رواية مرايا الحب الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم نورا عبد العزيز
رواية مرايا الحب الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم نورا عبد العزيز
#مرايا_الحب
"" الفصــل الأول (١) ""
___ بعنــــوان ""وهــــــم "" ___
بمنتجع سكني فى مدينة أكتوبر خصيصًا بمنزل يحمل لافتة "منزل الباشمهندس يونس النور"، منزل مكون من طابقين وحديقة متوسطة الحجم يتوسطها حوض السباحة الدائري ومرأب سيارات بداخله سيارة سوداء سيدان من مرسيدس وسيارة أخري صفراء اللون رباعية الدفع من كيا للسيارات، خرج" يونس" شاب ثلاثيني من غرفة المكتب بالطابق الأول بصحبة أخاه الأكبر "أنس"، كان مُرتدي بدلة بسترة ذهبية وقميص وبنطلون ذو اللون الأسود، تحدث بجدية قائلًا:-
-هشوف قدر جهزت ولا لا؟
صعد للطابق الثاني حين غرفة نومه وغرفتين أخري، فتح باب غرفة نومه ليراها تجلس على المقعد منحنية قليلًا من أجل ارتداء حذائها ذو الكعب العالي، كانت فتاة جميلة بحق بجسدًا ممشوق وبشرة بيضاء صافية وعيني خضراء وشعرها البني الفاتح القصير يزيدها جمالها، ابتلع " يونس" لعابه بتوتر، استقامت "قدر" فى وقفتها لتتطلع به فرمقته بنظرة باردة كالثلج لتقول:-
-مالك واقف باصص ليا كدة ليه؟!
أتسعت عينيه على مصراعيها من فستانها الذهبي القصير ألم يكفي ضيقه الذي يظهر مفاتنها ونحافة جسدها، فكان يصل لأعلي ركبتيها ليقول بضيق:-
-أيه القرف اللى لابساه دا؟
سارت نحوه فى صمت بلا مبالاة وهى لا تكترث لحديثه ولا لأمره وعندما مرت من جواره أستوقفها حين مسك ذراعها بقوة ليعيدها خطوة للخلف مرة أخرى وقال بحدة:-
-أنتِ رايحة فين؟، أنتِ غلبتي الرقاصين بفستانك دا
صرخت “قدر” به بانفعال شديد قائلة:-
-أنا حرة فى نفسي ومتدخلش فى حاجة تخصنى كدة ليه، أنا ملاحظة أنك بتحاول تعمل راجل عليا
أستشاط غيظًا من كلماتها المُهين وقال:-
-أتلمي هو أنا بعرف غيرك من شوية
شعرت بألم فى قلبها وسكاكين تفتت قلبها وجعًا وألمًا لتقول بنبرة خافتة:-
-العيب مش عليك العيب على واحدة زي أنها سمحت لنفسها انها تكون على ذمتك يوم واحدة
مرت من أمامه مُغادرة ليقول بصراخ شديد قائلًا:-
-والله لو مرجعتي عن اللى فى دماغك لأكسرهالك
ألتفت إليه بضيق شديد من نبرته العالية وقالت:-
-ايه دا أنت بتزعقلي كدة ليه؟
استشاط غيظًا من طريقة حديثها وتحديها له بالكلمات فأغلق قبضته بقوة حتى لا يفقد أعصابه عليها وصاح "يونس" بها بانفعال شديد قائلًا:-
-متنرفزنيش عليكي يا قدر وبطلي استعباط، ايه القرف اللى لابساه دا
أخذت "قدر" خطوة واحدة تجاهه للأمام وتطلعت بعينيه مباشرة بتحدي وعناد وهتفت بنبرة جادة تحمل الكثير من كبرياء الأنثي الطاغي عليها قائلة:-
-لتكون غيران عليا لا قدر الله ولا حاجة
تطلع بعينيها الخضراء الواسعتين وجمالها لم يرى له مثيل من قبل وتحديدًا بعد ان رسمتهم بمساحيق التجميل من أجل هذا الحفل وشعر بقشعريرة تصيب قلبه وصدره يخفق بلطف قليلًا، تبسمت بسخرية على صمته فتابعت بقوة قائلة:-
-مشكلتك يا يونس أنك عايز كل حاجة، مشكلتك أنك بتحاول بتمثل الغيرة زى أى راجل لكنك فى الواقع ولا غيران ولا غيره، أو على الأقل أنا وأنت عارفين كويس أنك مبتحبنيش وأن كل العصبية اللى أنت فيها دى مجرد تمثيل بتضحك علي نفسك بها عشان تصدق أنك راجل فى بيتك وعلى مراتك وبس وفى الواقع أنت مش راجل أو على الأقل فى نظرى أنا.....
شعر بقنبلة نارية تنفجر فى صدره وعقد حاجبيه بغضب شديد يجتاحه بسبب كلماتها المُهينة لها فرفع يده لكي يلطمها على وجهها لكنه توقف رافعًا يده للأعلي بضيق شديد وكأن قلبه لا يطاوعه في صفعها، ظل ينظر إلي عينيها وهى أمامه لا تخشاه ولم يرمش لها جفنًا، استوقفه صوت اخاه الأكبر قادمًا من الخلف يقول بحزم شديد:-
-يــونـــس
رمقته "قدر" بضيق شديد من فعلته ثم مرت من أمامه مُنصرفة، التف لأخاه يقول:-
-مش تخبط قبل ما تدخل
اقترب "أنس" منه بضيق شديد وقال:-
-ويا تري كنت ناوي تضرب مراتك عشان خاطر عشقيتك، أنت أيه اللى جرالك يا يونس من يوم ما غزل ظهرت فى حياتك وأنت حالك أتشقلب
تأفف "يونس" بضيق شديد وأرخي رابطة عنقه بأختناق ثم قال:-
-غزل مالهاش علاقة بالأمر، أنا بتكلم عن لبسها الضيقة ليه كل حاجة تدخلوا غزل فى الموضوع وهي أطيب مما تتخليوا
تبسم "أنس" بسخرية ووضع يديه الاثنين فى جيوب بنطلونه ثم قال بتهكم:-
-والله، حرام ظلمناها معاك، عارف يا يونس مشكلتك ايه؟ مشكلتك أنك عايز قدر ورافض تبعدها عنك وفى نفس الوقت بتحب غزل ومتقدرش تسيبها عشان خاطر مراتك اللى هى أصلا لسه عروسة جديدة بس واضح أنك مش واخد بالك أنك متجوز من أسبوعين اتنين وبتخون مراتك عادي بكل بجاحة، عجباك شخصية قدر القوية اللى بتتحداك وواقفة قصادك ومش قادر تستغني عن شخصية غزل البريئة الضعيفة، مشكلتك أنك عايز كل حاجة وفاكر أن فى حد بيأخد كل حاجة بس نصيحة منى متتغرش لأن بطريقنك دى أنت. الوحيد اللى هتخسر
تبسم "يونس" بغرور شديد والتف لكي يجلس على المقعد ووضع قدم على الأخر دون ان يهتم لوجود اخاه الأكبر ثم قال بكبرياء:-
-أنت بس عشان متعرفتش على غزل ولا شوفت جمالها وأزاى بتسحرك بطريقتها وروحها الحلوة، ومدخلتش شجار ونقاش مع قدر عشان تعشق جرائتها وعنادها، ولا بصت فى عيناها الخضراء دول سحر لوحدهم، وزى ما أنت قولت أنا مقدرش أبعد عن واحدة فيهم وأنا ضعيف من غير قوة قدر ويتيم من غير حنية غزل وقلبها الطيبة، أنا جزء منى لقدر والجزء الثاني لغزل، أنا عاشق لقدر ومسحور بغزل...
تأفف “أنس” بضيق شديد ثم قال بأختناق:-
-أنت مش طبيعي حرفيًا مش طبيعي
غادر “أنس” الغرفة غاضبًا لتنهد “يونس” بغيظ شديد من هذه الفتاة وهو لا يبالي بحديثهما عن عشيقته، وقف من مكانه وأعتدل قليلًا يهندم ملابسه وقال:-
-ماشي يا قدر
خرج من غرفته ونزل للأسفل وكانت “قدر” تجلس بالسيارة مع “أنس” فى أنتظاره ليصعد معهم وينطلق ثلاثتهم إلى حيث الحفل، نظرت “قدر” إلى النافذة بضيق شديد وقلبها مفطورًا من الألم والوجع وكيف لامرأة أن تقبل أن تُشاركها أخرى فى زوجها الذي تعشقه، مُنذ أن تزوجت به من أيام وهو يخونها فماذا سيفعل بعد سنوات من الزواج، يتحدث عن حُبه إليها رغم خيانته لا تعلم أى رجل هو يُحب امراتين فى آن واحدًا ولا يستطيع التنازل عن أى منهن، كان “يونس” يتابعها بنظراته فى المرآة مهوسًا بها وبعشقها حتى أنه لا يستطيع أن يشيح نظره بعيدًَا عنها، توقفت السيارة أمام أحد الفنادق وترجل “أنس” أولًا ثم “يونس” وفتح باب السيارة الخلفي إليها ليأخذها فى يده بأحكام حتى لا تتأذي من هجوم الصحافة عليهم وسار بها للداخل وهو يحيطها بذراعيه مما أربك “قدر” أكثر لا تعلم أن تعشق تصرفاته أم تخشاها فكل مرة يعاملها بلطف يرد لها الفعل القادم بقسوة تفتت قلبها وضلوعها الصلبة، أنشغل الجميع فى الترحيب وكان “يونس” واقفًا جوارها ويتحدث ببسمة مع الضيف حتى رأى “غزل” تقف على باب القاعة فأعتذر منهم قليلًا وقال:-
-خمسة وجايلك
أومأت إليه بنعم وذهب مُسرعًا إلى الخارج باحثًا عن “غزل” حتى رأها تدخل إلى غرفة فتبسم بعفوية وحماس إليها وذهب خلفها، أغلق باب الغرفة ليراها تجلس على المكتب بغرور وقالت:-
-برضو جيت معها
أقترب منها بحب وهو يطوقها بذراعيه قائلًا:-
-وحشتينى
أبعدته عنها بقوة غاضبة من ظهوره بصحبة زوجته والغيرة تقتل قلبها ثم قالت:-
-مش هتضحك عليا بالكلمتين دول، على فكرة بقى مراتك مش حلوة للقدر دا
نظر إليها بغضب سافر وقال بنبرة حادة:-
-غزل، كام مرة قولتلك مالكيش دعوة بقدر، وجمالها يخصني أنا لوحدي وحُبي ليكى له نوع تانى خالص مفيش لا قبلك ولا بعدك
قوست شفتيها للأسفل بحزن شديد ونظرت بعيدًا مُتجاهلة النظر إليه ليقول بعفوية:-
-والله بحبك وما حبتش حد غيرك ولا حتى قدر
أتلفت إليه مُبتسمة ليكمل حديثه قائلًا:-
-لكنى مقدرش أبعد عنها ودا واضح وإحنا متفقين عليه
تأففت بأختناق سافر ثم مسكت لياقة ملابسه وقالت بانفعال:-
-يبقي أنت اللى أخترت أنا قولتلك مليون مرة أنك ليا لوحدي أنا وبس
دفعته بقوة بعيدًا وهربت من أمامه ليتأفف بضيق غاضبًا من هروبها..
___________________
تقدمت “فلك” فتاة عشرينية ترتدي بدلة رسمية نسائية إلى المكتب تحمل ملفها المهنية من أجل التقديم لوظيفة ثم دخلت للمكتب فسألتها مديرة الموارد البشرية قائلة:-
-شايفة نفسك فين بعد خمس سنين؟
تنهدت “فلك “ بضيق من هذا السؤال الروتينى فى كل مقابلة ثم قالت:-
-مكان حضرتك ممكن
تبسمت المديرة ليقاطعها صوت رنين الهاتف فأخذت هاتفها ووقفت من مكانها لتتحدث بالهاتف وظلت “فلك” ترمقها بملل وهى تتحدث بالهاتف أكثر من نصف ساعة لتشعر بملل شديد، أخذت ملفها من فوق المكتب وغادرت المكان دون أن تستأذن بأختناق شديد وغادرت الشركة تمام بعد أن صعدت فى سيارتها الصفراء لتسير بالطريق وبداخلها بركة من الغضب الناري وتُتمتم باللعن على هذه الشركة ومعاملة مؤظفيها، ضغطت على المكابح فجأةً عندما ظهر أمامها رجل فصرخت بخوف شديد من أن تدهس هذا الرجل، ترجلت من سيارتها بهلع شديد وهى تقول:-
-أنت كويس؟
تتطلع “أنس” بها بهدوء بعد أن رأى أن السائق فتاة، بزوج من العيون العسلية الذهبية تحت أشعة الشمس وحجاب وردي فقال:-
-كويس، محصلش حاجة
تنهدت “فلك” بأرتياح شديد وهى تتكأ بذراعها على السيارة قائلة:-
-طب الحمد لله
نظر “أنس” إليها وكانت تحمل شارة حول عنقها تحمل أسمها وشعار الشركة التى ذهبت إليها فقال بذهول:-
-أنتِ بتشتغلى فى شركة أن أي
أجابته بتذمر شديد وهى تنزع الشارة عن عنقها بغضب سافر قائلة:-
-لا كنت بقدم ومعجبتنيش رغم مكانتها، المعاملة سيئة جدًا
أومأ إليها بنعم ثم أخرج بطاقته وقدمها إليها ثم قال بلطف:-
-دا عنوان مكتبي إحنا محتاجين مؤظفين، بس هى مش بمكانة أن أى طبعًا إحنا لسه بنبدأ بس أن شاء الله نعديها
أخذت البطاقة منه بتردد ثم قالت:-
-أن شاء الله يا أستاذ أنس
صعدت لسيارتها وهى تلقي بالبطاقة فى المقعد الخلفي بأهمال دون أن تهتم للعمل بشركة مبتدئة وأنطلقت ليبتسم “أنس” بعفوية ويعبر الطريق ودخل للفندق، دخل ليرى “قدر” تبحث عن “يونس” فسأل بقلق:-
-على فين؟
أجابته بضيق شديد قائلة:-
-أخوك رمينى هنا ومختفي
ذهب ليبحث عن أخاه ولم يجد له أثر فذهب إلى غرفة الكاميرات يبحث عنه وصُدم هو و”قدر” عندما رأوا “يونس” ينظر إلى الحائط ويتحدث مطولًا ويرفع يده يلمس الهواء فقالت “قدر” بخوف شديد:-
-أخوك بيكلم مين؟
نظر “ أنس” إلى “قدر” بقلق وخرج من الغرفة بفزع شديد ثم ذهب إلى حيث “يونس” وولج للغرفة وقال بغضب مُنفعلًا:-
-أنت بتكلم مين؟
ألتف “يونس” إليه وقال:-
-وأنت مالك؟
مسكه “أنس” من لياقته بغضب شديد وكاد أن يفقد أعصابه علي أخاه وقال:-
-كنت بتكلم مين هنا؟ أنت مجنون بتكلم نفسك؟
دفع “يونس” يده بقوة وهو يقول:-
-أكيد لا طبعًا أنا كنت مع غزل وهى مشيت
جذبه “أنس” من يده بقوة للخارج وغادر، دلفت إلى غرفة المراقبة وأعاد شريط الكاميرات مرة أخرى ليُصدم “يونس” عندما رأى نفسه وحده ولا أثر لـ “غزل” فلم يصدق هذه الصدمة وحقيقة أن “غزل” مجرد وهم فى عقله الباطن ليسقط فاقدًا للوعيفصرخت “قدر” بهلع شديد خوفًا عليه، أخذته مع “أنس” إلى المستشفى وبعد أن فحصه الطبيب، جلست “قدر” بجوار “أنس” وقالت:-
-أنت مخبي عني أيه؟
لم يجيب عليها فقالت بضيق شديد:-
-أنت لسه هتخبيء عني ، انا مراته وخلاص أتجوزته
تنهد بحيرة شديدة وقال:-
-يونس كان بيحب واحدة من خمس سنين وعمل حادثة عربية وهم راجعين من سهرة هى ويونس وأتوفيت لكن يونس لما فاق مستحملش الخبر من شدة حبه ليها ودخل فى حالة اكتئاب شديد لكن مع مرور الأيام وأفتقاده ليها بدأ يشوفها ويقول أنه شايفها وعايش معها ويكلمها وأتضح أنها مجرد وهم وهو بس اللى بيشوفها ويسمعها لكنه مش مدرك تمامًا أنها وهم هو كان مقتنع تمامًا 100% أنها حقيقية ومماتش وبدأ يتعالج وفعل حصل، قعدت تقريبًا حوالى سنة كاملة فى العلاج النفسي ولما أدرك أنها وهم دخل فى غيبوبة وفاق منها فاقد الذاكرة ونسياها تمامًا ولا كأنها دخلت حياته
كانت “قدر” تستمع بأندهاش شديد عن زوجها ومرضه النفسي بحبيبته لا تعلم أتفرح أن “غزل” عشيقته مجرد وهم ولم يخونها أبدًا مع امراة أخرى أم تحزن لكونه مريضًا نفسيًا، أى حياة تعيسة كانت تنتظرها بعد ظهور “يونس” فى حياتها، دلفت للغرفة الموجود بها وجلست جوارها وفكرة فقده للذاكرة أرعبتها هل سيفوق الآن فاقدها هى ولم يتذكر زواجهم رغم أيامه البائسة فأخذت يده فى يدها بلطف :-
-يونس
ربتت على يده بحنان وقالت:-
-أنا مستنياك
أتاها صوته بعبوس قائلًا:-
-أنا قولتلك أنى مش هسيبك
ضحكت رغم دموعها التى تساقطت على وجنتيها فقالت بحب:-
-أحسنت، شاطر يا يونس، أنا قدر
تبسم بعفوية وهو يحدق بها بلطف وقال:-
-هو أنس قالك أيه بالظبط عشان تخافي كدة، أنا فاكرك يا قدر ومقدرش أنساكي
رفعت يدها بلطف تجفف دموعها بأناملها النحيفة ثم قالت بعبوس:-
-خوفتني عليك
نظر إليها بدهشة ولم يكن مذهولًا كثيرًا فهو مُدرك تمامًا بأن “قدر” تعشقه وتكن الحُب له ليقول بحب:-
-سلامتك من الخوف يا حبيبتى
ظلت مُتشبثة بيده بضعف وكأنها هى الطير ذو الجناح المكسور وليس هو، بهذه اللحظة كانت “قدر” هى المُرتعبة أكثر منه، كادت أن تتحدث لكن أتاه صوت “غزل” من الخلف تقول مُقلدة له:-
سلامتك من الخوف يا حبيبتى
نظر إليها بصدمة ألجمته من وجودها أمامه لتتسلل يديه من قبضة “قدر” بخوف من أن تغضب “غزل” منه وتهجره، نظرت “قدر” إلى يدها الفارغة بعد ان أخذ يده منها ودمعت عينيها بيأس....
يتبــــــــــــــع........ #مرايا_الحب
"" الفصل الثاني (2) ""
____ بعنــــــوان " لقـــــاء" ____
تنهد “يونس” بحيرة شديد وهو يراها أمامه ما زال لا يصدق بأن هذه الفتاة مجرد وهم فى عقله، لا يصدق بأن كل هذا كابوس لا يعيش به سواه؟ بينما “قدر” كانت جالسة جواره تتابع نظراته الصامتة للأمام وشروده بعد أن جذب يده من يديها فجأةً وكأن لم يحدث شيء وما زال يرغب بوجود “غزل” فى حياته واستكمال الوهم دون أن يتوارى عن عقله المتصلب وقلبه الحجري..
_____________________
وصلت “فلك” لمنزلها ودخلت بعد تعب يوم طويل فى البحث عن عمل جديد، استقبلتها زوجة أخيها الأكبر “سحر” تخرج من المطبخ تحمل بيدها طبق من الفشار وفور رؤيتها إلى “فلك” قالت بشجن:-
-حمد الله على السلامة يا فلتة
نظرت “فلك” لها بضيق وحياتها تتحول للجحيم فور دخولها للمنزل بسبب زوجة أخاها التى تشبه الحية التى نشرت سمها بالمنزل بعد زواجها من “فارس” أخاها، أجابتها “فلك” بهدوء يطغي عليه البرود الشديد قائلة:-
-الله يسلمك
دلفت لغرفتها على الفور وبدلت ملابسها وجلست على المقعد أمام المرآة تضع المرطب على وجهها حتى فتح باب الغرفة ودلف “فارس” للغرفة ليحدق بأختها بأشمئزاز وقال بأختناق شديد:-
-ساعتك كام يا هانم؟
تنهدت بهدوء شديد وهى تعلم أن شجارهم على حافة البدء ثم قالت بضيق:-
-11 يا فارس هتفرق معاك
أقترب خطوة منها وهو يقول بضيق شديد من ردها الحاد عليه وقال بضيق:-
-وهو فى بنت محترمة متربية ترجع بيتها الساعة 11
تركت من يدها عبوة المرطب ثم وقفت من مكانها وقالت:-
-أنا اكتر واحد عارف أنى محترمة ومتربية يا فارس لأنى تربيتك وتقريبًا دى الحسنة الوحيدة اللى عملتها فى حياتك أنك ربتنى صح
أتاها صوت “سحر” من خلفه وهى تقف على باب الغرفة وتقول:-
-هو خايف عليكى يا فلتة زمانك مش أكتر
تأففت “فلك” بضيق شديد من تدخلها فى الحوار وحضورها لغرفتها ثم قالت بضيق:-
-أنا بكلم فارس متدخلش ولو على تأخرى برا فأنا من الصبح بلف على رجلى بدور على شغل جديد بدل اللى سبته بسببك ولا ناسي أنى أطردت من شغلى بسبب تفكيرك وسم مراتك اللى خلتك تشك أنى على علاقة بواحد
صاح بها بأنفعال شديد وهو يقول:-
-معلون الشغل
تبسمت بسخرية شديدة على كلمته ونظرت إليه هو وزوجته ثم قالت:-
-ومين هيصرف عليا ويتكلف بيا أنت ولا مراتك اللى بدفعنى نص مصاريف البيت مع أنى فرد واحد وأنتوا أتنين ومع ذلك مبعرضش وياترى مين هيدفع أقساط العربية وعلاج القلب بتاعى هتجبهولي ولا هتسبنى أموت أحسن، قبل ما تلعن الشغل وتعاتبنى شوف هتقدر تتكلف بيا ولا لا
نظرت لهما الاثنين ثم قالت بخفوت:-
-معتقدش أنك حمل مصاريفي يا فارس فشغلي خط أحمر وبعد أذنكم بقي أنا عايزة أنام
تأفف “فارس” بضيق شديد ثم خرج من الغرفة، حدقت بها “سحر” ثم قالت وهى تمسك مقبض الباب بيدها:-
-بما أنك فاكرة أوى كدة متنسيش أنك بكرة 5 فى الشهر وأنا صبرت عليكى 5 أيام أهو وعايزة مصروف البيت ما هو أخوكي شغله على قده مش هيقطع نفسه يعنى
خرجت وأغلقت الباب لتجلس “فلك” على الفراش بحزن شديد وحياة التعيسة ملأ بالهموم لا تقل يومًا بل تزداد يومًا بعد يوم طالما تعيش مع هذه الحية مُنذ زواجها من أخيها من عامين وهى جعلت قلبه كالحجر على أخته الصغيرة بعد وفأة والديها وتركوها وحدها إليه أمانة خانها ولم يصنها أبدًا بسبب أختياره لهذه الحية شريكة حياته، دمعت عينيها بحزن شديد وشعرت بألم فى قلبها المريض لتفتح الدرج المجاور الموجود بالكمودينو وأخدت جرعة علاجتها وكانت الجرعة الأخيرة التى تملكها الآن فأستسلمت لهذه الحزن واليأس وألقت بجسدها على الفراش لتغرق بنومها العميق ربما تهرب من التفكير وقسوة الحاضر فى سبات نومها...
____________________
“” فيلا يونس النور “”
عقد يونس رابطة عنقه بأحكام وهو يقف أمام المرآة ثم خرج من غرفتها وهبط للأسفل وكانت “قدر” جالسة على السفرة تتناول الإفطار وبجوارها فنجان قهوتها ليقول:-
-صباح الخير
أجابته ببرود وعينيها لا تفارق الجهاز اللوحي “ التابلت” الخاص بها تتابع حالات مرضاها قائلة:-
-صباح النور
جلس “يونس” على المقعد المخصص له وبدأ فى تناول الطعام وهو يراقبها بعينيها وهى لا تكترث له ولا لوجوده فقال بأختناق من يبرودها وتجاهلها له:-
-مرضاكي أهم منى لدرجة دى
رفعت نظرها على الجهاز اللوحى بعد أن أغلقته وتركته على السفرة وقالت:-
-بشوف جدولى النهار دا وهتأخر ولا لا، أنت هتتأخر
أجابها وهو يمسح فمه بالمنشفة الصغيرة بعد أن أنهى إفطاره قائلًا:-
-معرفش لما تهتمي هتعرفي
وقف بضيق شديد من برودها الذي يشبه جبل ثلجي واقفًا أمامه بل قلب ينبض أو يشعر وغادر المنزل لتتأفف “قدر” بضيق مما ألت إليه الأمور بينهما وحياتهما البائسة وهم لم يكمل شهرًا واحدًا فى زواجهما، صعد “يونس” إلى سيارته وأنطلق بها وهو يتصل بـ “أنس” فقال:-
-فى الطريق يا أنس أهو
أتاه صوت “أنس” بأختناق شديد من تأخر أخاها على موعد العمل ليقول:-
-بسرعة يا يونس ولا ناسي أن ألنهار دا موعد الأنترفيو وأختيار المؤظفين
أجابه “يونس” ببرود شديد قائلًا:-
-حاضر على طول أهو
___________________
وضعت “فلك” كارت الفيزا الخاص بها فى ماكينة السحب لكنها وجدتها تجاوزت الحد بعد أن خُصم قسط السيارة الشهرى منها فخرجت من فرع البنك بأختناق وحيرة شديد لا تعلم ماذا تفعل بشأن علاجها الذي يجب أن تشتريه اليوم؟ وزوجة أخاها التى تطلب مصروف البيت اليوم من أين ستعطيها أياه؟ صعدت لسيارتها بضيق شديد من هذه الأزمة وكل الفضل بها لـ “فارس” الذي تسبب فى فصلها من عملها، نظرت إلى خاتمها الذهبي الموجود بوسطها ودمعت عينيها بحزن شديد ثم أنطلقت لأقرب محل مجوهرات وقامت ببيع الخاتم ثم أنطلقت إلى أقرب صيدلية لتشترى علاجها وخرجت تجلس بسيارتها مكانها الوحيدة الذي تملكه وتفعل به ما تريد دون أى قيود وذهبت إلى أحد الشوارع الهادئة وأنفجرت باكية داخل سيارتها بحزن وكأن البكاء داخل منزلها وغرفتها مراقبة ولا ترغب بأظهار ضعفها أمام “سحر” وبعد نوبة طويلة من البكاء لمعت عينيها بدموعها الحارة على ورقة موجودة بأرضية السيارة أنحنت لتجلبها وكان بطاقة عمل “أنس” ترددت كثيرًا فى الذهاب لكن لا مجال سوى شركته الصغيرة، نظرت فى المرآة وجففت دموعها بالمناديل وهدأت من روعتها ثم أغلقت قبضتها بأحكام وهو تقول:-
-أتشجعي يا فلك أزمة وهتعدي وأنتِ قدها
ألقت بالعلاج فى المقعد المجاور دون أن تأخذ جرعتها من العلاج ثم أنطلقت بسيارتها بحماس ربما تنتهى أزمتها وتعود حياتها لهدوءها المعتاد..
_____________________
“شركة واى أي”
أنهي “يونس” تقييم المتقدمين للعمل وأختر منها فريق العمل كاملًا وذهب إلى المكتب المجاور حيث مكتب “أنس” وقال وهو يضع الملف أمامه:-
-أنا اخترت دول
أومأ “أنس” له بنعم دوم مناقشة فأخاه جيد جدًا فى عمله على خلاف حياته الشخصية المليئة بالأزمات وقال بحماس:-
-وأنا مش هراجع وراك، أتفقت معهم على العقود ولا لسه؟
أومأ “يونس” له بنعم وهو يخرج سيجارته من عبوتها وقداحته ثم وضعها بين شفتيه وأشعلها ثم قال:-
-اه متقلقش من بكرة هيبدأوا شغل ممكن متستقبلش متقدمين تاني إحنا خلاص كدة
تبسم ”أنس" بسعادة على ماهرة أخاه وقال:-
-أنا متفائل بشركتنا وأنها هتبقي رقم واحد فى الدعاية والأعلان
وقف “يونس” من مكانه بهدوء ولا أثر للحماس أو السعادة على وجهه وقال:-
-أنا رايح أشرب قهوة فى الكافتيريا
سار نحو الباب ليستوقفه سؤال ”أنس" بنبرة قلق وحيرة:-
-قدر كويسة معاك؟
أجابه دون أن يستدير له ببرود شديد:-
-بكرة لما تتجوز هتعرف لوحدك
غادر المكتب بضيق شديد وهو ينفث دخان سيجارته بينما تطلع “انس” بقلق شديد على أخاه ومجرد وهم دمر الكثير من حياته وجعل حياته مع زوجته على حافة الأنهيار التام، وصلت “فلك” للبناية الموجود بها الشركة بالطابق السابع فتنهدت بتوتر شديد لكنها أصطنعت الشجاعة والصمود ودخلت المبنى مُتجهة إلى المصعد وضغطت على رقم سبعة وهى مُغمضة العينين بسبب كرهها للمصاعد حتى فُتح الباب وخرجت مُسرعة من هذا المصعد وكانت الشركة فارغة لا يوجد بها أحد حتى قابلها رجل الأمن يأتى من الخارج فقالت بحرج:-
-ممكن أقابل أستاذ أنس
وأعطته البطاقة التى حصلت عليها منه ليأخذها إلى مكتب “أنس” طرقت الباب الزجاجي بلطف ليرفع “أنس” رأسه نحو الباب فرأها تقف هناك ليبتسم بلطف وهو يشير إليها بأن تدخل، دلفت "فلك" إلى مكتب "أنس" بخطوات هادئة وعيون ثابتة على مكتبه المقابل للباب تحمل فى يدها ملف ورقي خاص ببياناتها الشخصية، تبسم "أنس" فور رؤيتها وهو يتذاكر ملامح وجهها جيدًا لتبتسم مثله وهى تجلس أمامه فقال بلطف:-
-نورتي مكتبي المتواضع
ارتبكت "فلك" قليلًا من لطفه الغير معتادة فى مقابلات العمل الرسمية الغليظة وقالت:-
-قولت أجرب حظي
-وأن شاء الله حظك يكون خير عندنا يا..
تنحنحت بتوتر شديد ثم قالت:-
-فلك
تبسم أكثر على جمال أسمها النارد فلم يقابله من قبل وقال:-
-معاك شهادة أيه يا أنسة فلك؟
قالها بهدوء لتقدم له ملفها فتبسم بحيرة من قبولها أو رفضها وهذا الشيء يرجع لـ “يونس” فقط فأخذ منها الملف يتطلع به، عم الصمت الغرفة بينهم وفقط عينيها تراقبه وهو يقرأ بياناتها وبداخلها تتنمى ان تحصل على وظيفة هنا حتى تنهى أزمتها المالية، اندهاش "أنس" من خبراتها وشهاداتها ليقول بلطف:-
-ما شاء الله أنتِ خريجة تجارة أنجلش
أومأت إليه بنعم، تردد “أنس” كثيرًا قبل أن يلفظ بكلماته ثم قال بحماس شديد:-
-دا العقد بتاعنا بصي عليه لحد ما أنادي على باشمهندس يونس
أعطاها العقد ثم خرج من مكتبه متجه إلى الكافتيريا وكان “يونس” جالسًا هناك بصحبة فنجان قهوته الذي يعشقه فدومًا يرتشف قهوته وحده وكأنه عاشقًا إليها ولا يسمح لأحد بمشاركته عشقها وقال:-
-يونس تعال
رفع “يونس” عينيه إلى أخاه وكان الحماس يحتل ملامحه ونبرته الحادة تحولت للطف فقال بدهشة من هذا التغير:-
-فى أيه؟
أخذه “أنس” من يده وسار معه إلى المكتب وهو يقول:-
-معلش أنا عارف أن مينفعش أتخطي حدودى ولا أدخل فى سلطتك فى الشركة بس المرة دى أستثناء
تطلع “يونس” بأخاه بدهشة ثم ألقي بسيجارته يطفأها وقال:-
-فى أيه؟
-بنت بتقدم على شغل وأنا عايزها
عقد “يونس” حاجبيه بأختناق شديد وهو يقول بحدة:-
-بس أنا قولتلك أن فريق العمل جاهز
وقف “أنس” أمامه بهدوء وقال:-
-دى بس يا يونس ومتنساش أنى مدير الشركة دى
وضع “يونس” يديه فى جيوب بنطلونه بغرور شديد ثم قال:-
-لا منستش وعارف أنى مجرد شريك ب40% لكن أنا مبوظفش حد بالواسطة وما دام الهانم جاية بالواسطة تبقي فاشلة فة شغلها فشل كلي ومعتمدة على واسطتك أعتماد كلي وأنا مش هوظفيها من غير ما أقابلها، أنا فريق عملي كامل يا أنس
كاد “أنس” أن يتحدث لكن قاطعه صوت “فلك” من الجهة الأخرى بعد أن سمعت حديثه وكلماته القاسية التى لا تمت لها بصلة تقول:-
-وأنا مش عايزة أشتغل عندك لأانى مش فاشلة لدرجة تخلينى أجازف بمستقبلي وكل اللى بنيته فى حياتى المهنية عشان أقدم فى شركة لسه متعرفش هى هتنجح ولا هتفشل لكن بما أنك صاحبها أبشر أنها هتفشل
ألتف “يونس” ليتطلع بهذه الفتاة التى تُحدثه بتحدي وشجاعة وصوتها كزقزقة العصفور الناعم الذي يتسرب داخلك رغمًا عنك وكانت فتاة جميلة جمالًا طبيعيًا خُلقت به، تملك عيني عسليتين وبشرة متوسطة البياض خالية من مساحيق التجميل وترتدي حجابها الأسود وبنطلون أسود فضفاض وقميص نسائي أحمر اللون وتحمل بيدها ورقها الذي قدمته لأنس من قليل، غادرت فور أنهاء كلماتها فتأفف “أنس” بضيق من أخاه وقال:-
-يا رب تكون ارتاحت
غادر “يونس” الشركة بضيق وهاتفه يدق برقم “قدر” فأجابها بهدوء قائلًا:-
-نعم
تنحنحت “قدر” بهدوء ثم قالت:-
-ممكن نتغدا النهاردة سوا ولا عندك شغل
وصل “يونس” أمام المصعد ليرى “فلك” هناك بأنتظار قدوم المصعد فوقف جوارها دون أن يكترث لها وقال:-
-ماشي هعدي عليكى يا قدر، أنا خارج من الشركة دلوقت
كانت “فلك” تحاول كبح حزنها ووجعها بعد أن فشلت فى الحصول على عمل وعادت لدوامة الصراع الموجود بحياتها فشعرت بأختناق شديد فى صدرها، فتح باب المصعد ودلفت أولًا ليدخل “يونس” وهو يُحدث زوجته بالهاتف، رفعت “فلك” كم قميصها خلسًا وهى تقف خلفه لتتطلع بساعة يدها وكانت نبضات قلبه تنخفض لتتذكر دوائها والجرعة التى لم تأخذها لتشعر بالخوف الشديد من أن تفقد وعيها بالشارع فأغمض عينيها بخوف وهى تتشبث بمعصمها وتمتمت بخفوت شديد:-
-اهدئي يا فلك.. أهدئي وأستحملي ثواني
سمع “يونس” تمتمتها التى لم يفهم فألتف إليها ليراها مُغمضة العينين وتتكأ على المصعد بضعف فعاد بنظره للأمام بينما يقول:-
-لما قرب عليكى هكلمك يا حبيبتى
أومأت “قدر” له بلطف ثم قالت:-
-ماشي متتأخرش أنا حجزت المطعم اللى بتحبه
أومأ إليها بنعم وأنهى مكالمتهم مع توقف المصعد ثم خرج تاركًا “فلك” بداخله لتخرج هى الأخرى مُسرعة بعد أن سقط من يدها ملفها الشخصية وأسرعت بخطواتها نحو سيارتها لتحاول فتحها فسقطت المفتاح من يدها أرضًا بسبب رؤيتها المشوشة، أنحنت قليلًا لتجلبه لكنها رأت يد تمسك مفتاحها وكان “يونس” تتطلع بوجهها الذي يتعرق بشدة ويديها التى ترتجف وقال:-
-أنتِ كويسة؟
مدت يدها المرتجفة له كى يعطيها المفتاح، فتح لها باب السيارة لتجلس بها دون أن تهتم لأخذ المفتاح منه وأخذت جرعة علاجها سريعًا لتتنفس الصعداء بأرتياح وأغمض عينيها حتى تهدأ من روعتها وهو فقط يراقبها ولا يعلم شيء سوى كونها مريضة، ظل هكذا لدقائق معدودة ثم قالت بجدية:-
-ممكن المفتاح؟
أعطاه لها لتغلق الباب وتنطلق دون أن تهتم لحالتها الصحية، خرج رجل الأمن المسئول عن المنبي ليعطيه الملف وهو يقول:-
-الملف دا وقع من جنابك
أخذه “يونس” وتتطلع بصورتها وأسمها “فلك” ليأخذه منه وأنطلق خلفها بسيارته كى يعطيها الملف، رأي سيارتها أمامها وهى تسير بأنتظام فضغط على بواق السيارة كى ينبهها بوجوده خلفها، شعرت “فلك” بتعب شديد يزيد وأختناق فى صدرها قوي حتى أنه جعل تنفسها يصعب أكثر وكأنها على وشك الأختناق فبدأت رؤيتها تشوش أكثر وأكثر وبدون إدراك زادت من سرعة سيارتها مما جعل “يونس” يعتقد بأنها لا ترغب بالتحدث إليه فزاد من سرعته هو الأخر، كاد أن تفقد وعيها وهى لا تشعر بشيء سوى ألم صدرها لتترك المقودة وتضع يديها على صدرها ولا تتحمل ألمه والغصات المصحبة بداخله مما جعل قيادتها غير متزانة ليسرع “يونس” وهو يتخطي سيارتها فرأها من النافذة ورأسها تسقط على المقودة فاقدة للوعيليسرع بسيارته ويقف أمامها لتصطدم بسيارته وتتوقف السيارة، جرحت جبينه من الأصطدام لكنه تجاهل هذا وترجل من السيارة مُسرعة وفتح باب سيارتها ليسقط جسدها فتشبث بها “يونس” فسقطت بين ذراعيه، أخذها للمستشفي الأقرب وكان هاتفه بالسيارة لم يتوقف عن الرنين من زوجته التى أوشكت على نفاد صبرها عليه، فحصها الطبيب و”يونس” يراقبه فى صمت فقال الطبيب:-
-بقالك كام يوم قاطعه العلاج
أجابته “فلك” بتردد من أخباره بأهمالها فى علاجها رغم معرفتها بحالتها قائلة:-
-بقالي أسبوعين مش منتظمة عليه يعنى بيأخده لما اتعب بس
تطلع الطبيب بها وكان رجل فى عمر والدها المتوفي وقال:-
-ومن أمتى مرضي القلب بيهمله علاجهم، أنتِ عارفة كويس أننا بنأخد علاجنا عشان منضطرش للتداخل الجراحي
أومأت إليه بنعم وقالت:-
-أنا أسفة
ألتف “يونس” إليها بدهشة وهى تعتذر للطبيب رغم ان الأحق بهذا الأعتذار قلبها المرضي الذي تهمله وكانت عينيها دامعة بضعف، أهذا الضعف هو جعل اخاه الأكبر يرغب بها ويريدها ليكون قوتها، أجابها الطبيب قائلًا:-
-أعتذارى لنفسك لأنك أهملتيها يا بنتى وأنتِ لسه شابة وصغيرة صدقنى تداخل جراحي أصعب بكثير من جرعة علاج بتأخديها
أومأت إليه بنعم ثم غادر الطبيب، ترجلت “فلك” من الفراش بتعب لكنها تقاوم فهى خٌلقت لتعافر وتقاوم الحياة والمرضي فرغم امتلكها أخ أكبر لكنها وحيدة بهذا العالم، ولا يجب أن تتكأ على أحد سواها، خرجت من المستشفي وهو يسير خلفها لترى سيارته التي صدمتها وألتف إليه بحرج ثم قالت:-
-أنا أسفة، أنا مستعدة أدفعلك تمن تصليح العربية والمبلغ اللى دفعته فى المستشفي بس فى الحقيقة مش دلوقت
نزعت قلادتها بعيني دامعة ثم قالت:-
-ممكن تخلي السلسلة دى معاك فترة بس متبعهاش لأنها أخر حاجة من والدتي رحمها الله ولما أدفعلك المبلغ ترجعهالي
تتطلع “يونس” بقلادتها وكم هى عزيزة عليها لكنها تعطياها له الآن مما يعنى أن حالتها المادية فى أسوا حالة ليأخذها “يونس” وهو يقول:-
-مش هيبعها
ذهب “يونس” ويده تعانق قلادتها بقوة وهو لا يعلم لما أخذها وهو يملك المال الكافي لتصليح سيارته لكنه أخذها بصدر رحب وصعد لسيارته وفور أنطلاقه ظهرت “غزل” بالمقعد المجاور وهى تقول:-
-عجبتك؟
نظر “يونس” إليها بدهشة من غيابها كل هذه المدة وقال:-
-كنتِ فين كل دا؟ وجاية تعاتبني وتحاسبنى انا حر فى تصرفاتي يا غزل
صاحت “غزل” بغضب شديد قائلة:-
-لا أنت مش حر يا يونس، وأنت عمرك ما هتكون لحد غيرى ولا قدر ولا أى أنثي على وجه الأرض
تبسم “يونس” بسخرية شديدة ثم قال:-
-دا بأمارة أيه؟ أنك بتختفى وتغيبنى عنى بمزاجك وعايزانى أفضل قاعد هنا مستنيكي دا أنا بدأت أشك أنك بتحبنى أصلًا
ألتفت “غزل” إليه بضيق شديد وهى تقول:-
-أنا بحبك وأنت عارف كدة كويس
نظر “يونس” إليها بغرور شديد وقال:-
-لا مش عارف
تبسمت “غزل” بدلال شديد وهى تنظر إليه ثم قالت:-
-لا عارف يا يونس، عارف أنى بحبك زى ما أنت عارف أنك عمرك ما هتكون لحد غيرى
تبسم “يونس” بسخرية غاضبًا منها بسبب أختفائها كل هذه الفترة عنه وقال ببرود شديد يثير غضبها كما فعلت به:-
-بأمارة أنى رايح أتعشي مع قدر دلوقت مش كدة
أستشاطت “غزل” غيظًا وغضبًا من حديثه وكأن غرضه من هذه الجملة نجح وقد أثار غضبها وجعلها تلتهب كالجمر كما تفعل به لتقول:-
-بعينيك يا يونس تروح لها...
كانت “قدر” جالسة بمكتبها فى المستشفي غاضبة من تأخره عنها وقد تحول الغداء لعشاء وهو لم يأتي بعد وكلما حاولت إصلاح حياتها يدمرها “يونس” بتصرفاته، نظرت لساعتها وكانت العاشرة مساءًا بعد أن كان أتفقاهما على اللقاء فى الرابعة عصرًا لتمع عينيها بحزن وهو من تنازلت عن غرورها وكبرياء الأنثي الموجود بداخلها لأجله لتجمع أغراضها وتعود لمنزلها حزينة وغاضبة كبركان ملتهب بداخلها، لم تجد له أثر فى المنزل لتدرك شيء واحدًا أن زوجها العزيز بكل تأكيد بصحبة مرأة أخرى فهذه عاداته ولن يغيرها أبدًا ولن تنحج فى إصلاح حاله نهائي فنجاسته تغلبه دومًا فحسمت أمرها بالرحيل عنه فقد فاض بها كل شيء ولن تتحمل أكثر من ذلك، بدأت “قدر” فى جمع ملابسها وأغراضها فى حقيبة السفر من أجل المغادرة وبعد أن أنتهت كتبت له ورقة بكلمة واحدة ووضعتها على المرآة لتغادر قبل أن يأتى وكانت الساعة الثانية عشر منتصف الليل، عاد “يونس” بعد مغادرتها وهو على يقين بأنها غاضبة منه وستشاجره لكنه وجد ما لا يصدق ولم يتوقعه أبدًا من “قدر” تلك الفتاة التى تعشقه بجنونه وتدرك تمامًا كم هو يعشقها حتى فى تجاهله لها، كلمة واحدة منها صعقته وظل يتطلع بالمرآة كثيرة يقرأ كلمتها اكثر من عشرة مرات (طلقني)…....
يتبــــــــــــــــــــــــــــــع …...
#مرايا_الحب
الفصل الثالث
بعنوان " إشفــــــاق
"
أتسعت عينى "يونس" على مصراعيها وهو لا يصدق ما يراه وهذه الكلمة التى كتبتها بكل جراءة تطلب منه حريتها لتحلق بعيدًا عنه فى سماء أخرى خارج عالمه المُعتم، أغلق قبضته على الورقة بقوة أثناء مغادرته للغرفة بوجه غاضب كالثور الهائج، صعد سيارته بغضب شديد وأنطلق كالمجنون فى قيادته ذاهبًا إليها..
__________________
وصلت "فلك" إلى منزلها ودلفت بعد أن فتحت الباب بمفتاحها الخاص لتجد المنزل هادئًا لتبتسم بلطف قليلًا وتدخل غرفتها مُسرعة قبل أن يصل أخاها وزوجته من الخارج وتبدو نوبة الشجار والمشحنات، ألقت بحقيبتها على الفراش وأخذت حمام دافيء ثم اختبأت كطفل رضيع أسفل غطاءها بمنتصف فراشها وتبكي في صمت حتى شهقاتها لا تخرج من صدرها فقط دموع حارة تذرف على وسادتها حتى غفوت من نومها العميق بتعب شديد وهى لا تعرف ما ينتظرها بالغد أو إلى أين سينهي المطاف بها
__________________
وصل “يونس” على منزل والد “قدر” وفتحت الباب له الخادمة وكان والد “قدر” ينتظره بالصالون وكأنه يعلم بأن زوج ابنته سيأتي قبل أن تشرق الشمس ولن ينتظر الصبح، تحدث “محمود” بلهجة جادة شديدة الحذر قائلًا:-
-أقعد يا يونس
جلس “يونس” بغضب سافر مكبوح بداخله وقال بنبرة قوية:-
-عجبك عمايل بنتك دى؟
أتاه صوتها من الخلف بانفعال شديد تقول:-
-متعاتبش وتشتكي يا يونس، العتاب بينفع لما بيكون في أمل لفرصة تانية لكن إحنا مفيش بينا أملنا نرجع، أنا هطلق يعنى هطلق
وقف “يونس” من مكانه وألتف إليها بوجه عابس محترق كادت نيران غضبه أن تلتهمها بنظراته وقال:-
-أدينى سبب واحد للى حصل دا وتمسكك بالطلاق
أتسعت عيني “قدر” بلهفة وخوفًا عليه عندما رأت جبينه المجروح والكدمة التي اصابته من أصطدام السيارة فأقتربت إليه بلهفة مُتناسية غضبها وخصامها له لتتطلع بجيبنه ثمسألته بقلق:-
-أيه اللى عمل فيك كدة؟
تبسم والدها على قلق أبنته على زوجها وإذا كانت تنتفض رعبًا من القلق عليه فكيف ستهجره للأبد وتطالب بالرحيل بعيدًا عنه فقال بهدوء:-
-طيب أنا هسيبكم لوحدكم شوية يمكن ربنا يهديكم
غادر الغرفة ليمسكها “يونس” من ذراعها بقوة شديدة وهو يجذبها إليه بأنفعال مُتجاهلًَا سؤالها وقلقها فقال:-
-أنتِ فاكر أنك بعمايلك دى بتلوي ذراعي يا قدر ولا هموت من غيرك ومش قادر على بعدك
أستشاطت غضبًا من طريقة معاملته لها وتجاهلت قلقها ثم قالت بأنفعال وهى تجذب ذراعيها منه وقالت:-
-وما دام ذراعك مبيتلويش جاي هنا ليه؟ ما تطلقني
تبسم “يونس” بسخرية شديدة عليها ثم قال بنبرة باردة قاتلة لقلب امرأته الواقفة أمامه:-
-أعملي اللى تعمليه أنتِ بتاعتي يا قدر وأنا مش هسيبك ولا هطلقك
صاحت به بأنفعال شديد وعيناها تملأهما الدموع قائلة:-
-لا مش بتاعتك أنت مشترتنيش ولا أخدتني جارية عندك
كانت ترتجف بين يديه من القهرة والحزن، لأول مرة يراها بهذه الحالة التى يرثي بها، غاضبة جدًا ومنهارة أكثر بينما دموعها لا تجف أبدًا من عينيها ويديها رغم دافعها له فى صدره إلا أن أناملها مُتشبثة بقميصه وكأن لسانها يأمره بالرحيل وروحها تأمره بالبقاء، نظر "يونس" إليها وقلبه يتألم لرؤيتها بهذه الحالة ويشفق عليها كل أوردته الحاملة دمائها، قرب يديه من وجهها بلطف وقال بهدوء:-
-أنا مش هسيبك يا قدر، مش هسيبك
أرخت رأسها بيأس وضعف على صدره لتجهش باكية بقوة أكثر وهى لا حول لها وكأنه كالوبر الذي علقت بها ولا سبيل لتخلص منه، وضع يديه خلف رأسها بهدوء يربت عليها بحنان وهى تشعر بلمساته لكنها لا تقوى على إيقاف دموعها ووغزات قلبها تزداد أكثر وأكثر بضلوعها.....
جلس “يونس” أمامها على الأريكة وهى تعالج جرح جبينه بعد نوبة من البكاء طويلة وما زالت أثرها على وجه “قدر” وعينيها المنتفخة وأنفها الحمراء فقال بلطف:-
-متزعليش
رفعت نظرها إليه بصمت لتقابل عينيه فتابع حديثه قائلًا:-
-كنت جايلك والله بس عملت الحادثة دى
أومأت إليه بنعم ثم قالت:-
-ماشي
وضعت اللاصقة الطبية على جبينه بعد ان طهرت جرحه وبدأت تفحص زوجها بعينيها خوفًا من أن يكون أصاب بشيء أخر ليقول:-
-مفيش أصابات تانية
كان يعلم جيدًا أن نظراتها المتنقلة في كل أنش بيه تبحث عن جرح أخر أصابه، يدرك جيدًا كم تحبه وربما هذا الحب هو السبب الوحيد في جعلها تغفر نزواته الكثير وأوهامه مع “غزل”، أخذت يده بين راحتى يديها وكانت متورمة قليلًا ليقول:-
-أنا كويس
حرجت معصمه بتلقائية ليتألم قليلًا فقالت بضيق:-
-بطل تكابر المرض يا يونس
وضعت له شاش ورباط طبي حول معصمه ثم أخذها إلي منزلهم...
___________________
في اليوم التالي داخل شركة واى أيه
بدأ المكان يمتلأ بالمؤظفين، دخل “يونس” إلى مكتب أخاه بتعجل وألقي إليه ملف “فلك” على المكتب وهو يقول:-
-أول مرة وأخر مرة يا أنس، أتصل بيها عشان خاطر بس في مؤطف أعتذر عن العمل
نظر “أنس” للملف وهو لا يفهم شيء من حديث أخاه ورأى صورة “فلك” ليعلم أن هذا ملفها الشخصية فتبسم بعفوية وهو يقول:-
-ماشي
غادر “يونس” من المكتب واتجه إلى مكتبه وكان بداخله فتاة جالسة على المقعد المقابل لمكتبه بتوتر شديد فقال بجدية وهو يسحب مقعده ويجلس عليه:-
-أنا أسف لكن انا مبغيرش كلامي وما دام مرتبي مش عاجبك متشتغليش عندي
كادت الفتاة ان تتحدث قائلة:-
-أنا كان قصدى نتناقش
قاطعها “يونس” بضيق شديد قائلًا:-
-متكمليش أنا جبت مؤظفة غيرك
ضحكت الفتاة بسخرية عليه ثم قالت:-
-دا أنت بتتلكك بقي ما صدقت
تبسم “يونس” بعفوية شديدة وهو يتذكر وجه “فلك” أمامه كأنها تجلس أمامه وقال:-
-بصراحة اه وأنتِ جبتيها على طبق من ذهب
كان مُتحمسًا جدًا لرؤيتها من جديد ومن داخله لا يفهم سبب هذا الحماس ربما إشفاق على حالتها ومرضها أو ربما لسبب أخرى لكن ما يدركه أنه نفس السبب الذي جعله يقبل تعويضها لما حدث بسيارته رغم أمتلاكه المال، غادرت الفتاة المكتب وهى تُتمم بالكثير من الحديث وهو لا يهتم لكل هذا..
___________________
في منزل “فلك”
كانت جالسة على السفرة تفطر معأخيها و”سحر” زوجته في صمت ليقطع هذا الصمت سؤال “سحر” لها قائلة:-
-مجبتليش المصروف ليه؟ لو معكيش قولى عادي
تركت “فلك” الخبز من يدها وأخرجت المبلغ المحدد من جيبها فهى أخترت أعطى المال لزوجة أخيها عوضًا عن علاجها حتى لا تتعرض للذل والإهانة منها، وضعت المبلغ على الطاولة بكبرياء شديد تحت أنظار أخاها الذي لم يتفوه بكلمة مُعارضة زوجته وما تفعله بأخته ثم قالت:-
-شكرًا أنا محبش أكل لقمة من جيب حد
أكملت طعامها ببرود شديد فسأل أخاها ببرود أكثر قائلًتا:-
-سلسلتك فين؟
وضعت يدها حول عنقها وهى تتذكر قلادتها الذكرى الوحيدة التي تملكها من والدتها ليمر ما حدث أمس أمام عينيها كشريط فيديو مصور وقالت بأختناق شديد:-
-في العربية
تركت طعامها بعد أن شعرت بالضيق من حديثه وتركها لقلادتها الحبيبة ثم وقفت ودخلت إلى المطبخ تصنع كوب من النسكافيه وعقدت ذراعيها أمام صدرها مُنتظر غليان الماء ثم قالت:-
-مش هيبعها يا فلك، أكيد شكله كان بيقول أنه غنى مش محتاج فلوس لدرجة أنه يبيع سلسلتك
كانت خائفة جدًا من أن يتخلص “يونس” من قلادتها وهى بمثابة تميمة حظها ومصدر قوتها بالحياة، كم تشعرها القلادة بألفة قوية وكأن والدتها بجوارها تدعمها، قطع شرودها صوت رنين الهاتف من الداخل فسكبت الماء في الكوب الخاص بها ذو اللون الوردي الذي يليق بشخصيتها وقلبها الدافيء ثم أخته وأسرعت إلى الداخل حتى تري الهاتف قبل أن يفصل لكنها رأته في يد أخاها، ألتقطته منه بقوة وهى تقول:-
-أنت بتعمل أيه؟
كاد أن يتحدث لكنها لم تنتظر جوابه وفتحت الخط تجيب على هذا الرقم المجهول وقالت بضيق من تصرف أخاها:-
-ألو
أتاها صوت “أنس” من الجهة المقابلة عبر الهاتف:-
-أنسة فلك
نظرت إلى إخاها بضيق ثم جلست على الفراش ووضعت الكوب على الكمودينو أثناء جوابها:-
-أيوة مين؟
كانت تعلم جيدًا بأنه “أنس” صوته المميز ونبرته اللطيف معها وحدهما كافيًا لتميزها له فقال بنبرة هادئة:-
-معاكي أستاذ انس مدير شركة واى أيه كنتِ في الأنترفيو أمبارح
أومأت إليه بنعم ثم قالت:-
-أيوة
تحدث بحماس شديد قائلًا:-
-ممكن تعدي عليا في الشركة ضرورى لو يناسب كمان ساعة نتناقش في العقد وكمان انا بعتذرلك طبعًا على اللى صدر من أستاذ يونس
رفعت نظرها إلى أخاها الواقف يراقبها بعينيه وكأنه ينتظر خطأ لها فقالت بجدية:-
-تمام ساعة وأكون عند حضرتك
أغلقت معه الخط ورفعت رأسها بقوة إلى أخاها لتقول:-
-أنت أيه اللى دخلك هنا ومسكك تليفوني
أتاها صوت “سحر” هذه الحية التي تنشر سمها في منزلهم تقول:-
-لا يا فلك ميصحش تعلي صوتك على أخوكي وبعدين دا أخوكي وراجلك من حقه يعرف أنتِ بتكلمي مين وبتعملي أيه
وقفت “فلك” من مكانها بغضب سافر ناظرة إلى زوجة أخيها تجيب على حديثها المسمومة قائلة:-
-متدخليش يا سموية أنتِ محدش بيقوى عليا غير سمك دا
صفعة قوية نزلت على وجهها من أخيها كرد فعل على كلماتها لتُصدم من فعلته وظلت تتطلع به بحزن شديد تعاتبه بنظراتها على فعلته وأنفاسها تعلو شيئًا فشيء، تطلع “فارس” بوجهها بضيق شديد ثم قال:-
-أتكلمي معها بأدب وخلي بالك من كلامك، أنا مش لعبة عشان حد يحركني على كيفه
غادر الغرفة تاركًا أخته الباكية في حالة حزين يرثي لها، جلست أمام المرآة تستعد للخروج مُتناسية ألمها فرأت علامات أصابعه على وجنتها لتذرف دموعها بحزن شديد، وبدأت بوضع مساحيق التجميل تخفي بهم أثر صفعته قدر الإمكان ثم بدلت ملابسها ورحلت من المنزل..
___________________
خرجت “قدر” من غرفة الجراحات مع صديقتها “صفاء” تقول:-
-صدقينى حولت كتير يا صفاء مع يونس لكنه مبيتغيرش
أجابتها “صفاء” بنبرة جادة قائلة:-
-مينفعش يا قدر أنتِ لازم تأخدى موقف قبل ما تلاقيه بدأ في نزوة جديدة، مفيش حاجة أسمها يلف يلف ما دام في الأخر بيجي ليكي
وصلا الأثنين إلى الكافيتريا ثم طلب كلا منهم قهوتها لتتابع “قدر” حديثها بضيق شديد وعجزها عن فعل أى شيء معه:-
-صدقينى تعبت، أنا نفسي مش عاجبنى ولا مرتاحة بس يونس صعب متعرفيش تأخدي منه حق ولا باطل
هزت “صفاء” رأسها بلا معارضة هذا الحديث لتقول “قدر” بحماس:-
-أقولك أنا هروح له الشركة دلوقت بحجة أنى هبارك له على الشركة الجديدة
نظرت صديقتها إليها بدهشة من موقفها لكن “قدر” لم تبالي فركضت مُسرعة إلى غرفة تبديل الملابس لتبدل ملابسها مُسرعة وأنطلقت بسيارتها إلى حيث شركته..
___________________
وصلت “فلك” إلى الشركة ودلفت بخطوات هادئة وكان المكان يعمه الأشخاص والجميع في حالة من الأنشغال، أتاها صوت فتاة تقول:-
-أساعدك في حاجة
ألتفت “فلك” إلي حيث الصوت وكانت فتاة جالسة على مكتب الأستقبال فقالت “قدر”:-
-أنا عندي ميعاد مع أستاذ أنس
أخذتها الفتاة إلى مكتبه، رأها “أنس” من خلف الزجاج وهى تدخل المكتب ليبتسم بعفوية إليها وبداخل شعور جديد عليه يجتاح صدره وعقله فقال:-
-أتفضلي أرتاحي
جلست “فلك” على المقعد بهدوء وهى ترمقه بنظرها، كان يعلم أن هناك شيء مُختلف بها ربما مساحيق التجميل فقال بحيرة:-
-أنتِ متغيرة النهاردة
نظرت “فلك” له بتعجب، تنحنح “أنس” بحرج من كلماته وقال:-
-أنا أسف، نتكلم في الشغل
تحدث معها عن العمل ووقعت عقدها معه لمدة سنة، دخلت الفتاة التي أستقبلتها وقالت:-
-حازم الهوارى البلوجر وصل
أستأذن “أنس” منها وهو يقول:-
-هستأذنك نص ساعة بس، هالة شوفيها تشرب أيه؟
هتفت “فلك” بحرج قائلة:-
-لا شكرًا
غادر “ أنس” المكتب فجلست “فلك” تراقب الجميع من خلف الزجاج وكان جميع الفتيات التي أختارها “يونس” للعمل بدون حجاب وجميلات حتى أن كان جمالهم باستخدام مساحيق التجميل وحتى “هالة” كانت الأكثر جمالًا فكانت فتاة بمنتصف العشرينات وشعر أسود طويل كيرلي يصل إلى منتصف ظهرها، وترتدي عدسات لاصقة رمادية اللون وجسدها ممشوق وطويلة القامة ترتدي بنطلون أسود وتي شيرت أزرق اللون تدخله في البنطلون وفوقه سترة نسائية بقط تصل لركبتها وكعب عالي ذو اللون الأبيض، أدركت أنها واثنتين أخريات محجبات بهذه المكان، مر أكثر من نصف ساعة ولم يأتي “أنس” فتح باب المكتب لترفع نظرها مُسرعة بعد ان أصابها الملل من الأنتظار ولم يكن “أنس” بل كان هذا الرجل الذي لم يغيب للوهلة واحدة عن عقلها وتفكيرها مُنذ الأمس، تتطلع “يونس” بها بعيني لامعة وهى كالمثل كأنها وردة ذابلة مُتعطشة للماء والآن نالتها، أقترب “يونس” بخطوات ثابتة منها وكان بيده فنجان قهوته وسيجارته بين سبابته والوسطى مٌرتديًا بدلة رسمية ذات اللون الزيتى وقميص أبيض، وقفت بحرج من مكانها ليقول “يونس” وهو يجلس على مقعد أخاه بنبرة جادة:-
-أنتِ جيتي؟
أبتلعت لعابها بتوتر شديد من كلماته وتذكرت رفضه لها ثم قالت:-
-أمشي لو حضرتك مش مرتاح
أشار إليها بيده الأخرى لتجلس قائلًا:-
-أقعدي يا فلك
أنتبه لضمادة يده واللاصقة الموجودة على جبينه، قالت بأسف نادمة على ما حدث له بسببها:-
-أنا أسفة على اللى حصل لحضرتك بسببي
نظر إلى يده ببسمة خافتة ثم قال:-
-متعتذريش دى حاجة بسيطة بس مراتي دكتورة فحبت تمارس مهنتها عليا
أومأت إليه بخجل شديد وصمتت للحظات وعقلها لا يتوقف عن التفكير، ترغب بشدة أن تسأله على قلادتها لكنها تشعر بالحرج فقالت بتوتر ونبرة هامسة:-
-حضرتك مبعتش السلسلة بتاعتى
وضع يده في جيب سترته الداخلي ليخرج قلادتها من يساره وقال:-
-مبعتهاش متخافيش
تنهدت بأرتياح شديد وعينيها تنظر إلى القلادة بحنان وشوق كانها مُشتاقة لوالدتها وليست القلادة، نظر “يونس” إلى نظرتها وتبسم خلسًا علي وجهها الطفولي، فتح باب المكتب ودلفت “هالة” تقول:-
-مستر أنس بيقولك أنه هيتأخر ربع ساعة
أومأت “فلك” لها بنعم، تطلع “يونس” بوجهها وهى مُستديرة إلى “هالة” فأنتبه إلى علامات أصابع أخيها الخفيفة على وجهها ورغم محاولاتها في إخفاءها لكنه رأها جيدًا، غادرت “هالة” المكتب لتلتف “فلك” إليه ورأته ينظر للأسفل على فنجان قهوته بضيق ووجه عابس فقالت بحرج:-
-أنا ممكن استني برا لو هضيق حضرتك
كاد أن يتحدث بعد أن رفع رأسه لكن لسانه توقف عن التفوه عندما رأى “غزل” تقف خلفها تنظر إليه بغضب سافر وتقول:-
-مضايق ليه يا يونس، هي دي بقي اللى شغلت بالك
نظر إلى “ فلك” بتوتر شديد وهو يدرك تمامًا أن “غزل” وهم ولن يراها سواه ولن يسمعها أحد غيره فإذا تحدث الآن ستعتقد “فلك” بأنه مجنونًا، صرخت “غزل” به بأنفعال شديد:-
-دى اللى جازفت بحياتك عشان تنقذها ليه يا يونس؟ فيها أيه عجبك من اول مرة؟ جذبتك في أيه رغم أنك عارف أن أنس معجب بها؟ هي وصلت للبنت اللى أختارها أخوك
لم يتمالك “يونس” أعصابه من قسوة حديثها فقال صارخًا بأنفعال شديد:-
-غورى دلوقتي من وشي قبل ما أفقد أعصابي عليكي
أتسعت عيني “فلك” على مصراعيها من كلماته، بينما “غزل” ضحكت ساخرة منه وقالت:-
-وهتعمل أيه يا سبع الرجالة، لتكون فاكر أنى ممكن أسمح أنك تخوني وتدخل في نزوة جديدة وأنا في حياتك دا بُعدك يا يونس
قذف فنجان قهوة بقوة من فوق المكتب لتفزع “فلك” من مكانها بصدمة شديدة ووقفت أمامه تتطلع بغضبه ثم قالت بخوف شديد من تحوله المُفاجيء:-
-أنت مش طبيعي
غادرت المكتب بحزن شديد فهى لم ترتكب أي ذنب تستحق أن يصرخ عليها هكذا، ضحكت “غزل” أكثر عليه مما أثار غضبه أكثر وأكثر وقالت:-
-يا خسارة كل دقيقة حبتك فيها يا يونس
تلاشت من أمامه ليهدأ قليًا ويبدأ يستوعب الموقف فتذكر “فلك” التي هربت من أمامه فخرج من المكتب مُسرعًا وسأل “هالة” عليها لتخبره بأنها أتجهت إلى المصعد، ذهب للمصعد خلفها وكان المصعد يغلق أبوابه لكنه وضع يده المصابة بين أبوابه فتألم لكنه تبسم بعد أن نجح في إيقافه، نظرت “فلك” له بعيني دامعة مُحاولة قدر الإمكان كبحهم بداخل جفنيها، دخل للمصعد فأغلق أبوابه لتتحاشي النظر إليه بضيق، تحدث “يونس” بحرج:-
-أنا مقصودش اللى قلته
رفعت نظرها إليه بحزن فتتطلع بعينيها وكانت كطير مكسور الجناحين مُلقي على الأرض يدهسه كل المارة، لم يرى أنكسار وضعف بهذا القدر من قبل فزوجته تملك جراءة وشجاعة لم يرى لها مثيل على عكس هذه الفتاة المُنكسرة، خجلت من نظراته فأبتعدت عينيها عن لقاء عينيه وقالت:-
-حصل خير
-مش عايز أكون سبب في تعبك خصوصًا أنى مقصودش فعلًا
ضحكت “فلك” بسخرية شديدة من حالها فحتى أعتذار بغرض الإشفاق على حال قلبها المرض لتقول:-
-هو أنا حالتى محتاجة كل الشفقة دى
تنحنح بحرج شديد من كلماته التي سببت لها الحزن أكثر حتى جعلت دمعتها السجينة تذرف على وجنتها، ضغط على زر المصعد كي يُفتحه وقبل أن يغادر مد يده إليها بمنديل قائلًا:-
-أمسحي دموعك وحاولي تحطي تلج على خدك عشان الميكاج مبيداريش
خرج من المصعد لترفع “فلك” عينيها إليه بصدمة بعد أن رأى صفعتها ليغادر دون أن يلتفت وراءه إليها، مر في الرواق لكنه أستوقفه صوت يخطف قلبه مع كل حرف يلفظ به فكانت “قدر” تأتي من خلفه وتناديه:-
-يونس
ألتف إليها ورأي زوجته تسير نحوه مُرتدية تنورة سوداء طويلة وقميص نسائي أحمر وشعرها القصير مسدول على الجانبين، تحمل باقة من الورود فعلم أنها جاءت من أجل تهنئته على عمله الجديد، وصلت أمامه وهى تقول:-
-عامل أيه دلوقت؟
وضع يده على جبينه بلطف وقال:-
-بخير قولتلك دا خدش صغير
خرجت “فلك” من المصعد لتراه واقفًا هناك مع هذه الفتاة، قدمت “قدر” الورود له وهى تقول:-
-مبروك الشركة الجديد يا حبيبى
تبسم إليها وهى تُحدثه وفور أنتهائها من الحديث وضعت قبلة على وجنته اليسري فخجلت “فلك” من رؤية هذا المشهد وغادرت، تبسم “يونس” على قبلتها ودلالتها ثم قال:-
-الله يبارك فيكي يا قدري
أخذها من يديها وصعد للأعلي مُتشابكين الأيادي، بحث “أنس” عليها في الشركة ولكن لم يجدها فسأل “هالة” عنها لتقول:-
-هي مشيت وقالت هتستلم الشغل من بكرة
أومأ “انس” إليها بضيق من مُغادرة “فلك” بعد أن انهى أجتماعه مُسرعًا قدر الإمكان لأجلها فيبدو أنه كما قال أخاها أن بداخله قد بدأ إعجاب من الوهلة الأولي بهذه الفتاة البريئة، صعدت “قدر” معه للمكتب وصافحت “أنس” برحب وهى تقول:-
-مبروك يا أنس ، حقيقي بتمنى أشوف نجاحه وأنا متأكدة انه هيكون في أقرب وقت
تبسم “أنس” إليها بعفوية وقال:-
-أكيد ما دام معايا يونس هننجح
تبسمت وهى تعانق ذراع ذراعها بيديها الأثنين بفخر شديد أنه زوجها، قال “أنس” بعفوية أكثر:-
-أنا هسيبك بقى تتفرج على المكان مع يونس وأبقي قوليلي رأيك
أومأت إليه بنعم فأنصرف “أنس” من المكان لتقف “قدر” أمام زوجها مباشرة وهى تقول بحماس ويدها تلمس صدره بعفوية قائلة:-
-فرجني على المكان بسرعة وبعدها تطلبي بيتزاو..
توقفت عن الحديث عندما شعرت بشيء صلب أسفل يدها فنظرت إلى صدره ثم إليه بوجه فضولي بعد أن تلاشت بسمتها وقالت بتوتر:-
-ايه دا
تذكر “يونس” القلادة التي يحتفظ بها قُرب قلبه وظهر توتره على ملامح وجهها مما جعل “قدر” تشك بالأمر فوضع يدها في جيب سترته وهو واقفًا ساكنًا دون أن يعارضها أو يمنعها من فحص جيبه، أخرجت القلادة بصدمة وهى تحمل حرف f وهذا الحرف كفيلة أن يخبرها بانها ملك لمرأة أخرى فهذا ليس بحرفها لتتطلع بالقلادة بضيق شديد ثم رفعت نظرها إلى زوجها وقالت بسخرية:-
-أنت مبتحرمش، مبتقرفش من نفسك
صمت ولم يجيب عليها فصرخت بأنفعال شديد وهى تقول:-
-أيه ذيل الكلب عمره ما بيتعدل
تتطلع بها بضيق شديد وحقًا هذه المرة لم يرتكب أي خطأ ولم يخونها مع امرأة أخرى، ألقت بالقلادة في وجهه وهى تقول:-
-مش كفاية عليا أنك مريض وأنا قلت معلش دا مرض وأستحملي كمان خاين وكداب، لحد امتى هفضل أستحمل نجاستك وقذرتك، أيـــه مبتشبعش ....
كان على وشك فقد أعصابه وسيطرته عليها وهى تحدثه هكذا ولحسن حظه أن زجاج المكتب كاتم للصوت إلا كان الآن جميع المؤظفين سمعه كلماتها وقبل أن يجيبها أستوقفه صمتها عن الحديث عندما فقدت الوعي بين يديه من قوة أنفعالها وصدمتها، أتسعت عينيها بصدمة وهو يراها بين ذراعيها فاقدة للوعي ولأول مرة تُهزم “قدر” فدايمًا قوتهاة وشجاعتها هما درع حمايتها وصمودها أمامه.......
يتبـــــــــــــع …...
#مرايا_الحب
الفصل الرابع (4)
بعنوان "ألم "
كان "يونس" واقفًا محله أمام فراشها بقسم الطواريء والطبيب يفحصها ويحرك جهاز السونار على بطنها بلطف بينما "قدر" تتحاشي النظر إلفيه بضيق شديد ناظرة للجهة الاخرى، ألتف الطبيب إلى "يونس" ببسمة مُشرقة ثم قال بلطف:-
-مبروك المدام حامل
أتسعت عيني الأثنين معًا ونظر إلي "قدر" بصدمة ألجمته ولا يصدق بأنه سيصبح أبًا ولا يقوى تحمل هذا الخبر الذي نزل على عقله كالصاقعة الكهربائية أو كأن الطبيب سكب فوق رأسه دلو من المياه الباردة، أنهي الطبيب فحصه وغادر تاركًا الأثنين معًا وما زالت "قدر" تنظر بعيدًا عنه ليقترب "يونس" منها بهدوء ثم جلس على المقعد المجاور وقال بنبرة خافتة:-
-مبروك يا قدر
تنهدت باختناق شديد ولم تتفوه بكلمة واحدة..
________________________________
وقفت "فلك" أمام المرآة بشعرها المبلل بعد أخذ حمام دافيء ونظرت إلى المرآة ويديها تجفف شعر ها بالمنشفة فأنتبهت إلى علامات أصابع اخيها التى لم تزول حتى الآن من قوة صفعته وتذكرت حديث "يونس" لها وبدون سابق أنذار تحول تفكيرها من غضبها تجاه اخاها لما فعله إلى "يونس" وكل شيء يخص تفاصيله القليلة التى تعلمها، رن هاتفها مُعلن عن أستلام رسالة لتسير نحو الكمودينو وتلتقط الهاتف من فوقه وكانت الرسالة على حساب الواتس أب الخاص بها من رقم "انس" مما أدهشها وجلست على الفراش تفتح الرسالة وكانت تحتوى على القليل من الكلمات
(بعتذر جدًا على تأخيري عنك)
تبسمت بلطف وبدأت تكتب إليه رسالتها القصيرة
كان "أنس" جالسًا على مكتبه بالمنزل منتظر أن تجيب عليه بعد ان رأت رسالته، دلفت الخادمة عليه وقالت بلطف:-
-قهوتك يا أستاذ أنس
أومأ غليها بنعم لتضعها على المكتب امامه وتغادر، ترك الهاتف وأخذ فنجان قهوته يأخذ اول رشفة منه ويقطع لحظة تذوقه لجمال قهوته صوت رنين الهاتف فترك فنجانه مُسرعًا لتسقط القهوة منه لكنه لا يبالي بملابسه المُتسخة بل وقف يحدق بهاتفه وكانت رسالة منها كما توقعه تجيب عليه
(ولا يهمك أنا مقدرة أن حضرتك مشغول، كان الله فى العون)
تبسم بعفوية وتلقائية لإجابتها عليه وبدأ يكتب لها رسالته
(شكرًا لتقديرك)
تطلعت "فلك" كثيرًا بهذه الرسالة لا تعلم أيجب عليها أن تجيب أم لا فكتبت بلطف منها
(عفوًا .. أشوف حضرتك بكرة فى الشركة)
تبسم "أنس" بسعادة لهذه الكلمات وانهى حوارهما الهاديء لتغلق "فلك" هاتفها وتضعه على الفراش وهى تشعر بحماس شديد فى بدايتها الجديدة بمكان عمل جديد لتسرع بخطواتها نحوها خزينة الملابس لتجهز ثياب الغد ولكنها لم تجد ما تبحث عنه، تأففت بضيق شديد ثم جمعت شجاعتها وخرجت من غرفتها حتى لو كان عقابها نيل صفعة جديدة من اخاها فلن تسمح بتصرفات زوجته التى تعدت كل الحدود، راتهما الأثنين يجلسوا فى الصالون ويشاهدًا معًا مسرحية العيال كبرت ويضحكون بشدة فأغلقت الشاشة بأنفعال وهى تنظر إلي "سحر" بينما تحدث أخاها "فارس" بضيق شديد:-
-أيه اللى عملتيه دا؟
لم تجيب على عليه بل تحدثت بضيق شديد قائلة:-
-أنتِ فتحتي دولابي يا سحر
أجابتها "سحر" ببرود شديد وهى تضع قدم على الأخرى بعد أن وضعت رأسها على كتف زوجها تصطنع الضعف أمامه قائلة:-
-مش فاكرة بس أنا نادرة لما بدخل أوضتك فى غيابك واسألي فارس أهو
أستشاطت "فلك" غضبًا وصرخت بضيق قائلة:-
-يعنى عايزة تفهمني أنك مأخدتيش الدريس الأسود من دولابي
رفعت "سحر" رأسها عن كتف زوجها الصامت متابعًا هذا الحديث ثم قالت:-
-قولتلك مبدخلش أوضتك هى صورة وهنعيد فيها
تأففت "فلك" بأختناق مُشمئزة من هذه المرآة الكاذبة ثم قالت:-
-والله دلوقت هنشوف
سارت نحو غرفة نومهما بخطوات مُسرعة وفتحت الباب مما جعل "سحر" تنتفض من مكانها بغضب ودخلت خلفها، فتحت "فلك" الخزينة الخاص بهما وأخرجت الفستان منها لتضعه أمام وجه "سحر" التى دلفت خلفها مباشرة وقالت:-
-ما أنتِ مأخدتهوش ومبتدخليش أوضتي
جذبت "سحر" منها الفستان بضيق شديد وهى تقول:-
-أنتِ أتجننتِ أزاى تدخلي تفتشي فى أوضتي كدة
أتاهما صوت "فارس" من الخلف يقول:-
-أزاى تعملي كدة يا فلك؟
صاحت بأغتياظ شديد وقد فاض بها من تصرفاتهما معًا قائلة:-
-دا كل اللى لفت نظرك وأن الفستان موجود فى دولاب مراتك دا عادى، أنها تدخل تفتش أوضتي وتفتح دولابي وتمد أيدها على حاجاتي من غير أذن عادى
صرخت "سحر" بحزن مُصطنع أمام زوجها وقالت:-
-دى فستاني وفارس اللى جبهولي عشان بتاعك كان عجبنى وأصر يجيبلي زيه
عقدت "فلك" حاجبيها بضيق شديد وقالت بأشمئزاز قائلة:-
-أنا حقيقي مش مصدقاكي، هو فى حد كدة بيسرق ويكدب بالبجاحة دى كلها، دا فستاني وبفلوسي من تعبي وشغلي وأحب أقولك أن جوزك اللى جابلك زيه ميعرفش يدفع ثمنه لأنه فستان ماركة يا سحر هانم
ضمت "سحر" الفستان إلى ذراعيها بقوة مُتشبثة به ثم قالت:-
-دا بتاعي ومش هتأخديه
تحدث "فارس" بلهجة خشنة وقوية قائلًا:-
-خلاص بقى يا فلك قالتلك دا بتاعها يعنى هى هتكدب
تبسمت "فلك" بغضب مكبوح بداخلها ثم قالت بهدوء تام باردًا:-
-صح عندك حق هو بتاعك بس متزعليش بقي يا سحر
ألتفت لكي تغادر الغرفة لتضع "سحر" الفستان على الفراش ثم خرجت خلف زوجها للخارج بينما دلفت "فلك" إلى المطبخ، أعتقدت أن هذه الفتاة المكسورة الجناحي ستخشاها وتكفي عن أزعاجها لكنها دُهشت عندما أستنشقت رائحة دخان وحريق بالمنزل أسرعت إلى حيث الدخان مع زوجها ورأت "فلك" تقف أمام باب الغرفة وأحضرت إناء من الألومنيوم وبداخله الفستان وقد أشعلت النيران به وتقف مُبتسمة وكانها أنتصرت عليهما الأثنين فنظرت "سحر" بضيق شديد بينما "فارس" لا يصدق عناد اخته وتصرفها فلم يشعر بشيء وهو يسمع صوت بكاء زوجته المُصطنع وأنقض على أخته يبرحها ضربًا بالصفعات المتتالية ورغم ألمها لكنها كانت تشعر بالأنتصار عليهما....
________________________________
"مستشفي الهلال الدولي"
كان "يونس" واقفًا فى الرواق يُحدث أخاه فى الهاتف قائلًا:-
-هى كويس يا أنس متقلقش ومتتعبش نفسك وتيجي، مسافة ما تخلص المحلول هجيبها وأجي
أتاه صوت "أنس" من الهاتف يقول بلطف:-
-ماشي يا يونس، خلى بالك من مراتك وألف سلامة عليها
أجابه "يونس" بنبرة حادة وكأنه لم يُسعد بخبر حمل زوجته من الأساس قائلًا:-
-حاضر، سلام بقي عشان أدخلها
أغلق الهاتف مع "أنس" وألتف كي يذهب إلى غرفة "قدر" لكنه صُدم من وجود "غزل" خلفه مباشرًا فقال بهلع وهو يضع الهاتف على أذنه:-
-أنتٍ أيه اللى جابك هنا؟
ضحكت "غزل" على طريقته وقالت بسخرية:-
-هههه أيه اللى بتعمله أنت دا؟ أيه بقيت تخاف الناس تشوفك بتكلمنى ويتهموك بالجنون يا يونس، ولا تكون خايف لأحسن تزعل قدر زى ما زعلت السنيورة الصبح وتأخد الكلام ليها
أستشاط "يونس" غيظًا من حديثها وسار للأمام واضعًا الهاتف على أذنيه ويقول:-
-أنتِ بتجي تزودي همومى زي قدر مش تخففي عني، بقيتي نكدية يا غزل وأنا مبحبش الست النكدية
تباطأت ذراعه بحنان وهى تضع راسها على كتفه بدلال ثم قالت:-
-أنا مش نكدية يا يونس، أنا بغير عليك عشان بحبك وعايزك، بحبك بجنون ومش قادرة أتقبل فكرة أن ممكن واحدة تأخدك منى
تنهد "يونس" بلطف هادئًا ثم قال بنبرة ناعمة:-
-أنتِ أكتر واحدة عارفة أنا بحبك قد أيه؟ ولولا حبي مكنش هيبقي لك وجودك، أنتِ موجودة عشان بحبك يا غزل ومقدرش أعيش من غيرك
تبسمت بحب وهى تقترب منه وتضع قبلة على وجنته بدلال، لينبض قلبه بجنون إليها حتى وأن كانت وهمًا فى خياله وعينيه وحدها ما تراها فتبسم إليها وقال:-
-كم عشقك أستثنائي يا غزل
تبسمت إليه وهى تقول:-
-أنت الأستثناء كله يا يونس
ضحك بعفوية إليها ثم قال بحب:-
-وحشتينى يا مجنونتي
أومأت إليه بدلال ثم أبتعدت عنه لتقف فى الأمام وهى تدور حول نفسها بسعادة كفراشة جميلة مُحلقة فى السماء وترفرف بجناحيها بقوة، هتفت بحب قائلة:-
-أيه رأيك بفستاني الجديد؟
تطلع بها قليلًا يتفحص فستانها الأبيض فمُنذ أن ظهرت إليه وهى لا ترتدي سوى الأبيض، كان فستانًا قصير ومن الجهة اليسرى وطويلًا من اليمني، فضفاضة ويتطاير معها فى دورانها بحمالة رفيعة ليقول:-
-جميلًا، لكن من حسن حظك أن محدش بيشوفك غيري وألا كان زماني مكسر دماغك وفالقها نصين على جسمك اللى باين دا
ضحكت كطفلة صغيرة بسعادة وسارت امامه قائلة:-
-ودا اللى بيعجبنى فيك يا يونس، غيرتك رغم عصبيتك
سارت أمامه بحب ودلال ثم قالت:-
-هجيلك مرة تانية يا عيونى
ضحكت بدلال، مر رجل من جوارها ليمر من خلالها فلن يراها أحد مما جعلها تتوقف فجأة وألتفت إلى "يونس" تنظر إليه بعيني باكية بحق وهى دومًا تشعر بالخوف عندما يلمسها أحد دون أن يدرك، تتطلع "يونس" بها بقلب على وشك البكاء لأجلها وقال:-
-متخافيش يا غزل
جهشت باكية بحزن شديد فأقترب منها بلطف يربت على أكتافها بحب وقال:-
-محصلش حاجة أنا معاكي أهو
تحدثت بحزن شديد وهى تطأطأ رأسها قائلة:-
-أنت مش معايا يا يونس أنت مع قدر لو حد لمس قدر غصب مش هتسكت له لكن أنا عادى
تأفف بضيق وهو يعلم بأن بداية شجارهما قد حلت فقال بجدية:-
-لأن هم شايفين قدر فلو حد لمسها لازم أقطع أيده لكن اللى يلمسك هلومه على أيه، أنا مش هيتقال عليا مجنون بس لا دا كمان ممكن أروح القسم أفهمي دا
أبتعدت عنه بغضب سافر وهى تصرخ به قائلة:-
-ما تروح القسم المهم أنك تحسسنى أنك بتخاف عليا وبتحمني، ليه محسسني أنك لما تروح القسم هتموت يعنى
صاح بأنفعال شديد وهويبتعد عنها بأغتياظ من كلماتها قائلًا:-
-يا رب أموت بجد يا ستى عشان أخلص منك
نظرت "غزل" إليه وهو يغادرها بضيق ويتمنى التخلص منها لتُتمتم قائلة:-
-وأنا هخلصك منى يا يونس
تلاشت مكانها مُغادرة المكان كاملًا وهو يسير بضيق شديد مُنفعلًا إلى غرفة زوجته "قدر"
-أنتِ أتجننتي يا قدر؟
قالتها "صفاء" بصدمة قاتلة ألجمتها وتنظر حولها بخوف من أن يراهما أو يسمعهما أحد، أجابتها "قدر" بغضب مكبوح بداخلها قائلة:-
-أنا مش هخلف من يونس، مش هحمل منه وأنا حياتي معاه مش مضمونة، راجل خاين وكذاب يا صفاء، يونس بيتنفس كذب وحوارات أخلف منه ليه ويبقي بربط نفسي برباط أقوي يقيدني بعدين، أنا محتاجة أعرف رأسي من رجلي معه الأول
تأففت "صفاء" بضيق شديد من صديقتها العنيدة ثم قالت:-
-بس أنتِ خلاص حامل ولا مش واخدة بالك
تنهدت "قدر" بأختناق سافر يحرق قلبها وضلوعها من الداخل ثم قالت بجدية:-
-هنزله
أتسعت عيني "صفاء" على مصراعيها بصدمة من جراءة صديقتها وقساوة قلبها التى جعلتها تلفظ هذه الكلمات وتفكر فى التخلص من قطعة من روحها خُلقت بداخلها كجزء منها، كادت أن تتحدث لكن أستوفقها صوته من الخلف يقول:-
-قولتي أيه؟
أستدار الأثنين له وكان "يونس" واقفًا لا يُصدق ما سمعه أو ما تتفوه به هذه المرأة، ألتزمت "قدر" الصمت مما زاد غضبه وانفعاله ليقترب منها بخطوات سريعة وهو يأخذ سترتها ويلقي بها فى وجهها بطريقة مُهينة أمام صديقتها وجذبها من معصمها بقوة للخارج لتتألم "قدر" من قبضته وسارت معه حتى خرجت من الغرفة ثم جذبت يدها من قبضته بأنفعال شديد ثم قالت:-
-سيبنى كدة، ايه ساحب بهيمة وراك
رفع قبضته أمام وجهها بأنفعال شديد وكز على أسنانه بضيق وتمالك أعصابه قبل أن يلطمها من شدة غضبه حتى تعود لرُشدها مما تفكر به، ثم قال بنبرة مُخيفة:-
-أحمدي ربنا أنى ساحبك كدة يا قدر ومقتلتكيش زى ما أنتِ عايزة تقتلي ابني قبل ما يجي على الدنيا وبس عشان أنتِ أمه
عقدرت ذراعيها أمام صدرها بسخرية ثم قالت:-
-لا وأنت الصادق دا عشان أنتِ أبوه، أنا هقتله عشان مطلعش يلاقيك أبوه الخاين الكداب بتاع.....
لطمها بقوة على وجهها دون وعي منه فأتسعت عينيها على مصراعيها بصدمة وكأنه وخر قلبها بخنجرًا فى هذه اللحظة بينما "يونس" ابتلع ريقه بصعوبة دون أن يرمش له جفنًا من صدمته لما فعله فحتى عقله وقلبه لم يصدقًا ما فعله بمحبوبته وكان الأكثر وجعًا كحجر ناري يزيد من نارهما الأثنين هو فعل ذلك بمنتصف البهو الخاص بالمستشفي على الملأ، غادر المستشفى بصحبتها وكلا منهما صامتًا، كان "يونس" يقود سيارته وهو لا يعلم سبب لطمه "قدر" أحقًا بسبب حديثها أما ما فعلته "غزل" وشجارهما معًا كان السبب فى انفعاله على "قدر"، وصل لمنزلهم وترجل من السيارة أولًا تاركًا "قدر" بها وأنطلق إلى المنزل ومباشرة إلى غرفة المكتب، ألقي بجسده على الأريكة ونزع عن يده رباطها وهكذا اللاصق الطبية الموجودة على جبينه وأغمض عينيه بحزن شديد وقلبه فى حال من الصراع والآن محبوبتيه الأثنتين غاضبتين منه، كلا منهن لن تغفر له أفعاله معها وهنا قلب بين ضلوعه يقتله ألمًا ووغزاته لا تكف عن التوقف فلم يعد يتحمل الأمر ليمسك الطاولة الموجودة أمامه ودفعها بقوة بكلتا يديه، كادت "قدر" ان تصعد الدرج ليستوقفها صوت أرتطام قويًا وزجاج يُكسر إشلاءً، كانت تعلم أنه غاضبًا من نفسه على فعلته لكن مهما كان غضبه وحتى أن قتل نفسه فى الحال لن تذهب إليه، عليه أن ينال عقابه المستحق على فعلته فلتراضيه جنيته، أكملت "قدر" صعودها للغرفة غاضبه منه بالمثل..
________________________________
دلفت "فلك" صباحًا إلى الشركة لتستقبلها "هالة" ثم أرشدتها إلى مكتبها وكان بغرفة مقابلة لمكتب "يونس" وجواره مكتب "أنس" وكجميع المكاتب بداخل هذه الشركة حوائطهم مجرد زجاج، رأت مكتب "انس" فارغًا لتدرك أنه لم يأتي بعد، بدأت "هالة" تساعدها وترشدها على عملها المطلوب منها وأخذتها فى جولة فى الشركة لتعلم مكان كل شيء حتى أنهى بهم المطاف فى الكافتيريا، كان هناك جميع أنواع المشروبات وماكينات القهوة لكن بدون عامل فقالت "هالة" بلطف:-
-طبعًا دا اكتر مكان كلنا بنحبوا هنا، كوباية قهوتك هنا وتعمليها بنفسك طبعًا لأن معندناش ساعى وبصراحة الديزاين هنا فى الشركة مريح جدًا لنفستك كموظف ألوان وديزاين كأنك فى مكان برا مصر أصلًا
أومأت إليها "فلك" بنعم ثم قالت بلطف دافيء:-
-فعلًا المكان هنا جميل
نظرت "هالة" غليها وهى تصنع قهوتها فى كوبها الخاص وقالت:-
-قهوتك أيه بقي يا أستاذة فلك
تبسمت "فلك" إليها بإمتنان ثم قالت:-
-شكرًا أنا ماليش فى القهوة والكافيين عمومًا وبلاش أستاذة خليها فلك على طول
تبسمت "هالة" إليها وقالت بعفوية:-
-عمومًا هتلاقي هنا مشروبات كتير شوفي تحبي تشربي أيه وأعمليه أنتِ فى بيتك
ضحكت "فلك" على مزاحها وأحضرت كيس لمسحوق الشيكولاتة الساخن وصنعت كوبها ثم خرج الأثنين للخارج وقد بدأ المؤظفين فى الحضور، دلف "أنس" إلي الشركة ليراها أمامه قرب مكتب "هالة" تسيران الأثنتين معًا كلا منهن تحمل كوبها فى يدها وتبتسم "فلك" ببراءة وعفوية أثناء حديثهما، توقفت "هالة" بثبات أمام مديرها وهكذا "فلك" نظرت إليه بحرج بعد أن تقابلت أعينهما، تبسم "أنس" حتى يخفف عنها توترها فى أول يوم عمل فى مكان جديد ثم قال:-
-صباح الخير
أجابت عليه "هالة" بجدية:-
-صباح النور يا مستر أنس
بينما تحدثت "فلك" بصوت مبحوح قليلًا بالكاد سمعه:-
-صباح النور
تبسم "أنس" قليلًا ثم قال:-
-أديني عشر دقايق هعمل قهوتي وبعدها نتكلم فى أول مشروع ليكي
أومأت إليه بنعم ودلفت إلي مكتبها، صنع "أنس" قهوته وذهب إلى مكتبها فطرق الباب الزجاجي أولًا وقال:-
-ممكن أدخل
تبسمت فهى بالفعل تاركة بابها مفتوحًا، ولج "أنس" وجلس معها يتحدثًا على العمل وهو يعرض أمامها القليل من الاوراق، مدت ذراعها الأيمن نحوه تشير بسبابتها على شيء بالأوراق لكنه أنتبه إلى كم قميصها الذي تراجع مع أمتداد ذراعها وظهر جرح على معصمها من حرق لم يشفي بعد، لم يجيب "أنس" على سؤالها فرفعت نظرها إليه لترى عينيه على جرح يدها لتجذب ذراعها مُسرعًا وهى تجذب كم قميصها بقوة تداري جرحها الذي تسبب به أخاها أمس وهى تحرق الفستان، لم يتسطيع عقله أستكمال العمل بعد رؤية ألمها الظاهرة وكم من ألم تخفيه بداخلها، ليغلق الملف بيده وقال:-
-هسيبك تبدأي شغلك
أومأت إليه بنعم وأنصرف "أنس" من مكتبها، لكنه رأي "يونس" يقف فى الخارج ويحدق به فوصل "أنس" إليه وقال:-
-أيه اللى أخرك كدة
نظر "يونس" إلى "فلك" المنسجمة فى عملها وقال بسخرية:-
-أنا هنا من ساعة بس شوفتك مشغول
تنحنح "أنس" بحرج وقبل أن يُجيبه سأل أخاه بتهكم شديد قائلًا:-
-ودا من امتى بتروح لمؤظف مكتبه على حد علمي أن المؤظفين هم اللى بيجوا على مكتبك
تنهد "أنس" من حديثه بضيق وقال بشجن:-
-شكلم متخانق مع قدر وجاي تطلعهم عليا
ذهب "أنس" إلي مكتبه تاركًا أخاه واقفًا محله ليظل "يونس" يحدق فى "فلك" الجالسة هناك وهو يشتعل غضبًا من رؤيتها ولا يعلم سبب كرهه وضيقه منها وعينيه لا تفارق جرج يديها المُصابة فأمس كانت صفعة على وجهها واليوم ندبة حرق...
عادت "فلك" فى منتصف اليوم إلى مكتبها بعد أن صورت المستندات المطلوبة وكانت تنظر بهما أثناء سيرها حتى جلست على المقعد خلف مكتبها ودهشت عندما وجدت كيس مدون عليه أسم صيدلية وبداخله علاج للحروق فتركت الأوراق من يديها وهى لا تعرف من الذي وضع العلاج لها وتألم لرؤية ألمها حتى أحضر العلاج كي يداوى ألمها ووجعها لكن تعلم أن هذا الفعل من "أنس"......
يتبـــــــــــــع .........
#مرايا_الحب
___ الفصل الخامس ( 5 ) ___
بعنــــوان " يـد صغيــرة بحجــم العالـم "
كان "أنس" جالسًا مع المصممين بصحبة "يونس" داخل غرفة الأجتماعات ليقول "أنس" بهدوء:-
-يبقي زى ما أتفقنا وإن شاء الله نعمل شغل كويس
خرج الجميع من الغرفة وخلفهم "يونس" وكان يضع الهاتف على أذنه كى يتحدث به فرأى "فلك" تسير إلى الخارج بوجه شاحبًا وتسرع فى خطواتها، دلف إلى مكتبه وقد بدأ يغضب بسبب تجاهل "قدر" إلى أتصاله وكأنها تتعمد أغضبه بتجاهلها له، تأفف وهو يلقي الهاتف على مكتبه ويتمتم بأختناق:-
-لما أشوف أخرتها معاكي يا قدر
وقف من مكانه بضيق وحمل هاتفه ثم أخذ سترته من فوق المقعد وخرج من المكتب وأثناء مُغادرته قال بشجن :-
-أنا ماشي يا هالة
خرج من المكتب ثم وقف من مكانه ينتظر المصعد وبداخله يشتعل غاضبًا وهو يشعر بأن مسافة البُعد بينه وبين "قدر" تزداد أكثر وأكثر بسبب أفعالها أولًا تخطط للتخلص من طفلهما والآن تتجاهله تمامًا، مل من أنتظر المصعد ليسلك الدرج غاضبًا حتى وصل إلى الطابق الأول فدُهش عندما رأى "فلك" جالسة على الدرج كطفلة صغيرة وتتكأ برأسها على الحائط جانبًا بتعب مُنهكة فنزل درجتين فى هدوء لينتبه إلى الحقنة الفارغة بجوارها على الأرض ليدرك بأن قلبها المريض يؤلمها ويُصعب أمر العمل عليها والحركة الكثيرة تُجهدها، تنحنح برفق وهو يصل للدرجة التى تجلس عليها فرفعت رأسها بتعب لترى وجهه فقالت:-
-أنا مأخدتش بريك النهاردة مش بتهرب من شغلي
قالتها بخوف منه أن يفصلها عن عملها لكنها دُهشت من فعلته عندما جلس جوارها ومدد قدميه للأمام وقال ببرود:-
-بس أنا بتهرب من شغلي عادى
أخرج سيجارته وقداحته وقبل أن يشعل السيجارة نظر إليها بتوتر ثم أعاد السيجارة إلى جيبه وقال:-
-هبقي أشربها بعدين
نظرت للأمام بحرج من وجودها الآن وهى السبب فى تقيد حريته من شرب سيجارته لتقول بملل:-
-ممكن تشربها مش هى اللى هتصعب الموضوع
وضع السيجارة فى جيبه وهو يقول:-
-على فكرة لو تعبانة ممكن تأخدي أذن عادى إحنا مش فى جيش
ضحكت بعفوية خافتة رغم تعبها فألتف ينظر إلى ضحكتها و"فلك" ترفع يدها إلى صدرها المُنهك بسبب قلبها الضعيف، كانت "فلك" جميلة بحق تشبه طفلة لم تتجاوز العشرين بكل شيء بها، بسمتها تزيل الهموم وتريح القلب والروح تحمل طاقة إيجابية وتفاؤلية ليقول بهدوء:-
-قومي روحى
وقف من مكانه كى يغادر وهكذا "فلك" وخرجا الأثنين من باب الدرج الحديدي، كادت أن تفتح سيارتها لكنه قال قاطعًا لها:-
-هتعرفي تسوقي
ضحكت بسخرية من قدرها ثم قالت:-
-أتعودت
أشار إليها ببرود قائلًا:-
-تعالي أنا هوصلك
بعد ألحاح كبير منه واقفت بنهاية الأمر ليأخذها فى طريقه إلي منزلها وقال:-
-أنا مش حشري ولا بدخل فى اللى ميخصنيش بس ليه دائمًا سايبة علاجك فى العربية
تنهدت بحزن شديد وبدأت تتحدث بلهجة واهنة وصوت مبحوح:-
-مبحبش حد يعرف بمرضي، الشفقة توجعنى أكثر من قلبي المريض، عيون الناس بتوجع وتجرح مش كل الناس ممكن تتفهم أنك شايل حمل كفاية وبتحمد ربنا على قدر أنت مالكش أختيار فيه، لو صدفت وحد فتح شنطتي زمليتى أو حتى لو تعبت محبش حد يشوف علاجي
كان يستمع إليها وهو ينظر نحوها تارة وإلى الطريق تارة، حتى أنه شعر بأن حديثها ينطبق عليه، هو يعلم جيدًا أنه مريض بـ "غزل" لكن فور أن علمت زوجته بهذا المرض بدأت تتغير عليه وتتجاهله والآن تعايره بمرضه لذا قررت التخلص من طفله الذي تحمل بأحشاءها فماذا إذا علم الغريب عن مرضه، ليس الجميع رحماء بالغير فى أقدار لم يختارها أحد بل كُتبت عليه، تحدث بنبرة غليظة قائلًا:-
-عندك حق، بس سامحينى يعنى أنتِ بيجي عليكى وقت ولازم تأخدي العلاج أفرضي مكنتيش جنب عربيتك هتتعبي أكتر
تبسمت بأنكسار وقالت:-
-يبقي نصيبى وسيبها على الله
أشارت إليه بيدها إلى أحد المباني وقالت:-
-أنا هنزل هنا؟
نظر إلي يدها ليراها تضع الضمادة التى وضعها على مكتبها ليشير إليها بنعم وأوقف السيارة، ألتفت "فلك" إليه وقالت بلطف:-
-شكرًا يا أستاذ يونس تعبتك معايا
كاد "يونس" أن يجيب عليها لكن أتاهما صوت "فارس" وهو يضرب بيديه على باب السيارة بقوة وانفعال شديد قائلًا:-
-يا نهار أبوكي أسود أنزليلي، أنزليلي أنتِ والافندي اللى معاكي دا
فتح باب السيارة بغضب كالعاصفة القاتلة، فزعت "فلك" برعب تملكها حين رأت وجه أخاها وعينيه التى تبث شرارة نارية مُلتهبة، بينما استشاط "يونس" غضبًا من هذه الطريقة وصوت هذا الرجل الذي جعل جميع المارة ينظرون إليهم، جذب "فارس" اخته من معصمها بقوة ليضغط على جرحها الناتج من حريق أمس، طريقة أخراجه لها جعلت "يونس" يفقد اعصابه ليترجل من سيارته بأنفعال شديد وهو يقول:-
-ايه دا أنت متخلف؟
التف "فارس" إليه بضيق وهو يجيب بحدة شديدة قائلًا:-
-وأنت مين بقي يا سبع الرجال، عرفتيه منين دا يا بنت *** وحياة أبوكي لأربكي من جديد
كادت أن تتحدث بحرج شديد من كلماته وتصرفاته أمام "يونس" وقبل أن تلفظ حرفًا اسكتها "فارس" بصفعة قوية على وجهها مما جعل "يونس" يخرج عن شعوره ولا يشعر بشيء إلا وهو يلكمه بقوة فى وجهها وأسقطه أرضًا لتفزع "فلك" من رد فعله رغم شعوره بالأمان والسعادة لأول مرة يتصدى له أحدًا من أجلها، دائمًا ما كان يأتي بعد الصفعة الكثير والكثير، اتسعت عيني "فارس" على مصراعيها ليقف من مكانه وقبل ان يستقيم أستقبل ركلة قوية فى بطنه من قدم "يونس" دفعته بعيدًا عنهما، ليأخذها "يونس" من يدها وقال بضيق:-
-أركبي
أدخلها السيارة وهى فى حالة من الذهول وألتف "يونس" كي يصعد سيارته بينما "فارس" يمسك بطنه من الركل وصُدم عندما رأي أخته بداخل السيارة ليقف مُسرعًا لكن قدم "يونس" كانت الأسرع حين هرب بسيارته معها بعيدًا وكأنه ينتشلها من جحيمها المُميت دون أن يهتم لزوجته او رد فعلها، لم يفكر بشيء بهذه اللحظة سوى أخذ "فلك" معه بعيدًا وبعيدًا عن العالم أجمع.......
****************
كانت "قدر" جالسة بغرفتها فى المنزل وبداخلها غضب شديد منه وتضع يدها على بطنها ثم قالت:-
-أنا قرفانة حتى أشيلك جوايا
تأفف بأختناق وهى عاجزة عن فعل شيء، ما زال جزء صغير منها يرغب بهذا الطفل لأنها أم وهو قطعة من روحها، دلفت الخادمة بلطف وقالت:-
-الجواب دا وصول لأستاذ يونس
أتسعت عيني "قدر" بصدمة قاتلة وبدأ الشك يضرب قلبها فربما جاء هذا الجواب من امرأة أخرى إليه، ترجلت من فراشها سريعًا وأخذت الظرف من يد الخادمة بقوة ولهفة، لتشقه بيديها وتفتحه وكان الجواب بداخله صور لمكان على البحر وتذكرتين طيران وجوازين السفر لتفتحهم وصُدمت عندما رأت جواز سفرها وهو أيضًا لتدرك بأنه كان يعد لها مفاجأة وهى لا تفكر ولا ترى سوى خيانته التى لم يرتكبها بل مرض يتملكها، تنهدت بضيق من فعلتها وألقت الظرف على الفراش ثم أخذت الهاتف وأتصلت به رغم أتصالاته الكثيرة بها مُنذ الصبح وهى تتجاهله...
****************
كان يقود سيارته بصحبتها وهو لا يعلم إلي أين يذهب أو ماذا حدث له ليأخذها هكذا بعيدًا ويخرج عن شعوره فقالت بتعجب وما زالت مُصدومة من فعله:-
-أنت رايح على فين؟
أجابها بضيق شديد قائلًا:-
-فى شقة بتاعت أنس أخويا فاضية ممكن تقعدي فيها لأن أنا مقدرش أوديكى شقتى أنا راجل متجوز ومراتي مجنونة
كادت أن تجيب لكن قاطعهم أتصال "قدر" فأوقف السيارة على جانبًاَ وقال:-
-ثواني
ترجل من سيارته ليجيب عليها قائلًا:-
-أيوة يا قدر دا ما أفتكرتي تشوفي ال12 مكالمة اللى اتصلت بيكي فيهم
أجابته بحدة قائلة:-
-أنت مين اللى قالك أنى هسافر مع شخص مريض زيك؟
أغمض عينيه بضيق شديد من كلماتها القليلة التى تحمل الكثير من الوجع له، تمتم ضاحكًا بسخرية شديد من حاله:-
-مريض زي، وأنتِ عرفتي منين أنك هتسافري معايا.. متقوليش أنك فتحتي الظرف عشان بتشكي فيا
ضحكت هى الأخرى بسخرية من دورها مثله وقالت:-
-أكيد دا أنا مش بشك أنا مُتأكدة حياتى أنك بتخوني، لا ومش بعيد كمان تكون مع واحدة دلوقت
نظر إلى السيارة و"فلك" بالداخل فهى تعتبر مساعدته لها خيانة، ألم تكتفي بأهانته وإذلاله بمرضه لتدفعه هى إلى خيانتها بسبب أفعالها، هو يسعى جاهدًا فى إصلاح الأمر بينهما لكن هى تفعل كل شيء لتخريب حياتهما، أجابها بلهجة قوية مُنتقمًا منها:-
-أيوة مع واحدة يا قدر وأقولك على حاجة، أسمعى صوتها
فتح باب السيارة وظل واقفًا لتقول "فلك" بلطف شديد:-
-لو خلصت تليفونك خلينا نمشي
أومأ إليها بنعم ثم قال بصوت خافت لم تنتبه له "فلك":-
-سمعتى، أقفلي يا قدر ومتستنيش واحد مريض زي النهاردة أنا هبات برا البيت النهاردة
أغلق الخط دون أن يترك لها مجال للجواب وأنطلق بسيارته فى حين أن بداخله بركانًا ناريًا مُلتهب بسبب كلماتها وإهانتها، سمع صوت ضحكات كثيرة من الخلف وهو يعلم مصدرها جيدًا ثم أتاه صوت "غزل" تقول:-
-أيه رأيك بقي يا حبيبي؟ إن شاء الله تكون مبسوط بحياتك اللى بتتهدم على دماغك دى
حاول جاهدًا تجاهلها وهو ينظر إلى "فلك" بطرف عينيه بخوف من أن يفقد سيطرته ويستجيب إلى "غزل" وتعلم "فلك" بمرضه لكن "غزل" كانت تفعل كل شيء لتفقده سيطرته حتى تعلم "فلك" بمرضه وتهرب بعيدًا عنه لتقول:-
-لا متقلقش أنا وراك وراك لحد ما تهرب منك، أنا مش هبلة زى قدر وهسيبك كدة لما واحدة غيرى تأخدك منى، أنت بتاعي أنا وبس يا يونس
هز رأسه بضيق وقد بدأ يظهر عليه التوتر الشديد والأرتباك و"فلك" لا ترعي أى أهتمام لـ "يونس" فى صمته ولا تعلم أنه الآن داخل صراع قوي، تابعت "غزل" وهى تجلس بينهم الأثنين:-
-تفتكر قدر هتسكت على اللى عملته دا، ولا أنا ممكن أستني زى الهبلة اللى فى بيتك لما واحدة تاني تظهر فى حياتك وتخطفك منى ومتقولش أنك بتساعدها لأن أنك تساعدها وتصعب عليك وتتخانق عشانها كدة لو سيبتك هيقلب حب يا سبع الرجالة
تأفف بتعب شديد وهو يكاد يصرخ فى وجهها لكنه ينظر إلى "فلك" الجالسة جواره وتقيد لسانه، نظرت "غزل" إلي "فلك" مثله ثم قالت بسخرية:-
-عجباك فى أيه وهى شبه السحلية كدة، حتى لو حلوة شوية دى صاحبة مرض أنت ناقص
فقد أعصابه من كلماتها وقال صارخًا:-
-وأنا أيه مش مريض
فزعت "فلك" من صرخته وألتفت إليه بعد أن كانت تنظر إلى الطريق من النافذة فى صمت، تأفف بضيق شديد ثم أوقف السيارة فوق الكوبري وترجل منها مُسرعًا، وصل إلى حافة الكوبري ونظر إلى مياه النيل ثم جلس على الأرض، تابعت "فلك" بنظراتها حتى رأته يجلس على الأرض ويغمض عينيه الأثنين بقوة ويضع يديه على أذنه ربما يساعده هذا فى التخلص من صوتها الذي يضربه، شعرت "فلك" بقلق شديد من رؤيته هكذا فى الطريق وكل من يمر ينظر إليه مُعتقدين أنه مريض، فتحت باب السيارة وترجلت وهى تسير نحوه، جلست "غزل" جواره وقالت بحزن:-
-لا يا يونس أنت مش مريض أنت حبيبى أنا وأنا بحبك
ما زال يسمع صوتها بوضوح وأنسداد أذنيه لم يكن حل فهى بداخله وصوته عالقًا فى عقله وصدره، ذرفت دمعة من عينيه بضعف وغزل تقول:-
-متعيطيش يا يونس أنت عارف أنت غالي عندي قد أيه، أنا مقصدش أقول أنك مريض بس أنا مقدرش أخسرك و....
تلاشي صوتها تمامًا وشعر "يونس" بشيء دافيء ناعمًا يلمس وجنته، فتح عينيه بخوف من أن تكون "غزل" أصبحت حقيقة وهذه الخرافة تضارب عقله دومًا فلم يشعر بها بهذا الدفء من قبل لكنه دُهش عندما رأى "فلك" من تجلس جواره على الأرض وتجفف دمعته بلطفها، تطلع بها بذهول تام وهى تبادله النظر داخل عينيه لكن ببراءة ودفء قادرًا على أحتواءه وأنتشاله من أوهامه وأوجاعه وتلاشت "غزل" تمامًا مع لمس "فلك" لوجنته، تمتمت "فلك" بقلق شديد عليه:-
-أنت كويس؟ لو حاسس أن فى حاجة تعباك ممكن نروح المستشفى
لم يجد جواب علي كلماتها فظل صامتًا يحترق بالداخل فى هدوء تام، تابعت "فلك" ببراءة وهى تقدم له المساعدة كما يفعل دائمًا إليها:-
-لو مريض ممكن نروح لدكتور
أراد أن يبكي كطفل صغير فهو لا يحمل مريض يمكن علاجه بالدواء أو تقلل ألمه بعلاج يدونه الطبيب له، تسائل كثيرًا ماذا سيكون رد فعلها عندما تعلم برؤيته للأوهام ويتحدث مع أشخاص لا وجود لهم، بالتأكيد ستراه كما تراه "قدر" أقرب شخص له وأكثر شخص يحبه لكن بعد علمها بمرضه تلاشي الحب وظهر الكره والأشمئزاز بداخله تجاهه..
**************
علم "أنس" بما حدث بين "قدر" و"يونس" بعد أن أتصلت به لتخبره بخيانة اخاه لها وأنها لن تتحمل هذا الشيء كثيرًا، لكن الآن أكثر سؤال خطرت على عقل "أنس" من هذه المرأة التى كانت بصحبته؟ فهو يعلم جيدًا أن أخاه ليس بخائن ولا يقترب من امرآة سوى هذه الشخصيات التى تظهر فى عقله الباطن بسبب مرضه، لكن كون "قدر" سمعت صوتها فهى لم تكن من صُنع عقله بل امرأة بحق؟، خرج من مكتبه ليذهب إلى مكتب "فلك" فأخبرته "هالة" بأن "يونس" وافق على طلب أستأذئنها لأنها تشعر بالمرض، مما أدهش "أنس" وبدأ يُشك فى الأمر، رن هاتفه بأسم "يونس" ليقول:-
-أيه اللى أنت هببته دا؟
أتاه صوت "يونس" يضحك بسخرية ثم قال:-
-هو أنا مفيش حاجة بتحصل فى بيتى إلا لما توصلك، قولها تكبر شوية وتتعلم تحفظ أسرار بيتها شوية
صاح "أنس" بغضب شديد قائلًا:-
-أنت مُتخلف؟ أنت بتصلح ولا بتخرب
تجاهل "يونس" حديثه قائلًا:-
-أنا عايز مفتاح شقة مصر الجديدة
شعر "أنس" بالعجز من هذا الحديث وعناد أخاه ليقول بضيق:-
-هتلاقيه مع البواب يا يونس، صحيح مين اللى كانت معاك وأنت بتكلم.....
أغلق "يونس" الخط دون أن يترك المجال لأخاه أن يسأل، نزل "أنس" من العمارة ليغادر الشركة فرأي سيارة "فلك" أمام العمارة مما أدهشه فكيف غادرت "فلك" بدون سيارتها ليبتسم بعفوية وهو يقول:-
-يا سعيد
جائه البواب فسأل بحماس شديد وهو يتصل برجل الصيانة قائلًا:-
-متعرفش أيه اللى بايظ فى العربية
أجابه سعيد بجدية قائلًا:-
-لا هى مش بايظة يا بيه دى الأستاذة صاحبتها مشيتي مع يونس بيه
أتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة ألجمته وتكرر حديث "قدر" فى أذنيه ووجود أخاه مع فتاة ومُنذ قليل طلب مفتاح شقته المُغلقة مما جعل الأفكار السيئة تقفز إلى عقل "أنس" ليغلق الخط قبل أن يجيب مركز الصيانة...
*****************
خرج "يونس" من الشرفة ليراها ما زالت واقفة أمامه ولم تجلس ليقول:-
-واقفة ليه؟ أقعدي
أجابته "فلك" بضيق شديد قائلة:-
-أنا مقولتلكش أنى عايزة أجي هنا ولا حتى دور لي على مكان أقعد فيه
تنهد بضيق شديد ثم قال بصراخ غاضبًا:-
-عايزاه تروحي لبغل اللى بيضربك
نظرت "فلك" له بأنكسار ليقول بضيق شديد ونبرة جادة:-
-باين؟ باين أوى أنه هو اللى بيضربك أنا مفيش مرة صادفتك غير وعلى وشك أثر الضرب ويا عالم باقي جسمك فيه أيه من همجيته، دا دا اللى ظاهر قدامي وقدام الناس كلها، بيستقوى عليكي لأنه ضعيف لما قفتله قبل كتكوت مبلول
تجمعت الدموع فى عينيها بأنكسار وحزن شديد ثم قالت بضعف:-
-بس أخويا وماليش غيره، لو ليا غيره من هفضل أكيد محدش بيرضي بوجعه وإهانته وذله لكن هروح فين، هروح فى شقة مفروشة مع واحد متجوز وحرام أقعد معاه فى مكان لوحدي
ألتفت كي تغادر وهى تبكي بوجع وتمتم قائلة:-
-أتذل وأتهن لكن معملش حاجة حرام ولا سمعتي تبقي على كل لسان وأنا نقدرة مساعدتك ليا لكن مينفعش
أسرع خلفها ليغلق الباب قبل أن تغادر ونظر إليها قائلًا:-
-أستني بس، دى مش شقة مفروشة دى شقة أهلي اللى أتربت فيها وملكنا، وأنا مش هقعد معاكي أنا هنزل أجيبلك أكل وحاجات من السوبر ماركت وهمشي وهسيبلك المفتاح وكمان ممكن تقفلي على نفسك من جوا
ذرفت الدموع من عينيها بضعف وقد بدأت فى الأنهيار فلم يعاملها أحد برفق ورحمة هكذا من قبل ثم قالت بلهجة واهنة:-
-ولما أبات برا البيت بعد الخناقة اللى حصلت فى الشارع بينك وبينه الناس هتقول عليا أيه؟ أنا أيه رأى الناس ميهمنيش ما دام مبعملش حاجة غلط ولا بغضب ربنا بس أنا شخص أيامه معدودة والموت بيخط على بابه ليه أموت والناس بتجيب فى سيرتي بالشر
ربت على كتفها بلطف وهو يقول:-
-أهدئي طيب، بعد الشر بس أنتِ لو مُت هتموتي بسبب ضربه ليكي فعلقة بيديها لك ممكن ضربة تموتك لكن أنا لو مكانك هعيش مبسوط وأفرح وأعمل اللى يبسطنى وبس
رفعت رأسها للأعلي نحوه وأقتنعت قليلًا بكلماته ليقول:-
-أدخلي وأنا هنزل أجيب حاجات من السوبر ماركت وأجيبلك عشاء وخلي المفتاح معاكي عشان تطمني أكثر
نظرت للمفتاح مُطولًا ثم أخذته بضعف ودلفت للداخل فى حين أنه غادر المكان، تجولت بالصالة والصالون حتى دق الباب لتذهب كى تفتح ثم دلف "يونس" مُحملًا بالكثير ليضعهم على السفر وقال:-
-أنا همشي وهتلاقي هدوم فى الدولاب جوا بتاعت والدتي ممكن تغيري لو تحبي
نظرت للطعام ثم قالت:-
-أنت ممكن تأكل قبل ما تمشي، أنا مش هأكل كل دا لوحدي
أومأ إليها بنعم وجلس معها يتناولا الطعام لكنه صُدم عندما رأي "غزل" تجلس على المقعد المقابل له وتقول:-
-أن شاء الله يكون الأكل معها حلو ويفتح النفس
نظر إلى "فلك" بقلق ثم إلى "غزل" فقالت "غزل" بأهتناق شديد:-
-يعنى يوم ما تفكر تخوني وتقهر قلبي يكون مع واحدة بتموت، ما هي هتموت وتسيبك ومش هيبقى لك غيرى
قذف "يونس" طبق السلطة فى وجهها بانفعال صارخًا:-
-أخرسي
نظرت "فلك" بذعر وخرجت منها صرخة قوية بعد فعلته لترتجف بقلق، هرب "يونس" من أمامها إلى الغرفة المجاورة فظلت واقفة مكانها، لا تفهم شيء ولم يصرخ دومًا بعد صمت طويل لتنتبه لكلمته "أخرسي" فهى تتذكر جيدًا بأنها لم تتحدث، سمعت صوت بكاء ضعيف فألتفت وهى تسير نحو الغرفة بقلق وفتحت الباب لتراه جالسًا هناك على الأرض، يبكي بضعف شديد وكل هذا بسبب أخاه مُنذ أن واجهه "أنس" بحقيقة "غزل" وكونها وهم فى عقله وأصبح أضعف ودائمًا خائفًا من الجميع لا يصدق أن هناك من سينعته بالمجنون، أقتربت "فلك" بقلق عليه وهى لا تفهم شيء مما يحدث معه وجلست على الأرض أمامه وتطلعت به ثم قالت:-
-أنت كويس؟
أعطاها رابطة عنقه بضعف وقال:-
-أربطي عيني
حدقت "فلك" برابطة عنقه بعد أن أستمعت إلى جملته وقالت:-
-أنت بتشوف أيه بتهرب منه أوى كدة ومش عايز تشوفه
صمت ولم يعقب على كلمتها فقالت بعفوية وبسمة رُسمت على شفتيها بدفء:-
-بتحبها؟
عقد حاجبيه فعدم فهم وقال بتساؤل:-
-هى مين؟
ضحكت "فلك وهى تجلس بجانبه وقالت بإيجابية:-
-اللى بتشوفها ومحدش بيشوفها غيرك
أتسعت عينيه على مصراعيها بذهول من كلماتها وكونها تعلم بحقيقته ليسألها بتلعثم شديد:-
-أنتِ ..
ضحكت بلطف قائلة:-
-أنا عارفة، عارفة أنك بتحبها وبتشوفها عادى ومش بقول عليك مجنون ولا حاجة، أكيد هتخف فى يوم أنت بس مش لاقي اللى يقف جنبك لحد ما تخف
تتطلع "يونس" بلطف شديد وهو يشعر بأحتواء ولأول مرة يفهم معنى الأمان ليقول بشرود تام فى عينيها وبسمتها التى أدخلت السلام الداخلي إلى صدره:-
-تتجوزينى...
فتح عينيه بدهشة ألجمته من هذا المنام البسيط ليراها تجلس أمامه وهو نائمًا على الأرض وتضع يديها أعلى ركبتها وتتكأ برأسها عليهما مُنتظرة يقظته فقالت:-
-أخيرًا فوقت
كانت تبتسم بلهفة وعلى وجهها ملامح الخوف والقلق الذي تملكها لتقول:-
-خوفتنى عليكي لما سمعت صوت خبط ودخلت لاقيتك مغمى عليك
ظل ينظر إليها وهو شاردًا فما رأه وطلبه للزواج منها فوضعت يدها على جبينه بقلق من أن يكون صمته سببه المرض أو أصابه شيء، كانت يديها دافئة وناعمة رغم صغارها إلا أن هذه اليد حملت إليه السلام الذي لم يشعر به فى هذا العالم أجمع ليتمتم بنبرة دافئة وعينيه لم تفارق عينيها قائلًا:-
-تتجوزينى يا فلك؟!
سقطت أرضًا للخلف من صدمتها وعينيها تحدق به كأنه صعقها بصاعقة كهربائية شلت حركتها وجمدت لسانها........
يتبــــــــــــــع.....
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق