رواية كبرياء صعيدي الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون الأخير بقلم نورا عبد العزيز
رواية كبرياء صعيدي الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون الأخير بقلم نورا عبد العزيز
كبرياء صعيدي
الفصل الســـادس والعشرون (26) بعنــــــــــوان " للعشق حربه الخاصة"
أتسعت أعين "كارما" على مصراعيها بعد أن سمعت بخبر القبض على والدها مع "خضرة" والحفرة التى صنعت بيديها والدها من سقط بها، ترجل "خديجة" من الأعلى مُرتدية بنطلون فضفاض أصفر اللون وعليه قفطان أسود طويل لا يظهر معالم جسدها من وسعه وطقطقة حذاءها العالي ترن فى أرجاء المنزل، ألتفت "كارما" على صوت خطواتها لتقول مُتلعثمة من هول الصدمة:-
_ أنتِ رايحة فين؟
_ رايحة أشوف جوزى يا بنت جوزى، جدمك جدم أسود علينا
قالتها "خديجة" رافعة يديها للأعلى تضع الطرحة الصفراء على رأسها، حاملة حقيبتها فى ذراعها لتغادر المنزل، صعدت "كارما" إلى غرفتها بسرعة جنونية وأحضرت حقيبة السفر وبدأت تجمع أغراضها بخوف من نيران إنتقامها التى أحرقتها .......
_____________________________________
وقف "مصطفى" فى الشرفة الخارجية لغرفة الفندق يتحدث فى الهاتف مع "عيسى" يقول:-
_ هى أصرت أننا نسيبه فى حاله ومنأذهوش بس طبعًا الرجالة زمانهم جايبينه لحد عندِك
تنهد "عيسي" بأريحية من قبضه على "عامر" وأخيرًا سيتكمن من أخذ ثأره من هذا الوغد الذي دهس قلب أخته وكاد أن يتسبب فى فضحها أمام الجميع، سأل بقلق:-
_ أنتوا فين أكدة؟
_ إحنا فى إسكندرية، فيروزة حبت تجعد هنا شوية، تغيير جو السرايا وتبعد عن الناس
قالها "مصطفى" بيما ينظر من خلف زجاج النافذة على "فيروزة الجالسة على الفراش تضم يديها ببعضهم بحزن واضح فى ملامحها رغم طلبها بأستكمال هذا الزواج والبقاء مع "مصطفى" لكن حزنها وخذلان قلبها وعقلها يحتل معالم وجهها ورجفة جسدها، تابع "عيسي" الحديث بجدية صارمة:-
_ ماشي، خليها تغير جو وتريح أعصابها شوية، خلى بالك منها يا مصطفى
أومأ إليه بنعم، رأى "عطر" ارتدت ملابسها وتستعد للنزول إلى والدها الذي ظهر فجأة هكذا دون سابق إنذار فقال بجدية:-
_ أنا هكلمك تاني يا مصطفى
أغلق معه الهاتف وأتجه إلى "عطر" قبل أن تغادر الغرفة يمسك رسخها بينما هي تمسك بمقبض الباب فهتف بقلق:-
_ عطر، خلينى أنا أتكلم معاه
رفعت "عطر" عينيها بزوجها الشامخ الذى يقف أمامها ورغم محاولتها جاهدة فى الوقوف بصمود وهي قد جاءت الآن من المستشفي لكن بشرتها شاحبة وباهتة تهز هذا الصمود فقالت برفضٍ قاطعٍ :-
_ أنت أخر مرة شوفت عمك يا عيسي؟!!
ألتزم "عيسي" الصمت بينما عينيه تحدق بزوجته المريضة وتعافر مقاومة المرض لأجل هذا اللقاء، أخذ بيدها مُساندًا إياها للخارج فتنهدت بقلق مما هو قادم بعد ظهور الغائب ثم قالت بنبرة خافتة:-
_ سيبني أتكلم معاه يا عيسي من غير ما تمنعني
أومأ إليها بنعم، وصلوا للأسفل معًا لترى والدها الذي وقف من مكانه فور نزولهما، توقفت قدمي "عطر" بدهشة من رؤيته مُنقبضة القلب من رجفة اللقاء، مع رؤيته رأت لحظة شجار هؤلاء الرجال معها مطالبين بأموالهم الذي سرقها "ضياء" وهرب، تطلعت بوجهه وعينيه التى تنظر إليها بقوة مُتشبثٍ بها كأنه أدرك للتو أن لديه ابنة وجاء يبحث عنها، تقدمت خطواتها بصحبة زوجها دون أن تبعد عينيها عنه وتتفحصه بحالته التى يرثي لها وملابسه الفوضوي التى تظهر دهس الدنيا له وكأنه كان مع الحياة فى صراع داخل حلبة المصارعة وقد هزمته، أقترب منها بسعادة تغمره يعانقها بينما يلفظ أسمها بدفء:-
_ عطر ، حبيبتي وأخيرًا لاقيتك
لم تشعر بدفء عناقه، بل تملكها شعور الأشمئزاز من هذا العناق فدفعته بعيدًا عنها وتزدرد لعابها من لقاء عينيها مع عينيه فقالت بنبرة جادة:-
_ لاقتني !! دا على أساس انك كنت بدور عليا ، مش كدة؟
هز رأسه بنعم مُجيبٍ على حديثها الذي شعر منه أنها تستهز به، جلسوا معًا و"عيسي" ينظر إليه بصمت ويشعر من تعابير وجهه انه جاء لشيء أخر، عينيه لم تكن مُشتاقة لأبنته واللهفة لم تظهر فى لقاءه بها، أدرك "عيسي" أن "ضياء جاء من أجل شيء خفى لم يبوح به بعد، سألته "عطر" بفضول يقتلها:-
_ أنت عرفت منين أنى هنا؟
_ روحتلك البيت والبواب قالى أن أخر مرة شافك كنت مع راجل بجلابية وعمة وحِنة قالت للجيران أنه جوزك وابن عمك ، عرفت أنك هنا؟ أتجوزتي مين فيهم؟
سألها بفضول شديد بينما عينيه أنتقلت إلى "عيسي" الجالس جوارها يُريد أن يعرف من هو من أبناء أخواته؟ أكمل حديثه بفضول شديد:-
_ نصر ولا عيسي ولا خدتي أخر عنقود العيلة خالد؟
توقع أن تُجيب بمنتهي الأخلاق والأدب كما اعتاد عليها لكنها فجأته بنبرتها الحادة وسخريتها منه فى الكلام قائلة:-
_ عيلة!! أنت تعرف العيلة؟ مش المفروض من باب أولى انك تعرف يعنى اي بنت وأب قبل ما تعرف يعنى أي عيلة
أتسعت عينيه على مصراعيها من جوابها وصدمته جعلته يفقد أعصابه مُنفعلًا حين أنزل قدمه عن الأخر حادقًا بابنته التى تُجيبها هكذا وقال رافعًا نبرته قليلًا:-
_ عطر!! إياكِ تنسي أنى أبوكي ولما تتكلم معايا تتكلمي بأدب، أي قلة الأدب اللى أنت بقيتي فيها دى
كادت أن تُجيب عليه لكن استوقفه صوت "عيسي" الذي تنحنح بجدية وبدأ حديثه قائلًا:-
_ أحم عمي!! كونك عمي أولًا على عيني ورأسي وكونك حمايا ثانيًا مفيش مانع وكونك فى داري ماشي نبلعها لكن أنا لا عاش ولا كان ولا لسه أتخلج على ضهر الأرض اللى يرفع صوته فى مرتي ولا يكلمها بالطريجة دى
حدق "ضياء" بوجه "عيسي" الحاد وعقدة حاجبيه الغليظة التى جعلته يشعر بالخوف قليلًا ربما لأنه لا يعلم حتى الآن من هذا الرجل الذي يجلس أمامه فقال بخنق شديد:-
_ مراتك اللى بتكلم عنها دى بنتي قبل ما تكون مراتك، ولو عايز أكسر رأسها هعمل كدة متتنفخش أوى كدة قصادها
نظرت "عطر" إلى "عيسي" الذي تتطاير شرارة الغضب من عينيه من طريقة حديث "ضياء" معه دون كُلفة وأستفزاز مما جعله يكاد يقف من محله لكن أوقفه يد "عطر" التى تشبثت بيده قبل أن يقف تمنعه من أذي والدها وجد ابنها، نظر إليها بغيظ وكز على أسنانه من الضيق ثم عاد بنظر إلى وجه "ضياء" الذي تبسم من جلوس "عيسي" من جديد بعد دفاع ابنته عنه ومنعه من فتح أبواب العنان للغضب على والدها، تابع "عيسي" الحديث بنبرة تهديدية أرعبت "ضياء" من مكانه على الأريكة:-
_ سألتها أتجوزت مين؟ أنا عيسي الدسوقي وبما أنك متعرفش هى اتجوزت مين؟ يبجى لسه متعرفش برضو مين عيسي الدسوجى، شكلك أكدة جيت من الجطار علي أهنا ومسألتش حد فى البلد فواضح أنك جاهل
رفع يده التى تمسكها "عطر" للأعلي وتابع حديثه بنبرة قوية غليظة:-
_ أفتكر يا عمي أنك لسه بتتنفس دلوجت وجاعد جصادي بفضل اليد الصغيرة دى
تحدثت "عطر" بنبرة خافتة وقد تمكن المرض منها وبدأ جسدها المُنهك يتمرد على رغبتها فى البقاء وقيادة هذا الحديث ورؤية والدها كانت كفيلة بأصابتها بالمرض أكثر فطلبت بهدوء مُستعطفة زوجها بأمال فى قلبه العاشق لها بأنه لن يرد لها طلب:-
_ خلاص يا عيسي، بعد أذنك خليه يطلع يرتاح وأنا كمان تعبانة وعايزة أرتاح وبعدين نكمل كلامنا
قالتها وعيونها الزرقاء ترمق والدها الذي يجلس مقابلها ببرود لا تعلم كيف ومن أين جاء به؟، وافق "عيسي" على طلبها ووقف من مكانه ينادي على "ذهب" مدبرة منزله رغم صغر سنها فقال بجدية:-
_دهب، بت يا دهب
جاءته الفتاة مهرولة إليه بعد سماع ندائه فقال بحزم شديد:-
_ وصل عمي ضياء لأوضة الضيوف اللى فى أخر السرايا وشوفي محتاجة أي وأعملهوله، وجهزوا الوكل اللى تأمر بيه ستك عطر عشانه
أومأت "ذهب" إليه بنعم ونظرت إلى "ضياء" الذي وقف من مكانه وهكذا "عطر" المُنهكة وتضع يدها أسفل بطنها المُنتفخة، دلف "عيسي" إلى غرفة مكتبه بينما صعدت "عطر" الدرج مع والدها وأمامه "ذهب" ترشده للطريق فأستوقفها "ضياء" بمنتصف السلم بعد أن مسك رسخها النحيل وقال:-
_ عطر
نظرت إليه وبدأت تشعر بالقلق من نظراته واستحوذ عليها شعور أن "ضياء" يحمل كارثة فى جعبته أكثر ولم يبوح بها بعد، سألها "ضياء" بهمس حتى لا تسمعه "ذهب":-
_ فين الفلوس؟
أتسعت عينيها على مصراعيها والفضول بدأ يأكل قلبها وعقلها فسألت بتلعثم:-
_ فلوس أي؟
_ الفلوس اللى جمعتيها عشان تديها للتجار، انا عرفت أنك بعتي جهازك كله عشان تجمع مبلغ كبير وخدتي مقدمة للشقة، فين الفلوس دى؟
سألها بلهفة وحماس كالذي يتنظر فتح صندوق الكنز، تجمعت الدموع فى عينيها من هول الصدمة التى لجمها بها للتو، كانت تعلم أن شخص كـ "ضياء" لن يفهم بعمره معنى الأب جاء لكي يبحث عن ابنته ويطمئن عليها، شخص مثله لن يبالي بزواجها أو حفيده الموجود برحمها، لن يبالي بشيء سوى نفسه فقط ورغباته، أبتلعت لعابها بحسرة أعتصرت قلبها وجعلت الدموع تتساقط من عينيها الزرقاء، لو كان يعلم مدى قيمة دموعها فى قلب "عيسي" لخشي أن ينزلهما، لأجل دموعها مُستعد "عيسي" على هدم السرايا على رأسه ودفنه حي، شهقت من الوجع وقالت:-
_ أنت جيت عشان كدة؟ جيت عشان الفلوس مش عشاني، جيت عشان مصلحتك حتمت عليك تدور عليا عشان تأخذ اللى عايزاه، هو أنت أزاى كدة؟
لم يُجيب عليها فصرخت بوجهه بقوة دون أن تبالي لمرضها أو لوجود الأخرين معهم فى البيت:-
_ أزاى كدة؟ أزاى فى أب بالندالة دى يبيع فى بنته ويدوس عليها ويرميها للناس تأكل فى لحمها
ألتف "ذهب" على صوت صراخها به وجاء "حِنة" من الأعلى على صوتها مثلما خرج "عيسي" من مكتبه يشاهد كالبقية هذا المشهد بأم عينيه، تابعت "عطر" بحسرة مزقتها لأشلاء أمامه:-
_ أنت زى السرطان فى حياتي بتأكل فيا وبس، أنا عمري ما عرفت أكره حد مهما أتاذيت من الدنيا لكن عرفت أكرهك أنت، أنا بكرهك بكـــــرهـــــك
نظر "ضياء" حوله ببرود لا يبالي بشيء ولا للعواطف التي تمزق أبنته للتو فقال بخنق من صوتها العالي:-
_ أتكلمي بأدبي يا عطر ووطي صوتك قصادي
ذرفت دموعها بأنهيار أكثر من بروده الذي يمزقها لجزيئات فقالت مُنفعلة من أستفزازه لها وبروده الحاد الذي نزل على قلبها كالخنجر المسموم:-
_ أدب!! مش بقولك أنت أزاى كدة؟ أنا عرفت دلوقت ليه جدي وأخواته أتخلوا عنك لأن اللى زيك عامل زى الطفيل لازم له إبادة من حياتنا عشان نعرف نعيش فى سلام، أنا كمان هتخلى عنك ومن اللحظة دى أنا أبويا مات
رفع يده لكى يلطم وجهها الباكي ليُصدم عندما مسك "عيسي" يده بغضب سافر قبل أن يجرأ على لمس زوجته، خرجت شهقة قوية من "حِنة" من الخوف بينما وضعت "ذهب" يديها على فمها خوفٍ من جراءة "ضياء" على ضرب "عطر" زوجة "عيسي الدسوقي" وبمنزله، تقابلت عينيه بعيني "عيسي" التي كانت تبث نار مُشتعل ستحرقه، عينيه جعلت "ضياء" يرتجف فى مكانه وقضبته التى أحكمت يده تعتصرها بقوة أرعبته أكثر، تحدث "عيسي" بنبرة خافتة يكز على أسنانه:-
_ خدي ستك عطر لأوضتها
نزلت "حِنة" الدرجات حيث تقف "عطر" وأخذتها من يديها للأعلى بينما وقف "ضياء" فى مواجهة رجلها....
_______________________________________
وقفت "فيروزة" فى محل ملابس رجالة تختار قمصان وتي شيرتات مُختلفة الألوان الزاهية وتضعهم على أذراع "مصطفى" المُندهش من رغبتها فى تغير ثيابه الصعيدية، أخذته إلى غرفة تبديل الملابس وقالت بحزم:-
_ يلا، البس كل طجم زى ما هو
_ بس!!
بتر حديثه ومعارضته فى الحديث وهى تقول بجدية:-
_ يلا يا مصطفى، أنت جولت أنك هتعمل كل اللى أنا عايزاه ، يلا بجى
دلف إلى الداخل بالإكراه لأجلها بينما وقفت "فيروزة" تنظر حولها ربما تختار شيء أخر من أجله حتى مر الوقت وخرج إليها مُرتدي بنطلون جينز أزرق اللون وقميص باللون السماوي الفاتح، ضحكت "فيروزة" بقوة عليه بعفوية مما جعله يشرد فى ضحكتها وصوتها التى يرن في أذنيه حتى توقفت "فيروزة" عن الضحك عندما سمعت سيدة أخر تضحك عليه، أقتربت منه بلطف ورفعت عن رأسه عمامته البيضاء وبعثرت شعره البني الناعم بأصابعها النحيلة ليُدرك سبب الضحك وهو أرتداء العمامة على ملابسه هذه، تبسمت "فيروزة" بلطف وباتت تخشي أن ينظر أحد إليه بنظرة عدم رضا أو أحراج بعد ما عززها "مصطفى"، أقتربت منه أكثر وهمست فى أذنه بلطف:-
_ أبجى دخل الجميص جوا هيبجى أحلى
لم يبالى لكلماتها بقدر أهتمام وفرحته من قُربها هكذا منه، شعر بأنفاسها ورائحة عطر تسللت إلى أنفه، دلف لكي يبدل ملابسه شيئًا فشيء حتى أنهي جولة تبديل الملابس ببنطلون رمادي وقميص أسود، دفع مبلغ وقدره مقابل كل هذه الملابس وذهبوا إلى البحر كما تريد "فيروزة"، كان "مصطفى" لينًا معها لم يعترض على أى طلب لأجلها، نظرت "فيروزة" إليه وهى تحمل المثلجات فى يدها وكان شاردًا بالنظر إلى زوجين يجلسون على الصرخة أمام الشاطئ والزوجة تتبأطأ ذراع زوجها ورأسها مُتكئة على كتفه بأمان، أصابه شعور الآمان الواضح فى وضعهما وتمنى أن تحصل "فيروزة" على نفس القدر من الآمان فى حياتها، فاق من شروده وأمنياته حين شعر بثقل على كتفه ليُدير رأسه بخفة يسارٍ ودُهش حين رأي رأسها تستكين على كتفه بأريحية وسمع صوتها تقول:-
_ عارف يا مصطفى، أنا حاسة أن جوايا فاضي، حاسة أن فى حاجة ضايعة منى والحاجة دى هى أنا، أنا بجيت أحس أن نفسي ضايعة منى، مبجتش أخرج وجطعت علاجتى بكل صحباتي، مبجتش بدخل محل الميك أب وأجعد بالساعات أختار الحاجات اللى بحبها، بطلت أتابع المسلسلات اللى بحبها، كل حاجة كنت بعملها فى يومي ضاعت مع روحي اللى ضاعت، أنا طلبت منك نجعد هنا شوية يمكن أجدر أصلح اللى باظ فيا فى مكان جديد ومع ناس جديد ومعاك
نظر إلى البحر صامتٍ يستمع إليها حتى تنهي فضفضة قلبها وأفكار عقلها الصغير، مُدركًا أنها ما زالت تعاني من الجرح والخذلان، تساقطت دموعها بحزن يمزقها أربًا مُتابعة الحديث:-
_ أنا بحاول أطلع من الضلمة اللى وجعت فيها، بحاول أعيش يا مصطفى، خليك معايا وأستحملني وجدر حزني ووجعي، جدر الكسرة اللى اتكسرتها
تبسم بلطف من طلبها للبقاء معه ثم جمع شجاعته وقرب يده من يدها مُحاولًا إمساكها، نظرت "فيروزة" إلى يده التى تقترب وتبتعد منها فى آنٍ واحدٍ ، متردد فى لمسها وخائفًا من تجاوز الحد معها رغم كونها زوجته ففتحت يدها إليه مُستقبلة راحة يده برحب مما جعله يقدم على ضم يدها إليه، بدأ بعانق يدها الدافئة بين يديه وتمتم بالحديث بنبرة تلعثمية من التوتر مُرتبكٍ من لمسها لأول مرة:-
_ ما عاش ولا كان اللى يكسرك يا فيروزة، أنا وياكِ وفى ضهرك وسندك فى الدنيا، وطول ما أنا بتنفس مفيش حاجة هتكسرك أبدًا يا ست البنات
رفعت رأسها عن كتفه لتتقابل عيونهما معًا فشعرت بعناق أخر أقدم "مصطفى" عليها حين عانقت عينيه عينيها الباكية، أغلقت أناملها الصغيرة على راحة يده المُتشبثة بها، تمتمت "فيروزة" بلطف:-
_ خليك كدة على طول أو الفترة دى على الأجل، طمني يا مصطفى وطبطب عليا ومتسبنيش لدماغي عشان أفكارها مُرعبة وبتخوف جوى
رفع يده الأخري إلى وجنتها يجفف دموعها لتشعر برجفة جسدها من لطفه معها وزادت دموعها فى الذرف من الوجع مُتسائلة إذا كان "مصطفى" نصيبها فلما عشقت "عامر" وتجرعت من كأسه الخيانة والغدر وأصابها الخذلان......
_______________________________________
قدم "عيسي" شيك نقدي يحمل مبلغ إلى "ضياء" قائلًا بنبرة جادة:-
_ مش الفلوس اللى جابت أهنا، أديني بديك الفلوس وتختفى من حياة عطر للأبد
نظر "ضياء" إلى الورقة وأتسعت عينيه على مصراعيها بجشع من هذا المبلغ وقال:-
_ أتنين مليون
_ فلوس الدنيا كلتها متغلاش على عطر وسعادتها، تأخد الفلوس دى ومشوفش وشك تاني يا عمي وألا متلومنيش على اللى هعمله، أنا عمرى ما تغاطيت على حد يرفع عينه فى مرتي واللى عملته انا همحي من رأسي عشان عطر بس..
قالها "عيسي" بنبرة تهديدية أرعبت "ضياء" ليُفتح باب المكتب ودلفت "عطر" على سهو دون سابق أنذار تحمل فى يديها مبلغ من المال لتلقي به على المكتب وهى تقول بحدة:-
-أتفضل الفلوس أهى 300000 جنيه وامشي من حياتي، مش عايزة تفضل فيها تاني
وقف "ضياء" بطمع ورغم ما قدمه "عيسي" إليه لكن أخذ المال الذي أحضرته "عطر" بجشع والمال يسرق عينيه ويفقده عقله مما جعلها تنظر إليه بأشمئزاز وخذلان من كونه والدها....
__________________________________
حل الليل بالبلد وباتت الشوارع هادئة والجميع فى بيوتهم لتتوقف سيارة قرب التَرعة الموجودة بقرب الأراضي الزراعية وترجل منها رجلين ثم فتح احدهما الباب الخلفي للسيارة وسحبوا "نصر" منها غائبًا عن الوعي ووضعه على حافة الطريق وأنطلقوا سريعًا إلى بسيارتهما من حيث أتوا...
أشرقت الشمس وبدأ الفلاحون فى القدوم إلى أراضيهم ليرى احدهم "نصر" وهو مُستلقي على الأرض وناد على البقية ليشاهدون رجل من أعيان البلد بهيئته الفوضوي كالمتسول وغائبًا عن الوعي وبسرعة البرق أنتشر الخبر فى البلد على ألسنة الجميع ......
____________________________________
_ كيف تعملي أكدة يا أمى؟
قالتها "خديجة" غاضبة من تصرف والدتها بينما تجلس "خيرية" معهم فى مكتب الضابط، تحدثت "خضرة" بنبرة خافتة يائسة من الخروج من هنا:-
_ اللى حصل، حصل يا خديجة وخلاص
رن هاتف "خيرية" باسم أخاها "خالد" فأجابت عليه قائلة:-
-أيوة يا خالد .... إحنا عند أمك فى الجسم
أجابها بنبرة غاضبة مما سمعه فى البلد على ألسنة الجميع:-
_ أخوكي ظهر
انتفضت "خيرية بسعادة تغمرها بأريحية من عودة أخاها لتقول:-
_ بجد، فين؟ لا..لا ..لا ، خليك وياه لحد ما أجي أنا عاوزاه ضروري
أجابها عبر الهاتف بنبرة عابسة يهدم كل مخيلاتها بصرامته:-
-متجلجيش هو مبجاش ينفع يروح فى حتة ولا ينفع يفيد حد، بس حولى تيجي بسرعة جبل ما المصحة تأخده
أتسعت أعينيها على مصراعيها من هول الصدمة التى ألحقتها بحديث أخاها الأصغر، وأخذت "خديجة" معها مهرولين إلى "خالد" .....
_________________________________
كان "عيسي" يسير فى حديقة السرايا ويضع الهاتف على أذنيه يتحدث به فقال:-
_ يعنى خلاص أكدة؟
_ بجول لحضرتك مبجاش ينفع لحاجة واصل، الداكتور جه وعمل اللازم كله ولو في حاجة يجدروا يعملوها أنهم يأخده للمصحة بأيديهم دلوجت
قالها الرجل فى الهاتف ليبتسم "عيسي" من خطة أنتقامه وما فعله "نصر" بزوجته وأعتدائه عليها قد دفع "نصر" ثمنه الآن بلا رحمة كما لم يرحم "نصر" فتاته الضعيفة ومارس عليها قوته ولم يبالي لصرخاتها وطلبها للنجاة، لم يهتم لصوتها بينما تترجاه ألا يفعل بها، ركعت أمامه ترجاه أن يرحمها لكنه لم يبالي لضعفها واستقوى عليها يذلها ويُهينها فى أنوثتها وينتهك شرفها بكل برود مباليًا برغباته فقط......
______________________________________
جلس "مصطفى " بملل معها فى مكتبة الإسكندرية واضعًا يديه على الطاولة الكبيرة ويضع رأسه عليها بينما "فيروزة" غارقة فى سطور الكتاب التى تحمله في يديها، تأفف بضيق من الملل وهو يجلس هنا لساعات طويلة ووحده من يشعر بمرور الوقت بينما فتاته المشاكسة لم تشعر بشيء، تبتسم للحظة وتدمع عينيها للحظة أخرى، تلمع عينيها بالحُب تارة وتبكي حزنًا تارة أخرى، فهم أنها تعيش شعور الكلمات فى كتابها حتى أنهت الكتاب كاملًا بعد مرور ست ساعات وأغلقته لترى "مصطفى" نائمًا جوارها من الملل، تبسمت على صبره عليها ولم يقاطعها ولو مرة واحدة، انتظر أنت تنهي الكتاب دون أن يتذمر على جلوسه هنا، تبسمت بعفوية على صبره الطويل عليها وتسائلت هل الصبر طبيعة شخصيته التى لا تعرفها جيدًا؟ أم هذا الصبر من رحم الحُب الذي يحمله بين وطياته لها؟، رمقته بعفوية فى نومه تتأمل ملامحه الرجولية حتى رن هاتفه الذي جعلها تخجل من تصرفها وتحاشت النظر إليه سريعًا ويديها أسرعت فى فتحت الكتاب، أعتدل فى جلسته ويفرك عينيه بتعب فلم ينال ما يكفى من النوم حادقٍ بهاتفه وكان اسم "عيسي" ولأول مرة يتجاهل مكالمة من "عيسي" لأجلها...
وقف من مكانه وهو يقول:-
_ أنا هروح أجيبلك عصير
تبسمت "فيروزة" عليه وقالت:-
-ممنوع الوكل والشرب هنا، أنا خلصت خلينا نمشي
وقفت معه ليغادروا الإثنين معًا بينما يمطي "مصطفى" جسده بتكاسل وقال:-
_ مجوعتيش؟
_ جعانة جوى
قالتها ببسمة خافتة فأخذها إلى أحد المطاعم المجاورة....
_______________________________________
أغلق "عيسي" هاتفه بعدما رفض "مصطفى" الاتصال ونظر إلى وجه "عامر" الملأ بالكدمات بعد أن حصل عليه "عيسي" فقال بتهديد صريح:-
_ فيروزة تعفي عنك براحتها عشان وجعها، لكن أنا لا يا عامر، كان لازم تحسبها صح جوى جبل ما تفكر تعمل اللى عملته، وتفتكر أن فيروزة وراها راجل أسمه عيسي الدسوقي واللى يجرب لها ولا ينزل دمعة منها أكله بأسناني، وأنت يا ولد خالتى اللى حكمت علي نفسك بعملتك السودة دى ..............
♡♡ كبــــريـــــــــاء صعيـــــــدي ♡♡
الفصل الســـابــع والعشرون (27) قبـــل الأخيــــر
بعنــــــــــوان " يحيا قلبي بك"
احيانًا لا يقتلنا الوجع، بل يُحينا ويُعيد لنا الحياة التي سلبتها غمامة المشاعر المزيفة، خرجت "فيروزة" من المرحاض تحيط رأسها بمنشفة بيضاء تجفف بها شعرها الاسود المبلل مُرتدية بيجامتها القطنية السوداء المُزينة بالفراشات الوردية الضيقة التى تظهر تفاصيل جسدها ومفاتنها، تسمرت مكانها حين رأت "مصطفى" عاد من الخارج ويجلس على الفراش مُنهكًا من درجة حرارة الصيف بالخارج، أعتدل فى جلسته بدهشة من جمالها فتنحنحت بحرج وظلت عينيها تتجول هنا وهناك مُتحاشية اللقاء معه، غادر الغرفة فى صمت مُدركًا أنهما لم يصلوا لبر الآمان حتى الآن ورغم زواجهما لكن ما زال هناك حدود بينهما لم يجرأ على تجاوزها، جلس على الأريكة فى صمت بينما قلبه لم يكن صامتًا نهائيًا، بل جن جنونه من رؤيتها هكذا وجميلة لأول مرة ينبض هذا القلب بقوة هكذا، تراقصت دقاته على ضلوعه التى كانت بمثابة أوتار موسيقي تطرب صدره، تنفس بهدوء وأغمض عينيه باسترخاء هائمٍ بسحر لذة هذا الشعور الذي تملكه الآن، فـ باتت أمنيته الوحيدة الآن هو ضمها لمرة واحدة فقط
فُتح باب الغرفة وخرجت "فيروزة" مُرتدية فستان قطني بأكمام وشعرها مسدول على ظهرها، حافية القدمين لتراه نائمًا على الأريكة كالمعتاد منه وكأنه أحب هذه الأريكة أكثر ليلقي بجسده عليها رغم أن "فيروزة" لم تطلب منه هذا من قبل، تنحنحت بنبرة خافتة حتى لا تفزعه؛ ليفتح "مصطفى" عينيه على صوتها فقالت بنبرة أكثر هدوءًا:-
_ أنا مخنوجة جوى يا مصطفى، ينفع نخرج نتمشي شوية على البحر
نظر إلى ساعة معصمها الموجودة على الطاولة المجاورة وكانت الساعة واحدة بعد منتصف الليل ليقول:-
_ دلوجت يا فيروزة
أومأت إليه بنعم ووجهها عابسًا من الضيق وقالت:-
_ اه، ممكن ... حاسة حالى هموت لو فضلت هنا ثانية واحدة كمان
هز رأسه بفزع من كلماتها بينما يقف من مقعده قائلًا:-
_ لا بعد الشر عنك، أدخلى غيرى خلجاتك
هزت رأسها بالموافقة ودلفت مُسرعة فهندم "مصطفى ثيابه وهى عبارة عن بنطلون أسود وتي شيرت وردي اللون وبعد القليل من الوقت خرجت فيروزة مُرتدية فستان وردي مثله ولفت حجابها الأسود فنظر إلي ثيابها من الرأس لأخمص القدم ثم ملابسه التى تشابهت معها وغادر الأثنين معًا، كان حريصًا على إحاطتها جيدًا من أنظار الجميع خوفًا عليها وغيرة من أن يراها رجل غيره بهذه الجمال، تبسمت "فيروزة" عليه وعلى غيرته الواضحة وتذكرت نظرته إليها من قليل حين رأها بملابس بيتها وهمست إليه بعفوية ناعمة:-
_ مصطفى متجلجش أنا محدش هيشوفني ببيجامتي غيرك
تقدمت للأمام نحو الشاطئ تاركة إياه مُندهشًا من كلماتها فنظر إلى ذراعه الممدود فى الهواء جانبًا محلها ليدرك تصرفه الذي فعله دون وعي، كان غيورًا جدًا عليها وأمام عينيه جمالها ومفاتنها الجذابة بملابس بيتها دون أن ينتبه انها تحشمت فى ملابسها قبل الخروج بفستان فضفاض لم يظهر من جسدها أنش وحجابها الذي زين رأسها يخفى شعرها الناعم عن أنظار المارة، رفع يده إلى مؤخرة رأسه يبعثر شعره مُحرجًا من تصرفه الغير لائق بعقليته لكنه لائقًا جدًا مع منطق قلبه العاشق وهذه الفيروزة قد تسللت إليه وتمكنت من احتلال قلبه وضلوعه المحيطة به، تابعها بنظره وهى تركض ببراءة إلى الشاطئ وقد نزعت حذاءها الرياضي الأبيض لتتداعب الرمال الباردة أصابعها، أنحني يحمل حذاءها فى يده ويتقدم خلفها، رأى رجل يبيع البلالين على وشك الرحيل بعد تأخر الوقت فأسرع إليه وأشتري إليها بالونة على شكل قلب وطلب من البائع أن يملأها بغاز الهيليوم...
ألتفت "فيروزة" ببسمة رقيقة تنير وجهها من تلبية "مصطفى" لطلبها وقدومهم إلى البحر الآن بعد أن كانت تشعر أنها تكاد تموت فى الغرفة، تتحدث بسعادة:-
_ أنا مبسوطة جوى .....
لم تجد زوجها بالجوار لكن ما أفزعها حقًا حين سمعت شاب يسخر من لهجتها الصعيدية ويقول:-
-جوى جوي يا جمر
أبتلعت لعابها خوفًا من هذا الشاب خصيصًا بعد أن وقف مع زملائه من أماكنهم لتبتعد مُسرعة عن طريقهم تسير مع الشاطئ وعينيها تبحث عن "مصطفى" فى الأرجاء بخوف يزداد أكثر من تتبع هؤلاء إليها، تحدث شاب أخر بمزاح:-
_ طب أستن يا جمر بس مش حرام تمشي كدة حافية
ظل يسخروا من لهجتها بحديثهما بينما هى تسرع فى خطواتها ويديها ترتجف من الخوف لكنها تمكنت من الحصول على الهاتف من جيب فستانها وأتصلت على "مصطفى" وقبل أن يُجيب أوقفها يد أحدهما حين مسكها من كتفها لتصرخ بفزع وسقط الهاتف منها، تحدثت بنبرة خافتة تتلعثم فى الحديث:-
_ إياك تلمسني يا حيوان
أستقبل "مصطفى" اتصالها بسعادة وهو يدفع للرجل ثمن البالون بيده الأخرى ويقول:-
-أنا جاى ....
توقف عن الحديث حين سمع جملتها تنعت شخص بالحيوان وتحذره ألا يلمسها مما جعله يركض للخارج بفزع خائفٍ عليها حتى وقع نظره عليها، تقف على الشاطئ يحيط بها ثلاث شباب يمنعوها من العبور فبدأت قدميها تعود للخلف نحو مياه البحر بخوف تملكها منهم، لم يتمالك أعصابه وترك البالون من يده مُهرولٍ إلى فتاته وزوجته الرقيقة...
أبتلعت لعابها بخوف من إحاطتهم لهما، أقترب شاب منها يحاول أن يمسك يدها من الغضب بعد أن ضحك أصدقائه عليه من سبها إليه قال بحدة غليظة:-
_ أنا حيوان يا بنت الكلــ ــب
لم ينجح فى لمس يدها بسبب لكمة "مصطفى" إليه التى أسقطته أرضًا فبلل جسده من الماء، مسك يدها بطمأنينة بينما أختبئت "فيروزة" خلف جسده القوي وقد حل الآمان فى قلبها وأطمنت بظهوره، أجتمع الشباب معًا لضربه وبدأ يتلقى لكمة ويسدها إليهم حتى جاء إليهم بعض المارة ورجال الكافتيريات المجاورة يفكوا النزاع بينهم وأخرجوا الشباب من الشاطئ، أقتربت "فيروزة" منه بوجه عابسة باكية لترى وجهه الذي ينزف، رفعت يدها إلى جبهته المجروحة تلمس هذا الجرح الذي تلقاه لأجل الدفاع عنها وقالت بحزن باكية:-
-أنا آسفة يا مصطفى
مسك "مصطفى" يدها بلطف وهو يهز رأسه بالنفي وقال بنبرة خافتة:-
_ أنا اللى أسف أنى هملتك لحالك فى وجت متأخر أكدة، حجك على رأسي يا فيروزة
سألته بفضول عن سبب أختفائه فجأة قائلة:-
_ كنت فين؟
بحث حوله عن البالونة ليراها تلحق فى السماء فأشار عليها بسبابته وقالت:-
_ كنت بجيب لك دى
نظرت إلى البالونة بعينيها الباكية ثم إلى "مصطفى"، زوجها الذي يفعل أى شيء يدور فى ذهنه لأجل إسعادها والتخلص من حزنها ووجعها الكامن بداخلها، أخذها معه وذهبوا إلى الفندق بعد أن دمرت نزهتهما .............
________________________________
دق باب المكتب بلطف ثم فُتح ودلفت "عطر" بخطوة واحدة ثم قالت:-
_ ممكن أدخل
نظر "عيسي" إليها بدهشة من نزولها إلى المكتب رغم تحذير الطبيبة لها من الحركة فوقف من مكانه بقلق مُتلهفٍ إليها حتى وصل إليها وأخذ يدها فى يده يساندها قائلًا:-
-طبعًا، أي اللى نزلك يا عطر؟ مش جولنا نسمع كلام الدكتورة لحد ما تولدي
نكزته فى خصره بغضب مُصطنع وقالت مُتذمرة عليه:-
-دا لما جوزى يسمع الكلام ويبطل شغل لحد نص الليل، بقالي أكتر من ساعتين قاعدة مستنيك تطلع يا عيسي
جلس الأثنين على الأريكة ويديهما مُتشابكة بدفء، نظر إلى عينيها الزرقاء التى لطالما عشق النظر إليهما مسحورًا بجمالهما الخلاب ثم قال:-
_ غصب عني يا عطر، عندي شغل كتير جوى عايز أخلصه ومصطفى سايب الشغل كله عليا وسافر يدلع مع مرته
تبسمت "عطر" على حديثه ثم رفعت يديها بدلال إلى صدره مداعبة إياه بحُب مشتاقة لزوجها فقالت هامسة إليه:-
-طب وأنت مش ناوي تتدلع مع مراتك شوية
تبسم عليها بعفوية ونقر أنفها بسبابته مُشاكسًا إياها بحُب وهذه الفتاة تُذيبه بكلمة واحدة ونظرة من عينيها تكفى ليقدم عمره كاملًا لها فقال بعفويةٍ مازحٍ معها:-
_ واااا، أنتِ اتعلمت الشجاوة دى كلتها منين؟
-أنا شقية مع حبيبي بس، ممكن طلب؟
قالتها بدلال مُفرط تستحوذ على ما تبقي من دقات قلبه وعقله ليؤمأ إليها بنعم فقالت مُتابعة الحديث بنعومة ودفء:-
_ ممكن تضمني، عايزة أشم رائحتك يا عيسي
فتح ذراعيه الأثنين لها لتضع رأسها على صدره وبدأ قلبها المُفتن به فى تسارع نبضاته شيئًا فشيء وتنفست الصعداء بأريحية كأنها كانت تغرق فى قاع المحيط وتبحث عن الأكسجين لتتنفس وقد حصلت عليه للتو من عبيره، تبسم "عيسي" بحُب شديد على زوجته الطفولية مُطوقًا إياها بذراعيه بأحكام حتى لا يفرقهما شيء ولا يترك مجال للهواء أن يغلغل بينهما ووضع رأسه على رأسها وقال:-
_ أنتِ بتتوحمي على رائحتي ولا أي يا عطري
أومأت إليه بنعم بينما تغمض عينيها الأثنين مُستسلمة لهذا الآمان الذي أحتلها فى ضمته إليها، تبسم رغم مزحته معها لكن مُدرك أن طلبها للعناق الآن بسبب خذلان والدها لها، بحثت عن مأوى يضمها بعد تخلى والدها عنها وأختياره للمال مُضحيٍ بأبنته مرة أخرى وتأكد شكوك "عيسي" حين سمعها تقول:-
_ متسبنيش يا عيسي، أنا مبقاش ليا غيرك، ماليش ضهر ولا سند غيرك فى الدنيا دي، أوعى تتخلى عني زى ما الدنيا كلها أتخلت عني ووقفت قصادي تجرح فيا
تبسم بلطف إليها ثم قال بنبرة دافئة:-
-مهسبكيش يا عطري، يا بت دا أنا روحي فيك، دا أنا رغم جوتي بجي استخبي فيكي تسترني من هموم الدنيا اللى تحاربني، يا عطر أنا ماليش حضن وبيت وستر غيرك ومفيش أيد بطبطب عليا غيرك ودموعي مبتنزلش غير معاكي وعمرى ما اتكسفت أكون ضعفي وياكي، أنتِ بيتي وحياتي والله مهتخلاش عنك واصل ولا هيفرجني عنك حاجة ولا حتى الموت هيجدر يفرجني عنك لان حتى بعد ما أموت هفضل أحبك
رفعت يديها تتشبث بعنقه كطفلة رضيعة تختبي من قسوة العالم فى والدها وبهذه اللحظة كنت تشعر "عطر" أنها بين ذراعي والدها حقًا وليس زوجها، رأت به الأب الذي بحثت عنه طيلة عمرها .......
________________________________
جلس "مصطفى" أمامها على الفراش لتضمد جروحه السطحية بلطف بينما هو يتطلع بعينيها الحزينة كأنها تلوم نفسها على ما حدث معه فقال بلطف:-
_ فيروزة
لم يتوقع رد فعلها المفاجئ حين ضربت صدره بقوة بقبضتها غاضبة منه وتصرخ به مُنفعلة كأنه حين لفظ أسمها نزع فتيلة القنبلة التى انفجرت للتو به قائلة:-
_ فيروزة!! أنت بتهزر ويايا صُح، عامل فيها بطل ملاكمة فى البلد ومحدش يجدر يغلبك وهنا شوية عيال فرافير يشلفطوك أكدة
نظر إلى عينيها بحيرة تغلبه، فى كل مرة تتركه فى حيرة من أمرها إذا كانت بدأت تكن له المشاعر أم ما زالت عالقة فى مشاعر "عامر" ليقول بهدوء شديد عكسها:-
_ كنت عايز أعرف غلاوتي عندك
أتسعت عينيها على مصراعيها من كلماته، يتسائل عن قيمته فى حياتها ومن تخلى "عامر" عنها لم يربت عليها أحد غيره ولم يتحملها أى شخص غيره، لم تنسي أن "عيسي" أخاها كاد أن يصفعها يوم زفافها دون أن يرحم ضعفها وكسرتها بينما "مصطفى" هذا الرجل ربت عليها وضم جروحها بحنانه ولطفه، لم يتخلى عنها ولا عن ثأرها من "عامر" الذي جلبهما إلى هنا، رفعت يدها بحرج من سؤاله تضع خصلات شعرها خلف أذنها مُتحاشية النظر إليه مما جعل "مصطفى" يفهم صمتها رفض للجواب فقال بهدوء:-
_ على راحتك أنا مطمعانش فى حاجة أكثر من أنى أشوف ضحكتك ولو عاوزاني أطلجك أنا برضو معنديش مانع
أتسعت عيني "فيروزة" على مصراعيها من هول الدهشة التى الجمتها بسبب كلماته وحديثه عن الأنفصال بعد أن شغل بالها وفكرها، ضحكتها التى يتحدث عنها الآن وحده السبب فى ظهورها على شفتيها من جديد، وقف من مكانه لكى ينهي الحديث بينهما ومر من أمامها ليغادر لكن أستوقفه يدها الباردة من مكعبات الثلج، لم يحرك ساكنًا وهكذا لم ينظر إليها حتى لا تغلبه عواطفه أمامها حتى غلبته حقًا حين تحدثت "فيروزة" باستحياء مُتلعثمة فى الحديث:-
_ بس أنا عايزك تتطمع يا مصطفى
ألتف برأسه إليها ناظرًا إلى يدها المُتشبث به ثم إلى وجهها الذي رفعته بخجل حتى رأى وجنتها المتوردة بحمرة خجلها وهى تطلب منه أن يطمع بها ويطمع بفعل الكثير معها، نظرت إليه بحياء شديد وقالت:-
_ أنا مش عايزاك تطلجني يا مصطفى، أنا عايزاك أنت
عاد للجلوس أمامها من جديد وما زالت الدهشة تتملكه ولا يستوعب ما يحدث، يرمقها بنظره فقط الجماد الذي لا يتحرك، حدقت "فيروزة" به بخجل رغم استغرابها الشديد لتجمده هكذا أمامها وفقالت بلطف:-
_ مصطفى
ظل ينظر إليها ويحرك حاجبيه إليه كأنه يخبره دون التفوه بالكلام أن تكمل الحديث فطأطأت رأسها خجلًا من حركة حاجبيه ونظراته المُسلطة عليها ليبتسم بخفة علي فراولته الجميلة وكأنه قد قطفها للتو من شجرتها بعد أن نضجت وباتت صالحة لتذوق، رفع يده إلى ذقنها يرفع رأسها المنحنية أمامه حتى تقابلت عيونهما وبدأ قلبها يتسارع بجنون يكاد يمزق صدرها ويخترق ضلوعها ذاهبًا إلي هذا الرجل الذي أحياها من جديد وأعاد النبض إلى قلبها أو بالأحرى الرجل الذى أنتزع قلبها المريض وزرع لها قلب جديد لا يعرف شيء عن الوجع، فقط قلب يتمنى البقاء جوار هذا الرجل المفتون بها، وضع قبلته الأولى على جبينها لتنتفض خجلًا وسارت القشعريرة فى بدنها كاملٍ .............
____________________________________
لم يصدق "ناجي" ما سمعه عن ابنه "نصر" الذي بات مُدمنًا على المخدرات ولا ينطق بكلمة واحدة فقرر "ناجي" الاتصال بمصحة الإدمان لأخذ ابنه من أجل العلاج، كاد "نصر" أن يفقد عقله بسبب حاجته إلى جرعة المخدر ووقف من فراشه بجسد هزيل وضعف وقد تبدل به الحال ووضع يديه فى جيوب عباءته ووجد بداخلها كيس صغير به كمية من المخدر فأخذ الجرعة كاملة ....
وصل موظفين المصحة لأخذه وفتح لهم "ناجي" الباب لكنه صُدم عندما وجد ابنه طريحًا بالأرض فاقدٍ للوعي، هرع إليه اشخاص المصحة وبعد الفحص ويرؤية المادة البيضاء على أنفه أبتعدوا عنه وقال الطبيب:-
_ شد حيلك
أتسعت أعين "ناجي" على مصراعيها من خبر وفأة ابنه بينما صرخت "خيرية" بهلع من فراق أخاها بسبب تجرعه للمخدرات، لم يشارك أحد فى أجراءات الدفن والعزاء لم يجرأ أحد على القدوم إليه بسبب علم بالخلاف القائم بين "عيسي" وبين أسرة "ناجي" رغم صلة القرابة بينهما وحمل الجميع لنفس الدم.....
_________________________________
استيقظ "عيسي" من نومه على صوت دقات باب المكتب ووجد نفسه نائمًا على الأريكة وجميلته غارقة فى نومه جواره مُطوقها بذراعيه، تحرك بلطف حتى لا يقظها ثم حملها على ذراعيه واتجه نحو الباب يفتحه بقدمه ووجد والدته "هدي" تقف مفزوعة وعينيها تبكي فسأل بقلق:-
_ فى حاجة يا أمى
_ نصر ولد عمك مات الفجر وعمك واجف لحاله فى العزاء عند المجابر
قالتها بحزن شديد مُشفقة على حالة عائلتها التى تدمرت بسبب الورث والمال وهم يسقطون شخص وراء الأخر، تحدث "عيسي" ببرود قاتل لم يعري أهتمام لما يحدث:-
_ الله يرحمه ميجوزش عليه غير الرحمة رغم أن اللى زي دا مهيلاجيش اللى يترحم عليه من أفعاله
تقدم للأمام بزوجته النائمة لكن استوقفه صوت والدته الغاضبة من برود ابنها تقول:-
_ عيسي، ما لك يا ولدى؟ جبت الجحود دا منين؟ طب هم انا عارفة أن حجودهم وجسوتهم جت عشان الفلوس لكن أنت اللى مش فاهماك
ألتف غاضبًا من عتاب والدته له رغم كل ما مر به وقال بانفعال أيقظ "عطر" مفزوعة:-
_ مفاهماش أي يا أمى، بكرههم ليه؟ ولا مكنتش معايا فى كل مرة غدروا بيا فيها، موت أبويا وجدي اللى عرفت أن عمي اللى دبر له عشان الفلوس ولا ضرب النار عليا أنا وعطر ولا شرف مرتي اللى حاولوا يدوسوا عليه لما خلوا البلد كلتها تتكلم عنها وعن شرفها ولا محاولتهم فى إقناعي أن مرتى خاينة واللى فى بطنها مش ابني ولا اي ولا اي يا أمي
أنزل "عطر" على الأرض من الغضب بعد أن استيقظت بفضل صراخه، تقدمت "هدى" منه بدهشة لا تصدق كم الكره الذى تراه فى عيني ابنها لتقول:-
_ من ميتى يا ولدي وجواك الكره دا؟
ضحك "عيسي" بسخرية من كلمات والدته ثم قال بجدية:-
_ أنا عمرى ما كرهت حد، وعمري ما كنت فعل ولا مهاجم أنا طول الوجت كنت رد فعل ومدافع، بيدافع عن شرف مراتي وعرضي اللى هم بيحاول يدوسوا عليه ولو كنت عفيت عنهم مرة كان زمان عرضي مداس تحت جزمهم، ولسه متخلجش على وش الأرض اللى يجرب من عرضي ولا شرف مرتي يا أمي، جولتلهم خدوا المال لكن الحجد والكره ملي جلوبهم وأختاره الحرب
صعد إلى غرفته غاضبٍ من لوم والدته له وإشفاقها عليهم دون أن تهتم لما يعاني منه ابنها وقساوة ما عاشه بسببهم...
_______________________________
تسللت "فيروزة" من الفراش برفق حتى لا تقظه ودلفت للمرحاض مُسرعة لتأخذ حمام دافئ ووقفت أمام المرآة تنظر لوجهها الملاكي حتى ظهرت بسمة ناعمة على شفتيها وتضع يديها على جبينها تتذكر قبلته وقلبها البرئ قد سقط من جديد فى الحُب لكن هذه المرة مع زوجها الذي أختاره القدر وليس قلبها، توردت وجنتيها خجلًا وعقلها يسرد لها ذكريات الليلة الماضية والدفء الذي شعرت به فى قربه منها الذي أربكها وكان بمثابة المُخدر الذي تعاطته بين ذراعيه ليغيب وعيها كليًا مُستسلمة لمشاعر قلبها التى أستحوذت عليها، وضعت يديها على وجنتيها تتحسس حرارتهما لتنتفض خجلًا أكثر حين دق الباب وسمعت صوته يناديها:-
_ فيروزة أنت جوا
فتحت الباب بخجل من لقاءه، تبسم "مصطفى" عليها وهى تتحاشي النظر له من الخجل فضحك بعفوية عليها ووضع يديه أمامها يمنعها من الخروج فقالت بنبرة خافتة:-
_ عدينى يا مصطفى
_ تدفعي كام؟!
رفعت نظرها إليها لتتقابل عيونهما التى لا تحمل سوى السعادة والحُب بداخلهما، تمتمت بدهشة من سؤاله:-
_ نعم؟!!
أنقر بسبابته على وجنته مُطالبٍ بقبلة بريئة حتى يسمح لها بالمرور فخجلت "فيروزة" أكثر منه وعادت للداخل مُتذمرة على طلبه وتقول:-
_ خليك مش عايزة أخرج أصلًا
ضحك وهو يفسح لها الطريق لكي تخرج قائلًا:-
-خلاص متزعليش، أخرجي عشان منتأخرش ورانا سفر
أومأت إليه بنعم وخرجت بينما دلف هو، ضحكت "فيروزة" على انتصارها عليه لكن لم تدوم ضحكتها كثير حين عاد "مصطفى" من الخلف بعفوية وطبع قبلته على وجنتها وركض مُسرعًا للداخل قبل أن تصرخ به فضحكت أكثر على جنونه، حتى أمس كان يستأذن قبل أن يمسك يدها أم الآن بات مُشاكسًا يسرق القبلات منها دون أذن، بدلت ملابسها بتنورة بيضاء وقميص بلون اللافندر ولفت حجابها المموج بألوان كثير، خرج "مصطفى" من المرحاض ليراها استعدت للرحيل حقًا وتقف أمام الفراش تجمع أغراضهما فى الحقيبة ليقترب أكثر منها مُطوقًا إياها من الخلف ويهمس فى أذنها قائلًا:-
_ معاوزش شهر عسل جبل ما نرجع البلد
ضحكت عليه بلطف وفكت أسر يديه عن خصرها مُستديرة إليه وقرصت وجنته بغلاظة تقول:-
_ أنا مكنتش أعرف أنك لئيم أكدة، يلا روح غير هدومك عشان هنتأخر
أقترب أكثر منها لتحتد عينيها فى النظر إليه وتقول:-
_ وبعدين يا مصطفى وياك، هم أمال هنوصل أكدة فى عز الليل
تذمر عليها غاضبًا كطفل صغير بعد أن أخذ ملابسه وقال بضيق:-
_ عريس أي دا اللى يسافر فى صباحيته
ضحكت على كلماته وأنحنت قليلًا تغلق الحقيبة مُستعدة للعودة إلى الصعيد وطنها بروح جديدة وندوب قد ضمدتها "مصطفى" ولم يبقي منها سوى القليل سيمحيهم مع مرور الوقت.....
___________________________________
فتحت "ذهب" باب السرايا لتجد "سكينة" أمامها تبكي بذعر وترتجف مُتسائلة عن "هدى" أختها:-
_ ستك هدى فين؟
_ مين يا دهب
قالتها "هدى" من الداخل لتركض إليها "سكينة" وكانت جالسة على المقعد وفزعت حين رأت أختها بهذه الحالة التى يُرثي لها ودموعها بللت وجهها كاملًا وخصيصًا بعد أن جلست "سكينة" على الأرض قرب قدم أختها تتحدث بذعر:-
_ بالله عليكي يا هدى تخلى ولدك يرحم عامر
عقدت "هدى" حاجبيها باستغراب لم تفهم شيء من حديثها وماذا حدث لـ "عامر" وكيف وصل "عيسي" له، أعتدلت "عطر" فى نومها على الأريكة من حالة "سكينة"، سألت "هدى" بعدم فهم:-
_ ماله عيسي بولدك، مش اكفاية اللى عمله حيلة أمه ابنك، أنا بعد كل دا عاوز يفضح بنيتي، أخص عليه وعلي تربيته، تربية ناجصة بصحيح، على رأي اللى جال تربية حُرمة
_ أنا ولدي ابن ستين فى سبعين ويستاهل الحرج بس بالله عليكى وغلاوة كتاب الله اللى متسبهوش من يدك وحياة كل فرض بتصليه يا هدى تخلى عيسي يهمل ولدى لحاله
قالتها بترجي وحزن شديد لتتعجب "هدى" وهكذا "عطر" من حديثها فسألت بقلق:-
_ دخل عيسي أي؟ مش ولدك عمل عملته وهرب
_ رجالة عيسي خدوه من إسكندرية ، حلفتك بالغاليين كلهم تهملوا ولدي لحاله، أنا عارفة أنه غلطان بس دا اللى باجي ليا فى الدنيا كلتها
_ عيسي عمل كدة؟
قالتها "عطر" بصدمة الجمتها من قسوة زوجها لتستدير "سكينة" لها فكانت تمدد جسدها على الأريكة لتسرع نحوها زحفًا على ركبتيها وقبلت قدمي "عطر" بأنكسار وإذلال قال بذعر:-
_ أبوس رجلك يا عطر، وحياة ولدك اللى فى بطنك تخلى عيسي يدينى ولدي
سحبت "عطر" قدميها بسرعة من "سكينة" رافضة تقبيلها بغضب من زوجها ودمعت عينيها على أم مُستعدة على تقيبل الأقدام لأجل ابنها وفقالت بثقة:-
_ متقلقش، قومي من الأرض وعامر هيكون فى حضنك النهار دا، قومي وحقك عليا أنا
فتح باب المنزل وولج "عيسي" مهرولًا بعد أن أخبره الرجالة بقدوم "سكينة" إلى المنزل فقال بغضب:-
_ أنتِ اي اللى جابك أهنا ؟
لم تجيب "سكينة" بعد أن وقفت "عطر" من مكانها لم تترك لها مجال للجواب، وقفت أمام زوجها بغضب يحتل عينيها مُشئمزة من فعلته القاسية لتقول:-
_ عامر عندك؟
لم يُجيب عليها، بل ظل يرمق "سكينة" بغضب سافر فصرخت "عطر" بوجهه غاضبة وأنفعالها كاد أن يقتل جنينها أمامها حين قالت:-
_ متبصلهاش ورد عليا ، عامر عندك .... ااااه
أخذ يدها يُساندها بخوف بعد أن وضعت يديها على بطنها من الألم ليُدهش حين نفضت "عطر" يده عنها بغضب سافر مُشمئزة من لمسه إليها قائلة:-
_ أبعد عني ، إياك تفكر تلمسني تاني؟ أنت أزاى جالك قلب تعمل كدة؟ ها رد عليا
-وحج خيتي، وثمن دموعها وكسرة جلبها
قالها بعنادٍ واثقٍ من فعله لتقول "عطر" بضيق شديد:-
_ فيروزة نفسها عفت عنه وأعتبرت دا خير لها وربنا كشف لها قذرته ونجاها منه عشان يرزقها برجل كويس يصونها ويكون سندها ، مين أنت عشان تقرر نيابة عنها؟ أسمع يا عيسي يا ترجع عامر لأمه سالم يا أم مش هتشوف وشي عمرك كله وزى ما جالك قلب تحرم أم من ابنها أنا كمان هيجلي قلب أحرمك من ابنك اللى لسه مشوفتوش
تركته يقرر مصيره بنفسه وصعدت إلى الدرج غاضبةمن زوجها، حدق "عيسي" بها بينما هى تغادر لا يُصدق أنها وضعت نفسها فى خيار مع "عامر" ذلك الخائن اللعين الذي دهس أخته ببرود والآن طوق نجاته الوحيد من الموت هو قلب "عطر" زوجته البريئة التى تعفو عن الجميع رغم أفعالهم الشنيعة وما عاشته فى الحياة لكنها ما زالت تتشبث بالبراءة والرحمة ولين القلب الذين خلقت بهم كأنه ملاكًا رغم ما تواجه فى الحياة تحتفظ بطهارة روحها ونقاء قلبها .........
♡♡ كبــــريـــــــــاء صعيـــــــدي ♡♡
الفصل الثــامـن والعشــرون (28) الأخيــــر
بعنــــــــــوان " رجلًا لم يهزمه سوى العشق"
وقف "عيسي" أمام باب الغرفة قبل أن يدخل وتنهد بهدوء يُهد من روعته قبل أن يدخل لزوجته الغاضبة رغم تحذيره لها من قبل ألا تتدخل فى شئونه الخاصة وتخطيها لتحذيره من جديد، ولج غلى الغرفة ليرى "عطر" جالسة على الأريكة المقابلة للباب بوجه عابس يحمل الكثير من معالم الغضب الكامن بداخلها، شعر "عيسي" أنها ستنفجر به مُنفعلة إذا تفوهت بكلمة ورغم خطأها فى رفع صوتها به أمام والدته و"سكينة" وأيضًا معارضة أمره الغير مقبول منها هذا التصرف لكنه يخشي عليها من الحزن وكتم الاستياء بباطنها خصيًا أنها حامل، كان مُدركًا أن الحزن ربما يصيبها بالمرض هي وطفلهما لذا تنازل هو هذه المرة وتخلى عن كبريائه وخضع إلى حُبها الكامن بداخله، أقترب قليلًا تجاهها ثم جلس أمامها يقول بهدوء:-
_ ممكن نتكلم شوية؟
تأففت بخنق من قسوته مع الجميع ثم نظرت إلى عينيه مُباشرة بضيق وقالت غليظة:-
_ نتكلم في أى؟ نتكلم فى أنك بتستقوي على الخلق، ولا نتكلم فى أنك خليت ام تيجي تبوس رجلى عشان ترحم ابنها .... ليه بتقسي فى أخذ الحق، ليه ضربتك دايمًا بتكون القاضية ومُميتة لصاحب نصيبها، أنا معنديش أستعداد أخسرك ولا أن حد يأذيك لمجرد أنك قسيت عليه
أخذ يدها بلطف بين يديه الأثنين وحدق بوجه فتاته البريئة ثم قال:-
_ متعبنيش فى الدنيا دى جد براءة عجلك ونجاء جلبك يا عطر، مش كل الناس هتجدر نجاءك ولا رجتك، الناس وحشة يا عطر ولو أمنتي ليهم هيأكلوكِ وهيجرحه رجتك يا بنت جلبي
دمعت عينيها بحزن شديد من هذه القسوة التى تحدث بها عن البشر وأنقبض قلبها من قوة حديثه الحاد عن العالم الخارجي، ربما ما مر به من أحداث مؤخرًا السبب فى هذه القسوة، عندما جاءت إلى المنزل لأول مرة كان ملأ بالأشخاص والعائلة يتحدث الجميع عن قوتها وترابط افرادها رغم ما يحملوا بداخلهم من كراهية لبعضهم، البعض ذهبت أرواحهم للعالم الآخر والبقية حلت بقولهم الكراهية ونار الإنتقام، توفي أحبابه والمال دمر البقية، رفع "عيسي" يده إلى وجهها كي يجفف دموعها اللؤلؤية وقال:-
_ متبكيش يا عطر، والله لأجل دموعك دى أنا مستعد أعمل أى حاجة، أنا خليت الرجالة يوصلوا عامر وأمه لمحطة الجطار واكتفيت بطردهم من البلد عشانك، هملتهم لحال سبيلهم رغم كسرة خيتي وإجبارها على الجواز من رجل مبتحبهوش حتى لو كان مصطفى زينة الشباب، حرجة جلبها البرئ وكرامتها اللى دسها بغله وكرهه
تبسمت "عطر" بعفوية مع دموعها التى لم تتوقف أبدًا، فرح قلبها من تلبية "عيسي" لطلبها وعفوه عن "عامر" وتركه حيًا بعد أن رق هذا القلب وأخيرًا، تحدثت بنبرة دافئة:-
_ عيسي، أنا مش عايزة الناس تخاف منك ولا تكرهك، عايزاهم يسمعوا كلامك ويجي لحد عندك أحترام وحُب ليك، عايزة العالم دا ميغيرش اللى أتربيت عليه وأنك تفضل ترحم الضعيف وتنصر الغلبان برحمة وحكمة منك
وضع يده على مؤخرة رأسها ليجذبها إليه حتى يطبق شفتيه الدافئة على جبينها يقبلها بإمتنان وهمس فى وجهها الملاكي:-
_ انا مُمتن للجدر اللى رزجني بيكِ يا عطر، ولو كنت أديت لعمي ضياء فلوس فـ دا عشان فرحتي أنه عوضني بيكِ
_ مدتهوش فلوس تاني يا عيسي، بابا الجشع ملئ قلبه،هيرجع تاني عشان عارف أنك بتدفع، أول ما يضيع اللى معاه هيجي
قالتها بحزن من والدها الذي يملك بداخله جشع وحُب المال ولن يتغير أبدًا، مُدركة أنه سيعود وأن هذا الأب هو الورم الموجود بحياتها ولن تتمكن من أستئصاله فتبسم "عيسي" أكثر على طلبها ثم همس بدلال ممزوق بنبرة الحُب والشوق:-
_ فلوس الدنيا كلها يا عطر ما تكفيش لحظة واحدة أعيشها وياكي، لو خد كل ما أملك مهيعبرش عن إمتناني له لأن السبب فى وجودك فى الحياة وبفضله بعد رزج ربنا أنكِ تتولدي عشان تجي تنوري حياتي
كادت أن تتحدث لكن بتر الحديث قبل أن يخرج من فمها حيد دق الباب ودلفت "ذهب" بسعادة تغمرها قائلًا:-
_ ستي فيروزة وصلت تحت
فرحت "عطر" أكثر من "عيسي" ووقفت مُسرعة ليُدهش من حال زوجته لم تبالي لبرهةٍ واحدةٍ إلى حديث الطبيبة الذي يُقيدها فى الفرح وتصبو ركضًا إلى سعادتها وكل شيء جميل، خرج معها فرحًا بهذه الزوجة الطفلة التى رُزق بها، مُحدثًا إياها:-
_ على مهلك يا عطر، جننتني وياكي مجدرش كل يومين أتفزع عليكي
تبسمت على قلقه مُترجلة السلالم معه بيديه وقالت بعفوية:-
_ خليها على الله يا عيسي، أنا متوكلة عليه وببركة ربنا مش هيحصل حاجة وحشة خالص
سمعت "هدى" التى تعانق ابنتها بسعادة مُشتاقة إليها تقول:-
-أخر مرة تغيبي عني، أتوحشتك جوي يا فيروزة جلبي
حدق "عيسي" بأخته التى تبدلت تمامًا بسمتها مُشرقة ومتوهجة كالضوء، تعانق والدتها بحماس وأشتياق بعد أن كانت قد فقدت الشعور بأى شيء، رأت "فيروزة" صديقتها "عطر" وزوجة أخاها تقترب مع "عيسي" مُتكأة على ذراعه فهرعت نحوها، رآها "عيسي" تركض إليه ففتح ذراعيه وإذا به يُصدم حين عانقت "عطر" ليشعر بحرج من ضحك "مصطفى" و "هدى" على تخطي أختاه لعناقه فتنحنح مُحرجًا، صرخت "فيروزة" بشوق باسمهاقائلة:-
_ عطر!! أتوحشك جوى جوى
بادلتها "عطر" العناق بحماس كأنها أختين وقد ألتقي الآن بعد غياب طويل دام بينهما، لم يفهم "عيسي" مدى تعلق هاتان الفتاتان ببعضهما بهذا القدر، لم يفهم سوى أن كلا منهما رُزقت بالأخرى لتعوضها عن شيء أخر من العائلة، أخذتها "فيروزة" فى ذراعها وتقول بحماس:-
_ تعالي عندى كلام كتير جوى عاوزة أحكيهولك... اه لحظة عيسي
ألتف إليها فعادت مُسرعة تعانقه ليضحك رغم حديثه المُتذمر بنبرة غيرة تمزقه من الداخل:-
_ دا ما أفتكرتي يا بت، عطر نسيتك خيك ها .... حمد الله على سلامة رجوعك يا فيروزة
_ وهى عطر أي وأنت أي ما أنتما واحد
قالتها بعفوية ليتبسم بوجهها فقال:-
_ عندك حج، روحي شوفي حكاويكم
صعد الأثنين معًا للأعلى فألتف "عيسي" إلى صديقه الذي أقترب يصافحه فغمز إليه بمكر رجالي يفهمه الأخر جيدًا وقال:-
_ أي الفرحة الغريبة دى، هو حصل؟!
أومأ إليه "مصطفى" بنعم خجلًا من سؤاله ثم قال بنبرة خافتة:-
_ أحم بعد ما غلبتني وياها والله يا عيسي بيه
ضحك "عيسي" بسعادة وصوت قهقته أدهش والدته كثيرًا ونظرت إلى "حِنة" التى تقف جوارها فقال بمرحٍ مشاكسٍ إياه:-
_ بيه اي بجى، دا أنت اللى بيه.... يا ست الكل خليهم يدبحون عجلين ، أجولك خليهم خمسة عشان يبجى خمسة وخميسة على علينا من الحسد
دُهشت "هدى" من طلبه وقالت مُتلعثمة:-
_ وااا ليه كل دا
ربت على ظهر "مصطفى" بسعادة مُمتن إلى صديقه الذي أعاد الحياة إلى أخته وقد فهم حديث "عطر" عن العوض الذي رُزقت به "فيروزة" ونجاتها من الأحمق "عامر"، تحدثت بنبرة جادة:-
_ من غير ليه؟ ذكاة عن فرحة فيروزة واللى يأخد حتة لحمة يدعي لفيروزة بنت هدى بالأسم متخليش حد يدعى لعيسي، ربنا يبارك فى حياتها ويرزجها الخير...ام أنت يا عريس أطلع أرتاح من السفر عشان من بكرة وراك شغل كتير
تبسم "مصطفى" إليه وصعد إلى حيث غرفته بينما خرج "عيسي" من السرايا وأستقل سيارته يقودها إلى الخارج وحده ......
____________________________________
أتسعت أعين "خالد" و "ناجي" على مصراعيها بصدمة ألجمتهما عندما تفوه أحد الرجال أنه رأى بعض مطاريد الجبال وهم يتركون "نصر" على الترعة، تمتم "ناجي" مُتلعثمًا:-
_ المطاريد!!
أجابه "خالد" بنبرة غليظة مُنفعلًا بقلب مقهور على وفأة أخاه:-
_ المطاريد يا أبويا، يعنى عيسي، البلد كلتها من كبيرها لصغيرها حتى الحكومة متعرفش تطلع الجبل ولا تجف فى ضهر المطاريد غير بمساعدة عيسي، عيسي هو اللى عمل أكدة فى نصر، أنا كان لازم أفهم من الأول أن عيسي الوحيد اللى عايز ينتجم من نصر ومننا كلنا
رمقه "ناجي" بصدمة ألجمته وما زال فراق ابنه الأكبر يمزقه من الداخل ولا يستوعب أنه فقد ابنه كما فقد المال وعاش ذليلًا لزوجته "خضرة" بسبب "عيسي" الذي سرق المال والبيت وحتى أنه خسر ابنته "خديجة" حين زوجها بالأكراه لينقذ أولاده بعد أن سجنهم "عيسي" والآن سرق "عيسي" حياة ابنه
________________________________
وقفت "خديجة" فى مكتب الجوازات تستلم جواز السفر الخاص بها ثم خرجت إلى حيث تصف سيارتها، وأتجهت إلى البنك لتسحب كل الأموال الموجودة بحساب "حامد" بعد ان باعت كل الأصول وبمساعدة المحامي حولت كل ما تملك إلى حسابها بالخارج، أعطاها المحامي تذكرة طيران وقال:-
_ الطيارة ميعادها بكرة الساعة 8 بليل
تبسمت "خديجة" بسعادة تغمرها ثم قالت:-
_ شكرًا يا أستاذ أنا معرفاش من غيرك كان مين ممكن يساعدنى، على كلًا دى أتعابك اللى أتفجنا عليها وبالنسبة للجضية بتاعت حامد هملها لحالها، اللى غلط لازم يأخد جزاءه
أومأ إليها المحامي وغادر لتبتسم "خديجة" على ما حصلت عليه من مال ولم تهتم إذا كان المال حلال أم حرام؟ لكنها أعتبره ثمن بيع "ناجي" لها لرجل بعمر والدها وكسرة قلبها الذي أحب "عيسي"، لذا قررت أن تهرب من هذا الوكر المُشتعل بنيران الأنتقام والغدر إلى بلد جديدة لا يعرفها بها أحد وتعيش الحياة التى ترغب بها .....
________________________________
خرج "عيسي" ليلًا من وكالة الفاكهة الخاصة به وأستقل سيارته بينما يضع الهاتف على أذنه يُتحدث زوجته:-
_ أجيبلك أي وأنا جاي؟
_ مش عايزة حاجة، عايزة سلامتك بس، يلا تعالي بسرعة عشان وحشتني أنا والنونو أوى
قالتها "عطر" ببراءة ودفء ليُجيب عليها مُتحمسًا:-
_ مسافى الطريج يا حبيبة جلبي، متتعشيش أنا هجيبلك عشاء ويايا
أومأت إليه بنعم بينما تجلس "عطر" أمام المرآة ترسم شفتيها بأحمر الشفايف مُرتدية روبها الحرير ذات اللون الزيتوني، تحدثت بدلال مُنتظرة عودة زوجها:-
_ماشي، بس متتأخرش عشان إحنا جعانين خالص
أجابها عبر الهاتف بكلمة واحدة تُثر بنبضات قلبها العاشق وتُذيب كيانها:-
_ بحبك
تغلغلت أصابعها فى خصلات شعرها من الأمام المُصفف على ظهرها ويميل على جانبها الأيسر مُجيبة على كلمته بحُب:-
_ وأنا بحبك يا حبيبي
وقفت من مكانها تسير فى الغرفة حافية القدمين حتى تصل إلى الفراش تستكمل حديثها مع "عيسي" الذي أنتبه إلى سيارة تتبعه فشرد عن حديثها مدققًا بالسيارة حتى سمعها تقول:-
_ عيسي أنت معايا
-ها أه يا حبيبتى وياكِ أنا .... ااااااااه
أجابها بلطف حتى لا يُثر قلقها حتى أنهي جملته بصرخة قوية خرجت منه تلقائيًا بعد أن أصطدمت السيارة الأخرى بسيارته من الخلف بقوة وسقط الهاتف من يده، سمعت صوت الأصطدام لتعتدل فى جلستها على الفراش بقلق وظلت تناديه بقلق:-
_ عيسي..... عيسي أنت سامعني.......
صمتت بفزع حين سمعت ضجة أكبر وتكسير زجاج السيارة أخترق أذنيها وصوت رجل واضح يقول :-
_ أسحبه كيف الدبيحة
هلعت من مكانها بذعر وركضت إلى باب غرفتها لكنها توقفت تسحب أسدالها مُسرعة بعد أن أنتبهت لملابسها وخرجت بفزع حيث غرفة "مصطفى" ........
_________________________________
حاصرها فى خزانة الملابس بيديه وعينيه ترمقها بأشتياق تتفحصها من الرأس لأخمص القدم وجسده مُلتهبًا بنار العشق القائم بداخله فهمست "فيروزة" إليها بخفوت:-
_ وبعدين معاك يا مصطفى
_ واحدة بس!! يا بت أنا جوزك
قالها بخفوت وعينيه تلتهم وجهها، ضحكت على جراءته لتقول مُشاكسة أياه:-
_ بت!! والله وجلبك جمد، الله يرحم لما كنت تجولي أنسة فيروزة
أقترب أكثر وهى تضع يديها على صدره تمنعه بعفوية مُشاكسة له حتى قاطعهما صوت دقات "عطر" فتأفف "مصطفى" بضيق من مقاطعته ليقول:-
_ عجبك كدة، فضلتي تتشاجي عليا لحد ما الوجت خلص
ذهب ليفتح البا ورأى "عطر" تنتفض ذعرًا ودموعها تسيل على وجنتيها ولسانها لا يقوى على الحديث، سأل بقلق:-
_ مدام عطر
جاءت "فيروزة" لتفزع من هيئة "عطر" وسألت بقلق:-
_ عطر حصل حاجة؟
_ عيسي... ألحقه يا مصطفى
قالتها ببكاء شديد وشهقتها تلتهم كلماتها المُتلعثمة فلم يفهم شيء سوى أن زوجها تعرض لأذي وهى بحاجته ......
___________________________________
كان "ناجي" جالسًا على المقعد فى المخزن وأمامه رجلان يقيدون "عيسي" فى المقعد الخشبي الذي يجلس عليه، أقترب أحدهما من "ناجي" يحمل نبوة "عيسي" الأسود ذات رأس الأفعي ليعطيه إلى "ناجي" فمسكه مما أضحك "عيسي" جدًا عليه ووضع قدم على الأخرى رغم تقيده بكبرياء وقال بنبرة جادة:-
_ براحة يا عمي، أصل الأفعى دى مش أى حد يجدر يمسكها ولو كنت جدها كان الكبير أبوك أداها لك أنت، كيف ما شافك برضو مش جد المال ورغم نفختك الكدبة دى مشافش فيك أنك تجدر على حاجة
وقف "ناجي" من مكانه مُمسكًا بالنبوة "عيسي" وبدأ يتقدم للأمام نحوه بينما تلقي "عيسي" لكمة قوية على وجهه من قبضة "خالد" الذي ظهر من الخلف وقال:-
_ أستعد لموتك يا عيسي، أنا مش بس هجتلك لا، أنا بعد ما أحرجك هروح أجتل ابنك وهو فى بطن امه وبعدها هرمي مرتك للمطاريد اللى خليتهم يجتله أخويا يتسلوا بيها ........
أستشاط "عيسي" غضبًا وتخلى عن بروده حين ذكر "خالد" ابنه وزوجته ليركل "خالد" بقوة اسقطته أرضًا مما أشعل النار بينهما وأنقض "خالد" على "عيسي" يلكمه بقوة على كل أنش فى وجهه حتى سقط المقعد للخلف وأنكسر، بصق "عيسي" الدماء من فمه بغضب وسحب يده بخشب المقعد المقيدة به ولكم وجه "خالد" بقوة فجرح الخشب وجهه، وقف "عيسي" مُنهكًا وقال:-
_ أنا كان ممكن أعدي لعب العيال لكن عطر!! تجاوزت كل الحدود وخسرت فرصة العفو، وأنا مخارجش من اهنا غير جاتل أو مجتول يا ولد عمي
بدأ العراك بينهما وكلما أقترب رجل ليشارك فى هذه الحرب لكمه "عيسي" بقوة، شاهد "ناجي" الحرب بينهما و"عيسي" أوشك على قتل "خالد" فى يديه من قوة لكماته فذهب إلى سيارته المصفوفة وفتح التابلو ليخرج منه المسدس، وصل "مصطفى" إلى المخزن بعد أن تتبع هاتف "عيسي" بمساعدة رئيس المباحث مما جعله يصل سريعًا إليه، أقترب "ناجي" منهما وهو يصوب المسدس على "عيسي" الذي لكمه "خالد" بقوة، أسقطته أرضًا وأدي إلى تلقي "خالد" الرصاصة عوضًا عن "عيسي" مما أوقف عقل "ناجي" بينما يري ابنه الأخر يسقط أرضًا وسقط النبوة من يده وهرع إلى "خالد" يصرخ باسمه :-
_ خالد .... ولدي يا ولـــــــــــــدي
دلفت الشرطة مع "مصطفى" وكان الوضع فوضوي و"ناجي" جالسًا أرضًا يضم ابنه الذي فارق الحياة فور تلقي الرصاصة فى القلب ويصرخ بألم شديد و"عيسي" على الأرض مُنهكًا من تلقي هذا الكم من الضرب بيدي "خالد" والرجال ، هرع "مصطفى" إليه وهكذا الشرطة التى قبضت على رجال "ناجي" معه ......
_______________________________
أتسعت عيني "عطر" على مصراعيها بينما تحدق فى جهاز اللابتوب الخاص بها حادقة بنتيجة كليتها وحصولها على درجة الأمتياز وقد تجاوزت سنتها الثانية فى الكلية، لم تصدق فرحتها بنجاحها فركضت للأسفل بسعادة تغمرها وتقول:-
_ عيسي ... عيسي ، حِنة أنتوا يا قوم ، يا أهل الدار
نظر "عيسي" إليها وهو جالسًا على السفرة يتناول غداءه مع أسرته وصُدم من حركتها رغم بطنها المُنتفخة، ذهب نحوها بفزع قائلًا:-
_ وااا جنيتي يا عطر، أنتِ على وش ولادة براحة يا ست البنات
تشبثت بيديه بسعادة تغمرها لا تبالي بشيء سوى سعادتها وبدأت تدور به كثيرًا وتصرخ بحماس:-
_ أنا نجحت يا عيسي، نجحت ... نجحت
ضحكاتها تملأ المكان مما أضحك الجميع عليها لم تنضج هذه الفتاة بعد، رغم أنها زوجة وقريبًا جدًا ستصبح أم لكنها ما زالت تملك عفويتها البريئة وتتشبث بضحكتها التى لم تختفي يومًا رغم ما ذاقته فى الحياة من وجع، ضحك "عيسي" على زوجته وهو يدور معها وسط السرايا صارخة بفرحة:-
_ نجحت .. نجحت يأمتياز ... أنا نجحت يا بشر، أنا نجـــ....... اااااااه
لم يشاركها الفرح زوجها فقط، بل يبدو أن طفلها شعر بسعادة والدته فأراد أن تكن الفرحة أثنين وقد حسم هذا الطفل أمره بالخروج الآن ليشاركها السعادة التى تغمرها، توقفت عن الحديث مع قدميها التى تشنجت محلها حين شعرت بألم يمزق أحشائها تقريبًا، سقطت أرضًا مُتشبثة بيده ليجثو معها "عيسي" وتتألم مما جعل الجميع يذعرون ويقفوا من أماكنها مُسرعين إليها فتمتم بألم أكثر:-
_ ااااه .... عيسي .... ااااااه لا لالا أاااه هيخرج ااااه
أقترب أكثر لكي يحملها فمنعته مُتذمرة رغم الألم وقالت:-
_ عيسي أنت مش هتحبه أكثر مني صح؟
نظر إليها مُندهشًا رغم ألمها وصرختها التى ملأت المكان لكنها تسأل عن الحُب الآن فقال بضحكة قوية:-
_ لا يا مجنونة مهحبهوش أكتر منك
تشبثت بيده وهى تلتقط أنفاسها بصعوبة ونظرت بعينيه مغرمة بهذه العيون وقالت:-
_ يعنى بتحبني صح؟
_ بموت فيك يا مجنونة
قالها بعفوية ثم حملها لتصرخ من تحريك جسمها وهرع بها إلى المستشفي ولم تكتم صرخة واحدة، بل ظلت تصرخ بقوة أثناء الطريق حتي نظر المارة جميعًا عليها بينما، وصل إلى المستشفي وأخذها منه الممرضة وبعد أن فحصتها الطبيبة تركتها فى الغرفة تعاني من ألم الولادة خصيصًا أن "عطر" ستلد طفلها بجراحة، جهزت الممرضة أكياس دم إحتياطي لـ "عطر" بسبب مرض رحمها الذي يحمل الطفل داخله، وضع "عيسي" يده على قلبه بخوف فهذه اللحظة مُرعبة للجميع لأجل المرض وتحذير الطبيبة لهم أن الولادة ستكون خطر على حياة "عطر"، ربت "مصطفى" على كتف "فيروزة" التى تبكي من رؤية "عطر" وسماعها لصوت الصراخ، نُقلت "عطر" إلى غرفة العمليات فتشبثت بيدي "عيسي" قبل أن تدخل وقالت بألم قد تمكن منها:-
_ متنسنيش يا عيسي، ولو جرالي حاجة ربي أبننا بحنية
مسح على رأسها وعينيه تنظر إلى وجه فتاته الباهت وحبيبات العرق تحتل جبينها من الألم ثم قال ببسمة خافتة:-
_ أنا هستناكِ يا عطري، هنربيه سوا يا حبيبة جلبي
ضحكت "عطر" بعفوية تاركة له بسمتها أخر شيء تراه عينيه قبل أن تفارقه على باب العمليات، ذرفت دموعه من الخوف وبدأ لسانه يدعي كثيرًا أن تخرج سالمة، لم تكن "حِنة" والبقية أقل حال منه والخوف تملك من الجميع لأجلها، غرق "عيسي" فى ذكرياته معها بضعف حتى قاطع هذه الذكريات صوت بكاء طفل من الداخل ثم خرجت الممرضة تقول بسعادة:-
_ مبروك المدام ولدت
سألها "عيسي" بقلق متلهفًا لزوجته:-
_ وعطر؟ كيفها؟
_ الحمد لله زينة جوى، الدكتورة بس هتخلص وتخرج
قالتها بحماس ؛ ليتنفس الصعداء بأريحية وأخرج من جيب عباءته الكثير من المال يعطيه لها قائلًا:-
-مش خسارة فيكِ يا وش السعد، اللهم لك الحمد
نظرت الممرضة إلى المبلغ وكان تجاوز الألفين مما جعلها تسعد بهذا الرزق الذي جاء إليها، خرجت "عطر" بعد نصف ساعة من خبر الولادة كانت شبه غائبة عن الوعي بسبب المُخدر وتُتمتم باسم زوجها فتبسم "عيسي" وأقترب من فراشها يجفف قطرات العرق عن جبينها بوشاحه حتى دلف الجميع للغرفة ومعهم الممرضة تجلب طفله الذي حمله بين ذراعيه، الشعور الذي أصابه حين حمل طفله الرضيع ضئيل الحجم لم يشعر به من قبل، شعور لا يساويه كنوز العالم أجمع، كان طفله صغيرًا جدًا فلم يكن يكفي كفتي يدي والده، مغمض العينين ببشرة حمراء رغم نقائها فضحك "عيسي" بعيني دامعة وتمتم بذهول لا يستوعب أنه حمل هذا الطفل:-
_ اللهم بارك، شوفتي يا أمي، دا اللى كان مجنن عطر فى نومها ومجنننا وياه تسعة شعور
ضحكت "هدى" على ابنها وسعادة التى ظهرت فى دموعه، تحدثت الممرضة بلطف قائلة:-
_ حطه فى حضن أمه
أقترب "عيسي" ليضع طفله على ذراعها تضمه إلى صدرها حتى يشعر بوالدته فضحكت "عطر" رغم تأثير المخدر وبدأت تلمس أصابع طفلها وقالت:-
_ عايزة أسميه زين
تبسم "عيسي" وهو يمسح دموعه وقال بعفوية:-
_ ماشي يا أم زين
نظرت "فيروزة" إلى "مصطفى" بسعادة وخرجت معه من الغرفة ليسيروا معًا، أخذها إلى سيارته وفتح لأجلها الباب وقبل أن يغلقه تشبثت "فيروزة" بوشاحه تمنعه من التحرك، نظر إليها بدهشة وقال:-
_ فى أي؟
ظلت ترمق عينيه بدفء ونبضات قلبها تتسارع بسعادة فهمست إليه بحُب ونبرة ناعمة:-
_ مصطفى أنا بحبك
أتسعت عينيه بدهشة أصابته بعد أن لفظت هذه الكلمة لأول مرة مُنذ أن تزوجها من أشهر، مرت عليهم ليالي كثيرًا ورغم ذلك لم تنطق هذه الكلمة، هزت "فيروزة" رأسها بالإيجاب مُتابعة الحديث:-
_ بحبك أوى يا مصطفى
تبسم بعفوية إليها وقال بلطف:-
_ وأنا بحبك يا فيروزتي
___________________________________
ركضت "عطر" مُتذمرة وراء طفلها الصغير الذي بلغ من العمر أربعة سنوات وبات شقيًا جدًا كالأطفال بعمره وأكثر، يركض متمردًا على والدته الصغيرة يمارس عناده الذي ورثه من والده عليها صرخت به غاضبة من شقاوته:-
_ تعال هنا يا زين
ضحكت "حِنة" عليهم بينما تجلس على الأريكة تحت المظلة الخشبية فى الحديقة مع "هدى"، تحدثت بنبرة دافئة:-
_ وإحنا جايين على الصعيد عمري ما تخيلت أن أشوف عطر كدة، عندها عيلة وأبن مطلع عينيها
_ دا من رحمة ربنا يا حِنة خد مننا كتير وعوضنا بعطر، جابت زين وأهى حبلة فى بنوتة و......
قالتها "هدي" التي ابتلعت بقية حديثها حين سمعت ضجة "فيروزة" التى تاتي ركضًا من الداخل إليهم وتنادي باسم والدتها:-
_ ماما .... يا أمي
وصلت لهما فرمقتها "هدي" بدهشة من ركض فتاتها:-
_ وا جرا أي يا فيروزة
_ أنا حامل
قالتها بحماس وفرحة بعد أن رُزقت بطفل أنتظرته لسنوات كثيرة مُنذ أن تزوجت "مصطفى" وذهبت للأطباء كثيرًا من أجل الحمل، وقفت "هدى" من مكانها بفرحة تغمرها والآن رُزقت فتاتها بطفل وتحققت دعوتهم الدائمة:-
_ أي، انتِ حبلة
هزت "فيروزة" رأسها وهى تمد لوالدتها صورة الأشعة بسعادة تغمرها حين جاء الخير لها بعد صبر طويل وقالت بعفوية:-
_ اه فى توأم كمان، هجيب أتنين
قبلتها "هدى" بفرحة وأخذتها من يدها كى تجلس بأريحية وقالت:-
_ أوعاكي تتحركي حركة واحدة فاهمة
وصل "عيسي" مع "مصطفى" الذي يركض بلا توقف بعد أن أخبرته "فيروزة" بحملها، ركض نحوها مُسرعًا وسألها:-
_ أنتِ ...
هزت رأسها بنعم وهى تعطيه الأشعة بحماس وقلبها لا يتحمل الفرحة وتشعر أنه سيتوقف من شدة فرحتها وقالت بعيني باكية :-
_ اه حامل هجيب توأم يا حبيبي
نظر للصورة بسعادة ثم قبل جبينها أمام الجميع بلا خجل، أقترب "عطر" منها بينما ركض "زين" إلى والده الذي جاء مع "مصطفى" ليحمله على ذراعه ويسير نحوهما هامسة بأذنيه:-
_ مش جولنا تسمع كلام ماما ها .... يا ولا هتجبلنا الكلام
ضحك "زين" مع والده حين قرصته "عطر" من خسره بتذمر قائلة:-
_ سمعتك يا عيسي
أخرج "زين" لسانه إلى والدته يغيظها فتأففت بضيق قائلة:-
_ شايف دلعك فيه
تبسم "عيسي" وهو ينزل طفله أرضًا وأقترب يقبل أخته بفرحة ويقول:-
_ مبارك يا حبيبتي ربنا يجومك بالسلامة وتجبلنا نونو حول شبهك أكدة، أوعي تعمليها وتجيبه شبه الواد مصطفى
تحدثت "فيروزة" بحُب يغمرها وعينيها ترمق زوجها الجالسة أمامها على الأرض فوق ركبيته قائلة:-
_ أنا بتمني يطلعوا شبه مصطفى جوى
دمعت عيني "مصطفى" فرحًا ليقاطعهم صوت "زين" يقول بحماس:-
_ أنا عايزها بنوتة تبقى البت بتاعتي وأتجوزها
قرصته "عطر" من أذنه بضيق من حديثه الغير لائق بسنه بينما ضحك الجميع على كلمته ليقول "مصطفى":-
_ ومين جالك أنى هجوز بنتي ليك يا جرد السرايا أنتِ
تذمرت "عطر" على كلمته بوجه طفولي عابس وقالت:-
_ نعم!!! أنتوا تطول أن ابنى يبص لبنتكم، دا كرم مننا عشان متبورش بس
بدأت المشاجرة بين "عطر" و"فيروزة" كلا منهما تدافع عن طفلها فأقتربت "هدى" من "عيسي" الذي كان شاردًا فى عائلة يحدق بكلا منهم والسلام الذي حل على بيته فقالت:-
_ متخافش يا عيسي من اللى جاي
نظر إلى الجميع بسعادة تنير وجهه وبسمة مُشرقة وأتكأ بيديه الأثنين على نبوته ممسكًا بهذه الأفعي بعد أن حافظ على امانة جده فى المال وفى "عطر" ثم قال:-
_ أنا مخايفش يا أمى، مخايفش على عيال البيت دا عشان اللى هتربيهم عطر وفيروزة ، أتنين جلوبهم أنضف وأرج بكتير من العالم دا، مهيزرعوش جوا العيال دى غير الخير واللى بيزرع بيحصد يا أمى، ولا عطر هتعلمها الكره الغل ولا فيروزة هتعلمهم الطمع والجشع، أنا واثج أن الأثنين هيزرعوا حُب واللي بيزرع حُب بلاقيه يا أمي، والخير عمره ما هيتلوث بالشر
النهــــــــــــــــايــــة ............
#كبرياء_صعيدي
#نور_زيزو
#نورا_عبدالعزيز
لمتابعة الرواية الجديدة زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق