القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية غناء الروح الفصل الثلاثون 30بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)

 

رواية غناء الروح الفصل الثلاثون 30بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)





رواية غناء الروح الفصل الثلاثون 30بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)



الفصل الثلاثون.


وقفت سيرا في ردهة المشفى الذي نُقل إليه سليم منذ ما يقرب الساعة، ولا يزال في غرفة العمليات كانت الردهة هادئة إلا من أنفاسٍ متقطعة وعيونٍ مرهقة، ويزن جالس على أحد المقاعد الحديدية منهك القوى، يضع كفيه فوق رأسه يخفي وجهه عن العالم، فيما شمس واقفة في الطرف الآخر من الردهة، تُحدق بصمت ثقيل في الباب الموصد المؤدي إلى مركز العمليات.


كان الشعور لا يُوصف، خليط من العجز والذنب ينهش روح سيرا، إذ لم تستطع ردع نجلا حين انفجرت بنظراتها الشريرة وحركاتها العنيفة، كانت تلك النظرة في عيني نجلا تلك اللمعة المريبة كفيلة بهدم بقايا رباطة جأشها، فحدث هرج ومرج في السيارة ومنذ ذلك الحين لم تنبس سيرا ببنت شفة يعتصرها الألم تغرق في صمت يشوبه بكاء شمس وصمت يزن الضعيف، ذلك الضعف البادي في ملامحه وانحناءة جسده وكأن الحياة تُفرغ منه بالتدريج، حتى المواساة فشلت فيها، مثلما تفشل الآن في أن تلحق به وهو ينهض ويغادر الردهة دون أن يلتفت!


تحركت بخطى بطيئة نحو شمس، بينما كانت يديها تقبض على مقدمة سترتها المنزوعة، تخفي جسدها بعفويةٍ ناتجة عن الحرج وعدم الاستعداد لم يكن ثمة متسع لطلب ملابس أو لاهتمام بالمظاهر، فالحزن كان أكبر من كل شيء أقوى من كل اعتبارات.


وبصوتٍ مرتجف، تقدمت خطوةً وقالت:


-ان شاء الله هيخرج بالسلامة متقلقيش.


لم تلتفت شمس، واكتفت بإيماءة صغيرة من رأسها، كما لو أنها لم تملك طاقة للكلام كانت كالشمعة المطفأة، بالكاد واقفة على قدميها حينها انفجرت سيرا بالبكاء، تقاتل كلماتها لتخرج بين شهقاتها الحارة:


-أنا أسفة، ده كله بسببي، أنا لو مكنتش اتوترت لما شفتها....


توقفت فجأة إذ باغتها بكاء شمس الهستيري، فكان يتصاعد كنحيب طائر مذبوح، وصوتها يرتجف وهي تردد بضياع:


-لا بسببي، هو قالي بلاش نقف وأنا أصريت مكنش ده كله حصل،....


ثم صمتت للحظة وواصلت بنبرة ارتجفت فيها نبرة الخوف واليأس:


-أنا ماقدرش اعيش من غيره، هو كل حياتي، دنيتي أبويا واخويا وحبيبي، سليم كل حياتي، أنا أضيع من غيره...


ثم التفتت نحو الباب المغلق ونظرت إليه كأنها تناجيه، تمسكت به كملاذٍ أخير وهمست بأسىٍ وانكسارٍ بدا وكأنه يحني كتفيها:


-هو لازم يكون عارف كده، لازم يقوملي.


تحركت مشاعر سيرا بعنفوان الرحمة وحررت يديها من سترتها لتحتضن شمس بقوة، تضمها إلى صدرها وتربت على ظهرها برقةٍ وحنو بالغ، كأنها تحاول أن تنقل إليها شيئًا من قوتها:


-هيقوم بالسلامة ان شاء الله...ان شاء الله متقلقيش.


ظلتا على حالهما تعانقان بعضهما كغريقتين تتشبثان في بعضهما كي لا تسقطا في الهاوية، حتى ابتعدت سيرا بخجلٍ مرتبك وقالت:


-هو ممكن تليفونك أكلم اهلي بس يجبولي لبس واطمنهم عليا.


أومأت شمس برأسها موافقة ثم مسحت دموعها التي لم تكن قد جفت بعد، وتقدمت نحو حقيبتها فأعطت سيرا الهاتف، أخذته الأخيرة باستحياء وتقدمت نحو نافذة صغيرة تطل على الخارج، ثم أجرت الاتصال وما إن جاءها صوت أبلة حكمت على الطرف الآخر حتى قالت بلهفة خافتة:


-أبلة، أنا سيرا.


استمعت إلى الصوت المرتجف على الجانب الآخر قبل أن تسمع صياحها:


-سيرا، دي سيرا يا جماعة...لا متنزلش القسم، ما هي بتكلمني اهي.


زمت سيرا شفتيها بقلق حين أدركت أن حكمت تحدث من حولها وقالت برجاء:


-يا أبلة ركزي معايا أنا كويسة، متخليش حد يعمل حاجة، أنا كويسة والله بس يا ريت تيجيلي وتجيبي معاكي هدوم ليا وتيجي اسكندرية على مستشفى اسمها "******".


ثم جاءها صوت أختها مفعمًا بالقلق:


-ليه انتي كويسة، حصلك حاجة؟ ومين انقذك؟ وفين يزن؟ ومين اللي كان عايز يخطفك؟


تنهدت سيرا تنهيدة طويلة تخنق فيها عبرتها تتحكم في نبرة صوتها كي لا تنفجر من القهر:


-يا أبلة لما تيجي لي أكيد هحكيلك كل حاجة، وأنا في المستشفى عشان سليم أخو يزن في العمليات دلوقتي يا ريت كلكوا تدعوله وتخلي بابا وماما يدعوله ولما تيجي تعالي انتي وابيه صافي بلاش بابا يجي معاكي وتتعبيه لإن الموضوع شكله مطول.


سمعت صوت والدها يدخل على الخط وصوته مفعم بالقلق واللهفة:


-سيرا كلميني، انتي كويسة؟ طمنيني؟


فلم تتمالك نفسها وبكت وقالت له برقة واشتياق:


-وحشتني اوي يا بابا.


-يا حبيبتي انتي بخير؟! ردي طمنيني عليكي؟ قلبي هيقف من الخوف عليكي!


تنهدت بخفة وهي تجيب بهدوء زائف عكس ما يثور بها:


-بابا أنا والله كويسة وربنا عداها على خير ببركة دعاويك ليا بس المشكلة إن سليم اخو يزن اتأذى وهو دلوقتي في العمليات والدنيا مقلوبة هنا، فممكن بعد اذنك تبعتلي أبلة حكمت وابية صافي بس لغاية ما الدنيا تهدا واتطمن على سليم اخو يزن واجيلك على طول.


هتف والدها بإصرار قائلاً:


-لا أنا هجيلك بنفسي واجي بردو اتطمن عليه!


ردت عليه بإصرار أكبر وهي تقول بتبرير:


-لا يا بابا، يا حبيبي اسمع الكلام انت تعبان ومحتاج راحة لا قد السفر ولا قد الانتظار هنا في المستشفى، وبعدين هتسيب اخواتي وماما لمين؟ ابعتلي ابلة حكمت وابيه صافي وأنا أول لما الدنيا تهدا هتصل عليك احكيلك على كل حاجة.


سمعت صوت جدال خافت يدور بينه وبين إخوتها وهو يُصر على القدوم، لكن سيرا كانت قد شردت فجأة إذ لمحت من النافذة يزن جالسًا على درج البوابة الخلفية للمشفى جسده مطوي على نفسه، رأسه بين كفيه وظهره مقوس كمَن انكسر عوده، بدا كطفل ضائع في عالمٍ لا يرحم، فانقبض قلبها عليه.


أغلقت المكالمة على عجل، وأسرعت لإعادة الهاتف إلى شمس وفي طريقها فوجئت بزيدان يدخل راكضًا إلى الردهة وعيناه مشبعتان بالذعر، وجهه مشدود بانفعال عاصف وصوته كالسوط:


-سليم ماله، هو فين؟ ردي يا شمس؟ يزن فين؟ سليم ماله؟


همست شمس ببكاء:


-اتضرب في بطنه بالمقص.


فتدخلت سيرا لتكمل بتوضيح ونبرتها تملؤها التوتر:


-نجلا بنت المعلم طلقة، ضربته بالمقص في بطنه، والناس اخدوها وسلموها تقريبًا في قسم الشرطة.


أغمض زيدان عينيه بقوة وكور قبضتيه كأنما يستعد للاشتباك مع العالم، كل عضلة في وجهه تصرخ غضبًا حتى بدا كوحشٍ جريح يحترق لينتقم إلى أن جاءه صوت شمس المرتعش:


-بقاله ساعة في العمليات ومحدش طمني يا زيدان، أنا خايفة!!


تغير زيدان في لحظة كأن الواقع اصطدم به دفعة واحدة، فانهار جالسًا على أقرب مقعد ناظراً في فراغٍ يبتلع كل شيء، عيناه تلمعان ببصيص دموعٍ لم يسمح لها بالسقوط متمسكًا بآخر خيوط كبريائه يخفي بها هشاشته، لم يكن مجرد أخ بل كانت صلته بسليم أعمق من كل الكلمات، تلك الرابطة التي لم يصرح بها يومًا ولم يسمح لنفسه حتى أن يُفصح عنها، فإن كان قد قبِل بفقد والده، فذلك لأن سليم كان ما يزال معه فكان دومًا يهمس لنفسه في أشد الأزمات..."سليم... وكفى."


                         ****


تسللت سيرا من تلك الهالة الحزينة التي كانت تحيط بالمكان، وتسللت بخفة نحو يزن، مدفوعةً بحاجة مُلحة للجلوس إلى جواره، لعلها تواسيه أو تخفف عنه وطأة الألم الذي يُثقل روحه، فقد كان خير سندٍ لها وخير حافظ طوال فترة اختطافهما.


اقتربت دون أن يشعر وجلست بقربه بينما هو ما زال منكفئًا برأسه، كأن الهم قد سحق كيانه رفعت يدها المرتعشة، ترددت للحظات قبل أن تمدها نحوه، ثم تماسكت ولمست شعره الكثيف بهمسة حنونة ونبرة مرتعشة:


-يزن، انت كويس؟


لم يجب....بقي على حاله يحجب وجهه عنها، يزيد من قلقها فاقتربت منه أكثر وبصوت تخنقه العاطفة:


-يزن، رد عليا، اجبلك دكتور؟


رفع نصف وجهه أخيرًا فكُشف الستار عن أنهار حزنه، دموع غزيرة تسيل على وجهه وعينان فقدتا لمعانهما تحت وطأة الدمع...أما صوته حين خرج كان كمَن فقد كل قواه ممزوجًا ببحة موجوعة، جعلتها تشعر برغبة في البكاء معه، فبكاؤه كان يشبه بكاء طفل صغير أنهكه الخوف من فقدان والده، لم يكن كما رأت دموع زيدان...بل شيء أعمق شعور عجزت عن وصفه.


-ان شاء الله هيبقى كويس متقلقش.


عض على يده بقسوة وكأنه يعاقب نفسه وهمس بصوت بالكاد يُسمع مخنوق بالحسرة:


-أنا السبب...أنا اللي وصلته إنه يحصل فيه كده.


جرت دموعها بلا مقاومة ووجدت نفسها تتولى عبء اللوم عنه بكل شجاعة، وهي تهز رأسها نافية ما قاله:


-لا أنا السبب أنا اللي خوفت زيادة ووترتك وخليتك مش عارف تتصرف معاها، أنا أسفة.


لم يكن يقصد لومها لكن الشعور بالذنب كان قد اجتاحه بالكامل، وشعر أنه مذنب بسبب نزواته العابرة وإن بدت بريئة، لولا تعارفه على ابنة المعلم طلقة "فايزة" لما خطر ببال المعلم الطلقة كوسيلة لإنقاذ ابنته الثانية من فضيحة تلاحقها بين مجرمي الحارة!


لاحظ يدها الموضوعة فوق يده تربت برفق على كفه تنظر إليه بعينين تغمرهما البراءة، فشعر أنه لا يستحق تلك النظرة لكن شيئًا آخر أثار انتباهه، قبضتها التي كانت تضغط بقوة على مقدمة سترتها الممزقة حيث مزقتها نجلا بعنف فهب فجأة وهو يهمس بقلق:


-استني، استني ماتتحركيش، ازاي ماتنبهنيش.


رأى ممرضة تمر على مقربة منهما فتوجه إليها مسرعًا وتحدث معها لبضع كلمات، فأومأت برأسها وهي تُلقي نظرة سريعة نحو سيرا التي بقيت في مكانها تتابع المشهد بعدم فهم، عاد بعد لحظات وهو يحمل سترة طبية بيضاء مخصصة للعاملين بالمشفى.


وقف خلفها بهدوء، يضع السترة على كتفيها لتغطي نفسها، وظل واقفًا إلى أن تأكد من أنها أغلقت الأزرار جيدًا، امتنت سيرا لتصرفه النبيل، واحمر وجهها احترامًا لهذا الرجل الذي يُعاملها برقيٍ لا يُشبه أبدًا ما سمعته عنه من حورية، كيف يمكن لهذا الإنسان أن يكون من هواة التسلية بالفتيات؟!


جلست بجواره مجددًا وقد اتخذت قرارًا بألا تسمح له بالعودة إلى ظلال حزنه، فأرادت أن تملأ الفراغ بالحديث حتى لو بالكلمات المترددة، فقالت ببسمة رقيقة:


-باين عليك متعلق بأخوك الكبير؟


رفع عينيه المُحمرتين نحوها وبسمة حزينة ترتسم على شفتيه:


-سليم كل حاجة في حياتي حرفيًا، أنا كبرت واتربيت على ايده، مقدرش اتخيل حياتي من غيره.


ابتسمت له بحنان وبنبرة مجروحة كأنها تداويه بكلماتها:


-تعرف أنا لاحظت كمان أن هو بيحبك، حسيت وقتها إنها مش مجرد علاقة اخوات، علاقة....


قاطعها يمسح دموعه التي بات يجهل عددها وقال بألم غائر:


-ده أبويا...أبويا التاني، بحترمه وبقدره وبخاف منه وبخاف عليه، سليم ضحى بحاجات كتير اوي عشانا، أنا عمري في حياتي ما أقدر اعوضه ولا اعوض افضاله عليا.


ربتت على كتفه وقالت بتوتر وحيرة:


-طيب وزيدان؟!


بدت ملامحه حائرة فأعادت هي صياغة السؤال:


-علاقتك بيه، بتحبه زي سليم كده؟!


غاصت أصابعه في شعره الكثيف يشد عليه كأنه يحاول أن يُخرج الكلمات من داخله، ثم أجاب بشرود:


-سليم علاقتي به متتقارنش بحد، سليم أبويا، أنا وعيت على الدنيا هو كل حاجة في حياتنا، مفيش حاجة بتحصل إلا برأيه، ولا بنقدر ناخد خطوة إلا لما يكون موافق، عمود البيت وسندنا في الحياة بعد أبويا الله يرحمه، أما زيدان...


أخرج زفيرًا حارًا من صدره وتابع:


-زيدان ده صاحبي، وسري، يعني بنتخانق كتير، بس عمري في حياتي ما قدرت انام زعلان منه.


كانت تنظر إلى ملامحه المنكسرة وقد أسرها دفء العلاقة التي تجمعه بأخويه فخرجت كلماتها كما هي دون ترتيب:


-عارف يا يزن اللي يشوفك من برة، يقول شخص مبيهموش إلا نفسه، بس لما قربت منك عرفت إنك قد إيه بتحب عيلتك وبتقدرهم، وده احسن حاجة، مفيش أحسن من التقدير.


لم ينظر إليها بل ثبت نظره على نقطة غائبة في الفراغ، وهتف بصوت مرتجف بعدما نجحت أخيرًا في سبر أغوار قلبه:


-أنا أهلي عملولي كل حاجة حلوة ومايستاهلوش مني إلا كل حاجة حلوة وده أبسط تقدير ليهم.


مالت برأسها وهي تنظر إليه بإعجاب وابتسامة خافتة:


-انت عارف كل شوية بكتشف فيك حاجات جديدة.


رفع عينيه إليها وقد خف وهج الحزن قليلًا وسأل بفضول واضح:


-وإيه الاكتشاف الجديد؟!


ابتسمت بمكر طفيف:


-نطيت على طول على جديد طيب متسألش على القديم الاول؟


تنهد بعمق وأسند رأسه إلى الجدار خلفه وردد بلهجة تظاهر فيها باللامبالاة وإن كان داخله يتقلب شوقًا:


-لا ماليش خلق، يهمني الجديد....القديم كده كده مضروب بالجزمة.


وضعت يدها أسفل ذقنها وقالت ببسمة بسيطة، وقد حاولت كبح جماح كلمات قاسية كانت على وشك الإفلات:


-أنك راجل والكلمة دي في نظري ماتتقالش لأي حد، كنت فاكرة إنك عيل توتو بس كسرت توقعاتي.


فجأة صُدح صوت زيدان بجانبهما قاطعًا خيط لحظتهما:


-يزن، انت كويس؟


نهض يزن ليستقبله، وبسمة باهتة على وجهه، لكنها كانت تحمل بذور الأمل:


-زيدان انت جيت امتى؟ ومين قالك؟


أجابه زيدان وهو يلقي نظرة سريعة على سيرا:


-جيت من شوية بس الظاهر أن سيرا نسيت تقولك، ومين اللي قالي مليكة وبعدها.....


وسرد عليه تفاصيل لقائه مع سليم أمام منزل المعلم الطلقة وكيف تمكن من القبض عليه وعلى رجاله إلى أن تلقى خبر إصابة سليم.


-الحمد لله إنك موجود.


-متقلقش أنا ان شاء الله حاسس إن سليم هيقوم منها والبت اللي عملت فيه كده أنا مش هسيبها.


هتفت سيرا على الفور، رافعةً يدها كمَن تُوقف تيارًا من الغضب:


-لا....حرام اقصد هي مريضة نفسيا ومش مدركة للكارثة اللي عملتها، وبعدين ابوها السبب مش صح يا يزن؟


لم يجب يزن وظل صامتًا إذ كان مشهد سليم وهو يسقط غارقًا في دمائه يحرض في أعماقه رغبة عارمة في الانتقام...رغبة تكاد تنسيه أن نجلا بكل جنونها وخطرها، ليست إلا مريضة مسكينة لا حول لها ولا قوة، تملكته الكراهية حتى خشي على نفسه منها، فظل شاردًا بعينين جامدتين.


وفي تلك اللحظة قطعت سيرا عليه شروده بنبرة حازمة حادة، ولهجتها تطغى عليها نغمة الإصرار:


-هي لازم تتاخد من أبوها وتتحط في مستشفى للامراض العقلية، هتبقى في مكان أمان، ابوها واهلها مش عارفين ياخدوا بالهم منها، مش صح يا يزن؟


كررت السؤال وكأنها تحاول انتشاله من غياهب أفكاره القاتمة، فأفاق أخيرًا متنهدًا بعمق كأنما يلفظ ثقلًا عالقًا في صدره ثم حرك رأسه بإيماءة خفيفة وقال بصوت مكلوم:


-دي حقيقة وجود البت دي خطر، لازم تتحط في مستشفى وناس مسؤولة.


زم زيدان شفتيه ولم ينبس بكلمة، كأن ما قيل للتو كان كافيًا لإثارة عاصفة صامتة في داخله، وما لبث أن جاءه اتصال من قسم الشرطة فابتعد قليلاً ليرد وقد ارتسم على وجهه توتر لم ينجح في إخفائه.


استغلت سيرا الفرصة، وتقدمت نحو يزن بخطى حذرة، وهمست إليه بصوت مرتجف يشوبه التوتر:


-يزن انت زعلت مني؟ والله أنا مابدافع عنها، بس كل الحكاية إنها زي ما أذت سليم أخوك، تأذي أي حد تاني.


تأملها يزن لوهلة، وقد رأى في عينيها صدقًا دفعه للإعجاب بها من جديد، خافت عليه....وقلقت لمجرد أنه ربما شعر بالحزن منها، وذلك وحده كان كافيًا ليرق قلبه، ابتسم لها برفق ونفى برأسه مطمئنًا:


-لا مازعلتش، متقلقيش أنا مش صغير لدرجادي، يلا نطلع نقف مع شمس.


زفرت سيرا زفرة ارتياح وأومأت برأسها في طواعية... ثم سارت بجانبه بخطى أكثر اطمئنانًا، كأنما وجدت في قربه مأمنًا.


                               *****

وقفت يسر أمام باب شقتها بعد عناء طويل في محاربة نفسها لتجاهله، غير أنها لم تستطع مقاومة حنينها وعنفوان رحمتها به، لا سيما بعد أن شاهدت بعينيها شجاره مع أخيه، ذلك المتبلد قاسي المشاعر.


 لقد بدا لها حينها وكأنه يعاني وحده في تلك الفترة، دون أن تدري هي شيئًا عن ألمه، لذا تحركت خلفه دون وعي، وها هي تقبض بكفها فوق يد ابنتها، التي استغلتها كمبرر تلوذ به كي تتبعه، رغم أنها لا تعلم شيئًا عن وجهته حين فر بسيارته هاربًا من عينيها ومن هذا العالم بأسره، وما إن أبصرت سيارته مركونةً أسفل البناية، حتى شعرت براحة غريبة تتسلل إلى صدرها.


طرقت الجرس وانتظرت قليلاً، حتى فُتح الباب وظهر وجهه العابس، وقد ارتسمت على ملامحه دهشة خفيفة لوجودها؛ لم يتخيل قط أن يراها أمامه أو أن تلحق به، فخرج صوتها متذبذبًا حين قالت:


-ادخلي يا لينا يلا جيبي العابك اللي انتي عايزاها.


رفعت الصغيرة عينيها وغمزت لوالدتها غمزة طفيفة، جعلت وجه يسر يحمر كحبة طماطم ناضجة، هرولت الصغيرة صوب غرفتها سعيدة، بينما تجاهلت هي نظراته وقامت بإزاحته من طريقها وهي تتقدم إلى الداخل قائلة بنبرة مختصرة:


-هنجيب العاب لينا بسرعة ونمشي متقلقش.


لان وجهه بابتسامة ساخرة حين أدرك مقصدها، فهز رأسه بيأس وأغلق الباب خلفها، ثم توجه نحو المطبخ ليعد فنجان قهوته عله يسكن آلام رأسه المميتة، فمنذ تلك المواجهة مع والدته، وكلماتها القاسية لا تزال تتردد في أذنه، ممزقة صدره وعقله معًا.


اقتربت يسر من المطبخ، وقد عقدت ذراعيها أمام صدرها، ثم تساءلت بسخرية ظاهرها المزاح وباطنها الاستفزاز:


-من امتى وانت بتعرف تعمل قهوة؟!


التفت نصف التفاتة وابتسامة ساخرة تلوح على محياه، بينما يداه تحركان مسحوق القهوة في الماء بإتقان وهدوء تام، وكأنه يدرك تمامًا أنها ستأتي خلفه، فأجاب بخشونة يغمرها التهكم:


-اتعلمت، مش عايش لوحدي؟ ومراتي سايبني!


تقدمت نحوه خطوة أخرى، والسخرية تعلو صوتها وابتسامتها المستنكرة ترتسم على وجهها:


-يلا حظك كده، هتعمل إيه؟! معلش مراتك جاحدة.


 ترك القهوة تمامًا ونظر إليها متأملًا ملامحها التي اشتاق إليها كثيرًا، فخفض صوته قائلًا بنبرة اشتياق تسللت منه رغمًا عنه:


-لا هي مش جاحدة، هي دماغها مفوتة بس، ربنا يهديها.


احتدت نبرتها وهي تعبس في وجهه، تصده عن نظراته:


-والله ما حد دماغه مفوتة غيرك يا نوح.


ضحك ضحكة خفيفة، وعاد إلى قهوته مردفًا بعتاب زائف:


-انتي جاية تتخانقي معايا؟ جاية تكملي عليا؟


اقتربت منه أكثر تلقي عليه اللوم بشراسة، دون أن تعي تمامًا ما نطقت به:


-ما انت اللي بتضايقني، بتضايقني ليه وأنا جاية وراك عشان.....آآآ أقصد عشان العاب لينا.


ابتسم مجددًا ضاحكًا بخفة، ثم غمرها بنظراته الحنونة والمشتاقة، واقترب منها وهو يقول بهدوء تملؤه مشاعر دافئة رغم ما أحدثه قربه من اهتزاز نفسي عنيف بداخلها:


-امممم العاب لينا مهمة جدًا، بس متقلقيش هي جامدة وقادرة تقف على رجليها مش شوية كلام هيهزوها.


واجهته بصراحة وقد غلب عليها الحزن والحيرة، تخشى أن تكون هي السبب في زعزعة علاقته بأهله:


-هو أنا كنت بغلط في اهلك، أو كنت بعمل فيهم حاجات بتزعلهم مني؟ أنا يعلم ربنا كنت بعاملهم زي أهلي ولا عمري اشتكتلك منهم ولا عمرهم أظن اشتكوا مني في حاجة؟


تنهد بقوة وضغط على نفسه ليجيب رغم أن كلماته جاءت مبهمة على عادته:


-المشكلة مش فيكي يا يسر؟ المشكلة فيا أنا وعلاقتهم بيا!


عقدت ما بين حاجبيها بحيرة ظاهرة محاولة سبر أغوار ذلك الغموض الذي يكتنفه:


-غريبة يا نوح عمري ما لاحظت حاجة بينكم، إيه اللي جد؟


ترك موقعه أمامها وتوجه بخفة إلى قهوته مجددًا، يشعل النار تحتها وأجاب باقتضاب كأنه يدرك تمامًا أن كلماته ستثير تحفزها:


-عمرك ما لاحظتي عشان كنتي مشغولة بحاجات تانية، هتجوز عليكي امتى؟ بخونك ولا لا؟ فطبيعي عمرك ما هتلاحظي إني على طول بعيد عنهم.


لم تمهله الرد بل اقتربت وهي تُلقي عليه اتهاماتها بعنفوان شرس فصاحت:


-مترميش اتهامات وخلاص يا نوح؟ ولو كنت أنا مشغولة بالحاجات دي عشان حضرتك السبب في كده، انت لو كنت مخلي علاقتنا عادية زي بين أي اتنين متجوزين، أكيد كنت هلاحظ إن في حاجة، بس انت على طول بعيد ودايمًا مخبي.


نظر إليها مبررًا مشاعره وما كان يعيشه من جفاء:


-عشان مكنتش بلاقي في عينك الاهتمام يا يسر، فكنت بسكت وبكتفي باللي بمر بيه لوحدي!


اغرورقت عيناها بالدموع وهي تدافع عن نفسها بصوت مهتز:


-وليه؟! يعني انت لو جيت وحكيتلي أنا كنت مسمعتش ولا اهتميت؟ أنا مش وحشة اوي كده يا نوح.


ترك قهوته وعاد إلى موقعه أمامها، يهتف بضعف مماثل لكن الفرق بينهما أنها قادرة على البكاء، على إظهار ضعفها، أما هو فكرامته تمنعه؛ لن يبكي حتى إن أظهر ضعفه فسيبدو في نظر نفسه هشًا جدًا:


-ولا أنا وحش يا يسر، اقسم بالله أنا ما وحش، أنا بس....بس تايه وحاسس أن انا مخنوق ومش عارف اعبر عن أي حاجة ولا عارف أنا عايز أيه؟


هدأت ثورتها أمام صدق كلماته التي لامست فؤادها، وقالت برقة رغم أن دموعها ما زالت تترقرق في عينيها:


-انت لو حابب تتكلم أنا موجودة وهسمعك؟


صمت للحظة ثم قال بهدوء يغمره الرجاء الصامت، وكأن أمنيته أبسط مما يُقال، لكنها عنده كانت أعمق مما يُرجى:


-أنا مش عايز أي حاجة غير إن ادخل أنام وتكوني جنبي...متعمليش أي حاجة غير إن احس إنك جنبي وبس.


تساءلت بصوت مرتجف وهي تنظر نحو القهوة، تحاول قمع رغبتها في احتضانه واحتوائه:


-طيب والقهوة؟


أطفأ النار بسرعة، وأمسك بذراعها يجذبها خلفه، مردفًا بسعادة ضمنية تملأ صوته:


-كنت بعملها عشان اسهر عشان كده كده مش هعرف انام، بس انتي موجودة يبقى ملهاش لزمة!!


دخلا معًا غرفتهما فشعرت بالحنين الجارف إلى هذا الركن الدافئ الذي جمعهما يومًا، لكنها لم تنسَ سر تلك الملابس النسائية الغريبة التي وجدتها، فغلبها شعور بالغيرة والغضب والنفور، ولكن نظرتها إليه وهو مستلقٍ على فراشهما ممسك بكفها، يضعه تحت وجهه وكأنه يخشى فراقها، جعلتها تستكين....فبدا كطفل صغير يخشى فقدان والدته، ويشعر بالأمان بقربها


                                ****

خرج أخيرًا الطبيب المسؤول من غرفة العمليات، وعلى وجهه ابتسامة مطمئنة تبعث الأمل في القلوب المتوترة، وقف أمامهم بثبات، ثم قال بهدوء أثلج صدورهم جميعًا:


-الحمد لله قدرنا نوقف النزيف، ومصابش أعضاء حيوية، بس هيحتاج يقعد في العناية المركزة تحت الملاحظة.


شعرت شمس كأن كتلة من الثلج قد استقرت في جوفها، فابتلعت ريقها بصعوبة بالغة ثم سألته برجاء يعلوه الارتجاف:


-ممكن ادخل اشوفه؟


أجابها الطبيب بنبرة آسفة لكنها حاسمة:


-لا لأسف مايمنفعش دلوقتي، ادونا وقتنا بس نطمن عليه احنا الاول وعلى صحته وصدقيني هتطمني عليه، وبعدين يا جماعة الحمد لله عدت على خير.


كانت كلمات الطبيب كأنها سُور من طمأنينة التف حول قلوبهم، لكنها لم تكن كافية لتهدئة ذاك الاضطراب الكامن في صدر شمس، فتقدم زيدان منها وقد قرأ بوضوح ما يخالجها من قلق ولهفة، فقال برفق:


-متقلقيش يا شمس، أكيد كده احسن له، الحمد لله.


في تلك اللحظة، خرج صوت يزن بعد فترة طويلة من الصمت، وقد نطق كمَن تنفس الصعداء أخيرًا، وهو يجلس على المقعد المجاور:


-الحمد لله.


التقطت سيرا تلك اللحظة بعين فطنة وقلب حنون، فابتسمت برقة وكادت أن تتجه لتجلس إلى جواره، إلا أن عينيها وقعتا على شمس التي كانت لا تزال ترتجف وقد بدا واضحًا أنها على وشك الانهيار، فتقدمت منها بخطى هادئة ثم أحاطتها بذراعيها، تضمها بحنانٍ صافٍ وهمست إلى أذنها ببضع كلمات رقيقة، كمَن يبث دفء الطمأنينة في جسد مرتجف، علها تخفف من وطأة الخوف الجاثم فوق قلبها.


                            ****


شعرت سيرا بحاجة عارمة إلى استنشاق بعض الهواء، كأن رئتيها قد ضاقتا ذرعًا بكل ما دار في الساعات الماضية، نظرت نحوهم فوجدت يزن المنهمك في أفكاره، زيدان الذي يتابع شيء ما على هاتفه باهتمام، وشمس التي بالكاد تلتقط أنفاسها، انسلت بهدوء دون أن تُحدث جلبة، وتوجهت نحو ردهة أخرى بالمشفى، حيث نافذة تطل على حديقة أخرى وكبيرة.


وقفت أمام النافذة ووضعت كفيها على الحافة الباردة، وأغمضت عينيها للحظات، الهواء كان خفيفًا، باردًا نوعًا ما لكنه قادر على تهدئة شيءٍ من تفكيرها المتكدس، لم تكن تدري أن حاجتها تلك للابتعاد، لم تكن من الإرهاق وحده، بل من وجود يزن تحديدًا؛ ذاك الحضور الذي يهيمن على قلبها دون إذن، فتجد نفسها تتابع نبرات صوته....نظراته، وحتى صمته.


تنهدت طويلًا واستدارت بهدوء لتغادر، إلا أن صوتًا غريبًا مألوفًا حد الرعب، اخترق سكون اللحظة:


-لعبتييييي، حبيبتي انتي رجعتيلي، أنا بحبك اوي يا لعبتييي.


شهقت سيرا وهي تحدق في ملامح نجلا، كيف استطاعت الهرب من قسم الشرطة؟ وكيف أتت إلى المشفى؟! فكانت نظراتها الطفولية الغريبة تلمع ببريق غير متزن، تقدمت منها نجلا بخطى سريعة وابتسامة عريضة مشوشة، ويدها تمتد كأنها ستلتقط دميتها المفضلة:


-تعالي يا لعبتتتي أنا مبسوطة اوي عشان لقيتك، بعد ما الاشرار كانوا هيخدوكي مني.


تراجعت سيرا تلقائيًا، والذعر يغزو ملامحها، وصرخت بانفعال:


-نجلا...أنا مش لعبتك، أنا بني آدمه، افهمي...


لكن نجلا لم تكن تسمع، كانت تغوص أكثر فأكثر في عالمها الموازي، عالم مليء بالألوان والدمى والكائنات الساكنة التي لا تعارض....وفجأة أخرجت من حقيبتها الصغيرة ذلك المقص، ورفعته أمام عينيها وهي تبتسم بفخر:


-هنقص شعرك الطويل زي الحرير يا لعبتتي وبعدها نعمل حفلة.


صرخت سيرا وابتعدت بفزع تحاول التملص منها، غير أن نجلا كانت أسرع، وأمسكت بطرف ثوبها:


-رايحة فيني لا يمكن تهربي مني، يلا عشان نعمل حفلة حلوة اوي.


وفجأة شق صوت مألوف سكون الممر، صوت يشي بالقلق والحنان معًا، كانت أبلة حكمت قد ظهرت من الطرف الآخر تسير بخطًى مسرعة وهي تنادي باضطراب:


-سيرا...مالك؟ مين البت دي.


وقعت عيناها في تلك اللحظة على ملامح سيرا المرتجفة، وعلى الفتاة الغريبة التي تقف أمامها حاملة مقصًا في يدها، فهرولت حكمت صوب أختها، ومدت يدها تشدها من كتفها لتحتضنها، تمسكت بها سيرا كما يتشبث الغريق بطوق نجاة، وهمست بصوت مرتعش:


-أبلة دي مجنونة.


لم تنتظر حكمت كثيرًا لتفهم بل وجهت نظراتها الغاضبة نحو نجلا ثم صرخت بحدة:


-مجنونة على نفسها، انتي مين يا بت؟!


رفعت نجلا رأسها ببطء وفي عينيها بريق غريب، مزيج بين الطفولة والسواد، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة، تحمل خلفها تشوهات نفسية لا تُرى بالعين المجردة، وقالت بهدوء مشؤوم:


-أنا نجلا


تقدمت حكمت خطوة للأمام، تقف بين أختها وبين هذه الغريبة وقالت بنبرة جافة، تكاد تخفي وراءها غليانًا داخليًا:


-وعايزة إيه من أختي يا ست نجلا؟


لم تكن تعلم أن مَن تقف أمامها لم تكن تزن الأمور بمنطق بشري، وأنها ترى في سيرا شيئًا آخر تمامًا، شيئًا لا يحتمل المنافسة عليه، فرفعت نجلا رأسها مرة أخرى وعيناها تتسعان بجنون، ثم همست ببطء:


-دي مش أختك..دي لعبتي.


وقبل أن تتمكن حكمت من إدراك ما تعنيه كلماتها، اندفعت نجلا نحوها بغتة وغرزت المقص في صدرها بقوة ووحشية مفرطة، كأنها تطعن وحشًا يُهدد عالمها الطفولي المتصدع.


شهقت حكمت شهقة طويلة...عالية، ملأت أرجاء الردهة، وارتج جسدها من شدة الصدمة، ثم ترنحت قليلًا إلى أن انهارت أرضًا، لم يكن هناك وقت للوداع، ولا فرصة للكلمات الأخيرة، فقد ذهبت روحها إلى بارئها في لحظة صافية، تاركة خلفها جسدًا هامدًا، ودموعًا معلقة في عيني سيرا.


أما سيرا...فقد كانت ترتجف بعنف، جسدها ينهار قطعة قطعة، وعيناها متسمرتان على جسد أختها، غير مصدقة..شفتاها تتحركان دون صوت كأن الروح خرجت معها، وبقي الجسد وحده يراقب هول المصيبة.


                             ****


في شقة نوح.


غفت يسر قليلًا بجانب نوح، وقد بدا أن شعور الأمان الذي ظنت أنه يحتاجه، كان في الحقيقة ما تنشده هي، لم تدرك كم كانت مرهقة حتى سكنت بجانبه...

غير أن سكون اللحظة لم يدم طويلًا؛ إذ دوى جرس الباب فجأة قاطعًا خيوط الراحة، حاولت يسر النهوض بهدوء، إلا أن نوح تمسك بها كمَن يخشى أن تفلت منه الحياة مجددًا، فاضطرت لفك تشبثه برفق، وتسللت خارج الغرفة على رؤوس أصابعها.


بدأت تبحث عن ابنتها بعين قلقة، وسرعان ما وجدتها نائمة فوق أريكة كبيرة في الصالة، تحيط بها ألعابها المتناثرة، ارتسمت ابتسامة حنونة على ملامح يسر، ومالت فوق الصغيرة ترتب خصلات شعرها بعناية، ثم توجهت صوب الباب، وما إن فتحته حتى تسمرت في مكانها، وعلت الدهشة وجهها، فقد وجدت حسناء واقفة أمامها، تنظر إليها بعينين متسعتين من المفاجأة، وقد شهقت بخفوت وقالت:


-يا خبر، هو انتي هنا يا مدام!!

تكملة الروايه من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااا


تعليقات

التنقل السريع