القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية نبضات متبادله الفصل الأول والثاني والثالث والرابع بقلم شهد العربى

 


رواية نبضات متبادله الفصل الأول والثاني والثالث والرابع بقلم شهد العربى 




رواية نبضات متبادله الفصل الأول والثاني والثالث والرابع بقلم شهد العربى 


بارت اول 

نزل من سيارة أخيه إلى المنطقة السكنية الراقية التي انتقلا إليها للعيش. نظر إلى أخيه الذي كان يخرج الحقائب من السيارة، فتوجه وأخذ حقيبته ثم ذهب إلى العمارة. التقى بالبواب هو وأخيه، حيث تحدث أخوه مع البواب، فهو بطبيعته شخصية انطوائية لا يحب التعرف على أحد ولا الاختلاط بالآخرين. وقف ينتظر حتى انتهى أخوه، ثم تبعه دون أن ينطق بكلمة حتى صعدا إلى المصعد معًا، وصلا إلى الشقة التي تقع في الطابق الحادي عشر. دخل الشقة برفقة أخيه، لكن أخاه توقف عند رؤية أحد الجيران الذي رحب بهما. دخل هو الشقة وانتظر أخاه حتى دخل، فقال له: "نفسي أفهم إنت ليه ما بتتعاملش مع الناس اللي حوليك؟ عادي دول ناس مش هيكلوك يا حبيبي."


نظر إليه وقال: "إنت عارف إني ما بحبش أتكلم مع حد، أنا أصلاً ما بحبش أشوف حد." نظر إليه أخوه وجلس بجانبه ثم تنهد: "قاظم، إنت عارف إني مش هفضل جنبك على طول. أنا عاوزك تتفاعل مع الناس، خليك إنسان اجتماعي على الأقل يكون ليك صحاب مش أنا ومالك بس اللي صحابك. قاظم، أنا خايف عليك عشان خاطري." تنهد قاظم وربت على يد أخيه قائلاً: "ما تخافش، أنا بس بحس إن كل الناس مش كويسة، وكلهم بيكرهوني. عشان كده بحاول أبعد على قد ما أقدر. حسام، إنت أخويا الوحيد وأنا مش عاوزك تكون خايف. هروح لدكتور نفسي، ماشي؟" تحدث أخوه بلهفة: "بجد؟ أخيراً قررت تتعالج!" واحتضن حسام أخاه بلهفة، ثم ذهب إلى غرفته وذهب قاظم إلى غرفته لينام فوراً بسبب تعب السفر.


في المساء، كان حسام يتعشى مع أخيه قاظم: "أنا من بكرا هنزل الشغل في الشركة، وانت هتروح الجامعة. أنا سجلت لك في الجامعة، تمام؟" نظر إليه أخوه ثم قال: "تمام، أنا كنت هسألك إمتى هرجع الجامعة عشان عاوز أكمل دراستي." نظر إليه أخوه ثم قال: "نفسي أفهم، في حد في الدنيا داخل كلية طب وما بيعرفش يتعامل مع الناس؟ إنت في المجال ده هتتعامل مع أكتر من خمسين شخص في اليوم، وإنت أصلاً بتتكلم مع أصحابك كلمتين في اليوم، وبتسأل عليا حديث كل يوم ما بيعديش ربع ساعة حتى."


نظر إليه أخوه وتحدث بأسف: "إنت عارف إني ما بعرفش أتكلم مع حد، ولا حتى معاك، بس أنا بحاول أهو، وكمان هروح لدكتور نفسي كويس. أنا بس عاوزك تساعدني. شوف لي دكتور كويس واحجز لي عنده وأنا هروح." كان هذا حديث قاظم الذي تحدث بصعوبة، مما فاجأ أخاه لأنه تحدث معه اليوم مرتين والحديث كان أطول من كل مرة. نظر إليه أخوه وقال: "تمام، ماشي، أنا هحجز لك عند دكتور صاحبي وهو هيحاول يعالجك، تمام." ابتسم له أخوه وأكمل عشاءه.


في الصباح، استيقظ حسام وارتدى حلة رسمية لونها رمادي وذهب إلى عمله. أثناء طريقه كاد أن يصطدم بفتاة، لكنه تمكن من التحكم في السيارة وأوقفها في آخر لحظة. نزل من السيارة ليطمئن على الفتاة: "إنتِ كويسة؟ حصلك حاجة؟..." توقف عن الحديث وهو ينظر إلى الفتاة. "أنا كويسة، شكراً." ابتسم لها وقال: "ما تمشيش في نص الشارع تاني، مش الكل هيعرف يتحكم في العربية ويقدر يوقفها في الوقت المناسب، تمام؟"


نظرت إليه الفتاة بارتباك وقالت: "آسفة، بس كنت مستعجلة وما خدتش بالي." فقال: "إنتِ مستعجلة على إيه؟" نظرت له بتوتر ثم نظرت إلى ساعتها وقالت: "يا خبر! الساعة عدت ٩:٣٠ وأنا معاد مقابلتي الساعة عشر، هلحق إزاي دلوقتي؟" نظر إليها وقال: "ممكن أوصلك لو ما عندكيش مانع."


نظرت إليه بتوتر وقالت: "مش عاوزة أتعب حضرتك، وشكراً مرة تانية. ممكن أركب تاكسي." قال: "ما فيش داعي لشكر، اركبي وأنا هوصلك." دلف إلى سيارته ودخلت هي إلى المقعد المجاور للسائق وقالت: "مش عارفة أشكر حضرتك إزاي." فرد: "ما فيش شكر على واجب. إنتِ عاوزة تروحي فين؟" قالت: "أنا عاوزة أروح شركة الندى، عندي مقابلة الساعة ١٠."


نظر إليها ثم تحدث في نفسه: "كمان جاية على الشركة بتاعتي! دا إيه الصدف الحلوة دي؟" ثم نظر إليها وقال: "أنا بردو شغال في الشركة دي." نظرت إليه وقالت: "بجد؟ حلو يعني إنت واخدني في طريقك، شكراً تاني. ممكن أسألك سؤال؟" قال: "اتفضلي." نظرت إليه وسألته ما جعله يتفاجأ: "هو إنت تعرف صاحب الشركة؟ أصل بيقولوا إنه واحد كده غتت ورخم وبارد، ومستفز، وطبع جد جداً. أنا بصراحة خايفة، أنا متخيلة لما أعمل المقابلة هيكون صاحب الشركة من العواجيز دول الكبار اللي عملوا شركتهم وقعدوا على الكرسي يتباهوا بشركتهم ويتكبروا على خلق الله."


نظر إليها وقال: "ياه! إنتِ مش طايقة المدير للدرجة دي، طيب إنتِ ليه عاوزة تشتغلي في الشركة؟" نظرت له وقالت: "أكل العيش، لازم أشتغل عشان أجيب مصاريف البيت. أنا يتيمة وعايشة لوحدي، عشان كده لازم أصرف على نفسي."


نظر إليها بحزن، فهو أيضًا يتيم ويعرف جيداً شعور أن تكون يتيماً، أن تكون وحيداً تتحمل كل شيء. أصبح يعمل بجد واستلم شركة أبيه في سن صغير عقب وفاته ووالدته في حادث سير، لكنه اختار أن يكون قوياً من أجله ومن أجل أخيه الصغير الذي سيفعل أي شيء من أجله.


تنهد وقال: "أنا كمان يتيم، بس عايش مع أخويا الصغير، هو حالياً في خامسة جامعة وإحنا عايشين مع بعض." فقالت: "أنا عندي أخت على فكرة، بس هي عند خالتي في أمريكا وهتيجي آخر الشهر ده، أنا مستنياها، إحنا انتقلنا قريب." وأخذا يتحدثان إلى أن وصلا إلى الشركة.


نزل من السيارة، ونزلت هي خلفه، وما أن دخلا الشركة حتى استقام الكل للترحيب به، فهو صاحب الشركة، ومن لا يعرفه؟ نظرت إلى الموظفين باستغراب وسألت أحد الموظفين: "إنتو واقفين ليه؟" نظر إليها وقال: "ده مدير الشركة، ولازم نحترمه ونقف." نظرت بصدمة ثم قالت في نفسها: "يا لهوي، ده أنا قولت عليه رخم وغتت وبارد وعجوز. زغرتي يا إنشراح، اترفدتِ قبل ما تبتدي حتى!"


نظرت إلى ساعتها ووجدتها الساعة ١٠ إلا عشر دقائق، فقالت في نفسها: "هروح دلوقتي أعمل المقابلة، واللي يحصل يحصل، مقدميش حل تاني." ذهبت إلى موظفة الاستقبال وسألتها عن مكان المقابلة، صعدت إلى الغرفة ودخلت بتوتر. رأت نظراته لها وكان هناك ابتسامة على وجهه.


قال: "آسف خالفت توقعاتك، ما طلعتش عجوز وغتت ورخم، بس ده ما يمنعش إن الشغل شيء، وأي حاجة تانية شيء تاني خالص. اتفضلي اقعدي." جلست على الكرسي المقابل له وقدمت الـCV الخاص بها.


نظر إلى الملف وقال: "حلو أوي، كنتِ الأولى على دفعتك وكويسة جداً. تمام، حضرتك اتقبلتي معانا وهتبقي السكرتيرة الشخصية بتاعتي." نظرت له بسعادة وتحدثت: "بجد؟ اتقبلت؟ يعني أنا أقدر أشتغل من بكرا؟ شكراً جداً جداً." قالت كلماتها بسعادة وخرجت من الغرفة، ثم عادت ودخلت مجدداً وقالت: "يعني بجد أقدر أشتغل من بكرا؟" نظر إليها وابتسم: "آه، تقدري تشتغلي من بكرا."


خرجت بسعادة، فهتف من تصرفها: "مجنونة!"


البارت التانى في المنزل كانت الساعة ١٠. استيقظ قاظم من نومه وذهب ليستحم، ثم خرج من الشقة. لاحظ عند خروجه وجود فتاة تقف على باب الشقة المجاورة له، والتي حدثته قائلة: "إنتو السكان الجدد في العمارة؟ إزيك، أنا مايسان، وانت؟" نظر إليها ولم يستطع التحدث، ولكنه أومأ لها وحاول التحدث: "قاظم"، قال اسمه ثم ذهب مسرعًا إلى المصعد لتجنب الحديث معها أو مع أي شخص آخر. وضع السماعة في أذنه كي لا يتحدث إليه أحد، وخرج من المصعد فورًا إلى سيارته وذهب إلى جامعته. كان يرتدي ملابسه المعتادة، وهي عبارة عن تيشيرت واسعة لها قنصوة لونها أسود وبنطال مريح أسود، وكان يضع القنصوة على رأسه. دلف إلى المحاضرة الأولى وجلس في آخر المدرج، في جزء منفصل عن الباقين.


أثناء جلوسه، دلفت فتاة لم يهتم بوجودها لولا أن صوتها بدا له مألوفًا. نظر فوجدها هي الفتاة التي رحبت به في الصباح. تجاهلها كعادته، لكنها لم تتجاهله، فذهبت وجلست بجواره وقالت: "إزيك يا قاظم، فاكرني؟". لم ينظر لها، إنما ابتعد عنها قليلاً، مما جعلها تقترب منه أكثر لتقول: "على فكرة، إحنا جيران، أنا لسه واصلة النهارده من أمريكا وعاوزة أعمل مفاجأة لأختي، ممكن تساعدني؟". لم يرد بكلمة، فقالت بإلحاح: "لو سمحت، أنا عاوزة أفاجئها، هفضل عندكم لحد ما تيجي، ممكن؟". نظر إليها قليلاً وقال بصعوبة لأنه لا يحب التحدث لأحد: "ممكن". هتف بهذه الكلمة ورأى السعادة في عينيها حين قالت: "بجد، شكرًا شكرًا مش عارفة أشكرك إزاي". لم يرد، ففهمت أنه لا يحبذ الحديث واستمتعت إلى المحاضرة.


بعد خروجهما من المحاضرة، ذهبت معه إلى خارج الجامعة وقالت: "ممكن أركب معاك؟ وصلني في طريقك ينوبك ثواب". أومأ لها من دون كلمة، فركبت بجواره في السيارة. عند وصولهما للعمارة، نزلت وشكرته. دلف هو إلى العمارة، بينما هي رأت أحد الباعة يبيع حلوى السكر الوردية المعروفة بـ"غزل البنات". اشترت منها الكثير وذهبت بالمصعد إلى شقته، طرقت الباب عدة طرقات إلى أن فتح، فدخلت وتركت الباب مفتوحًا خلفها وذهبت معه إلى الصالون. قدمت له غزل البنات وقالت: "اتفضل، أنا جايبة دي عشانك عشان انت طلعت إنسان جدع". نظر إليها وإلى لهفتها، وأخذ منها الحلوى وذهب إلى غرفته وأغلق عليه الباب دون أي كلمة تذكر.


دلف إلى غرفته، بدل ثيابه إلى ثياب منزلية مريحة سوداء كعادته، ونظر إلى الحلوى وأكلها وابتسم. هذا أول تفاعل له مع أحد من البشر غير أخيه وصديقه الوحيد مالك. منذ قرر العلاج، وهو يحاول أن يسعد أخاه لأنه يعلم أن أخاه يريده أن يتعرف على الناس من حوله. خرج من غرفته واتجه إليها، جلس على الأريكة المجاورة لها وقال: "شكرًا". نظرت إليه بسعادة وقالت: "أنا اللي لازم أشكرك، انت بتساعدني إني أفاجئ أختي، شكرًا بجد. ممكن أطلب منك طلب؟ بص هو طلب صغير وأنا آسفة لو بزعجك، ممكن؟". نظر إليها وإلى لهفتها، وهذه أول مرة له يتحدث مع شخص ولا يريد أن يرفض. يريد أن يكون له أصدقاء من أجل أن يخف قلق أخيه قليلاً. "اتفضلي".


نظرت إليه وفي عيونها نظرة رجاء: "ممكن أعمل كيكة؟ أقصد ممكن أستخدم المطبخ بتاعكم أعمل فيه كيكة؟ هنضفه أول ما أخلص والله، بس وافق بالله لاتوافق". نظر إليها وأومأ لها وأخذها ليدلها على المطبخ: "اتفضلي". ذهب وتركها بمفردها في المطبخ. وقفت حائرة لا تعلم أين هي الأشياء، فذهبت إليه بحرج وقالت: "معلش يا قاظم لو مش هزعجك، ممكن تساعدني لأني معرفش حاجة هنا". يعلم أن هذا فوق طاقته، ولكن في هذه الفتاة شيء يجذبه لمساعدتها، فوافق ودلف معها. "تمام، أنا ممكن تجيب، تقولي لي الحاجة فين وأنا أجبها". أومأ لها لتبدأ بطلب مكونات الكعكة ويحضرها لها. انتهى من تجهيز الأشياء، لتقول: "ممكن تتفرج بقى، أنا هعمل أحلى كيكة هتشوفها أو تدوقها في حياتك".


نظر إليها ولابتسامتها المشرقة وابتسم، ابتسامة جميلة جدًا على وجهه. تغيرت عندما قالت: "أنت بتبتسم، ليه بقا على طول مكشر ومش بتتكلم؟". حاول الإجابة بصعوبة: "أنا مبعرفش أتكلم مع حد، أنا هتعالج عند دكتور نفسي الفترة دي عشان الموضوع دا. أنا آسف إني مش بتفاعل معاكي، بس أنا بجد نفسي أتفاعل وأتكلم مع الناس بس مش عارف". صمت ثم تنهد وانتظر ردة فعلها التي لن تكون سوى الشفقة أو النفور كما يتوقع، ولكن حدث شيء مختلف تمامًا. وجدها تحتضنه بقوة وتقول له: "مش مشكلة، ممكن نبقى صحاب وهحاول أخليك تتكلم، إيه رأيك؟". نظر إليها بصدمة على فعلتها، وهي ما زالت تحتضنه. ليبتعد عنها فجأة، فتهتف بحرج: "أنا آسفة، بس أنا عفوية وبعمل الحاجة من غير تفكير. ها، قولت إيه؟ أصحاب كده؟ إحنا في نفس الجامعة وفي نفس القسم، إيه رأيك؟ هنبقى صحاب وكمان جيران". نظر إليها ثم أومأ وابتسم، سعيدًا أنه سيكون له صديق، أو بالأصح صديقة جديدة. نظرت إليه ثم قالت: "يلا بقا نخلص الكيكة، زمان رحمة جاية". نظر لها وابتسم، وجهزا الكيكة سويًا وانتظرا في الصالون إلى أن تجهز.


بعد ٤٥ دقيقة، هتفت مايسان: "أكيد الكيكة زمانها استوت دلوقتي، هروح أشوفها، تعالى معايا". سحبته من يده وأخذته معها إلى المطبخ. أخرجت الكعكة من الفرن وقد نضجت وأصبحت جاهزة، فقالت له: "بقت حلوة أوي، شكرًا يا قاظم، مكنتش هعرف أعملها من غيرك، عشان كده انت أول واحد هتاكل منها". نظر لها وحاول القول بصعوبة: "لا، خلي أختك تأكل منها الأول". هتفت: "لا، انت الأول عشان انت عملتها معايا، ويلا عشان مش هغير رأيي". أخذت الكيكة وقطعتها إلى قطع، وأطعمته قطعة بيدها وقالت ببراءة، وكأنها تعامل طفلاً: "هما يا جميل".


تناولها منها، وهذه أول مرة يعامله أحد بهذه الطريقة منذ توفيت والدته، فهو لا يعرف الحنان. لا ينكر أن أخاه حنون، ولكن الحنان من الجنس الآخر شيء مختلف.


دخل حسام على هذه اللحظة وقال: "هو انت دخلت شقة غلط ولا إيه؟". ونظر لأخيه قائلاً: "لأ، دا قاظم". نظر إلى الفتاة التي تطعم أخاه، وأخوه يبتسم، وهي نظرت له بإحراج: "أنا مايسان جارتكم، كنت مستنية أختي عندكم، وكمان طلعت أنا وقاظم زمايل في الجامعة، وكنت عاوزة أفاجئ رحمة، فاستغليت أننا جيران وطلبت منه أعمل عندكم كيكة وهو وافق، شكرًا بجد ليكم". قالت كلماتها وحاولت الذهاب، ليوقفها إمساك يد قاظم لها، يجبرها بعينه أن تبقى، فوافقت لا تعلم كيف. نظر إلى أخيه الذي دلف وقال: "قاظم كلمك دا بجد؟". هتفت بسرعة وبعفوية معتادة منها: "أه، وكمان قال لي إنه عاوز يتعالج، وإنه عاوز يبقى عنده أصحاب، عشان كده إحنا بقينا صحاب". فور انتهاء كلامها، نظر إليها بصدمة وقال: "قاظم قال كل ده؟ لا عال، ما انت بتتكلم أهو، ولا عشان هي بنت وإحنا ولاد فمبتحبش تتكلم". نظرت لأخيه وقالت: "لأ، أصل هو قال لي كده عشان أنا ضغطت عليه يتكلم عشان أعرف أعمل الكيكة، 


"فعشان كده هو قالي كل ده بس عادي يعني أنا قلت إني هساعده وهو وافق." نظرت إليه، ثم إلى أخيه الذي قال، "تمام، هو إنتي وإختك ساكنين مع بعض لوحدكم؟"


"آه، إحنا لوحدنا، أختي أصلاً لسه ناقلة هنا جديد، وأنا لسه واصلة من أمريكا الصبح. وقلت أروح الجامعة، وأنا نازلة شوفت قاظم وعرفت إنه الساكن الجديد في الشقة؛ لأن أختي كانت قالت لي إن ماحدش ساكن في الشقة دي."


"بسم الله ما شاء الله عليكِ، ما بتسكتِيش، بس عارفة ده حلو، أنا بقى عاوزك تخلي قاظم يتكلم زيك كده، وأنا يا ستي ليكِ مني هدية كبيرة قوي، تمام؟"


نظرت إلى قاظم، الذي نظر إلى أخيه في صدمة، وهتفت من وسط ضحكاتها، "حاضر، هحاول، وبعدين إحنا بقينا صحاب وأنا بحب صحابي يقعدوا يتكلموا كتير معايا، عشان كده ما تخافش، هتلاقي أخوك بعون الله بيصدعك من كتر الكلام."


ضحك على طريقتها وعلى غضب أخيه الذي يشبه الأطفال وقال، "شكراً بجد، أول مرة ألاقي قاظم عنده صحاب، شكراً ليكِ."



البارت التالت "لا شكر على واجب، أنا هروح أشوف رحمة جت ولا لأ، سلام."


ذهبت إلى منزلها لتجد أن أختها قد وصلت، فهتفت أختها متسائلة: "إنتي كنتي فين يا مايسان وجيتي إمتى أصلًا؟ إنتي مش كنتي هتيجي بعد شهر؟"


تجاهلت كلمات أختها وأخذتها بالأحضان قائلة: "وحشتيني أوي أوي يا رحمة، مش عارفة أقولك إيه ولا إيه، إنتي وحشاني أوي."


تركت أختها جاذبة إياها لبيت قاظم لتطرق الباب، فيأتي حسام فاتحًا الباب، وكل هذا تحت نظرات استغراب من رحمة التي لا تفهم لماذا تطرق أختها باب الجيران، فتنصدم عندما ترى من فتح لها الباب.


"أستاذ حسام! حضرتك بتعمل إيه هنا؟"


ليجيبها حسام بسؤال: "حضرتك إنتي اللي بتعملي إيه هنا؟"


لتجيبه: "أنا ساكنة في الشقة دي." أنهت حديثها مشيرة إلى الباب الذي لا يبعد كثيرًا عن باب شقة حسام.


ليقول هو: "أنا الساكن الجديد هنا." ليكمل بمرح: "طلعنا جيران، مين كان يتخيل ده؟ على العموم، عاوزين إيه؟"


ليلْتفت إلى مايسان التي هتفت بحماس: "إيه ده، إنتوا تعرفوا بعض؟ كده شباه أوي! أنا كنت جاية آخد الكيكة من قاظم."


"آه، تمام، اتفضلي يا آنسة مايسان، اتفضلي يا آنسة رحمة."


فتهتف رحمة بخجل من تصرفات أختها: "لا أنا آسفة لو مايسان أزعجتكم، أنا هاخدها وامشي."


قالت هذا وهي تحاول سحب أختها، ولكن أختها لم تستجب لها، ليقول حسام بسرعة: "لا إزعاج ولا حاجة، أنا اللي مفروض أشكر أخت حضرتك عشان اللي عملته النهارده، دي عملت معجزة."


لتنظر له رحمة باستغراب: "معجزة؟ عملت إيه؟"


ليقول حسام بنظرة أمل: "اتكلمت مع قاظم، وهو اتفاعل معاها."


لتنظر له رحمة باستغراب.


فيقول: "الصراحة الموضوع يطول شرحه، اتفضلوا وأنا هشرحلكم الموضوع."


تدخل كلٌّ من رحمة ومايسان المنزل، ويدخلون برفقة حسام إلى غرفة الجلوس، ليتحدث حسام شارحًا لهم حالة قاظم.


"قاظم من وهو صغير، بعد وفاة ماما وبابا، مبقاش بيتكلم مع حد أو يتفاعل مع حد، مفيش غيري أنا وصاحبه بس اللي بيتكلم معاهم، وبيتكلم كلمات قليلة جدًا، لدرجة إنه لو حد كلمه ممكن ميردش، وممكن اللي بيكلمه يعتبرو أخرس، بس هو مش بيتكلم مع حد خالص. ولحد دلوقتي كان منعزل تمامًا عن أي حد، لدرجة إني قلت له كتير إنه يروح لدكتور نفسي، بس هو كان رافض، ووافق أول لما جينا هنا، واللي زاد فرحتي إنه النهاردة اتكلم مع مايسان، ومش كده وبس، لا ده رضي يبقى عنده صاحب تاني غير مالك، ودي بحد ذاتها معجزة بالنسبة لي."


فتهتف رحمة بحزن على حال هذا الشخص الذي لم تقابله: "أنا بجد مش عارفة أقولك إيه، أتمنى إنه يبقى أحسن من الأول، هو فين دلوقتي؟"


ليجيبها حسام: "هو حاليًا في أوضته بيذاكر."


فتهتف مايسان مسرعة، ذاهبة من غرفة الجلوس إلى غرفته، متناسية تمامًا أنها اليوم تعرفت على هذا الشخص: "قاظااااااااااااااام!"


ليلْتفت قاظم إلى "القنبلة" التي دخلت غرفته، فتقول مايسان: "قاعد بتذاكر لوحدك يا قادر؟ طب كنت خدتني معاك! دانا حتى بعد بالعافية. أعمل فيك إيه ها؟ أقتلك ولا أعمل إيه بعد كده يا برنس؟ لما تيجي تذاكر، تيجي تخبط وتوريني الكتاب، وتشدني من إيدي، وتخليني أذاكر معاك. اتفقنا يا برنس؟"


لينظر لها قاظم بصدمة.


فتقول بحدة مصطنعة: "اتفقنا!"


ليومئ لها بسرعة، خوفًا على حياته.


تأتي رحمة سحْبة أختها، معتذرة من قاظم: "آسفة، بس هي مجنونة شوية."


ليومئ لها قاظم، لتحدث معجزة أخرى عندما هتف: "ولا يهمك."


لينظر له حسام بصدمة، وهو يقف عند باب الغرفة: "ما أنت حلو وبتتكلم أهو، ليه بقى حضرتك ما بتتكلمش معانا؟"


لينظر إليه قاظم بحزن.


فيتحدث حسام: "خلاص يا عم، ما تزعلش، بهزر معاك. انت عارف إني بحب أناغش فيك. شكل الجيران في العمارة خلت المعجزات تحصل." أنهى حديثه ناظرًا للجميع، ثم أعاد بصره ناحية أخيه ليقول بجدية: "بص يا قاظم، إحنا مش هنروح عند دكتور دلوقتي. أنا عاوز أشوف صداقتك مع مايسان ورحمة نتيجتها إيه." أنهى حديثه بغمزة لمايسان.


تبتسم مايسان وتقفز وتحتضن حسام قائلة: "بجد بجد يا حوس الله!" وظلت تقفز تحت نظرات أختها المصدومة، وتخشب جسد حسام، ونظرات قاظم المستغربة والمتفاجئة في نفس الوقت.


تدرك مايسان وضعها وتنفض عن جسد حسام بسرعة، متحدثة بحرج: "آسفة." تكمل بحماس: "كنت متحمسة أوي."


تنتقل بحديثها إلى قاظم: "بص بقى يا قاظم، إنت بتتكلم كل يوم معايا أقل حاجة ربع ساعة، فاهم؟"


لينظر لها قاظم بصدمة.


فتكمل حديثها: "آه، ما تبصش كده، هتتكلم كل يوم معايا ربع ساعة، ومع رحمة ربع ساعة، ومع حسام أخوك ربع ساعة."


لم يتحدث، بل تحدث هذه المرة حسام الذي هتف: "براحة عليه شوية، هو لسه أصلًا بيستوعب الموضوع."


لتجيبه مايسان بجدية شديدة، وهذا جديد عليه من هذه الفتاة المتناقضة: "بص يا حسام، أنا كنت باخد دورات في قسم الطب النفسي؛ لأن ده القسم اللي عاوزة أتخصص فيه. وبالنسبة لحالة قاظم، فقاظم كان ما بيتكلمش عشان هو مش عاوز كده، وعقله الباطن عمل سيستم إنه مريض، فبالتالي هو بقى يحس كده. لكن هو في الحقيقة ما عندوش حاجة، وبدليل إنه أول لما كان عاوز يتعالج، ودي صدفة إنه اتكلم معايا أنا ورحمة، حتى لو بصعوبة، فهو اتكلم. وده معناه إنه فعلًا مفيش مشكلة."


أنهت حديثها ناظرة إلى قاظم، الذي ينظر لها بصدمة.


عقله لا يستوعب هذا.


هل هذا حقًا صحيح؟


إن كان صحيحًا، فهو سيفعل كما قال أخوه، سيبقى مدة من الزمن يتحدث مع رحمة ومايسان إلى أن يتحسن.


ينظر إلى مايسان التي تنظر له بحماس، فيومئ لها مجاوبًا هذه المرة، رافعًا التكليف عن أخيه: "تمام، أنا هحاول."


تبتسم مايسان، والتي أثبتت نجاح نظريتها من خلال الإجابة التي قدمها قاظم، وهو لا يدرك.


يتحدث حسام بفرحة كبيرة: "بجد يا مايسان يعني قاظم هيتكلم زي أي حد؟"


لتجيبه مايسان: "وأحسن من أي حد كمان!"


أنهت حديثها لتعود إلى شخصيتها المرحة قائلة: "المهم، خلونا ناكل الكيكة."


أمسكت رحمة من يدها وأدخلتها إلى المطبخ بالسحب الشديد، متناسية تمامًا أنها ليست في شقتهم وإنما في شقة جيرانها.


يتبعها حسام الذي أخذ معه قاظم، ليتوقفوا جميعًا في المطبخ لأكل الكعكة التي حضرها كل من قاظم ومايسان.



مرّ شهرٌ كاملٌ على المحادثة التي حدثت في المنزل، ليجلب هذا الشهر نتائجه المفرحة؛ حيث تقرّب الأربعة من بعضهم. فأصبح كل من كاظم ومايسان يذهبان إلى الكلية ويعودان معاً، ونفس الشيء مع حسام ورحمة في العمل، حيث تقرّبوا كثيراً حتى أصبحوا يعتبرون أنفسهم عائلة. ومع نتائج رائعة بالنسبة لكاظم، فقد أثبتت مايسان أن نظريتها كانت صحيحة؛ فأصبح كاظم يتحدث مع الجميع، ليس كثيراً جداً، ولكنه هادئ، وهذا جيد جداً.


في غرفة الصالون في منزل حسام، كان يجلس كل من كاظم ومايسان يذاكران، لتتحدث مايسان قائلةً: "بقولك إيه يا كاظم، عاوزة أقولك على سرّ."

ليقول هو الآخر: "وأنا كمان."

فتهتف هي بحماس: "قول إنت الأول، عاوزة أعرف."

ليتحدث بحرج: "بصراحة كده..."

لتردّ مايسان بفضول: "بصراحة كده إيه؟ شوّقتني."

فيجيبها بسرعة من شدّة الإحراج: "أنا بحب رحمة."

لتنظر له مايسان في صدمة، ثم تتغير تعبيرات وجهها إلى الحماس والفرحة البالغة وتقول: "أحلف، والله بجد؟"

لتقول بعدها بسرعة شيئاً تندم عليه: "وهي كمان قالت لي إنها بتحبك."

قالتها وهي تقفز، لتنظر إلى وجهه فتجده مصدوماً، فتقول بصدمة: "أحيه!"

وتضيف: "بص، ولا كأنك سمعت حاجة. رحمة لو عرفت هتعلّقني، تمام؟"

لينظر لها بفرحة كبيرة ظاهرة بعينيه ويقول: "إنتي بتتكلمي بجد؟ يعني رحمة بتحبني برضو؟ متُهزريش يا مايسان، الموضوع مفيهوش هزار، أنا ممكن بسبب الموضوع دا أتعب تاني."

فتجيبه هذه المرة بجدية: "لأ، هي فعلاً قالت لي إنها بتحبك، بس هي خايفة تقولك، وخايفة من نظرة الناس خصوصاً إنها أكبر منك بسنتين وكده."

فيجيبها كاظم: "إنتي عارفة إن تفكيري مش كده، ولا أنا ولا حتى حسام."

عند ذكر أخيه، التمعت عيناها، فضيّق كاظم عينيه ونظر لها ملاحظاً شيئاً ما: "إنتي قولتي إنك عاوزة تقولي حاجة، إيه هي؟"

فتجيبه بحرج: "إنت قولت، وأنا هقول."

تأخذ نفساً عميقاً وتتنهد، ثم تقول بخدود حمراء جعلت الجالس أمامها يظن أنها استبدلت:

"أنا بحب حسام."

لينظر لها بفرحة ويقول: "وحسام بيحبك."

فتنظر له بسعادة وتقفز لتحتضنه: "بجد؟ طب أحلف، والله؟"

ثم تتركه بعدها وتقول: "الله! أنا بحبه، وهو بيحبني. الله! هنبقى ثنائي جامد."

فينظر لها كاظم بفرحة لفرحتها، فهي أصبحت أقرب صديقة له وكأنها ابنته، مع أن الفرق بينهما ليس كبيراً، بضعة أشهر فقط، لكنها كانت تلتصق به كابنته، تجبره على اللعب والحديث معها.

فيقول: "إنتي فعلاً تستاهلي حد يحبك بجد، وحسام فعلاً بيحبك."

فتقول هي: "وإنت تستاهل كل خير، وأختي فعلاً بتحبك."

ثم تنظر له وتتذكر: "دلوقتي إحنا الاتنين عارفين إننا بنحبهم، بس هم ميعرفوش. هنخليهم يعرفوا إزاي؟"

فيجيبها كاظم: "سهلة، إمتى هتقولي لأختك وأنا هقول لأخويا؟"

فترد عليه: "يا سلام! وأختي تقعد تقولي عرفتِ إزاي وقلتي له ولا إيه، وحوارات. لا يا عم، غير الخطة."


يبتسم كاظم قائلاً: "ذكائك غلب طموحاتي، إحنا هنقول لهم إننا قولنا لبعض سر ومش عاوزين حد يعرف، وإنتِ لما تلقيهم جايين نتكلم ونقول."

وبدأ كاظم يمليها ما عليها قوله عندما يأتي أخيه وأختها.


بعد مرور ساعة، وصل كلا من حسام ورحمة في المصعد، ليصلوا أمام باب المنزل ليجدوه مفتوحاً كالمعتاد، وهي عادة يفعلها الطبيبان المستقبليان. فتقول رحمة: "طالما الباب مفتوح يبقى الدكتور والدكتورة قاعدين بيذاكروا جوه."


وافقها حسام، ودخلا إلى الداخل، ليسمعا كلام كاظم ومايسان الذي جعل كل منهما ينصدم: "أيوه يا كاظم، أنا بحبك أوي فوق ما أنت متخيل. إحنا لازم نتجوز، إيه رأيك نروح نتجوز بكرا في المحكمة ونسجل عند محامي؟"


فيهتف كاظم بابتسامة خبيثة، وقد أتقنت مايسان دورها بالفعل، ويقول: "أيوه يا روح كاظم، أنا موافق. إحنا بكرا هنروح لمحامي ونتجوز، أنا مش هقدر على بعدك أكتر من كده."


فيدخل حسام بقلب مشتعل ليمسك أخيه من تلابيبه قائلاً: "تتجوز مين يا لا؟ ولا مستعبطش؟ أنت عارف إني بحبها."

لتنظر له مايسان بفرحة: "أخيراً نطقتها! إيه يا لوح، لازم نعمل كده عشان تتكلم."

فينظر لها حسام بصدمة: "قصدك إيه؟"

فيهتف كاظم هذه المرة: "إيه يا عم، كنا بنعمل مسرحية عشان تعترف."

ثم يفلت من بين يدي أخيه، ذاهباً إلى رحمة، ساحباً يدها، ويقول: "وإنتِ يا ست الحسن، مش ناوية تريّحي قلبي؟ يا شيخة، دا أنا كنت بتكلم معاهم ربع ساعة وأجي أقعد معاكي أتكلم أكتر من ساعة. إيه؟ مش حاسة بيا؟"


فتهتف رحمة بخجل: "كاظم..."

فيهتف كاظم بحب: "قلب كاظم من جوه يا ناس!"

فتنظر له بخجل دون أن تتحدث.


أما حسام، الذي ينظر إلى مايسان، فتقول هي: "بقى اتغفلت دا كله؟ ليه مقولتليش؟ دا أنا كنت يا أخي مستنياك."

فيجيبها بصدمة: "بتغفل ويأخي؟"

ثم يهزّ رأسه بيأس، فمايسان ستظل مايسان.

يقترب منها ويضع يده على خدها قائلاً: "أنا بحبك أوي، بحبك أكتر مما تتخيلي. إنتِ دخلتي قلبي من أول ما شوفتك، إنتِ بقيتي تشغلي تفكيري يا مايسان، إنتِ أكتر واحدة أنا بعشقها."

فتنظر له بخجل من كلماته هذه، ليرحل الصمت الليلة عن القلوب ويحلّ محله طبول الحب.


دا الرابع

تكملة الرواية بعد قليل 


تعليقات

التنقل السريع