القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية غناء الروح الفصل العشرون 20بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)

التنقل السريع

     


    رواية غناء الروح الفصل العشرون 20بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)





    رواية غناء الروح الفصل العشرون 20بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)





    غناء الروح 


    الفصل العشرون..


    -مين ده؟ 


    قالها يزن بنبرة غاضبة، محملة بنيران الغيرة، عندما لاحظ نظرات ذلك الشخص، والذي بدا عليه أنه نفس الشخص الذي رآه يوم الجمعة، ماذا كان يُدعى؟ ... حسنًا، "فايق"، فتذكر على الفور نعومة صوتها وهي تتلفظ باسمه عندما أغلق الاتصال في وجهها!


    كانت سيرا تقف خلفه، متخذة منه سدًا منيعًا تحتمي به، بعدما استنزفت طاقتها في ضرب فايق بحقيبتها بكل غل، عندما تجرأ وأمسك بذراعيها بوقاحة لم تتحملها، فقالت بحقد وكره موجهين إلى فايق، الذي كاد يلتهمها بنظراته:


    -واحد متطفل، معندوش كرامة.


    -متطفل مين يا ****، يا بنت الـ ****


    غلى الدم في عروقه عندما سمع وقاحتها المتعمدة، فتلفظ بشتائم قذرة، كان رد فعل يزن عليها عبارة عن لكمات متتعدة مصوبة إليه في عدة اتجاهات، حتى تراجع إلى الخلف محاولاً التحكم في نفسه بعد مباغتة يزن له، فسمعه يقول بصوت جهوري حانق،  كاد يلتهم الأخضر واليابس بأنفاسه الحارة الغاضبة ونظراته النارية:


    -لو ماحترمتش نفسك هعلمك الأدب يا ابن الـ ***، فوق واعرف بتكلم مين!


    مسح فايق قطرات الدم بجانب فمه الناتجة عن اللكمات التي تلقاها بعنف، ثم ابتسم بخبث وهو ينظر إلى سيرا متجاهلاً وجود يزن بقصد وبرود تعجب له الآخر بشدة:


    -مبسوطة وهو بيضربني عشانك، واقسم بالله هوريكي النجوم في عز الضهر وما هسيبك.


    رفع يزن حاجبيه معًا وهو يرمقه بسخرية لاذعة:


    -هو أنا شفاف بالنسبالك ولا أيه؟!


    فاقترب خطوة من فايق الذي تراجع للخلف، وهمس بنبرة ساخطة يغمرها الشر:


    -فكك يالا من منظري والجو اللي أنا فيه ده، ده أنا صايع وجايبها من تحت اووي، آخر إنذار ليك ومن بعدها وربي وما أعبد، أنا اللي هوريك النجوم في عز الضهر، أنا قرصتي والقبر.


    فقد فايق أعصابه وضرب يزن في صدره عدة مرات بقوة، متلفظًا بحنق وغيرة حارقة:


    -قرصة مين يا حبيبي، ده أنا هعلمها الأدب على الحركة اللي عملتها معايا، بقى تسيبني أنا وتوافق عليك أنت!


    ابتسم يزن ساخرًا ومال برأسه جانبًا وهو يقول بنبرة قوية خافتة وصلت إلى أعمق نقطة في عقل فايق، فأشعلت نيران استفزازه:


    -انت يالا مش شايف الفرق ولا أعمى ولا نظامك أيه، عرفني عشان أعرف اتعامل معاك، أصل الفرق واضح ما بيني وبينك، وبعدين....


    هنا ربت يزن بقوة على وجنتي فايق واستكمل باشمئزاز:


    -وبعدين الفرق ده أنت ازاي مش شايفه!

    ويلا من هنا، عشان ماتكلش علقة تحلف بيها عمرك كله!!


    فتح فايق ذراعيه وقال بصوت جهوري مستفز:


    -يلا والجدع اللي يكمل للآخر.


    لم ينتظر يزن كثيرًا، بل انهال عليه بالشتائم التي تعجبت منها سيرا، خاصة عندما رأته يتشاجر مع فائق بجنون، حينها اكتشفت فيه جانبًا همجيًا وعدوانيًا، فبدا وكأنه فتوة خرج من القرن الماضي!


    تجمهر المارة من حولهم، وتعلقت عيناها بيزن الذي كان بارعًا في تسديد لكماته وكأنه ملاكم محترف، ولكن شعور بالخوف الذي سيطر عليها جعلها تقف جانبًا، واضعة يدها فوق فمها وعيناها امتلأتا بالدموع، فحمدت الله كثيرًا عندما تدخل بعض الأشخاص وأبعدوهما عن بعضهما ولم تشعر بنفسها إلا ويزن يمسكها من مرفقها يجذبها خلفه بقوة.


    وفجأة اختفى فايق من الشجار، وتسلل المارة إلى أعمالهم، وبقيت وحيدة في مواجهة يزن في مكتبه ذي الواجهات الزجاجية الكبيرة.


    انتفض جسدها عندما سمعته يصرخ بنبرة حارقة، وعيناه تنذران بالشر، فبدت ملامحه غريبة غير تلك التي تحفظها عن ظهر قلب!


    -أنا عايز أعرف في أيه بينك وبين الواد ده؟!


    رفعت وجهها تطالعه باستنكار مهزوز عندما أدركت مقصده:


    -يعني أيه؟ هيكون بيني وبينه أيه!!


    توقف عن حركته الهوجاء في مكتبه، مما شتت انتباهها عدة مرات، فقال باستنكار مماثل:


    -ماتستعبطيش يا سيرا، اللي أنا شوفته بره ده اسميه أيه؟!


    ظلت على نفس جلستها، تنظر إليه وتجيب بهدوء، على عكس الحرارة المنبعثة من نيرانه الحارقة، التي وصلت إليها رغم وجود مسافة بينهما، فقد كانت في آخر الغرفة، بينما هو في أولها:


    -تسميه خناقة مع واحد مش محترم حاول يتعرض ليا وأنا وقفته عند حده بس!


    بساطتها استفزته لدرجة أنه اختصر المسافات بينهما ووقف أمامها، يطالعها من الأعلى، فرفعت رأسها إليه بعدم فهم، وهو يقول بغيظ:


    -الواد ده محروق منك عشان اتخطبتي ليا، الحوار ده فيه حاجة مش مفهومة، حرقته مش طبيعية!!


    نهضت فجأة دون أن تحسب في حسبانها قرب المسافة بينهما، فاصطدمت به ووقعت للخلف على الأريكة، لكنها تداركت إحراجها بقولها الغاضب، وإصبع السبابة يشير إليه بتحذير قاسٍ:


    -لا بقولك أيه، أنا ماسمحلكش، ومش معنى إنك خطيبي إنك تتعدى حدودك معايا في الكلام، أنا لا يمكن اسمح بتلميحات زي دي.


    ثبت بصره عليها باستهجان وهو يقول بنبرة أهدأ وأقل انفعالاً:


    -تلميحات أيه؟، طيب...


    صمت للحظة يستجمع أنفاسه وتركيزه، ثم عقد ذراعيه أمامه متسائلاً بسخرية مبطنة:


    -طيب أنتي شايفة أيه؟ وضحيلي يلا!! الواد ده كان بيتخانق معايا علشانك!!! مشي وراكي علشانك، محروق علشانك بردو، وانتي عاملة نفسك مش واخدة بالك!!


    -أنا حقيقي ماعرفش في أيه، ومستغربة اللي هو عمله، بس هقولك فايق أصلاً شخص شايف نفسه اوي وفاكر إن كل البنات بتحبه عشان معظم بنات المنطقة عندنا بيحبوه، فمعنى أنه يتقدملي وأنا ارفضه دي حاجة ممكن توجعه.


    كان ذلك تحليلًا طرأ برأسها لفهم موقف فايق، الذي بدا غير مفهوم بالنسبة إليها، فسمعته يقول ساخرًا، وهو يعيد خصلات شعره للخلف بترتيب:


    -باين بنات المنطقة عندكم مشافوش شباب قبل كده!!


    شعرت بمغزاه المبطن عن نفسه ووسامته، فعقدت ما بين حاجبيها بغيظ، مشددة على صوتها الحاد:


    -ماتشوفش نفسك بس!


    رفع حاجبيه معًا باندهاش من تحولها السريع، من قطة وديعة إلى نمرة شرسة لديها أتم الاستعداد للانقضاض عليه، فقال بحيرة ساخرة:


    -لا أنا أشوف نفسي براحتي، الدور وبالباقي على اللي كانت عاملة نفسها داركولا وواقفة بتضرب راجل في وسط الشارع!


    -انت كنت عايزه يقف يمسكني واقف اتفرج عليه، ده كويس إن أنا مانطتش في كرشه.


    قالتها بعنفوان واندفاع شرس، فاقترب منها وعلى وجهه ابتسامة إعجاب ممزوجة بلمحة من الانتصار، عندما نجح في كشف جزء من شخصيتها:


    -تنطي في كرشه!! من امتى وانتي بتقولي الكلام الـ "dirty" ده يا بيبي!!


    ورغم اقترابه الشديد منها، فرأت لون عينيه الجذاب ووسامة ملامحه الخاطفة للأنفاس بابتسامته الجذابة، إلا أنها حافظت على ثباتها أمامه، وهمست بنبرة شقية:


    -لا ده أنا عندي "dirty" اكتر من كده، بس مابطلعوش إلا للناس الغالية واللي تستحق كده فعلاً، زي لو حد مثلاً فكر يجي عليا أو.... مثلاً يقرب مني زي ما أنت مقرب كده!


    اتسعت ابتسامته أكثر باستمتاع وهو ينظر إليها بتسلية، هامسًا بإعجاب انبثق في عدستيه اللامعتين:


    -اعتبر ده تهديد؟!


    هزت رأسها إيجابًا ثم تبعته بهمسة مفعمة بنبران التهديد:


    -وهتلاقي رد فعل مش هيعجبك لو مابعدتش عني حالاً يا بيبي.


    قهقه بصوته الرجولي الجذاب، مستمتعًا بها وباكتشاف جوانب جديدة من شخصيتها، فبدت له ككهف مظلم مليء بالإثارة، واكتشاف دهاليزه متعة خاصة.


    نهضت من مكانها وهي تحمل حقيبتها، التي باتت مُهلكة من قسوة استخدامها، لكنه لاحظ الجروح الصغيرة على يدها، فعبست ملامحه واقترب منها، ممسكًا بيدها على غفلة منها، فسحبت يدها سريعًا بإحراج، قائلة بضيق نابع من فرط خجلها:


    -يزن أنا مابحبش كده لو سمحت.


    تعجب منها وهو يتساءل بعدم فهم:


    -مابتحبيش أيه بالظبط؟!


    فركت يدها بتوتر بالغ وهي تجيب:


    -يعني إنك تقرب مني فجأة وتمسك إيدي، احنا لسه مخطوبين وبعدين يعني....ده بردوا ميدلكش الحق أنك تعمل كده.


    غامت ملامحه تحت ستائر الغموض، وهو ينظر إليها بإمعان شديد زاد من توترها، فأشار برأسه بعد فترة من الصمت، لعبت فوق أعصابها، قائلًا بنبرة رخيمة:


    -أنا استغربت من الجروح دي، وكنت هسألك سببها أيه!!


    كانت جروحًا صغيرة حية حديثة، ففهمت على الفور ما حدث ليدها، فقالت بخجل وهمس ناعم، يناقض تلك الشراسة التي اختفت فجأة ولم يعد لها أثر:


    -وأنا بضرب فايق الحديد اللي في الشنطة عورني بسيطة يعني.


    هز رأسه متفهمًا، فتحركت خطوتين نحو الباب دون أن تودعه، أوقفها متسائلاً بتعجب:


    -رايحة فين؟


    هزت كتفيها بلا مبالاة وهي تجيب:


    -رايحة شغلي هكون رايحة فين يعني!


    تساءل بخشونة وانعقاد حاجبيه يزداد:


    -وليه الشغل ده أصلاً، احنا أصلاً اتخطب....


    بترت حديثه بحزم وهي تقول:


    -لا جو احنا مخطوبين وانتي مسئولة مني ده مايمشيش معايا، أنا كنت بشتغل من قبل ما أعرفك اصلاً، بشتغل وأنا برفض إن أبويا يديني مصروف يا يزن!!


    هز رأسه ساخرًا وهو يقول:


    -تمام حقك ماتدخلش في حياتك، طالما انتي لسه مابقتيش على زمتي، لكن لو بقيتي مراتي في يوم من الأيام جو المرأة العاملة ده ماياكلش معايا للأسف!


    ماذا يقصد بـ "لو"؟! لماذا يحادثها وكأنها مجرد احتمال في حياته؟ لا يزال غير مفهوم بالنسبة إليها، ولن تصرح بمشاعرها قبل أن تتأكد من حقيقة مشاعره تجاهها، خاصة أنه شخصية متلونة، صعب التكيّف معها.


    -لا وقتها نبقى نعمل تصويت ونشوف مين فينا اللي هيكسب، سلام.


    أنهت حديثها ببسمة شقيّة، وهي تشاكسه بمجادلته، فمجرد عدم التسليم برأيه يشعل نيران التملك والسيطرة في عينيه، وهذا ما يثير إعجابها به.


                                  ***


    وقفت يسر بجانب مهندس الديكور مصطفى، الذي اختاره والدها لتجديد المحل الخاص بها، والذي قررت افتتاحه في مجال الإكسسوارات الرجالية والنسائية بمختلف أنواعها، مالت برأسها جانبًا وهي تنظر إلى الحائط بتركيز، متخيلة حديثه عن رؤيته التصويرية له، ثم قالت بنبرة جادة وهي تلتفت إليه:


    -بس أنا حاسة لو ورق الحائط اللي زي الحائط الحجري هيبقى أحسن.


    رفع مصطفى نظره عن حاسوبه الكبير الذي يحمله بيده وقال برؤية ثاقبة:


    -مساحة المحل مش كبيرة وأنا عايز اديكي مساحة ووسع، واللي انتي عايزاه هيضيق المكان.


    زفرت بتعب وهي تنظر حولها، باحثة عن مقعد لتجلس عليه، لكنها لم تجد سوى جرادل الدهان المنتشرة في كل مكان، وبعض ألواح الزجاج الكبيرة الموضوعة بجانب الباب، بالإضافة إلى بعض الأدوات المتناثرة في كل الجهات، شعرت بدوار بسيط يجتاح رأسها، نتيجة لنومها المتقطع ليلًا بسبب الكوابيس التي تطاردها، نابعة من حياتها البائسة.


    -انتي تعبانة، أجبلك حاجة تشربيها او تاكليها.


    ابتسمت إليه برقة وهي تمسك برأسها بتعب حاولت إخفاءه:


    -لا شكرًا، ده من قلة النوم بس، أكيد الدوخة دي منها.


    أخرج زجاجة المياه الخاصة به وأعطاها لها وهو يبتسم بهدوء:


    -اشربي ميه..


    أخذت القنينة منه وارتشفت منها القليل علها تستعيد توازنها، فسمعته يقول بهدوء، محاولًا بث الطمأنينة في نفسها:


    -متخافيش، شكلك قلقانة وخايفة المحل مايخلصش بسرعة، أنا والله الحاج فاضل لما كلمني سيبت كل اللي في إيدي ونفذت له رغبته، والدك معزته كبيرة عندي.


    اتسعت ابتسامتها وهي تستمع إلى حديثه اللبق والمهذب عن والدها، ولم تلاحظ تلك العيون المتربصة بها من مسافة بعيدة داخل المحل، كان يقف واضعًا يده في جيب سرواله، وملامحه مستنفرة، وكأنه يتأهب للانقضاض عليها في أي لحظة، وعندما لاحظت وجوده ومراقبته لها، قررت أن تسترسل في الحديث مع مصطفى أكثر، بل ووصل الأمر إلى تبادل بعض الجمل الفكاهية البسيطة، التي أظهرت ابتسامتها التي افتقدتها منذ زمن...


                                 ***

    بينما كان نوح واقفًا يتابعها باهتمام بالغ، وهو يرى ابتسامتها الواسعة التي أنارت وجهها وزادته جمالًا وجاذبية خاصة، لم يستطع إخفاء توتره عندما رآها تتحدث مع ذلك الرجل، قبض على يديه بقوة، محاولًا كبح غيرته التي كادت تحرقه من الداخل.


    وكلما زادت تلك الابتسامات والضحكات والهمسات بينهما، ازداد لهيب غيرته، نظر إليها نظرة عتاب خفية، فهو لا يحب أن يراها تتعامل بود مع أحد غيره، لكنها تجاهلت ذلك، مما زاد نار غيرته اشتعالًا.


    لمعت ضحكتها تحت ضوء الشمس، فبدت مشرقة مبهجة، فتساءل بحيرة، متى امتلكت تلك الابتسامة الآسرة؟ هل كانت تمتلكها بالفعل وهو كان أعمى لدرجة أنه لم يرَها، أم أنها اكتسبتها منذ أن انفصلت عنه، وكأنه كان همًا ثقيلًا وسعدت بإزاحته؟


    قرر إنهاء تلك المهزلة التي كانت على مرأى ومسمع الجميع، فخطا بخطوات واسعة، وكأنه يختصر تلك المسافة الحمقاء ليقتنص رأسها اللعين ويهشمه إلى قطع بسبب أفعالها الحمقاء!


    فتح الباب الزجاجي بقوة، مما جعل مصطفى يستدير باستهجان ليرى من يجرؤ على هذا الدخول العنيف.


    -انت مين يا جدع انت وازاي تدخل كده !!!


    انعقد حاجباه بضيق، وعيناه تراقبانها في صمت، وكأنهما تحذران مصطفى، الذي يقترب منها، بأنها ملكه وحده:


    -أنا جوزها يا باشا، انت اللي مين؟!


    -غريبة ماقولتليش يا يسر يعني إنك متجوزة!


    قالها مصطفى بحماقة، إذ لطالما تعامل بأريحية شديدة مع عملائه، فابتسمت إليه بأسف مقصود وهي تقول:


    -أنا فعلاً مش متجوزة، أنا خالعاه.


    -يــــــــســــــر.


    قالها نوح بتحذير قاسٍ أفزعها، لكنها تماسكت أمام نظراته التي كادت تلتهمها، أما مصطفى، فشعر بغرابة الموقف وسوء الوضع، فقرر الاستئذان وهو يوجه حديثه بالكامل إلى يسر:


    -طيب أنا هخرج برة واقف شوية اكلم العمال، لو احتاجتي أي حاجة يا يسر ناديني على طول.


    هزت رأسها إيجابًا، ممتنة له ولذوقه في التعامل، إلا أنه عندما خطا ووصل إلى الباب الزجاجي، حيث يقف نوح، مد نوح يده وأوقفه، ثم مال عليه هامسًا بتحذير مخيف:


    -اسمها مدام يسر، مترفعش الالقاب بعد كده، عشان مرفعش روحك للي خالقها.


    استنكر مصطفى بملامحه، لكنه لم يُعقب على هذا الجنون المتجسد في نبرة نوح وعينيه المثقلتين بغيرة أثرت على انفعالاته، فبدا كالمتخبط فاقدًا حسن التصرف.


    وما إن خرج مصطفى حتى اقترب منها نوح قائلاً بسخرية وهو يتجول بعينيه بملامحمها:


    -فجأة قلبتي، من شوية الضحكة كانت من الودن دي للودن دي، ودلوقتي بوزك شبرين.


    مطت شفتيها ببرود وهي تتعمد النظر إليه:


    -عشان ببساطة انت متستاهلش إلا كده!!


    استنكر بصوته الخشن وهو ينظر إليها من أعلى رأسها إلى أسفلها باستفزاز:


    -ده اللي هو أنا جوزك صح؟ لكن الضحك للرجالة الغريبة!!


    تلفظت حروفها في تهكم واضح، غير عابئة بنظراته الشرسة:


    -جوز مين!! أنا هخلعك.


    اقترب خطوة منها وهو يوجه تهديداته بقوة:


    -واقسم بالله لو ما بطلتي الكلمة دي، لاخطفك يا يسر  واعلمك الأدب بجد على أسلوبك معايا.


    أظهرت استياءها واشمئزازها منه، فقالت:


    -بلطجي!! أسلوبك بقى بلطجي أوي يا دكتور، نصيحة حاول تتغير.


    لمعت عيناه بشرارة غضب مقتدة وهو يردف بقسوة:


    -البلطجة دي ممكن تطلع عليكي لو مابطلتيش ضحك مع الناس الغريبة.


    انكمش وجهها باستغراب مقصود، وهي تتلاعب بالكلمات قاصدة استفزازه أكثر، مستمتعة بنيران الغيرة المشتعلة في عينيه، كاشفة عن وجهه الحقيقي الذي كان يحاول إخفاءه طوال أعوام زواجهما:


    -وانت عايز تكبت حريتي وفرحتي ليه، أنا دمي خفيف وبحب اضحك، ما أنت انسان غريب اوي الصراحة!!


    ضيق عينيه باستنكار وهتف بنبرة لاذعة:


    -من امتى وأنت عندك الحس الفكاهي عالي يا يسر، كنتي ماري منيب وأنا ماعرفش!!


    نجح في إثارة غضبها، فقالت بنبرة يغمرها الغل والضيق منه:


    -والله أنا طول عمري كده بس انت بقى اعمى القلب والبصيرة ويلا من هنا عشان ماناديش الرجالة اللي برة دي واقولهم بيتهجم عليا، أنا خايفة عليك لاحسن تتضرب!


    رفع أحد حاجبيه باستنكار وهو يهز رأسه عدة مرات، متمتمًا ببعض الكلمات الخافتة والحادة:


    -والله، اممم عندك حق !!


    وما إن خرج من المحل، حتى وقف أمامه، وحمل عصًا حديدية، ثم بضربة قوية هشم بها واجهة المحل الزجاجية، فتناثر الزجاج في كل مكان، مُحدثًا صوتًا قويًا ومزعجًا جذب أنظار الجميع.


    تجمدت في مكانها كالصنم من هول الصدمة، رفعت رأسها عن الزجاج المكسور لتنظر إليه، فرأت معالم وجهه المخيفة، فبدا كالمضطرب نفسيًا وهو يحدق بها، ثم ألقى العصا من يده ببساطة، بينما الجميع ينظر إليه بتعجب.


    اقترب من إحدى حوائط المحل، ونفخ ذرات الغبار بهدوء، ثم نفض يده وكأنه لم يفعل شيئًا كارثيًا الآن، تصرفان متناقضان؛ أحدهما في غاية الجنون والانفعال، والآخر هادئ وبارد، وكلاهما خرجا في اللحظة ذاتها، ثم حول نظره إليها، واحتلت ابتسامته الشريرة والانتقامية وجهه.


    أشار إليها مودعًا، ثم صعد إلى عيادته، بينما كانت تنظر إليه بصدمة كبيرة بعد كل هذا العبث الذي فعله في المكان!


                                  ****


    حملت أبلة حكمت الحقائب البلاستيكية العديدة بإرهاق وهي تسير في أحد شوارع المنطقة وبجانبها إحدي جاراتها، التي ظلت تثرثر معها، لكن أبلة حكمت كانت في وادٍ آخر، وادٍ تحلم فيه بمصالحة والدها وسيرا، شاعرةً بالحزن الشديد لأول مرة بعد فعلتها الحمقاء، انتبهت إلى يد جارتها التي لكزتها بخفة وهي تخفض صوتها بتعجب:


    -أيه يا حكمت، أنتي مش واخدة بالك ولا أيه؟!


    أبطأت حكمت مشيتها فقالت بتعجب مماثل:


    -لا في أيه؟!


    أشارت جارتها برأسها للخلف وهي تهمس:


    -فوزية بتلسن عليكي انتي واختك بالكلام لمؤاخذة!!


    ارتفع حاجبا حكمت بتحد، والتفتت برأسها للخلف، فوجدت فوزية تجلس مع عدة سيدات تنظر إليها بحدة ووقاحة وهي تبتسم بسخرية ثم قالت للسيدات:


    -لا ياختي مش زعلانة ده فايق ابني ربنا نجده والله من العيلة الـ ***** دي.


    -والله ده أحسنلك يا أم فايق، ابنك يستاهل حد أحسن وأنضف يا اختي.


    قالتها إحدى السيدات الجالسات بجانب فوزية وقد بدا الحقد واضحًا في عينيها، بسبب خلاف سابق مع حكمت، فقالت فوزية بتهكم:


    -طبعًا، ده فايق باشا، أنا كان دماغي فين ياختي وأنا بتحايل عليه يخطبها، دي واحدة ماشية على حل شعرها......


    اقتربت حكمت منها ولا تزال تحمل الحقائب، فقالت بخفوت يملأه الشر:


    -هي مين دي يا فوزية اللي ماشية على حل شعرها؟!


    رفعت فوزية رأسها ونظرت إليها بتحد وحدة:


    -سيرا أختك ياختي، مش انتوا لامؤاخذة دخلتوا العريس في السر المنطقة عشان خايفين من فضيحتها معاه.


    اتسعت ابتسامة حكمت وهي تنظر إليها بدهشة ساخرة، قائلة:


    -والله!!


    ثم وبكل ما أوتيت من قوة، رفعت الحقائب عاليًا وهبطت بها بقوة فوق رأس فوزية التي أصابها دوار نتيجة الضربة العنيفة.


    -ده أنا هخليكي عبرة لكل واحد يفكر يجيب اسم اختي على لسانه، أنا أختي دي أشرف منكم يا شوية قرشانات ملكمش غير في اللت والعجن.


    استدارت السيدات إلى حكمت، وكن على علم مسبق بهذا الشجار، فاستعددن جيدًا لمواجهتها، لكنها باغتتهن وضربت فوزية عدة ضربات بحذائها في وسط الشارع، فصرخت فوزية متوجعة بأنفاس متقطعة:


    -اضربوها يا نسوان، اضربوها القادرة دي.


    بدأ الشجار اللفظي والجسدي بين حكمت التي كانت بمفردها، وخمس سيدات، ولكن بنيتها الجسدية وطولها الفارع منحاها قوة كافية لتدافع عن نفسها بل إنها التقطت حصاة صغيرة ورمتها بقوة على 

    رأس إحدى السيدات، فأصابتها في منتصف رأسها وسال الدم على وجهها..


    تجمهر المارة لمراقبة الشجارؤ لكن لم يجرؤ أحد على التدخل، حتى قرر أحد الرجال بالركض سريعًا إلى 

    قسم الشرطة القريب ليبلغهم عن الأمر!!

                                 ***

    توقفت سيرا عن العمل لأخذ قسط من الراحة، فأمسكت بهاتفها تعبث به حتى جاءها اتصال من فريال وهي تبكي:


    -الحقي يا سيرا أبلة حكمت في القسم، مقبوض عليها.


    تجمدت أطرافها وخفق قلبها، فقالت بهلع:


    -ليه في أيه؟!


    وصلها صوت بكاء فريال، مصحوبًا ببكاء إحدى أخواتها الأخريات:


    -عشان اتخانقت مع فوزية وشوية ستات كانوا بيتكلموا عليكي، وعملتلهم إصابات، واحنا مش عارفين نلم الموضوع.


    حملت حقيبتها خلف ظهرها، مستعدة للخروج، فتساءلت سريعًا بقلق:


    -في قسم أيه؟


    -اللي جنب البيت.


    خرجت سيرا مسرعة، والقلق مرسوم على وجهها، بينما أسوأ التخيلات تضرب عقلها، فشعرت بالذنب تجاه أختها الكبرى.


    لم تعلم متى تسرب هذا الضعف إلى أوصالها، لكنها بدت متخبطة، غير قادرة على السير خطوة أخرى، وكأن أطرافها تيبست عمدًا، انساب الدمع من عينيها وهي تتخيل مصير أختها الكبرى في السجن بسببها.


    وصلت أسفل البرج، فوقفت في منتصف الطريق، تائهة لا تدري أي الخيارات أفضل للوصول إلى أختها بسرعة، لم تجد أمامها سوى شخص واحد تلجأ إليه، الشخص الذي كان دائمًا بجانبها في أزماتها.


    فاقتربت من معرضه وهي على هيئتها الضعيفة الباكية، ثم قالت بصوت مرتجف ضعيف، بينما تراه يقف مع إحدى السيدات، على ما يبدو يحاول إقناعها بشراء السيارة:


    -يـــزن.


    نبرتها وحدها كانت كفيلة باختراق مسامعه، بل كيانه بأكمله، التفت سريعًا ينظر إليها بقلق عارم، جعله يترك السيدة وفرصة بيع السيارة، ويتوجه نحوها متعجبًا وقلقًا:


    -مالك في أيه، بتعيطي ليه كده؟


    همست ببكاء ونبرة متقطعة: 


    -أبلة حكمت مقبوض عليها بسببي.


    انعقد حاجباه بعدم فهم، لكن دموعها المنسابة والحزن الطاغي على ملامحها لامس فؤاده، شعر بمشاعر خاصة ومميزة نحوها، لدرجة أنه ترك كل شيء خلفه دون مبرر، وأخذها معه متجهًا إلى سيارته، تحت أنظار جميع العاملين الذين بدت على وجوههم علامات الدهشة.


    فـ يزن، الذي لم يترك من قبل فتاة صاروخية فائقة الجمال مثل تلك التي كانت تقف مذهولة من تصرفه، تخلى عن كل شيء من أجل سيرا، الفتاة التي لم تكن الأجمل، لكنها كانت الأهم.


    ركبا السيارة معًا، وانطلق نحو وجهته، ألا وهي قسم الشرطة الذي تحتجز فيه حكمت، أجرى عدة اتصالات بـ زيدان، طالبًا منه التدخل لإنهاء الأمر، بينما هي تقوقعت على نفسها، تبكي بحرقة.


    أبعد يدها عن وجهها وهو يتابع الطريق قائلاً...


    -أنا عايز أعرف انتي بتعيطي ليه؟


    همست بنبرة متقطعة من بين شهقاتها:


    -عشان أبلة اتسجنت بسببي، احنا عمرنا ما دخلنا قسم شرطة، وأبلة حكمت هتتبهدل بسببي هي بابا والعيلة كلها.


    جذب منديلاً من جيبه وأعطاها إياها قائلاً بحنو:


    -مفيش سجن ولا حاجة من دي، زيدان هيخلص الموضوع وممكن كمان قبل ما نوصل، متخافيش يا بيبي.


    تعمد استفزازها كي تخرج من حالتها الضعيفة التي لم يعتد عليها، فهمست من بين شهقاتها وعبوسها:


    -ماتقوليش يا بيبي، أنا بكره الكلمة دي.


    -هقولها لو فضلتي تعيطي، واحتمال احضنك كمان لو مسكتيش.


    نظرت إليه بصدمة من جرأته، فابتسم ابتسامة شقية وقال:


    -خدي بالك أنا مابستحملش حد يعيط قدامي، وبالذات بقى لو كان أنتي، فأول تصرف بيجي في دماغي إني أحضن أي حد بيعيط.


    -انت قليل الأدب.


    قالتها ببكاء وهي تشير إليه، فاتسعت ابتسامته أكثر بتسلية:


    -خلاص اخبطي دماغك في الإزاز ماتزعليش نفسك!!


    -أنت بتقول أيه؟!


    قالتها باندهاش، فنظر إليها بخبث:


    -ما هو يا تخبطي دماغك في الإزاز يا احضنك اختاري، واظن الاختيار التاني اريح ليا وليكي يا بيبي.


    -يــــزن.


    قالتها بصرامة مهزوزة، وعندما وصلا أمام القسم، هبطا معًا من السيارة، ليجدا فوزية، والدة فايق تمسك برأسها وهي تهبط درج القسم، وبجانبها محاميها وبعض النسوة اللاتي كنَّ في الشجار.


    نظرت فوزية إلى سيرا ويزن معًا بكره وحقد:


    -حسبي الله ونعم الوكيل، ناس معاها واسطة وناس غلابة حقهم بيضيع.


    مال عليها محاميها وهو يهمس بعدم رضا:


    -حق أيه؟! انتوا اللي بادئين والكاميرات جايباكم وبعدين انتوا مخرشمين الست، احمدي ربنا إن المحضر اتقفل على كده.


    وجهت نظراتها الحاقدة إليه، وهي تهمس بغل:


    -ما تسكت يا أخويا انت معانا ولا معاهم، والله شكلك محامي مرتشي!!


    حرك يزن سيرا بلطف للأمام كي لا تستمع إلى حديث تلك السيدة، واكتفى بالنظر إلى فوزية بغضب ووعيد.


    قبل أن تدخل سيرا إلى القسم، وجدت أبلة حكمت تخرج وهي تستند على زوجها صافي، والإرهاق يبدو واضحًا على وجهها، وبجانبها والدها الذي ما إن رأى يزن حتى ابتسم إليه وقال:


    -شكرًا يا يزن، وقفتكم معانا دي لا يمكن أنساها.


    -عيب احنا أهل، المهم انتي كويسة يا أبلة حكمت.


    رفعت إصبع السبابة في وجهه قائلة بوهن:


    -لا خالص، ولاد الجزمة نزلوا فوقي لما حاسة إن جالي ارتجاج.


    -خدها يا صافي لاقرب مستشفى اطمن عليها.


    قالها والدها بعدم رضا وهو ينظر إليها، بينما هي كانت تخفي وجهها داخل صدر زوجها.


    أما سيرا، فقالت بأسف وحزن لما حدث لوجه أختها، حيث توسدت الكدمات معظم ملامحها:


    -الف سلامة عليكي يا أبلة، معلش.


    تدخل يزن لإنهاء وقفتهم فقال:


    -طيب يلا يا جماعة نروح المستشفى نطمن عليها.


    -الف سلامة عليكي يا أبلة.


    اندفعت فريال ومن خلفها كريمة، ثم شاهندا وأزواجهن، فقال والدهن بضيق:


    -انتوا أيه اللي جايبكم، ما قولتلكم الموضوع خلص.


    قالت كريمة بعتاب وهي تربت فوق كتف حكمت:


    -ازاي بس يا بابا، كنا لازم نطمن على أبلة حكمت.


    -اه خدوني يا بنات على المستشفى، دماغي هتموتني.


    وضعت حكمت يدها فوق رأسها بإرهاق وتعب ظهر بوضوح على وجهها، فتحرك الجميع معها، عدا والدهم حسني، الذي قرر العودة إلى المنزل.


                                    ***

    بعد مرور عدة ساعات


    كانت حكمت تجري فحوصاتها وتحاليل للاطمئنان على حالتها الصحية، بينما كان الجميع ينتظرها بالخارج، شعرت سيرا بالإرهاق، ولاحظ يزن ذلك، فمال عليها هامسًا:


    -قومي ننزل اجبلك قهوة أو عصير عشان تفوقي.


    تدخلت فريال التي كانت تجلس بالقرب منهما ويبدو أن همس يزن وصل إليها:


    -روحي يا سيرا، شكلك تعبانة، خدها يا يزن، قومي يلا.


    دفعتها فريال للنهوض، فتحركت سيرا رغمًا عنها والاندهاش يملأ وجهها، متعجبة من تصرف أختها، لكنها لملمت شتات نفسها وتحركت مع يزن الذي طلب المصعد وما إن أتى حتى استقلا معًا.


    وقفت في آخر المصعد الكبير تنظر إليه وهو يقترب منها بهدوء مستغلاً ارتباكها ثم همس بنبرة مشاغبة:


    -بيبي ما تعيطي.


    همست بغل وهي تتمتم:


    -الله يقطع بيبي وسنينها...


    ثم ارتفعت نبرتها وهي تقول بتعجب:


    -أعيط ليه؟!


    مال برأسه جانبًا، محاصرًا إياها بذراعيه، مستندًا بهما على حائط المصعد خلفها، ليبقيها داخل دائرته دون أن يمسها:


    -عشان أحضنك.


    وقح!! تلك الكلمة هبت فجأة برأسها، كرياح عاصفة تجتاح كيانها، فثارت بغضب مكتوم:


    -طيب ما تجرب تخبط دماغك في الإزاز ده!!


    ابتسم بمكر وإعجاب، فأكملت هي بغيظ مكتوم:


    -أصل أنا عندي حلين مالهمش تالت، يا تخبط دماغك فيه، يا إما أصوت والم عليك المستشفى كلها، واقولهم متتتتتحررررش، وشوف بقى هيعملوا فيك أيه!!


    -طيب والدبلة اللي في إيدك، دي محلها أيه من الإعراب؟!


    -محلها الباسكت يا يزن، لو مابطلتش حركاتك دي، ابعد احسنلك، قولتلك قبل كده أنا مبحبش تقرب مني بالشكل ده.


    ابتعد للخلف، واضعًا ذراعيه في جيب سرواله، قائلاً بحنق طفيف:


    -مالكيش في الطيب نصيب.


    -ده الطيب ده "dirty" اوي يا بيبي، سي يووو...


    قالتها وهي تخرج من المصعد، ثم غادرت إلى باب المشفى مسرعة، مقررة الخروج سريعًا، ليقف هو مكانه، يراقبها مندهشًا، وعلى وجهه ابتسامة حمقاء، من جرأتها في تركه وحيدًا كالأبله، وتغادر كطاووسة صغيرة!!


                                 ***

    ليلاً، في تمام الساعة الثامنة مساءً

    ارتفع رنين هاتف يسر بينما كانت تقف وسط العمال، الذين يحاولون لملمة الزجاج المبعثر في كل مكان، بعد أن تسبب كسره في فوضى عارمة داخل المحل.


    كان غضبها قد بلغ ذروته بسبب أفعال نوح المتهورة، التي باتت تتسم بالعدوانية بعض الشيء، في بادئ الأمر، تجاهلت الاتصالات المتكررة من والدتها، لكنها مع استمرارها، أجابت بضيق:


    -أيوه يا ماما؟!


    استمعت إلى صوت نحيب والدتها، وهي تقول بخوف:


    -لينا ضاعت يا يسر، مش لاقياها... اختفت وملهاش أثر!


                                     ***

    بينما كان الوضع في منزل سيرا، وتحديدًا في غرفتها، كانت في أوج سعادتها بعودة حورية، صديقتها، من سفرها اليوم، وأول ما فعلته حورية بعد عودتها هو زيارة سيرا في منزلها.


    جلستا معًا على فراش سيرا، فقالت حورية بعتاب وهي تنظر إلى الخاتم الذي يتوسط إصبع سيرا:


    -اتخطبتي من غير ما تعرفيني؟!


    شعرت سيرا بالإحراج وقالت بنبرة أبرزت بها صدقها: 


    -والله يا حور الحوار كله جه بسرعة ده لسه لابسين الدبل يوم الجمعة، وبعدين انتي كنتي مسافرة.


    ضحكت حورية بفرحة وهي تقبلها في وجنتها بحب:


    -مبروك يا حبيبتي، ومين سعيد الحظ؟!


    -يزن الشعراوي، اكيد عارفاه.


    قالتها سيرا ببسمة خجولة وهي تهبط ببصرها، لكن صمت حورية الطويل جعلها ترفع عينيها لتقابل الصدمة المرسومة على وجه صديقتها:


    -في أيه يا حورية؟!


    ابتلعت حورية لعابها بتوتر، ظهر جليًا في عينيها، ثم قالت بخفوت متقطع:


    -وليه ماتصلتيش عليا الاول وقولتيلي؟!


    -مكنتش عارفة اوصلك، في أيه يا حورية؟! هو فيه حاجة؟!


    قالتها سيرا بارتباك، فأكملت حورية أسئلتها بحذر:


    -هو انتوا اتعرفتوا على بعض قبل ما تتخطبوا، قصدي حاول يكلمك وانتي اتجاوبتي...


    قاطعتها سيرا وهي تقول بصدق:


    -لا والله هو حاول وأنا صديته كذا مرة وبعدها اتفاجئت أنه جاي يخطبني وخطبني في أيه قلقتيني؟! هو بيشرب مخدارت؟!


    -لا، بس الأسوء، بتاع بنات يا سيرا وبيتسلى بالبنات زي ما بيتسلى باللب السوبر كده، وأنا متأكدة انه ماعرفش يوصلك دخلك من الطريقة دي.


    وقفت سيرا من مكانها بصدمة وقالت بحزن:


    -قصدك أنه بيتسلى بيا؟


    -طبعا ده وش، يا بنتي انا عارفة الكلام ده من مرات أخوه، يعني أكيد مش هتكذب.


    امتلأت عيناها بالدموع وهي تنظر إلى دبلتها في إصبعها بحسرة، وشرخ أصاب فؤادها المسكين، فانكسر شيء في داخلها، شيء لن يعود كما كان.


    كانت تحسبه قدرها الجميل، لكنها تكتشف الآن، أنه لم يكن سوى درسٍ قاسٍ.


    أيُعقل أن يتحول حلمها من أن تكون أميرة في قصته، إلى مجرد اسم في قائمة مغامراته العابرة؟!


    _______________

    تكملة الرواية من هنااااااا

    لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

    بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

    متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

    الرواية كامله من هناااااااااا

    مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

    مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااا


    تعليقات