رواية فراشة المقبرة من الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم اسماعيل موسي
رواية فراشة المقبرة من الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم اسماعيل موسي
فراشة_المقبرة
١١
إذا همس البابا وهو يصارع دموعه، انتى زهرة حبيتى تقولين ان هذة درجاتك فى المدرسه؟
ثم نحى الورقه جانبآ، وانا اقول لك ان كل ما يعنينى الآن هو حضن ضخم من ابنتى، حضن بحجم موجة محيط
القت زهرة بنفسها فى حضن البابا الذى كان يبكى الآن وهو يقبل زهرة
دخلت نرجس الرواق، ما الذى يحدث هنا؟
البابا اخذ كل الأحضان؟
عندما لمحت نرجس دموع زوجها أدركت ان أمر هام قد حدث
استندت نرجس على الجدار، بدت مترنحه الآن، لا تقول ان زهره نطقت؟
مثل العائده من الموت فجأه وقفت زهره مبتسمه
دفعها والدها على ظهرها برفق، هيا زهره امنحى تلك المرأه المشاكسة حضن !!
حاضر بابا
احتضنت نرجس زهره، نعم كانت تحتضنها كل ليله وكل يوم لكن هذا الحضن كان مختلف
حضن يشع بالحياه، حضن حقيقى من كائن حى من لحم ودم
كان الأمر مربك جدا تهاطلت دموع نرجس وهى تتحسس جسد زهره، قوليلى كيف كان يومك فى المدرسه؟
هل ضايقك اى شخص؟
التهمتى طعامك كله؟
كانت ترغب بسماع أكبر قدر من كلمات زهره، ظلت زهره تتحدث وتتحدث حتى تعب فمها
ظهرت ميمى، جلست على مؤخرتها قرب المطبخ اطرقت لحديث زهره أكثر من الأزم وعندما شعرت بالملل قفزت نحو باب البيت ثم نحو الحديقه ولم تظهر بقية اليوم.....
اليوم كله قضتة زهره مع نرجس، اطعمتها بيدها، سرحت شعرها، راجعت معها دروسها، لأنها اخيرا وبعد أعوام طويله امكنها التحدث مع ابنتها مثل كل ام....
______
عادت ميمى اخر الليل، تسللت من النافذه، شعرت بها زهره
التى انهضت جسدها
اين كنت سألت زهره بنبره غاضبه؟
عزيزتى....؟ همست ميمى وهى تلعق زيلها، انا هره راشدة ويحق لى التسكع على راحتى
__لكن انا صديقتك ويحق لى ان اعرف، اعترضت زهره بجديه
فتحت ميمي عيونها الخضر، هناك بعض الأمور من الأفضل لك عدم معرفتها يا زهره
سأقدم لك النصيحة الكبرى، امتنعى عن حشر انفك فى شؤن الناس.....
__لكن يا ميمى اريد ان اعرف ولن يرتاح لى بال حتى اعرف
اين كنت؟ ولماذا تركتنى بمفردى كل تلك المده؟
بلا مبلاه وكأنها تدخن سيجاره قالت ميمى
عليك أن تعتادى ان بعض البشر وجودهم مؤقت فى مشوار حياتك يا زهره
فى النهايه لن يقف جوارك الا شخص احمق او شخص يحبك
وكلاهما يستحق الصفع
ان كنت بمفردك يا زهر ة مؤكد ستنجحين لكن ستشعرى بالوحده
قلت لك كنت اتسكع وانت لست بحاجه لسماع تفاصيل ليلة هره لعينه فى الظلام
قفزت ميمى على السرير واختبأت فى حضن زهره، اريد انا انام ولا يوقظنى احد حتى يظن الجميع اننى مت
___نامى همست زهرة وضغطت عليها فى حضنها
تمهلى يا فتاه ستكسرين عظامى، قلت لك انا مجرد هرة
_________
كانت هناك اجرأت اخرى لابد أن تتم، على زهره ان تلتحق بمدرسه جديده، مدرسه عاديه وليست خاصه
نرجس كانت متوجسه من تلك الخطوة، مدرسه جديده حياه جديده، وربما تتعرض زهره للتنمر
لم يغمض لنرجس جفن وهى تحاول استيعاب كيف تكون مشاعر زهره اذا سمعت كلام جارح
لم تستطع نرجس النوم الا بعد أن اعدت خطة تعامل لزهرة مع العالم الحقيقى
سجلتها نرجس فى دفترها الوردى
قبل أن تواجه التنمر، تحتاج إلى تعزيز ثقتك بنفسك وإدراك أن قيمتك لا تعتمد على رأي الآخرين.
ركّز على نقاط قوتك: تذكر أن شخصيتك وإنجازاتك هي ما يحدد هويتك.
كوّن حديثًا داخليًا إيجابيًا: عندما تسمع تعليقات سلبية، ذكّر نفسك أنك أكثر من مجرد مظهرك، وأن من يسخر منك يعكس مشاكله الخاصة، وليس حقيقتك.
إذا كنت تتوتر بسهولة، تعلّم تمارين التنفس العميق أو التأمل لتظل هادئًا في المواقف الصعبة.
فكّر في أكثر العبارات التي قد يقولها المتنمرون وحضّر ردودًا قوية وهادئة. على سبيل المثال:
إذا قال أحدهم: "لماذا تبدو هكذا؟"
يمكنك الرد بابتسامة: "هكذا خُلقت، وأتمنى لو كان لديك نصف ثقتي بنفسي."
إذا حاول شخص السخرية منك أمام الآخرين:
يمكنك تجاهله، أو الرد ببرود: "إذا كان هذا أفضل ما لديك، فأنت بحاجة إلى تطوير حسك الفكاهي."
لا تُظهر لهم أنك متألم: المتنمرون يبحثون عن رد فعل، لذا أظهر أنك غير مبالٍ بكلماتهم حتى يفقدوا الاهتمام.
قف منتصبًا، لا تنظر للأسفل، ولا تظهر أي علامات ضعف.
احتفظ باتصال بصري قوي ولكن هادئ.
بعض المواقف تستحق الرد، وبعضها من الأفضل تجاهله.
إذا شعرت أن المتنمر يبحث عن تصعيد، فلا تعطه الفرصة.
تكوين صداقات قوية يمكن أن يجعل التنمر أقل تأثيرًا. عندما تكون محاطًا بأشخاص يدعمونك، يصعب على المتنمرين التأثير عليك.
إذا أصبح التنمر متكررًا أو مؤذيًا جسديًا أو نفسيًا:
احفظ الأدلة: رسائل، تسجيلات، أو شهود يمكنهم تأكيد الحادثة.
أبلغ شخصًا موثوقًا: سواء كان معلمًا، مديرًا، أو أحد أفراد العائلة.
لا تواجه المتنمر وحدك في مواقف خطيرة، فالبحث عن دعم يساعدك على التعامل مع الموقف بذكاء
حياتك لا تتوقف على آرائهم، لذا استمر في تطوير نفسك، متابعة أحلامك، وإحاطة نفسك بمن يقدرونك.
استثمر في شيء يجعلك فخورًا بنفسك: سواء كان هواية، دراسة، أو مشروعًا شخصيًا، اجعل نجاحك أقوى رد على أي شخص يقلل من قيمتك.
لا أحد يملك الحق في جعلك تشعر أنك أقل قيمة. مواجهتك للتنمر ليست فقط لحمايتك، بل لإثبات أن اختلافك ليس ضعفًا، بل جزء مما يجعلك فريدًا وقويًا. ثق بنفسك، وكن دائمًا أكبر من كلماتهم الصغيرة.
لازلتى مستيقظة؟
همس زوجها وهو يفرك عينيه
لا تقلقى زهره فتاه قويه، انا وانت نعرف ما تعرضت له سوف تصمد
همست نرجس فى سرها، ان ما تعرضت له زهره هو ما يقلقنى تحديدآ ثم اغمضت عينيها
#فراشة_المقبرة
12
ربما حفظت زهره وصايا والدتها عن التنمر لكن زهره تعاملت بطريقتها الخاصه، وكان من المعتاد عودتها بوجه مشروخ او ملابس ممزقه الا انها فى النهايه نجحت فى نيل احترام الجميع، بعد السنه الثالثه لم تعد زهره مجرد طفله شهد جسدها التغيرات التى تخبرها انها أصبحت انثى كامله
لم تكن تعرف ما الذي يحدث، كان الألم خفيفًا في البداية، مجرد انزعاج في أسفل بطنها، ظنته إرهاقًا من يوم طويل. لكنها شعرت به يتصاعد ببطء، كأنه موجة ترتفع داخلها، تطرق جدران جسدها من الداخل.
جلست على حافة السرير، وضعت يدها على معدتها، شعرت بانقباض غريب، كأن شيئًا يحاول عصرها من الداخل،حاولت أن تتجاهله، لكنه ازداد حدة،كان الألم غريبًا، مختلفًا عن أي ألم شعرت به من قبل،وكأنه يأتي من عمق جسدها، من مكان لم تفكر فيه يومًا.
أرادت أن تنهض، لكن دوارًا مفاجئًا جعل رأسها يثقل. شعرت بالغثيان، بجفاف في حلقها، بوهن تسلل إلى ساقيها. مشت ببطء إلى الحمام، وهناك، حين رأت بقعة الدم للمرة الأولى، تجمدت.
لم تفهم فورًا. قلبها تسارع، وعقلها بدأ يقفز بين الاحتمالات. هل جرحت نفسها؟ هل أصيبت بشيء؟ لكنها لم تشعر بأي جرح.
لكن الهمس لم يخفف من ارتباكها. الألم عاد أقوى، كأن يدًا غير مرئية تعصر بطنها، تدفعها للانحناء. كانت الحرارة تتصاعد داخلها، خيط من العرق سال على جبينها، ركبتاها ارتجفتا.
خرجت من الحمام بخطوات مضطربة، عيناها تبحثان عن والدتها، عن أي شخص يطمئنها أن هذا طبيعي، أن هذا ليس نهاية شيء، بل بداية شيء آخر. لكنها لم تشعر بأي بداية، شعرت فقط بالألم، بعدم الفهم، بكونها وحيدة في لحظة لم تكن مستعدة لها.
في زاوية الغرفة، كانت ميمي جالسة، تراقبها بعينيها الخضراوين
كانت زهرة جالسة على الأرض، ضامة ركبتيها إلى صدرها، تنفسها متقطع وعيناها معلقتان على الفراغ، الألم لم يكن مجرد وخزات في بطنها، بل إحساس ثقيل يغلف جسدها بالكامل، لم تستطع أن تفهم، أن تستوعب، أن تتقبل.
عندما دخلت نرجس الغرفة، لم تحتج إلى السؤال. رأت الارتباك في عيني ابنتها، والتوتر في جسدها المنكمش، وعرفت،اقتربت منها بهدوء وجلست بجوارها، دون أن تسرع أو تتحدث فورًا. مدت يدها ولمست كتفها برفق.
— "أشعر بالألم... وأخاف..." همست زهرة، وصوتها كان مزيجًا من الألم والخجل.
ابتسمت نرجس بحنان ومسحت خصلات زهرة المتعرقة عن جبينها.
— "هذا طبيعي، صغيرتي، كل فتاة تمر بهذا في وقت معين من حياتها، جسدك يخبرك أنك تكبرين، أنك أصبحتِ أكثر نضجًا."
رفعت زهرة عينيها، تبحث عن تأكيد، عن تفسير يجعل كل هذا منطقيًا.
— "لكن لماذا يؤلمني هكذا؟"
— "لأن جسدك يستعد للتغيرات التي تحدث داخلك،هذا جزء من كونك فتاة، جزء من رحلتك نحو الأنوثة."
أحست زهرة بشيء من الطمأنينة، لكنها ما زالت متوترة.
— "هل سيحدث هذا دائمًا؟"
— "نعم، لكنه سيصبح أسهل مع الوقت،سأعلمك كيف تعتنين بنفسك، كيف تخففين الألم، كيف تتعاملين مع هذا دون خوف."
ثم مدت يدها وساعدت زهرة على الوقوف، قادتها إلى السرير، وأحضرت لها مشروبًا دافئًا.
— "ستكون هناك أيام كهذه، لكنك قوية يا زهرة،وهذه ليست معاناة، بل علامة على أنك تنضجين، على أن جسدك يعمل كما يجب."
ظلت زهرة صامتة للحظات، ثم هزّت رأسها ببطء، لم يكن الألم قد زال، لكنه لم يعد مخيفًا كما كان قبل دقائق.
احتضنتها نرجس، قبل أن تقول بلطف:
— "أنا هنا دائمًا، لا تخجلي من سؤالي عن أي شيء."
وفي تلك اللحظة، شعرت زهرة بأن العالم لم يعد غريبًا كما بدا قبل قليل، وأن هناك دائمًا يدًا ستظل تمتد لتمسك بها عندما ترتبك.
بعد أن هدأ الألم قليلًا، جلست زهرة على السرير، عيناها ما زالتا متردّدتين، وكأنها لم تستوعب تمامًا ما تمرّ به،والدتها جلست بجوارها، تمسّد شعرها بحنان، بينما كانت زهرة تحدّق في أصابعها المتشابكة في حجرها.
عندما دخل والدها الغرفة، نظرت إليه بتردد،لم تكن تعرف كيف سيبدو الأمر بالنسبة له، هل سيشعر بالحرج؟ هل سيراها بطريقة مختلفة؟ لكنها فوجئت بابتسامة دافئة على وجهه وهو يقترب منها، يجلس أمامها، ويمسك بيدها بلطف.
— "سمعت أنكِ مرهقة اليوم، يا صغيرتي."
كان صوته هادئًا، خاليًا من أي ارتباك، فقط دفء خالص، كما لو أن الأمر لا يحتاج إلى تفسير أو تبرير،شعرت زهرة بشيء يرتخي في صدرها، وكأن وجوده أزال جزءًا من القلق الذي لم تدرك أنها تحمله.
— "هذا جزء من رحلتك، يا زهرتي الصغيرة." قالت والدتها، ثم نظرت إلى والدها، الذي أخرج من جيبه صندوقًا صغيرًا بلون وردي ناعم.
— "هذه هديتنا لكِ." قال وهو يضعه في راحة يدها.
ترددت زهرة للحظة، ثم فتحت الصندوق ببطء، في داخله، وجدت سوارًا فضيًا رقيقًا، يتدلى منه تعليقة صغيرة على شكل فراشة.
— "إنها ترمز إلى التحوّل." قال والدها، بينما كانت أصابعه تلامس التعليقة برفق. "الفراشة تبدأ كيرقة صغيرة، تمر بمرحلة صعبة في شرنقتها، لكنها تخرج منها أجمل مما كانت عليه."
شعرت زهرة بدموع تترقرق في عينيها، لكنها لم تكن دموع خوف أو ارتباك، بل شعور بالاحتواء، بالفهم، بأنهما هنا معها في هذه اللحظة التي لم تكن تعرف كيف تتعامل معها وحدها.
ثم، دون تردد، ارتمت في حضن والدتها، التي ضمتها بقوة، ووجدت يد والدها تمسّد على ظهرها بحنان.
— "أنتِ لستِ وحدكِ في هذا،" همست والدتها.
— "نحن معكِ دائمًا." أكمل والدها.
في تلك اللحظة، أدركت زهرة أن هذا التحوّل، رغم صعوبته، ليس مرعبًا كما ظنّت، لأن هناك قلوبًا تحبها، وأذرعًا ستظل مفتوحة لاحتضانها، في كل خطوة تخطوها نحو النضج.
وعندما اختلت زهرة بنفسها أصبحت تعرف ان هذا الأمر ليس مخجل لكن هناك شيء طاريء ظهر فى عقلها
ايعنى ذلك انها باتت مستعده لأخذ ثائر والديها وعائلتها؟
فراشة المقبرة - 13
(تسريع للأحداث)
مرت السنوات على زهرة، لكنها لم تمر عليها كغيرها من الفتيات.
لم تكن أيامها مليئة بالضحك والمرح كما كان ينبغي لها، بل كانت أشبه بحقل ألغام، تخطو فيه بحذر، تتعلم كيف تبقى قوية، كيف تسيطر على مشاعرها، وكيف تخفي حقيقتها خلف قناع من الهدوء.
لم تكن مجرد طفلة عادية تنضج، بل كانت فتاة تتشكل من الألم، تُصقل بالصدمات، تُعاد صياغتها من جديد مع كل ذكرى تجرح صدرها كل ليلة. كانت المدرسة مكانًا تعلمت فيه الكثير، لكنها لم تكن تتعلم فقط من الكتب، بل من الوجوه، من العيون، من نبرات الأصوات التي تحمل في طياتها الكذب، الحقد، والضعف.
منذ اللحظة التي دخلت فيها المدرسة، أدركت زهرة أن الذكاء قد يكون أقوى من القوة البدنية.
كانت تعرف أنها لن تستطيع مواجهة العالم بقبضاتها وحدها، لذلك صنعت من عقلها سلاحًا لا يمكن هزيمته.
تفوقت في الرياضيات والعلوم، تفوقت في الأدب والتاريخ، لكنها لم تتفوق من أجل التفوق فقط، بل لأنها رأت في المعرفة وسيلة للسيطرة، طريقة لفهم العالم أكثر، لمعرفة نقاط ضعف من يقفون أمامها. كانت دراستها أشبه بمعركة تخوضها بصمت، وكانت تنتصر في كل اختبار، في كل مناظرة، في كل مرة ترفع يدها للإجابة، بينما الآخرون يحدقون فيها بدهشة.
كان الأساتذة ينظرون إليها بإعجاب، لكنهم كانوا يخشون هدوءها أيضًا. كانوا يعرفون أنها ليست طالبة عادية، كانت شيئًا آخر، شيئًا مختلفًا، وكأنها تحمل في عينيها سرًا دفينًا، نارًا لا تنطفئ.
بدأ جسدها يتغير أكثر، وأصبحت نظرات من حولها تختلف. لم تعد تلك الطفلة الهشة، بل أصبحت فتاة يلاحظها الجميع، لكن لم يكن هناك من يجرؤ على الاقتراب منها بسهولة. كانت عيناها تحملان نظرة لا يفهمها الكثيرون، خليطًا من القوة والغموض، كأنها كانت دائمًا تفكر في شيء آخر، شيء أبعد من مجرد المدرسة أو الحياة اليومية.
تعلمت كيف تتحدث بثقة، كيف تحرك يديها عندما تتكلم، كيف تستخدم نظراتها لإرباك من أمامها، كيف تجعل الآخرين يرون فيها تلك الهالة التي لم تكن مجرد وهم.
لكن في كل ليلة، عندما تنطفئ الأضواء، كانت تعود إلى وحدتها الحقيقية، إلى عالمها الخاص، حيث لا شيء سوى الذكريات والدموع التي لم يسمح لها أن تسقط أمام أحد. كانت تغلق عينيها، وترى وجوههم، أولئك الذين دمروا حياتها، أولئك الذين قتلوا عائلتها، أولئك الذين جعلوها وحيدة في هذا العالم.
كبرت زهرة، لكن شيئًا واحدًا لم يتغير، لم يهدأ، لم يخمد. الانتقام كان ينمو في صدرها كما ينمو الشوك في الأرض القاحلة. لم يكن مجرد رغبة، لم يكن مجرد فكرة، بل كان جزءًا منها، شيئًا يعيش معها، يتنفس في كل نفس تأخذه.
كل ليلة، كانت تكتب أسماءهم، تعيد رسم وجوههم في عقلها، تتذكر كل تفصيلة، كل كلمة، كل لمحة من الرعب الذي عاشته يوم سُلبت منها عائلتها. لم تكن تعرف متى سيحين الوقت، لكنها كانت تعرف أنه سيحين يومًا ما.
كانت تتعلم كل شيء تحتاجه، كيف تقرأ الناس، كيف تفهم نقاط ضعفهم، كيف تجعلهم يثقون بها، كيف تنتظر اللحظة المناسبة لتضرب.
لم تكن زهرة مجرد فتاة عادية تكبر، بل كانت ظلًا يتحرك في الخفاء، نارًا تنتظر أن تشتعل، فراشة لم تعد تكتفي بالطيران، بل أرادت أن تحترق ليحترق معها كل من أذاها.
لم تعد زهرة تلك الطفلة الضعيفة، لم تعد حتى مجرد فتاة مراهقة تبحث عن مكانها في العالم. أصبحت شيئًا آخر، شيئًا لم يكن له اسم بعد، لكنها كانت تعرف أن اليوم الذي ستُسمّى فيه، سيكون اليوم الذي سيعرف فيه الجميع من تكون زهرة حقًا.
ومع كل فجر جديد، كانت تقترب أكثر من تلك اللحظة.
(تسريع الأحداث)
كانت زهره تسير في أرجاء المنزل جيئة وذهابًا، تشبك أصابعها معًا تارة، وتفرك يديها تارة أخرى، بينما يراقبها والداها بصمت، يتبادلان نظرات تحمل القلق نفسه الذي يسيطر على ابنتهما.
المنزل كان متوترًا بالكامل، وكأن الجدران نفسها تحبس أنفاسها. الهاتف موضوع على الطاولة، والشاشة تضيء كل بضع دقائق بإشعارات لا تهمها. كل ما يهمها الآن هو لحظة الإعلان عن النتيجة، اللحظة التي ستحدد مستقبلها، اللحظة التي قد تقلب عالمها رأسًا على عقب.
كانت نرجس تحاول تهدئتها، تعد لها الشاي وتطلب منها الجلوس، لكن زهرة لم تستطع. عقلها كان ممتلئًا بالأسئلة: هل نجحت؟ هل حصلت على المجموع الذي كانت تحلم به؟ هل ستتمكن من دخول كلية الطب كما كانت تخطط؟ ماذا لو خيّبت ظن الجميع؟
حتى والدها، الذي كان عادة هادئًا ومتماسكًا، كان يمسك بالصحيفة دون أن يقرأ منها كلمة واحدة، فقط يراقب ابنته بين الحين والآخر، ويدعو في داخله أن تكون النتيجة كما تتمنى.
رنّ الهاتف، قفز قلب زهره في صدرها. التفت الجميع نحو الشاشة المضيئة، وظهر على وجهها ارتباك اللحظة الأخيرة، ذلك التردد الذي يصيب الإنسان عندما يكون على وشك معرفة شيء مصيري.
بيدين مرتجفتين، التقطت الهاتف، ضغطت على الشاشة، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنظر. ثم... صمت.
عيناها توسعتا، شفتيها انفصلتا قليلًا، وكأن عقلها لم يستوعب بعد. للحظة، ظنّ والداها أن هناك خطبًا ما، لكن فجأة، انفجر صوتها بصرخة:
— "لقد حصلت على المجموع المطلوب! يمكنني دخول كلية الطب!"
ارتج المنزل بصدى كلماتها، وتحول التوتر إلى فرح. نرجس احتضنتها بقوة، والدها ضحك بحرارة وهو يربّت على رأسها بفخر. شعرت زهرة وكأنها تطفو في الهواء، كأن حملًا ثقيلًا كان جاثمًا على صدرها قد تلاشى أخيرًا.
— "كنت أعرف أنكِ ستفعلينها!" قالت نرجس، تمسح على وجه ابنتها بيدين مرتجفتين من الفرح.
أما والدها، فهزّ رأسه بابتسامة، وقال بصوته العميق:
— "هذا لم يكن مفاجئًا بالنسبة لي، كنتِ دائمًا مجتهدة، وهذا هو ثمرة تعبكِ."
وسط هذه الفرحة، لم تنسَ زهره رفيقتها القديمة، ميمي، الهرة التي كبرت معها، والتي كانت تشاركها كل لحظاتها منذ طفولتها.
لكن ميمي لم تكن كما كانت من قبل، لم تعد تلك القطة الرشيقة التي تقفز على الأثاث أو تتبعها في كل مكان. كانت الآن عجوزًا، ضعيفة، حركتها أصبحت بطيئة، ونظراتها شاحبة، كأنها تحمل بين عينيها سنوات طويلة من العيش مع عائلة أحبتها بصدق.
كانت زهرة تعلم أن ميمي لم يتبقَ لها الكثير، لكنها كانت ممتنة لأنها ما زالت هنا، ما زالت ترافقها في هذه اللحظة المهمة من حياتها. جلست بجوارها على الأرض، ومدت يدها لتربّت على فروها الناعم.
— "ميمي، لقد نجحت!" همست لها، وكأنها كانت تخبر صديقة عزيزة، كأن ميمي تفهم تمامًا ما تقول.
الهرة العجوز رفعت رأسها قليلًا، وحرّكت ذيلها ببطء، ثم أصدرت مواءً ضعيفًا، لكنه كان كافيًا لزهرة.
— "أعرف أنكِ سعيدة من أجلي."
ورغم ضعفها، ورغم أن جسدها لم يعد بالقوة التي كان عليها، إلا أن ميمي، بطريقتها الخاصة، شاركت زهرة فرحتها، كما فعلت دائمًا.
فراشة المقبرة – 15
كانت كلية الطب حلمها منذ الطفولة، لكنها لم تكن تحلم بها كما يحلم بها الآخرون، لم يكن الدافع إنسانيًا بحتًا، ولا رغبة في إنقاذ الأرواح فقط. كان جزءًا من معركتها، جزءًا من رحلتها لفهم الجسد البشري، أسراره، نقاط ضعفه، وكيف يمكن توجيهه... أو كسره.
منذ يومها الأول في الكلية، لم تكن زهرة طالبة عادية. لم تكن تلك الفتاة المتحمسة التي تتعثر بين القاعات، تبحث عن قاعة المحاضرات أو تتهامس مع زميلاتها عن صعوبة المواد. كانت تعرف إلى أين تذهب، ماذا تفعل، ومن يجب أن تراقب.
كانت تسير في الممرات بثقة باردة، حقيبتها محكمة على كتفها، عيناها تتفحصان المكان كما لو كانت تقيّم أرض معركة جديدة.
وفي القاعات، لم تكن مجرد طالبة مجتهدة، بل كانت استثناءً. الأساتذة لاحظوها منذ البداية، ذكاؤها كان لافتًا، لكن ما جعلها مختلفة لم يكن مجرد ذكائها، بل هدوؤها الحاد، تركيزها المطلق، وكيف كانت تجيب على الأسئلة كما لو أنها تعرفها منذ الأزل، كأنها لم تحتج يومًا إلى المذاكرة، كأن المعلومات كانت جزءًا منها.
لم تكن تتكلم كثيرًا، لكنها حين تفعل، كانت كلماتها تصيب الهدف بدقة جراح يمسك بمشرط. لم تكن تحتاج إلى إثبات شيء، لأنها ببساطة كانت تعرف أنها الأفضل.
لكن الذكاء وحده لا يكفي في هذا العالم، والناس لا يحبون من يشعرون أنه أعلى منهم. بعض الزملاء احترموها، البعض تجنبها، والبعض حاول أن يختبر صبرها بأسئلة سخيفة وتعليقات غير ضرورية. لكن زهرة لم تكن تهتم. لم تكن هنا لتكون محبوبة، كانت هنا لتتعلم، لتصبح أقوى.
في أحد الأيام، وبينما كانت زهرة جالسة وحدها في المكتبة، منحنية فوق كتاب تشريح، ظهر أمامها كتاب آخر، وُضع بلطف على الطاولة. رفعت عينيها، لتجد شابًا يقف أمامها، طويل القامة، ذو نظرة عميقة لكنها غير مزعجة.
— "أعرف أنكِ لا تحبين المقاطعة، لكنني رأيتكِ تقرئين هذا، واعتقدت أن هذا قد يكون مفيدًا أيضًا."
نظرت إلى الكتاب، كان عن علم الأمراض، لم يكن ضمن مواد السنة الأولى، لكنه كان كتابًا متقدمًا ومثيرًا للاهتمام.
رفعت حاجبًا قليلًا، ثم عادت لتنظر إليه. لم يكن من النوع الذي يحاول لفت الانتباه، لم يكن يبتسم بتصنع أو يضع يديه في جيوبه ليبدو أكثر استرخاءً. كان هادئًا، لكن ليس خجولًا.
— "لم أكن بحاجة إليه، لكن شكرًا."
أومأ برأسه، ثم جلس بهدوء على الطرف الآخر من الطاولة، فتح كتابه وبدأ بالقراءة دون أن يقول شيئًا آخر.
كانت زهرة معتادة على نوعين من الناس: من يخشونها، ومن يحاولون إثبات أنفسهم أمامها. لكنه لم يكن أيًا منهما. لم يكن يحاول اختبارها، ولم يكن خائفًا منها.
لم تتحدث، لكنه بقي هناك، يقرأ، وكأنه لم يكن ينتظر منها رد فعل محددًا.
لأول مرة منذ وقت طويل، وجدت زهرة نفسها تراقبه، ليس بريبة، بل بفضول. من يكون؟ ولماذا لم يكن مثله مثل الآخرين؟
الأيام التالية أثبتت أنه لم يكن مجرد طالب عادي، لم يكن يحاول التقرب منها كما فعل الآخرون، بل كان يشاركها المساحة فقط، كما لو أن وجودهما في نفس المكان كان أمرًا طبيعيًا.
وكان هذا... مربكًا.
ولأول مرة منذ سنوات، وجدت زهرة نفسها تفكر في شخص لم يكن ضمن خططها.
لم تكن زهرة معتادة على أن يقترب منها أحد دون سبب واضح، وكانت أكثر حساسية تجاه من يحاول تجاوز المسافة التي رسمتها بين نفسها وبين الآخرين.
ذلك الشاب... لم يكن استثناءً.
في الأيام التالية، استمر في الظهور—ليس بطريقة مزعجة، بل بطريقة هادئة لا يمكن تسميتها "ملاحقة"، لكنها كانت أكثر مما تتحمله زهرة. لم يكن يحاول فرض نفسه عليها، لكنه كان موجودًا، يجلس على الطاولة المقابلة في المكتبة، يمر بجوارها في القاعات، وأحيانًا، يعلق بعبارة قصيرة بعد إحدى المحاضرات، وكأن حديثه معها كان أمرًا طبيعيًا.
في البداية، حاولت تجاهله. لم ترد على تعليقاته، لم تنظر حتى في اتجاهه، لكنها بدأت تشعر أن صبرها ينفد. لم تحبذ أن يعتقد أحد أنها قابلة للانشغال بشيء غير خططها.
وفي إحدى المرات، حين كانت تخرج من المكتبة، وجدته يسير بجوارها بهدوء، يضع يديه في جيبيه، وكأن ذلك كان أمرًا مألوفًا.
— "لم أسألكِ عن اسمكِ بعد." قال بصوت منخفض لكنه واضح.
لم تتوقف عن المشي، لم تلتفت إليه حتى.
— "لأنك لا تحتاج إلى معرفته." جاء ردها باردًا كالجليد.
لم يبدُ عليه الإحراج، بل ابتسم بخفة، وكأن إجابتها لم تكن مفاجأة.
— "معكِ حق. لكنني أراه في قائمة الطلاب، وأسمعه حين ينادونكِ للإجابة في المحاضرات. كنت أريد فقط أن أسمعه منكِ مباشرة."
توقفت فجأة، استدارت نحوه، وحدقت فيه بنظرة جعلت العديد من زملائها يتراجعون قبل حتى أن يفكروا في إكمال حديثهم معها.
— "وما الذي تريده مني بالضبط؟" سألت بصوت حاد.
ظل ثابتًا، لم يتحرك إلى الخلف، لكنه لم يكن متحديًا. فقط وقف هناك، ينظر إليها بهدوء.
— "لا شيء. فقط محادثة."
ضيقت عينيها قليلاً.
— "إن كنت تبحث عن التسلية، فابحث في مكان آخر. لست مهتمة."
ثم استدارت لتواصل طريقها، دون أن تنتظر ردًا.
لكن قبل أن تبتعد تمامًا، سمعته يقول بصوت منخفض، وكأنه يحدث نفسه أكثر مما يحدثها:
— "ليس كل من يقترب يريد شيئًا منكِ، زهرة."
توقفت للحظة، وكادت تلتفت، لكنها قررت ألا تفعل. لم يكن هناك داعٍ لذلك. لم يكن جزءًا من خططها، ولم يكن يجب أن يشغلها أكثر من هذا.
وهكذا، مضت في طريقها، غير مدركة أن تلك المواجهة لم تكن نهاية الأمر... بل بدايته.
لم يكن الأمر مجرد رفضٍ لمحاولاته، ولم يكن كبرياءً أو برودًا. كانت زهرة تعرف تمامًا لماذا لن تسمح لأحدٍ بالاقتراب.
لأنها رأت ما يحدث عندما تثق، عندما تمنح شخصًا ما مساحةً داخل عالمها. كانت تعرف أن التقارب ليس مجرد كلماتٍ عابرة، بل بابٌ يُفتح، وإن فُتح، فقد لا تستطيع إغلاقه مجددًا.
وكانت تعرف أيضًا أن جسدها ليس كأجساد الآخرين.
عندما كانت تقف أمام المرآة، لم تكن ترى الفتاة التي يراها الجميع—الفتاة الذكية التي تثير الإعجاب بعبقريتها، أو الطالبة المجتهدة التي يهابها الآخرون لصمتها الحاد. كانت ترى الندوب... الآثار التي لن تمحى، الخطوط القاسية التي حفرتها النيران والجراح القديمة في بشرتها.
كانت ترى ما يحاول عقلها الهروب منه كل يوم، لكنها كانت تعرف الحقيقة.
لم يكن بإمكانها أن تسمح لأحدٍ بأن يراها كما هي، أن يلمس الجلد الذي لم يعد كما كان، أن يشعر بتلك الأخاديد العميقة التي تروي قصة الألم الذي لم تخبر به أحدًا.
ولهذا، لم يكن الرفض خيارًا، بل كان ضرورة.
ليست فقط المسافة التي تحافظ عليها مع الآخرين، بل الجدار الذي شيّدته حول نفسها، حجارةً فوق حجارة، حتى لا يكون هناك أحد.
لكن المشكلة لم تكن فيهم فقط.
المشكلة كانت في عقلها.
لم يكن عقلها كعقول الآخرين، لم يكن منظمًا، واضحًا، بسيطًا. كان متاهةً معقدة، متشابكة، مليئة بالغرف المغلقة، بالظلال التي تتحرك في الظلام، بالذكريات التي تتسرب إلى أفكارها حين لا تنتبه.
أحيانًا، كانت تستيقظ في منتصف الليل، عرقها باردٌ على جبينها، وقلبها يخفق بجنون، وصورٌ مشوهةٌ تتراقص خلف جفونها. الأصوات، الصرخات، الحرارة التي التصقت بجلدها ذات يوم.
أحيانًا، كانت تشعر أن كل شيء مجرد وهم، أن هذا الجسد ليس جسدها، أن هذه الحياة ليست حياتها، وأنها لو أغمضت عينيها بما يكفي، فقد تجد نفسها تعيش حياةً أخرى، في جسدٍ آخر، بدون ندوب، بدون ماضٍ، بدون تلك الأفكار التي تنهشها كل يوم.
لكنها حين تفتح عينيها، يكون الواقع هناك، حاضرًا بكل قسوته.
ولهذا، لم يكن هناك مكانٌ لأحدٍ بجانبها.
ولن يكون.
تعليقات
إرسال تعليق