رواية احببت معقده رواية احببت معقده الفصل الاول والثاني بقلم فاطمه سلطان حصريه
رواية احببت معقده الفصل الاول والثاني بقلم فاطمه سلطان حصريه
ربما الحياة هي عبارة عن عده تواريخ مؤلمة، السنة بها أيام كثيرة ولكن بها تواريخ معينة تحفظ بالذاكرة ولا تُنسي ونادرًا ما تكون هذه التواريخ مُفرحه
_________________________________________
كانت هدير تجلس في غرفتها الصغيرة تُدَوَّنُ بعض الكلمات
" كثيرا منا لديه هُمُومٌ وَرُبما المقارنة بينك وبين الآخرين تكون بها نَفْعٌ اَوْ ضَرَرٌ فاذا حاولت المقارنة بينك وبين من هم في حاله أسوأ منك تأخذ العبرة والعظة وتعلم نعم الله عليك الذي اعطاها لك وذلك يكون الجانب النافع
اما الجانب الضار هو مقارنه نفسك بمن هم في حاله أفضل منك، دعوني اكون صريحه أكثر لا استطيع قول شيء غير انك يجب ان تعلم انك أفضل من أي شخص سواء كنت تري من هم أقل منك أو اعلي منك فلا تقارن حتى وان كانت نافعه فانت لا تعلم ما بداخل كل نفس "
توقفت هدير عن قراءه ما كتبته حينما سمعت صوت عمتها و هي تناديها لمساعدتها في ترتيب البيت فأغلقت هدير اجندتها ...
________________________________
يجب ان نتعمق نحن في تلك الأجندة حتي نعلم من هي هدير و لما دونت هذه الكلمات
_________________________________
في العشرين من نوفمبر عام 2005
فقدت هدير والدتها لم تكن مريضة او كبيرة في السن فالموت لا يعرف شيخاً او طفلاً فهي كانت في الثلاثين من عمرها
توفت والدة هدير وتركتها بمفردها فكان زوجها يعمل في الخليج وحتي انه لم ينزل ليحضر دفنتها او يأتي ليواسي ابنته وينظم حياته من جديد بما يناسب هذه الطفلة التي باتت وحيده
كانت هدير تبكي فهي مازالت طفله صغيرة في عمرالعاشرة ولكن قلبها مُحطم فهي تعلم انها فقدت والدتها للابد ولن تستطيع ان تراها مُجَدَّدًا، فما الذي قد ينفعها غير البكاء.
حينما دخلت هاجر الغرفة وجدت هدير نائمة و تغطي نفسها فهي تريد ان تحجب نفسها عن العالم تشعر بالضيق كلما تفكر في الخروج و تري النساء يرتدوا تلك الملابس السوداء تشعر و كأن الدنيا كلها اصبحت سوداء امامها
دخلت هاجر و هي عمتها في الخامسة و الثلاثون من عمرها وتعيش في شقه زوجها الذي توفي بعد زواجهم بخمس سنوات فهي عقيمة و لا تستطيع الانجاب و اكتشفت ذلك حتي قبل موت زوجها، حاولت هاجر ازاحة الغطاء التي كانت تتشبث به هدير و نجحت في ذلك تبعده لتراها في وضعية الجنين تبكي و تداري وجهها بكف يديها
اردفت هاجر بأسي وحُزن شَدِيدٌ : هدير اهدي يا بنتي
- انا عايزه ماما هي قالت انا مش هتسبني
- يا بنتي متقطعيش قلبي خلاص راحت عند ربنا وهي في مكان احسن لو بتحبيها بجد بطلي عياط وبعدين انتِ مش لوحدك انا استحاله اسيبك من النهاردة
أخذتها هاجر في حضنها لتبكي على بكاء الصغيرة في احضانها، فهي لا تجد من الكلمات التي تستطيع اَنْ تُخَفِّفُ بِهَا جَرَّاحٌ هدير، نامت هدير بعد وقت في حضنها أو انها استطاعت ان تتصنع ذلك.
فوضعتها هاجر في فراشها ودثرتها بالغطاء وقبلت راسها، ثم خرجت
وجدت ان الناس قد ذهبت فوالده هدير لم تكن لها اقارب نهائيا فهي كانت بلا جذور كانت تتربي في الملجأ ولم تكن تعرف لنفسها اهل، حتى اصبحت قادره على العمل أثناء جامعتها وتعرفت على عماد وتزوجته منذ أحد عشر عام تقريبا
كانت في البداية حياتهما مستقرة إلى حد ما ولكن حينما بدا زوجها العمل في الخارج شعرت ان حياتهم على وشك ان تُهدم ولم تكن تحد تفسيرا لهذا الشعور وقتها
خرجت هاجر ووجدت اخيها يجلس علي احد الكراسي الموضوعة في الصالة
هاجر بحده ولكن بصوت منخفض حتي لا تفيق الصغيرة فلا شك انها تشعر بالذنب الشديد
- اخوك قالك ايه ياريت من غير لف ولا دوران
لم تكن هاجر تعلم ان هذه الشقية تصنعت النوم حتي تقف خلف الباب و تستمع الي حديثهم ربما الفضول التي كانت تمتلكه بحسن نيه سيكون هو اسوء شي في حياتها و من سيدفعها لتفعل ما لم تتوقع فعله، الفضول سلاح ذو حدين
تحدث حسني البالغ من العمر خمسه واربعين عام في نبره متوترة
- مش عارف اوصله بتصل بيه في الشغل واخذ اجازه بقاله كام يوم
- اخوك بيقضي شهر العسل صح ؟؟
حسني بنبره منزعجة ومتأففة فهي تَلَقّي اللَّوْمُ عَلَيْهِ في كل مرة
- ما خلاص بقا يا هاجر انتِ بتعاتبيني انا ليه ؟ هو انا اللي عملت كدا هو حر في حياته
- انتم مخليني شريكة معاكم ياريت كنت قولتلها انه هيتجوز عليها بدل عذاب الضمير اللي انا فيه منك لله انتَ وهو
حسني بانزعاج : بقولك ايه يا هاجر خلاص اخوكي مش صغير وهو حر
- هو حر في حياته مش في حياة بنته دلوقتي ملهاش حد، دي نعمل فيها ايه نسيبها لوحدها وله نقولها ان ابوها بيقضي شهر العسل
حسني حاول ان يهدأ من انفعال اخته يفعل اي شي حتي يمتص غضبها وان يتخلص من كلماتها
- انا هاخدها البيت تبات مع ريهام والولاد لغايت ما ابوها ينزل من السفر
- انا مش هسيبها لمراتك انا مبقولش علشان تأخذها انتَ انا بقول ان لازم ابوها يكون جنبها
حسني بانزعاج من كلمات اخته التي تخترقه كالرصاص
- انا اديتهم خبر في الشغل ان اول ما يرجع من الاجازة يبقي يكلمنا و ان مراته اتوفت
في الداخل بكت هدير من خلف الباب بصوت منخفض تماما فشعرت انها بِلَا مَأْوِيٍّ وَفَقَدْتْ النَّاسُ اجْمَعينِ بموت والدتها رغم انها يعتبر في مُقْتَبَلُ عُمرها الا انها شعرت بمشاعر مميتة، ربما عقلها لم يستوعب الموقف جيداً ولكنها شعرت بمعني الوحدة لتكون هي اولي عُقد حياتها
_________________________________________
علي لسان هدير: طبعا كلكم متشوقين تعرفوا ايه اللي حصل، بابا عمل لعمي توكيل علشان يبيع الشقة اللي كنت عايشه فيها انا و امي و باع نصيبة في بيت العيلة و قال انه مش هيقدر ينزل اجازه و كلمني مكالمة تقريبا ناس غرب صعبت عليهم اكتر منه
________________________________________
بَعْدَ مُرُورِ ثمانية اعّوامٍ تَقْرِيبًا، كَانْتْ هَدِيرُ طَوَالَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ هِيَ كُلُّ شَيْءٍ بالنسبة لِهاجَرَ فَأَصْبَحْتَ تُقِيمُ مَعَهَا بعدما كانت وحيدة وجدت لَهَا جَلِيسٌ وَ اَنيسٌ لَمْ تَبْخَلْ عليها هاجر فِي ايْ شِيء فأكرمتها مَادِّيًّا وَ مَعْنَوِيًّا
وَلَكِنْ كَانَ هناك مِنْ أَعْطَاهَا رُوحَهُ وَقَلْبَه بِلَا مُقَابِلٍ
في منتصف شهر يوليو عام ٢٠١٣
و هو احد الايام المهمة في كل عام لجميع العائلات المصرية و هو وقت إعلان نتيجة الثانوية العامة، كانت هدير في بيت احدي زميلاتها في المدرسة و تقيم بنفس الشارع معها حتي تُعلن النتيجة ثم تعود الي المنزل لعدم توافر النت لديهم وربما لم تكن هدير شخصية شغوفه بالإنترنت او عالم التواصل الإجتماعي بأكمله فكانت شخص مُنعزل عن كل شي حتي انها لم تكن تمتلك اي حساب علي اي موقع حتي هذا الوقت
وبعد وقت اعُلنت النتيجة ولم تحقق هدير الدرجات او المجموع التي يتفاخر الناس به في هذا اليوم فهي حصلت علي خمسة و ثمانين في المئة لم تشعر بالسعادة و لا بالحزن ايضاً فقد أصبحت الدنيا كلها بالنسبة باهتة فمن يحزن في هذا الوقت من لديه هدف ولكنها لم تكن يوما لديها هدف او خطط مستقبلية
فخرجت من عند زميلتها ثم عادت الي المنزل لتخبرعمتها بنتيجتها
فِي أَحَدِ الْبُيُوت الْقَدِيمَةِ فِي أَحَدِ الاحياء الشعبية الَّذِي لَا يُغَيِّرُهَا الزَّمَن ومازالَت تحتفظ بشقوقها وكَأَنَّهَا امْرَأَةٍ لَمْ تُسْتَخْدَم مستحضرات التجميل لتخفي عَلَامَات الزَّمَنِ فِي بيت بتكون مِنْ ثلاثة طوابق ويُمكنك مِنْ شَكله الخارجي أَن تخمن أنه مَرَّ عليه الْكَثِيرِ مِنْ السَّنَوَات وَرِثُه جِيل بَعْدَ جِيلٍ فَهُوَ يَرْجِعُ ملكيته إلَيّ جَدّ هدير
فتحت هدير باب المنزل بهدوء ووجدت صوت عمتها مُنْفَعِلٌ للغاية كالعادة مع عمها حسني، في الواقع رُبما تغيرت شخصية هدير كَثِيرًا ومَرّْتْ سَنَوَاتٌ و لكنها لم تتغير بها عادة الاستماع الي احاديث الآخرين و قد تَجِدُ مُتْعَةً في ذلك و لكن ليبقي فضولها هو السبب في فعلها الكثير من الأشياء الحسنة والسيئة
سمعت هاجر تتحدث بانفعال ونبرة غاضبه لا تتحدث بها مَعَهَا إِطْلَاقًا
- اخوك زودها اوي ايه كل شويه مش عايز يبعت ليها مصاريف، ده مفكرش يبعت حاجه من وفاة مراته الا مبلغ قليل مكملش مصاريفها سنة، وايه كل شويه الحالة معاه مقصرة ومعندوش وقت ينزل دي
حسني بانزعاج وَتأَفَّفٌ شَدِيدٌ من استمرارها بِلَوْمِهِ و كَأَنَّهُ السبب فيما يحدث
- انتِ كل ما تحبي تزعقي مش بتلاقي غيري قدامك اخوكي خلاص خلف ولدين من مراته وحتي انه غير نمره تليفونه ومبعرفش اوصله الا عن طريق الشغل
اخوكي شايف انه ندم لما اتجوز ام هدير الله يرحمها رغم ان ساعتها عاند بابا وصمم انه يتجوزها، هو حاسس انه غلط و انها كانت لحظه تهور وشهامة
ثم أكمل بنبره هادئة و لكنها استفزت هاجر
