رواية موسى الفصل الثامن عشر والتاسع عشر للكاتبه فريده الحلواني حصريه
رواية موسى الفصل الثامن عشر والتاسع عشر للكاتبه فريده الحلواني حصريه
رواية موسي البارت الثامن عشر بقلم فريده الحلوانى
روايه موسى
الفصل الثامن عشر
الفصل الثامن عشر
يومان مرا عليهما لم يبرح مكانه جانبها ولم يتركها إلا وقت تحضير الطعام والذي يقضيه هو ما بين جلوسه مع اطفاله ومشاكستها.. كانت تلك الأوقات هي الأروع بالنسبة له
لم يهمه ما يحدث بالأسفل رغم أن طوال الوقت تمتلئ الأركان بأصوات ما بين صراخ وسباب إلا أنه حقًا لم يهتم ولن يهتم
اشتاقها.. منذ نصف الساعة وهي مختفية داخل حجرة تحضير الطعام.. لمَ تركته كل هذا الوقت؟!
اهتم ب ولديه كما أمرته بل ولعب معهما لأول مرة فلِمَ تأخرت عليه كل هذا الوقت؟
لم يطق صبرا أكثر من ذلك.. ترك طفليه أمام إحدى حلقات الرسوم المتحركة واتجه إليها بتذمر طفل غابت عنه أمه
بينما هي كانت تضع سماعات الهاتف في أذنها وتحادث حياة التي ما زالت داخل المشفى وتقول: ربنا يعوضك يا حببتي.. منها لله, اللهِ ربنا ينتقم منها زي ما قهرتك
حياة بحزن: الحمد لله على كل حال, انا بس الي مزعلني مكنتش اعرف اني حامل والسيد يا عيني هيموت من الزعل
شهد: معلش يا غاليه.. انتو لسه متجوزين ربنا يعوضكم ان شاء الله هااااا
شهقت بخضة حينما لف ذراعه حولها فجأة وقرصها بغيظ وهو يقول: سيباني لوحدي وشغاله رغي؟
نظرت له بغيظ وردت عليها قائلة: روحي يا حياه.. شويه وهتصل اطمن عليكي تاني
أغلقت معها ثم نظرت للذي ما زال ضاما إياها بقوة وقبل أن تتحدث قبّلها بقوة حتى نسيت غضبها الواهي منه..
ابتعد ثم مثّل الحزن وقال: زعلانه عشان وحشتيني؟
نظرت له بعشق وقالت: طب بزمتك انت مصدق نفسك عشان المفروض اصدقك؟ انا هموت عليك طول الوقت اصلا
موسى: طب غيبتي عليا ليه؟ بقالك كتير سيباني
شهد: يا حبيبي انا مكملتش ساعه.. قولت اطمن على حياه وانا بعمل الاكل
موسى: اكل ايه يا صغنن؟ دي مكرونه وبطاطس محمره
ردت بغيظ: ايووه.. بدأنا بقى المعايره وشغل المتجوزين.. انت عارف اني فاشله في المطبخ.. اهدى كده وقول هديت لحد ما اتعلم وحده وحده.. محدش اتولد وفي ايده كبشه وطاسه يعني
ضحك برجولة ثم قال : لسانك ده الي مسحوب منك عايز قطعه
غمزت له بشقاوة ثم قالت بدلال وقح: مانت مقطعه طول الليل
ضحك مرة أخرى وكاد أن يقترب إلا أن هاتفها صدح باسم صديقتها وكادت ترد فمنعها قائلا: بقولك ايه السنترال الي اتفتح ده سيبك منه
شهد بمحايلة: اصبر بس دي ريمو والله ما هطول.. لازم ارد
لم تعطه الفرصة للرفض بل ضغطت على زر الهاتف سريعا وقالت: ها طمنيني؟
ريهام: مصمم يقابل ابويا وانا كلمت امي وعامله مناحه بتقولي مش وقته
أفلتها واهما إياها أنه سيتركها تتحدث كما تريد وذهب تجاه البراد وقام بفتحه ملتقطا زجاجة مياه شرب منها قليلا وهو يراقبها تعود إلى تقشير حبة البطاطس.. ترك ما بيده سريعا وعاد لها ليضمها من الخلف مرة أخرى
قلبت عيناها بتذمر وهي تسمع صديقتها باهتمام ظنا منها أنه مجرد عناق فقط ولكنه زاد من عبثه فتلعثمت وهي ترد عليها حينما سألتها ريهام: قوليلي اعمل ايه؟
شهد بصعوبة: ولا حاجه..ااا.. هتعملي ايه؟ هو مصمم يروح يبقى سيبيه يتصرف
ازداد عدم تركيزها فقالت سريعا: بصي هقفل معاكي ثواني هصحي موسى بسرعه واكلمك.. سلام
أغلقت الهاتف وقبل أن تصرخ به قال: حبيبك الي عايزك اهم.. تعالي
وفقط.. اتجه بها إلى غرفته وهو يراقب أطفاله المنشغلين في مشاهدة الكرتون.. أغلق الباب خلفه سريعا كي يبثها عشقه واشتياقه لها والذي لم تكن هي أقل منه.
**
توجه شريف إلى محل عمل العم معوض كي يطلب منه يد حبيبته الخجولة والذي عشقها منذ أن كانت في المرحلة الإعدادية.. صبر عليها وكتم عشقه داخله مكتفيا بمراقبتها من بعيد إلى أن تكبر قليلاً ويستطيع وقتها البوح لها بذلك العشق الدفين.. رفضها لمقابلته ووضعها لحدود صارمة تحجم تلك العلاقة جعلها تكبر في نظره أكثر وتمسك بها أكثر وأكثر.. وها هو اليوم قرر أن يثبت لها جديته ف العلاقة ورغبته الشديدة أن تصبح ملكاً له في إطار شرعي
وقف أمامه قائلا: السلام عليكم.. ازيك يا عم معوض؟
رد عليه السلام بامتعاض لعدم ارتياحه له ثم قال: خير يا استاذ؟ العيال عملوا حاجه ولا ايه؟
تغاضى شريف عن تلك اللهجة الجافة وقال بابتسامة بشوشة: لا بالعكس الاتنين شاطرين ما شاء الله
معوض: امال ايه الي جابك لامؤخذه؟
شريف بوجل: الصراحه انا جاي اطلب منك ايد الانسه ريهام حبيت اعرفك الاول قبل ما اجيب اهلي واجي البيت
معوض بغضب: ومين قالك انك هاتيجي البيت من اساسه؟ مالك داخل بقلب جامد كده ليه؟!
شريف بإحراج: ليه يا عمي.. حضرتك شايف اني منفعش؟ انا شاري بنتك
معوض: بنتي لسه صغيره وقدامها مشوار طويل
شريف: عارف وانا مش هعطلها ابدا.. انا كل الي طالبه خطوبه بس ووقت ما تحب نتجوز وتكمل تعليمها معايا
معوض بفظاظة: لا والله مينفعش.. انا بتي ناويه على طب مش هشغلها بخطوبه وكلام فارغ.. وبعدين انا بتي هتبقى دكتوره اديها لمدرس ازاي؟ كل واحد ياخد توبو لامؤخذه
رغم جرح كرامته إلا أنه تحمل وقال بإصرار: وانا مكرهش ابدا انها تحقق حلمها وهساعدها على قد ما ربنا يقدرني وده وعد مني
معوض: كل شيء نصيب يا استاذ.. معلش بقى اتكل على الله عشان اشوف شغلي
نظر له شريف بغضب ولكنه كتمه داخله لأجلها فقط.. تركه مغادرًا المكان سريعا حتى لا يقتله ويرتاح من غلظته
بكت بحرقة بعدما اتصل بها وقص عليها ما حدث فهدأها وقال بأمل: عشان خاطري متعيطيش.. احنا كنا متوقعين انه يرفض, انا مش هيأس هفضل وراه لحد ما يوافق
ريهام ببكاء مرير: انت متعرفش بابا يا شريف.. ادام رفض حاجه استحاله يوافق عليها.. ده غير انه زي ما قولتلك حاطط امل كبير عليا انا واخويا نبقى دكاتره مع ان انت عارف كان نفسي ادخل فنون جميله
شريف بحزن: اهدي يا حببتي احنا لسه ف اول المشوار متشغليش بالك انا نفسي طويل.. هروحله مره واتنين وعشره ولو رفض هسوق عليه طوب الارض انا مش ممكن اسيبك لغيري ابدا اطمني انا بحبك يا ريمو بحبك.
**
داخل شقة محمد كبير العائلة والذي من المفترض أن يجمعها ولكنها تفرقت على يده.. لأول مرة يجلس على طاولة الطعام دون شباب العائلة وفتياتها.. فعلاء حكم على زوجته أن تلتزم شقتها ولا تخرج منها.. السيد وحياة مازالا في المشفى.. ومَن قام بالتمرد أولًا يقبع في أحضان حبيبته وليحترق العالم حوله.
نظر إلى أخيه وزوجته وبجانبهم سمر التي جبّست ذراعها وفاطمه التي رغم حبه لها إلا أنه حقا استغرب جمود قلبها نحو ابنتها الوحيده.. وتهاني أخته التي تعبث في طبقها دون أن تمسه.. وأخيرا تلك الأم المغلوبة على أمرها.. ماجدة لم تجلس معهم بل كانت تجهز بعض الأشياء كي تأخذها معها لابنتها
محمد: تعالي يا ماجده كُليلك لقمه قبل ما تنزلي
ردت عليه بإقتضاب: هبقى اكل مع البت.. اتاخرت عليها
تهاني: حسين جاي ف السكه عشان يوصلنا.. في حاجه اعملها معاكي ولا خلصتي؟
ماجدة: خلصت وعبيت الاكل.. كمان خدتلها هدمتين عشان تغير
فاطمة: هي هتطلع امتى؟
تهاني: الدكتور قال بكره
سمر بغل وغباء: الاهي ما يوعوا يرجعوا ولا هو ولا هي.. اللهِ تتكسر رقبيهم زي ما كسر دراعي عشان خاطرها
صرخت بها ماجدة بغضب بعدما آلمها قلبها على هذا الدعاء: الاهي ما توعي تقومي من مطرحك.. ان شاء الله انتي والي يكرهها.. بتدعي على بتي يا زباله؟
لواحظ بحقد: مش هي السبب فالي اخوها عمله فيها
محمد بصياح غاضب: جرى اايه يا مرا منك ليها؟ مش مالي عنكم انا ولا ايه؟ كل واحده تحط جزمه في بوقها وتسكت
فاطمة: ما خلاص يا حاج عينهم قويت بعد ما الكبير وقف في وشك وقالك متلزمنيش
تهاني: متشعللهاش يا بطه.. سيبي كل واحد في حاله.. مش كفايه بعتي بنتك وهي بين الحيا والموت.. كمان عايزه تقومي الدنيا على راجلها الي اداها حته من جسمه وشايلها جوه حباب عنيه؟
فاطمة بغل: ولا بتي ولا اعرفها.. ادام خرجت من تحت طوعي متلزمنيش. بكره يقعدها من المدرسه وتفوا على وشي لو خلاها تكمل علام ولا يمكن ينزلها تشتغل بياعه ف اي محل.. ماهو خلاص مبقاش حيلته اللضى
محمد: حاسبي على كلامك يا بطه.. لما اموت يبقى بتك ولا غيرها يتبهدلوا من بعدي انا سايبه يجيب اخره.. كده كده راجع هو والكلاب الي حصلوه
منعم: الي اخد على العز مش هيقدر يتحمل الجوع يا حج واحنا عيالنا بيلفو الحشيش في الورقه امم متين ويحرقوها.. يبقى هيتحملوا عيشه الفقر؟ انسى.. بكره يجوا يبوسوا ايدك عشان تسامحهم.. بس المهم دلوقت هنعمل ايه في الشغل وحالنا الي واقف ده
محمد: لملي العيال بالليل هقعد معاهم وانا بنفسي هوزع لكل واحد حصته لحد ما اشوف اخرتها مع العيال دول
سمر: وانا يا عمي؟ عاجبك ابنك يرمي عليا اليمين بالتلاته وقاعد هايص معاها فوق ولا شاغل باله بينا؟ مثّلت البكاء وهي تكمل: حتى عيالي حرمني منهم شوف بقالي قد ايه مشوفتهمش.. حتى وهو محبوس الي تنشك فقلبها منعتهم عني
مثّل أبوها الحزن وهو يقول: معلش يا بت.. ربنا على المفتري.. بس اطمني عمك هيجبلك حقك ومش هيسيبك ابدا
**
كانت تجلس خلف المكتب شاردة تفكر فيما يقوله الناس عن توبه ذلك الفاجر الذي لم يترك حراما إلا فعله.. زفرت بهم وقالت: يهدي مَن يشاء.. يا رب زي ما هديته اهدي حسين.. والله ده جدع وراجل بس هو الي الدنيا وخداه, سايق عليك حبيبك النبي يا رب خليه يتوب زي اخوه.. كرهه في الحرام يا رب.. انا بحبه وريداه بس مش هقدر ادخل جوفي لقمه حرام
والذي كان من نصيبه هذا الدعاء الذي خرج من قلب عاشق له اهتزت أوصاله وهو يسمعها تبتهل إلى الخالق كي يهديه.
سؤال طرح نفسه لِمَ لا أفعل لها ما تريد؟ لِمَ لا أجرب طريقها وإن لم أستسغه سأعود أدراجي مرة أخرى.. نفض تلك الأفكار من داخله وتقدم منه بتمهل ثم طرق فوق المكتب وهو يقول بتفاخر: ولما انتي دايبه في دباديبي بتتقلي عليا لييييه؟
انتفضت ذعرا من هذا الهجوم الذي تفاجأت به وهي مندمجة فيما تقول.. نظرت له بغضب وقالت كذباً: اللهِ تتشك في ايدك دي الي وقعت قلبي
قلب عينه بملل ثم قال: شوف الكدب بقى.. نظر داخل عينيها وأكمل: طب بذمتك مش من جواكي دلوقت بتقولي بعيد الشر عنك يا حوسحوس
كادت أن تدق عنقه وهي تعيد لفظ التدليل القميء الذي قاله ثم أكملت: ولا شر ولا حر, ايه الي رماك عليا السعادي؟
حسين بعشق وجدية: وحشتيني.. وقرفااان من الدنيا بالي فيها قولت اجي اطل على حببتي
شيماء بهدوء: انت الي غاوي تعب يا حسين.. ريحني وريح نفسك يابن الناس
حسين بحيرة لأول مرة تراها عليه: مش عارف يا بت.. حالنا اتشقلب مره واحده.. كل واحد بقى مع حاله والشغل واقف ومحدش عارف يرسى علي بر
شيماء: يعني الي الناس بتقوله بجد؟
هز رأسه علامة الموافقة ثم أكمل: انا فكرت انه قال كده لما شهد كانت بتموت.. قولت يومين وهيفوق بس شكله اخد الحكايه جد, ده حتلا فصل العيشه عن باقي العيله.. قافل علي نفسه هو وهي ومعاه عياله وطلق سمر والدنيا خربت على الاخر
شيماء بحكمة: ربنا يثبته ويهديه ويهديكم معاه.. طب والله انا احترمتو وكبر في نظري.. جدع لحق نفسه قبل ما العمر يجري بيه يمكن ربنا جعل الي حصل لشهد سبب عشان يهتدي..
نظرت له برجاء ثم أكملت: مش هقولك اعمل زيه عشان التوبه لازم تكون بنيه خالصه.. بس هقولك ابعد عن الطريق ده من باب انه خطر واخرته وحشه.. صدقني لما تدوق الحلال مش هتعرف ترجع عنه ابدا.. عشان خاطري يا حسين, لو بتحبني ورايد اكون ليك ياخي حتى اعمل كده عشاني, وقتها ابويا هيوافق عليك طوالي
نظر لها بتيه ولأول مرة لا ينهرها فيما تقول بل تركها وغادر دون أن يتفوه بحرف
نظرت في إثره وابتسمت وهي تقول بأمل: هتيجي.. والله انا حاسه انها قربت يا قلب شيماء.. يااااارب
**
دائما نكون غافلين عما يدبر لنا في الخفاء واكن صدق الله إذ يقول "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"
اجتمع أهل الشر معا بعدما وصلهم خبر انفصال موسى عن عائلته وتوبته المزعومة.. الجميع كان يخافه ويعمل له ألف حساب ولكنهم الآن يعتقدون أنه أصبح لقمة سائغة لهم بعدما أصبح وحيدا دون سند!
اجتمع المعلم أدهم الذي كان يفشل دائما في التصدي لموسى من قبل مع اثنين آخرين يكنان له كل الحقد
أدهم: جه الوقت الي ناخد حقنا منه وشغلنا الي كان واقف بسببه.. معايا يا رجاله؟
إسماعيل: معاك.. بس انت جايب الثقه دي منين ان اهله هيسيبوه لو قربنا منه؟
خميس: اخواته ورجالته لسه معاه
أدهم: لا مبقاش عنده رجاله وبعدين اهل مين الي مش هيسيبوه؟ اذا كان ابوه بذات نفسه حبسه وعمل معاه الصح
إسماعيل: طب رسينا على الدور.. ناوي على ايه؟
أدهم بغل: ناوي اخد حق كل مره كسرني فيها.. ناوي اقهره على اعز ما ليه
خميس: مافيناش من دم يا معلم ادهم.. احنا ندخلوا في عوق ماشي, عركه تمام, انما دم مش تبعنا
أدهم بغيظ: ايووه ..اخص على الرجوله.. على العموم انا لسه مرتبتش ايه الي هعمله بس انا حبيت اعرف مين معايا ومين عليا عشان لما اركب انا السوق بدال عيله النجار ابقى عارف عدوي من حبيبي
رد الاثنان في نفس اللحظة: معاك يا سيد المعلمين
نظر لهم بشر ووعيد ثم قال: ....
ماذا سيحدث يا تري
سنري
رواية موسى
الفصل التاسع عشر
حينما نضع لنا هدفاً ونتوكل على الخالق تسير أمورنا بهدوء وسلاسة طالما نفعل كل ما بوسعنا من أجل تحقيقه ولكن بداخلنا يقين أن الله معنا.. وهذا ما فعله موسى طوال الشهر المنصرم والذي مر على الجميع في هدوء حذر
هو.. قام ببيع تلك الشقة التي لا يعلم بأمرها إلا شهده واهتم بذلك المتجر الذي تركه له جده دون معرفة أحد.. فقام بتجهيزه وملأه بالأثاث الحديث.. أصبح يعمل به بجد واجتهاد كأنه أحد العاملين به وليس صاحبه.. انعزل تماماً عن أهله حتى إذا كان في طريقه إلى الأعلى أو الأسفل وصادف أحدهم يمر دون حتى أن يلتفت له.. حتى إخوته لم يحتك بهم كثيراً وتركهم يتخبطون في حيرتهم لا هم قادرين على الإافصال مثله ولا أصبح باستطاعتهم العودة لذلك الطريق الذي نجاه الله منه
يعلم جيداً أنه سيأتي الوقت الحاسم ويتدخل عنوة كي يسحبهم معه بل ينقذهم من هلاك محتم.. فهو ليس أبدا بالهين ولا الغبي حتى يتركهم وحدهم.. كان يتابع كل شيء من بعيد, يرى تدهور تجارتهم بعدما علم التجار أنه أصبح خارج الدائرة, يرى ذلك الخبيث أدهم وأعوانه يتوغلون في تلك التجارة ولكن على استحياء إلى أن يتأكدوا بالفعل أن ذهابه بلا رجعة.
أما تلك الصغيرة, مَن كانت له شهده الحلو الذي أنساه طعم المرار لم يتخيل أحد أن تكون على هذا القدر من المسئولية فقد اهتمت به وبأطفاله ولم تطلب منه شيئاً قط غير الذي يأتي هو به.. بل الأكثر من ذلك أنها رفضت رفضاً قاطعاً أن تبدأ دروسها باكراً بحجة عدم قدرتها على ذلك في تلك الفترة.. اكتفت بمشاهدة المواد التعليمية من خلال شبكة الإنترنت ومراجعة المذكرات التي تأتي بها صديقتها من السنتر التعليمي.
لم يدخل بيته غير حياة وياسمين بعد أن سمح لهما بذلك.. أما أمه المسكينة فقد منعها أبوه أن تصعد له حتى لترى أحفادها.
_يلا يا حبيبي اتأخرت انهارده
هكذا قالت شهد وهي تحاول أن توقظه بعد أن جهزت له الفطور
رد عليها بخمول نابع من إرهاقه: الساعه كام؟
شهد: عشره ونص
انتفض من رقدته بفزع ثم فرك وجهه وقال: مش قايلك صحيني تمانيه؟ ليه كده؟
ردت عليه بحنو: يا حبيبي انت راجع هلكان الساعه اربعه الفجر قولت اسيبك ساعتين كمان.. جسمك لازم يرتاح
نظر لها بحنو وقال: يسلملي ابو قلب حنين
تحرك من الفراش وهو يقول: اعمليلي كوبايه قهوه دوبل على ما اخد دش افوق واصلي الصبح قبل مانزل
أشارت إلى عينيها الاثنين وهي تقول: بس كده من عنيه
ولكن بداخلها عزم ألا يغادر بيته دون أن تطعمه بيدها فهي تعلم أنه ينسى حاله ولا يأكل طيلة اليوم إلا حينما يعود في وقت متأخر.
دلف إلى غرفته وهو يجفف رأسه منتويًا ارتداء ثيابه سريعا فتفاجأ بها تضع صينيه فوقها بعض الشطائر مع كوب القهوة
نظر لها بغيظ وهو يلتقط ما جهزته له ليرتديه ثم قال: برضو كل مره بتعملي الي في دماغك يا عسل يابت انا كبرت على السندوتشات دي
ضحكت بحلاوة وقالت: بخليك تعيش طفولتك المتأخرة ..
تجهم وجهها وقالت بجدية: مفيش خروج غير لما تفطر يا زعيم.. انت بتقعد طول اليوم على لحم بطنك مفيش غير سجاير وقهوه وشاي
أنهى ما يفعله وقلبه يرقص فرحًا من هذا الدلال الذي تغدقه به
وهو خير من يستغل الموقف جيدا
جلس فوق الفراش وقال: طب اكليني علي ما اعمل كام تليفون
ضمت شفتيها بحنق ثم قالت بنفاذ صبر: من عنيا.. انت تؤمر
مثّل الحزن وقال: خلاص بلاش يا حبيبي.. شكلي تقلت عليكي
قالت: لا يا واااد صدق صدقتك!
ضحك بصخب ثم قبلها بقوة وقال: طب اعمل ايه.. الي يلاقي دلع وميدلعش ربنا يحاسبه
**
داخل منزل صغير ولكنه مريح رغم بساطته.. كانت تهتم بتنظيفه قبل أن تأتي ابنتها من المدرسة.. سمعت طرقا فوق الباب فهرولت سريعا كي ترى مَن أتى لها في ذلك الوقت المبكر!
بمجرد أن فتحت الباب تصنمت مكانها.. هل ما تراه حقيقي؟ هو بذاته يقف امام بيتها! من أين أتى بكل هذه الجرأة؟!
أما هو رغم عدم تركيزه بسبب احتسائه لبعض كؤوس الخمر وقف مبهوتا بجمالها رغم أن ما ترتديه عبارة عن بنطال يصل إلى أسفل ركبتيها فوقه تي شيرت من نفس اللون ولكن مطبوع عليه حبة رمان.. أما خصلاتها الناعمة جمعتهم خلف رأسها بإهمال مما جعل بعضهم يتدلل فوق وجهها
حينما أدرك كل تلك الفتنة التي تقف بذهول أمامه اشتعل صدره بنار لا يعلم مصدرها فدفعها بقوة إلى حد ما إلى الداخل ثم تقدم هو الآخر وأغلق الباب خلفه ثم قال بغضب: انتي ازاي تفتحي الباب بالمنظر ده؟
هنا أفاقت من صدمتها فجابهت غضبه بغضب أكبر منه وهي تقول: وانت مين سمحلك تيجي لحد بيتي؟ لا ودخلت وقفلت الباب كمان! يا جبروتك يا اخي
نار حامية تحرق صدره الآن.. أهي بسبب عدم قدرته على منع نفسه أن يأتي إليها بعد أن غابت عنه شهراً دون أن تهتم بتهديداته الواهية لها؟ أم بسبب غيرته العمياء بعد أن رآها هكذا؟ أم لغيظه من قوتها وتحديها له؟
أمسك ذراعها بقوة وتفوه حديث لا يمت بصلة لما قالته: انتي عايزه مني اايه هاا؟ فاكره نفسك مين؟ انا افعصك تحت رجلي, بتعملي فيا كده ليه؟ ليه انتي؟ ليه انتي يا غاليه؟!
لم تفهم شيئا من كلماته غير المترابطة.. وحينما همّت أن تسأله بعدما استنشقت رائحه الخمر.. قال هو: ايوه شارب, متهبب شارب ويارتني عرفت انسى
خف ضغطه على يدها وقال بوهن: تعبت ومش عارف اعمل ايه! تعبت..
قلبها الخائن أشفق عليه من تلك الحاله التي لأول مرة تراه عليها مدت يدها تزيح يده القابضة على ذراعها بوهن ثم سحبته معها إلى أقرب أريكة وهي تقول: تعال اقعد خمس دقايق هعملك فنجان قهوه انصاع لها دون إرادة لأول مرة قبل أن تغادر وجدته يتطلع حوله فقالت بخجل: معلش بقى يا باشا البيت مش قد المقام
نظر لها بحزن يغلفه التمني وقال: بس فيه دفئ محستهوش في الفيلا الي عايش فيها بقالي عشرين سنه يا غاليه
تركته دون أن تستطيع الرد عليه بعدما انتابتها تلك القشعريرة التي تتملك منها بمجرد أن ينطق اسمها بذلك الأسلوب المميز وكأنه يقول لها أنتِ غاليتي حقا ليس اسما لقبتني به!
**
مر اليوم بسلام وفي اليوم التالي وهو اليوم الوحيد الذي يغادر فيه موسى بيته وقت العصر وليس باكرا مثلما اعتاد.. كان يؤدي فريضة الظهر وفي نفس الوقت سمعت شهد طرقا فوق الباب فارتدت عباءة مخصصة لارتدائها إذا ما فتحت الباب وتفاجأت بوجود كل من حسين, علاء وسيد يقفون أمامها بابتسامة أخوية.. بدأ الأول الحديث قائلا: عامله ايه يا شهد؟
ردت باقتضاب: الحمد لله
علاء: هتسبينا على الباب كده؟ امال فين الزعيم؟ لسه نايم؟
رفعت حاجبها الأيسر وقالت بتحدٍ وفخر: لا بيصلي, خير في حاجه؟
السيد بغيظ: اعوذ بالله تغيبي غيبتك وبردو لسانك مترين.. بدل ما تقولي لاخواتك اتفضلوا
قبل أن ترد عليه بهجوم وجدت موسى يسحبها للخلف ويقول: اللهم صلي.. جايين بربطه المعلم كده على الصبح خير؟
زفر حسين بغضب وقال: نفس الدبش, ما جمع الا اما وفق يا جدع
علاء: عايزينك في كلمتين يا زعيم.. أكمل بسماجة: معندكوش شاي ولا ايه؟ انزل اجيب وربنا
نظر لهم موسى بريبة وقال بعدما أفسح لهم المجال للعبور: عارفها انا الدخله دي.. اما نشوف اخرتها
زفرت شهد بحنق دون أن تهتم برؤيتهم لها ثم قالت بفظاظة: لو لقيتهم هيرغوا كتير يبقى الانبوبه فاضيه مااشي
كاد سيد أن ينهرها مثل السابق إلا أن موسى منعه قاىلا بتهديد: فكر بس تقولها كلمه وانا احسرك على سنانك الحلوه دي
نظر للشامتة وقال بغضب: وانتي يا بت على جوه مشوفش خلقتك غير لما يغوروا يلااا
تحركت سريعا إلى الداخل دون اعتراض أما إخوته فكانوا متقبلين ما يحدث بصدر رحب.. يعلمون أنه لن يتقبل وجودهم إلا بعد أن يعلم سبب الزيارة
حسين بسماجة: هي مش هتعمل شاي؟
موسى بوقاحة: ماهي قالت انبوبه الغاز فاضيه, ايه اطرشيت؟
السيد: عندي واحده استبن.. وقف سريعا وهو يكمل: انزل اجبهالك
صاح به بغيظ: اترزع واخلص
جلس سريعا بخوف من غضبه.. فنظر لثلاثتهم بنفاذ صبر بعدما وجدهم يتطلعون إلى بعضهم البعض وكل منهم يريد الآخر أن يبادر بالتحدث
انتفضوا بذعر حينما قال بغضب صارخ: اايه؟ جايين تتعرفوا على بعض هنا ولا ايه؟ دي رؤيه شرعيه يعني؟
صفق علاء بكف يديه وهو يقول: اللهم صلي على النبي, بركاتك يا شيخ موسى.. لسه مصلي الضهر وكمان عرفت الرؤيه الشرعيه؟ لااااا دانت عديت يا جدع بكره الاقيك امام جامع قول إن شاء الله
لم يضحك مثل البقية بل نظر له بمعنيى هات من الاخر
صمتوا في نفس الوقت ثم تنحنح حسين وقال بجدية: من الاخر وحشتنا يا زعيم, حتى لو سبت الشغل معانا ده ميمنعش ان احنا اخوات ولازم نفضل مع بعض زي ما كنا
علاء بحزم: يا جدع تحس البيت بقى خرابه مع ان الكل موجود فيه.. بس كل واحد لزم شقته مبقاش في لمه زمان
سيد: حتى انا برضو خليت البت متنزلش تحت.. يا دوب بتطلع هنا شويه وخلاص
موسى بحسم: لو مفكرين ان الكلام ده هيجبني سكه او هصدق عشان ارجعلكم تاني يبقى وفروا على حالكم وبلاش حرق كتير حسين بصدق: ايووه, دانت ثقتك فينا بقت زيرو! والله العظيم الي قولناه ملوش اي غيه غير اننا نتجمع تاني وبس
علاء: انا سبت الشغل مع ابوك من ساعة الي حصلك
حسين: وانا والسيد ملناش نفس نعمل حاجه وكلاب السوق بدأت تتنطط علينا
وجّه موسى حديثه لعلاء قائلا بعتاب مخفي: سيبت الشغل بس لسه عايش وفاتح بيتك من فلوسه
نظر للآخرين وأكمل: وانتو مش طايقين الشغل عشان بدأتوا تعرفوا انه غلط.. لو تعترفوا انه مينفعش يا جدعان, يا جدعان اقسم بالله انا بقالي شهر عايش في راحه بال محدش يتخيلها بنام وسط عيالي وانا مش خايف الباب يتكسر عليا حتى اللقمه الي باكولها لو جبنه قديمه وحبه فول حاسس بطعمهم احسن من خروف والي احسن من ده كله ان ربنا كرمني بواحده عايشه على قد الي معايا لا دي بتوفرلي كمان
سيد بذهول: بقى الصغنن الي كانت بتصرف الفات من غير عدد بتعمل كده؟ سبحان الله!
رد عليه بغيرة: لو قولت صغنن تاني هطلع عينك
ارتعبوا من صراخه ولكنه لم يهتم وأكمل بهدوء معاكس لغضبه: ربك بقى لما بيسهلك الحال, مش هقولكم اعملو زي, جربوا مش هتخسرو حاجه.. طب بذمتك يا علاء الشهر الي بطلت فيه شغل كنت حاسس بايه؟
رد بصدق: زي مانت قولت, اهم حاجه كنت بنام مرتاح مش خايف
حسين: نفس كلمه البت روحتلها من شهر وقالتلي جرب
موسى بأمل وتشجيع: يبقى جرب مش هتخسروا حاجه ولو الدنيا مجاتش على هواكم ارجعوا تاني
سيد: طب وابوك وابويا! مش هيسكتوا
علاء: مش هيقدرولنا على حاجه.. شوفت لما وقفنالهم عشان يطلعوا موسى جابو ورا على طول
موسى بفرحة حينما شعر ببداية اقتناعهم: يبقى خلاص.. حسين والسيد كمان يسيبوا الشغل وبكده هيضطروا هما كمان يشطبوا الليله لانهم كبروا وبيستقووا بينا وعمرهم ما هيعتمدوا على الصبيان الي شغالين معاهم اسمعوا مني ده الحل الوحيد
**
داخل منزل ريهام.. تلك المسكينة التي ابتلاها الله بأب ذو قلب من حجر لا يهتم بما يريده أولاده بل كل ما يفعله أن يجعلهم يسيرون كما يشاء وكأنهم مجرد دُمى يحركها بيده
كان يصرخ في زوجته الضعيفة قائلا: خامس مره يجيلي وجايبلي معاه شيخ الجامع.. فاكر ان كده هيقدر عليا
أم ريهام بوجل من بطشه: طب ادام رايح جاي عليك ما توافق ياخويا الراجل شكله شاريها
نظر له بغضب ثم قال بقلة حياء: انتي كبرتي وخرفتي يا وليه انتي اديها لمين؟ ده حتت مدرس لا راح ولا جه.. انما انا بنتي هتبقى دكتوره ومش هجوزها غير للي في دماغي
الأم بعدم فهم: الي في دماغك؟ هو في حد طلبها يعني وانت موافق عليه؟
تراجع سريعا حتى لا يفصح بما داخله الي ان يأتي وقته
فقال بتسويف: لا مفيش.. انا قصدي الي في دماغي يعني الي يليق بيها واكون موافق عليه
جلست فوق فراشها تبكي بقهر بعد أن سمعت ما قاله أبيها وعلمت أنه ينوي على شيء ولن يوقفه أحد عن تنفيذه
نظرت للأمام بعزم ثم أمسكت هاتفها وطلبت رقمه بمجرد أن رد عليها قالت: ....
**
كان يهبط الدرج متجها إلى الأسفل وجد أمه تقف في انتظاره وعينيها مليئتين بالدموع.. تطلع لها بقلق وقال: مالك ياما؟ فيكي ايه؟ حد زعلك؟
ماجدة ببكاء لم تستطع التحكم فيه: الدنيا كلها مزعلاني يابني
رد بقوة: قوليلي مين وانا اقطع رقبته
ربتت فوق صدره بحنو ثم قالت: انت بس والعيال وحشني وزهقت من سمر وامها.. يابني دانت ربنا بيحبك عشان خلصك منها, الي مهون عليا قعادي مع العقربتين دول عمتك تهاني الصراحه بتديهم على دماغهم
قبل رأسها وقال: ابقي اطلعي ياما شويه اقعدي معانا ولانتي كمان محرمه بيتي زي جوزك ومراته
ردت عليه سريعا قائلة: لا والله يابني على عيني.. انا لو ....
كادت أن تكمل إلا أن الصياح القادم من الأسفل باسمه والذي ينم على وقوع كارثة جعله يهرول سريعا كي يرى ما حدث وبمجرد أن فتح الباب الخارجي للبناية وجد أحد الصبية العاملين معه يقول برعب وفزع الحق يا زعيم مصيبه
نظر له بقلق وقال: اانطق في ايه؟
الصبي: ......
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق