رواية نيران نجع الهوى الفصل الحادي وعشرون21حصريه بقلم هدير دودو
رواية نيران نجع الهوى الفصل الحادي وعشرون21حصريه بقلم هدير دودو
رواية نيران نجع الهوى الفصل الحادي وعشرون21حصريه بقلم هدير دودو
#الفصل_الواحد_والعشرون "قبل الأخير"
#نيران_نجع_الهوى
#هدير_دودو
اتمنى نعمل لايك يا حبايبي فضلا ونوصله لـ 400 لايك عشان الفصل الأخير ينزل♥️ هنتظر رأيكم الغالي وقراءة سعيدة يا غاليين♥️♥️
❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈
في الصباح اليوم المعهود الذي انتهى بفراق عمران الجبالي للحياة على يد شقيقه وقبل تلك الأحداث الفاجعة، كانت تقف عهد داخل غرفتها بسعادة بعدما تأكدت ظنونها لإرهاقها الدائم في الفترة الأخيرة، كانت تتجاهل الأمر في البداية لكن مع مرور الوقت وتجدد شعورها بالإرهاق ظنت أنها حامل لكنها لم تخبر أحد حتى تتأكد من صحة ذلك الخبر وها هي الآن تأكدت هي ستصبح أُمًا لطفلها من عمران الجبالي زوجها وحبيبها، ابتسامتها تتسع بفرحة وتداخلت مشاعرها بين الغبطة والخوف من أصحاب النفوس الخبيثة الماكرة، لكنها نفضت جميع أفكارها بعد أن سيطرت عليها سعادتها الطاغية وهي تفكر في مولودها القادم، ستخبره هو بالطبع أولًا لكن الخبر لابد من أن يكون مميزًا ليبقى معلقًا خالدًا داخل ذهنه.
استلقت فوق الفراش بهدوء وهي تمرر يدها بحنان فوق بطنها حيث يتواجد صغيرها تشعره بحنانها الذي ستغمره به حين يصل إلى الدنيا وتلامسه أناملها، تزداد ابتسامتها اتساعًا وشعور فرحتها الآن لا يضاهي أي فرحة لها من قبل، تحمل طفلها ممَن أحبت وتمنت، ها قد تحقق حلمها الآن.
ظلت على وضعها منغمسة في أفكارها حتى آتى الليل بظلمته الحالكة نهضت تعد ذاتها لاستقباله عندما اقترب موعد عودته، ترتدي قميص طويل من اللون الأبيض الشفاف الذي يبرز جمال مفاتنها يصل إلى كاحليها وفوقه المئزر الخاص به من نفس اللون، ثم وقفت تهندم من شعرها تاركة إياه ينسدل خلفها بكبرياء وتتمسك بالكحل الأسود لتضعه داخل عينيها الواسعة فيبرز جمالهما الخلاب، وأنهت لمساتها الساحرة والخاطفة للأنفاس بوضع أحمر شفاه من اللون الوردي الهادئ ثم وقفت تتابع هيئتها بإعجاب صارخ تنتظر عودته ليعزز مشاعرها ويرضي كبرياءها الأنثوي كما اعتادت.
وجدته يدلف الغرفة بملامح وجه مجهدة تبدلت تمامًا عندما رآها واتسعت ابتسامته بإعجاب يرضيها جيدًا، اقتربت منه بخطى واسعة تحمل قفطانه عنه وتساعده في خلع جلبابه لكنه تمسك بيدها يمنعها مغمغمًا بجدية:
- لاه يا عهد لساتني هنزل تاني أخلص بجية الشغل.
اومأت برأسها أمامًا بهدوء فوجدته يجذبها داخل أحضانه وشدد من ضمه لها بمشاعر عاشقة هامسًا داخل أذنيها بشغف:
- كيف البدر المكتمل ليلة تمامه يا عهد الجلب،الله في سماه الجلب عاشجك وحباله دابت من حبك اللي اتزرع چواه وتعبه ليالي كانت الليلة كنها سنة تقسم الحيل والجلب.
ابتسمت بسعادة وهي تبادله أحضانه الحنونة بحب:
- سلامتك من التعب وقسمة الجلب.
تحولت نبرتها إلى أخرى متسائلة بهدوء:
- هتنزل تاني ليه صُح ما تخليك چار مرتك حبيبتك؟
صدر عنه تنهيدة حارة تعكس مدى اشتعال أفكار عقله، وانشغالها لابد أن هناك أمر هام سيحدث، لكنه حاول أن يخفي عنها كل ذلك وأجابها بتعقل:
- ومين ميتمناش يُبجى چار مرته اللي معيعشجش غيرها عاد؟ بس لازمن ابجى تحت دلوك مع الرچالة.
سار نحو الخزانة يفتحها ويخرج منها سلاحه الخاص ليضعه داخل جلبابه تحت أعينها المتسعة بصدمة والخوف الذي سيطر على فؤادها الممزق، وتلك الغصة القوية التي تشكلت في حلقها جميعهم يؤكدون أن هناك أمر ما سيحدث، اقتربت تحتضنه مجددًا وتسأل بهدوء:
- في حاچه ولا إيه يا عمران؟
أجابها نافيًا بعجالة وهو يعد ذاته للذهاب:
- لاه مفيش جولتلك هجف مع الرچالة تحت.
أومأت برأسها أمامًا بعدم اطمئنان واقتربت تلقي ذاتها داخل أحضانه قبل أن يخرج وأردفت هامسة بابتسامة:
- أني عندي ليك خبر حلو يستاهل يفرح جلبك ويروق بالك بس لما تطلع هجولك عليه، متعوجش عليّ.
أومأ برأسه في صمت وسار نحو الأسفل بينما هي وقفت تطالع أثره وهو يختفى من أمام عينيها مع كل خطوة يسيرها وينقبض معه فؤادها، تشعر أن هناك شيء ما سيحدث لكنها تدعي ربها راجية بقلب صافٍ:
- ربنا يردك ليّ ولولدك بالسلامة يا عمران يا ولد فهيمة ويخيب ظني.
بقيت تدعي له ألا يصيبه مكروه وقلبها إلى الآن لم يطمئن لما هو قادم دون أن تعلمه.
تفاجأت بوجود بعض رجال عمران معهم بالداخل يطالبون بتجمع الجميع في الأسفل، أسرعت ترتدي عباءتها السوداء واضعة وشاحها فوق رأسها وسارت بخطوات واسعة شبه راكضة نحو الأسفل، تفاجأت بوجود الجميع وتلك الرجال تغلق الباب عليهم ويقفون معهم بالداخل، تطلعت نحوهم متسائلة بدهشة وهناك غصة قوية تعتصر فؤادها لتعلم أن ظنونها صائبة:
- في إيه؟ إيه اللي بيحصُل إهنيه؟
أجابها أحدهم باحترام وهو يحافظ على عينيه أرضًا:
- ديه أوامر چاية من الكَبير ومحدش يجدر يعارضها.
نيران مشتعلة تسيطر على فؤادها خوفًا عليه، نظراته معها قبل ذهابه كانت تخبرها أن هناك ما يخفيه عنها، تدعي له بقلب متضرع راجية من ربها حفظه لها وعودته إلى أحضانها وأحضان ولده القادم، جلست وعينيها معلقة صوب الباب منتظرة دخوله منه لترتمي داخل أحضانه، تتطلع نحو جميع مَن حولها ولا أحد يفهم ما بداخلها، تتطلع نحو نوارة الجالسة بجانب نعمة فوق الأريكة ببرود، وفهيمة الجالسة بضعف فوق كرسيها المتحرك بعدما أحضرتها صفية إلى الأسفل ودموعها تسيل فوق وجنتيها بصمت لكنها لم تقوَ على الحديث.
تأكد كل منهم مما يدور بداخلهم عندما استمعوا إلى الطلقات النارية ترتفع بالخارج فنهضت عهد مسرعة راكضة فوق الباب تحاول الخروج لتطمئن عليه لكن أسرعوا يمنعونها مردفين بقلق وجدية:
- مينفعش يا ست عهد، سي عمران جايل محدش يخرچ
ومنبه عليكيّ بالذات.
اعتلى نحيبها عاليًا واسترسلت حديثها من جديد برجاء:
- أني رايدة اشوفه واطمن جلبي عليه، خرچوني لچوزي.
حاولوا منعها بضراوة تنفيذًا لأوامره الصارمة، ظلت واقفة بجانبهم تبكي ويتعالى صريخها كلما تتعالى صوت الطلقات تشعر أنها تأتي في قلبها ليست في الخارج.
بينما نعمة اتسعت ابتسامتها الماكرة متذكرة فعلتها الخبيثة مع رجال عمران، هي مَن جعلتهم ينقلبون عليه مقابل المال لتدعم زوجها عندما رأته يطالبهم بالاستعداد في ذلك اليوم بالتحديد، تجلس بلهفة منتظرة انتصار زوجها لتفرض سيطرتها على النجع بالكامل، أول شيء ستفعله حينها أنها ستلقن عهد درسًا لن تنساه مجددًا ثم تلقيها للذئاب حتى يفترسونها وهي تشاهدها بأعين مبتسمة سعيدة لتشعر حينها بعودة حقها وكبريائها.
استعادت وعيها من ذكريات الماضي لذلك اليوم المشؤوم عندما فُتح الباب لها وهتافهم باسم حسن الذي تعالى جعلها تتأكد أن هناك شيء سيء قد حدث لزوجها لا تعلم ماذا تفعل في تلك الفاجعة.
انطلقت راكضة دون تردد نحو الخارج تبحث عن زوجها لكنها صعقت عندما رأته ملقَى أرضًا وبعض الرجال الذين يعملون معه يقفون حوله، تعالت صرختها باسمه المقهورة بحزن أفتك بقلبها:
- عـــمـــران...لاه يا عمران متهملنيش.
دنت بجانبه بحزن ووضعت وشاحها فوق صدره حيثُ تسيل دمائه وتابعت صراخها بانهيار:
- جلبي ميجدرش على فراقك يا حبيب جلبي وروحيّ، قوم يا عمران لچل خاطري عنديك.
ازداد نحيبها دون جدوى فتطلعت نحو أكرم الذي كان يقف بجانبه يطالعها بحزن ضاري، يشعر بالحزن لفراقه الجميع يحبونه لطيبة قلبه ورحمته معهم، تعالت صرخاتها مجددًا وهي لازالت تحاول أن تجعل الدماء التي تسيل من زوجها تتوقف بشتى الطرق لكنها لم تنجح:
- دَكتور بسرعة هات الدَكتور أو أنقله مهجعدش أشوف چوزي وهو بيروح مني، أحِب على يدّك ساعدني متهملهوش إكده، هو وعدني جبل سابج إن عمره ما هيهمنلني ويكوي جلبي العاشج بنار الفراق هو وعدني.
ظلت تكرر طلبها من جميع الواقفين وهي تحتضنه بضراوة، وعينيها ترسل نظرات حزينة يسودها القهر لما حدث لزوجها ولكن أثناء انغامسها في كل ذلك تفاجأت بمَن يقبض فوق خصلات شعرها بقوة كاد يقتلعهم من رأسها فاعتلى صراخها المتألم لكن ذلك القاسي لم يهتم لأمرها ولا لوجهها لم يكن سوى ذلك الوغد القاتل حسن، يجرها أرضًا بعنف ولازال متمسك بخصلات شعرها وهي تتمسك بعبائتها بقوة لتخفي جسدها من تلك الأعين المجتمعة، يعيدها نحو الداخل من جديد ويمنعها مع البقاء بجانب زوجها، دفعها بقوة أدت إلى ارتطام رأسها بعنف فوق الأرض الصلبة وبأعين قاسية يتطاير منهما الشرر والانتقام:
- چه وقت الحساب يا عهد، والله لأندم جلبك اللي عشجه وأخد روحك اللي رايدة جربه.
لم تهتم لأمرها ولا لوجعها هي فقط الآن تريد أن تبقى بجانب زوجها حتى تستطيع الاطمئنان عليه، أسرعت تنهض وتركض نحو الخارج دون أن تعير وجوده اهتمام لكنه أسرع يقبض فوق ذراعها بقبضة حديدية تعتصره ودفعها من جديد إلى الداخل، لكنها وقفت أمامه بثبات وأعين غاضبة صائحة به بعنف:
- هملني لحاليّ وملكش صالح بيا، أني مرايداش غير أني ابجى چار چوزي اللي جلبي عشجه وروحيّ مرايداش غير جربه يا حسن، خابر ليه لأنه راچل مش كيفك.
لم يستطع السيطرة على ذاته فأسرع رافعًا يده بقوة إلى الأعلى وهوى بها فوق وجنتيها بقوة جذبها من شعرها من جديد هامسًا أمام وجهها بهمس قاسٍ:
- دلوك چوزك الراچل مات يا عهد راح على يدّي وهملك ووعد منيّ هبعتك ليه بس بعد ما أخد حجي منيكيّ يا فاچرة.
تطلع نحو أحد رجاله وصاح به بغضب محتدم:
- خدها لحد فوق وتسكر عليها الباب مليح مرايدش ألمح طيف لعهد في السرايا إهنيه غير بأمري وإلا فيها جطع رجبتك.
حاولت المقاومة لكنها لم تنجح بدأ ذلك الوغد في سحبها بعنف إلى الأعلى لينفذ أوامر حسن الصارمة، ودفعها داخل غرفتها ثم بدأ في غلق الباب عليها وبقِي أمامه ليمنعها من الذهاب إلى الأسفل مرة أخرى.
كانت عهد تبكي بعنف داخل الغرفة وعقلها يتذكر جميع ذكرياتها بداخلها عندما كانت معه تتنعم بدفء أحضانه وحنان مشاعره العاشقة، تتذكر جميع ما حدث منذُ للوهلة الأولى في دلوفها لتلك الغرفة وعندما انغلق بابها عليهما للمرة الأولى، حتى ذهابه اليوم وعناقه لها الدافئ، ليتها كانت تعلم أنه لن يعانقها مجددًا وأن ذلك سيحدث، كانت ستبقى داخل أحضانه لم تجعله يذهب ويلاقي ذلك المصير المحزن.
دموعها لم تجف ولم تتوقف لوهلة واحدة وعقلها يعيد عليها حنانه معها، وقوفه بجانبها عندما كانت تحتاجه، دعمه لها الدائم دون أن تطلب، وعشقه الضاري الذي أجبر فؤادها على الاستسلام ورفع رايته البيضاء الخالية من كل شيء عدا عشقه الذي تسرب عنوة يحيي نبضاتها.
بقيت داخل دوامة مريرة من ذكرياتها معه ودعواتها له مستمرة تطلب من ربها راجية أن يحفظه لها ولصغيرهما القادم، لا تدري كيف سيبقى بخير وهو حتى الآن ملقى أرضًا وسيل دمائه لم يتوقف إلى الآن، لا أحد يهتم لأمره ولا أحد يفعل ما سيجعله بخير ويحفظه لها.
بعد دقائق قليلة استمعت إلى أصوات سيارات الشرطة فأسرعت راكضة تتطلع من الشرفة المتواجدة داخل غرفتها معه، رأتهم يحملون زوجها داخل سيارة الإسعاف ليتم نقله، تفارقه بنظرات حزينة من بعيد تود أن تقفز إليه وتبقى بجانبه تلتقطه داخل حضنها بعشق جارف لتحيي فؤاده كما فعل معها، لكنها لم تستطع هي الآن سجينة في غرفتها وجدرانها المنيعة التي تمنعها عن الوجود بجانبه في ذلك الوقت..
تعالى نحيبها عاليًا ورفعت يدها إلى السماء تناجي ربها بقلب مقهور متأمل في رحمة ربه القادر لحفظ زوجها وتردد دعاءها برجاء:
- يارب يا كريم احفظلي عمران، أني مليش غيره رچعه بالسلامة ليا ولولده، أني بتجوى بيه وبوچوده أنتَ القادر يارب.
بدأت رجال الشرطة التحقق في الواقعة لكن جميع رجال حسن أجمعوا على حديث واحد، هُناك مَن أتى من الخارج وحاول قتلهم وأصاب شقيقه ثم هرب، ولم يعطوا معلومات عن الفاعل، لم يقوَ رجال عمران التحدث بعد أن تهديدهم بقتل عائلاتهم فالتزموا الصمت التام خوفًا من تنفيذ حديث حسن.
أومأ الضابط وأكد على حديثه بجدية صارمة:
- ياريت لو أي حد افتكر أي حاچه أو أي معلومة ياچي ويبلغنا بيها واللي عمل إكده هنچيبه وياخد حسابه.
كان يوجه تهديد صريح لحسن الذي فهم مغزى حديثه جيدًا لكن قابله ببرود تام:
- من غير ما تجول يا باشا ده الصُح واللي لازمن نعمله.
أوصى الضابط بالرعاية الطبية المشددة لعمران ليستطيعوا إنقاذه بأقصى ما لديهم، هو ساهم في العديد من المساعدات للحفاظ على أمن وسلامة النجع، لابد من أن يجد تقدير كبير لما فعله، كما طلب أن يتم ذلك في سرية تامة دون أن يعلم أحد بتحسن أو سوء حالته الصحية، حفاظًا على سلامته.
ثم سار يعود إلى مركز الشرطة تطلع أحد الضباط حو الضابط المسؤول متسائلًا بعدم فهم:
- كيف هملنا حسن الچبالي كنه معملش حاچه والسلاح بتاعه عندينا.
تطلع إليه ساخرًا وأجابه بضيق:
- ومين جال أن اللسلاح بتاعه هياچي يعترف على نفسه عاد، عمران هو الشاهد الوحيد من غيره مفيش إثبات إن هو صاحب اللسلاح.
استرسل حديثه بجدية محتدمة:
- رايدك تفتح عينك فالنچع دلوك وعلى حسن وحركاته تبجى عنديّ في وقتها.
أومأ برأسه أمامًا وسار ينفذ أوامره الصارمة، تنهد الضابط بضيق وتطلع أمامه غاضبًا والنيران تنبعث من عينيه الغاضبة بعدما أخفق مخططه في القبض على حسن الجبالي الذي دمر كل ما كان يسعى إليه، لكن إلى أين سيذهب فالنظام سيأتي يوم وينتهي وسيتم القبض عليه لينال عقابه.
❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈
وقف حسن أمام حشد هائل من أهالي نجع العمدة بشموخ، يرى نظراتهم نحوه ووقوفهم أمامه مشهد طال انتظاره وسرر له الفؤاد، يتمنى لو أن يشاهده عمران الآن وهو يقف مكانه يحكم النجع بالكامل، لكن هناك شبح ابتسامة ماكرة نمت فوق ملامح وجهه فأين عمران اليوم؟ عمران رحل عن العالم بأكمله لكن لابد أن يتأكد من ذلك، لينفرد بالنجع بحرية تامة دون قيود، كما أيضًا سينفرد بزوجته، اتسعت ابتسامته الخبيثة وهو يتذكر عهد التي سقطت الآن فريسة في قبضته القاتلة، حاول السيطرة على أفكاره الشيطانية التي ستُنفذ وتحدث بجدية صارمة:
- من دلوك عهد عمران انتهى، عمران أخوي الله يرحمه اتجتل، نچع العمدة بجى في يد حسن الچبالي ومفيش كلمة هتتنفذ ولا هتمشي غير كلمته.
تعالى الهتاف باسمه من أهل النجع ليس حبًا فيه ولكن خوفًا من بطشه، ابتسم بغرور لتحقيق حلمه وأشار نحو الرجال الواقفة الذين لم ينتموا للنجع مردفًا بحدة:
- الرچال ديه رچالتي هما اللي عيساعدونيّ في حماية النچع، أما أهالي نچع العمدة لزمتها تزرع النجع وتعمره متحميهوش حمايته مسؤوليتيّ.
قابلوا حديثه بالصمت بينما هو نجح في الوصول لما يريد سيفرض سيطرته التامة على نجع ويبعد أهاليه حتى لا يعارضه اي منهم أو يستطيع الوقوف أمامه عند علمهم بنا سيفعله.
استرسل حديثه الأخير بهدوء:
- ومن دلوك الست نعمة الچبالي هي ست النچع عشان الحاچه فهيمة معتجدرش دلوك تديره.
أنهى حديثه وسار نحو الداخل بشموخ بينما ابتسمت نعمة بمكر ها هي قد نالت ما تريده هي الأخرى ونفذ حسن وعده لها، أصبحت سيدة النجع ستلقن عهد درسًا يجعلها تتذكره إلى أن تنتهي حياتها وستكون هي أيضًا المتسببة في فعلها، تعالى هتاف الأهالي باسم حسن من جديد..
كانت عهد تجلس في غرفتها أرضًا تبكي بقهر على زوجها الذي قُتل غدرًا، تضع يدها فوق أذنيها لتمنع سماع أصوات احتفالهم بحسن القاتل، ويتعالى نحيبها بعد أن تثاقلت أنفاسها وخفقت نبضات فؤادها، كانت في حالة يرثى لها، لا تريد سوى أن تبقى بجانب زوجها، وتطمئن عليه.
تفاجأت عندما وجدت ذلك الوغد يقف أمامها بعد أن ولج عليها الغرفة دون أن تدري متى وكيف فعلها، تعالت صرخاتها من جديد عندما رأته ونهضت مسرعة تهجم عليه بقوتها الخاوية، تضربه بصدره بقوة بقبضة يدها وهي تردف بانهيار:
- ربنا ينتجم منيك وياخدك يا حسن، والله لاجتلك واخد حقه منك يا خسيس.
أسرعت تهجم على عنقه بيديها وتضغط بقوة فوق عنقه بعد أن عماها غضبها ونيران الانتقام سيطرت على عقلها تمنعها من رؤية اي شيء آخر، لا تريد سوى أن تثأر لزوجها، كان حسن يحاول أن يدفعها ليلتقط أنفاسه لكنها كانت محكمة على عنقه في قبضتها، بعد محاولات عديدة استطاع أن يدفعها بقوة فسقطت أرضًا أثر دفعته بينما هو كان يلتقط أنفاسه بصوت مرتفع، ثم توجه نحوها بخطوات واسعة والغضب يسيطر عليه، قبض فوق خصلاتها بقوة يجبرها على الوقوف عنوة، تحاملت على ألآمها ونهضت لتقف قبالته بوجع مضني لم تتفوه به، ازداد من ضغطه فوق شعرها وإلى الآن لم تتأوه تتحامل على ذاتها حتى لا تجعله يصل إلى ما يريد، فلم يستطع هو السيطرة على غضبه وقام بصفعها بقوة غاضبة جعلتها تسقط أرضًا مرة أخرى مع تعالي صرخاتها، وهو يقترب منها من جديد وهو يتفوه بغضب محتدم:
- رايدة تكوني يا بت المركوب والله يا عهد ما هتشوفي يوم حلو بعد إكده، إنتيّ مرا خاينة ولازمن أخد حجي منيكيّ.
جذبها بعنف من ذراعها يجبرها على النهوض ففعلتها، وهي تشعر بالخوف لكنها تخفيه بداخلها، تفاجأت به يدفعها فوق الفراش بقوة فتعالت صرخاتها بقهر بعدما علمت ما ينوى فعله وقبل أن تنهض كان هو اقترب منها يثبتها فوق الفراش ويثبت يديها، يمنعها من الهروب من قبضته وهو يبتسم بمكر ويؤكد ما في أفكارها:
- هجربلك على فرشته كيف ما جدرتي تخونيني وتسلميه حالك هتخونيه معايّ.
دب الرعب في أوصالها وهي تتحرك بعنف تحاول الهروب لكنه لم يفعلها، جذب عباءتها يتخلص منها بقوة فبدت بمظهرها الخلاب حين كانت تعد ذاتها لزوجها قبل ما حدث، وبدأ يقترب يقبلها بعنف تحت صرخاتها المدوية تشق جدران المنزل بالكامل، خارت قوتها أمامه وبدا ضعفها وهي تبكي فقط تطلب منه الابتعاد، لكن سرعان ما تجمعت صورة زوجها بداخلها جعلها تستعيد قوتها تقسم أنها لن تجعله يفعلها حتى وإن كانت ستقتل ذاتها، لن تجعل ذلك الوغد يحصل على ما يريد، بدأت تدفعه بعنف بقدمها وحركة جسدها لم تتوقف، حتى نجحت في الهروب من قبضته، جذبت المزهرية المتواجدة جانب الفراش وضربته بها فوق رأسه بعنف، ثم انطلقت مسرعة تجذب السكين المتواجد بجانب الفاكهة التي كانت تعدها لزوجها وتابعت بتهديد قوي وهي تجذب ثيابها عليها لتخفي جسدها من أمام عينيه:
- والله لو جربت مني لأكون دباها في جلبك.
كان يضع يده فوق رأسه التي بدأت تسيل دمائها متوعدًا لها بغضب ضاري:
- والله ما ههملك يا عهد روحك أني اللي هاخدها بيدّي بس جبلها لازمن ادبحك بجربيّ واكوي جلبك العاشج.
لم تهتم بحديثه بل أسرعت تستكمل سيرها وهي متطلعة نحوه لكنها تتوجه نحو الباب لتخرج من الغرفة حتى تشعر بالأمان، وهي تتحدث بقوة حادة:
- والله يا حسن لو هموت ما هتطول شعرة منيّ من بعد چوزي محدش هيلمسني وهفضحك جدام النچع كلياته ابجى شوف هيحترموك كيف بعد إكده.
طالعها بنظرات ساخرة وأجابها بتهكم:
- الناس عتخاف مني ميهمنيش احترامهم اللي يهمني خوفهم، يعني محدش هيجدر يجف جدامي.
فتحت الباب لتخرج من الغرفة وإلى الآن هي تسير بظهرها حتى شعرت بشيء صلب اصطدمت به، التفتت إلى الخلف وجدت تلك الحرباء الماكرة نعمة واقفة تطالعها بازدراء وهي مبتسمة بشماتة، وتعالى صوتها بغرور:
- شوفتي يا عهد بجيت أني ست النچع وإنتيّ إهنيه شغالة عنديّ لحد ما يوافج حسن باللي رايدة اعمله فيكي، شوفتي حقي هيرچع منيكي كيف وانتي جلبك مجهور على فراق چوزك.
اتسعت ابتسامتها الشامتة وتحدثت بغرور:
- من دلوك تنزلي المطبخ تخدمي مع الخدم، والله لو ما لجيتك واقفة تعملي اللي رايداه لاتشوفي اللي عمرك ما شوفتيه مني جبل سابج.
تحدثت عهد بجدية وهي تقف قبالتها بقوة لا تدري من أين حصلت عليها:
- بس أني مهفضلش إهنيه، أني هبجى چار چوزي.
طالعتها ببرود واقتربت هامسة بسخرية:
- لو عرفتي تخرچي من إهنيه بعد اللي حسن عامله عليكيّ ابجي تعالي جابليني يا بت هنية، دلوك هتبجي كيف أمك وتخدمي علينا وحتى بواجي الوحل مهتطوليهوش.
دفعتها بقوة وولجت هي إلى حسن بابتسامة واسعة:
- مبروك يا كَبير صبرت ونولت حجك وزيادة يا ولد أخوي.
رأت الجرح المتواجد في رأسه فصرخت بدهشة:
- يا مريّ بت هنية هي اللي عملت إكده.
أومأ برأسه أمامًا وتابع بتأكيد غاضب:
- هي يا عمة بس والله ما ارتاح ولا يهدالي بال غير لما اكسرها واخد حجي منيها.
أجابته معترضة بتفكير ماكر:
- وعلى إيه وچع الدماغ ده كله أنت وراك شغلك ومفاضيش لبت هنية هي ديتها كيف ما جولتلك، نرميها في الچبل وسط الديابة ونخلصُ منيها، اسمع كلامي يا ولدي تكسب.
فكر في حديثها وحرك رأسه بتأكيد بعدما اقتنع لكنه استرسل حديثه بجدية:
- هيحصُل يا عمة بس بعد ما اخد منيها اللي رايده وكمان لچل ما نفتح العيون علينا دلوك.
ابتسمت بسعادة بعدما حققت كل ما تريده وسارت نحو الخارج وهي تشعر يتراقص قلبها، سارت متجهة نحو المطبخ وجدت عهد تجلس بداخله تبكي بانهيار بعدما ارتدت عباءة صفية، وقلبها يؤلمها خوفًا من فقدان زوجها، طالعتها بجدية وصاحت بها بعنف:
- جومي فزي، أنتي قاعدة ليه إكده، يلا چهزي الوكل لچل ما نرحب بالكَبير.
تطلعت نحو صفية و العاملة الأخرى التي تساعدها وأردفت بحدة:
- إياكي يا بت أنتي وهي اعرف إنها داجت لقمة واحدة من الوكل والله لأكون حرماكم منيه.
جعلتها تنهض لتقف مع الخدم وتساعدهم، هي الأن ليست في حالة جيدة حتى تتحدث، كل ذلك لا يعنيها هي فقط تفكر في زوجها وحالته، هل هو الآن أصبح بخير كما تتمنى أم أن حديثهم صحيح ورحل وتركها دون أن يودعها، تعالى نجيبها من جديد وهي تقف تساعد في إعداد الطعام بذهن شارد الذي تم وضعه فوق المائدة، وعادت مرة أخرى نحو المطبخ تستكمل بكاءها، اقتربت صفية تحتضنها بحنان وهي تشعر بالحزن لأجلها، أردفت هامسة بهدوء:
- هيُبجى زين والله يا ست عهد، سي عمران ميروحش بالساهل إكده، هياچي وهيچيلك حجك منيهم.
طالعها بأمل واستندت فوق كتفها بضعف ثم تحدثت بحزن:
- أني مرايداش حج ولا حاچه، أني رايداه هو يُبجى زين وياچي چاري وبس.
ربتت فوق كتفها بحزن، ولا تجد ما تتفوه به سوى الدعاء، فأردفت تدعي ربها برجاء:
- ربنا يرچعه بالسلامة وينصره.
طالعتها عهد برجاء وتحدثت بضعف:
- أني رايدة اروحله يا صفية، رايدة اشوفه وابجى چاره، ابوس يدّك يا صفية ساعديني اروح.
تطلعت أرضًا وأجابتها هامسة بخوف:
- والله يا ست عهد سي حسن مشدد على خروچك دلوك، لكن أني هحاول ولو عرفت اعملها هعملها والله، أنتي عارفة انتي غالية عنديّ جد إيه.
بقيت عهد جالسة أرضًا تبكي في صمت وتدعي ربها ولا تعلم ماذا تفعل لينقضي همها ويأتي الفرج، لسانها لم يتوقف عن الدعاء له ليبقى بخير.
كاد الحزن يفتك بفؤادها المطالب بالأمان، الأمان الذي اختفى بداخلها مع ذهابه، سعادتها، ضحكتها، وأمانها جميعهم مرتبطون بوجوده جانبها، لتبقى داخل أحضانه، تعيد ذكرياتها معه حتى تحيا على أمالها إلى أن تستطيع الذهاب إليه، ستحاول وتبقى في المحاولة حتى تنجح وتلقي ذاتها داخل أحضانه المحبة.
❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈
بعد مرور يومين..
لا تدري عهد كيف مروا عليها، حاولت الهرب من قبل لكنه مشدد عليها ففشلت، كما أنه حاول ذاك الوغد أن يكرر فعلته بعد وقوفها أمامه وتحديها له، لكن تعب والدته فجأة هو الذي منعه، هبطت دمعاتها التي لم تجف وهلة واحدة منذُ ذلك اليوم المشؤوم الذي سلب حياتها، وجعلها تعيش أخرى بلا سعادة، تذوق مذاق القهر المرير الذي كاد الفتك بفؤادها، لا تدري متى سينتهي ذلك العذاب وتجتمع بزوجها المحب الذي جعلها تعيش في سعادة وهناء لن تعهده سوى معه، رأت عشقه الضاري الذي أجبر قلبها على مبادلته لتلك المشاعر الشغوفة بصدق.
تعالى نحيبها وهي تحمل الأطباق من فوق المائدة بعد انتهاء طعامهم، تتطلع نحوهم بغضب شديد والشرر يتطاير من عينيها، ولجت إلى المطبخ بتعب بعد أن شعرت بتثاقل جسدها، جلست أرضًا تلتقط أنفاسها الثقيلة ببطء، اقتربت صفية منها بعدما تركت ما في يدها وتحدثت بقلق:
- ست عهد كيفك كفى الله الشر، إنتي زينة؟
حركت رأسها نافية وأجابتها بحزن مضني:
- كيف هبجى زينة وأني بعيد عن چوزي ومعرفش عنيه حاچه.
اقتربت تحتضنها بحنان ولا تعلم ماذا تقول لها، استكانت عهد داخل أحضانها وتعالى نحيبها من جديد، استرسلت حديثها الخافت:
- جومي يا صفية چهزي الوكل للست فهيمة هي منزلتش معاهم، دي أم الغالي.
تفعل ذلك لاجله، رأن حبه الكبير لها وخوفه عليها الشديد في الفترة الأخيرة، تطلعت صفية نحوها بدهشة مبتسمة لحنانها ونهضت تفعل ما قالته.
ثم أتت وأحضرت بعض الطعام وسارت به نحو تلك الجالسة أرضًا، وتحدثت برجاء:
- لچل خاطريّ عنديكي يا ست عهد تأكلي منيّ أي حاچه والست نعمة مهتعرفش.
طالعها ساخرة وأردفت بحزن:
- ومين ليه نفس للوكل يا صفية، اني مرايداش الوكل مش عشان حديت نعمة اللي ربنا ينتجم منيها.
ربتت فوق كتفها واطلعت أرضًا بخجل تؤيد حديثها:
- حجك يا ست عهد بس بزياداكي إكده من ليلتها وانتي مدخلتيش لجمة في چسمك، هتتعبي ومحدش هينفعك وجتها.
لازالت لم تقوَ على الطعام، هي لا تريد شيء سوى أن تبقى بجانبه وتنعم بدفء أحضانه لتتخفى بداخله من قسوتهم المضنية التي مزقت فؤادها وقبضت روحها، لا تدري كيف ستفعلها وتصل إليها وهي الآن حبيسة في ذلك المنزل، تصلي فروضها وتدعي ربها كل مرة بقلب صافي ودموع صادقة أن يحفظه لها وأن تذهب إليه، تود رؤيته فقط بعد أن تم جذبها خارج أحضانه عنوة، عندما كانت تحاول إنقاذه وهو ملقى بدمائه التي كانت تسيل بغزارة في مشهد سيبقى خالد بعدما كاد يوقف نبضاتها التي خفقت وتعالى مكانها صرخاتها.
بقيت جالسة كما هي بحالتها الهزيلة إلى أن حلت عليها ظلمة الليل الحالكة دون أن تشعر، الدقائق تمر والساعات بعدها وهي تائهة في دروب أفكارها المتفرقة لخوفها عليه.
تفاجأت بصفية التي كلفت بخطوات حثيثة بحرص تام حتى لا ينتبه أي مما في المنزل وتحدثت بهمس:
- جومي يا ست عهد هخرچك، الست فهيمة ادتنيّ مفتاح الباب اللي في المطبخ إهنيه لچل ما تُبجي چار سي عمران.
التمتع عينيها بسعادة وأمل كان لازال داخلها، كانت متأكدة أن ربها لن يخذلها وستجتمع معه، هي فقط تريد أن يبقى بخير، هبت واقفة بسرعة البرق بعدما تناست جميع الآمها، وذهبت خلفها في صمت.
فتحت لها الباب المغلق والذي لم يعلم أحد بوجوده من قبل، وسارت معها نحو الخارج وجدت أكرم يقف في انتظارها، بدأت تلتقط أنفاسها من جديد بارتياح لنيل حريتها بأمان، طالعتها مبتسمة بامتنان وتحدثت بهدوء:
- مش عارفة أجولك إيه يا صفية، ربنا يخليكي ليا ويچبر بخاطرك يارب.
احتضنتها صفية بحنان بعد أن بدت ملامح الفرحة فوق وجهها هي الأخرى:
- متجوليش إكده يا ست عهد، ربنا واحده اللي خابر غلاوتك عنديّ جد إيه، ربنا يطمن جلبك على سي عمران ويرده بالسلامة.
ابتسمت عهد وهي تتمنى حدوث حديثها، ثم سارت بصحبة أكرم لتبقى بجانب زوجها، بينما صفية فعادت إلى المنزل وجعلت كل شيء كما كان حتى لا يكتشف أحد فعلتها، ثم صعدت إلى فهيمة أعطتها المفتاح وهي تتحدث بخفوت:
- هي دلوك مشيت يا ست فهيمة متقلقيش حالك.
تنهدت فهيمة بارتياح ثم هبطت دمعاتها من جديد تشعر بالندم لما فعلته معها، والندم الشديد لأنها المتسببة فيما يحدث الآن، دلالها الزائد هو مَن أفسد حسن وجعله بتلك القسوة التي طالتها هي أولًا ثم شقيقه من بعدها، كاد الندم أن يمزق روحها ولكنها لم تستطع البوح به، ابنها هو مَن جعلها عاجزة حتى يحصل على أموالها بعدما رفضت أن تعطيها له بالكامل وقررت أن نقسمها عليهما بالعدل، لا أحد يشعر بنيران المتأهبة بداخلها والتي تحرقها وحدها.
وصلت عهد أمام الوحدة الصحية المتواجدة خارج النجع بعدما تم نقله بطلب من الضابط، طالعها أكرم وتحدث بجدية:
- سي عمران إهنيه في المستوصف بس هما معيدخلوش حد ليه ولا حتى يجف بره.
تطلعت عهد بأمل وسارت نحو الداخل بخطوات مسرعة، قلبها لا يطيق الانتظار تود أن تطمئن عليه خاصة أنه لا أحد يعلم حالته الآن، كما طلب الضابط من الأطباء، تفاجأت بخروج الممرضة من غرفته وقد علمتها عندما رأت ضابط يقف أمام الغرفة لحمايتها، تطلعت نحو الممرضة واقترب تسألها بلهفة بعدما تهاوت عبراتها بغزارة وهي تشير نحو ذاتها بضعف:
- طمنيني عن عمران أني عهد مرته، هو بجى زين صُح.
تطلعت الممرضة أرضًا بملامح حزينة وأجابتها بتوجس:
- مجدرش أجولك حاچه عن حالته والدخول عنديه ممنوع، بس ادعيله يمكن ربنا يستچيب دعاكيّ.
تعالى نجيبها من جديد بعدما شعرت بقبضة القلق القوية وهي تعتصر قلبها، وذهبت نحو الطبيب الذي خرج للتو من الغرفة وتحدثت برجاء:
- أني مرته رايدة ادخل اتطمن عنيه وبس والله مهاخدش هبابة بس اطمن جلبي بشوفته، أحب على يدّك دخلني ليه، املي عيني من شوفته.
تركها وسار يتواصل مع الضابط ليخبره لكنه حصل على رفض قاطع، حاول الطبيب أن يتحدث بعملية:
- بس يمكن وچودها چاره يساعد في تحسين حالته.
بعدما أكد الطبيب له ذلك وافق الضابط على مضض لتدلف إليه ولكن بصحبة أحد الضباط المتواجدين معها إلى الداخل خوفًا من أن تفعل له شيء.
جلست بجانبه بعدم تصديق وانهمرت دموعها بغزارة كالنهر الجارٍ وهي ترى حالته الضعيفة وملامح وجهه الشاحبة كالأموات، أسرعت تضع يدها فوق فمها لتمنع شهقاتها من أن تدوي داخل الغرفة خوفًا من أن تزعجه، عينيها تراقب ملامحه الذابلة وفؤادها يؤلمها لرؤيته وهو بتلك الحالة، تتذكر كيف كان يقف بشموخ يتحدث مع الجميع وينقض على الظالم ببسالة لم يعهدها أحد من قبل، تتذكر حنانه معها لكنه الآن في حالة سيئة، لامست أناملها يده ببطء وضعف، وخارت قوتها تمامًا عندما رأته هي تريد حصنها المنيع لتستند عليه كما اعتادت وتتخفى من قسوة الحياة التي مزقت روحها، تحدثت بخفوت وعينيها تطالعه بنظرات شغوفة محبة:
- هتجوم يا عمران وهتبجى زين وأحسن من اللول كمان، مش عشاني لاه لچل عيون اللي هياچي عالدنيا يلاجي حضن ابوه اللي مفيش زيه، جوم يا عمران لچل خاطر عيون عهد الجلب هاتلها حجها منيهم.
صمتت لوهلة تلتقط أنفاسها المتثاقلة واسترسلت حديثها بوهن:
- طب جوم ضمني في حضنك اشتجتله جوي والله، عمران أني مليش غيرك في الدنيا كلياتها بزياداك تقيس غلاوتك في جلبي، أني مرايداش حاچه من الدنيا كلياتها غير وچودك چاري وفي حضني يا حبيب جلبي وروحيّ.
استندت برأسها فوق الفراش ودموعها لم تجف إلى الآن، رؤيتها له لم تطمئنها كما كانت تظن بل جعلتها تدرك خطورة حالته الصحية، جعلها تشعر بالقلق عليه أكثر والخوف من نيران فراقه التي ستحرق فؤادها وروحها وما تبقى منها بعد رحيله في تلك الليلة المماثلة لكابوس مزعج يدمر عقلها.
أثناء انغماسها في أفكارها ومخاوفها، لا تعلم كيف غفت وهي بجانبه، لكنها كانت تغفو بأمان بعدما نزح عن قلبها شعور الرعب مما ستلاقيه إذا نامت كما كانت في المنزل، بدا التعب والإرهاق فوق ملامح وجهها لكنها ظلت على حالتها حتى حل الصباح بنوره المشرق، ففتحت عينيها بأمل لعل ما حدث لها لم يكن واقع، لكن هناك غصة قوية سيطرت على قلبها عندما علمت أنه واقعها المرير بعدما تطلعت حولها وأدركت أين هي؟
تطلعت نحو عمران برجاء تطلب أن يستيقظ مثلها ويعود إلى وعيه، يستعيد صحته وهي معه وبجانبه، تطلعت نحو الضابط المتواجد معها وجدته كما هو بعد أن أخبره الطبيب بأهمية تركها معه وهو في تلك الحالة فالرعاية الطبية اكتملت على أكمل وجه القادم بيد الخالق الذي يبدئ ويعيد، القادر فقط على تحسين حالته الخطرة، بقيت عهد معه دون أن تشعر بالوقت الذي يمر عليها وهي بجانبه، لكنها فجأة وجدت ما صعق فؤادها وجعل حياتها بالكامل تتوقف عند تلك الموهبة التي لا تريد سواها، شعرت بحركة أنامله ببطء أسفل يدها، مصطحب لهمسه العاشق بشغف:
- عـــهـــد الــجـــلـــب...
تطلعت نحوه وتحدثت بلهفة وهي تمرر يدها فوق وجهه لتشعره بوجودها بجانبه وهي تتحدث بعشق جارف:
- روح عهد الجلب ونن عيونها التنين من چوة، أني چارك يا حبيب عيوني وجلبــ...
قبل أن تستكمل جملتها تفاجأت بصمته مرة أخرى وتثاقل أنفاسه التي شبه انعدمت كأنه كان ينتظر وجود معهودته ليودعها قبل رحيله، كما دوى الإنذار المتواجد في الأجهزة المتصلة به، فأسرع الأطباء والممرضون يهرعون إليه وهي ابتعدت إلى الخلف وعادت دمعاتها تهبط بغزارة، لكن أقتربت أحد الممرضات وأجبرتها على الخروج كما قال الطبيب، فشعرت أن قدميها لم تعد تتحملها بعدما توقف نبضاتها، سقطت أرضًا وتعالت صرخاتها العويلة بقهر تشق الجدران، لكنها راضية يا الله بقضائك يكفي أنها استطاعت أن تودعه كما كانت تتمنى..لكن الحزن والقهر يستحوذ على ملامح وجهها الشاحبة، التي تقاوم إلى الآن جميع الآمها..
-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق