رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والاربعون 47 الجزء الثاني بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والاربعون 47 الجزء الثاني بقلم سيلا وليد
القسم الثاني من الفصل 47
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
عَشِقْتُكِ والحُبُّ يَصرُخُ فيَّ
ويَنبُضُ قلبِي سِوى لَحظَتَيكِ."
وأنا إن أحببتُ، أحبُّ كأنّي سأموتُ.
وأنا إن أحببتُ، أحبُّ كأنّي سأحيا!"
بعد عدَّةِ ساعاتٍ في منزلِ أرسلان،
جلست بجوارِ صغيرها تلاطفهُ بعد وصلةٍ طويلةٍ من البكاء.
همست وهي ترفعهُ بين ذراعيها وتهدهدهُ بحنو:
ــ "إيه ياحبيب مامي، مالك؟ إحنا لازم نتعرَّف على بعض...أنا مش عايزة حد يربِّيك غيري."
بدأت تملِّسُ على خصلاتهِ الناعمة برقَّة، وعيناها تلمعُ بالحب:
ــ "أكيد عارف إنِّ مامي بتحبَّك أكتر من الدنيا دي كلَّها..وعايزاك تكبر وتبقى راجل أوي زي بابي...تاخد منُّه الجانب الحلو الهادي، وتسيبك من العصبية بتاعته."
تأمَّلت ملامحهِ الطفوليةِ البريئة، وانعكست سعادتها في عينيها، تحدِّثهُ وكأنَّه يفهمُ همساتِ قلبها:
ــ "كنت متأكدة إنَّك هتطلع شبهه... ماما كانت دايمًا تقول، اللي بتحبِّ جوزها أوي، ولادها بيطلعوا شبهه."
احتضنتهُ بشغف، ودفنت رأسها في حضنهِ الصغير تستنشقُ رائحتهِ الطاهرة بجنون، تهمسُ له بعشق:
ــ "وباباك مش بس حبيبي...ده روحي وحياتي وكلِّ حاجة."
خطت به نحو مهدهِ بحذرٍ وكأنَّها تحملُ كنزًا ثمينًا قابلاً للكسر، وأسندتهُ بين الأغطيةِ برقَّة، ثمَّ بدأت تهزُّهُ بلطفٍ وهي تدندنُ له بأغنيةٍ طفوليةٍ ناعمةٍ من قلبها.
يا بلالي ياقمري...نام بعيونِ السهري
نام يا بلال...نام ياقمري
عيونك الحلوة بدها السهر
يا ريحة البابا ياريحةِ الورد وياطيِّب الهوى
نام بحضني ياأغلى دوا
يانور عيوني، يازهر الليالي
نم ونوَّر الدار ياأغلى الغوالي
يا طير صغير وحلو...بعيوني تحلو الدنيا...إيييييه إييييه
نام يابلال، يا حلو الغزال
دنيايَ إنتَ، وياأغلى من المال
ظلَّت تُغرِّدُ كالعندليب، تُهدهدُ صغيرها بلحنٍ صاغتهُ من حنانِ قلبها، لم تشعر أنَّ هناك من يراقبها لدى الباب، وقلبهِ الذي يخفقُ تحت وطأةِ صوتها العذب.
اقتربَ منها، تخطو قدماهُ بحذرِ العاشق، حتى بلغَ حيثُ تجلس، انحنى فوقها كغصنٍ ثقيلٍ بثمرِ الهوى، يُطوِّقها بذراعيهِ الدافئتين..
وهمسَ في أذنها بنبرةٍ خفيضةٍ مرتجفة:
- غيران، أنا غيران حدِّ الجنون غرامي.
رفعت رأسها إليهِ ببطء، كزهرةِ عبَّادٍ نحو الشمس، والتقت عيناهما في لحظةٍ سكنت فيها الأنفاس، إلى أن همست وقد ارتسمت ابتسامةٌ طفيفةٌ على شفتيها:
- غيران من ابنك؟!..
مدَّ يده، يجمعُ خصلاتِ شعرها الناعمةِ جانبًا، ثمَّ انحنى يطبعُ قبلةً وديعةً على عنقها، فتورَّدت وجنتاها، وارتعشت أنفاسها، لتغلقَ عينيها تحت وطأةِ أنفاسهِ اللاهبة، وتحسُّ بفراشاتٍ رقيقةٍ تخفقُ داخل أحشائها...حتى استمعت إلى صوتهِ الخافتِ وهو يقطرُ دفئًا وغيرة:
- أغار حدَّ الألم وعليكي غرامي أن تجدي حل..قالها بنبرةٍ شاعريةٍ وعينيهِ تتجوَّلُ على ملامحها بعشقٍ تنطقهُ العيونُ قبل القلوب..
اشتدَّ خفقانُ قلبها حتى كادت تسمعه، وأوشكَ جسدها أن يتلاشى بين ذراعيه، فتمتمت بضعف:
- أرسلان..ابعد شوية المربيَّة تدخل وتشوفنا، كدا عيب.
ابتعدَ ببطء، وعيناهُ تملأها خيبةٌ حزينة، ثمَّ همسَ بجُرحٍ لم يقوَ على إخفائه:
- حضني بقى عيب، خلاص جالك اللي تحضنيه؟
ارتجفَ قلبها لحزنه، فنهضت أمامهِ بخفَّة، ترفعُ يديها نحو وجهه، تلمسهُ بحنانِ أمٍّ تخشى أن تكسرَ قلبَ طفلها،
همست برقَّة:
- إنتَ زعلت، أوعى تكون بتتكلِّم جد؟
أطبقَ بكفَّيهِ على وجهها وكأنَّها كنزهِ الثمين، واقترب، يسرقُ قبلةً سريعةً، كمن يرتوي من سرِّ الحياة، ثمَّ همسَ بصوتٍ أشبهُ بأنفاسِ العاشقين:
- صوتكِ هوَّ حضني، وعيناكِ دعائي، وأنتِ عمري الذي خُلِق مرَّتين...مرَّة لقلبي، ومرَّة لقلبي الآخر وهو ابني فلذةُ كبدي وأنتي أمُّه عاشقةِ الروحِ والعين..
انسابت دمعةٌ غائرةٌ تزحفُ عبرَ وجنتيها:
-عملت إيه علشان ربِّنا يرزقني بيك؟..
ابتسمَ بعذوبةٍ وجذبها إليه، يحتضنها بكلِّ ماأوتيَ من شوق.
ثمَّ أردفَ بضحكةٍ خفيفةٍ تكسرُ ثقلَ اللحظة:
- شوفي بقى إيه الحلو الِّلي عملتيه في حياتك علشان يرزقك بواحد قمر زييِّ..
لكمتهُ بخفَّة، وتعلَّقت بعنقه:
-مغرور..إنتَ المفروض تحمد ربِّنا علشان رزقك بقمر زييِّ..قهقهَ بصوتهِ الرجولي يرفعها ويدورُ بها مع ضحكاتها:
-بااااس خلاص...بلاش تحمد ربِّنا..
-إنتي قدري الحلو غرامي..بحبِّك بجنون عاشق، كعشقِ قيس لليلى ، وعنتر لعبلة، وجواد الألفي لغزالته، وراكان البنداري للولِّته..
-مين دول، أنا عارفة اللي فوق..
جذب رأسها يضعُ جبينهِ فوق جبينها يهمسُ لها بغمزة:
-دول أبطال كاتبة حكايتنا، اللي
إن شاء الله اللي هيجي بعدنا هيذكرنا..
تراقصت ضحكاتها على شفتيها، تهزُّ رأسها ثمُّ سحبت كفَّيه معها، تُشير برأسها نحو فراشِ صغيرهما الذي استسلمَ للنومِ في هدوءٍ عذب..
-طيب تعالَ يامغرم العاشقين.
بمنزلِ يزن وخاصَّةً بحديقةِ المنزل..أعدَّت كوبًا من الشاي وبعض الفطائرَ ووضعتها أمامه:
-اتفضل ياسيدي آدي الشاي والقرص..
تناولَ إحدى المعجنات، يتفحَّصُها بين أناملهِ ثمَّ غمز إليها:
-عملاها بحب يابت ولَّا بزهق؟..
جذبت المقعد وجلست، تضعُ خدَّها فوق كفِّها:
-عايز توصل لإيه ياكريم، بتلفِّ وبدور على إيه؟..
-إنتي تعرفي مكان رحيل صح؟..
اعتدلت سريعًا وابتلعت ريقها بصعوبة، تتهرَّبُ من نظراته، ولكنَّه وضع المخبوزات وسحبَ كفَّيها يضمُّها بين راحتيه:
-عايز أعرف بس إنتي تعرفي مكانها ولَّا لأ؟..
ظلَّت تنظرُ إليه بصمتٍ حتى قطع الصمتُ يهزُّ رأسه:
-مش هقول ليزن، أنا ضدّ الِّلي بيعمله.
تنفَّست بهدوء ثمَّ أردفت:
-في انجلترا، هيَّ كلِّ فترة بتكلِّمني وبتطمِّن عليَّا، إحنا قرَّبنا من بعض الفترة اللي قعدتها معايا، هيَّ مالهاش أخوات وأنا كمان ماليش أخت، ميرال أه أختنا هيَّ ورؤى بس مش عارفة أتعامل وأقرَّب منهم، بس رحيل حبِّيتها أوي، لقيت عندها اللي كنت محرومة منُّه..
رفع كفَّها ولثمهُ ثمَّ مرَّر أناملهِ عليها بحنان:
-أنا أبوكي وأخوكي وحبيبك وكلِّ حاجة، بلاش نظرة الحزنِ دي، بتقهرني..
لمعت عيناها بالسعادةِ قائلة:
-بتحبِّني أوي ياكريم؟..ولَّا عايز واحدة تكون مناسبة ومحترمة وخلاص.
ذُهلَ من حديثها ممَّا جعلهُ يتراجعُ بجسدهِ وعيناهُ تخترقُ جلوسها ثمَّ سحب نفسًا وطردهُ بهدوءٍ رغم غصَّتهِ ثمَّ قال:
-حقيقي مش حاسة بحبُّي؟!..إنتي عارفة، أنا بحبِّك من زمان أوي..
بجدِّ ياكريم..يعني مش علشان مناسبة وأختِ صاحبك؟!
نهض فجأةً من مكانه، عيناهُ مليئةً بالحزنِ الذي لا يستطيع إخفاءه، مدَّ يدهِ إليها، جذبها برفق، ليوقفها أمامه..
توقَّفت، وقلبها ينبضُ سريعًا، وعيونها تغرقُ بالدموعِ التي لم تستطع أن تمنعها..اقتربَ دون أن ينبسَّ بكلمة، واحتوى وجهها بين يديه،
وقال بصوتٍ ضعيف، مليء بالعاطفة:
ــ وحياة ربِّنا، بحبِّك..ومن زمان أوي.
أصابتها رعشةً طفيفةً بجسدها، وتابع بصوتٍ متقطِّع، عميق، تخرجُ من قلبه:
ــ إيه اللي يخلِّي الواحد يستنَّى خمس سنين؟! لو كنت عايز واحدة مناسبة، كان عندنا بنات كتير في العيلة، محترمين وحلوين..
اقتربَ خطوةً أخرى، حتى اختلطت أنفاسهما، و همسَ بصوتٍ مليءٍ بالهيام:
ــ لكن قلبي..قلبي اختارك إنتي،
نظرة واحدة من عينيكي قادرة تخلِّيني أسعد راجل في الدنيا.
جذبها إلى أحضانهِ وطوَّقها بقوَّةٍ تحت حنانِ ذراعيه...
وآه، كيف يمكن للكلمات أن تصفَ مدى الحب في تلك اللحظة؟
قال بصوتٍ يكادُ يختنقُ بالعشق:
ــ مش مصدَّق...مش مصدَّق إنِّك بقيتي مراتي، في حضني.
تراجعت فجأة، وكأنَّ صدمةَ كلماتهِ أصابتها، فهمست بخوف، عيناها ترفرفان:
ــ كريم! إنتَ اتجنِّنت؟! بتعمل إيه؟
نظر إليها بنظرةٍ حادَّة، لكنَّه كان يختنقُ من الداخل..وقال بحزم، وكأنَّ كلماتهِ تعكسُ نارًا مشتعلةً داخله:
ــ نعم، بعمل إيه؟!
ثمَّ أضاف بنبرةٍ تشوبها مرارةٌ عميقة:
ــ نسيتي إنِّك دلوقتي مراتي؟! من حقِّي أكون معاكي، من حقِّي أعيش معاكي كلِّ لحظة...دا حضن بريء!
ضحك بحزن، وقال في نفسه:
ــ لكن فصلانك طالعة لأخوكي، ضيَّعتي اللحظة..يخربيتك.
قاطعهما صوتُ معاذ وهو ينادي:
ــ إيمان، كلِّمي مها، عايزاكي.
تقدَّمت إليهم مها، ثمَّ قالت بابتسامةٍ متكلِّفة:
ــ عاملين إيه؟ مبروك...آسفة، ماقدرتش أحضر كتب الكتاب...كنت بشتري جهازي، عقبالك ياإيمان.
ــ متشكِّرة يامها...
أجابت إيمان، أخرجتها من حلقها بصعوبة، وهي تداري الحزنَ الذي يكادُ يخرجُ منها...
تتلفَّت مها، وكأنَّها تبحثُ عن شيءٍ مفقود، ثمَّ تساءلت:
ــ هوَّ يزن مش هنا؟
رفعت إيمان حاجبها بتعجُّبٍ وقالت بنبرةٍ حادَّة:
ــ بتسألي ليه؟ الفرح بتاعك الأسبوع الجاي مش كده؟
ثمَّ أكملت بنبرةٍ قاسية:
ــ على العموم، يزن مش هنا...راح لمراته.
تجمَّدت مها، واتَّسعت عيناها في صدمةٍ لم تستطع إخفاءها، ثمَّ همست بهلع:
ــ مراته؟!
ثمَّ تمتمت بصوتٍ خافت، وكأنَّ الكلماتَ تعجزُ عن الخروج:
ــ مش طلَّقها؟
غضبَ كريم وانفجرَ فجأة، بعدما فقد السيطرةَ على نفسهِ واتَّقدت عيناه:
ــ عايزة إيه يا مها؟!
حاولت التماسك، وبكت بحرقة، قائلةً بصوتٍ مكسور:
ــ كريم...أنا لسه بحبُّه.
ثمَّ أضافت، وكأنَّها تخرجُ من أعماقِ قلبها:
ــ واللهِ لو قال لي سيبي كلِّ حاجة وتعالي، هسيبها...حتى لو وافق نتجوِّز، هوافق فورًا.
ابتعدت إيمان قليلًا و نظرت إليها بحزم، وسحبت المقعدَ بعنف، ثمَّ جلست عليه بحدَّة..و قالت بصرامة:
ــ كفاية..
ثمَّ نظرت إلى مها بعينينِ قويتين:
ــ كفاية تقلِّلي من نفسك...روحي وكمِّلي حياتك بعيد عن أخويا..
عند يزن، اليوم التالي..
وصل إلى العنوانِ الذي أخذهُ من إلياس..
وقف أمام البوابةِ الكبيرة، شعورٌ مقيتٌ يلتفُّ حول قلبه، ضغطَ على الجرسِ وكأنَّ يديهِ لا تحملُ أيَّ قوة..دقَّاتٌ فقط، لا يشعرُ سوى بها..
أخيرًا، فُتح الباب بصوتٍ مرتفع، وظهرت الخادمة، نظرت إليه بنظرةٍ متسائلة، وقالت بصوتٍ حذر:
ــ من تريد؟
دخل يزن بخطواتٍ ثقيلة، وفي كلِّ خطوةٍ قلبهِ يلهثُ داخلَ صدره، وعيناهُ تملؤها مشاعرَ متناقضة: الخوف، التردُّد، الاشتياق، اتَّجه إلى الخادمة التي تساءلت مرَّةً أخرى..
ردَّ بصوتٍ منخفضٍ لكنَّه حازم، يشعرُ بأنَّ الكلماتِ تخرجُ بصعوبة:
ــ عايز مدام رحيل.
قاطعهم صوتُ رحيل:
ــ مين ياكاتيا؟
قالتها بعدما خرجت من الداخل، ويديها تمسكُ بكوبِ القهوة، لكن حينما وقعت عيناهُ عليها، كأنَّ الزمنَ توقَّف، وانكسرت كلَّ الحواجز بينهما.
تحرَّكت بخطواتٍ بطيئة، وعيونها لا تفارقُ يزن، وكأنَّها تريدُ أن تقنعَ نفسها أنَّه ليس بكابوس، اقتربَ خطوةً يحتضنها بعينيهِ يريدُ أن يجذبها لأحضانهِ حتى يذيبَ ضلوعها بين ذراعيه، توقَّفت بعدما تأكَّدت أنَّه حقيقةً وليس حلمًا..في تلك اللحظة توقَّف كلَّ شيءٍ وتلاشى من حولهما..
هزَّةٌ عنيفةٌ أصابت جسدها، وشعرت بأنَّ الأرضَ تدورُ بها وفقدت القدرةَ على كبحِ دموعها، وشعرت بدقَّاتِ قلبها تتسارع...حتى تلعثمت في كلماتها، وكأنَّها تكاد تفيقُ من كابوسها:
ــ يز...زن؟
قالتها بهمسٍ خرج بصعوبة، كأنَّها تقاومُ الحقيقةَ التي كانت تتمنَّى أن
لا تكون.
وكأنَّ كل شيءٍ حولها يختفي، وتكتشفُ فجأةً أنَّ الشخصَ الذي كان جزءًا من حياتها، قد عاد ليحطِّمُ كلَّ شيءٍ قد حاولت بنائهِ بعده.
تسارعت أنفاسها وهو يقتربُ منها، وقلبها أصبحَ مضخَّةً تهدِّدُ بالانفجار، بعدما بدأت تلمحُ خيوطَ الماضي تعودُ في ذهنها..تلك الأيام بل الليلة التي شعرت فيها بأنَّهُ حياتها، لتتحوَّلَ إلى عاصفةٍ اقتلعت حياتها دون جدوى..
تراجعت ورعشةٌ قويةٌ بعدما استمعت إلى صوته:
-رحيل..
-ابعد..صرخت بها وهي تحاولُ السيطرةَ على رعشةِ جسدها وكبحِ دموعها.
أخذَ نفسًا عميقًا، وعينيهِ مليئةً بالألم، لا يمكنهُ أن يخفي ما يشعرُ به، من نفورها ولا يمكنه أن يظلَّ ساكنًا...ضغط على كبرياءِ رجولتهِ وتقدَّمَ خطوةً نحوها، وكلَّ خطوةٍ كانت كالسهمِ الذي يُطلَقُ في قلبه...من نفورها ونظراتها المشمئزِّة، التي كانت تحرقُ قلبهِ قبل جسده..
همسَ بصوتٍ مرتجف:
ــ رحيل...
تراجعت خطوةَ للوراء، تحاولُ الهروبَ من مشاعرها التي بدأت تنفجرُ في داخلها..وتضعفُ وكأنَّها ترى شخصًا آخر، شخصًا لم تكن تستطيعُ أن تصدِّقَ أن يعود إليها بهذه الطريقة..
تحدَّثت بصوتٍ مكسور، وكأنَّ الكلماتَ تخرجُ من فمها بصعوبةٍ شديدة:
ــ عايز إيه، إيه اللي جابك؟!..
قالتها وهي تقاومُ دموعها
ولكنَّه اقترب، بقلبٍ ينتفضُ بالألم، يشعرُ أنَّ الأرضَ ستبتلعه، من شدَّةِ ثقلِ خطواته..قال بصوتٍ منخفض، حزين، مليء بالندم:
ــ لازم نتكلِّم.
لحظةُ صمتٍ طويلة..تئنُّ بما تشعرُ به الصدور، و كأنَّ الجدرانَ نفسها تشعرُ بوجعِ قلوبهم..
-رحيل لازم نتكلِّم لو سمحتي.
ولكنَّها لم ترَ سوى ذلك الرجلِ الذي قام بخيانتها والغدرِ بها، فتراجعت خطوةً أخرى، بعدما شعرت بأنَّ مشاعرها تتأرجحُ بين الرغبةِ في الهروبِ والتمسُّكِ بما تبقَّى من شظايا قلبها:
ــ كفاية...مش عايزة أسمع منَّك حاجة، أنا بعدت عنَّك، جاي ورايا ليه؟.
نظر إليها بعينيهِ المليئةِ بالذنب، وقال بصوتٍ يكادُ يختنق:
ــ أنا عارف...عارف إنِّي جرحتك بس .
حاولت التماسك، فهزَّت رأسها بحزنٍ عميق:
ــ مفيش بينا كلام ..كفاية بقى جاي في خداع جديد، ولَّا الباشمهندس معرفشِ ياخد حقُّه فقال أشوف الحيطة الواطية..
ثمَّ أضافت بنبرةٍ شديدةِ الحزن:
ــ روح، يزن، روح وكمِّل حياتك بعيد عنِّي..أنا رسمت حياتي وإنتَ كمان ارسم حياتك.
-رحيل لازم نتكلِّم.
اقتربت منه وثارت جيوشُ غضبها:
-نتكلِّم!..هنتكلِّم في إيه ياباشمهندس؟..
إنتَ ضحكت عليَّا ولَّا..خدعتني ولَّا ولَّا..
اقتربت تدفعهُ بقوَّة:
-أنا بكرهك..بكرهك، مش عايزة أشوفك قدَّامي، امشي اطلع برَّة، برررررة..
خرجت والدتها على صرخاتها:
-رحيل..هتفت بها بخوفٍ بعدما وجدتهُ واقفًا أمامها، اقتربت منه تتطلَّعُ إليهِ بذهول:
-إنتَ!!..
بمنزلِ إلياس..
أنهت زينتها وحملت حقيبتها متَّجهةً للخارج، قابلتها المربية:
-هنبات في الفيلا يامدام ولَّا هنرجع، علشان أعمل حسابي.
انحنت تحملُ طفلها تقبِّله:
-يوسف روح نادي خالتو علشان نمشي، ثمَّ رفعت عينيها للمربية:
-هنبات هناك علشان إلياس مش هيرجع الليلة.
-تمام يامدام..قالتها وانسحبت إلى داخلِ الغرفة تحملُ هاتفها وقامت الاتصالَ على شخصٍ ما.
وصلت إلى سيارتها، وضعت ابنها بمكانهِ وأشارت إلى السائق:
-خلِّي منال المربية ورؤى معاك، وأنا هتحرَّك بعربيتي.
-بس أستاذة رؤى مش موجودة يامدام خرجت من ساعة تقريبًا.
-خرجت!..تمتمت بها بذهول، ثمَّ نظرت إليه:
-إزاي تخرج من غير ماأعرف، هوَّ البيه مش منع خروجها؟..
-واللهِ يامدام حاولت أمنعها بس هيَّ رفضت وقالت رايحة للباشمهندس.
-الباشمهندس مش هنا ياغبي..قالتها ورفعت هاتفها محاولةً مهاتفها ولكن لايوجد رد.
زفرت بغضبٍ تنظرُ حولها بضياع:
-رحتي فين ياغبية؟..مرة واثنتان محاولةً الوصولِ إليها ولكنَّ الهاتف مغلق، قامت بمهاتفةِ إيلين وسألت عليها..
صعدت إلى سيارتها وأردفت:
-خلِّي الأمن يجهز، هنروح عند الباشمهندس..قالتها وقامت بتشغيلِ سيارتها وتحرَّكت متَّجهةً إلى فيلا السيوفي..وصلت بعد قليل، دلفت للداخلِ تبحثُ عن فريدة..
-ماما فريدة فين؟..ردَّت الخادمة:
-خرجت من نصِّ ساعة، راحت لزين باشا..أشارت إلى المربية:
-طلَّعي يوسف أوضته، وخلِّي بالك منُّه.
تحرَّكت إلى الخارج ومازالت تحاولُ أن تصلَ اليها، قاطعها رنينُ هاتفها:
-وصلتي للفيلا ولَّا لسة؟.
-لسة واصلة من شوية، بس الأستاذة رؤى معرفشِ راحت فين، فونها مقفول.
-طيب اهدي، أنا هتصرَّف.
-إلياس، تليفونها مقفول، والغبية عندها جلسة، أنا خايفة عليها ممكن تعمل في نفسها حاجة.
-ميرو، اهدي قولت لك أنا هتصرَّف.
-إلياس علشان خاطري حاول توصلَّها، أنا ماصدَّقت إنَّها وافقت على العلاج، هروح اشوفها عند يزن
-حبيبي اهدي قولت لك هتصرَّف، خلِّي بالك من نفسك ومن يوسف، ومتخرجيش، أنا عندي اجتماع هغيب ساعة على الأقل..متقلقيش لو معرفتش أرد عليكي، دا اجتماع مهمّ وناس مهمَّة موجودة، ولازم أكون يقظ تمام..أنا هكلِّم أرسلان وهوَّ هيتصرَّف..
-تمام حبيبي، خلِّي بالك من نفسك
لا اله الا الله..قالتها وأغلقت الهاتف ثمَّ هوت على المقعدِ تنظر إلى هاتفها علَّها تهاتفها...دقائقَ مرَّت عليها شعرت بأنَّها دهرًا مع اتِّصالِ الطبيبة التي بانتظارهم لعملِ جلسةٍ كيماوية، ولكن اعتذرت ميرال:
-آسفة يادكتور، ظرف طارئ ممكن نتأخَّر ساعة؟..قالتها على أملِ تصلُ إليها ..أغلقت معها وإذ يعلو رنينُ هاتفها مرَّةً أخرى:
-رؤى معايا..وتعبت ونقلتها المستشفى، اللي بتتعالج فيها
-مين معايا؟..
-أخوكي ياأستاذة، المفروض متنسيش صوتي..
هنا ارتفعت أنفاسها وشعرت بأنَّ الأرضَ تُسحبُ من تحتِ أقدامها...لحظات صامتة بأنفاس مرتفعة، وذكريات الماضي تصفعها بجبروت من ذاك عديم الاخلاق
تحرَّكت بخطواتٍ مسرعةٍ إلى سيارتها، وأشارت إلى رجلِ الأمنِ قائلةً بحزم: هنخرج.
لم تمضِ سوى دقائق، حتى وصلت إلى المشفى حيث تُحتجزُ أختها، هرولت للداخل، تتسابقُ أنفاسها مع دقَّاتِ قلبها اللاهثة...دخلت الغرفة، وقعت عيناها عليها وجدتها نائمة فوق الفراشِ الأبيض، بينما يجلسُ هو بجوارها، يراقبها بصمتٍ ثقيل.
اشتعلَ الغضبُ في عروقها، واقتربت منه تصرخُ بجنون:
ــ إنتَ بتعمل إيه هنا؟! إزاي تقرَّب منها؟! عملت فيها إيه ياحيوان؟!
اعتدلَ في جلسته، وعيناهُ تلتهمُ ملامحها بشغفٍ غريب؛ تشبهُ "رانيا"، كأنَّ الزمنَ يعيد نفسهِ أمامهُ بطريقةٍ مؤلمة، وكأنَّ تلك المرأة التي ربَّته أمامه..
ظلَّ صامتًا، يحاوطها بنظراته، حتى فاضَ بها الغضبُ ودفعتهُ بيديها الغاضبتين:
ــ إحنا مالناش إخوات، سمعتني؟! ابعد عنِّنا ياحيوان.
اقتربت منهُ أكثر، أسنانها تصطكُّ من شدَّةِ الغيظ، وعيناها تقذفُ شررًا قائلةً بنبرةٍ غاضبة:
ــ إحنا مش معترفين بدمِّ أبوك الفاسد...الخاين...وإنتَ زيُّه.
أشارت إلى الباب بأمرٍ قاطع:
ــ اطلع برَّه، ولو قرَّبت منها تاني، مش هاتردَّد إنِّي أموِّتك.
صرخت في وجههِ بعنفٍ: برررررررة.
هزَّ رأسهِ ببطء، وخرج صوتهِ مبحوحًا: ــ همشي ياميرال...بس صدَّقيني، إحنا هنتقابل تاني...مكنتشِ نيِّتي وحشة، كنت بس...بحاول أقرَّب منكم.
قاطعتهُ بصراخٍ مكتومٍ بالمرارة:
- براااااا ياحيوان..
اندفع رجلُ الأمنِ إلى الداخل، بعدما استمعَ إلى صراخها، وجذبَ طارق من ذراعهِ بقسوة، يستعدُّ لطرده.
تقدَّمت إليه ميرال وأشارت بحدَّة:
ــ خده، ارميه عند راجح..وقولُّه ميرال السيوفي بتحذَّرك..لو قرَّبت من حد من عيلتها، محدش هيقتله غيري
ظلَّ طارق مأخوذًا بقوَّةِ شخصيتها ينظرُ إليها بدهشة؛ هل هذه هي الفتاة الضعيفة التي اختطفها قبل عام؟ من أين استمدَّت هذه الشراسة؟
استسلمَ ليدِ الأمنِ تسحبهُ بعيدًا، بينما عيناهُ لم تفارقها حتى ابتعدَ عن الغرفة.
تحرَّكت ميرال صوبَ أختها الغارقة في غيبوبتها، وجثت على ركبتيها بجوارها،
رفعت أناملها المرتجفة، وأعادت خصلاتها المتمرِّدة عن وجهها الشاحب..
فلقد اكتشفت مرضها حينما أجرت تحليلًا لتتبرَّع بكليتها إلى إلياس وأخبرها الطبيب أنَّ دماءها تحملُ المرض، تولَّى يزن علاجها عن طريقِ تغييرِ دمائها إلى أن تتم عمليةِ النخاعِ الشوكي، قامت باستدعاءِ الطبيبة على الفور.
وصلت الطبيبةُ وقامت بفحصها بعناية، ثمَّ نطقت بصوتٍ مطمئن:
ــ شوية وهتفوق إن شاء الله...بس لازم تلتزم بكورس العلاج قبل عملية النخاع الشوكي.
استمعت ميرال إلى كلماتِ الطبيبة بتركيز، لكن عينيها ظلّّت متشبثتينِ بوجهِ أختها النائم.
عند إلياس..
ارتفعَ رنينُ هاتفهِ الخاص، وقام رجلُ الأمن بقصِّ له ماصار، لا يعلم كيف خرج من القاعةِ التي يوجدُ بها المؤتمر
وقاد سيارتهِ بسرعةٍ جنونية، حتى وصل إلى القاهرة في غضونِ ساعةٍ ونصف...
-أرسلان قابلني عند فيلا راجح، لازم نوجِّب معاه.
-إيه الِّلي حصل؟
-عشر دقايق وتكون قدَّام الفيلا، أنا داخل على القاهرة..قالها وأغلقَ الهاتف.
بأنجلترا
خرج يزن يتخبط بخطواته كمن أصابته لعنة، وصرخاتها تمزق سمعه كطعنات خنجر صدئ، حتى وضع كفيه على أذنيه يحاول أن يحجب ذلك العويل الذي تحول في أذنه إلى نواح الموتى لا صوت حبيبة...متذكر كلمتها الدامية:
"بكرهك..."
كلمة واحدة، لكنها سقطت فوق قلبه بأوزان الدهر كله، سحقته تحت ثقلها حتى عجز عن الوقوف.
مضى يهيم بين الطرقات، بوجه شاحب، وعيناه زائغتان كمن فقد خارطة الحياة، يترنح كجسدٍ مخمور. سار حتى أضناه التعب، فوقع على ركبتيه كطفل تاه عن أمه في صحراء موحشة، لا يسمع إلا صدى أنفاسه المتهالكة.
لم يشعر بالدموع التي انسابت على وجنتيه دون إذنٍ منه، كان يبكي كما لم يبكِ رجلٌ من قبل، جلس يعانق ركبتيه بذراعيه المرتجفتين، وأسند ذقنه عليها..يتذكر حديثها:
"أكتر إنسان كرهته في حياتي... بكرهك... وبكره نفسي... وبحتقر قلبي اللي فكر فيك حتى لو دقيقة وحدة..."
أحكم ذراعيه حول جسدها واردف:
"أنا مضحكتش عليكي... أنا حبيتك... ورب الكعبة حبيتك..."
لكنها، ردت ببرود كالجلاد، وغرست عيناها كالسهام المسمومة في قلبه:
"بس أنا بكرهك! وبكره كل حاجة تفكرني بيك!"
اقتربت وحدقت فيه بعينين تغليان غضبًا واحتقارًا، ونطقت:
"أنا مش شايفاك راجل... الراجل اللي ياخد ست كوبري لانتقامه مش راجل..."
هنا لم يشعر بنفسه، لم يدرك، لم يع إلا حينما سمع صدى اللطمة ترتد على جدران قلبه قبل أن ترتد على وجهها المسكين.
صرخت زهرة باسم ابنتها، ودفعته بجنون أم تحمي فلذة كبدها:
"اطلع برة يا واطي! يا حقير!"
هنا تلاقت عيناه المصدومتان بما فعله بعينيها الباكيتين، تضع كفيها المرتجفين، ودموعها خانت كبريائها أمامه، ورغم ضعفها، اقتربت كالإعصار، وأمسكت بتلابيبه، وغرست عينيها الملتهبتين في عينيه، ومزقته بكلمات اخترقت روحه كسكين مسموم:
-"كنت حامل منك، يا يزن... وسقطت البيبي... تعرف ليه؟!
عشان ميجيش طفل يديني وشه، ويفكرني بأقذر ليلة عشتها في حياتي!"
هوت الكلمات على رأسه كالصاعقة، فارتد عنها مذعورًا كمن لسعته نيران جهنم، أشارت إلى الباب بصوت كالرعد:
"اطلع برة بيتي... اطلع برة حياتي!
روح دورلك على لعبة جديدة تفرغ فيها قذارتك!"
خرج من غياهب ذكرياته المدمرة، يضغط على كفيه حتى انغرزت أظافره بلحمه، ثم أطلق صرخة مروعة، خرجت من قاع روحه، هزت الأرض تحت قدميه...
صرخة رجل خسر كل شيء... نفسه، حبه، وحتى صورته في عيون من أحب...
عند ايلين
دلف ادم يتطلع إلى شرودها بقلب يدمى، اقترب منها وجلس بجوارها يجذبها لأحضانه
-وبعد هالك ياايلين، هتفضلي كدا
التفتت إليه وعيناها تذرف دموعها كزخات المطر
-تفتكر ياادم كلام راجح حقيقي، يعني أنا بنت حرام...وضع كفيه على فمها
-اشش، بطلي جنان، كلنا عرفنا حقيقة الراجل دا، مستحيل كلامه يكون صح
ارتفعت شهقاتها تهز رأسها بعنف
-وهو هيكذب ليه، في حد هيكذب في حياة اتنين ميتين
-اه ياايلين لما يبقى واحد زي الراجل دا يبقى اه..كلنا عارفين اخلاق خالتو كانت ازاي، وكمان عمو جمال، لا بابا كان دايما بيحكي لنا أنه كان عارف ربنا، وبعدين دا كان بيعشق طنط فريدة هيروح يخونها مع بنت عمها انا مش مصدق
-اااااه بكت بحرقة وقلبها فجوة بركانية، علشان كدا بابا مكنش بيحبني، لكمت صدرها بقبضتها، وشهقات خلف شهقات، ليضمها إلى صدره وعقله الذي تلاعب به الشيطان يحدث حاله
-هل حقا ما قاله ذلك الشيطان، يعني كدا ايلين ممكن تكون اخت إلياس وارسلان
تنهيدة حارقة كادت أن تلتهم ضلوع صدره، بسط كفيه يمسد على خصلاتها
-حبيبتي لازم تنسي كلام الراجل دا، ايلين متنسيش انك حامل
لم ترد عليها، علم أنها غفت بأحضانه فقام بوضعها بهدوء على الفراش..ثم سحب هاتفه وتوجه للخارج ..رفع هاتفه وقام بمهاتفة أحدهم
-عايز اقابلك ضروري
بفيلا راجح
وصل إلياس بسيارته المصفحة، اخترق البوابة ومرّ عبر حديقة الفيلا. ترجل بسرعة، مشهّرًا سلاحه في وجه الأمن المحيط بالفيلا:
"ممكن أموتكم كلكم، أنا ماليش حساب معاكم... جاي للي مشغلكم."
قالها مع وصول أرسلان برفقة اثنين من رجاله. ترجّلوا جميعًا، وأشار أرسلان للأمن:
"جمّعوا العيال. ابعد يا إنت وهو!"
تحرك إلياس بخطواته الواسعة التي تلتهم الأرض، وأطلق رصاصة على باب الفيلا الداخلي، ففتح الباب بخروج راجح من مكتبه:
"إيه في إيه؟!"
أشار إلياس لرجل من الأمن:
"جرّوه ع العربية، وشوفوا الواد الصايع التاني فين."
صرخ راجح:
"إنت اتجننت يالا؟!"
رد عليه إلياس بصرامة:
"اخرس! متنساش إنك واقف قدام ضابط في مهمة رسمية! خدوه."
قال راجح بتحذير:
"إلياس، متعملش كده... هتفتح على نفسك أبواب جهنم."
صرخ إلياس مرة أخرى:
"خدوه من وشي!"
صعد إلى الغرف يبحث عن طارق.
وصل رجال الأمن:
"مفيش حد يا فندم."
سأل أرسلان:
"ممكن أعرف إيه اللي حصل لكل ده؟"
رد إلياس:
"عياره فلت وخلاص... جبت آخري، يتحاكم بقى. عمك هيوصل لرانيا، متأكد من ده، فلازم نتحرك. إنت دور على الخزنة بتاعة الراجل ده، عايز أعرف كل بلاويه، قبل ما إسحاق يشم خبر. طول ما إنت هنا، محدش يقرب، فهمتني؟"
"تمام... بس ليه متأكد إننا هنلاقي حاجة هنا؟"
التفت إليه إلياس مؤكدًا:
"لإن الفيلا دي الوحيدة اللي بيلجأ لها بعد بلاويه. وبعدين، متزعلش لما حرقتله فيلته التانية. هنا كان عطوة بيقابل رانيا، وراجح كان عارف... يعني هتلاقي ديسكات كمان، فهمت؟"
"ده أنا متأكد منه... زي ما أنا متأكد إنك بتلعب بيا، صح؟"
ابتسم إلياس بحدة:
"برافو عليك... إنت نقطة ضعف إسحاق. أنا مش بلومه، بالعكس... ده شغله وأنا بحترمه."
بعد فترة، وصل إلياس إلى منزل والده يبحث عن زوجته بعدما علم بعودتها مع رؤى.
سأل الخادمة:
"مدام ميرال فين؟"
أشارت الخادمة للأعلى:
"في أوضتها يا باشا."
صعد الدرج مسرعًا، ودقات قلبه تقرع بصدره كالمطرقة كلما تذكر أنها كانت بين يدي ذلك المختل، دفع الباب بقوة، يبحث عنها بكل أركان المكان كطفل فقد والدته.
دلف لغرفة مكتبه، وجدها تجلس بغرفة المكتب، منحنية على جهازها، غارقة في عملها.
توقف، يلتقط أنفاسه الهائجة، واقترب منها بخطوات بطيئة رغم الغليان الذي يعصف بضلوعه.
رفعت عينيها نحوه، وتصادمت نظراتهما بحوار صامت، طويل، أفقدها صلابتها، فنهضت متجهة إليه، وعيناها تنطق مالم يستطع لسانها عن نطقه، اقتربت أكثر، طوقت عنقه بذراعيها، ودفنت رأسها بصدره المرتجف.
همست بصوت مبحوح مرتعش:
ـ خوفت عليها يا إلياس... خوفت يعمل فيها زي ما عمل فيا...
ارتجف جسده لهول كلماتها، وشبت النيران بدواخله، ورغم ذلك ظل جامدًا، عاجزًا عن الحراك.
رفعت رأسها، وضمت وجهه بين راحتيها، تقبله بعينين تملؤهما الدموع.
ـ عارفة إني غلطت لما خرجت برغم تحذيرك... بس هي مريضة ومقدرتش أتحمل يحصل لها مكروه... سامحني...
قالتها بنبرة شجن يشوبها الوجع، وانسابت دموعها تبلل وجنتيها وتعتصر قلبه...فلم يجد سوى أن يحتضنها، يذيب ضلوعها بين ذراعيه، بينما هي تمسحت به كقطة تائهة تبحث عن أمانها...ثم همست بخفوت مرتجف علها تصهر غضبه، تعلم أنه لن يغفر لها:
ـ رفعت عيناها الباكية، وهمست بخفوت
-حبيبي... وحشتني... وحشتني أوي أوي... خدني في حضنك ياالياس، حاسة اني عريانة وبردانة وقت مابتبعد عني
هنا انهار كل شيء... ليسحقها بدفء أحضانه الممتلئة بحبها، بل عشقها، يمرر أناملها على ظهرها وكأنه يعد فقراتها، واااه خافتة حارقة كبركان يغلي بداخله من كلماته، ود لو حطم كل ما يحزنها...همست اسمه بصوتها الباكي
-متزعلش مني، وتعاقبني ببعدك، هموت ..هنا فاق احتمال صموده واحتمال كل شيئ، ولم يتبق سوى صوت قلبين ينبضان معًا، لا يسمع سواهما في هذا العالم.
بعد عدة ساعات
ضربت الشمس عينيه فاستفاق، يبحث عنها، وما تزال جفونه مثقلة بالنعاس، شعر بثقل فوق صدره، فاستيقظ قلبه حين أحس بأنها وردته وزهرة حياته نائمة إلى جواره، تدفن رأسها بعنقه، وكفيها الرقيقان فوق صدره، نظر إليها كأنها حلم لا يريد أن يوقظه
ابتسم، وامتدت يده بتثاقل نحو جهاز التحكم ليغلق الستائر، علّه يسرق مزيدًا من الوقت معها، في هذا العالم الصغير الذي لا يسكنه سواهما...ثم عاد ينظر إليها...كأنها المرة الأولى..كأنها المرة الألف التي يقع في غرامها من جديد...تذكر حديثها قبل معركة عشقهما ليشعر بقبضة تعتصر صدره، فأقسم بداخله أن يذيق كل من يقترب منها نيران غضبه
رفع خصلات شعرها التي انسدلت فوق وجهها بأنامل كريشة مبدع، ومررها خلف أذنها برقة، ثم اقترب...وداعب طرف شفتيها بأنامله، كأنه يوقظ وردة من سباتها، وهمس بصوت ناعم، صوت عاشق لم يشبع بعد:
"بس بقى...ايه ناوية تفضلي نايمة لحد إمتى؟"
اقترب أكثر، حتى لامست أنفاسه بشرتها، وهمس عند أذنها همسًا لم يكن بالكلمات، بل بنبضات قلبه:
"صباح العشق... صباحك سمو الملكة."
رفّت جفونها ببطء، وكأنها تحاول أن تُميّز بين الحلم والحقيقة، حتى فُتحت عيناها أخيرًا، ورمشت ببطء، وهمست بصوت ناعس:
-"ملكة؟"
ضحك، ضحكة عاشق يعرف تمامًا مكانته في قلبها، ثم أمسك وجهها بين كفيه يحتضنه ككنزًا لا يُقدّر، وقال بنبرة تفيض بالحب:
"أحسن ملكة كمان... ملكة ومالكة قلبي."
اقتربت منه ورفعت نفسها إليه، حتى لامس أنفُه أنفَها، وهمست وهي تمرر أصابعها على صدره، كأنها تتأمل دقّات قلبه بأطرافها:
"إنت بقى... مش ملك، ولا حتى سلطان."
توقّف الزمن في عينيه لحظة، قبل أن تسحب رأسه نحوها وتهمس بشوق لا يحتمل:
"إنت النبض اللي بيخلي الجسد فيه روح... إنت الحياة اللي من غيرك تنطفي."
قالتها و دفنت رأسها في عنقه، تستنشق رائحته، لتملأ رئتيها، ثم . همست بصوت ممزوج بالبكاء:
"إنت عشقي المستحيل... وتاعب قلبي ..."
فهم ما تعنيه ..انحنى يقتطف زهرة من رحيق شفتيها، بل ينثر عشقه الطاغي المغلف بالكبرياء، رفعت ذراعيها وطوقت عنقه
-آسفة متزعلش مني، مشيت ورا عقلي، وقولت قلبي هيفهمني، رفعت رأسها ولثمت وجنتيه تمرر أناملها عليها
-لسة زعلان ..مقدرش على زعلك
أغمض عينيه، فيكفي ماشعر به في تلك الساعات، يكفي انها بين يديه، ارتفعت أنفاسها من صمته، ظنا أنه لم يسامحها، ولكنه اقترب واستنشقها كما لو كانت هواءه الوحيد...كأن هذه اللحظة كُتبت لهما وحدهما، خارج الزمن، خارج العالم، حيث لا شيء إلاهما، وقلبان ينبضان بنداءٍ واحد:
"أحبك... حدّ المعجزة."
دفنت وجهها بصدره ليطوقها متنهدا، ماذا فعلت به لتكون نقطة ضعفه
قاطعهم طرقات على باب غرفتهم
-في ايه ..صاح بها مع ضحكاتها وهي تدفن رأسها بصدرها..ردت الخادمة
-مصطفى باشا عايزك حالا يابيه
-تمام ..انزلي وانا جاي
اعتدلت تطالعه بريبة
-ليه عمو عايزك، فيه حاجة حصلت
نهض من فوق السرير متجهًا إلى الحمام وهو يقول
-البسي هدومك وشوفي يوسف، نزليه على الفطار، بعد كدا لازم ياكل معانا، لازم يتعلم يكون معانا دايما
جذبت روبها وارتدته متحركة خلفه:
-إلياس ماجاوبتش عليا، ايه اللي حصل
استدار يشير إليها
-ميرال انا مبحبش اعيد كلامي، ياله حبيبتي، شوفي الولد، واجهزي علشان تنزلي ..ايه مش عايزة ترجعي شغلك
-بجد ..!! قالتها وهرولت إليه كالطفلة تعانقه
اومأ مبتسمًا يشير إليها
-كدا مصطفى السيوفي هيهجم علينا في الاوضة..
بعد فترة هبط للأسفل مع اقتراب والده، و صدى صوته وهو يصرخ:
"إيه اللي انت عملته ده؟! انت عايز تقرّب موتك يا ابني؟!"
رد عليه إلياس بثقة:
"بابا، واحد بيدعم خلايا إرهابية، ولقينا في بيته ما يدل على كده. إيه حضرتك نسيت إني ضابط وبشوف شغلي؟"
صرخ مصطفى:
"انت كده بتكتب شهادة وفاتك يا غبي!"
"وأنا راضي... بدل ما أعمل الصح!"
تدخلت فريدة، بقلب ينتفض ألمًا:
"إحنا مش بنصعب عليك... هو أنا حرام عليا أتهنى بيكم شوية؟! ليه الوجع والألم مكتوبين على فريدة بس!"
استدار إليها إلياس بعينين دامعتين:
"وحقك، وحق أبويا، وحق أخويا، وحق الكذبة اللي عشناها... مستقبلنا اللي بقى على الريح... حياة مراتي، ابني لما يكبر ويعرف إن جده كان إرهابي... إيه يا ماما؟ نسيتي حياتنا مع بعض كانت ازاي؟! نسيتي الراجل ده عمل فيكي إيه؟! وأنا بتعامل معاه بالقانون... بس بهدوء يا مدام فريدة.
لازم كل واحد ياخد حقه... وقبل ده كله، لازم أعرف الراجل ده ليه عمل فينا كده... وهل ليه يد في موت بابا ولا لأ.
بس هعرف بطريقتي... بطريقة إلياس السيوفي."
قاطع صوت إيلين من الخلف، بعينين مغرورقتين:
"وأنا كمان عايزة أعرف... أنا بنت مين؟
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق