روايه خطايا بريئه الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون بقلم الكاتبه ريم كريم
روايه خطايا بريئه الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون بقلم الكاتبه ريم كريم
🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺
بقلم الكاتبه ♥ ريم كريم ♥
السادس والعشرون
ولو كانوا يعرفونك حقاً، لعرفوا أن تغيرك هذا لم يأتي من فراغ، لعلموا أنك متعب جداً، وأنك تعلمت دروساً قهرية كان ثمنها غالياً من نفسك، لكنهم يعرفون فقط أنك أصبحت إنساناً آخر، ويعرفون كيف يستنكرون ذلك منك ويلومونك عليه باحتراف، هذا ما يعرفونه فقط."
- دوستويفسكي
-----------------
-أنتِ أزاي مهملة كده وسمحتي للولد ينزل يلعب ويقف يتكلم في الشارع مع كل من هب ودب
قالها هو بسخط غريب وبصوت حاد وكأن لم يغيره شيء
لتجيبه هي بشراسة هجومية اكتسبتها بعد نكبتها بعدما طيبت خاطر صغيرها و أمرته أن يلزم غرفته:
-أنا مش مهملة والولد مكنش في الشارع ده كان في جنينة البيت والمربية كانت معاه وانا كنت متابعه من البلكونة واللي كان واقف معاه ده جارنا وبعدين انت مش من حقك تتهمني بالإهمال دول ولادي و حتة من قلبي ومحدش هيخاف عليهم أدي
زاغت نظراته ودافع عن ذاته بنفس الحدة:
-أنا كمان ابوهم ومن حقي اخاف عليهم ولا انتِ مكنتيش عايزاني أجي كمان وهتحرميني منهم
تهكمت بنظراتها وقالت ساخرة:
-ابوهم...طب كويس انك لسه فاكر يا بشمهندس!
ده أنت اول حاجة عملتها جنابك أو ما افتكرتهم أنك زعلت الولد وزعقتله ورميت كورته اللي بيحبها بدل ما تخدوا في حضنك وتطبطب عليه وتقوله وحشتنى
بس طبعًا معرفتش تفصل مشاكلك معايا وبولادك اللي لازم يحترموك ويفضلوا يحبوك علشان ببساطة انت ابوهم و دي الحاجة الوحيدة اللي مش هعرف اغيرها
ابتلع رمقه بتوتر واعتلى الندم معالم وجهه وهو يجلس على الاريكة ويخرج علبة سجائره يشعل احدهم وينفث دخانها قائلًا بنبرة تستشيط غيظًا:
- أنا اتعصبت لما لقيته واقف مع الدكتور الزفت ده اللي طردني ومعرفتش اتحكم في اعصابي انا كنت مستنيه بس يتكلم علشان كنت هطلع غل اليوم ده كله فيه
نفخت بضيق ولم تعقب فقط تنظر له نظرات مشتعلة غير راضية فهو كما هو لا شيء يغيره همجي، أناني، متعجرف لا يفكر سوى بذاته وبرغباته ولا يهمه مشاعر الآخرين.
-مكنش قصدي ازعل "شريف" يا "رهف" صدقيني ولا كان قصدي اتعصب عليكِ أنا حتى كنت جاي اشكرك علشان اتنازلتي عن القضية
برر هو بخزي من نفسه بعدما جلدته بنظراتها وجعلت يتيقن أنه بالفعل اندفع بتصرفه.
تنهدت هي وربعت يدها اسفل صدرها وهزت رأسها بلا فائدة قائلة:
-متعتذرش دي حاجة مش غريبة عليك طول عمرك كده ومش هتتغير
وإذا كان على القضية انا اتنازلت علشان انا مش قليلة الأصل زي ما حضرتك فاكر ولا مؤذية وعلشان مهما عملت هتفضل أنت أبو ولادي اللي شايلين اسمه ومش عايزة يعاتبوني في يوم من الأيام إني سجنتك.
زفر انفاسه دفعة واحدة وهو يطفئ سيجارته في المنفضة التي تعتلى المنضدة ثم نهض يقترب منها بخطوات حثيثة قائلًا بعتاب وبنظرات ملتاعة معاتبة تفضح اشتياقه لها:
-علشان خاطر الولاد بس! ...للدرجة دي يا "رهف" كرهتيني ومبقاش ليا حاجة جواكِ طب إزاي وديتي حبك الكبير ليا فين؟
وخزة قوية من الألم انتابة قلبها حين اجابته بثقة:
-مبقاش ليك حاجة جوايا خلاص يا بشمهندس انت دلوقتي ابو ولادي وبس
قالت جملتها بثقة استغربها كثيرًا، فمن تلك و أين "رهف" خاصته الحائرة التي كانت تستجدي حبه!
لم يفكر بالأمر حين وجد ذاته يقترب منها قائلًا بحسره وبعتاب ليس بمحله بتاتًا:
-يااااااه بالسهولة دي يا "رهف" ده حتى اسمي مش عايزة تنطقيه!
اسمي اللي كان بيطلع من بين شفايفك بحب ويرشق في قلبي وعمري ما حسيت بحلاوته غير وهو طالع منك أنتِ...
ارتعش فمها، ولم تجيبه وظل رأسها شامخ تطالعه بثبات رغم هشيم قلبها وذلك الجرح الغائر الذي مازال ينبض بالألم بفضل أفعاله، مما جعله يقترب بتردد يحاول أن يؤثر عليها كما كان يفعل بلمساته التي كانت تذيبها فقد حاوط ذراعيها وأسبل عينيه هامسًا بنبرة ملتاعة تفيض بالاشتياق لم تتأثر بها:
-"رهف" أنا اعتذرت مرة واتنين بس انتِ مش عطياني فرصة حتى ادافع عن نفسي أنا مش عارف اعيش من غيرك وحاسس أن حاجة كبيرة ناقصاني...
نظرت له نظرة محملة بالكثير من خيبة الأمل ولم تعطيه مجال ليكمل حديثه حتى فقد انتفضت كالملسوعة من لمسته وصرخت به بشراسة لم تكن ابدًا من طباعها:
-إياك تفكر تلمسني انت فاهم ...
لتثور انفاسها وتسترسل وهي تستغرب كيف يتقرب منها ويخبرها بإشتياقه لها بعد ذلك العرض السخي الذي أوكل خالته به:
-انت انسان متناقض مش طبيعي...
زمجر غاضبًا وهو يشعر بقهر من تغيرها المبالغ به، ويستغرب بشدة ما اصبحت عليه ف "رهف" خاصته التي كانت تتمرمغ به مثل القطط الآن تنفر منه ولا تطيق لمسته:
-" رهف" انا مش متناقض أنتِ لسة مراتي وعلى ذمتي ولو على الكلام اللي قولته لخالتي فأنتِ اللي اضطرتيني لكده رفضك ليا وجرحك لكرامتي كل ما اجيلك
-لو حجتك إني لسه على ذمتك فهانت يا بشمهندس كلها كام شهر واخلص منك
زفر بنفاذ صبر، وهدر وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية بعنف يود لو أن ينزعهم:
-تخلصي مني للدرجة دي كنت عبء عليكِ يا "رهف"
لوحت بيدها باستخفاف لطالما كان يخصها به بالماضي و تأففت بنفس السأم:
-يووووه انا زهقت مش كل شوية هنكرر نفس الكلام...لو سمحت انا معنديش أزيد من اللي قولته قبل كده ...
زفر بضيق واحتل اليأس معالم وجهه ثم تناول علبة سجائره من جديد يتناول واحدة منها ثم يشعلها ينفث دخانها على مهل وظل صامت لبرهة يسلط نظرات مبهمة نحوها وبعقله يدور حديث "منار" التي اقنعته به ليقول هو بتناقض وبنبرة رغم كل شيء لم يستطيع اخفاء الندم واليأس بها:
-انا عارف أني قسيت عليكِ وظلمتك بس ندمت وحاولت كتير اراضيكِ بس أنتِ رافضة وانا كرامتي متسمحليش افرض نفسي عليكِ اكتر من كده خلينا نتفق، رجعيلي جزء من الفلوس
وانا مستعد انفذ كل طلباتك
قهقهت هي بكامل صوتها الأنثوي وردت ساخرة من ذلك التناقض الغريب الذي هو عليه:
-نتفق على ايه؟؟
أنت مصدق نفسك للدرجة دي!
بجد مشوفتش في بجاحتكم أنت والصفرا بتاعتك...أنا عارفة أنها هي اللي اقنعتك بالفكرة العظيمة دي وعارفة كمان انها هتتقهر علشان عرفت ان الثروة اللي رسمت عليها راحت من بين ايديها.
دافع دون تفكير وبكل عجرفة غير عابئ بمشاعرها ولا بأنين قلبها رغم صمودها التي تدعيه امامه:
-"منار" بتحبني بجد واكتر حد خايف عليا وبلاش تظلميها دي اتنازلت وجاتلك وأنت بهدلتيها علشان هي عايزة مصلحتي مش زيك عايزة تخرب بيتي وتبوظ شغلي
اللعنة عليك وعليها ألف مرة ايها الساخط اللعين ألن تكف عن تقمص دور الضحية، الآن تدافع عنها باستماتة، وأنا السيئة الشريرة بقصتك حسناً لا يهم أنا لا أبالي، ولكن دعنا نتراهن هل حقًا ستكون جديرة بدفاعك عنها أو ستصبح أنت الخاسر الكبير بعد أن تصيبك لعنتها.
ذلك ما كانت تود أن تصرخ به في وجهه ولكنها كعادتها صمدت و قالت بثبات وبنبرة خالية تمامًا من أي مشاعر وبتهكم تقصدته كي تستفزه وتثير اعصابه كما فعل معها:
-ربنا يهنيكم ببعض يا بشمهندس فعلًا هي تستحقك بجدارة، بس أنا مستحيل هقبل بالعرض السخيف بتاعك أنا في الحالتين هطلق منك...وفلوسي ورجعتلي و ولادي ومعايا ومتقدرش تاخذهم مني، تفتكر ايه اللي هيخليني أقبل عرضك وأنا مش مستفيده منه
حاول استعطافها والتحايل عليها من جديد:
-"رهف" هخسر شغلي واكيد ده ميرضكيش أنتِ اكتر واحدة عارفة أنا تعبت أد ايه علشان اكبره واحافظ عليه
نعم اعلم ! ولكن ليتك تعلم أنت دوافعي حينها والغرض من فعلتي...نفضت افكارها اللينة سريعًا و أجابته:
-مش مشكلتي وزي ما قولتلك قبل كده اللي بيني وبينك المحاكم والولاد في أي وقت هتحب تشوفهم انا مش هعارض وده علشان خاطر نفسية ولادي مش علشان جنابك واللي بيني وبينك انتهى بالنسبالي
تأفف بسخط وصرخ بها:
-أنتِ بتعملي فيا ليه كده...جبتي قسوة القلب والجبروت ده منين
ايه المشكلة يعني خلافتنا ملهاش علاقة بالفلوس
وهنا طفح الكيل بها ولم تستطيع الصمود أكثر:
-عارف ايه مشكلتك أنك ناقم وطماع واناني عمرك ما حمدت ربنا عايز كل حاجة تبقى معاك ومتخسرش حاجة ومش مهم أن كل اللي حوليك يتنزلوا علشانك طز في مشاعرهم وحياتهم اللي أنت دمرتها الأهم انك ترضي غرورك وكبريائك وتنفذ رغباتك على حساب كل اللي حوليك...
زمجر غاضبًا من حديثها وجز على نواجذه بقوة يكاد يهشم أسنانه من شدة جزه عليها ثم هدر بعصبية متهورة وهو يجذبها من ذراعها:
-متنسيش إني لسة جوزك وغصب عنك لازم تحترميني وتقدري أني مش هتنازل عن كرامتي واقبل اهانتك ليا اكتر من كده
صدر صوت ساخر من فمها ذكره بمواقف مشابهة وقالت وهي تنفض يده مشمئزة و تصنع مسافة أمنة بينها وبينه جعلته يستشيط غيظًا:
-كرامتك... واللهي
-"رهف" بلاش تستخفي بكلامي اه أنا كرامتي فوق أي شيء وبفكرك أنتِ لسة مراتي وانا جوزك ولو عايز اقرب منك مش هتعرفي تمنعيني بس انا مش هعمل كده وعندي أمل تعقلي.
نعم مازال زوجها ولكن عن أي تعقل يتحدث هو وهي كلما تنظر لوجهه تتذكر خسارتها و كل ما مرت به معه يأن قلبها وكأن طعنته التي تسببت بذلك الجرح الغائر بصميمها مازالت تقطر دمٍ ولن تندمل... فحقًا تشفق على ذاتها فيعلم الله أنها لم تتصيد له وقاومت وتهاونت حتى انهكت فما مرت به ليس بهين وكان فوق احتمالها.
-متقدرش تعمل كده؟
نبرتها كانت متحدية لكبرياء رجولته مما جعل يندفع بأنفاس غاضبة وبملامح لاتبشر بالخير وهو يقلص المسافة بينهم ويجذبها من خصرها بغل لصدره و يميل يحاول تقبيلها كي يثبت لها عكس حديثها، مما جعلها تصاب بحالة من الهلع بين يده تنفي برأسها كارهة انفاسه الثائرة التي تلفحها ومتألمة من طوقه لخصرها تشعر يده طوق من حديد منصهر يضيق عليها، لتدفعه بصدره بقوة كي تزيحه عنها ولكنه كسد منيع لا يحيد عن غايته حتى يذكرها بهيمنته على جسدها فقد جذبها من مؤخرة رأسها وانقض بغل على شفاهها بقبلة قاسية ، متملكة خالية من أي رحمة أو عاطفة و لا تَمُت للندم والأشتياق الذي كان يتشدق به بأي صلة، مما جعلها تنفر بقوة و تود لو ان تتقيأ روحها، أما هو كان في قمة انتشاءه من شرستها التي لم يتعود عليها وكأن دفاعتها تلك جعلته يتلذذ بضعفها وقلة حيلتها وهو يسيطر عليها
،صرخت هي صرخة مكتومة تستغيث ولكنه لم يعير شيء أي أهمية وترك شيطانه يعث برأسه
ويتحكم به إلى أن باغتته هي بلكمة ببطنه جعلته يتأوه مبتعد عنها وقبل أن يتدارك الأمر كانت بكل ما فيها من قوة تصفعه صفعة قوية من شدة قهرها صارخة بأنفاس متقطعة وبنبرة هستيرية جعلت اطفالها يهرولون إليها:
-بكرهــــــــــــــــــــــــك ...بكرهك...منــــــــــــــك لله
كان مفحوم من ما صدر منها فإلى هنا وكفى فقد زمجر غاضبًا وزادت قتامة عينه و احتدت ملامحه بشكل لا ينبئ بالخير بتاتًا وهو يقترب يرفع يده ينوي صفعها كما فعلت معه لولآ صرخ الصغار بأسمه، لتهتز نظراتها بتأهب بين يده وملامحه الموحشة وهي تعلم أنه لن يتردد في فعلها، ولكن لأول مرة يخلف ظنونها حين أعتصر قبضته التي علقت بالهواء وهو ينظر لأطفاله الذين يقفون بزاوية الغرفة يشهقون بالبكاء ويحتضنون بعضهم، وفي غمضة عين كان يتدخل شيطانه ويدفعه ناطقًا بكل تهور:
-أنتِ طالق يا "رهف"
اغمضت هي عيناها بقوة وارتعش فمها تجاهد تلك الغصة بحلقها، بينما اقترب "شريف" قائلًا بنبرة باكية:
-انت وِحش عايز تضرب مامي و بتزعقلي انا مش بحبك
مش بحبك...
لتحتضن "شيري "ساق والدتها وتحاوط خصرها وترشقه بنفس النظرات الكارهة، ليزمجر هو بجنون:
-برافو عليكِ حتى ولادي عرفتي تكرهيهم فيا... ليوجه حديثه لأبنائه دون مراعاة ما سيخلفه حديثه في نفسيتهم وسلوكهم:
-امكم السبب وهي اللي بوظت حياتنا وسرقت فلوسي وكانت عايزة تسجني...مفروض تعتبوا عليها مش عليا هي اللي وصلتني لكده وكرهتكم فيا...
لم تستطيع الصمود أكثر فقد أجهشت بالبكاء بكل قهر وصرخت به:
-كفاية بقى ...اطلع بره....اطلع بره...والبيت ده اياك تدخله بعد كده
بــــــــــــــــــــــــــــــــره
كور قبضة يده بقوة يتحكم في زمام نفسه كي لا يفعل ما يخشى عقباه ثم توجه لباب الشقة الذي كانت تتعمد ان تتركه مفتوح على مصراعية حين اتى
وغادر بخطوات واسعة تفتك الارض تحت قدميه وهو يلعنها ويلقي باللوم عليها ويقنع ذاته انها هي من اوصلتهم لهنا، أما هي فقد اندفعت تغلق الباب خلفه بكل قوتها ثم استندت بظهرها عليه وشهقت شهقة ممزقة كانت تجثو على صدرها تزامناً مع انزلاق جسدها على الأرض بكل هوان... ليقتربوا اطفالها منها وتجذبهم يفترشون الأرض مثلها وتحتضنهم هامسة من بين شهقاتها بنبرة متألمة حارقة نابعة من هشيم قلبها:
-متزعلوش هبقى كويسة...وهنبقى كويسين متصدقوش كلامه انا بحبكم ومعنديش في الدنيا اغلى منكم علشان خاطري متصدقوش...
هزوا الصغار رؤوسهم وقال" شريف":
-مش مصدقين يا مامي و احنا كمان بنحبك
بينما مدت "شيري" يدها الصغيرة تجفف دمعات والدتها وتربت على ظهرها بتضامن، أما هي فقد رفعت نظراتها لأعلى دعت ربها ان يمدها بقوة مضاعفة بعد خلاصها.
----------------
مرت عدة أيام بسلام عليها وها هو اليوم الأخير لاختباراتها وكم تمنت أن يمر بسلام ايضاً
فقد انتهت وخرجت تتأبط ذراع "نغم" التي قالت بتنهيدة مرتاحة:
-اخيرا خلصنا والله ما مصدقة
ابتسمت هي وتشبثت بذراعها أكثر وهي
تلمحه من بعيد يقف مع "فايز" ولا يجرأ على اللحاق بها، فهي تتعمد ان تلتصق ب "نغم" كي لا يتجرأ ويعترض طريقها، لترد بنبرة هادئة وهي تواصل سيرها دون أن تلتفت خلفها:
-اه الحمد لله اخيرًا
اوقفهم نداء "منه" قائلة وهي تلهث خلفهم:
-"نادو" استني
التفتوا لها بمضض وقبل أن تتفوه "نادين" بكلمة واحدة استهجنت "نغم":
-افندم عايزة ايه؟
-انا بكلم "نادو" موجهتلكيش كلام يا شيخة "نغم"
تأففت "نغم" وهدرت بغيظ:
-أنا وهي واحد هي عينتني محامية عنها اخلصي وقولي عايزة ايه منها؟
زفرت "نادين" في ضيق من هجومها المبالغ به وهمست لها:
-"نغم" خلاص متكبريش
الموضوع لتلتفت ل "منه" وتسألها بإقتضاب:
-خير يا "منه" عايزاني في ايه؟
اجابتها "منه" وهي ترشق "نغم" بنظرة منتصرة:
-ابدًا الشلة كلها هتتجمع فيWeekend وهتبقى سهرة جنان وكله جاي بس طبعا مش هتكمل غير بيكِ
-"نادين" مبتسهرش مع حد ومش فاضية علشان خلاص فرحها كمان كام يوم ولازم تحضر له
قالتها" نغم" بإندفاع دون تفكير مما جعل "منه" تشهق بتفاجئ، أما "نادين" فقد توترت وعاتبت "نغم" بعيناها على زلفة لسانها، ولكن "نغم" لم تعير شيء أهمية واستأنفت بتلقائية دون ذرة كذب او لؤم واحدة:
-بتغمزيلي ليه هو مش سر ولازم يعرفوا أنك خلاص هتتجوزي
حانت من "منه" بسمة متخابثة وتهكمت :
-اخس عليكِ يا "نادو" ومخبية ليه مش عايزة تقولي ده إحنا حتى نفرحلك!
ارتبكت هي ومررت أناملها المرتجفة بخصلاتها قائلة:
-مش سر ولا حاجة...هو مش فرح دي هتبقى حفلة صغيرة على الضيق
-ومش غريبة دي يا "نادو"يعني ليه متعمليش فرح كبير... يعني لو مكانتش "نادين الراوي" بجلالة قدرها تعمل فرح اسطوري مين اللي هيعمل!
قلبت "نغم" عيناها وصدتها قائلة:
-لا حول ولا قوة إلا بالله
يا ستي أنت مالك دي دخلياتهم هما وهما احرار ياريت تخليكِ في حالك وعن اذنك بقى سبينا نمشي
لتجر "نادين" من يدها بعيدًا عنها بينما هي كانت فاغرة الفاه من ذلك الخبر الصادم الذي لن تحتفظ به طويلاً وسوف تشاركه مع الجميع
أما هو فكان يتابع موضعهم بعيون ثاقبة متربصة وهو يلعن تلك الملازمة لها فهو يشعر انها تتخذها حصن واقي كي لا يعترض طريقها فهي تعلم تمام المعرفة أنه لا يطيقها ولا يطيق استخفافها به ولا طريقة حديثها،
زفر بقوة حانقًا مما جعل "فايز" يتبع نظراته و يتساءل بمكر:
-أيه يا صاحبي مفيش جديد؟
اجابه بغيظ وعينه لا تحيد عن آثارها:
-لغاية دلوقتي مفيش جديد وشكل الغبية "ميرال" هتخلف توقعاتي وهتضيع كل اللي بخطط ليه في الهوا
تنهد "فايز" وتسأل بعدم فهم:
-أنا مش عارف كان لازمته كل الحوار ده من الأول يا "طارق" يعني لو أنت عايز تفضحها نقدر نعمل كده بكل سهولة ومن غير "ميرال"
نكزه "طارق" ورد بنبرة تقطر بالخبث وهو يفرك ارنبة انفه كي يخفف حدة تحسسهاالذي داهمه للتو:
-لو عملت كده "نادين" هتبقى متأكدة أنه أنا اللي عملتها لكن أنا عايز ابعد الشُبوهات عني وهبان قدمها إني اتفاجأت زيها علشان لما الغبي يتخلى عنها ميبقاش قدمها غيري...وطبعًا وقتها مش هتشك غير في "ميرال" لأنها الوحيدة اللي ليها مصلحة تفضحها وترد اللي هي عملته فيها...
ربت "فايز" على كتفه وقال بإعجاب مقيت:
-شيطان يخربيت دماغك سم والله أنا هبتدي اخاف على نفسي منك
قهقه هو وقال بفضول لعين وهو يتتبع بعينه موضع "منه":
-طب تعالى اسئلها الحوار ايه؟
ليفرك انفه يقاوم إلحاح جسده ويضيف :
-ومتنساش الليلة تجيب اللي قولتلك عليه!
قلب" فايز" عينه بسأم وقال بعدم رضا:
-ما بلاش يا "طارق" أنت كنت بتقول انها تخاطيف قبل كده ...و ايام الامتحانات وبس علشان تركز وأدي الامتحانات خلصت وملهاش لزوم...
رفع منكابيه بعنجهية واجابه:
-نفذ اللي بقول عليه من سكات يا "فايز" أنا مش ناقصك ويلا تعالى نشوف اللي هناك دي مالها
لينصاع له" فايز" بمضض فهو حقًا لا يروقه تصرفات صديقه ولكنه لا يستطيع فعل شيء سوى أن يسايره حتى وإن كان في الخطأ فهو اضعف بكثير كي يعارض "طارق المسيري" المستند على نفوذ أبيه.
وبالفعل ما أن اقتربوا منها، تساءل "فايز":
-مالك يا "منه" متسمرة ليه كده؟
انتبهت "منه" على ذاتها وتمتمت:
-هاااا... خبر الموسم يا "فايز" تخيل "نادين الراوي" هتتجوز بعد كام يوم ومش جايبة سيرة لحد
تجهمت معالم وجه "طارق" وتوحشت عيناه وهدر بعدم استيعاب:
-بتقولي ايه أنتِ متأكدة؟
هزت "منه" رأسها وأكدت بكل ثقة:
-الشيخة "نغم" هي اللي قالتلي و"نادين" وقتها ارتبكت وشكلها مكنتش عايزة تقول
احتل الحقد قاتمتيه وجز على نواجذه بقوة من تأكيدها ودون أن يتفوه بكلمة واحدة كان يغادر بخطوات واسعة تآكلها الغضب
لتتسأل "منه" مستغربة:
-هو ماله ده؟
أجابها "فايز" وهو ينظر لآثار صديقه:
- ربنا يستر...شكلنا داخلين على أيام ما يعلم بيها إلا ربنا
---------------
أما عنها فكانت تسير شاردة الذهن برفقة صديقتها في طريقها لخارج الحرم الجامعي حين تساءلت "نغم" بريبة:
-مالك يا "نادين"؟
تنهدت واجابتها بتوتر:
-مكنتش حابة حد يعرف
-ليه انا مش شايفة سبب مقنع لده...
أغمضت عيناها وزفرت بضيق مبررة:
-قلبي مقبوض يا "نغم" وخايفة...خايفة اوي
-مقبوض من ايه يا بنتي ما اللي يعرف يعرف محدش عايز منك حاجة وبعدين أنتِ بس تلاقيكِ زعلانة علشان "يامن" مش هيجي ياخدك النهاردة زي عادته
ابتسمت ببهوت وردت:
-يمكن...بقاله كام يوم مشغول اوي بيخلص اجراءات نقل الملكية علشان نلحق نحضر للفرح
تخطوا بوابة الحرم الجامعي حين استرسلت "نغم"بمحبة خالصة لها:
-ربنا يهنيكم يا "نادين" أنا فرحنالك أوي...لتنظر لها تحاول أن تسبر أغوارها وتضيف بتوجس:
-بس مش عارفة ليه حاسة ان في حاجة شغلاكِ ومخلياكِ مش مبسوطة
اعتصرت "نادين" عيناها وفكرت بشكل جدي أن تخبرها لعلها ترحمها من ذلك التفكير المضني الذي سيقضي عليها ولكن حينها شهقت "نغم" وهي تجد أبيها ينتظرها بجانب سيارته التي ترتكن بجانب الطريق من الجهة المعاكسة لتلوح له وتقول ل "نادين":
-يا خبر ده بابا هناك ومستنيني أكيد مقدرش يصبر لغاية ما أرجعله واطمنه
أومأت لها "نادين" ودعمتها:
-معلش روحي طمنيه
تنهدت "نغم" وأصرت:
-ماشي بس هنكمل كلامنا بعدين وهتحكيلي...
أومأت "نادين" لها بطاعة لتسترسل هي:
-طب تحبي اوصلك لعربيتك
-لأ متقلقيش دي كلها خطوتين للجراچ أنا قصدت اركن هناك علشان الزحمة... يلا روحي وسلميلي عليه كتير
قالتها ببسمة باهتة وبثبات يخالف ذلك الخوف المستوطن بقلبها، لتومئ"نغم" لها وتقبلها مودعة وتسير نحو أبيها بينما هي دارت بنظراتها بتوجس شديد ثم بخطوات واسعة متوترة بشدة توجهت للجراچ كي تأخذ سيارتها قبل أن تجد ذلك المقيت يلحق بها فيبدو أنها مازالت إلى الآن لم تملك الشجاعة اللازمة لتواجهه، ولا حتى استطاعت أن تجد حُجة مناسبة تقنعه بها.
وصلت وها هي خطوة، اثنان،ثلاث وكانت تفتح باب سيارتها ولكن ما كانت تخشاه وتغشى تبعاته قد حدث، فيده القاسية كانت تطبق عليها حتى أنها شهقت بقوة والتفتت مرعوبة لتجده ينظر لها نظرة قاتمة لا تنبأ بالخير بتاتًا مما جعلها تتلجلج بتوتر بالغ:
-بتعمل ايه هنا يا "طارق"!
لم تتغير ملامح وجهه المرعبة بل توحشت أكثر حين هدربأنفاس غاضبة:
-أنتِ فاكرة إني لو عايز اوصلك مش هعرف...أنا سيبك بمزاجك لكن بعد الخبر اللي سمعته قسم بالله لو كان صح لهتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه يا "نادو "
أبتلعت غصة بحلقها و زاغت نظراتها ولعنت "منه" بسرها وكم استغربت كونها افشت الخبر بتلك السرعة، لذلك راوغته بدهاء كي تتأكد من ظنونها:
-خبر ايه؟
رد هو بنبرة سامة وهو يحتجزها بيده بينه وبين جسم السيارة:
-هتممي جوازك من الغبي ده وهتعملي فرح...
أغمضت عيناها تستدعي شجاعتها ثم تمتمت بنبرة مهتزة متلعثمة:
-أنا...كُنت...
-أنـــــــــــتِ ايـــــــــــــــــــه انطقـــــــــــــــــــــــــي!
قاطعها بحده مبالغ بها وهو يطرق على جسد السيارة خلفها بكفوف يده مماجعلها تنتفض بقوة وتفر الدماء من وجهها وتدرك أن لا سبيل للمراوغة اكثر لذلك تلعثمت من جديد:
-كنت مستنية فرصة مناسبة علشان اقولك...
بتر جملتها بإنفعال قوي وبنبرة جهورية نفضتها:
-تقوليلي ايــــــــــــــــــــه تقوليلي أني طلعت غبي وانك كنتِ بتلعبي بيا الفترة دي كلها
نفت برأسها وبررت والرعب قد تملك من قلبها وارعش أوصالها:
-أنا عمري ما قصدت كده...الموضوع مش زي ما أنت فاكر أديني فرصة هشرحلك
حانت منه بسمة متغطرسة تنم كونه غير متزن بالمرة ثم صرخ بجنون أمام نظراتها المرتعبة بكافة تلك التساؤلات التي تفتك برأسه:
-تشرحيلي ايه؟ عايز افهم؟ مفيش مبرر واحد يخليكِ تغيري رأيك وتبديه هو عليا...نسيتي أن كان مفروض عليكِ ونسيتي تحكماته وأوامره اللي بتخنقك... طب أزاي نسيتي أن امه كانت السبب في موت أمك...أزاي نسيتي كل ده وفاجأة كده قررتي تكملي حياتك معاه...فهميني انا هتجنـــــــــــــن...هتجنـــــــــــــــن
ارتجف جسدها ولم تقدر على مواجهة نوبة غضبه إلا ببعض الكلمات المبررة التي لم ترضيه بالمرة:
-"طارق"...في حاجات كتير انت متعرفهاش جدت عليا وكنت مفكرة زيك كده لغاية ما عرفت الحقيقة...وعرفت انهم ملهمش دعوة بموت أمي...وحتى فلوسي هو مطلعش طمعان فيها زي ما كنت مفكرة ده بالعكس هيرجعلي كل حاجة وبدء في الإجراءات
مسد جبينه بعنف وهز رأسه بعدم اقتناع وهدر بعدما لعن ذلك الإلحاح الشنيع الذي يكاد يسيطر على جسده :
-يظهر أنه عرف يضحك عليكِ بالسهولة دي ويلعب بدماغك
نفت برأسها ودافعت عنه ببديهية دون تفكير مما جعل نيران الحقد تشتعل بداخله اكثر:
-هو مضحكش عليا... وملوش دخل...ده قراري أنا...لتمرر يدها المرتجفة في خصلاتها وتخبره بأنفاس مضطربة فشلت في تنظيمها:
-"طارق" صدقني...اللي بيني وبينك مكنش حب احنا كنا صحاب و...
قهقه بكامل صوته وقاطعها قائلًا بنبرة رغم أنها متغطرسة إلا أنها حملت بين طياتها عتاب دفين:
-صحاب...أنتِ شايفة كده...هو للدرجة دي قدر يخدعك ويخليكِ متعرفيش تميزي
حاولت إقناعه بعيون زائغة وبأعصاب تالفة وبقلب يهوي بين قدميها:
-"طارق" لو سمحت أفهم... هو مخدعنيش ولا مَثل عليا...لتنكس رأسها وتُصرح وهي تفرك بيدها بتوتر بالغ:
-هو بيحبني وعمل حاجات كتير علشاني وأنا كنت طايشة وغبية ومغيبة وسبت شيطاني يوهمني بحاجات ملهاش اساس...وعلشان كده قررت اصلح كل حاجة... لتضيف بخزي من نفسها قبل أي شيء:
-أنا بجد أسفة يا "طارق" والله ما كنت أقصد اجرحك ولا استهتر بمشاعرك...
حديثها نزل كالصاعقة فحقًا كان مصدوم من دفاعها المستميت عن الأخر لا والأنكى أنها تعتذر منه، مما جعله يكتشف لتوه أنه هو الغبي الوحيد و ليس أحد غيره، فقد ثارت ثائرته و وجد ذاته لم يستطيع تحجيم شياطينه عنها ليحاوط عنقها بحركة مباغتة ضارب جسدها بجسم السيارة مما جعلها تشهق بقوة متألمة من فعلته، ليقول ب كل غطرسة وبنبرة مميتة تقطر بالحقد:
-بتعتذري ده أيه الجبروت بتاعك ده! بعد كل اللي بينا بكل بساطة كده بتخرجيني من حياتك للدرجة دي أنا كنت غبي وعرفتي تلعبي بيا...
سعلت هي وترجته بوجهه أحمر وبعيون جاحظة واهنة وهي تتعلق بيده في محاولة بائسة منها أن يحل قبضته عنها:
-بتخنق يا "طارق" متبقاش مجنون
لم يعير رجائها ولا دفاعتها أي أهمية بل كان يشدد أكثر فأكثر على عنقها وهو يجز على نواجذه بقوة وعينه تطلق الشرار وكأنه مغيب تحت وطأة ثورته حتى انه لم ينتبه انه يكاد يفقدها أنفاسها إلا حين تعالى صوت إنذار سيارة مصطفة في زاوية بعيدة ليحل أنامله تدريجيًا ويدور بعينه بالمكان يستفقد أمر ذلك الصوت ولكن لحُسن الحظ لم يعرف مصدره ولم يتمكن من رؤية تلك التي تتوارى هناك وتكتم انفاسها كي لا ينتبه لوجودها منكمشة بين السيارات.
فقد أقنعه عقله انها هرة مشردة هي من تسببت بذلك في حين أن "نادين" سعلت بقوة واحنت ظهرها تضع يدها على صدرها تحاول جاهدة أن تلتقط أنفاسها،
ليهرول فرد الأمن تباعًا لصوت الإنذار، مما جعله يعتدل بوقفته ويهندم ياقة كنزته ويتصنع انشغاله بالبحث وهو يصنع مسافة مناسبة بعيد عنها حين تسأل فرد الأمن و وجه حديثه لها:
-حضرتك في مشكلة... أنتِ كويسة محتاجة مساعدة
بالكاد اعتدلت بوقفتها وهي تشعر أنها قاب قوسين أو أدنى أن تفقد وعيها، لتتعلق عيناها الواهنة به وهو يزجرها ويرسل لها تحذير مبطن عبر نظراته جعلها تهز رأسها لفرد الأمن وتغمغم بتقطع:
-أنا كويسة...
أومأ لها فرد الأمن بتفهم وحول نظراته لذلك الواقف على بعد منها، ليترسل "طارق" ببسمة سمجة متغطرسة وهو يخطو نحوه:
- ملقتش عربيتي يظهر إني غلطت في الممر
أومأ له بعدم اكتراث وتخطاه بخطواته يتفقد مصدر الإنذار وما إن كان يوجد شيء مريب بالأمر أم لا، ليختصر "طارق" المسافة التي صنعها بينهم ويستغل انشغال الأخر مهسهس بوعيد وبنبرة غير متزنة وهي بالكاد تستعيد ثباتها مستندة على باب سيارتها التي فتحته للتو كي تغادر:
-أنتِ لعبتي مع الشخص الغلط يا "نادو".
ذلك أخر ما تفوه به قبل أن يغادر بخطوات واسعة تاركها تصعد لسيارتها بحالة يرثى لها، تحتضن ذاتها و تنفي برأسها بحركات هوجاء متسرعة وهي تشعل مقود السيارة وتنطلق بها وهناك زوج من العيون يتتبعها وهي تنخرط أثناء قيادتها في نوبة بكاء مرير بخزي ينهش روحها
فيبدو أن توابع خطيئتها لن تمر مرور الكرام كما كانت تعتقد ولابد أن تكفر عنها.
----------------------
لا تعرف كيف وصلت لبيت "نغم" ولكن كل ما كانت تعلمه أنها لابد أن تجازف وتخبرها فهي حقًا تشعر بالضياع، والخوف وبحاجة لأخذ نصيحتها، وبالفعل فعلت ذلك وقصت عليها أدق التفاصيل بصدق شديد دون أن تخفي شيء وبالفعل كما توقعت وبختها وأنبتها وحتى أنها انفعلت بقوة ولكن بالأخير رَأفت بأنهيارها والندم البادي عليها ونصحتها أن تخبر "يامن" وتترك الخيار له فهو دائمًا ما يتفهمها ويغفر لها وسوف يدرك أن تلك تبعات الماضي ورغم عدم اقتناعها وخوفها من تبعات الأمر إلا أنها حاولت أن تقنع ذاتها وقررت أن تخاطر وتعمل بنصحيتها.
وها هي عادت للمنزل بملامح شاحبة تحاكي الموتي حين استقبلتها "ثريا" متلهفة:
-كده برضو يا "نادين" تتأخري وتقلقيني عليكِ؟
اجابتها معتذرة:
-آسفة روحت عند "نغم" والوقت سرقني
تنهدت "ثريا "وتساءلت بإرتياب:
-مالك يا بنتي أنتِ معيطة
نفت برأسها وهي تحكم ذلك الوشاح على رقبتها التي استعارته من "نغم" كي يخفي الأثر الذي خلفته أصابع ذلك المقيت، لتتقدم منها بخطوات واهنة متعثرة وطلبت راجية وهي ترتمي بين يدها:
-احضنيني يا ماما"ثريا"...احضنيني
استغربت "ثريا" من فعلتها ولكنها لم تتردد ودثرتها بأحضانها قائلة:
-مالك يا بنتي أنتِ كويسة
لم تجيبها بل كانت عيناها غائمة تكبت رغبتها بالبكاء بصعوبة بالغة حين استأنفت "ثريا":
-"يامن" قلقان عليكِ واتصل بيا كذا مرة عايز يطمن وبيقول ان تلفونك مقفول...خير يا بنتي متوجعيش قلبي وقوليلي كنتِ بتعيطي ليه محلتيش كويس في الامتحان
نفت "نادين" برأسها وأخبرتها بعدما استعادت ثباتها كي لا تثير ريبتها أكثر:
-مش بعيط أنا كويسة وحليت كويس الحمد لله أنا مخدتش بالي من التلفون مقفول معلش كان في الشنطة هكلمه واطمنه متقلقيش
ربتت "ثريا" على ظهرها وهي تحمد ربها، بينما هي خرجت من دفء أحضانها قائلة ببسمة باهتة لم تصل لعيناها:
-حاسة إني مرهقة هدخل أوضتي اكلم "يامن" وبعدين هنام
-مش هتاكلي يا بنتي
-اكلت مع "نغم"
أومأت لها "ثريا" وربتت على يدها بحنو بالغ جعل "نادين" تتمتم:
-أنا بحبك اوي يا ماما "ثريا" عارفة لو كانت امي لسة عايشة مكنتش هتبقى حنينة عليا أدك
أنا بدعي ربنا يديمكم ليا أنا مليش غيركم ومقدرش اعيش بعيد عنكم علشان خاطري مهما حصل اوعي تقسي عليا
كانت تتحدث بنبرة صادقة مُعذبة تخشى شيء بعينه، ورغم أنها ثابتة أمامها إلا أن بداخلها ألف صرخة ألم وبكاء لن ينضب، مما جعل "ثريا" تجذبها من جديد وتقول بحنو شديد:
-عمري ما اقسى عليكِ انت بنتي ومعزتك من معزة "يامن" بالظبط...هو في حاجة حصلت ضايقتك يا بنتي..."يامن" زعلك
-لأ...انا اللي خايفة ازعله ومعرفش اراضيه
-هو ما بيزعلش منك أنتِ عارفاه قلبه أبيض من اللبن الحليب هو اه ساعات ليه قلبات ما يعلم بيها إلا ربنا بس والله طيب وبيحبك ويتمنالك الرضا ترضي...
اغمضت عيناها بألم واستأذنت منها لتدخل تستريح بغرفتها وهي تدعي الثبات رغم الرعب الذي يسكن قلبها فنعم هي محقة لذلك دعت الله بسرها أن يرأف بها.
-------------------------
عاد هو بعد يوم عمل طويل أنهكه على الأخير، وقبل أن يتوجه لغرفته
أطمئن على والدته بالأول ليجدها تغط في نوم عميق، ثم بعد ذلك سار بخطوات حثيثة نحو غرفتها ظنًا منه انها نائمة ولكن حين فتح بابها وجدها تجلس منكمشة داخل فراشها ليدخل ويغلق الباب، لتنتبه هي لوجوده وتهرول إليه وترتمي بين يديه قائلة بلهفة:
-وحشتني يا "يامن"
أبتسم على لهفتها ودثرها بين حنايا صدره الأمنة وهمس بلوعة تشابه لوعة قلبها:
-قلب "يامن" وروحه وعمره أنتِ وحشتيني اكتر...أيه اللي مسهرك كده؟
بررت بقلب منقبض وبملامح باهتة وهي تتوجس خِيفة من رد فعله:
-معرفتش أنام وكنت مستنياك عايزة اتكلم معاك
أخرجها من بين يده وقال بإرهاق:
-لا كلام ايه انا هلكان وهموت وانام أجليها للصبح
-بس...
حاولت أن تصر عليه كي تزيح ذلك الحمل الثقيل عن كاهلها ولكنه منعها قائلًا بحنان وهو يجذب رأسها تستقر على صدره:
-معلش حقك عليا أنا عارف إن بقالي كام يوم مشغول عنك بس أنتِ اكيد عارفة أن الشغل فوق راسي ولازم اعمل جرد لكل صغيرة وكبيرة انا والمحامي علشان اجراءات نقل الملكية ده كمان لازم اسافر بكرة الصبح اسكندرية علشان الفرع اللي هناك
مرغت وجهها بصدره وقالت وهي تستند بكفوفها المرتعشة عليه تتفقد موضع خافقه:
-مش عايزة انقل الملكية أنا وأنت واحد وبعدين أنا عايزاك جنبي ومش مهم الشغل سيبه يخرب انا مش فارق معايا
تنهد بعمق وقال ببسمة هادئة وهو يضع قبلة على قمة شعرها:
-أزاي بس يا مغلباني عايزاني اضيع تعب سنين وبعدين ده حقك ولازم يرجعلك على أكمل وجه
-بس أنا مش عايزاك تبعد عني وخصوصًا الفترة دي
لم ينتبه لتلميحها بل حتى انه شاكسها:
-كل ده علشان غبت عنك شوية...لأ ده انتِ بقى وضعك خطير ويظهر كده والله اعلم بتحبيني
خرجت من بين يديه وكوبت وجهه هامسة بمشاعر صادقة وعيون غائمة بالكثير:
-أنا بموت فيك مش بس بحبك
تنهد مُسهدًا وهو يشملها بدفء عيناه ثم داعب خصلاتها ومرغ وجهه بين راحة يدها التي تستقر على وجهه راجيًا:
-بلاش سيرة الموت...بلاش تقوليلي بموت فيك ...قوليلي هعيش ليكِ.
-هعيش ليكِ وبيك و مهما تعمل فيا مش هزعل منك و هحافظ عليك ولو معرفتش؛ اعرف إني هموت بعديك.
تناول نفس حار ثم زفره دفعة واحدة وشاكسها بعبث تام وهو يسند جبهته على خاصتها ويركز ناعستيه المُسبلة نحو ثغرها:
-قولت بلاش سيرة الموت... وبعدين من ناحية اللي هعمله فيكِ فأنا هعمل فيكِ كتير... أنا هكلك أكل يا مغلباني ومش هفارقك ابدًا حتى في احلامك
رغم أنها لم تكن تقصد ما تفهمه إلا انها توهجت تحت نظراته ونكزته بصدره هامسة بخجل:
-على فكرة أنت بقيت قليل الأدب...و بطل تكسفني يا رخم...
قهقه بكامل صوته الرجولي وحاوط خصرها يقربها منه هامسًا بمكر وهو يضع قبلة خاطفة على وجنتها:
-عارف إني رخم بس ده ميمنعش انك بتعشقيني مش كده
أومأت له بحركة من رأسها ليضمها هو ويتناول نفسٍ عميق نابع من صميم قلبه المُولع بها ويزفره بتمهل وبراحة عارمة، بينما هي تردد صدى كلماته بعقلها و تأجج بداخلها تلك الرغبات الكامنة المُلحة بجسدها، فقد استقرت برأسها بين حنايا عنقه وقبل أن يضيف شيءأو يفصل عناقه كانت هي تمرغ وجهها وتقول بعيون مغلقة وهي تقبله قبلات رقيقة ناعمة، متقطعة تتناول بين كل واحدة وآخرى نفس عميق من رائحته المميزة التي تعشقها وتميزها من بين ألف رائحة غيرها:
-بعشقك يا "يامن" وكل حب الدنيا مش كتير عليك
تقربها منه بهذا الشكل نزع فتيل الأمان بعزيمته وجعل النيران تنشب بجسده فطالما كان تأثيرها طاغي عليه ولذلك كان لابد أن يبتعد عن هالة فتنتها، فقد شهقت متفاجئة حين دفعها برفق قائلًا بأنفاس متهدجة وهو يدلك مؤخرة عنقه ويحل أول زر من قميصه كأنه يختنق و يستجدي الهواء:
-كفاية الله يخليكِ أنا صامد بالعافية ومش عايز اتهور...انا هروح انام...تصبحي على خير
اختصرت المسافة التي صنعها ومنعته وهي تكوب وجهه من جديد هامسة بإحتياج وتلك الرغبة الغريبة تتملك منها:
-أنا مراتك ومحتاجة قربك يا "يامن"...
ابتلع ريقه بحلق جاف وناعستيه المُسبلة لا تحيد عن نظراتها التي تحثه على شيء لطالما طمح به وجمح ذاته عنه كي لا ينقض وعده لها ولكن كيف الصمود وهي تنزع عنه سترته وتحل بأناملها المرتعشة باقي أزرار قميصه دون تمهل مما جعله يقبض على يدها العابثة بأنفاس مضطربة قائلًا بتحذير صريح:
-بتعملي أيه؟
"نادين" بلاش تختبري صبري وارحميني على أخري...
نفت برأسها واقتربت من وجهه قرب مميت حتى اختلطت انفاسهم هامسة بأصرار لا تعلم غايته سوى أن تنعم بقربه وتستغل كل لحظة معه بعدما قررت أن تهديه شيء مميز يصعب عليه نسيانه ويظل مطبوع بذاكرته للأبد وهي تمنى ذاتها ربما فيما بعد يتشفع لها:
-محتجالك...لتبلل شفاهها وتسترسل بهمس مثير للغاية:
-نفسي احس بالاحساس ده معاك دلوقتي
انتابته القشعريرة من حديثها وتأججت نيران مستعرة بجسده ولكن رغم ذلك حاول الصمود أمامها هامسًا بأنفاس متهدجة وهو يوليها ظهره كي يتحكم بثورة جسده وفوران مشاعره:
- "نادين"بلاش نتسرع أنتِ متستهليش مني كده
صممت وهي تحاوط خصره من الخلف وتمرغ وجهها بظهره و تتذكر موقف مشابه وتستعير نفس كلامه التي لم تقدره بوقتها:
-بلاش تحرمني من قربك وتعالى نضحك على الزمن ونوقفه ونسرق منه وقت لينا... لتستأنف بعقلها (سبلي ذكريات علشان لو سبتني اعيش عليها)
لينطق لسانها:
-محتجالك دلوقتي...و دي رغبتي
قالتها بنعومة بالغة وهي تتجرأ وتقف مواجهة له تتلمس بأناملها شفاهه المنفرجة بتمهل جعل انفاسه تتثاقل والرغبة تكاد تقفز من ناعستيه ولكن هي لم ترأف به وزادتها عليه حين دست اناملها بخصلاته البُنية وأخذت تصنع حركات حثية أنهكت رجولته على الأخير و جعلت عزيمته تتلاشى وكافة حصونه تتهدم تحت وطأة فتنتها فما كان منه غير أن ينصاق لأهوائها ويتناول شفاهها بقبلة حارة ملتهبة مفعمة بضجيج قلبه المُولع بها، دامت قبلتهم المتناغمة لثوانِ معدودة قبل أن تنفلت شهقة خافتة من بين شفاهها التي لم يفلت حصارها بشفاهه المسيطرة، فقد باغتها ورفعها من خسرها فما كان منها كرد فعل تلقائي لجسدها ان تتعلق بعنقه رافعة ساقيها تحاوط خصره بها مما جعله يزمجر مستمتعًا من تجاوب جسدها بين يده وشغفها الذي لا يقل شيء عن شغفه بها فكانت تدفعه لدرب من دروب الجنون حتى انه وجد ذاته كالمغيب دون أي مقدمات أخرى أو لحظة تروي واحدة يتوجه بها نحو الفراش وهم في حالة من النشوة المتبادلة غير عابئين بتوابع اندفاعهم ولا كونها بفعلتها تلك اوصلته لنقطة لا رجعة بها.
--------------------
غمامة ضبابية من الدخان تخيم فوق رأسه ، وتغشي على عينه وتغيب عقله فكان يجلس في تلك الشقة الفاخرة الذي ابتاعها لها كي ينال شرف قربها ولكنها خربت كافة آماله نحوها.
فقد رفع رأسه من على سطح الطاولة بعدما ثبت تلك الاسطوانة الدائرية الرفيعة على تلك السطور المتوازية التي صنعها ثم سد فتحة واحدة من منخاره بإبهامه و استنشق بقوة مستمتعًا، ومنتشيًا من تلك الجرعة الوفيرة من السعادة الوهمية التي تمنحها تلك السموم البيضاء ليعتصر عينه بقوة يقاوم تأثيرها الجبار على جهازه العصبي ثم دون أن يمنح اجهزته الحيوية هُدنة كان يلتقط
سيجارته الذاخرة المشتعلة ينفث دخانها كي يلهي عقله عن التفكير بها ولكن كان الأمر شبه مستحيل بالنسبة له فعندما يتعلق الأمر بالفوز والخسارة لابد أن يكون هو الرابح الوحيد.
-وبعدهالك يا صاحبي كفاية كده انت طينت الدنيا ...
قالها "فايز" بعدم رضا، ليزمجر "طارق" غاضبًا بكل عنجهيجة وغرور:
-متقوليش كفاية وملكش فيه...أنا هتجنن...هتجنن وبرج من دماغي هيطير وأنت بتقولي كفاية
-يعني اللي بتعمله ده هيغير ايه؟
-معرفش اهي حاجة بتوقف عقلي عن التفكير والسلام بدل ما أروح اقتلها واقتل الغبي اللي فضلته عليا
تشجع "فايز" ونصحه بتعقل:
-بس انا خايف عليك يا صاحبي وشايف أن الموضوع مش مستاهل تضيع نفسك...سيبها في حالها تعيش زي ما هي عايزة وأنت ألف بنت غيرها تتمناك
زمجر هو غاضبًا ورفض بكل عنجهية والحقد والوعيد يقطر من عيناه:
-بس أنا بقى مش عايز غيرها ومش هرتاح غير لما اكسر عينها و ارجعها ليا راكعة غصب عنها...
زفر "فايز" بضيق من إصرار صديقه والتزم الصمت ولكن بينه وبين ذاته شيء يحثه على عدم التكتم على الأمر.
بينما هو كان حديثها ودفاعها المستميت عن ذلك الغبي يتردد بعقله ويقدح نيران الحقد بصدره، ليترك العنان لشياطينه اللعينة تعث الفساد برأسه وتسيطر عليه وتحيك له مكيدة جديدة محكمة للغاية كي ينال غرضه منها ولكن تلك المرة يقسم أنها ستكون دون تهاون.
غافل ان بتهوره ذلك سينشق قلب عاشق أخر لا ذنب له سوى حبه لها.
----------------------
توقعاتكم للجاي 🙈
وتفتكروا مين اللي انقذ نادين في الجراچ؟؟
♥
🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺
بقلم الكاتبه ♥ ريم كريم ♥
السابع والعشرون
الخطايا كلها تكاد تكون مغفورة في مدينتي،،إلا خطيئة السعادة والفرح..ولكن الحب رغيف لا يمكن اقتسامه بين أكثر من اثنين!
- غادة السمان
-------------------
كانت ليلة حالمة تفوق كل التوقعات بالنسبة له، فكان يشعر انه يهيم في السماء ولم تعد قدميه تلامس الأرض من شدة سعادته بعد أن صك ملكيتها له وجعلها تنتمي له قولًا وفعلًا.
لا ينكر كونها فاجأته للغاية بمبادرتها وأنهكته على الأخير بفتنتها، وكان في حيرة من أمره وظل يتسأل لمَ بذلك التوقيت اصرت على الأمر...حقًا لا يعلم ولا يريد أن يعطي للأمر اهمية ويبحث عن تبرير سوى ذلك التي أخبرته به حين عبرت عن حاجتها.
حانت منه بسمة تعدت العشق بمراحل عدة وهو يتأملها غافية كالملائكة في برائتها فمن يراها الآن يستغرب كيف كانت بلأمس مغوية، عابثة، ودفعته دون مجهود يذكر منها أن ينخرط معها في جولة نارية لم يتصور من قبل روعة تفاصيلها وحتى بأبعد أحلامه.
تنهد تنهيدة مُسهدة وهي ترفرف بأهدابها و تتململ بنومها وحين افرجت عن ليل عيناها هَام بها وهمس ببحة صوته المميزة التي دوماً تبعثرها:
-قلبي هيقف...يخربيت جمالك على الصبح هو في كده...
ابتسمت و قطمت شفاهها وهي تشعر بالعار من ذاتها لما بدر منها بلأمس، بينما هو رفع جسدها قليلًا لمستوى جسده قائلًا بعبث تام وعينه يتراقص بها المكر:
-لقد وقعنا في الفخ يا مغلباني... ومتفكريش... مبقاش ينفع ترجعي في كلامك
أغمضت عيناها واخفت وجهها بكفوفها وهمست بخجل:
-انت رخم
اعتلى حاجبية بمكر وشاكسها بمجون وهو يزيح يدها كاشف عن وجهها:
-دلوقتي بقيت رخم ومكنتش رخم ليلة أمبارح لما غرغرتي بيا
شهقت بقوة و نكزته بصدره مبررة:
-انا مغرغرتش بيك...أنت اللي طلعت قليل الأدب وعملت حاجات عمري ما كنت اتخيل أنها تطلع منك...
ضغط على طرف شفته السفلية بعدما أتت ومضات لما فعله بها ثم همس وهو يتفرس بوجهها:
-أنا عايزك متخديش على قلة الأدب علشان من هنا ورايح هبقى معدوم الأدب
قالها بغمزة ماجنة من عينه الناعسة مما جعلها تتهرب من نظراته التي تعلم مغزاها وتتنهد هامسة باستسلام:
-انا شكلي وقعت في الفخ فعلًا...
قهقه بكامل صوته مستمتعًا مما دفعها تكتم ضحكاته بكف يدها وتهمس معاتبة:
-هتفضحنا يا "يامن" اسكت انا ممكن اموت من الكسوف لو ماما "ثريا" عرفت اللي حصل بينا
أزاح يدها وحاوط مؤخرة رأسها هامسًا بنبرة مطمئنة وهو يقبلها قُبلات متقطعة:
-أنتِ مراتي يا قلب يا "يامن" احنا مش بنسرق
لتهز رأسها وتعتدل بنومتها و تلملم الغطاء على جسدها متلعثمة:
-ايوة انا مراتك وكل حاجة بس...
عجزت عن التبرير فكيف تفعل وهي من دفعته لذلك لتقطم شفاهها وتتهرب بنظراتها مرة أخرى بخزي مما جعله يتساءل مستغربًا:
-ندمانة...
-لا أنا عمري ما عملت حاجة وكنت مقتنعة بيها وحاسة إني محتجالها زي دلوقتي...
لتغمض عيناها تلعن تسرعها ثم تتساءل بنظرات مترقبة وهو يهيم بها بطريقة تعدت العشق بمراحل:
-أنت ندمان؟
نفى برأسه وأجابها وهو يجذبها لصدره من جديد ويضع قبلة حانية على مقدمة شعرها:
-ندم أيه اللي بتتكلمي عنه يا "نادين" ...أنا كنت هموت على اليوم ده أنا كنت حاسس إني بحلم ومش مصدق أنك اخيرًا بين ايدي وهقدر اعيش معاكِ كل اللي ياما حلمت بيه في خيالي
تساءلت بترقب:
-خيالك ده اكيد منحرف مش كده...
اتسعت بسمته بتسلية وأجابها بعبث تام وهو يتحسس ظهرها بطريقة اصابتها بالقشعريرة:
-اكيد طبعًا منحرف أمال هعمل معاكِ ايه في الحلم مثلًا غير إني هلعب عروسة وعريس
نكزته بصدره وهي تقاوم لمساته التي تفقدها عقلها:
-يعني اكتر من انحراف امبارح..
لمعت ناعستيه بالرغبة من جديد واخبرها هامسًا وهو يمددها ويعتليها بحركة مباغته جعلتها تشهق متفاجأة:
-اللي حصل امبارح ده كان بروڤة أنا لسة معملتش حاجة انا كنت بمهد للجاي
تململت هي تحت جسده:
-"يامن" بَطل جنان مامتك بره وزمانها صحت قوم بقى هتفضحنا
نفى برأسه ومال بوجهه يلثم تلك الشامات الصغيرة التي تزين نحرها مما جعلها تهمس بأسمه بعيون مغلقة وبأنفاس متهدجة:
-"يامن"...
لم يستمع لها بل كان يتابع ما يفعله بإستمتاع تام وكأنه مغيب لا يعي سوى كونه يود أن يرتوي منها حد الاكتفاء ويكرر ذلك الشعور اللذيذ بالكمال... وفي عز نشوته لفت انتباهه احمرار قوي يطوق بشرة عنقها ليرفع رأسه ويسألها بأنفاس ثائرة متوجسة وهو يركز نظراته على عنقها:
- ايه اللي في رقبتك ده يا "نادين"
ارتبكت هي وتحسست موضع نظراته فقد تعمدت بلأمس ان تخفي الأثار بمساحيق التجميل ولكن لابد أن قد زالت وامتسحت بالفراش، لتتلعثم بتوتر وببسمة باهتة استغربها:
-ده...ده...تلاقيه منك...لتزيح جسدها من تحت وطاة جسده وتستأنف ببسمة متوترة وهي تجذب الغطاء تلفه على جسدها وتنهض من الفراش:
-أنت كنت خطير امبارح ومكنتش حاسس انت بتعمل ايه...
لا يعلم لمَ زحف الشك إلى قلبه، حين نهض و ركز نظراته عليها بهدوء مريب جعلها تبادر قائلة كي تجعل أفكاره لا تنحرف عن حجتها:
-هتوحشني لما هتسافر
هز رأسه يحاول نفض تلك الأفكار من رأسه ويؤمن على حجتها ورغم انه لا يذكر فعل ذلك ولكن ربما!! فهو يعلم عندما يتعلق الأمر بها لايستطيع السيطرة على ذاته لذلك أجابها دون تخوين:
-لازم انا مواعد المحامي مش هتأخر يومين تلاتة بالكتير وهبقى هنا
أحتل الحزن معالم وجهها وضمته بقوة لصدرها هامسة بخوف عظيم:
-اوعدني أن دي اخر مرة تبعد فيها عني...
مسد على خصلاتها بحنان بالغ و وعدها:
-أوعدك يا قلب وروح "يامن"
اصلًا بعد اللي حصل مقدرش ابعد عنك أنا مصدقت بقيتي بتاعتي واعملي حسابك هقدم معاد الفرح كام يوم علشان مش هقدر اصبر ومش عايز احطك في موقف محرج و انا بصراحة مضمنش نفسي
هزت رأسها بحضنه، ليتسأل هو بعدها وهو مازال يمسد على خصلاتها نزولاً لظهرها:
-كنتِ عايزة تقوليلي ايه امبارح؟
ابتلعت غصة مريرة بحلقها، وطال صمتها لا تعلم كيف تشرع بالحديث، ليخرجها من بين يده ويسألها بتفهم وحنان وهو يكوب وجهها:
-اتكلمي يا حبيبتي و أنا هسمعك
نظرت له نظرة عميقة محملة بالكثير من الشتات وكادت تنطق لولآ أن طرق باب غرفتها وصوت "ثريا" الذي صدح من خلفه:
-"نادين" اصحي انا حضرت الفطار
ارتبكت للغاية ليهدأ هو من روعها بنظراته ويحثها أن تجيبها لتنطق متلجلجة من خلف الباب:
-صحيت...بس مليش نفس دلوقتي
-طب انا هصلي في أوضتي ولم تعوزي تفطري قوليلي يا بنتي
-حاضر...
تنهدت بارتياح عندما شعرت بخطواتها تبتعد لتلتفت له تجده يشرع بإرتداء ملابسه ببسمة هادئة مفعمة بالفخر وعينه تتركز على نقطة معينة تزين الفراش... مما جعلها تتوهج بشدة وتهمس بخجل وهي تفرك بيدها:
-هتسافر دلوقتي؟
أومأ لها وهو يرتدي سترته ويمرر يده بخصلاته:
-هاخد شاور واغير هدومي الأول وبعدين همشي...تعلقت عيناها به ليسترسل بتفهم:
-متقلقيش هفهم ماما إني بت في المطعم علشان هي اكيد راحت أوضتي وملقتنيش
هزت رأسها ليقترب منها ويضع قبلة عميقة على وجنتها مضيف بأهتمام:
-مقولتليش كنت هتقولي ايه؟
تلجم لسانها وصعب عليها ان تخرب سعادتهم الآن لذلك تهربت:
-لأ خلاص الموضوع تافه مش مهم
تنهد بقوة وحاول إقناع ذاته بتبريرها، بينما هي ابتسمت تلك البسمة المهلكة التي لطالما أوقعته بها وهمست بحاجة صادقة ومشاعر فائضة:
-خلي بالك من نفسك ومتتأخرش علشان خاطري
اومأ لها وتنهد مُسهدًا فكم يود أن يبقى بجانبها للأبد ولا يخطوا خطوة واحدة بعيد عنها بعد ما حدث؛ ولكن هو مضطر، لذلك واسى ذاته أنه بعد أيام سوف لا يشغله عنها أي شيء وسوف ينهال منها كيفما يشاء لذلك حفز ذاته و وضع قبلة حانية على جبينها ثم غادر غرفتها بخطوات حثيثة للغاية كل لا يلفت انتباه والدته له ثم دلف لغرفته، بينما هي تنهدت تنهيدة مثقلة بالكثير ثم ارتمت على الفراش ببسمة حالمة تترأى أمام عيناها ومضات لتلك الليلة الجامحة التي ستظل مطبوعة بذاكرتها للأبد.
------------------
-صباح الخير يا ست هانم
ابتسمت "رهف" بهدوء وردت عليه وهي توارب باب شقتها الذي طرقه للتو:
-صباح الخير
مد الحارس يده بمفتاح لامع وقال موضحًا:
-ده مفتاح الباب الحديد الجديد بتاع الجنينة ...استاذ "نضال" جاب واحد حداد وغيره وفضل واقف على ايده لغاية ما خلص واتحمل كل التكاليف وبلغني أدي لحضرتك نسخة
أومأت له "رهف" وتناولت المفتاح من يده وهي حقًا تشعر بلأمتنان لذلك النضال فلطالما تخوفت من كون باب الحديقة التي تحاوط البناية به عطب ولا يغلق ولذلك كانت تعارض بشدة نزول صغارها إليها للعب، لذلك أخبرت الحارس بإمتنان:
-اشكر الدكتور بالنيابة عني
هز الحارس رأسه بتفهم وانصرف، لتغلق الباب وهي تنظر للمفتاح المستقر براحة يدها نظرات مطولة جعلت "سعاد" تتساءل بريبة:
-مالك مبلمة ليه يا "رهف" ومفتاح ايه ده؟
تنهدت هي وأوضحت:
-مفتاح باب الجنينة الجديد
-بجد اخيرًا فكروا يعملوا باب جديد ده بقاله سنين على الحال ده
-الدكتور هو اللي غيره
تنهدت "سعاد" وقالت:
-والله الدكتور ده مفيش منه
صحيح يا "رهف" أنتِ لغاية دلوقتي مشكرتهوش هو الست كريمة على اللي عملوه معاكِ
زفرت هي وقالت:
-مجاش في بالي يا "سعاد" وبصراحة أنتِ عارفة انا مش اجتماعية اوي ومبعرفش اختلط بالناس بسهولة
-بس عيب كده قلة ذوق مننا احنا بكرة او بعده نجيب علبة شيكولاته محترمة ونطلع نشكر الست الكريمة
-بس…
حاولت أن تعترض ولكن "سعاد" قاطعتها:
-من غير بس وبعدين أنا خلاص هسافر وبعد كده متأكده انك مش هتعرفي تعملي ده لوحدك وبعدين متنسيش أنهم جيرانا و وارد تشوفيهم صدفة في أي وقت وساعتها هتتحرجي علشان كنتِ قليلة الذوق
-أنت عندك حق ...لتتنهد بحزن وتضيف:
-هتوحشيني يا "سعاد" ومش عارفه هعيش إزاي من غيرك
اجابتها "سعاد "بمحبة خالصة لها:
-أنتِ كمان هتوحشيني والولاد والبلد وكل حاجة بس اعمل مضطرة …لتضيف بقلة حيلة:
-جوزي هيتجن عايزني ارجع والشغل هناك متعطل بسببي ...ودراسة الولاد هتبدأ أنا حمدت ربنا أن في فرق بمواعيد الدراسة بين هناك وهنا علشان اقدر انزل اصلا …
أومأت" رهف" لها بتفهم وبعيون غائمة تساءلت :
-هتبقي تكلميني!
ضمتها "سعاد" و طمأنتها قائلة:
-طبعًا انتِ مش هتخلصي مني وهتلاقيني بكلمك كل يوم اعرف تفاصيل يومك وكمان كام شهر كده هتلاقيني ناطة تاني وقرفاكِ
هزت "رهف" رأسها بإقتناع وزادت من ضم "سعاد" لها كي تنعم بقربها وبمؤذرتها التي ستفتقدها كثيرًا بغيابها
--------------------
ظلت ملازمة غرفتها بعد غيابه وها هو يوم أخر مر من دونه فكم كانت تتلهف لتسمع صوته ولكنها كانت تخشى أن تفتح هاتفها وتجد ذلك المقيت يحاول أن يهاتفها، حقًا كرهت الأمر وكانت تموت بجلدها كلما تذكرته، فهي حتى تخوفت أن تغير شريحة هاتفها حتى لا تثير ريبة الآخر ويدفعه فضوله لمعرفة السبب وحقاً أخر ما تتمناه هي وتسعى إليه أن يشكك بها ويبحث خلفها ويفضح امرها بنفسه عوضًا أن تخبره هي، تناولت نفس عميق تشجع به ذاتها كي تبدو طبيعية أمام "ثريا" ثم توجهت للخارج لتجدها تتحدث في الهاتف قائلة:
-خلاص يا حبيبي هبلغها معلش ربنا يقويك...
جعدت حاجبيها المنمقين وتسائلت :
- ده "يامن" خير يا ماما هاتي اكلمه
تنهدت "ثريا" واجابتها وهي تغلق الخط معه:
-معلش يا بنتي هو مشغول يا عين امه والشغل متلتل فوق دماغه هيكلمك لما يخلص وقالي ابلغك أنه هيرجع كمان يومين أو تلاتة
احتل الحزن معالم وجهها وتنهدت بضيق فلم تعد تطيق غيابه تريده هنا بجوارها تحتمي به ويطمئن قلبها لقربه، انتشلتها "ثريا" من حزنها مواسية:
-معلش ادعيله ربنا يقويه
أبتسمت لها بسمة عابرة وأمنت على دعواتها وهي تشعر بإنقباض قلبها، لتتسترسل "ثريا" بحنو شديد:
-أنا هدخل أحضر الغدا اللي بتحبيه...لونك مخطوف بقاله يومين ومش عجباني
أومأت لها وتهربت بعيناها منها، لتربت "ثريا" على ظهرها ولم تضيف شيء أخر وتتوجه للمطبخ كي تعد الطعام، بينما هي هرولت لغرفتها وهي تنوي أن تحاكيه فقد غلبها شوقها له ولن تستطيع الصبر أكثر لتفتح هاتفها وتضغط على شاشته ولكن لم يجيبها لتزفر بضيق عندما وجدت اشعارت عدة من مواقع التواصل الاجتماعي وعدة رسائل نصية في بريدها الوارد، لم تهتم بأي منهم بل كادت تغلقه مرة أخرى لولآ أن تعالى أزيزه وظهر رقم "ميرال" على شاشته، استغربت الأمر كثيرًا كون انقطع التواصل بينهم من شهور عدة وحقًا كم تمنت أن تفعل هي وتحكيها وتعتذر منها وتخبرها بنهش ضميرها ولكنها لم تكن بالشجاعة الكافية لفعل ذلك
ترددت قليلًا قبل أن ترد عليها ولكن دفعها الفضول لتعرف سبب اتصالها لترد بترقب:
-"ميرال"
-انتِ فين يا غبية بتصل بيكِ من يومين وتليفونك مقفول وكنت هجيلك البيت بس الكلام اللي هقولهولك مينفعش حد يسمعه عندك
لم يكن اتصالها فقط غير متوقع بل حتى توبيخها... لذلك ردت مستغربة:
-انا متفاجئة من اتصالك اصلًا و مش فاهمة حاجة
-هفهمك ولازم نتقابل ضروري هستناكِ في المكان القديم اللي كنا بنتقابل فيه بعد ساعة
-"ميرال" طب فهميني انا مش مستوعبة عايزاني ليه؟لو حاجة بخصوص مواضيعنا القديمة انا...
قاطعتها هي بإقتضاب:
-لما تيجي هتعرفي يا "نادين"
اغلقت معها الهاتف دون أن توضح لها مما جعلها تستغرب الأمر كثيرًا ولكن حفزت ذاتها أنها لن تخسر شيء بل بالعكس ستستغل الفرصة وتعتذر منها، ولكن ماذا لو كانت تلك مكيدة حاكها اللعين لها معها!!
وعند تلك الفكرة تخوفت كثيرًا فلم تجد امامها سوى حل وحيد وهو مهاتفة" نغم "وبالفعل هاتفتها وقصت لها كل شيء وطلبت منها أن تأتي للمنزل لتصتحبها انصاعت" نغم" لها وتحضرت بوقت قياسي واستأذنت "ثريا" وبالطبع لم تعارض بل وافقت وأكدت عليهم أن لا يتاخرون وبالفعل خرجوا سويًا وانطلقوا بسيارتها للمكان المنشود.
---------------------
-لمي هدومك علشان انا بعت الڤلا
جملة قالها "حسن" وكان وقوعها على مسامعها بمثابة صاعقة كهربائية نفضتها صارخة بوجهه:
-نعممممممممم أنت ازاي تتصرف من دماغك و متخدش رأي في حاجة زي دي
اجابها بقلة حيلة:
-كان لازم اتصرف...ومكنش في قدامي طريقة تانية انا كمان بعت العربية...علشان اسدد جزء من المرتبات المتأخرة
استشاطت غضبًا وقالت بسخط:
-كمان...وصلت بيك لكده وياترى بقى هنقعد فين في الشارع
نفى برأسه واخبرها مضطر:
-هنقعد في شقتي مؤقتًا
نفت بسبابتها وقالت بسخط:
-عايز تعيشني في الشقة العرة اللي كانت عايشة فيها المسهوكة بتاعتك...ده مش هيحصل ابدًا
اقترب منها يحاوط كتفيها يحاول إقناعها:
-"منار" معلش إحنا مضطرين لكده وإن شاء الله الاوضاع هتتحسن من تاني...بس انتِ أهم حاجة تخليكِ معايا انا مبقاليش غيرك
دفعت يديه التي تطوقها وقالت بحقد:
-ذنبي ايه؟ اتحمل وهي السبب في كل ده...
خدت فلوسك وبتتنعم في خيرك وسابتك على الحديدة وانت بدل ما تاخد موقف وترجع حقك
روحت طلقتها وريحتها منك
-هي رفضت العرض واهانتني ومقدرتش اتحمل
لتقول بتحريض نابع من شدة حقدها:
-كان في ألف طريقة علشان تضغط عليها واولهم ولادك ... بس أنت اللي مرضتش تسمع كلامي وبدل ما تبلفها بكلمتين وتوصل لاتفاق معاها
روحت بوظت الدنيا وضيعت اخر أمل ليك علشان ترجعلك فلوسك
-خلاص اللي حصل حصل ياريت بقى تبطلي زن في الموضوع ده وتفكري معايا في حل علشان نخرج من الأزمة دي
هزت ساقيها بإنفعال ولوحت بيدها بعدم اكتراث قائلة:
-دي مشكلتك لوحدك يا "سونة" ومش مضطرة اشاركك فيها طالما أنت ماشي بدماغك
لتتركه وتتوجه لغرفة النوم بقوة تدل على شدة حنقها وسخطها للوضع الراهن، بينما هو ارتمي على أحد المقاعد بتهالك يفكر جديًا في اللجوء ل "يامن" كي يعيره المال كي يتخطى أزمته قبل أن يخسر شركته التي تكبد العناء في إنشاءها.
-------------------
تهادت بسرعة سيارتها عندما وصلت للمكان لتجد سيارة الأخرى مصطفة وتجد صاحبتها تنتظرها مستندة بظهرها على مقدمتها وشاردة بتلك الطلة المبهرة التي تخطف الأنفاس وتكشف البلد من عليائها
أوقفت محرك سيارتها وتدلت منها بعدما اكدت على "نغم" أن تظل بالسيارة وتنتظرها...أقتربت من موقعها واستندت بِجوارها قائلة:
- اتأخرت عليكِ
تنهدت هي ونظرت للقابعة بسيارتها بسخرية وردت:
-جيباها تحميكِ...
تناوبت "نادين" نظراتها بينهم وأدعت الثبات:
-لأ...أنا كنت انا وهي بنجيب حاجات و...
فر الحديث من على لسانها لتنفخ بقوة وتهدر بنفاذ صبر:
-بصراحة الوضع مريب وانا شيفاها غريبة انك تكلميني وتطلبي تقابليني بعد كل الوقت ده
أجابتها ببسمة باهتة:
-هو فعلًا مريب... وليكِ حق تستغربي...انا نفسي شايفة اللي بعمله معاكِ دلوقتي مش منطقي بعد اللي عملتيه فيا
نكست "نادين" رأسها بخزي عندما تذكرت فعلتها بها التي ظلت تؤرق ضميرها وإلى الآن لم تكفر عنها:
-"ميرال" أنا ضميري بيموتني من وقتها ومكنش عندي الشجاعة اني اجيلك واعتذرلك
حانت من "ميرال" بسمة ساخرة وهدرت ببؤس:
-تعتذري...فات الآوان يا "نادين" أنتِ دمرتيني وبفضل اللي عملتيه خسرتيني اكتر حد حبيته في حياتي
-قصدك "طارق"؟
استنكرت هي:
-"طارق" ده كلب ولا يسوى أنا بكلمك عن راجل بمعني الكلمة مش حيوان زي "طارق" زفت ده
نكست رأسها بخزي واخذت تفرك بأصابع يدها، لتستانف "ميرال" بنفاذ صبر:
-خلينا في المهم انا جبتك علشان عايزة اوريكِ حاجة
تأهبت "نادين" بنظراتها
لتفتح "ميرال" هاتفها وتضغط على شاشته ثم وضعته أمام نظراتها، لتشهق "نادين" بصدمة عارمة، فهناك صورة تجمعها بذلك المقيت بداخل مرحاض ذلك الملهى، حين باغتها بقبلته في ذلك اليوم المشؤم التي تتذكر تفاصيله للآن وكيف لا تفعل ومنذ ذلك اليوم وانقلبت حياتها رأس على عقب ،لتتمتم بذهول:
-مش معقول ....
أنتِ جبتي الصورة دي منين ومين صورها!
تنهدت "ميرال" واجابتها:
-الصورة دي جاتلي واللي بعتها كان عايز يستغل العداوة اللي ما بينا ويخليني افضحك زي ما فضحتيني
لتشهق بخوف وتكرر كلمتها بذعر:
-تفضحيني...ومين ليه مصلحة في كده؟
ردت بِفطنة وهي تقف في مواجهتها:
-توقيت المشكلة اللي عملها مع "محمد" وبعد اللي حصل في الجراچ اتأكدت انه هو...
كانت في حالة من حالات الذهول حتى أنها كانت تكرر الحديث ببلاهة:
-يوم الجراچ...
لملمت "ميرال" خصلاتها خلف اذنها كحركة ملازمة لها حين تتوتر او تخجل و اوضحت:
-ايوة انا كنت هناك بالصدفة باخد عربيتي وشوفت وسمعت كل اللي دار بينكم
-أنتِ اللي خليتي الانذار يضرب وقتها
قالتها بترقب، لتؤيد الأخرى:
-ايوة انا اللي زقيت العربية علشان جرس الأنذار يضرب وهو بيخنقك
تسألت بخزي من نفسها وعيناها تقطر بالدمع:
-معقول عملتي كده علشاني بعد كل اللي عملته فيكِ...
اجابتها "ميرال" بنبرة مسالمة خالية تمامًا من أي حقد:
-أيوة يا "نادين" ومتستغربيش انا مش بالسوء ده علشان اقف اتفرج عليه بيموتك عارفة لو كُنت "ميرال" القديمة مكنتش هتردد ثانية وكنت هشوف أن من العدل أنك تجربي شعور القهر اللي كنت بحس بيه بس انا مقدرتش اعمل كده يا "نادين" لتتنهد بقوة وتضيف:
-عارفه ليه علشان انا مش شبهكم أنا مبعرفش ارد الأذى بالأذى ولا بعرف اكره ولا اشمت واعمل مؤامرات ورغم أنك اكتر واحدة أذتني بس عمري ما قدرت اعمل فيكِ كده
زاغت نظرات "نادين" الباكية التي يقطر الندم منها وقالت وضميرها ينهش بها بلا هوادة:
-"ميرال" سامحيني والله العظيم انا ندمت على اللي عملته فيكِ انا كنت غبية...كنت بغير منك علشان انتِ بتقدري تعملي كل اللي أنتِ عايزاه من غير ما حد يحجمك ومفيش حاجة بتتفرض عليكِ زي...لتشهق بحرقة و تحاوط بذراعيها جسدها في محاولة بائسة منها أن تسيطر على رجفته الملازمة لها وتسترسل:
-بعترف كنت غبية واستكترت الغبي ده عليكِ وكنت وقتها بخدر ضميري واقول أنك عندك كل حاجة وعندك الحرية الكافية تصاحبي غيره و مش هيفرق معاكِ وإني انا مميزة عنك وانا اللي جديرة بيه مش انتِ...
حانت من "ميرال" بسمة ساخرة باهتة لم تمسس بحر عيناها واستطردت:
-هو فعلا مفرقش معايا يا "نادين" مفيش حاجة في الدنيا فرقت معايا غير أن الأنسان الوحيد اللي اهتم بيا وحبني؛ صدق اللي اتقال عليا...لتململم خصلاتها من جديد وتصرح بقناعتها القديمة التي تغيرت وندمت عليها بفعل مالك قلبها:
-بس برغم كده مقدرش انكر أنك مميزة وكنت بحسدك وقتها علشان بتقدري تستحوذي على اهتمام كل اللي حواليكِ وكتير اتمنيت يكون عندي حد يخاف عليا ويحبني زيك...أنتِ لقيتي اللي يعوضك عن حنان امك ورعايتها وخوفها عليكِ بس أنا لأ ...أنتِ كان عندك راجل بيحبك وبيخاف عليكِ...وعمرك ما قدرتي ده وكنتِ بتتمردي علشان بيوجهك... وانا لأ...انا وقتها كنت ضايعة مفيش حد حتى بيقولي نصيحة واحدة تنفعني كل اللي كانوا حوليا مش حاسين بوجودي اساسًا...ليفيض بحر عيناها وتقول بنبرة حزينة تحمل البؤس حين تذكرت صاحب البندقيتان:
- لغاية ما قابلت "محمد" و رمم حياتي وغيرني وخلاني احب الحياة من تاني ولقيت معاه الدفى والأهتمام والحنية اللي الدنيا كلها حرمتني منهم
ومكنتش عايزة حاجة غير إني ابقى معاه
وكنت خلاص هخطى معاه اول خطوة في طريق حلمنا لغاية ما الكلب "طارق" قاله نفس الكلام اللي أنتِ كنتِ السبب فيه و رفض حتى يسمعني
كانت حقًا تشعر بالعار من ذاتها، فكانت تشهق ببكاء مرير محمل بالكثير من الندم وهي تقترب منها وتحاوط ذراعيها راجية:
-سامحيني يا "ميرال" كنت انانية وغبية مفكرتش في حد غير نفسي ....انا عملت حاجات كتير غلط يا"ميرال" أنا بوظت حياة ناس كتير وكلهم قريبن ليا أنا لعنة... لعنة يا"ميرال" لعنة للكل يارب أموت واريحكم مني
نفضت "ميرال" يدها بعصبية وقالت بقلب منهك ذاق الخذلان على يدها:
-أنتِ فعلًا لعنة...أنا كنت بحبك وكنت فاكرة أننا هنكمل بعض وأن قلبك هيبقى عليا بس انتِ خذلتيني وبوظتي حياتي
قالتها بأنهيار تام وهي تجثو على ركبتيها على الأرض الترابية ودمعاتها تهطل كشلال مياهه لا تنضب وهي تخفي وجهها بكفوف يدها...مما جعل الآخرى تؤاذر أنهيارها بأنهيار مماثل وتجثو مثلها مغمغمة بندم قاتل يفتك بها:
-ربنا بيسامح...انا ندمت والله ندمت وهعمل المستحيل علشان اصلح كل اللي عملته...سامحيني سامحيني...انا هروح لحبيبك وهقوله على كل حاجة وهو اكيد هيصدقني
نفت "ميرال" برأسها وقالت بيأس من بين شهقاتها:
-مش هيصدق..."محمد" دماغه ناشفة وكبريائه وعزة نفسه مش قابلة يكون للبنت اللي بيحبها علاقات قبليه... هو بيحاسبني على المبادئ والقيم وانا مليش ذنب يروح يحاسبهم هما يحاسب الست اللي رمتني ويحاسب ابويا اللي معندوش وقت ليا، يروح يحاسب "دعاء" انها بتمثل دور مرات الأب اللي قلبها عليا قدام ابويا ومن وراه بتكهرهني ونفسها تخلص مني انا بشوف ده في عينيها وعارفة انها عمرها ما حبتني ولا حتى حبت ابويا واتجوزته علشان طمعانه فيه بس انا كنت بسكت علشان شيفاه مرتاح..."محمد" بيحاسبني على حاجات انا معرفهاش ولا عمري اتعلمتها...وهو مقتنع أن في فوارق كتير بينا وعلشان كده مش هيصدقك...
نفت" نادين" برأسها وحفزتها قائلة وهي تضغط على ذراعيها:
-هيصدق...لو راجل بجد زي ما بتقولي يبقى هيصدق وحبه ليكِ هيخليه يتخطى أي فوارق
اجابتها بيأس و بواحدة من تلك القناعات التي زرعها بها مالك قلبها:
-الراجل اللي بجد يا "نادين" بيغفر كل حاجة إلا المساس بكبريائه وعرضه وخصوصًا لو كان الموضوع يمس البنت اللي اخترها تشيل اسمه وتبقى أم ولاده.
-بلاش نسبق الأحداث وإن شاء الله كل حاجة هتتصلح بس اجمدي علشان خاطري انا محتجاكِ جنبي زي زمان...وهنا وهن صوتها واعتصر قلبها وهي تستأنف برعب من بين نحيبها:
-انا خايفة يا "ميرال" خايفة... زي ما خسرتك زمان اخسر "يامن" أنا بحبه يا "ميرال"...بحبه وعارفة انه مستحيل هيسامحني
-أنتِ لازم تقوليله الحقيقة قبل ما الحيوان ده يعمل حاجة...لازم تتشجعي وتحكيله وطالما بيحبك هيقف في وشه ويبعده عنك
- انا خايفة...ومش عارفة افكر!
- "نادو" اللي اعرفها قوية...وكنت بستقوى بيها زمان... قومي روحي لجوزك وامسكي فيه بأيدك وسنانك ...ومتديش فرصة للكلب ده انه يخرب حياتها ويخسرهولك
هزت رأسها بطاعة وقالت بندم حقيقي ودمعاتها تفر دون هوادة:
-حقك عليا أنا مدينة ليكِ بكتير يا "ميرال" ...انا مهما عملت مش هوفيكِ ومش هقدر اكفر عن ذنبي في حقك…
-مش وقته الكلام ده
هزت رأسها و دون تفكير كان تضمها وتكرر بأسف:
-سامحيني...
-مسمحاكِ يا "نادين" ومصدقة انك ندمانة...
فصلت عناقها واخبرتها برعب حقيقي:
-"ميرال" لو حصل أي حاجة اوعديني أنك تحكي كل حاجة ل"يامن" لتخرج من جيبها بطاقة تعريف تخصه وتدسها بكفها راجية:
-ده رقمه خليه معاكِ
-إن شاء الله مش هيحصل...وكل حاجة هتبقى احسن
-يااااااارب
قالتها بتوسل صادق وبقلب ينتفض برعب يخشى القادم
ليستندو على بعض وتتئك كل منهم على الأخرى وكأنها تستمد منها القوة، لتتدلى لهم "نغم "التي استمعت لكل شيء من موقعها بعيون غائمة متعاطفة وبالطبع لم تود أن تتدخل من أجل أن تترك كل منها تفض ما بجعبتها للأخرى وتصفو نفوسهم، فقد ساعدت "نادين" للصعود للسيارة و هي تحفزها كي تصمد، بينما ابتسمت ل"ميرال" بسمة متفهمة حين صعدت بجوار "نادين" و انطلقت بها عائدة لمنزلها...
---------------
مر عليها الليل بصعوبة بالغة فكان حديث" ميرال" يؤرق مضجعها ويجعلها تشعر أنه منثور بجمر مشتعل يحرقها...وبعد تفكير عضال والكثير من جلد الذات ومع بداية يوم جديد قررت أن تكفر عن ذلك الذنب الذي يؤرق ضميرها، وبالفعل حصلت على عنوانه منها وهاهي برفقة" نغم" أمام باب شقته يطرقون عليه، لتباغتهم تلك المندفعة قائلة بعدما فتحت بابها:
-خير يا مُزز
تلعثمت هي بحرج:
-"محمد" موجود لو سمحتي!
شملتهم من رأسهم لأخمص أقدامهم وتشردقت:
-يا حلاوة...آه موجود اقوله مين؟
-قوليله "نادين الراوي"
أومأت لها وغابت لدقائق ليظهر هو متوجسًا:
-افندم....
ردت "نادين" وهي تنكس رأسها:
-أنا صاحبة "ميرال" واكيد سمعت عني
ظل صامت يستمع لها بنظرات جامدة حين استأنفت هي:
-عايزة اتكلم معاك لو سمحت
مد يده يدعوهم للدخول لتتقدم هي و"نغم" في حضور "شهد" والصغيرة التي ركضت قائلة بعفوية:
-أنتِ صاحبة طنط "ميرال" طب هي مجاتش معاكم ليه دي وحشتني اوي هي لسة زعلانة من "حمود"
-طمطم ادخلي أوضتك..
قالها هو بصرامةجعلت الصغيرة تنصاع له دون اعترض...لتتناوب "نغم" و"نادين" النظرات بينهم فيبدو أن "ميرال" لم تبالغ في وصفه فهو صارم وهيئته جدية للغاية مما اشعر "نادين" بأن مهمتها ليست بيسيرة على الإطلاق
لطفت "شهد" الأجواء:
-يا اهلًا بريحة الحبايب اتفضلوا
تشربوا ايه
-ولا أي حاجة شكرًا لتوجه نظراتها له وتطلب بحرج:
-ممكن اتكلم معاك على انفراد
تعلقت عينه بها بنظرة جادة جامدة اشعرتها بالتدني وجعلتها تود لو تنشق الأرض وتبتلعها، لتتدخل "شهد" عندما طال صمته:
-اه طبعًا البيت بيتك يا قمر اتفضلي في أوضة الصالون
قالت جملتها الأخيرة وهي تحثه على بعينها أن يسايرها وبالفعل فعل...وبعد كثير من الاعترافات المتتالية منها وإبداء ندمها، ثار هو و جرح بها وانبها بقوة مما جعلها تهرع خارجة من شقته وهي تبكي وبالطبع "نغم" تلحق بها
-----------
أصرت "نغم" أن تقضي اليوم معها داخل منزلها وبالفعل إنصاعت لها فقد مر الوقت سريعًا...وقررت العودة لمنزلها...لتصر عليها الآخرى أن توصلها ولكنها رفضت واخبرتها وهي تودعها انها ستكون بخير وستطمئنها فور وصولها... وما ان خرجت من البناية صعدت لسيارتها وانطلقت بها وهي تفكر أن ما فعلته هو عين الصواب ورغم تأنيب" محمد" لها الذي زاد شعورها بالخزي إلا أنها تعلم في قرارة نفسها انها تستحق ذلك، بل اكثر بكثير كي تكفر عن أفعالها...
انتشلها رنين هاتفها لتنظر له نظرة خاطفة وتجد رقم "ميرال" يظهر على شاشته لتمرر إبهامها على شاشته وتجيبها عبر السماعة الخارجية أثناء قيادتها:
-الو
اتاها صوت "ميرال" المفعم بالأمل:
-"نادين" أنتِ فعلا روحتي ل "محمد"، ولا "شهد" بتخرف
اجابتها "نادين" بعرفان:
-دي اقل حاجة اقدر اعملها علشانك هو اه جرح فيا وسمعني كلمتين بس مش مهم المهم أنه صدقني يا "ميرال"
-بجد صدقك؟
-لو مصدقنيش مكنش انفعل كده واصلًا لو بيحبك هيبقى عايز يصدق...وهيقدر يتخطى أي فوارق...و واضح من حمئته ليكِ انه حد كويس يا "ميرال" وبيحبك بجد...
تنهد "ميرال" واجابتها متأملة:
-بتمنى يكون كلامك صح يا "نادين"
تنهدت "نادين" بقوة وكادت تستأنف حديثها ولكن نظرة خاطفة نحو مرآتها كانت كفيلة أن تلحظ سيارته التي تعرفها عن ظهر قلب تتبعها...لتشهق بقوة وتتعالى وتيرة انفاسها بخوف، لتهتف "ميرال":
-"نادين" روحتي فين!
اجابتها بذعر حقيقي وهي تزيد من سرعتها و تحاول أن تضلله :
-"ميرال"...عربية "طارق" ماشية ورايا...انا مرعوبة...
شهقت "ميرال" بقوة من الجانب الأخر وقالت بقلق عارم:
-حاولي تهربي منه يا "نادين" ...واوعي توقفي العربية ولا تنزلي منها قوليلي أنت فين....
-أنا في طريق(...)
أما في الجانب الأخر كان ذلك المقيت يراقب تحركاتها بشكل مستتر حتى تحين له فرصة مناسبة وتكون بمفردها كي ينفذ مخططه وبالفعل وجد اللحظة المناسبة عندما انحرفت بسيارتها بأحد الطرق المختصرة التي نادرًا ما يمر سيارات بها وكان هو بالمرصاد لها...
فقد صرخت برعب حقيقي وهو يميل بسيارته يضيق حساره عليها مستغل خواء الطريق كي يجعلها تتوقف ولكنها كانت تنفذ نصيحة "ميرال" وتحاول أن تتهرب منه ولكن في لمح البصر كان يسبق سيارتها و يتوقف بسيارته بتهور تام بعرض الطريق كي يعيق مسارها، ليسقط الهاتف من موضعه وهي تتفادى الارتطام به و تضغط مكابح السيارة ببديهية وهي تشعر أن قلبها هو من توقف عن العمل وليس سيارتها، ارتدت هي على آثار فعلتها حتى ان جبهتها اصطدمت بعجلة القيادة ونتج عنها جرح بسيط بجبتها لتتأوه وترفع وجهها و تتحسس رأسها ثم بنظرات مشوشة مرتعبة جالت الطريق لعلها تجد أحد تستنجد به ولكن بلا جدوى فكان الطريق خاوي ومعتم بشكل مقبض لتحاوط ذاتها تحاول جاهدة أن تتحكم برجفة جسدها وقبل أن تتناول الهاتف من جديد من تحت قدميها وتجيب تلك الصارخة بأسمها من الخط الآخر التي مازالت المكالمة جارية معها، لمحته يقترب منها وعينه ينطلق منها شرار لا مثيل له...
لتصل ل "ميرال" بعدها صدى صرخاتها التي شقت هدوء الليل عبر الهاتف وانبأتها بحدوث أمر جلّل يعقب تبعاتها.
-----------------------
♥
🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺
بقلم الكاتبه ♥ ريم كريم ♥
البارت الثامن و العشرون
"ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ .. تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ."
- المتنبي
-------------------
-عايز ايه مني يا "طارق"
قالتها بصراخ بعدما اجبرها أن تفتح باب سيارتها وجذبها منها بعنف تحت مضضها وصرخاتها التي شقت سكون الليل.
اجابها في حقد وبنبرة تقطر بالوعيد وهو يقبض على ذراعها بقبضة من حديد:
-أنتِ فكرك هتعرفي تخلصي مني بالسهولة دي يا"نادو"... أنا بحبك ومستحيل هسمح للغبي ده ياخدك مني...
زمجرت بين قبضته وصرخت به:
-وعلشان كده عايز تفضحني مش كده
جز على نواجذه وقال ببسمة متغطرسة تنم كونه ليس سوي بالمرة:
-يبقى توقعي بمحله والغبية فهمت ولما قبلتيها حذرتك!
-ايوة قالتلي و كشفتك على حقيقتك وعرفت نواياك الخبيثة
حانت منه بسمة مخيفة وقال بهسيس متوعد أمام وجهها:
-طب طالما اللعب بقى على المكشوف... متستعجليش في الحكم عليا علشان لسه هصدمك
-انت عايز مني ايه تاني!! كفاية يا "طارق" انا اعتذرتلك وفهمتك كل حاجة علشان خاطر ربنا أخرج من حياتي
قالتها بصراخ وهي تتلوى بين يده، مما جعله يشدد اكثر على ذراعها بغل ويقول بكل غرور وعنجهية:
-مش بمزاجك...والكلمة الأخيرة ليا أنا... وللأسف انا مش مقتنع ومش هقبل بالهزيمة...
نفت برأسها بهلع وحاولت دفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة ولكن قبضة يده كانت من حديد على ذراعها الذي ثناه لتوه خلف ظهرها ودون أي مقدمات اخرى كان يخرج من جيب بنطاله منديل ذو رائحة نفاذة ويكمم به أنفها، تلوت هي بقوة وتشنج جسدها وهي تحاول أزاحة يده وحاولت تصرخ بكل صوتها ولكن كانت قبضة يده القاسية كاتمة لها وبعد عدة من محاولات بائسة منها تهدل جسدها وفقدت وعيها بعدما استطاع الظلام أن يسيطر عليها و يسحبها معه لدهاليز عتمته.
---------------
أما عن ذلك العاشق الذي ليس له ذنب سوى حبه لها.
فقد غلبه شوقه وكان في تلك الأثناء في طريق العودة للمنزل بعدما ترك عمله دون أن ينجزه على الأخير فقد اعتذر للمحامي عن إتمام الإجراءات وأخبره أنه سيستأنفها فيما بعد على أمل أن يجلبها معه وينهي كل شيء بوجودها، فقد حن وَرق قلبه وشعر انه لا يطيق فراقها وقرر مفاجأتها بحضوره اليوم عوضًا عن الغد حتى أنه تصنع انشغاله حين حاكته والدته كي لا يفتضح أمره.
ومضات عابرة لتلك الليلة الجامحة جعلت بسمة حالمة تفترش وجهه فحقًا فاجأته كثيرًا حين أوصلته دون هوادة إلى حافة الهاوية...
مرر يده على ذقنه الحليقة دومًا تباعًا مع هز رأسه كي ينفض تلك الأفكار العابثة التي تكاد تفقده صوابه وتأجج ثورة مشاعره وتزيد من توقه لها، فقد نظر نظرة خاطفة عبر المرآة لتلك الباقة الساحرة من الورود الذي احضرها ثم مد يده للمقعد بجانبه يتلمس بأنامله تلك العُلبة الضخمة المزينة بالستان الأبيض المطرز التي تحوي بداخلها فستان زفاف إنتقاه لها على ذوقه الخاص وتأمل أن يعجبها... فكانت لهفة قلبه تسبقه لها حتى انه وصل بوقت قياسي.
وتدلي من سيارته بشوق الدنيا أجمع، ولكن نظرة سريعة لمحيط المنزل جعلته يزفر حانقًا وهو يلحظ عدم وجود سيارتها ليلعن حظه العسر فكم كان يوم أن يفاجئها، ليتناول العُلبة ويضعها في شنطة السيارة بالمؤخرة ويغلق عليها على أمل أن يحضرها حين عودتها...ويأخذ باقة الزهور ويلج لداخل المنزل يجد والدته تجلس أمام التلفاز غافية، ليطفئه ويجثو على ركبتيه يربت على يدها:
-ماما ايه اللي منيمك هنا؟
فاقت "ثريا" من غفوتها على أثر صوته وقالت بإبتهاج:
-ايه ده انت جيت امتى يا ابني
-لسة واصل وكنت ناوي اعملها مفاجأة بس يظهر انها خرجت صح
اومأت له واخبرته وهي تنظر بساعة يدها تتفقد الوقت:
-اه يا ابني هي "نغم" جت اخدتها وقالت أنها هتقضي اليوم معاها و وعدتني انها مش هتأخرها
تنهد هو بضيق وقال وهو يعتدل بجسده:
-بس يا امي الوقت فعلاً اتأخر؟
-طب كلمها واطمن عليها!
زفر بقوة وهو يخرج هاتفه ويطلب رقمها لعدة مرات ولكن لم يأتيه رد، ليهدر بقلق عارم وهو يشعر بوخزة غير مبشرة في قلبه:
-مش بترد؟
-طب كلم "نغم" ما رقمها معاك...
استجاب لأقتراحها وما أن هاتف "نغم" اخبرته انها غادرت...ليتملك منه القلق ويظل يدور حول نفسه متوترًا حين تحدثت "ثريا":
-اهدى الغايب حجته معاه ...زمانها جاية
لا يعلم لمَ كان يعتريه شعور غير مريح حيال الأمر، حتى انه كان يشعر بوخزة قوية في قلبه تنبأه أنها ليست على ما يرام، ولكنه حاول أن ينفض افكاره السوداوية تلك التي تكاد تقتله رعبة عليها وحاول التحلي بالصبر ولكن اتى رنين هاتفه ليؤكد مخاوفه حين لمح رقم غير مسجل على شاشته ليجيب بترقب:
-الو...مين؟
وحين أتاه غمغمات انثوية من الطرف الأخر تقلصت معالم وجهه وهمهم بعدم استيعاب وبنبرة مضطربة تحمل خوف و قلق العالم أجمع:
-أنتِ بتقولي ايه؟مستحيل!
-------------------
أما عن صاحب القناعات الراسخة كان يجلس بفراشه يثني ذراعه ويسند رأسه عليه وهو شارد يسترجع ما حدث اليوم، فلا ينكر أن مجيء "نادين" إليه فاجأه كثيرًا ورغم كونه أنبها بحده ولكنها لم تتعند وجعلته بشكل ما يحترم شجاعتها فالأعتراف بالخطيئة نصف التوبة و حقًا اثبتت هي ذلك حين استشعر صدق حديثها وندمها البادي عليها
فنعم هو ليس بساذج كي تخدعه وله نظرة ثاقبة تميز كينونة الشخص الذي أمامه...فقد زادت قناعاته إيمانًا بعد حديثها أن هي و مالكة قلبه ما هم إلا ضحايا اُسرهم و هواجس واهية خاطها الشيطان لهم كي يوقعهم بالمحذور...
ولكن حسنًا لا أحد معصوم جميعًا يخطئ ولكن دائمًا مغفرة ورحمة الله اكبر بكثير من فداحة خطيئتنا...
ذلك ما كان يستنتجه عقله ويزحزح به تلك القناعات المسيطرة عليه حين
تعالى رنين هاتفه ليتناوله ويدرك أنها هي فكم كان يود أن يبادر هو بطريقته ولكن هي دائمًا ما تكون المبادرة من نصيبها ودون تردد وعلى غير عادته بالآونة الأخيرة وجد ذاته يجيبها:
-الو "ميرال"...
ليأتيه صوتها المرتعش الذي ذكره باحتياجها له في موقف مشابه:
-"حمود" انا محتجالك يا "حمود" علشان خاطري تعالى...
هب من فراشه بخضة عارمة وتسأل بلهفة:
-مالك يا "ميرال" ايه اللي حصل انتِ كويسة؟...طب انتِ فين!
-تعالى علشان خاطري هبعتلك Location
لم تضيف اكثر، في حين هو ركض مسرعًا كي يذهب لها بعدما أتته رسالة بموقعها على ذلك الطريق التي أخبرتها به "نادين" قبل صراخها...وها هو وصل لها في وقت قياسي وقد قصت له القليل وقد حاول طمئنتها تزامنًا مع وصول "يامن" الذي هرع لسيارة "نادين" الخاوية منها و تتوسط ذلك الطريق الموحش صارخًا بقلق عارم:
-"نادين"...فين...ايه اللي حصل ردي عليا...هي فيــــــــــــــن؟
أجابته وهي تتشبث بمقدمة السيارة كي تدعم وقفتها:
-هي كانت بتكلمني وبعدين قالتلي عربية "طارق" ماشية ورايا وأخر حاجة سمعتها كان صريخها...
صرخ "يامن" بوجهها بهجوم وهو على حافة الجنون وبأعصاب تالفة:
-"طارق" مين؟ وبتكلمك بناء على ايه انتوا مقاطعين بعض من شهور...
هنا تدخل "محمد" وأحال بينه وبينها بحماية هادرًا:
-انا مقدر قلقك وخوفك بس ممكن تهدى هي هنا علشان تساعدك تلاقي مراتك...
جز "يامن" على نواجذه يحاول كبح عصبيته والتروي قليلًا حين
تلعثمت هي وتشبثت بظهر "محمد" وقالت أول شيء اتى بخاطرها كي تدافع به عن صديقتها:
-"طارق" يبقى زميلنا في الكلية وكان بيحب "نادين" وبيطاردها بس هي كانت بتصده ...
حديثها نزل عليه كالصاعقة التي لم ترأف بعقله فقد جمدت معالم وجهه وتعالت وتيرة أنفاسه وهو لا يصدق حرف واحد مما تفوهت به حتى انه صرخ مستنكرًا وهو يلوح بيده:
-بتقولي ايه...انتِ بتخرفي صح..."نادين" عمرها ما جابتلي سيرته... ليستأنف بثقة اختزلت بالفعل:
-"نادين" مش بتخبي عليا حاجة لو زي ما بتقولي كانت قالتلي وحاميتها منه وعرفته قيمته انتِ اكيد كدابة...
نفت برأسها وأكدت قائلة:
-انا مش كدابة... ومتأكدة ان "طارق" ليه يد في اللي حصل لأن هي بنفسها قالتلي عربيته ورايا وبتطاردني وانا قولتها اهربي ومتقفيش بس يظهر أن اللي هي خافت منه حصل
كرر كلماتها بشدوه:
-حصل...وكانت خايفة منه... أنا مش مستوعب وحاسس إني في كابوس...لتغيم عينه ويستأنف بغضب حارق:
-انا لازم أبلغ البوليس وقسم بالله لو الكلب ده لمسها أو أذاها لكون قتله
هنا تدخل "محمد" بعدما توسلته "ميرال" بنظراتها كي يردعه:
-لو بلغت مش هيتم أي إجراء غير بعد مرور٢٤ ساعة من اختفائها واكيد مش هنستنى كل ده...
هز رأسه وكور قبضة يده بقوة وضرب مقدمة سيارته عدة ضربات عاتية كي ينفث عن تلك النيران المستعرة من القلق التي تتأكل قلبه المُولع
-انا هقتله...هقتله...
صرخ بها بحرقة شديدة نفضت "ميرال" وجعلت "محمد" يحاول تهدئته:
-اهدى علشان نعرف نفكر البني ادم ممكن يكون اخدها فين!
ليصيح هو بتوعد وبإصرار قوي:
-هقلب عليه الدنيا وقسم بالله لو لمس شعرة منها ما هرحمه
اقترحت هي بفِطنة:
-"فايز" هو اكيد يعرف مكان "طارق" هما الاتنين مش بيفرقوا بعض واكيد أسراره كلها معاه
صاح هو بترقب:
-تعرفي نلاقيه فين؟
اومأت له بنعم ليصعدوا ثلاثتهم بسيارته وينطلق بهم بسرعة جنونية جعلت إطارات السيارة تحتك بقوة في الأرض الترابية مخلف خلفه غمامة سوداوية تضاهي تلك التي اغشت على عقله وجعلته يقسم أنه لن يتهاون إن اصابها سوء...
---------------------
كال له العديد من اللكمات حين رفض الأفصاح عن موقع ذلك اللعين ولكن "يامن" لم تأخذه رأفة به وكاد ينهي حياته بيده العارية كي يضطره ليحصل منه على جواب وبالفعل نطق وأعطاه موقعه وها هم في طريقهم لهناك لتلك الڤلا النائية التي تقبع على أحد الطرق الصحراوية...
-----------------
قصد أحد أملاك ابيه المغمورة التي قلما ما يذهب إليها
استغرق الأمر وقت ليس بقليل كان كفيل أن يجعلها تستعيد شيء من وعيها هامسة بعدم اتزان وبنبرة متقطعة وهي تمسد جبهتها وبالكاد تفتح عيناها:
-"طارق"...وقف...نزلني
رمقها بطرف عينه ولم يعير رجائها أي أهمية فلا وقت للجدال فها هو وصل لوجهته،
اطلق بوق سيارته كي يفتح له الحارس البوابة وبالفعل هرول إليه بطاعة قائلًا:
-يا اهلاً يا اهلًا يا "طارق" بيه
أمره "طارق" بغطرسة:
-افتح الزفت البوابة وإياك تفتح بؤك وتقول إني هنا أنت فاهم
نظر الحارس لتلك التي لا حول لها ولا قوة وقال بحلق جاف:
-بس يا بيه...
قاطعه "طارق" وهو يناوله حفنة كبيرة من المال:
-اظن كده انت مشوفتنيش و هتتخرس صح
أومأ له الحارس ببسمة سمجة للغاية واخبره وهو يحيه بعدما دس النقود التي ستخدر ضميره بجيب جلبابه:
-تحت أمرك يا بيه...
-مش عايز دبانة تدخل من البوابة طول ما أنا جوة وتقفل ورايا من غير مماطلة فااااهم
اطاعه الحارس وهرول ليفتح البوابة على مصراعيها ليفوت هو
ويغلق الحارس البوابة بسرعة متناهية...
استعادت هي جزء كبير من وعيها ولكن مع ذلك تشعر بتثاقل رأسها حين تدلى هو من السيارة وجذبها بعنف من ذراعها، ثم انحنى وحملها على كتفه ولكنه دفعته وضربت ضهره راجية:
-لأ يا "طارق" ابوس ايدك سبني سبني...
زمجر غاضبًا بعدما تزايدت دفعاتها وقال بشر قاتل وهو يتحكم بحركة جسدها:
-اسيبك طب ازاي هو دخول الحمام زي خروجه يا "نادو"
تعالت صرخاتها وزادت ضرباتها ولكنه لم يتأثر بل كان يسير بها بخطوات واسعة إلى الداخل لتقطم ظهره مخترقة قميصه بأسنانها الحامية مما جعله يزمجر متألمًا وينحني يتمسك بموضع عضتها، لترفس بساقيها وتزيد قوة حركاتها مما جعله يفقد سيطرته عليها وتنفلت منه ساقطة على الأرض متأوهة، حاولت أن تتحامل على ذاتها وتنهض ولكن ساقيها كانوا كالهلام لم يسعفوها لتضطر أن تزحف للخلف بجسدها وهي تكاد تموت بجلدها، لعنها هو وسبها بفجوج ثم أنقض على شعرها جاررها منه غير عابئ بصراخها ولا بنحيبها ولا بدفعاتها وضربها ليده التي تقبض على خصلاتها وتكاد تنزعهم من فروة رأسها:
-أنا هوريك يا بنت(***) وحياة الغبي بتاعك لهدفعك التمن
صرخت هي بقهر وبشهقات عالية:
-لأ يا "طارق" حرام عليك....بلااااااش ابوس ايدك
-تبوسي إيدي ده انا هخليكِ تبوسي رجلي يا (***) بعد اللي هعمله فيكِ
نفت برأسها بجنون وصرخت صرخة حارقة ممزقة وهو ينهضها لمستواه ويسلط نظراته القاتمة التي تقطر بالشر داخل عيناها بإصرار مقيت و دون أن يفلت خصلاتها كبل بيده خصرها وألصقها بصدره لتبصق هي عليه وتسبه سباب لاذع جعل الشياطين تتقافز أمام عينه ويصفعها صفعة قوية بكل غل كانت كفيلة أن تفقدها وعيها...ليمرر يده على وجهه بإشمئزاز ويزمجر غاضبًا ثم حملها على كتفه ودلف للداخل متوجه بها لأحد الغرف دافع جسدها على الفراش بكل قسوة قائًلا:
-أخيرًا يا "نادو" هتبقي بتاعتي لوحدي...ليلتمع سواد عينه وهو يتفرس بجسدها وتحين منه بسمة منتشية كونه فاز بها...
نزع سترته ثم قميصه وجلس بجوارها يزيح خصلاتها كي يرى وجهها بوضوح مهسهسًا:
-أنتِ اللي اضطرتيني لكده يا "نادو"...
لينزع عنها كنزتها الصوفية وينظر نظرة مطولة متمعنة لبلوزتها التي تجسم بدقة ما تخفيه تحتها، ويبتلع ريقه لاهثًا وهو يحل أزرارها وعندما سقطت عينه على بشرتها الناصعة وتلك الشامات التي تزين نحرها ثار جسده يطالب بها ورغم ذلك تروي قبل أن ينالها فلابد أن يمهد جسده اولًا ويكبح إلحاحة الذي طغى على ثورته بجرعة وافرة مستغل الوقت كي تستعيد وعيها فهو يريدها مُستيقظة كي تشهد على انتهاكه لجسدها وكي يرضي تلك الغريزة المرَضية لديه كونه هزمها وهو المنتصر الوحيد بلعبتها...
-----------------
مر بعض الوقت بعد أن استنشق جرعته ثم أخذ ينفث سجائره الذاخرة وهو يتفرس بقاتمتيه جسدها المسجي أمامه بكل تمهل وكأنه يملك وقت العالم أجمع
في حين هي كانت تستعيد وعيها شيء فشيء ليباغته هسيسه:
-اخيرًا فوقتي يا عروسة
صوته كان كفيل ان يجعلها تستعيد كامل وعيها حتى انها نفت برأسها بجنون وصرخت بهستيرية وهي تلحظ انه نزع عنها كنزتها وفك ازرارها... لتقبض على مقدمة بلوزتها وتنقض عليه صارخة وهي تضربه بكل ما فيها من قوة:
-عملت ايه... عملت ايه يا حيوان؟
في حركة مباغته منه كان يطوق خصرها ويكبل يدها خلف ظهرها قائلًا بفحيح وسوداويتاه يقدح بهم الشر:
-انا لسة معملتش...كنت مستنيكِ تفوقي علشان تشوفيني أزاي بكسر عينك
-مش هيحصل... مستحيل اسيبك تلمسني
قالتها برفض قاطع و بنبرة مشمئزة كارهة استفزت كبريائه وعنجهيته و جعلته
يدفعها بكل غل على الفراش مكبل جسدها وشالل حركتها بكامل جسده مما جعلها تصاب بنوبة من الهلع والدفاع المستميت... فقد
صرخت حتى شعرت بتمزق أحبالها الصوتية، دفعته، سبته، خدشت وجهه بأظافرها كي يبتعد ولكن كل دفاعتها بائت بالفشل، مزق بلوزتها كاشف عن نحرها البض ثم بكل جوع ظل يدنسها بقبُلاته القاسية دون اي رحمة وكأنه أسد جائع وهي وليمته الأخيرة، زئر بقوة عندما حاولت التملص منه من جديد ليقبض على يدها ويضعها فوق رأسها ويضغط أكثر بِجسده عليها، حركت رأسها متقززة من انفاسه التي لفحتها وتوسلت بِضعف مخالف لشخصيتها:
-لأ...لأ...ابوس ايدك بلااااااش
رفع عينه القاتمة لها التي يحتلها حمرة الغضب وصرخ بنبرة أرعبتها وأثبتت لها كونه ليس سوي بالمرة :
-عايزاني أسيبك علشان تروحيله ده على جثتي...
نفت برأسها بِهستيرية ودمعاتها الحارقة تأبى الصمود أكثر ك حال جسدها، مما جعل ملامحه تتوحش أكثر و يزمجر صارخًا بِشر قاتل:
- كدااااااابة...وعلشان كده هخليكِ متنفعيش ليه ولا أي راجل غيره...
صرخت صرخة مدوية شقت هدوء الليل وقالت بصوت مبحوح وبنبرة حارقة تعدت الألم بمراحل عارمة:
-لأ يا طااااااااااااارق ابوس ايدك بلاش...بلااااااش.....ياااااااااااااامن .......ياااااااااااااااااااامن
لا تعلم لمَ صرخت بأسمه كل ما تعلمه انها كانت بحاجته، بحاجة لحمايته و لذلك الأمان التي كانت تنعم به في كنفه، وبحاجة لمأوى ذلك الحصن الذي شيده من اجلها.
بينما الأخر استفزه الأمر وصفعها بقوة حين استغاثت بأسم الأخر وصرخ بها بهياج:
-الغبي بتاعك مش هيسمعك ومفيش حد هيعرف يخلصك مني...
ذلك ما كان يظنه هو ولكن كان يغفل كون صرختها الحارقة تلك تردد صداها بالأجواء حتى تناهت لمسامعه وأججت غضبه وخوفه عليها وهو يندفع بقوة ويحطم تلك البوابة الحديدية بمقدمة سيارته كي يخترقها وكأن الهواء تضامن معها وحمل صراخها بإسمه كي يؤكد لها أنه لن يخيب رجائها.
حانت من الأخر بسمة متغطرسة بشر قاتل وهو يطالع نحيبها اليأس بين يديه لينوي أن ينفذ تلك الخطيئة التي بررها شيطانه واعمى بصيرته بها،
كاد يباشر فعلته الدنيئة لولآ أنه استمع لصوت ضجة عارمة تأتي من الخارج، وإن كاد يرفع جسده عنها كان يفتح باب الغرفة ويندفع نحوه كالصاروخ دافعه بقوة عاتية عنها، وهو يسبه ويلعنه بأفظع السباب فقد قام بينهم قتال عنيف كان لصالح "يامن" بلأخير فقد اعتلى جسده بغضب قاتل وأنهال على وجهه بعدة لكمات عاتية افقدته سيطرته حتى أنه لم يستطيع أن يتصدى لضرباته من شدة اندفاعه وسرعة بديهته لكل حركة منه فكان "يامن" يتفادى كل محاولاته البائسة في مجابهته ويؤد كل محاولاته بقوة عاتية.
خفتت انفاس "طارق" حتى أن فمه أخذ يقطر بالدماء جراء تحطم اسنانه الذي مال برأسه وبصقها وهو بالكاد يلتقط أنفاسه بينما هو نهض عنه بأنفاس متعالية ثائرة من شدة الغضب وتوجه لها ليحتل الألم عينه وهو يطالع حالة الهلع التي حلت بها فكانت عيونها دامية من شدة نحيبها، منكمشة، ترتجف بقوة وأسنانها تصطك ببعضها ملابسها ممزقة والعديد من البقع الملونة تدنث نحرها وطول عنقها فكانت صدمته لا تقل شيء عنها وكأن اصابه حالة من الشلل المؤقت بوقتها، لتهمس هي بأسمه بنبرة واهنة منهكة من بين شقهاتها الممزقة وهي تستر جسدها بيدها وتلمم بقايا ملابسها... لتغيم عينه حزنًا و قهرًا عليها و ينزع عنه سترته الجلدية ويلبسها اياها ويضمها بقوة داخل حصن احضانه الأمينة قائلًا بنبرة رغم انه حاول أن تكون مطمئنة و هادئة إلا أنها صدرت منه مرتعشة، متألمة تضاهي ألم قلبه الذي انشق بين جناباته من أجلها:
-حبيبتي... أنا هنا...أنا هنا جنبك...متخافيش...متخافيش...
انتِ معايا…
تشبثت به وهي تنتفض بقوة وشهقاتها أخذت تتعالى مهممة ببعض الكلمات الغير مرتبة التي استطاعت بها أن تعبر عن مدى هلعها و جعلته يفقد أخر ذرة تعقل به فقد زئر بقوة وانقض عليه من جديد صارخًا:
-يا كلــــــــــــــب...ياكلــــــــــــــب وحياة امي لهقتــــــــــــــــلك...هقتـــــــــــــــلك
قالها بغيظ وحمئة شديدة وشيطانه يغشى على عينه ويبيح قتله تزامنًا مع هرولت "محمد" إليه الذي تولى أمر الحارس ولحق به يحاول ردعه عنه قائلًا وهو يحيل بينه وبين جسد ذلك المقيت المسجي بحالة يرثى لها:
-هتموته وتضيع نفسك سيبه يا "يامن"...سيبه
-سبنـــــــــــــــــي هقتله...هقتـــــــــــــــــــــــــله
قالها بهياج شديد بعدما دفع "محمد" عنه بقوة أوقعته وانقض على الآخر من جديد ولكن تلك المرة كان يركل به بجنون فأي مكان يطال بجسده مما جعل الأخر يتلوى من شدة الألم ويكاد يحتضر برقدته تحت قدميه بمقاومة خائرة للغاية بفضل تلك السموم التي تناولها كي يهيئ جسده لفعلته الدنيئة ولسخرية القدر كانت سبب في كونه يفقد مقاومة جسده ولا يستطيع أن يجابهه ولكن بالطبع "يامن" لم يكتفي بل كان يشعر أن نيران متأكلة تنشب بجسده ولن تهدأ إلا إن قتله... وبالفعل رغم محاولات "محمد" الشتى بمنعه إلا أنه تمكن أن يقبض بقبضة من حديد على عنق "طارق" حتى تلون وجه للزراق وجحظت عيناه وكاد يلفظ أنفاسه لولآ أن اندفع عدة رجال وردعوه عنه حاملينه حمل من عليه كي يفضوا التشابك ليصرخ "يامن" بصوت جهوري رجت له الجدران:
-هقتلك...هقتـــــــــــــــــــــلك
يا كلـــــــــــــــــــــــــــــــــب هقتــــــــــــــــــك سبوني أنتو مين ابعدو عنـــــــــــــــــــــــي
سعل "طارق" بقوة يحاول ان يلتقط انفاسه المسلوبة تزامنًا مع دخول والده بتلك الهالة الصارمة بعدما حاكاه "فايز" فور خروج" يامن "من عنده وقد اخبره بكل شيء فما كان منه غير أن يلحق به في اقصى سرعة ممكنة …
وبالفعل ما كان يخشى حدوثه وحذره منه قد حدث فكان يطالع جسد ابنه المسجي ارضًا بعدم رضا ثم بكل ثبات انفعالي توجه له وانحني بجذعه عليه قابضًا على فكه بقوة غير عابئ بحالته التي يرثى لها:
-تستاهل...ياريته موتك وريحني من قرفك
غمغم "طارق" بوهن وبصعوبة بالغة:
-بابا انا...
قاطعه ابيه بصرامة منفعل:
-أنت ايه؟ حذرتك قبل كده تبعد عنها ومش عايز مشاكل بس أنت غبي ومبتسمعش الكلام
ودون أن يدعه يدافع عن ذاته كان
ينفض وجهه كأنه يثير غثيانه ثم نهض يوجه نظراته التى تخلى عن صرامتها واحتل مكانها الرجاء حين هدر "يامن" بإنفعال وهو يتلوى يحاول التملص من قبضة هؤلاء الرجال الذين يشلون حركته وحركة "محمد" ايضًا معه تحت مضضه:
-خليهم يسبوني ...وقولي انت مين والكلب ده عمل كده ليه...
اقترب المسيري بخطوات مهيبة
وربت على كتفه مما ادى إلى ذهول الأخر ثم قال بمهادنة وبنبرة متوسلة:
-أنا "أحمد المسيري "...والحيوان ده يبقى ابني بتمنى تهدى علشان نعرف نتكلم
جعد "يامن" حاجبيه فنعم يعلم من يكون وطالما سمع عنه وكيف لا يفعل وكل فرد بالبلد يعلم مدى سلطته السياسية، ولكن رغم ذلك لم يعير مهابته أي اهمية وهدر متشنجًا:
-طززززز فيك وفي ابنك...انا مش هسكت وهبلغ عن الكلب ده وهجيب حقها من حبابي عنيكم يا (***)
هز "أحمد" رأسه بعدم رضا وحاول مهادنته من جديد:
-أنا بكلمك بصفتي أب يا ابني وهي زي بنتي ونصيحة مني ملوش داعي تجازف بسمعتها...
جز "يامن" على نواجذه وهو يرمق حالتها المريعة وهي منكمشة تنتفض باكية و لا حول لها ولا قوة وقال بوعيد وبقلب من حديد:
-انت وابنك اللي هتتفضحو ولازم اعرف الناس ب(***)
تنهد والده وقال بمسايرة:
-اهدى يا ابني وفكر في سمعتك وسمعة مراتك...أنا عارف إن ابني كلب ومستهتر وغلط ويستاهل يتعدم في ميدان عام بس انا بتوسلك كأب بلاش تضيع مستقبله هو ملمسهاش…
هنا صدح صوته الواهن بغطرسة لامثيل لها وبكل تبجح غير عابئ بشيء:
-انت بتذلل ليه يا بابا...أنا مش هامنني يعمل اللي يعمله وبعدين أنا مخطفتهاش هي جت معايا بمزاجها
هنا صرخت هي مستنكرة تزامنًا مع دفاع "ميرال" التي اندفعت إليهم لتوها وتجاهلت أوامر "محمد" بالبقاء بالسيارة:
-محصلش انت كداب انت كنت بتطاردها و خطفتها
قالت جملتها وهي تحتضن "نادين" وتربت على ظهرها كي تؤازرها...
ولكن بالطبع رغم دفاعها إلا أنه نطق من جديد
بعنجهية وبضحكة مستفزة أظهرت أسنانه المحطمة:
-غبية...بدل ما تفضحيها وتنتقمي منها بتدافعي عنها وتخلقلها اعذار
وهي اللي فضحتك واتبلت عليكِ
وخدتني منك علشان ترافقني على جوزها
شهق "محمد"وسبه بحمئة باصقًا على انعدام رجولته بينما استهجن "يامن "وهو يجذب ذراعيه من قبضة الرجال وصرخ مكذبًا:
-اخرس...متجبش سيرتها على لسانك انا مراتي اشرف منكم كلكم
قهقه بكامل صوته البغيض واستفز الأخر قائلًا:
-الشريفة بتاعتك كانت بتقابلني في شقة قريبة من بيتك وكانت بتستغفلك وانت مسافر وانا بنفسي اللي كنت بجبلها المخدر تحطه لأمك
نفى برأسه بجنون ورفض عقله الاستيعاب هادرًا:
كدااااااااب ...كداااااب
لتصرخ هي بإنهيار من بين نحيبها:
-اخرس يا "طارق" حرام عليك…حرام عليك
وهنا جاء دور "طارق" كي يتشفى بها ويحيك الأمر عليه فقد تحامل على ذاته وعلى أنين جسده وجلس نصف جلسة مستند بظهره على الحائط ويداه متهدلة:
-مش هخرس يا "نادو" سكت كتير والغبي ده لازم يعرف الحقيقة
هزت رأسها بجنون وبحالة هستيرية توجع القلب صرخت كي تمنعه:
-لأ لا لا لا لا اسكت أي هتقولها مش هيصدق… لتوجه نظراتها الدامية ل "يامن" وتسأله بجنون :
- مش هتصدق صح …صح…هو كداااااااااب كداااااااااب
حانت من" طارق "بسمة شامتة وهسهس بحقد كي يثير اعصاب الأخر الذي كان مشدوه يتناوب نظراته بينهم :
-مش كداب وهيصدق ... أنا وهي بنحب بعض ولو مش مصدق معايا صور لليوم اللي روحت جبتها من القسم يثبت كلامي...كانت سهرانة معايا والمشكلة حصلت بسببها وتقدر تتأكد بنفسك…
قال جملته وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله ولسوء حظها لم يتضرر ونجا من ركلات الأخر لجسده، ليضغط على شاشتة و يدفع به تحت قدم الأخر
مما جعل عينه تجحظ بقوة تكاد تخرج من محجريها و ومضات لذلك اليوم البغيض الذي يتذكر تفاصيله لليوم بكل دقة تترأى أمام عينه لتؤكد له صدق ادعاء ذلك المقيت
حانت من "طارق" بسمة متخابثة مفعمة بالانتصار حين شاهد ذهوله وصدمته العارمة التي زادها عليه:
-مش بس كده أنا اقدر اقولك على تفاصيل كتير حصلت بينكم محدش يعرفها وهي بنفسها اللي قالتلي عليها وكانت بتاخد التعليمات مني...هي كانت بتسايرك يا غبي وبتمثل عليك الحب لغاية ما تاخد فلوسها وبعد كده كانت هتسيبك…
كانت مازالت تهز رأسها بل انتابتها تلك النوبة القديمة فقد كانت تؤرجح جسدها للأمام والخلف بعدم اتزان وتضع كفوف يدها على أُذنها وكأن عقلها لا يود أن يستوعب أن ذلك يحدث بالفعل ...حاولت "ميرال" ضمها وصرخت بذلك المتبجح :
-كداااااب...يا "يامن "متصدقهوش هو بيستفزك...هو خطفها انت مش شايف شكلها مستحيل تبقى جاية معاه برضاها
لم يدع ل "ميرال" أن تكفي دفاعها وكأن عقله رفض أن يصغى إليها فقد زمجر بقوة كالوحش الحبيس ودهس شاشة الهاتف القابع تحت قدمه بكعب حذائه بقوة حتى هشمه وجعله غير صالح:
-اخرســــــــــــــــــــــــــــــوا مش عايز اسمع صوتكم كفايــــــــــــــــــــــــــــة
وهنا انقض "أحمد المسيري" على ولده وقبض على منكبيه رافعه من موقعه هادرًا بتهديد مخيف جعل "طارق" يتلجم ويكاد يتبول في سرواله من شدة خوفه:
-قسم بالله لو فتحت بؤك يا ملعون لكون انا اللي قتلك بإيدي ودفنك مكانك
ليدفع به نحو اثنين من رجاله ويأمرهم بصرامة متناهية:
-خدو الكلب ده واستنوني في العربية
وبالفعل إنصاعوا له بينما هو كان يتناوب بينهم النظرات و يشعر أنه بكابوس مزعج يصعب عليه الاستيقاظ منه، كاد يود أن يظل ثابت ولا يشكك بها ولكن كيف وذلك المقيت ذكر له عدة شواهد ثابتة وحديثه يبدو منطقي تمامًا ومطابق للأحداث السابقة، تثاقلت انفاسه وتهدلت معالمه بتشوش بين الجميع بضياع وبعيون يحتلها الألم وهو يشعر أن قُسِم ظهره لتوه ومرغ وجهه بالوحل من هول افعالها، ليربت "احمد "بيده على كتفه ويأمر رجاله أن يتركوهم لتتهدل ذراعيه ويركز نظراته على إنهيارها تزامنًا مع قول "أحمد" المهادن الذي يحثه على التعقل:
-خدها وامشي من سكات يا ابني واللي حصل النهاردة تمحيه من ذاكرتك للأبد...ربنا أمر بالستر
والحيوان ده اوعدك هربيه من أول وجديد وهخليه يسيب البلد كلها...
من وطأة حديثه كان يشعر أن الأرض تميل به فلا هو قادر على الرفض ولا هو قادر على الخنوع، شيء بداخله يدفعه للجنون وافتعال ألف ثورة عارمة ولكن شيء في اعماقه الممزقة التي تعودت منها على الخذلان كان يخبره أنها بالفعل آثمة.
أغمض عينيه لبرهة قبل أن يجر جسده ويقترب يجثو أمامها قابض على ذراعيها متسائلًا بترقب وبقلب تتخاذل دقاته متألمة من شدة ترقبه لأجابتها:
-اللي قاله ده صح … لم تجيبه بل كانت تنظر له نظرة لم يراها طوال حياته بعينيها وتنبأه بشيء يستحيل عليه تقبله لذلك صرخ من جديد وهو يرج بها:
- ردي عليااااااااااااااااااااااااااا
نفت برأسها بهستيرية ليكرر بإصرار من جديد ولكن بنبرة مرعبة رجت لها الجدران:
-ردي علياااااااااااااا كلامه صح
عجز لسانها عن الرد من شدة خزيها وظل نحيبها الحارق يتزايد ويتزايد بأنهيار تام، ليحتل الألم تقاسيم وجهه وتفر دمعة هاربة من عينه وهو يستشف ما المغزى من صمتها، وحينها شعر بخنجر انغرس بقلبه شطره لنصفين واغشى شيطانه على بصيرته اعماها ودفعه دون هوادة أن ينطق أخر كلمة توقع أن تصدر من فمه و يطاوعه قلبه بها :
-أنتِ طالق…
نزلت تلك الكلمة عليها كالصاعقة نفضت كافة دواخلها واحرقت قلبها فحتى صوتها المحصور بحلقها أنطلق وصرخت ترجوه وهي ترتمي بجسدها تتمسك بساقه حين هب واقفًا:
-لأااااااااااا...لأ... لأ "يامن" اسمعني "يامن" متسبنيش…"يامن" انا مليش غيرك ….مليش غيرك يا يامن…انا غلطت بس ندمت والله ندمت هو كدااااااب خليني افهمك...
نفضها عنه باشمئزاز وقال بعيون متألمة يفر منها الدمع دون وعي وهو يخطوا بعيد عنها:
-أنا اكتفيت اعذار ومن اللحظة دي أنتِ بره حياتي وللأبد يا نادين يا راوي…
ذلك أخر ما تفوه به تاركها تصرخ بأسمه بحرقة وقهر لا مثيل له قبل أن يستنكر ويرفض عقلها ويتوقف عن العمل و تسقط مغشي عليها مستسلمة لذلك الظلام الذي جذبها كي ينتشلها من استيعاب تلك الصدمة العارمة التي يبدو أن تباعتها ستكون وخيمة عليها…
ترى للحديث بقية! أَم إلى هنا وانتهت قصتهم...دعونا نتمهل فمازال القدر يخبأ بين طياته الكثير...
-------------------
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق