رواية ذئب يوسف الفصل الثامن والتاسع بقلم ذكية محمد
رواية ذئب يوسف الفصل الثامن والتاسع بقلم ذكية محمد
البارت الثامن
خيم السكون المكان ، و الصدمة و الذهول حليفهم . فرغت آلاء ثغرها حتى كاد أن يصل للأرض عندما رأت ذلك الغريب يحتضن صديقتها ، و لم تختلف حالة الأخرى عنها ، حيث تخشب جسدها ، و تعالت دقات قلبها ، وعندما أدركت الوضع المحرج الذي هي فيه ، قامت بزجه بقوة بعيداً عنها قائلة بحدة وهي ترفع يدها لتصفعه :- أنت عملت إيه يا حيوان ؟
مسك رسغها ليظل متعلقاً بالهواء ، و ضحك بخفة قائلاً :- أهدي يا مجنونة و اعقلي .
حدجته بصدمة قائلة :- نعم ! أنت مستوعب عملت إيه ولا أنت شارب حاجة على الصبح ؟!
هز رأسه بنفي قائلاً بتلاعب :- لا مش شارب ، و ممكن أحضنك تاني على فكرة و أبوسك في خدودك الحلوين دول كمان .
شهقة عالية صدرت من آلاء عقب حديثه الوقح ، بينما تحول وجه الأخرى إلى اللون القرمزي دلالة على الغضب الشديد ، و صرخت بوجهه وهي تحاول جذب يدها من قبضته الفولاذية :- أنت قليل الأدب و سافل ، سيب أيدي يا مجنون ، والله لأروح أعملك محضر في القسم و أخرب بيتك .
أردف بضحك :- يا بت أهدي الله يحرقك ..
أردفت بشراسة :- ولا أنت هتصاحبني ولا إيه ؟ سيب أيدي بدل ما أقلع اللي في رجلي و أنزل بيه على دماغك .
ترك يدها ، يحدق بها بذهول قائلاً :- ولا ! لا أنتِ محتاجة ضبط مصنع ..
حررت يدها من قبضته أخيراً قائلة بحدة :- وأنت مالك ! و بعدين ماتوهش ، إزاي تحضني يا قليل الأدب ؟ هو أنت فاكرني واحدة من إياهم ولا فاكرني ضعيفة هسكتلك ؟
هز رأسه بيأس منها ، و أردف بحدة جعلتها تصمت فوراً :- ممكن تهدي و تقفلي ماسورة المجاري اللي اتفتحت دي ، و نتكلم بالعقل ؟
أردفت بحدة مماثلة :- عقل ! و هو أنت خليت فيها عقل يا أبو عقل !
جز على أسنانه بعنف ، و بدون سابق إنذار كمم فاهها بيده قائلاً بصرامة :- هتسمعيني يعني هتسمعيني فأهدي و اعقلي كدة ....
أخذت تتلوى بعنف ، إلا أن قوته كانت الكفة الراجحة ، حيث لم تستطع الفرار ، فأخذت تهمهم تحت يده ، إلا أنه أردف بحزم :- أنا حذرتك فمتلوميش غير نفسك .
ولوهلة شعرت بالخوف منه فهي لا تعلم نواياه تجاهها بعد ، أما آلاء فاقت من حالة الصدمة وهي تشاهد ذلك الغريب يتعامل بذلك النحو مع صديقتها فمسكت حقيبتها ، و قامت بضربه بقوة على ظهره قائلة بشجاعة مزيفة :- أبعد عنها يا حمار بدل ما أنادي الأمن .
ضيق عينيه وهو ينظر ناحيتها قائلاً ببعض الوجع :- لا الحكاية مش ناقصة تخلف هي ، بس يا بابا !
خرجت بسرعة تهرول تستغيث بسندس ، إذ فتحت الباب على حين غرة قائلة بذعر :- إلحقيني يا مدام سندس في واحد ماسك رحيق ومش عارفة عاوز منها إيه !
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- واحد مين دة ؟! تعالي وريني .
توجهن نحو المكتب ، وما إن دلفت ، حلت الصدمة على وجوههن حينما رأوا شادي منبطح على الأرض وهي فوقه تكيل له اللكمات بحقيبتها ، و هو يحاول أن يتجنبها قائلاً بصراخ :- يا بنت المجنونة كفاية هفطس ..
نظرت سندس لالآء قائلة بريبة :- متأكدة من اللي قولتيه من شوية دة ؟!
أردفت بتأكيد :- اه والله زي ما قولتلك يا مدام ، بس شاطرة يا رورو أيوة أديله كمان يستاهل ..
سمعن صراخه قائلاً :- حد يلحقني من الهبلة دي ..
هتفت سندس بحدة :- رحيق بس كفاية !
ابتعدت عنه، ونهضت قائلة بتذمر :- يا مدام سندس دة واحد قليل الأدب و محتاج يتربى ..
نهض هو بدوره قائلاً بضيق :- روحي يا شيخة وأنتِ عاملة زي علبة الكبريت كدة ، صحيح اجتنبوا شر من اقترب من الأرض .
نظرت سندس له قائلة :- هو أنت لسة ما قولتلهاش ؟!
هز رأسه نافياً وهو يقول بغيظ :- وهي أدتني فرصة أتكلم ، دي مفترسة والله .
حدجته بشراسة قائلة :- شكلك عاوز تضرب تاني صح ؟
ثم نظرت لسندس قائلة بضيق وهي على وشك البكاء :- يا مدام دة ...دة حضني وقال كلام مش محترم زيه ، خديلي حقي منه ، انا عاوزة أبلغ البوليس .
تقدمت منها قائلة بحذر :- رحيق أهدي يا حبيبتي مفيش حاجة....
قاطعتها قائلة بصراخ :- مش ههدى محدش يقولي أهدي ، إزاي المحترم يعمل كدة هو محدش قالك أن دة حرام ولا أنت ما تعرفش ؟!
أردف بندم :- رحيق أهدي وأنا هفهمك كل حاجة .
صرخت بوجهه قائلة :- متنطقش اسمي على لسانك ، فاهم ؟
صرخ بوجهها بانفعال قائلاً :- أنا أخوكي ...افهمي أنا أخوكي يا رحيق .
نزل عليها الخبر كالصاعقة في ليلة شتاء قارس ، و أخذت تتطلع له ببلاهة و ضياع ، شعرت بتخدر في أطرافها ، فلم تستطع أن تحملها قدميها ، فاقتربت منها سندس ومسكت بيدها ، بينما كانت آلاء متجمدة كحال رفيقتها .
اقترب شادي منها أكثر قائلاً بحنو :- أيوة يا رحيق أنا أخوكي ، بابا ليه سنين بيدور عليكي لحد ما فقد الأمل إلا أن عناية ربنا لطفت بينا ..
هتفت بضياع :- أنت... أنت.بتقول إيه ؟ أخويا إيه ، و أبويا إيه دة كمان ، أنت هتشتغلني ؟!
هز رأسه بنفي قائلاً بتأكيد :- لا أنا بتكلم جد ، أنتِ رحيق مجدي المرشدي بنت رجل الأعمال مجدي المرشدي .
صمتت قليلاً قبل أن تدلف في نوبة ضحك هستيري وسط دهشة الجميع ، بينما أردفت هي بضحك وهي تنظر لآلاء :- اسمعي يا آلاء بيقول إيه الجدع دة ! إنما نكتة بصحيح .
أقترب منها وهتف بقلق :- رحيق بطلي ضحك ، أنا مقولتش نكتة !
و ما إن هم ليمسك يدها ، نفضتها بعيداً عنها قائلة بصراخ :- أبعد عني ماتقربليش ، يا مدام سندس خليه يمشي من هنا أرجوكِ .
جذبها من كتفيها ببعض القوة قائلاً بجدية وهو ينظر بعينيها مباشرة :- رحيق فوقي ، أنا اسمي شادي مجدي المرشدي أخوكي سامعة ولا لا ؟ سواء برضاكِ أو غصب عنك أخوكي ولا يمكن أسيبك تاني ، بابا هيفرح اوي لما يشوفك .
أردفت بدموع عالقة :- بابا ! يعني أنا عندي أب ؟ ! هو رجع خلاص من الخليج ! و أنت إزاي أخويا أنا أمي مخلفتش غيري ، أرجوك بطل لعب بأعصابي ، أنا مش هستحمل كفاية اللي أنا فيه .
هز رأسه بنفي قائلاً بحنو :- حبيبتي أنا مبضحكش عليكي ، طيب استني كدة ..
التقط حافظة نقوده و أخرج بطاقته الشخصية و مدها لها قائلاً :- شوفي أهو إتأكدي من اسمي ، اسم بابانا واحد ..
تطلعت للبطاقة ، ثم قطبت جبينها قائلة باقتضاب :- دة اكيد تشابه أسماء أنا مليش أخوات .
أردف بحذر :- ما أنا أخوكي من الأب بس ، بابا متجوز واحدة تانية اللي هي أمي ، و معاكي أخت تانية أصغر منك بشوية .
أردفت بذهول :- نعم ! أنت عاوز تجنني يا جدع أنت ! ولو كلامك صح أنا مش عاوزاكم ..
ثم أضافت بفؤاد ذبيح :- دلوقتي افتكرتوني ؟! كان فين أبويا وأنا مرمية ليا سنين عند خالتي ، بدل ما يطبطب عليا راح أتجوز و خلف ولا كأن عنده بنت و سابنا كلنا عايشين في كدبة أنه سافر الخليج ، مش عاوزة حد أبعدوا عني أنا اكتفيت ..
ثم صرخت بانهيار في وجهه :- أطلع برة أطلع ..
تدخلت سندس بقلق من تأزم حالتها قائلة :- أستاذ شادي يا ريت تطلع دلوقتي و تستنى في مكتبي .
هتف بأسى :- بس ...
قاطعته قائلة بهدوء :- يا ريت تطلع دلوقتي أنت مش شايف حالتها !
طالعها بحزن وهز رأسه بهدوء، ثم انصرف مسرعاً ، بينما تقدمت هي منها و احتضنتها بحنو ، و هنا انهارت رحيق حصونها ، إذ أخذت تبكي بصوت مسموع بحرقة بوجع على ما سمعته منذ قليل .
أخذت سندس تربت على ظهرها بحنو ، وهي تشرد بذاكرتها وتعود للخلف منذ أسبوع حينما أتت سميحة لمقر العمل و طلبت أن تقابل رحيق إلا أن الأخرى رفضت بعد أن اتهمتها في عرضها ، فتوسلت لتقابل سندس لأمر ضروري ..
عودة للخلف ، بعد أن أوصدت رحيق جميع أبواب الغفران بوجهها ، لم تجد غير سندس ، فتوجهت لها قائلة برجاء :- وحياة أغلى حاجة عندك لتسمعيني يا هانم ، في حاجة مهمة بخصوص رحيق عاوزة أقولك عليها.
هتفت بضيق :- حضرتك عاوزة تقولي إيه ؟ إيه اللي هيتقال بعد اللي حصل ؟!
أردفت بندم :- غصب عني إحنا يا هانم غلابة و محلتناش إلا شرفنا ، لما شوفت الصور عقلي وقف وصدقت زي ما الكل صدق ، الناس في الحارة على قد حالهم ميعرفوش شغل الفيتو ... إيه دة مش عارفة أقول اسمه ، بس المهم حصل خير ، و براءتها ظهرت و رفعت راسها وسط الخلق ودة بفضل ربنا و بعدين أنتِ ..
أومأت بضيق قائلة :- اممممم و بعدين ؟
بلت شفتيها و تابعت :- رحيق طيبة و تستاهل كل خير ، و علشان كدة أنا هقولك على سر خطير يخصها بس وحياة الغاليين عندك ما تجيبي سيرة لحد ، و تخلي بالك منها .
انتبهت لها قائلة بقلق :- مالها رحيق اتكلمي .
هزت رأسها بخفوت، ومن ثم راحت تقص عليها كل شئ يخصها تحت أنظارها المصدومة ، و بعد ذلك تركتها بعد أن أوصتها بأن تنتبه لها .
على الجانب الآخر عند عقد الصفقة لاحظ مراد اسمها الذي كان موقعاً بين الأوراق ، فتوجه لسندس على الفور و تحدث معها بأمرها ، فأخبرته حينها بكل ما يتعلق بها ، و طلب منها أن تجري لها تحليل DNA دون أن تعرف ليقطع الشك باليقين ، وهذا ما حدث بالفعل حينما أكدت النتيجة نسبها لعائلتهم ، وأنها هي من ظل عمه يبحث عنها طيلة الوقت ، و أسند له مهمة البحث عنها ، و ها هو القدر قد ساقها نحوهم دون أدنى مجهود يذكر .
أخبر شادي بالأمر الذي أتى فوراً لرؤيتها ، وحدث ما حدث ...
عودة للوقت الحالي ، نظرت لتلك المسكينة التي نالت منها الحياة بقدر كبير ، سارت بها نحو الأريكة ، و هتفت بهدوء وهي تمسح لها عبراتها:- رحيق ممكن تبطلي عياط و نتكلم ؟
هتفت بصوت متحشرج :- هنتكلم نقول إيه ؟ هو دة حلم صح ؟ أنا بحلم يلا صحيني علشان دة كابوس بيخنقني ..
أردفت بروية :- أنا عارفة الصدمة كبيرة عليكِ و صعب تستوعبي كل دة مرة واحدة ، خدي وقتك براحتك ، آلاء !
هتفت تلك المتخشبة كالتمثال :- نعم يا مدام سندس !
أردفت بهدوء :- اقعدي مع رحيق هنا على ما أروح أشوف شادي و أرجع . بقلم زكية محمد
_______&&&&&&&&&&&&&&________
بعد مرور أسبوع ، عادت البسمة لوجهه لتنيره من جديد ، أشرق وجهه بعلومه العثور على ابنته ، تلك الجوهرة الباقية من طيف الراحلة التي غادرت دون أن يعلم عنها شئ عندما اختفت في ظروف غامضة.
هتف بابتسامة تشق ثغره منذ زمن :- شكلها إيه يا شادي دلوقتي ، وعاملة إيه ، و قاعدة فين ؟
ابتسم بحنو قائلاً بعبث :- شبه مامتها يا بابا مزة يعني ..
نهره بحدة قائلاً :- ولد ! بطل لماضة .
ضحك بصخب قائلاً :- الله يا حج مش بقول الحقيقة! و متخافش هي قاعدة في مكان آمن لحد ما ربنا يهديها و تيجي هنا .
أردف بحزن :- هي لسة بردو مش راضية تيجي ؟
هز رأسه بنفي قائلاً بأسف :- لا لسة دماغها عنيدة ، أنا مش عارف طالعة لمين !
ابتسم بحنين قائلاً :- طالعة لمامتها كانت راسها انشف من الحجر .
غمز له بعبث قائلاً :- اه يا بابا يا شقي ، طيب قولنا بقى كنت بتروضها إزاي بما إنك خبرة وكدة .
أردف بغيظ :- والله لولا حالتي لكنت قومت و وريتك شغلك .
جلس بجواره قائلاً بحزن حاول مداراته قائلاً:- أديني جتلك أهو بنفسي ، أعمل فيا اللي أنت عاوز تعمله .
وضع كفه على يد ابنه قائلاً بحنو :- أنا مش عارف من غيرك أنت و أختك كنت هعيش إزاي و أكمل ! و أديني أهو لقيت بنتي التانية اللي ليا سنين بدور عليها ، بس خايف ...خايف عليها هي لوحدها وأنا مشلول هحميها إزاي ؟
أردف بعتاب :- وأنا روحت فين يا بابا ، متقلقش أنا أقدر احميها كويس ، أنا عارف إنك خايف عليها من ماما و رد فعلها لما تعرف.
أردف بحزن :- مش ناريمان بس يا شادي ، خايف من جدك و جدتك ليعملوا أي حاجة و يفرقوها عني تاني بعد ما لقيتها .
ربت على يده قائلاً :- متقلقش مش هتحصل حاجة من دي ..
ثم أضاف بمرح :- بس إيه يا عم بنتك دي إيه متوحشة عليها سنان ما شاء الله سمكة قرش علطول ، كانت قطة مغمضة هي و صغيرة لما كنت تاخدني معاك عندهم .
ابتسم بحب قائلاً بلهفة :- شوقتني أشوفها يا شادي ، حاول معاها تاني وتالت و عاشر لحد ما ترضى تيجي ، قولها أبوكي مشلول هتيجي علطول ..
أردف بدموع مكبوتة :- هيحصل يا بابا قريب إن شاء الله و دة وعد مني .
قاطع حديثهم دلوف ناريمان التي هتفت بغيظ :- إيه مالكم قطعتوا النفس كدة ، ما تتكلموا ولا دي أسرار مش عاوزني أعرف حاجة عنها .
أردف شادي بمرح :- أسرار إيه بس يا ماما ! دة أنا كنت بقوله عن أحوال الشغل و إزاي ماشي علشان ميقولش عليا مستهتر شوفت أهو ..
نظر له بامتنان قائلاً :- شوفت يا لمض ، يلا روح علشان متتأخرش و مراد يشوف شغله معاك .
أردف بفزع :- يا نهار مش فايت أنا نسيت دة هيكدرني النهاردة ، سلام يا حج ، سلام يا حجة ..
جعدت أنفها بضيق قائلة باذدراء :- حجة ! ولد أنت بتجيب الألفاظ دي منين ؟
أردف بضحك :- حد يطول يبقى حج يا ماما ، ربنا يوعدنا ..يلا سلام .
انصرف مسرعاً لعمله ، بينما تساءلت بريبة :- بقالك كام يوم مش مظبوط و عمال تتهامس مع شادي شوية و مراد شوية في إيه ؟
أردف بضيق :- مفيش حاجة يا ناريمان هيكون في إيه يعني ! هو الكلام بقى عيب !
جزت على أسنانها بعنف قائلة :- ماشي يا مجدي براحتك ، أنا نازلة النادي وهاخد شيري معايا ، تشاو .
قالت ذلك ثم غادرت الغرفة ، فنظر لطيفها بحزن ، فهي لم تكلف نفسها أن تسأل على حالته حتى و تساءل بسخرية :- أين ذاك الحب الذي أدعته من قبل والذي بسببه بقي هو معها بعد أن خططت بنجاح للإيقاع به منذ زمن ؟!
تنهد بقهر وهو يتذكر تلك التي كان إلى جوارها طفلاً وليداً ، و برحيلها رحلت روحه معها فلم يتبقى غير شبح باق ، جسد بلا روح يزفر و يستنشق الأنفاس لا أكثر . بقلم زكية محمد
______________________________________
بكاء الصغير و استماتته على رأيه بالنزول لرؤية جده موسى ، جعلها ترضخ له ، و بداخلها يخشى الخروج من الأساس فبأي وجه سيقابلونها بعدما حدثت تلك الواقعة ؟!
أثناء نزولها درجات السلم ، لاحظت بعض النسوة وهن يطالعنها باذدراء و ضيق دب الرعب بقلبها ، و تساءلت ماذا حدث يا ترى لتنال تلك النظرات التي بمثابة الرصاص الحي ؟
وصلت أخيراً للطابق المتواجد به عمها ، و وضع الصغير كفه الرقيق كعادته على الجرس ، ففتحت زوجة عمها الباب التي طالعتها بضيق خفي ، لاحظته الأخرى لتزدرد ريقها بتوتر ، فهتفت بشفاه مرتجفة و ابتسامة تتراقص على جمر :- صباح الخير يا مرات عمي ، هو ...هو عمي موسى موجود ؟ أصل أحمد عمال يعيط و عاوز جده .
اغتصبت ابتسامة مصطنعة قائلة :- أدخلي يا مريم ، موسى جوة بيفطر .
دلفت وهي تشعر بالصقيع يسري بأوردتها رغم دفئ الجو . تململ الصغير لينزل سريعاً من على ذراعي والدته و يركض ناحية جده بحماس ، ليحمله موسى و يضعه على قدميه بحنو قائلاً :- صباح الفل يا أبو حميد ، إزيك يا مريم عاملة ايه ؟
ابتسمت بوجه شاحب قائلة بأدب :- صباح الخير يا عمي ، الحمد لله بخير ، انتوا عاملين ايه ؟
أردف بود :- فضل و نعمة يا بنتي الحمد الله ، تعالي افطري .
هزت رأسها بنفي قائلة :- أاا....لا قصدي بالهنا يا عمي ، أصل معايا شغل هروح اخلصه ، أنا بس جبت أحمد علشان ينزل معاك الوكالة ، بالإذن ..
انصرفت سريعاً لتتفادى نظرات زوجة عمها الحارقة ، بينما زفرت عواطف بضيق قائلة :- نقول إيه أدب الله و أدب حكمته ، شوفت شورتك يا حج شوفت ، أدينا أتفضحنا وسط العمارة و الهانم عاملة من بنها .
أردف بضجر :- يا عواطف خلي اللي يقول يقول هو من إمتى الناس بتسكت ؟!
مطت شفتيها بضيق قائلة :- مش جوازة إسلام يا حج ، ظلمت الواد معاها .
أردف بصرامة :- عواطف ! الكلام دة ما يتفتحش تاني ، شوفي وراكي ايه و اعمليه .
مصمصت شفتيها بتهكم قائلة :- حاضر يا حج لما نشوف اخرتها ايه ..
تجر ساقيها اللذين أصابهما التخدر ، فلم تستطع أن تحملهما ، و دقات قلبها تعلو بصخب ، لا تعلم أي معجزة قادتها و جعلتها تصل لشقة والدها ، و رفعت يدها التي أصابها الشلل الجزئي المؤقت ، و طرقت الباب وهي تسترجع كلمات النسوة أثناء صعودها " بنات آخر زمن ما صدقت أخوه مات راحت تكوش على التاني " " صاحبة خاينة للعيش و الملح " .
فتحت الباب والدتها التي ابتسمت لها بتوتر ، سرعان ما اختفت حينما لاحظت وجه ابنتها الشاحب فهتفت بقلق :- مريم مالك يا بنتي ؟ مالك يا ضنايا ؟
جذبتها برفق للداخل ، و جلستا على الأريكة ، فأردفت توحيدة بقلق :- مريم انطقي يا ضنايا ، فيكي إيه ؟!
هزت رأسها بضياع يميناً و يساراً قائلة :- مش عارفة ، الناس بتبصلي وكأني عاملة عملة ..هما ...هما عرفوا باللي حصل ؟
هزت رأسها بأسى قائلة :- هو أنتِ عرفتي ؟
اتسعت عيناها بذعر قائلة :- ققصدك إيه بعرفتي ؟ يا مصيبتي يا مصيبتي ، حرام عليكم والله ما عملت حاجة ، قالوا إيه يا أما و عرفوا إيه ؟
أردفت بحزن :- بيقولوا إنك خطفتي إسلام من أسماء بعد ما أمه اتفقت على الخطبة و قراية الفاتحة .
شهقت بصدمة قائلة :- نعم ! خطفت إسلام ! هي حصلت يقولوا عليا كدة ، أنا مخطفتش حد أنتوا اللي غصبتوني قوليلهم يا أما بالله عليكي قوليلهم .
أردفت بذعر من حالتها :- حاضر يا حبيبتي حاضر ، أهدي يا قلب أمك ...
ألقت بنفسها بين ذراعي والدتها ، و انهارت في موجة بكاء عميقة تقطع نياط القلوب ، لم كل شئ يسير عكس ما تريد ، حتى الشخص الوحيد الذي تمنت قربه ، لم يتركوا لها الفرحة .
سالت دموعها على ابنتها ، تشعر بالعجز تجاهها ، تلك الشعلة التي انطفئت قبل أوانها .
خرج صوت مريم الباكي قائلة بوجع :- تعبت يا أما والله تعبت ، هما ليه مستكترين الفرحة عليا ؟ مش من حقي يعني ! مين اللي قال الكلام دة يا أما ؟
أردفت بحذر :- أسماء و أمها ..
تخشب جسدها ، و انقطعت وتيرة أنفاسها، و أردفت بتلعثم :- أس....أسماء ! هي اللي قالت عني كدة ؟ لا لا هي ما قلتش كدة دول كدابين .
أردفت بضيق و قسوة :- لا مش كدابين أنتِ اللي هبلة يا مريم ، أديكي اللي بتدافعي عنها ومش راضية تقولي سرها هي اللي قالت الكلام دة ، فوقي بقى فوقي ..
أردفت بدموع :- هي دي جزاتي يعني ! بعد كل اللي عملته معاها تكون دي النهاية !
أردفت توحيدة بانتباه :- أيوة بقى قوليلي عملت إيه وأنا هفضحهالك بت المفضوحة دي ..
هزت رأسها بعنف قائلة :- لا يا أما حرام ، مينفعش حرام عليا خافي ربنا .
مسكتها من ذراعها بعنف قائلة بصراخ :- وهي ماخفتش ربنا ليه ؟ بطلي عبط بقى ..
أردفت بضياع :- أنا هروحلها لازم أواجهها ..
مسحت عبراتها بعنف ، ثم توجهت للخارج بجنون ، بينما أردفت هي بغيظ :- بت دماغها حجر بصحيح ، ربنا يستر لما تعرف باقي اللي إتقال عليها ، بس يلا علشان تتعلم و تبطل الهبل اللي هي فيه دة .
وصلت بسرعة البرق للأسفل ، و طرقت الباب بحدة و ألسنة اللهب تتصاعد منها . فتحت الباب والدة أسماء التي قوست شفتيها بغل ، تجاهلته مريم ببراعة قائلة بهدوء :- صباح الخير يا خالتي نسمة ، أسماء موجودة ؟
هتفت بضيق فشلت في إخفاءه :- اه قاعدة جوة بتذاكر .
أردفت بهدوء :- طيب ممكن أشوفها ؟
تنحت قليلاً من أمام الباب ، و أشارت لها بالدلوف ، فولجت هي على الفور و فتحت الباب كالعاصفة ، فظنت الأخرى أنها والدتها :- في إيه يا أم....
توقفت الكلمات على لسانها ، و شعرت بجفاف بحلقها حينما وجدت مريم ماثلة أمامها ، و سرعان ما أخذت تنظر لها بغل ، فلم تتحمل تلك النظرات التي تطلقها نحوها فهتفت بانفعال :- بتبصيلي كدة ليه ها ؟ نفسي أعرف إزاي جاتلك الجرأة إنك تقولي عليا كدة ! بعد كل اللي استحملته علشانك ! دة جزاتي يا أسماء دة أنا خدت ضرب من أبويا الحمار ما بيخدهوش و دة كله علشانك ، علشان خايفة عليكي تقومي تعملي كدة ؟ ساكتة ليه انطقي..
نهضت ببرود من مكانها و توقفت قبالتها و صرخت بوجهها بغضب قائلة :- علشان إنتي السبب في كل اللي حصل ، انتي اللي خططتي لكل دة ، إنتي قصدتي تأذيني يا جبروتك يا شيخة ....
______________________________________
تعمل بجدية غير مسبوقة منها حتى تهرب من الواقع ولا تسمح لعقلها مجرد الاقتراب من تلك الأسئلة و الحديث الذي سمعته من ذاك المدعو أخيها ، الذي يأتي يتودد لها يومياً بأن تذهب معه لرؤية والدها ، إلا أنها كانت ترفض ذلك في كل مرة ، فهي لم تستوعب الأمر بعد .
بالخارج أتت سندس لرؤيتها و هتفت بهمس لآلاء :- لسة برضه قاعدة ؟
مطت شفتيها بأسى قائلة :- أيوة لسة بتشتغل ، دي عاملة زي الآلة اللي بتشتغل بالأمر .
هزت رأسها بحزن قائلة :- طيب أنا هدخلها و أشوفها ، دي رافضة تتكلم معايا في البيت في الموضوع إياه ..
دلفت بعد أن طرقت الباب ، و جلست بهدوء مقابلتها ، ثم تنحنحت قائلة بمرح :- إيه يا رحيق يا حبيبتي مش نفسك تاخدي break و تشربي عصير فراولة من اللي بتحبيه .
هتفت بجمود :- مش عاوزة ورايا شغل عاوزة أخلصه .
زفرت بضيق من صمتها القاتل ذاك ، و ردودها المقتضبة ، و لكن يجب من وضع حد للأمر و إنهاءه ، فأردفت بصرامة :- رحيق بصيلي هنا و اسمعيني لحظة .
نظرت لها بانتباه قائلة بهدوء :- أيوة يا مدام سندس !
أردفت بصرامة :- بصي بقى الموضوع طول و بقي سخيف أوي ، ممكن أفهم ليه مش راضية تقابلي أهلك لحد دلوقتي ، و أخوكي شوية و هيبوس رجلك وأنتِ مصدراله الوش الخشب !
طالعتها بصدمة ، وقد فهمت الأمور بشكل خاطئ حيث أردفت بانكسار :- أنا مش عاوزة أروح عند حد ، و لو متقلة عليكي هاخد هدومي و أمشي ، ربنا ما بينساش حد .
جحظت عيناها بصدمة قائلة :- نعم ! هو أنتِ مفكراني بقولك كدة علشان تمشي ؟ لا دي راحت منك خالص ! رحيق أنا بس عاوزاكي تعيشي في وسط أهلك و تحسي أن ليكي سند في ضهرك ، إنما موضوع إنك تمشي دة يشهد ربنا إني مش عاوزة أسيبك أبداً ، بس أنا مش هكون أنانية .
أردفت بوجع :- عاوزاني أروح عند ناس معرفهاش لوحدي ، وأقعد وسطهم ! واحد بيقول أنه أبويا مسافرش زي ما بيقولوا لا دة متجوز و مخلف عادي و رماني ملطشة للكل ! لا لا مش هقدر أنا مكتفية بيكم ، مش عاوزة أتوجع كفاية اللي شفته كفاية .
قوست شفتيها بأسى قائلة :- حبيبتي أي حد بيروح مكان جديد عليه بيحس الاحساس دة لما تتعودي هتحبيهم .
رفعت حاجبها باستنكار قائلة :- والله ! أحبهم ! أحب مرات أبويا ! بتهزري صح ؟! لو سمحتي أنا عاوزة أقعد لوحدي أنا هروح ..
و كالعادة تركتها فهي تخشى المواجهة ، وليست في أتم الاستعداد لها .
نزلت للأسفل ، و قد غلفت دموعها طبقة كرستالية فالبكاد ترى ما أمامها بتشوش ، تشعر بالنقيض ، تريد أن تركض لوالدها لتنعم بحنان الأب الذي لم تجربه من قبل ، و عقلها ينهرها أنه لم يسأل عنها و تركها تعاني بمفردها .
ظهرت فجأة سيارة سوداء على آخر الطريق ، و بلحظة تم جذبها لداخلها ، و ما كادت أن تصرخ حتى شعرت بخدر يسري في أوصالها عندما وضع أحدهم مخدر على أنفها فغابت عن الوعي سريعاً ، ولا تعلم إلى أين سيكون مصيرها .؟..........
يتبع..
الفصل التاسع
هزت رأسها بعدم فهم ، و كاد الجنون يعصف بها ، فهتفت بعصبية شديدة :- قصدك إيه بإني السبب ها قصدك إيه ؟
هتفت بخفوت لكي لا يصل الحديث لوالدتها ، كما أنها شكرت القدر لعدم وجود والدها في تلك اللحظة :- أنتِ اللي كلمتي الولد و خلتيه يقرب مني و يستغلني علشان ألجألك ، و روحتي معايا علشان تظهري في دور البطلة اللي أنقذتني ، بس طبعاً بعد ما تخلي إسلام يشوفني هناك علشان يصرف نظر عن الموضوع ، وبجد هايل أديكي أتجوزتيه زي ما أنتِ عاوزة بالظبط.
هزت رأسها بعنف وهي لا تصدق أن أسماء الضعيفة التي أتت لها تترجاها أن تخلصها من تلك المحنة هي نفسها من تقف أمامها و تلقي عليها بتلك الاتهامات! فأردفت بدموع مكبوتة :- أسماء قوليلي أنك بتهزري صح ؟ قوليلي الله يخليكي .
أردفت بتهكم :- و دي حاجة يتهزر فيها ! إيه عاوزة تبرأي نفسك من عملتك دي ؟!
أردفت بذهول و الصدمات تتلاحق عليها :- حرام عليكي ، إزاي أنا هعمل كدة فيكِ وأنا مكنتش أعرف حاجة غير لما جيتي قولتيلي ، إزاي تتهميني بالقرف دة ؟ دي آخرتها !
أردفت بجمود :- مش دة جزء من خطتك ولا متهيألي ؟! هو قالي على كل حاجة و عرفني الإتفاق اللي بينكم وقالي كمان أنه هيشوف شغله معاكي استلقي وعدك يا حلوة ، شوفتي بقى الكفة كلها اتقلبت ضدك ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها ..
صاحت بدفاع عن نفسها :- أنا معملتش أي حاجة من اللي بتقولي عليها دي يا أسماء ، أنتِ زي أختي هعمل فيكِ كدة ! صدقيني .
دلفت والدتها في تلك اللحظة قائلة بضيق :- جرا إيه يا دلعدي جاية تتهجمي على البت في بيتنا ، عمالة تتلوني عليها علشان تسامحك بعد اللي عملتيه ! على العموم بنتي قمر وألف مين يتمناها روحي أشبعي بيه إسلام ..
أردفت بصراخ :- و سمعتي اللي حطتوها في الأرض أنتِ وبنتك مين هيرجعهالي ها ؟ ردوا عليا .
رفعت حاجبها قائلة بقسوة :- دة بس علشان تحرمي و تعرفي أنتِ بتلعبي مع مين يا حلوة . 1
طالعتهن بقهر ، و زمت شفتيها بأسى قائلة :- لأول مرة في حياتي هكره نفسي و هكره شوية مبادئ وصلتني للي أنا فيه دة ، و لأول مرة أستاهل اللي يجرالي طالما ماشية ورا شوية قواعد ملهمش تلاتين لازمة في الزمن دة ، و بجد ندمانة إني ساعدتك ، بس أنا أحسن منك مش هفضحك ، حسبي الله ونعم الوكيل هسيب حقي لربنا وهو اللي هياخدهولي منكم ومن كل اللي ظلمني ..
أنهت كلماتها و غادرت بسرعة المكان ، و قلبها ينزف بجروحه الغائرة ، و تمنت في تلك اللحظة أن تُوارى تحت الثرى ، بينما هتفت نسمة بحدة :- تفضحك إزاي يا بت ؟
أردفت بتلجلج :- أاا...دي بتكدب يا أما و بتقول أي كلام ، دي مش ساهلة ..
أردفت بتأكيد :- أيوة ربنا يرحمنا من شرها بت توحيدة دي ..
تلقتها على السلم فهتفت بذعر :- مريم ...مريم حبيبتي أنتِ سمعتي باللي حصل ؟
ألقت بنفسها بين ذراعيها قائلة ببكاء :- هموت يا بثينة قلبي وجعني و حساه بينزف .
أخذت بيدها إلى الأعلى، و دلفتا لشقتها ، ثم جلستا على الأريكة فأردفت بعتاب و ضيق :- شوفتي ! شوفتي أخرتها أهي طلعت من الليلة و لبستيها لوحدك .
أردفت ببكاء :- مكنتش فاكرة أنها هتعمل كدة ، و بعدين أنا معرفش مين دة اللي بتقول أن أنا اللي خططت معاه ، و الله ما استاهل أبداً اللي عملته .
زمت شفتيها بعبوس قائلة :- علشان طيبة و الطيبة في الزمن دة ما بتوكلش عيش يا مريم ، كله بيدوس على كله علشان مصلحته ، دة أنتِ حتى مرضتيش تقوليلي عن سبب مرواحك معاها ، و أعرف زيي زي الغريب ، أنا مش بلومك بس مش عاوزاكي تتعاملي مع الكل بصفو نية .
أردفت بوجع :- مقدرش أشوف حد محتاج مساعدتي و أقوله لا .
أردفت بانفعال :- و أديكي أهو مدتيلها إيدك لكن هي عملت إيه ؟! عضتها يا مريم و رمتها ونكرت الجميل.
أومأت بخفوت قائلة :- عندك حق يا بثينة أنا اللي غلطانة و أستاهل ضرب الجزمة ، أنا كل اللي بيحصلي لحد دلوقتي بسبب غبائي .
أردفت بهدوء :- لا متقوليش كدة العيب مش عندك ، و بعدين ما أتعودتش عليكي كدة أنا فين مريم القوية اللي ما بتستسلمش بسهولة كدة .
أردفت بتهكم :- خلاص ماعدتش تتحمل أكتر من كدة ، جبت آخري يا بثينة ، يا رب أموت و أرتاح و أريحهم مني ..
أردفت بعتاب :- بعد الشر عنك متقوليش كدة يا مريم متنسيش أحمد اللي محتجالك .
ابتسمت بحب على ذكر هذا البرئ الصغير قائلة :- صدقيني هو الحاجة الوحيدة اللي مصبراني على مر الأيام.
أردفت بحنو :- يبقى متقوليش الهبل دة تاني ، سامعة ؟
احتضنتها بحب قائلة :- ربنا يخليكي ليا يا بوسبوس ، أنتِ الوحيدة اللي بتستحملي قرفي .
ضيقت عينيها قائلة بغيظ :- مش هرد عليكي ، قومي يا بت قومي فرفشي كدة ، ألا بالحق إيه أخبارك مع اللي ما يتسمى؟
قوست شفتيها بعبوس قائلة :- متقوليش عليه كدة .
رفعت حاجبها باستنكار قائلة :- من امتى؟! ولا السنارة غمزت ولا إيه العبارة ؟
تنهدت بحزن قائلة :- لا غمزت ولا نيلة دة بني آدم رزل أصلاً و ما بيحسش .
ضحكت بصخب قائلة :- لا دة أنتِ شكلك معبية منه على قلبك قد كدة ! قوليلي عمل فيكي إيه المزغود ؟ 1
_____________________________________
أمام قصر فخم مصمم على الطريقة الحديثة ، توقفت سيارة سوداء ، و نزل منها ذلك المتعجرف، وتوقف للحظات قبل أن يلمح سيارة ابن عمه .
قطب جبينه بتعجب، و وقف يشاهد ارتجال شادي السريع ، و إلتفافه يميناً و يساراً بشكل يثير الريبة ، فوقف يراقبه بفضول .
اتسعت عيناه بصدمة حينما رآه يفتح الباب الخلفي ، و يميل قليلاً ليحمل ذلك الجسد والذي لم يكن سوى لرحيق ، ثم غلق الباب بقدمه ، واستدار ليدلف بهدوء .
ما إن سار للداخل بحديقة القصر ، أوقفه صوته الجامد قائلاً بدهشة :- بتعمل إيه يا حيوان ؟!
اعتصر عينيه و زفر بغيظ ، ثم استدار ناحيته قائلاً :- زي ما أنت شايف .
رفع حاجبه بشك قائلاً :- هي نايمة ولا أنت مخدرها ؟!
ابتسم ببلاهة قائلاً :- إزاي عرفت ؟ أيوة أنا مخدرها .
أردف بتهكم :- و ملقتش طريقة غير دي تجيبها بيها هنا !
أردف بضجر :- أهو كان على إيدك ، دماغها الحجر دي اللي عاوزة تتكسر مش نافع معاها اللين يبقى نتعامل بالقوة ، أنا هوديها لبابا اللي هيموت و يشوفها .
أردف بجمود :- و الباقي يعرف باللي يحصل ؟ مهدتلهم يعني ولا اتصرفت بغباء كالعادة من غير ما تدرس أبعاد الموضوع !
رفع شفته العليا قائلاً بتهكم :- أبعاد ! ليه هرسم مجسم ! 1
هز رأسه بيأس قائلاً ببرود وهو يهم بالدلوف :- براحتك اعمل اللي أنت عاوز تعمله .
دلف للداخل بسرعة ، بينما توقف هو يستوعب كلماته قائلاً بخفوت :- هو قصده إيه بكلامه دة ؟ ما هما مسيرهم هيعرفوا ، أنا هدخل بيها وخلاص ما هو الموضوع لازم يتعرف هنفضل نخبي فيه لحد إمتى ؟
ثم ألقى نظرة على تلك الغافية قائلاً بضحك خافت :- مين يصدق القطة الشرسة هي نفسها الملاك اللي نايم دة ! اه لو تفضلي كدة من غير ما تنشفي راسك .
دلف للداخل وهو في حالة تأهب ما إن يراها أحد معه ، حبس أنفاسه و خطى بخطا رزينة ووجد ما توقعه .
كانت والدته تجلس برفقة زوجة عمه و جدته اللاتي طالعنه بذهول ، عندما وجدوه يحمل جسد فتاة غائبة عن الوعي .
نهضت ناريمان بسرعة البرق و هتف بحدة :- مين دي يا شادي ؟ وازاي تجيبها هنا بالشكل دة ؟
هتف بحذر :- دي ...دي رحيق يا ماما ..
تصلب جسدها بذهول ، و حاولت تكذيب القادم حينما سألته بحذر :- أيوة يعني رحيق دي جايبها من أي مصيبة ؟
أردف بضيق :- رحيق أختي يا ماما ..
صاحت بغضب عارم :- أختك مين أنت اتجننت ! شيري بس اللي أختك، أمشي أرمي الزبالة اللي معاك دي برة و كفاية تخاريف .
أردف بضيق :- يا ماما دي أختي مش زبالة ، بابا عاوز يشوفها .
صاحت بجنون :- أيوة قول كدة باباك ! بقى هو اللي باعتك بيها ، مش كنا خلصنا منها ومن أمها .
ضيق عينيه بانتباه قائلاً :- قصدك إيه ؟
انتبهت لما تفوهت به قائلة :- ما اقصدش ، تعالي شوفي يا سلوى هانم حفيدك و عمايله !
نهضت هي بدورها صائحة بقسوة :- بنت الخدامين دي استحالة تقعد هنا ثانية واحدة ، أطلع وديها مطرح ما جبتها يا شادي .
أردف بجمود :- والله بابا هو اللي هيقرر....
تخطاهن ، و صعد للأعلى بها ضارباً بكلامهم عرض الحائط ، بينما صاحت ناريمان بجنون :- إلحقي يا سلوى هانم مصيبة ! إيه اللي جابها تاني مش ماتت خلاص ...مش ..
نهرتها بغضب دي تكف عن الثرثرة وقتها سيفتضح أمرهما قائلة بصرامة وهي تتطلع إلى لميس :- أخرسي هتفضحينا ! أهدي و اعقلي لحد ما نشوف الموضوع إيه ..
اشتعلت النيران بصدرها ، فهي تمقتها لأنها ابنة غريمتها التي فضلها عليها ، و ظنت أنها قد تخلصت منهما ولكن للقدر رأي آخر .
صعدت للأعلى وهي تزفر بغيظ وغضب لو تجسد لحرق الأخضر و اليابس ، بينما نظرت سلوى أمامها بذهول ، فقد ظهرت تلك المرة ابنتها ، ابنة تلك التي أخذت منها ابنها و جعلته يتخلى عن ثراءه و ينزل لمستواها المتدني ليرتبط بابنة السائق خاصتهم رغم أنف الجميع ، فلم يعبأ باعتراضهم ولا بأي شئ آخر و تزوجها.
جزت على أسنانها بغضب ، فيبدو الماضي لم تغلق أبوابه بعد ، وأن عليها أن تتوخى الحذر في الآتي و توابعه ، و أخذت تتوعد لها بداخلها .
طرق الباب و فتحه بصعوبة ، و دلف وعلى وجهه ابتسامة مشرقة و حماس لرؤية رد فعل والده ما إن يراها .
كان يقرأ في أحد الكتب عندما دلف هو لتنسحب أنفاسه ، و يتوقف العالم من حوله ، و أخذ يرمش بسرعة لعله يحلم .
ابتسامة عريضة توسطت وجهه قائلاً بتلعثم و فرحة تغزو أوصاله :- ه...هه...هي بنتي ...بنتي رحيق ..
أومأ له بتأكيد قائلاً بحنو :- أيوة يا بابا هي رحيق بنتك .
أردف بقلق بالغ حينما لاحظ سكونها :- طيب هي ليه كدة ساكتة ؟! هو حصلها حاجة ؟
قاطعه قائلاً بهدوء :- متقلقش يا بابا هي كويسة ، أنا هنيمها جنبك علشان لما تصحى تشوفك .
أردف بلهفة و فرحة طفل ليلة عيد بملابسه وهو يعدل من وضعية الوسادة :- هاتها هنا يا شادي ، حطها جنبي خليني أشوفها و أشبع منها .
ممدها برفق وخلع حذائها برفق ، و دثرها جيداً بالغطاء ، بينما تجمعت الدموع سريعاً في مقلتي مجدي وهو في حالة عدم تصديق أنه أخيراً رأى ابنته بعد عملية بحث عنها دامت لسنوات في الخفاء .
مد يده المرتجفة يلمس وجهها بحنان أبوي ، و ابتسم بحب فهي نسخة لزوجته الراحلة .
نظر لشادي قائلاً بلهفة :- هي مالها يا شادي نايمة في الوقت دة ، مش غريبة ؟!
تنحنح بحرج قائلاً بحذر :- أصل يا بابا ... أنا.. أنا خدرتها علشان أعرف أجيبها هنا .
حدق به بذهول قائلاً :- عملت إيه ؟! أنت متخلف ولا جرا لعقلك حاجة !
أردف بضيق و تذمر :- يا بابا يعني رضيت تيجي معايا بهدوء و أنا قولت لا !
هز رأسه بيأس قائلاً :- هتفضل كدة مجنون لحد إمتى دة حتى أنت الكبير .
أردف بمرح :- جرا إيه يا حج هي رحيق هتكوش على قلبك و تاخدك مننا ولا إيه .
ابتسم لابنه قائلاً :- أنتوا التلاتة غلاوتكم واحدة عندي ، أنتوا اللي طلعت بيكم ، بس مشتاقلها شوف كام سنة وأنا بدور عليها لحد ما يئست .
هندم ملابسه بغرور مصطنع قائلاً :- علشان تعرف بس العبد لله قدها و قدود .
ضحك بخفوت قائلاً :- اه لو ناريمان هانم تسمعك .
أردف بذعر وهو يطالع الباب :- لا أبوس إيدك بلاش مش عاوز اسمع محاضرة مطولة أنا ، طيب أنا هسيبك مع الجو شوية و راجعلك..
بعد خروجه ، بينما أخذ هو يمسد على حجابها بحنان ، و مال على جبينها و قبله بقوة ، ثم سند رأسه على خاصتها ، و نزلت دموعها بغزارة قائلاً بندم :- سامحيني يا بنتي ، عشتي عمرك دة كله لوحدك من غير ما أعرف عنك حاجة ، و الله يا بنتي يشهد ربنا إني مبطلتش أدور عنكم لحظة بعد ما اختفيتوا من غير ما أعرف حتى أختفيتوا ليه ، ويوم ما أعرف أخبار عنكم أتفاجئ بأن فاطمة ماتت وإنتي الله أعلم فين ، بس أنا مش هسيبك أبداً بعد كدة ، يلا فوقي و فتحي عيونك الحلوة دي ، و بعدين هاخدلك حقك من شادي الحمار دة . 1
____________________________________
يجلس على مقعد خارج الوكالة خاصتهم ، ينظر أمامه بشرود ، حتى أتى صديقه محمد ، و جلس قبالته ، و لوح بيده أمام وجهه قائلاً بضحك :- مالك يا عم ؟ اللي واخد عقلك !
نظر له قائلاً بتهكم :- يتهنى بيه ، مفيش يا محمد ، أخبارك إيه ؟
أردف بود :- الحمد لله يا صاحبي ، طمني أنت عليك يا عريس ، بقى هو في واحد لسة متجوز يدوب كمل أسبوع ينزل الشغل !
كشر بضيق قائلاً :- أومال عاوزني أعمل إيه ؟
أردف بعبث :- أقعد كل عسل يا عم ، يعني أنا اللي هقولك !
أردف بضيق :- محمد نقطنا بسكاتك الله يخليك .
ضحك بصخب قائلاً :- ياض الله يخرب بيتك وأنت عامل زي الست النكدية كدة ، مالك يا أبو الصحاب بجد ؟
زفر بضيق قائلاً :- مش عارف تايه !
أردف بمرح:- أبسط يا عم لاقيتلك بيتكم تاني عمارة على......
قاطعه قائلاً بضجر :- محمد !
وضع يده على ثغره قائلاً :- خلاص مش هتكلم هسمعك و بس .
صمت قليلاً قبل أن يردف بشرود :- مش مستوعب لحد دلوقتي إني اتجوزت لا ومش كدة وبس دي مرات أخويا اللي مات ، ساعات بحس إني ندل و ساعات بحس إني مظلوم مش عارف ، أنا مش عارف أعيش طبيعي معاها و خصوصاً بعد ما ........
صمت قليلاً بما سيخبره ، فذلك السر الذي لا يعلمه سوى أفراد العائلة من وجهة نظره ولا يريد أن يعلم به أحد حتى وإن كان أقرب الأقربين ، فغير الموضوع قائلاً :- متلخبط مش عارف أعمل إيه يا محمد .
هز رأسه بتفهم قائلاً :- فاهمك يا صاحبي فاهمك ، بس أنت أتجوزتها ليه لطالما أنت شايف إن دة خيانة لأخوك ؟
أردف بكذب :- علشان دي رغبة بابا أنه مش عاوز ابن ابنه يتربى بعيد عنه فعلشان يضمن دة أتجوزتها ، أنت عارف كويس أوي أن موضوع الجواز دة برة حساباتي دلوقتي .
مط شفتيه بسخرية قائلاً :- إيه لسة بتحن لست الحسن بعد ما أتجوزت ؟!
أردف بضيق :- لا طبعاً إيه اللي أنت بتقوله دة ؟ دة أنا مبقتش بكره قدها .
أردف بشك :- مش واضح يا إسلام إنك نسيتها وإلا كنت عشت مع مراتك بشكل طبيعي .
أردف بحدة طفيفة :- يا بني آدم أفهم بقولك دي مرات أخويا .
قاطعه قائلاً بتوضيح :- كانت مرات أخوك إنما دلوقتي مراتك أنت ، أتغلب على نفسك يا إسلام و حارب مينفعش تبقى في الحتة دي أبداً ، ولا تخلي ماضي يتحكم فيك .
زفر بضيق قائلاً :- ربك يسهل يا محمد .
قاطع حديثهم مجئ الصغير قائلاً بطفولية :- إثلام عاوز أروح عند ماما ..
ضحك محمد قائلاً بمرح :- لا واضح إن أحمد بيحترمك أوي! إزيك يا أبو حميد مش هتسلم على عمك محمد
مد أحمد يده نحوه مصافحاً إياه قائلاً :- إزيك يا عمو محمد .
بعثر خصلات شعره قائلاً :- إزيك أنت يا أبو حميد ..
أردف بتذمر :- مش تلعب في شعري بوظته .
ضحك محمد عالياً وقدم له عبارات الاعتذار بينما أردف الصغير بإلحاح :- يلا يا إثلام وديني فوق عند ماما .
نهض قائلاً بحنو وهو يحمله :- ماشي يا لمض تعال أوديك .
بعد أن انتهت وصلة بكائها الحار ، غادرت بثينة بعد أن اطمأنت عليها ، فنهضت هي بتثاقل لتعد للصغير وجبه طعامه .
تقف أمام المقود ، تشعر بثقل كبير برأسها ولم لا وهي أرهقت نفسها كثيراً منذ الصباح وحتى تلك اللحظة .
أنت بخفوت فالجرح جديد و لم يلتأم بعد لينضم في القائمة التي تعلن عن زيادة الجروح مولوداً جديداً آخر ، و قد فاض بالقائمة معلنة أنه هناك إنفجار سكاني ، وهي غير قادرة على إيجاد أية حلول .
أطفأت المقود بعد أن تأكدت من استواء طعام الصغير ، و توجهت بصعوبة لغرفتها ، تشعر بتصاعد ألسنة اللهب بداخلها فتزيدها حرارة .
ألقت بنفسها على الفراش ولم تشعر بعدها بأي شئ آخر ، و لا بدلوف إسلام وأحمد .
بالخارج هتف إسلام بحنو وهو ينزله أرضاً :- يلا يا بطل روح شوف مامتك علشان أنزل الشغل.
دلف الصغير لغرفة والدته ، فوجدها تغفو على الفراش أو هذا ما ظنه . تقدم ناحيتها ، و بصعوبة صعد على الفراش وجلس إلى جوارها ، و هزها برفق قائلاً :- ماما إثحي أنا جعان ....ماما ...ماما ...
وما إن وضع يده على وجهها أبعدها على الفور قائلاً بطفولية :- وثك ثخن يا ماما ، هو أنتِ عيانة ..ماما إثحي ..
ثم قوس شفتيه استعداداً للبكاء و بالفعل انفجر الصغير في البكاء بصوت عال سمعه إسلام فأسرع للداخل و القلق حليفه.
هتف بقلق حينما رأى جسدها الساكن ، و الصغير يبكي بجوارها :- ميدو حبيبي في إيه ؟
أردف الصغير ببكاء :- ماما مش راضية تثحى و كمان ثخنة ، حط إيدك يا إثلام كدة .
أذعن لطلبه ، وما إن لمس وجنتها أردف بذعر :- دي مولعة خالص !
قال ذلك ثم حملها فجأة ، و لم يفكر كثيراً، إذ خرج و توجه بها ناحية المرحاض، و قام بوضعها في المغطس و فتح المياه الباردة عليها ، فأخذت ترتجف و أسنانها تصطك ببعضها بقوة ، بينما أخذ يبحث في رف الأدوية ولحسن حظه وجد ما يبحث عنه .
حملها مجدداً، و دلف بها لغرفتها وهنا أصابته الحيرة ، ماذا سيفعل بملابسها المبتلة ! أيذهب ليجلب أخته و تقوم بتلك المهمة أم يقوم هو بتلك المهمة ؟!
نظر للصغير و هتف بحرج :- ميدو حبيبي روح اتفرج على التلفزيون على ما أجي .
هز رأسه بنفي قائلاً :- لا أنا هقعد مع ماما لما تثحى .
أردف بروية :- هتحصى إن شاء الله ، بس ماما هتغير هدومها و مينفعش تقعد .
أردف ببراءة :- طيب ما أنت هتقعد !
جز على أسنانه بعنف فهذا ليس وقت يستخدم فيه الذكاء فهتف بهدوء مصطنع :- لا أنا هطفي النور يلا يا ميدو ماما تعبانة .
و بالفعل خرج الصغير ، بينما وضعها على الأريكة برفق ، و توجه للخزينة ليخرج لها ملابس اختارها بعشوائية والتي كانت عبارة عن بنطال يصل لما بعد الركبة و بلوزة بنصف كم .
بدل ملابسها بحرص شديد وهو يتحاشى النظر إليها ، و بعد أن انتهى مددها برفق على الفراش ، ثم التقط الحقنة وقام بإعدادها ، وهو يراقبها بتمعن ولأول مرة يراها دون حجاب و بملابس بيتية لطالما كانت متحفظة أمامه .
سمع همهمات تصدر منها ، فمال برأسه ناحيتها ليسمع ما تقول و لكنه لم يتبين شئ . مد ذراعها برفق ثم غرز فيه الإبرة ، فأصدرت شهقة متألمة ، و كأن حواسها انتبهت فهي تخشى الحقن ولا تمقت سواها .
أخذ يدلك مكان الإبرة برفق حتى عاد وجهها لطبيعته بعد أن كانت تقطب جبينها بألم . دثرها جيداً ، و ازدرد ريقه بتوتر حينما اقترب بوجهه ناحيتها وهو يدثرها ، فلم يشعر بذاته وهو يحدق بتفاصيل وجهها ، ولا بدقات قلبه الذي كاد أن يقفز من مكانه ، و كأنه يخبره أنه سيتمرد عليه .
ما إن وقع بصره للأسفل قليلاً شعر برغبة قوية في التقاط كرزيتها في رحلة طويلة ، و عند تلك النقطة دقت أجراس الخطر بعقله ، ليبتعد عنها فوراً ، يشد شعره بقوة مزمجراً بغضب مكبوت :- إيه اللي كنت هتهببه دة بس ؟ فوق بقى فوق ..
خرج مسرعاً بعد أن شعر بثقل أنفاسه بالداخل ، فأخذ يتنفس بسرعة و كأنه حُرم من الهواء في محرابها بالداخل ، توجه للغرفة المجاورة ليسحب أحد قمصانه و يرتديها بدلاً من ذاك الذي أبتل و خرج ليرى الصغير الذي هتف بسرعة :- ماما ثحيت ؟
تنهد بعمق قائلاً :- لا لسة يا ميدو ، أدتها حقنة تخفف السخونية و هتبقى كويسة بإذن الله .
شهق بخفوت قائلاً :- بث ماما بتخاف من الحقنة هروح أجبلها شكولاتة من عندي علشان مش تعيط .
أردف بدهشة :- بتخاف من الحقن ! أومال دكتورة صيدلانية إزاي ! طيب يا بطل معاك شيكولاتة ولا أنزل أشتري ؟
أردف بتأكيد :- لا معايا كتير ماما بتحطهم جوة في الدولاب بث أنا مش هلحق تعال أنت جيب أنت من جوة .
دلفا للداخل مجدداً عندها ، و توجه إسلام ناحيتها يتحسس جبينها ، تنهد براحة عندما وجد حرارتها انخفضت كثيراً عن ذي قبل .
هتف أحمد بطفولية :- الثخونية راحت ؟
ابتسم له بخفوت قائلاً :- اه راحت الحمد لله و بقت كويسة .
قفز الصغير على الفراش ، ومن ثم جلس على بطنها وأخذ يضرب وجنتيها برفق قائلاً :- ماما إثحي ..ماما .
ثم أخذ يقبل وجنتيها بحنان مثلما تفعل وهو مريض قائلاً :- أهو بوثتك علشان تخفي يلا قومي ..
وبعد عدة محاولات بدأت تحرك جفنيها و فتحت مقلتيها بضعف ، وهي تتأوه بخفوت ، فهتف الصغير بفرح :- ماما ثحيت ..
قطبت جبينها قائلة بتعجب :- ميدو أنت جيت ! أكيد جعان يا قلبي أنا محقوقالك ثانية و أكلك يبقى جاهز .
- مفيش داعي أنا غديته إرتاحي أنتِ.
انتفضت على إثر صوته فإلتفت ناحيته قائلة بفزع :- إسلام !
ثم اعتدلت في جلستها قائلة بتلعثم :- هو ...هو إيه اللي حصل ؟ وأنت إيه اللي دخلك هنا ؟ قصدي ...يعني ....
أردف الصغير بتقرير :- ماما أنتِ ثخنة وعمو إثلام شالك و وداكي تحت الدش ..
شهقت بصوت مسموع وهي تتطلع له بذهول ، بينما عض هو على شفتيه قائلاً بخفوت :- الله يحرقك يا أحمد ما بتسترش أبداً ..
مهلاً مهلاً ، نظرت لهيئتها ، وهنا تذكرت أنها عندما دلفت لهنا كانت ترتدي ملابس غير تلك ، ازدادت ضربات قلبها بعنف ، فجذبت الغطاء لتداري ما يمكن مداراته قائلة بحدة رغم وهنها :- أنت عملت إيه يا قليل الأدب ؟
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- نعم قليل الأدب! أنتِ ناسية إنك مراتي ، وإني يحقلي أعمل أكتر من كدة !
تحولت وجنتيها للون النبيذي و قاطعته قائلة بصراخ :- إيه اللي أنت بتقوله دة ؟ الولد قاعد احترم نفسك ، و بعدين بأي حق تعمل كدة ؟
رفع حاجبه قائلاً بتهكم :- الحق عليا يعني ، كنتي سخنة و بتفرفري أسيبك يعني ؟ !
تحاشت النظر إليه قائلة :- كنت بعت سامية ولا ماما .
أردف بتهكم :- ولما يجوا و يشوفوا وضعنا دة هيقولوا إيه يا أم مخ تخين ! الحق عليا كنت سبتك تفرفري كدة علشان تعرفي إن الله حق .
ذمت شفتيها قائلة بضيق :- أنت هتزلني ! متشكرين يا سيدي نردهالك لما تمرض .
حدق بها بذهول قائلاً :- بتتمنيلي المرض يا مريم ، يعني دي أخرتها ! اه من لسانك دة اللي عاوز يتقطع .
أردفت بغيظ :- لو سمحت ما تغلطش فيا ، فاهم ؟ و بعدين ماتوهش إزاي تغيرلي هدومي يا سافل ؟
ضحك مغلوباً على أمره قائلاً :- والله العظيم يا جدع !
ثم نظر لها قائلاً بجرأة و وقاحة :- أيوة غيرت هدومك وشوفت كل حاجة يا رب ترتاحي بس !
ثم أردف بخبث كاذب :- وكمان إيه كنتي وحش ، هو أنتِ مش فاكرة حاجة ؟ يا خسارة ! على العموم هبقى أفكرك بس وقت تاني ..
أنهى كلماته وهو يغمز لها بعينه ، بينما تراجعت للخلف بصدمة ، و تراخت أعصابها ، وهتفت بخوف :- عععع......عملت إيه ؟ أرجوك قولي ..
نظر لها بتسلية وهو يتابع شحوب وجهها فمال على أذنها يهمس لها بكلمات ما إن نهاها ، تراخى جسدها و فقدت الوعي على الفور .......بقلم زكية محمد
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° يتبع ❤️
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق