رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل العاشر 10بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل العاشر 10بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
١٠ ـ وتر حساس !!
بداخل كلٌ منا طفلٌ صغير. يبقى مُهملًا، غير مرئيًا، غير محبوبًا، غير مشفيًا. يحمل مشاعر عميقة ومتراكمة تظل حبيسة الماضي كالخوف، الحزن، الحب، الذنب و الخزي . يشتاق بشدة إلى القبول الغير مشروط، الغير محدود . يتوق بقوة لإيجاد شخص يحبه كما هو، دون محاكمة أو رفض. يحتاج لمن يُصغي إليه ويحتضنه برفق وحنان، لمن يمنحه الثقة والأمان والتقدير. لمن يدلله ويفهمه ويعترف به.
ذلك الطفل سيبقى متجذرًا بداخلنا حتى نجد الشخص الذي يمكنه أن يصبح أبًا أو أمًا له ، إن لم نجدهُ سنشيخ قبل أواننا، وإن وجدناهُ فلن تشيب أو تذوي أرواحنا أبدًا .
❈-❈-❈
أخذت نسيم تتنقل بين قنوات التلفاز من واحدة إلى أخرى بملل إلى أن وجدت قناة تعرض فيلم الرسوم المتحركة " up " فعدّلت وضعية جلوسها الملولة لأخرى أكثر اهتمامًا وصبت كل تركيزها وحفزت كامل أحاسيسها للتفاعل مع الفيلم .
أعادها الفيلم إلى ذكريات قديمة ووعود كان قد قطعها حازم ولكن الوقت لم يسعفه للوفاء بها..
ذكرى تلحق بالأخرى وكأنها في صراع الخاسر فيه هو قلبها الضئيل .
تنهيدة مثقلة ومغلفة بألم مزمن غادرت شفتيها وجعلتها تغمض عينيها لكي لا تنفلت دموعها ، لا تريد البكاء .. ليس وبعد أن وعدت نفسها أنها لن تبكي مجددا لأي سبب مهما كانت جسارته.
استمعت إلى صوت الباب فانتقلت عيناها تلقائيًا نحوه، وتأهب شيئًا ما بداخلها لرؤية القادم معلوم الهوية ، ثم عدلت جلستها مجددا لأخرى أكثر رسمية وارتسمت الابتسامة لا إراديًا على شفتيها عندما رأته يدنو منها مبتسمًا بود باتت تألفه وتسعد به كثيرًا .
ـ مساء الخير ..
أجابتهُ بابتسامة هادئة :
ـ مساء النور .
ألقى بجسده على الأريكة بجوارها، تاركًا بينهما مسافة تسمح بجلوس شخص آخر، ومد ذراعه مطولًا على ظهر الأريكة وهو ينظر إلى شاشة التلفاز ثم قطب جبينه متعجبا وقال:
ـ إيه ده ؟! كارتون !
ابتسمت بخفة وهي تعيد خصلة من شعرها خلف أذنها وقالت:
ـ قلّبت كتير مش لاقية حاجة تشدني وفي الآخر لقيت الفيلم ده قلت أشوفه تاني .. حلو جدا على فكرة !
حك ذقنه وهو ينظر إليها نظرة جانبية ثم قال بنبرة مرحة :
ـ متأكدة ؟!
أومأت بتأكيد فقال :
ـ خلاص هاخد شاور ونعمل عشا ونجيبه من الأول .. بس لو لقيته ممل وضيعت وقتي عالفاضي من حقي وقتها أطالبك بتعويض، اتفقنا ؟
اتسعت ابتسامتها وأردفت:
ـ اتفقنا.. هقوم أجهز العشا على ما تخلص .
كانت بصدد النهوض ولكنه أوقفها بأن أسند يده بعفوية على فخذها وهو يقول ممازحًا :
ـ لا والله ما يحصل ، أنا مش قليل الذوق للدرجة دي عشان أخلي مراتي تقف تعمل عشا وهي تعبانة ، ميصحش يعني .
ضحكت ضحكتها اللطيفة التي بات يجاهد لينتزعها منها انتزاعًا ثم قالت وهي ترفع كتفيها ظاهرةً بعضًا من الدلال العفوي :
ـ تمام اللي تشوفه .
أفسح المجال لضحكة صافية لكي تستقر على شفتيه، ثم نهض وهو يقول :
ـ الدلع ده مؤقتًا على فكرة ، متاخديش عليها.
ثم قرص وجنتها مشاكسًا إياها بلطف قبل أن يتجه صوب غرفته، وتركها تنظر في أثره وهي تحاول تنظيم أنفاسها التي تتبعثر كليًا في حضوره ، تحاول محو تلك القشعريرة التي سرت في منتصف صدرها إثر لمسته العفوية اللطيفة و…. الحنونة جدًا .
أما هو فدخل غرفته وخلع سترته وهو يتنهد بانهمام وضجر، ثم ألقاها على سريره بضيق وألقى بجسده على الأريكة ، ثم انحنى بجزعه إلى الأمام وأحاط رأسه بكلتا يديه وهو يحاول السيطرة على ذلك الغضب الذي يكوي صدره منذ أخبرهُ أيمن بذلك الخبر الذي عكر صفوه منذ الصباح .
ثم أقام ظهرهُ وأسندهُ إلى ظهر الأريكة وهو يفكر ، هل هو سبب يستدعي كل ذلك الغضب والانزعاج ؟! هل أصبحت حياته كلها مكرسة للانتقام من سالم بكافة الطرق فحسب ؟! هل أصبحت سعادته مرهونة بتحطيم سالم وتدميره ؟!
تلقى الإجابة بعد قليل. عندما هاتفهُ أيمن وأخبره بنبرة لاهثة محاولا التقاط أنفاسه :
ـ الحمد لله الدكاترة قالوا إن حالتها وحالة الجنين دلوقتي مستقرة، النزيف كان من أثر الوقعة اللي وقعتها وهي بتحاول تهرب لكن الطفل سليم ومفيش أي حاجة تقلق.
زفر عاصم بارتياح شديد وهو يقرص بين عينيه بتعب ثم قال :
ـ خلي بالك منها يا أيمن، زود الحراسة عليها قد ما تقدر، ولو محتاجة دكاترة هاتلها المهم نضمن إن الطفل يتولد سليم .
ـ متقلقش يا بوص أنا فعلا ….
قاطعهُ عاصم بانفعال طرد معه كل الشحنات السلبية المتراكمة بداخله وقال :
ـ مقلقش إيه يا أيمن ما انت كل مرة تقوللي متقلقش وأخرتها أهي كانت هتهرب وكل اللي بنخطط له من شهور كان هيروح في الهوا ..
ثم زفر زفرةً مكتومة باستياء وتابع بنبرة خافتة :
ـ ايمن انت عارف إن الطفل ده يهمني جداا ولازم ناخد كل التدابير اللي تضمن سلامته ، دي هتكون الضربة القاضية لسالم وأنا مش هتراجع عنها .
ـ حاضر يا عاصم ، أوعدك الغلطة اللي حصلت النهاردة مش هتتكرر تاني .
ـ لما نشوف .. عالعموم لو في جديد بلغني فورا .
ـ تمام ، مع السلامة .
أنهى عاصم الاتصال وألقى الهاتف إلى جواره بإهمال ثم حك جبينه بضيق وتجهم وجهه وهو يتخيل ذلك الجدل الذي سيثيره حول سالم وعائلته عما قريب ، ستكون هزيمة سيتغذى عليها ويقتات على صداها المدوي لشهور طويلة .
❈-❈-❈
كانا يجلسان في مقابل بعضهما البعض، ينظران إلى بعضهما من حين لآخر بصمت، ثم يشردان مجددا في انتظار ورود أي خبر قد ينهي كل ذلك العبث .
فها هو قد استعان بمحامي والده المخضرم الذي يعرف جيدًا من أين تؤكل الكتف لحل مشكلة نغم مع عاليا بضمان ألا يزج باسمها في أي شيء يخص تلك المشبوهة ذات السابقات الأخلاقية ، ليلبي نادر نداءه على الفور ويهرول إليه مجيبًا طلبه مطمئنًا إياه أن الأمر أتفه من أن يشغل باله به.
ولكنه لم يتمكن من ألا ينشغل به ، ليس وهو يراها في أوج قلقها وخوفها الذي يعصف بملامحها الرقيقة ويجعلها كمن تفترش الجمر أسفلها .
أما هي فكانت تفرك يديها بقلق وترقب وهي تنتظر قدوم نادر، وبينما هي تنظر حولها لفت انتباهها شابة في نفس عمرها تقريبًا، تجلس وبجوارها والدها ووالدتها، وأمامهم كعكة تحمل شمعتين تشيران لإتمامها السادسة والعشرون من عمرها، يغنيان ويصفقان لها بحماس وهي تنظر إليهما بابتسامة سعيدة وعيون باكية من فرط التأثر ، ثم نفخت لتطفئ الشمعتين ومن ثم قامت بتقبيلهما بامتنان .
وجدت نفسها تبتسم ابتسامة مهزوزة، بها قليل من الفرح وكثير من الألم ، ثم أبعدت ناظريها عنهم وابتلعت ريقها لكي تبتلع معه تلك الغصة التي تشكلت بحلقها وكادت تصيبها بالاختناق.
لم يَفُته تلك النظرة بعينيها ولا ذلك الألم المنبعث منها، يعلم أنها أشد الفاقدين للحظة كتلك التي شاهدتها للتو ، تفتقد أركانها وليس أجواءها، تفتقد الأهل وليس حفل عيد الميلاد، تفتقد ذلك العناق وتلك الابتسامة الحانية والقبلة الدافئة .
أصابهُ شعورها بالعجز وشعر حينها بالشفقة على تلك الطفلة المسكينة اليتيمة بداخلها ، فتنهد قبل أن يحمحم جاذبًا انتباهها ثم قال :
ـ بقوللك يا نغم.. ؟
نظرت إليه بانتباه فقال:
ـ إيه رأيك لو تأجري البيت اللي جنب بيتي ؟!
ثم ابتسم ابتسامة واسعة أثارت حنقها وهو يقول :
ـ أهو حتى نبقى جيران وأغني لِك كل يوم ساكن قصادي وبحبه وأتمنى اقابله ..
أخفت ابتسامتها ببراعة ونظرت إليه بهدوء، ثم رفعت حاجبيها وهزت رأسها بتعجب، فرفع حاجبيه بتعجب مماثل وهو يهز رأسه يائسًا ويقول :
ـ أستغفر الله العظيم.. يعني غلطانه وعاملة فيها مقموصة كمان ؟! الصبر من عندك يا رب .
نظرت إليه بغضب عاصف لم يلائم وجهها الصغير وهتفت بحدة :
ـ أنا اللي غلطانة ؟! هو أنا اللي كنت بزعقلك قدام الناس ولا انت ؟!
زفر بضيق ثم قال :
ـ ده كان رد فعل على فكرة ، البداية كانت من عندك انتي ..
وصمت ثم تنفس بهدوء وقال بنبرة حنونة احتوت ضيقها وغضبها منه :
ـ على العموم أنا آسف مكانش يصح اللي عملته ، حقك عليا مش هتتكرر تاني .
أغمضت عينيها بتوتر، ثم أسندت جبهتها فوق قبضتها وأخذت تحاول تنظيم أنفاسها الهادرة، وهي تقول باستسلام:
ـ أنا مرعوبة إن أستاذ نادر ميعرفش ياخد منها الشيكات..
فقال محاولا طمأنتها لما استشف الخوف من نظراتها :
ـ متقلقيش ، أستاذ نادر هيحل الموضوع بسرعة ، لا عاليا ولا عشرة زيها يقدروا يسدوا قصاده .
اعتدلت وأسندت ظهرها إلى المقعد وتمتمت :
ـ إن شاء الله.
ـ ها مقولتيليش !! إيه رأيك لو أجرنا البيت اللي جنبي ؟! مساحته أصغر من بيتي ومناسب جدا ليكي .
ـ لأ.. البيت إيجاره هيكون أغلى .. أنا كل اللي محتاجاه شقة صغيرة أقعد فيها وأقدر أدفع إيجارها .. وبعدين أنا سألت في مكتب قريب من هنا والأسعار إلى حدٍ ما كانت كويسة .
أخفض رأسه وهزّه، هبط كتفاه فيما يشبه الهزيمة ، ثم زفر وقال :
ـ هو ينفع من غير ما تضايقي وتفترضي افتراضات ملهاش أساس من الصحة أسألك إيه اللي حصل وقتها بالظبط ؟!
ضيقت عينيها وتسائلت بنبرة محقق مخضرم:
ـ اشمعنا ؟!
ابتسم ابتسامة عريضة مزيفة لم يهتم في إخفاءها وهو يقول متهكمًا:
ـ معلش اعذري فضولي وتطفلي على حياتك بس حقيقي عاوز أعرف تفاصيل المقابلة دي كانت إيه ؟!
تعجبت إصراره ولكنها أجابت دون أن تنسى أن تتهكم على فضوله وتطفله فقالت :
ـ أبدا .. رُحت المكتب ودخلت .. قاللي اتفضلي فاتفضلت .. قاللي تشربي حاجة قولتله لا شكرا.. وبعدين سألني أخدمك إزاي قولتله محتاجة شقة للإيجار فعرض عليا كذا حاجة لكن السعر مكانش مناسبني، وبعدين قاللي إني ممكن أشوف سكن جماعي بحيث تكاليف الإيجار متكونش كتير فسيبتله الرقم علشان لو اتوفر قدامه حاجة يكلمني .. بس كدة .
أومأ دون أن يبدي أي تفاعل ولكنها استشفت ضيقه وتهكمه كالعادة فقالت متهكمة بدورها :
ـ أديني حكيتلك كل حاجه بالتفصيل الممل .. كده كويس ولا في حاجة تانية فايتاني نسيت أقولها .
تجاهل سخريتها ثم تساءل وهو يجزم بأن جوابها سيصيبه بالشلل الرباعي إثر ارتفاع ضغطه المفاجئ وقال :
ـ وطبعا لو كان طلب منك تتفضلي معاه تتفرجي على الشقق المتاحة كنتي اتفضلتي !!
أومأت بتأكيد ينبعث منه رائحة ثقة خارقة وقالت :
ـ اومال يعني هتفق معاه على عمايا ؟! مش لازم أشوف الشقة اللي هأجرها الأول ؟!
رفع إحدى يديه إلى مؤخرة عنقه، ومالت رأسه إلى الوراء ثم تعلق ناظريه بالسماء وكأنه يناشد ربه لكي يلهمه الصبر ، ونظر إليها بصمت، فوجدها تهز رأسها مستفهمة ثم تساءلت ببطء :
ـ بتبص لي كده ليه ؟!
مسح براحة يده فوق فمه وذقنه وهو يسدد إليها نظرات يتطاير منها الشر ثم قال :
ـ فخور بيكي ، ببص لك لأني فخور بنباهتك وذكائِك .
تجهم وجهها وهي تنظر إليه بتحفز ثم قالت بحنق:
ـ طالما قلت ذكائِك دي يبقا بتتريق !!
تدلى كتفيه باحباط وهو ينظر إليها قائلا بيأس واستسلام :
ـ أكيد يا نغم ، يا نغم ارحميني انتي عايشة في الدنيا دي بالبركة يا ماما و ده مينفعش !!
أشهرت سبابتها في وجهه بتحذير عنيد وهي تقول :
ـ فريد .. أقسم بالله لو فكرت تغلط فيا أو تعلي صوتك تاني ما هتشوف وشي أبدا بعد النهارده ..
ـ نغم يا حبيبتي افهميني !!
قالها فجذب انتباهها وأسر عقلها وقلبها معًا، وتابع :
ـ أنا بحبك وخايف عليكي ، انتي صغيرة وواجب عليا أوعيكي وأعلمك الصح من الغلط وواجب عليكي تتقبلي ده على فكرة لأنه لا ينتقص من قيمتك ولا من قدرك ، أنا عارف إنك مفيش عندك خبرة كفاية وده مش عيب ، العيب إنك تعندي وتجادلي وتوقعي نفسك في مشاكل انتي في غنى عنها ، يعني انتي متهيألك ان في سمسار مش هيعرف يشوفلك شقة مناسبة ويخلقها لك من تحت الأرض كمان ؟! أكيد لأ . ولو عاوز يسكّنك من يومها كان عمل كده، لكن ٩٠ ٪ من المُلّاك بيرفضوا إنهم يسكنوا بنت لوحدها لأنهم واخدين فكرة إن أغلب البنات اللي بتسكن لوحدها دي مش مظبوطة وهتجيب لهم مشاكل ووجع دماغ، واللي بيوافق منهم هيطلب منك أضعاف ما هيطلب من المستأجر الشاب ، لأنه عارف إنك مش هتلاقي سكن مستقل بسهولة، للأسف هو ده الواقع اللي احنا عايشين فيه دلوقتي وعلشان نقدر نجاريه لازم نفتح دماغنا كده ونفكر ونحسب للخطوة مليون مرة قبل ما ناخدها .
بدا كلامه مقنعًا جدًا بالنسبة لها، وبعد أن فكرت فيما قال وجدته يتابع قائلا بضيق:
ـ يعني افرضي مثلا السمسار ده طلب منك تعايني الشقة قبل ما تمضي العقد و رُحتي فعلا فحاول يستغل الفرصة دي ويتحرش بيكي وانتي لوحدك معاه !!
جحظت عيناها عندما تخيلت ما يقوله وهتفت بفزع :
ـ يا لهوي !
ـ يا لهوي إيه بس هو أنا كل ما اقول لك حاجة تقوليلي يا لهوي، يا نغم ارحميني مش كده أنا راجل صاحب مرض وماشي بالعلاج والله .
انفلتت ضحكتها رغمًا عنها فقال يائسًا :
ـ بتضحكي ؟!
أومأت رأسها ببطء فابتسم بحرية، بأجمل ابتسامة ممكنة، ابتسامة ستعجز عن نسيانها أبد ما حيت، وأخذ ينظر إليها مفتونًا بعينيها وتلك التجاعيد حولهما التي نتجت عن ابتسامتها العميقة الصادقة، ثم قال:
ـ طيب يا ستي لو كل يوم هتعملي كارثة وفي المقابل أشوف الضحكة الحلوة دي أنا مفيش عندي أي مانع على فكرة .. ممكن أسيب كل أشغالي وكل اللي ورايا وأتفرغ بس لحل مشاكل وكوارث نغومة .
رفعت حاجبيها وهزت رأسها باستغراب ، هذا الرجل تناول من حبوب الشجاعة ما يكفيه لأعوام قادمة، و انحلت عقدة لسانه بعد أن كان يكتفي بإرسال النظرات المشفرة بنظام غير قابل للاختراق!!
هذا الرجل ! ….. يستحق الشكر والعرفان فعلا .
نظرت إليه مبتسمة وهي تحاول اخراس تلك المشاعر الفياضة بداخلها، ثم قالت :
ـ شكرًا على كل حاجه عملتها وبتعملها علشاني يا فريد، ربنا يخليك ليا .
استهدفت قلبه مباشرةً، واخترقت كلماتها الأخيرة كل الحصون الذي شيدها حوله منذ سنوات عديدة ، الآن فقط يعلن أنه ـ وبكل فخر ـ أسير نغم ، أسير لا يريد الحرية مطلقًا .
حال بين نظراتهم دخول نادر فانتبه اثنينتهم وتحفزت حواسهم بالكامل ، ألقى نادر التحية، ثم سحب مقعدًا وجلس بصمت، ومن ثم فتح حقيبته الجلدية وأخرج منها شيئا وضعه أمام نغم وهو ينظر إليها مبتسمًا بزهو ثم قال :
ـ اتفضلي يا آنسة نغم، الشيكات أهي .
أطلقت نغم زفرة تخلصت معها من خوفها وقلقها، ثم أمسكت الشيكات وقامت بتقطيعها على الفور وهي تنظر إليه قائلة:
ـ أنا بجد مش عارفه أقوللك إيه يا أستاذ نادر ، بجد شكرا ..
ـ لا شكر على واجب أنا في الخدمة دايما.
ونظر إلى فريد الذي تساءل قائلا :
ـ عملت اللازم يا أستاذ نادر ؟!
ـ ولا تشغل بالك خالص يا فريد بيه، خدنا الشيكات وفوقهم تعهد هدية كمان ، متقدرش تفكر مجرد تفكير حتى إنها تأذي آنسة نغم أو تتحايل عليها بأي شكل من الأشكال.
أومأ فريد بارتياح ثم ردد قائلا :
ـ متشكر جدا يا متر ..
ـ العفو يا فريد بيه أنا تحت أمرك في أي وقت ، أستأذن أنا بقا لأني مشغول حبتين ، عن إذنكم .
انصرف نادر، فنظر فريد إلى نغم التي ارتخت ملامحها أكثر من ذي قبل وتجلّى الهدوء على وجهها فقال مبتسما:
ـ الحمد لله الموضوع اتحل ، نتعشى بقا .
❈-❈-❈
لاحظ شرودها بعد أن انتهى الفيلم ، على ما يبدو أن الطفلة المختبئة بداخلها تذكرت شيئًا ما قد أثار حزنها بهذا الشكل ، فحاول أن ينتزعها من تلك الحالة قائلا بأسلوب مرح :
ـ للأسف كان نفسي أطالبك بتعويض بس الحقيقة الفيلم حلو جدا ..
نظرت إليه بانتباه وأومأت بتأكيد وقالت:
ـ فعلا .
ـ ممم.. قوليلي بقا إيه أكتر حاجة حبيتيها في الفيلم ؟ أنا عارف إن البنات بتركز في حاجات غريبة و خفية كده إحنا كرجالة ممكن نشوف الفيلم مرة واتنين وعشرة ولا ناخد بالنا منها ..
لاقى سؤاله استحسانها فاستدارت لتواجهه وتربعت فوق الأريكة وهي تنظر إليه باهتمام وقالت:
ـ بصراحة البطل اللي هو ' كارل ' يعتبر نموذج للإنسان اللي أي واحدة في الدنيا تتمنى تقابله .
زم شفتيه ورفع حاجبيه وهو يوميء بتمهل ويوليها كامل انتباهه بينما هي تابعت بحماس :
ـ أول حاجه مثلا إنه كان بيشاركها اهتماماتها والحاجات اللي هي شغوفة بيها .. مكانش بيستخف بأحلامها أو بيتفّه منها .. كان مآمن بحلمها بالرغم من انه غريب ويبان مستحيل .. كان مصدقها .
لاحظ لمعة عينيها وهي تتحدث، بينما هو كان يدقق ويمعن النظر إلى شفتيها اللتين تسترسلان بحرية وراحة، ثم إلى عينيها اللتين تتفاعلان مع ما تحكيه وتميل جانبًا وهي تستحضر ما رأته وتصفه بكل اهتمام.
ـ بيساندها، وبيحترمها، كان مش بيهون عليه يسيبها حزينة أو مضايقة .. وأهم حاجة إنه فضل مخلص ليها حتى بعد موتها .
أومأ مؤيدًا فرآها تغرق في شرودها من جديد وكأن ما قالته لمس بداخلها وترًا حساسًا للغاية ، وأيقظ مشاعر مدفونة لامنسية ، فتنهدت وقالت :
ـ يا ترى كام حد مننا يقدر يفضل مخلص للشخص اللي بيحبه بعد موته ؟! يقدر يحتفظ بيه في قلبه في نفس النقطة وميسمحش لأي شخص ياخد مكانه ؟!
صفعهُ هذا الألم غير المتوقع، وجعله يتذكر حقيقتهما، جزء من مخطط أفنى في سبيل التدبير والتخطيط له ثمان سنوات ليس إلا . لكن الحقيقة التي لا مجال للطعن فيها أنها تحب شقيقه ومخلصة لذكراه ، وهذا ما يراهُ الآن في عينيها ويسمعه في نبرة صوتها المكلومة.
ذلك الألم جعلهُ يتسائل: ألم يكن هذا هو هدفه أيضًا من البداية ؟! ألم يتخذها وسيلة وأداة لبلوغ هدفه؟ إذًا لمَ كل هذه الدراما لأنها فقط أشارت لذكر أخوه ؟! في الأساس هو يعرف أنها ستحتفظ بمشاعرها ولن يشكل هذا الزواج الوهمي فارقًا في حياتها لأنها تعرف جيدًا الغاية منه .
هل ينتظر منها أن تشعر مثلما يشعر هو ؟! أن تمتلأ به كما أصبح ـ فجأة ـ ممتلئًا بها ومتشبعًا بوجودها ؟! طبعًا ستكون الإجابة لا .
مشاعره تجاهها هو المسؤول عنها ، إن كان قد أخلف وعده لنفسه وسمح أن ينجرف خلف تيار الوهم المدعو بالحب فهذه مسؤوليته الكاملة ، ولا يفترض به أبدًا أن ينتظر منها فعل نفس الشيء.
عاد إليها بنظراته بعد شرود دام لدقيقتين تقريبًا، فرآها تقاوم لكي تحتفظ بدموعها لئلا تنهمر وتفصح عما بداخلها أكثر ، فحاول تشتيت انتباهها قائلا بمرح :
ـ على فكرة نسيتي أهم حاجه كارل كان بيعملها ..
نظرت إليه باهتمام وهزت رأسها مستفهمة فقال :
ـ إنه كان بيساعدها في شغل البيت .. أظن دي حاجة لا يمكن نتجاهلها .
اتسعت ابتسامتها إلى أن تحولت إلى ضحكة كاملة هادئة فضحك بدوره وهو يشاهد تفاصيل ضحكتها الغنية بالدلال وقال :
ـ و أظن بردو أنا في النقطة دي بارع متقدريش تنكري .
شيئًا ما بداخله كان يود أن يدير دفة الحديث نحوه هو لكي يشتت فكرها عن أي شيء آخر، لا يعلم هل هي أنانية أم لا ، وليس مهتمًا بمعرفة الأمر . المهم أنه حقق غايته وجعلها تبتسم ثم قالت:
ـ أكيد مش هنكر ، كفاية تعبك في تحضير الفطار والعشا كل يوم.
ابتسم قائلا :
ـ عدي الجمايل ، علشان لما تقدري تقفي إن شاء الله لازم تدوقيني أكلك بقا ، عندي فضول أكتشف مهاراتك في المطبخ .
رمشت مرات عدة، ثم زمت شفتيها وهي تنظر إليه بترقب فقال بهدوء :
ـ إيه ؟! مفيش مهارات ولا إيه ؟!
هزت رأسها ببطء أن لا ، فحك جانب عنقه وهو يتساءل:
ـ يعني مكتوب عليا أفضل أحضر الفطار والعشا طول عمري ؟!
تلك الكلمة التي أضافها مؤخرًا ما هي إلا لحسم شيئًا ما وترسيخه في ذهنها ، نطقها متعمدًا لكي يبث الحقيقة أمامها بدون مجهود ، والحقيقة الواضحة لديه كالشمس الآن أنه سيظل محتفظًا بها طوال عمره ، لن يقتصر زواجهما على تحقيق هدفه فقط .
بالفعل أثارت الكلمة انتباهها ، ولكنها لم تستغرق في التفكير الآن، فتنهدت وقالت مبتسمة :
ـ أكيد لأ .. مع الوقت هتعلم يعني أكيد مش هفضل فاشلة طول عمري .
أمسك يدها بتمهل، ثم ربت عليها بلطف وهو يقول :
ـ كلمة فاشلة دي مش في محلها أبدًا ، لأن الفشل بيكون بعد المحاولة ، وبما إنك محاولتيش يبقا مفشلتيش !
أومأت باقتناع فتابع :
ـ على فكرة لو حابة أجيبلك أي واحدة تساعدك أنا مفيش عندي مانع طبعا ، اللي يريحك .
تنهدت ثم ضمت كتفيها قليلا وهي تفكر بجدية ثم قالت :
ـ بصراحة حابة أكون لوحدي ، يعني.. طول عمري معتمدة على زينب وغيرها من البنات اللي شغالين في الڤيلا ، فحابة أغير كل ده، حابة أعتمد على نفسي وأجرب حاجات مجربتهاش قبل كدا .
ـ زي ما تحبي ، ده بيتِك وانتي ليكي مطلق الحرية تتصرفي فيه زي ما انتي عايزة.
تنهدت وانتابتها الحيرة وهي تطالعه وتحاول فك لغز كلماته التي تحمل رسائل ضمنية يتعمد بثها إليها، ترى ما الذي يحاول فعله؟ إنها تشعر الآن أنه بدأ بكشف النقاب عن نواياه التي لم يصرح بها من قبل، مثلا فهو يحاول التأكيد على أن زواجهم ليس زواجًا مؤقتًا. هي ليست حمقاء أو ساذجة، واستطاعت فهم ذلك المغزى من كلماته جيدا، ولكنها كذلك لا زالت لا تملك صورة واضحة عن علاقتهم. لا زال الأمر أمامها ناقصًا وبه حلقة مفقودة ، تشعر أنه لم يقل الحقيقة كاملة واجتزء منها الجزء الأهم والأصعب الذي بمعرفته ستتغير مجريات الأمور تمامًا .
لاحظ شرودها مجددا فقال مستدعيًا انتباهها :
ـ نسيم .. في خبر أعتقد هيفرحك ..
هزت رأسها متساءلة باهتمام حقيقي فقال بتمهل وهو يراقب أثر كلامه عليها :
ـ الحيوان مدير الدار ده اللي اسمه موسى المالكي ..
قاطعته متسائلة بترقب وقد ارتسمت على ملامحها معالم الفزع والأسى :
ـ مالُه ؟
ـ اتقبض عليه .
دق قلبها في صدرها دون رحمة، وشعرت بالبرد يتسرب إلى دمها ، وبدأ رأسها يستعيد كل ما حدث قبل سنوات ، ارتجفت وهي تتذكر لمساته الخبيثة الشيطانية وأحاطت نفسها بيديها بخوف، لكن قبل أن تستغرق في الأمر أكثر جذبها صوت عاصم :
ـ قدرنا نوصل لتسجيلات الكاميرات اللي زارعها في مكتبه ، ومن الواضح إن في بنات كتير كان بيستغلهم وفي منهم كان بيجبرهم ويهددهم علشان يوافقوا على القرف اللي كان بيعمله معاهم ، والحمد لله وصلنا التسجيلات دي للنيابة وقبضوا عليه وبيحققوا معاه دلوقتي وأكيد طول فترة التحقيق هيكتشفوا كوارث خصوصا لو البنات اللي عمل معاهم كده اتشجعوا واتكلموا من غير خوف وقالوا الحقيقة ..
سمحت لدموعها أخيرا بالانهمار وأسندت جبهتها فوق راحتيها وهي تنخرط في نوبة بكاء عاتية.
ـ نسيم .
قالها عاصم بنبرة دفعتها عنوة لرفع رأسها والنظر إليه ، فوجدته يقترب منها ويتخلص من تلك المسافة الفاصلة بينهما حتى أصبح مجاورًا لها تمامًا، ثم أحاطها بيمينه وقربها إليه لتبكي على صدره، بينما صمت ثقيل يحفهما لا يتخلله سوى شهقاتها وصوت نحيبها الذي يثقله ويُشعره بالرغبة في الانتقام أكثر .
مسد ذراعها بيدٍ وباليد الأخرى كان يزيل دمعاتها وهو يقول بنبرة هي الأحن على الإطلاق :
ـ أوعدك حقك هيجيلك ، هعمل كل اللي أقدر عليه علشان القضية تاخد مسارها الصحيح وميقدرش يفلت من العقاب اللي يستحقه .
وقربها إليه أكثر وهو يشعر برغبة عارمة في غرسها بداخله لكي لا تستطيع الفرار وقال :
ـ مش موسى بس ، كل حد أذاكي وكان سبب في دموعك أو خوفك لازم يتحاسب..
شعرت بالأمان يجتاح وجدانها المهجور، يتسرب إلى قلبها الخرب وينيره، يُسري الدفء في أوصالها الباردة ويعيدها للحياة من جديد، فاقتربت منه أكثر، ودفنت رأسها في عمق صدره أكثر ويدها تشبثت بكنزته وكأنها ترجوه ألا يتخلى عنها أو يبتعد .
أغمضت عينيها وهي تحاول إخماد ذلك الصوت الصارخ برأسها الذي يلومها على إحساسها ذلك ، وسمحت لرغبتها الخائنة في استنشاق رائحته الرجولية الغير تقليدية التي أضرمت النيران في قلبها وجعلته يطرق صدرها كوحش يطالب في الخروج .
أما هو فكان يشعر بتأثيره عليها، يدرك أن لمسته تخترق عظامها الواهية وتخلق في جوفها مشاعر لم تختبرها من قبل، وهو لا يفعل ذلك عبثًا، يفعل ذلك متعمدًا لكي يحرر مشاعرها المدفونة في مكمنها ويجعلها تنبض صارخة ومستغيثة باسمه و له هو فقط، يريد أن يصبح هو المتحكم والمسيطر الوحيد على خيالها وواقعها ، أن تتخلص من بقايا الماضي وتهبه الحاضر والمستقبل بكل ما فيه .
التقط وسادة صغيرة ووضعها على فخذيه، ثم حرك رأسها لتستند فوق الوسادة فاعتدلت وتمددت فوق الأريكة واستلقت على جانبها ليتقابل وجهيهما.
أغلقت عينيها فأسند راحة يده على وجهها وابتسم وهو يمرر إبهامه على شعرها تارة، ثم على جانب وجهها تارة أخرى ، فتسائلت وهي لا زالت مغمضةً عينيها :
ـ انت ليه بتعمل كل ده ؟
تنهد تنهيدة حارة ثم نظر أمامه وتساءل بالرغم من علمه بالإجابة:
ـ بعمل إيه ؟
فتحت عينيها ونظرت إليه بهدوء، ثم قالت:
ـ ليه بتعمل عشاني كده ؟ كل ده ليه ؟! بتطمني وبتحتويني، بتحسسني إن في أمل يستاهل أعيش عشانه، بتديني كل اللي اتحرمت منه ليه واحنا ممكن في يوم وليلة حكايتنا تنتهي .
تغضن جبينه بضيق سافر وابتلع ريقه وهو يقول :
ـ ليه بتقولي كده ؟!
اعتدلت ببطء فأصبح وجهها مقابلًا له ، وقالت :
ـ لأن دي الحقيقة ، احنا اتجوزنا في ظروف غريبة، انت اتجوزتني علشان تنتقم من أبويا وعيلتي.. اتجوزتك وأنا مش عارفه عنك حاجه ، ولا عارفة نهاية الجواز ده إيه ..
أطلقت ابتسامة ساخرة مبتورة وهي تعيد شعرها للوراء وقالت:
ـ أنا حتى مش عارفه إحنا المفروض نسمي علاقتنا دي ايه.. أنا مش مستوعبة حاجه يا عاصم، كل حاجه بتحصل بسرعة، كل حاجه بتتطور بسرعة، أنا مخضوضة ! أنا فجأة لقيتني متجوزة أخو الراجل اللي بحبه .. وفجأة لقيتني بقرب منه وبتعامل معاه وكأننا صحاب..
تصلب فكه بغضب وأظلمت عيناه قليلا بينما هي تابعت كلماتها التي كانت بمثابة خناجر مسمومة كانت تطعنه بها بدون رحمة :
ـ وفجأة لقيتني حابة قربك، مطمنة معاك، متونسة بيك، حابة حمايتك ليا ودفاعك عني، حابة احساس إني مسؤولة منك، وفي نفس الوقت الإحساس ده مخليني حاسة بالذنب !!
تجهم فتجعدت جبهته، فأكملت وهي تنظر داخل عينيه :
ـ أنا متلخبطة ومش فاهمة حاجه يا عاصم، مش فاهمة الاحساس ده صح ولا غلط .. مبقيتش فاهمة إحساسي اني مبسوطة بقربك ده خيانة ؟؟ ولا احساسي بالخيانة هي الخيانة في حد ذاتها !!
صمت عاصم، لذا استرقت النظر إليه، بدت نظراته خاوية، كما لو أنه شرد عنها.
لم يتكلم أو يعقب، فاستغلت تلك الفترة لتتصالح مع حقيقة أنه لن ينفتح في الحديث معها أبدا، ولكنه ككل مرة يخيب ظنها عندما قال بنبرة متجمدة :
ـ واضح إنك محتاجة تقعدي فترة لوحدك وتفكري كويس جايز وقتها توصلي لإجابة على كل أسئلتك دي .. تصبحي على خير .
نهض وتركنا بمكانها دون مقدمات ، ودخل غرفته بينما هي ظلت في مكانها تحدق في أثره بخليط مشاعر مهلكة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقف فريد بسيارته أمام البناية الموجود بها شقة حسن، ثم نظر إلى نغم قائلا بتنبيه :
ـ اعملي حسابك دي آخر ليلة هتباتيها هنا ، بكرة الصبح إن شاء الله هاجي أخدك وهتنقلي البيت اللي جنبي ..
همت بقول شيئا ما ليقاطعها واضعًا سبابته على فمه وقال :
ـ مش عاوز نقاش .
ـ فريد..
ـ مفيش فريد..
ـ فريد .. علشان خاطري ..
نطقتها مجددا بطريقة عفوية ولكنها جعلته ينظر إليها مغلوبًا ويقول بحنان جارف :
ـ خاطرك غالي جدا يا نغم وانتي عارفة، بس بردو مفيش نقاش في الموضوع ده بالذات .. وبالنسبة للإيجار والكلام العبيط اللي قولتيه من شوية ده فمش مقبول أبدا ، أنا اللي هدفع الإيجار الشهر ولا الشهرين اللي هتقعديهم في البيت ده ..
ـ وبعدين ؟!
ابتسمت عيناه تلقائيا وهو يقول :
ـ وبعدين هنتجوز ..
ابتسمت فأردف قائلا :
ـ ووقتها تيجي تنوري بيتك وتنوري حياتي كلها .
أطلق زفرة مهمومة ثم تابع ساخرًا :
ـ ولو إني أشك إنك وقتها تصممي بردو تدفعي إيجار نص البيت، بصراحة أنا بقيت لا أستبعد أي شيء.
ضحكت وهي تمد يدها لتفتح مقبض الباب فقال :
ـ خلي بالك من نفسك ها .. ؟
نظرت إليه نظرة جانبية وقالت بابتسامة:
ـ متقلقش ..
ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منها شيئا ما وأشارت إليه به وهي تقول:
ـ اللي يفكر يقرب مني هلسوعه .
نظر إليها متفاجئًا عندما رأى ذلك الصاعق بيديها وقال بتعجب يعتريه الضيق والرفض :
ـ هو الأمر يستدعي إنك تخلي صاعق معاكي ؟!
زفر باستياء چم، ثم قال بإيجاز :
ـ أهم حاجه تخلي بالك من نفسك ولو حصل أي حاجه في أي وقت كلميني .. اتفقنا ؟
أومأت بموافقة وترجلت من السيارة ، ثم سارت تجاه مدخل البناية و لوحت له بيدها قبل أن تصعد ، وبينما هو يستعد للانصراف رأى سيارة نادر وقد اقتحمت المجال، ثم ترجل منها حسن الذي وشت ملامحه بالراحة والانفتاح مما أوضح مدى تطور الأمور التي لا يعلم عنها شيء .
تحرك نادر منطلقًا بسيارته وبينما كان حسن يستعد لصعود البناية لفت انتباهه وجود فريد الذي كان قد غادر سيارته ووقف أمامها معلنًا عن وجوده بتحفز، فتقدم منه وهو ينظر إليه بثقة أعلى من المعتاد ووقف أمامه وقال :
ـ خير يا فريد بيه … ولا أقولك يا فريد بس بما إننا لا مؤاخذه اخوات !
زفر فريد نفسًا محتقنًا وقال وهو يجاهد للحفاظ على ثباته:
ـ مش هتفرق قول اللي تقوله .. شايف إن الأمور بتتطور اهو بدليل وجودك مع نادر من شوية ..
ابتسم حسن ساخرًا وقال :
ـ أيوة .. أصل سالم مرسال .. أبونا .. صمم يصلح غلطته ويعترف بابن الخدامة ، وأنا بصراحة حسبتها حسبة ورقة وقلم وقلت ليه لأ ، إن جالك الغصب خده بالرضا .
هز فريد رأسه مرارًا ومط شفتيه بضجر واضح ثم قال :
ـ هايل ، معنى كده إن الأمور بتاخد مجراها الصحيح ، حلو جدا .
نظر إليه حسن متعجبًا وقال بشك :
ـ مش شايفك مضايق ولا متعصب يعني وكأن الموضوع مش فارق لك !
هز فريد منكبيه بلا مبالاة وقال :
ـ ما هو أنا فعلا مش فارق لي ، إيه اللي هيخليني أتضايق ؟! إنك هتشيل إسم العيلة أو هتبقى فرد منها ؟! ده حقك .
تعجب حسن ما قاله فريد ، وظل ينظر إليه يحاول فهمه أو سبر أغواره ثم قال :
ـ بصراحة أنا مستغربك جدا ، كنت متخيل إنك هتعترض ..
ـ ليه ؟ صدقني الموضوع أبسط من كده ، أنا لا يمكن أعارض إن أي إنسان ياخد حقه .. و ده حقك وأنا لا يمكن أجي على حقك .
وتابع بنظرة ونبرة ذات مغزى:
ـ زي ما أنا بردو مش بسمح لحد مهما كان هو مين إنه يتعدى على حقوقي .
أومأ حسن متصنعًا التفهم وقال:
ـ خلاصة القول.. ؟
أومأ فريد موافقًا وقال بثقة وهو يقف ناصبًا ظهره أمام أخيه :
ـ خلاصة القول أنا بحب نغم يا حسن ، ونغم بتحبني .. ولو مش شايف كده يبقا عندك مشكلة ، هقولها لك تاني ، أنا بحب نغم وهتجوزها .. فلو أمرها يهمك زي ما بتقول اتمنى لها الخير بس من بعيد ، كفاية أوي اللي جرى لها واللي لسة لحد دلوقتي بيجرى لها بسببك .
نظر إليه حسن بعجز ولأول مرة لم يجد ما يقوله، هو محق، في كل شيء محق، هو يحبها هذا واضح، وهي تحبه لا شك في ذلك، ويكفيها ما حدث لها بسببه هذه حقيقة مثبتة ، فتنهد تنهيدة مستاءة ثم قال :
ـ من الناحية دي اطمن، مش أنا اللي واقف في طريق سعادتها ، اللي واقف في طريق سعادتها هو الفرق بينك وبينها ، الفرق اللي مهما حاولت تلغيه مش هتعرف ، بحسبة بسيطة منك هتلاقي إن أنا ونغم أنسب اتنين لبعض، خارجين من تحت أنقاض الفقر زي بعض ومفيش حد عنده حاجه مستخبية على التاني ولا حد عنده حاجه أكتر من التاني ، انما انت وهي مستحيل ..
ابتسم فريد وهو يربت على كتف حسن باستهزاء ثم قال :
ـ بقوللك إيه يا حسن.. من رأيي تشغل نفسك بحياتك الجديدة أحسن، وسيبني أنا ونغم نشوف هندير حياتنا إزاي .. عن اذنك .
استقل فريد سيارته الفارهة تحت أنظار حسن ثم انطلق بها عائدًا إلى بيته ، وبدوره صعد حسن إلى شقته وهو يجاهد لإخفاء ضيقه، دخل فاستقبلته زينب بابتسامة عريضة وقالت :
ـ حمد الله على سلامتك يا حسن ، أحضر لك تتعشا ؟
وقف أمامها يطالعها بنظرات بائسة، ثم تجاهلها ودخل غرفته وصفق الباب بغضب، فأخذت زينب تنظر إلى الباب وهي تقول بأسى:
ـ صدقت عيشة الله يرحمها لما قالت عليك حنبلي .. بس انت مش حنبلي بس، انت حنبلي وراسك حجر صوان زي أبوك .
***
#يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق