيرين تميم وعز بعد أن جاور أخاه.

هم هديتها بتلك الحياة،

وهي اكتفت بهم للأبد.


❈-❈-❈

اليوم سيعود مبكراً من العمل.

كانت قد أعدَّت السمك بوصفة حسناء الرائعة حتى أصبحت رائحتها الشهية تملأ المنزل. ورغم أنها لم تحب لمس السمك، إلا أنها حاولت التكيُّف لأجله، حاولت حقاً.

أعدَّت الأرز المُبهر والسلطة، حتى أنها أعدَّت العصير. جهزت المنزل ونفسها، كانت تحاول أن تكون هي، هي كما كانت تحلم. صعب ومحير نعم، تتخبط نعم، لكنها تؤمن أن هذا المنزل يستحق، وأن عمر يستحق أن تحاول لأجله.


صوت مفتاحه بالباب جعلها تبتسم بهدوء وهي تقف في استقباله تهديه ابتسامة مشرقة. قابَلَها هو بأخرى وهو يراها تستقبله بجمالها المعتاد ومنزلهم الدافئ. اقترب منها يمس وجنتيها وهو يقول بحنان: وحشتِني.


ابتسمت له وهي تقبِّل وجنته، قبل أن تشير للمنزل ولطاولة الطعام قائلة:

جهزت الغدا عشانك، عملتلك سمك. هيعجبك، أنا واثقة.

تنهد بضيق وهو يقول باعتذار:


معلش يا فريدة، مش هقدر آكل. لازم نروح لعمتي النهارده. اتصلت بيا وزعلانة جامد، وحقيقي كانت مضايقة أوي، وأصرت إني لازم أروح، ووعدتها أننا هنتغدى معاها النهارده إن شاء الله.

اختفت الابتسامة من على شفتيها وهي تناظره بانزعاج، قبل أن تقول:


بس انت ما قلتليش إننا هنروح النهارده!

 يعني أنا مش مستعدة، وكمان الأكل اللي عملته؟

اقترب منها يقبِّل وجنتها قائلاً بأسف:


معلش يا حبيبتي، حقيقي غصب عني نسيت خالص واتلخمت. يا دوب قدرت أخلص الشغل بسرعة وأجي جري عشان نلحق نروح. معلش، يلا ادخلي البسي.

خفضت عينيها تنظر أرضاً بضيق شديد، قبل أن تتحرك لغرفتها لتبدل ثيابها، حزينة على جهدها الذي ضاع سدى.


❈-❈-❈


استقلا سيارة أجرة متوجهين نحو منزل عمته التي لم ترها ولا مرة حتى. لم تحضر زفافهما، ولم تحدثها أبداً لتبارك لهما.

عمة عمر بمقام والدته، هي من ربته، لذلك مقامها كبير لديه.

تنهدت وهي تسند رأسها على النافذة بجانبها، وهي تتذكر دخوله خلفها وهي ترتدي ملابسها ليتحقق مما سترتدي، وأصر على أن ترتدي أحد فساتينها الفضفاضة، إصرار لم تحبه.

كأنه يأمرها. وظل هكذا حتى تأكد من كل شيء، كأنها ذاهبة لمقابلة عمل لا لزيارة عمة زوجها.

وبداخلها حقاً هي ليست مرتاحة، وقلبها مثقل بالضيق.


❈-❈-❈


هبطت من سيارة الأجرة في منطقة شعبية قديمة.

أمسك يدها يسيران معاً، قبل أن يوقف إحدى العربات الصغيرة ليركبا فيها. وحينما سألته أخبرها ببساطة أنه "التوكتوك".

كان يسير بسرعة في شوارع ضيقة للغاية. كانت منطقة شعبية بحق، حتى تلك المناطق لم ترها في الأفلام.

وأخيراً وقف ذلك الشيء الصغير، وهي تترجل منه شاعرة بالغثيان، وأنها ستفرغ ما بمعدتها بأي لحظة.

ترنحت فجأة ليسندها هو سريعاً متسائلاً بقلق:


إنتِ كويسة؟

أومأت بتوتر وهي تمسح وجهها، تخرج زجاجة المياه الخاصة بها ترتشف منها بهدوء، وهو يمسك يدها يدخلها للبيت المنشود.


كان بيتاً قديماً جداً، متهالكاً وذا سلالم ضيقة وغير مريحة أبداً. الحوائط متآكلة وكأنه منذ الكثير من السنوات.

خطوات بسيطة وكانوا أمام باب شقة قديم أيضاً، يبدو أن كل ما هنا قديم بحق.

وقبل أن يرفع يده ليدق الباب، 

فُتح الباب فجأة لتظهر من خلفه فتاة شابة، وهي تطلق صيحة متحمسة قبل أن تلقي بنفسها بين أحضان زوجها عمر.


❈-❈-❈


انتهى الحفل المدرسي، ليصر الصغار على الذهاب للمجمع التجاري الذي تأخذهم هي له دائماً. ومع إصرار الصغار ورغم رفضها، والغريب أنه وافق ببساطة.

رضخت هي لأجلهم.

جلسوا سوياً في منطقة المطاعم. طلب الصغار ما أرادوا، وطلب هو أيضاً، وطلبت هي مع إصرار الصغار وجبة بسيطة لكي تتشارك معهم.


بدأ الصغير عز يتململ بين يديها جائعاً وغير مرتاح. فأخرجت من حقيبتها زجاجة الحليب وأعطته إياها، إلا أنه رفضها.

جزَّت على أسنانها بغيظ تريد أن تعضه. فالصغير لا يحبها، ولا هي أيضاً، لكنها تجبر خارج المنزل.

تنهدت بضيق وهي تقف تحمله بين يديها، والحقيبة على كتفها بداخلها ساتر الرضاعة وأدواته الخاصة.

أوقفها بيده وهو يقول:


رايحة فين؟

أشارت له نحو الصغير بنظرات ذات مغزى وهي تقول:


مش هتأخر، خلي بالك من عز والبنات.

وغادرت سريعاً لتعود قبل أن يأتي الطعام.


❈-❈-❈


كانت تجلس في المكان الخاص بتبديل الحفاضات للرضع. أطعمته وبدلت له الحفاض، وحملته تلاعبه، تقبِّل وجنته وتحدثه قائلة بسعادة وهو يضحك:


قلب ماما يا ناس، قلب ماما الحلو المؤدب يا ناس، روح قلبي أنا.

قالتها وهي تقبِّله بشدة.

وما أن وصلت للطاولة وجدت صغيرتيها قد بدأتا بالأكل بالفعل. ابتسمت لهما بهدوء وهي تنقل عينيها بينهما تبحث عن ثالثهم.


قبل أن تتلفت حولها بسرعة، وعدم استيعاب، وقلبها يدق برعب، وهي تسأل المنشغل بطعامه بهلع وقلبها على وشك التوقف:


عز فين يا رامي؟!

رفع الآخر رأسه يناظرها بصدمة، جعلتها تصرخ برعب وهلع:عز!

ابني!


❈-❈-❈

تكملة الرواية من هنااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا




تعليقات

التنقل السريع