- انا مقدر انك طول السنين اللي فاتت وانتِ بتصرفي علي هدير من جيبك و ان ممكن يعني تكوني تعبتي من حملها
- هدير عمرها ما كانت حمل بالنسبالي، هدير لو طلبت عيني متغلاش عليها انا اعتبرتها عوض ربنا ليا ووجودها معايا اجمل نعمه في حياتي
أردف حسني بِنَبْرَة هادئة
- هدير مش عيله صغيره عشان اخد فلوس منك كل شهر واجيبلها حاجات واديها فلوس علي اساس انها من ابوها هي من حقها تعرف ان محدش تعب معاها غيرك لازم تعرف ان ابوها مبعتش فلوس الا ساعه بيع الشقة
هاجر برفض تام ان تعرف هدير شيئا فهي تعلم كيف من الممكن هذا الشيء اَنْ يُدَمِّرُ مِنْ نفسيتها
- انا طول السنين اللي فاتت خبيت عليها علشان مشوفش منها دمعه واحدة
دخلت هدير عليهم بملامح مبهمة تماما و كان الدموع تحجرت يكفي تمزيق قلبها فإذا كان لا يريدها فلما يُنْجبُها وَ لِما يُعَذَّبُها ولَا يَتَحَمَّلُ نتيجة اختياره السَّابِقُ
هاجر بتوتر حينما وجدتها أمامها
- جيتي امته يا هدير
لتنظر في عَيْنْيْهَا بِنَظْرَةٍ قلقة لِتُجيبَها بالشيء اَلَّذي تَوَقعته
- انا سمعت كل حاجة يا عمتي
________
الفصل الثاني
لتنظر في عَيْنْيْهَا بِنَظْرَة قَلِقَة لِتُجيبَها بِالشَّيْءِ اَلَّذي تَوقعته
- سمعتي ايه يا هدير بس ده ....
قاطعتها هدير بِوَجَعٍ كَاَلْطَيْرِ اَلْمَجْروحِ، وكأن والدها انجبها ليُتْعِسها
- من يوم ما امي ماتت عارفة ان بابا اتجوز بس عمري ما اتوقعت اني طيش شباب في حياته واختيار غلط مش محتاجه انك تكدبي عليا انا املي في كل حاجه في الدنيا اندفن مع امي، انا يتيمه الاب والام من لما مجاش يشوفني ولو كان بعت الفلوس اللي اصرف فيها متخلصش العمر كله انا برضو عمري ما كنت هعتبر انه ابويا
هَاجَرَ بِحُزْنٍ شديد اَنْ تَكُونُ السّبب فِي حُزْنِها فَهِيَ اخر شخص قد يُفَكر في حُزْنِهَا فهي اعتبرتها ابنتها حَقًّا
- هدير افهمي بس ..
حسني حاول ان يَهْدَأُ الوضع
- يا بنتي عمتك عملت كل ده علشانك
هدير متجاهله الحديث في هذا الموضوع حتي تَتَغَلَّبُ علي تلك الدَّمعَة التي تُهدد بالسقوط و لكنها اَبَتْ ان تبكي علي من لم يهتم بها يَوْمًا
- انا جبت 85 في المية يا عمتو عن اذنكم
قالت هدير كلمتها وتوجهت الي غرفتها لَعَلَّهَا تنفرد بِهُمُومِهَا وَوَحْدَتِهَا وَتبكي علي والدها الذي يتعمد أن يكسرها
_________________________________________
في غرفة هدير، غَرِقْتْ فِي نوَبِهِ مِنْ الْبُكَاءِ فهي تَدَّعي القوة ولكنها لا تمتلك منها شيئا امام نفسها، ولكن لتُحفظ هذا التاريخ أيضا فهذا هو اليوم الثاني التي علمت انها ليست من ضمن اختياراته بل هي اختيارات قديمة قد نَّساها ونَدَمَ عليها، قاطع شرودها وحُزْنُهَا حينما وجدت من يَقْذِفُ الطُّوبَ على باب شرفة غرفتها ليقطع خَلْوَتُها مَعَ نَفْسِهَا؛ فقامت ومسحت دموعها
فتحت الشرفة لتجد قاسم يمسك بيده طُوبَة أخرى ويكاد يقذفها في وجهها فهو لم يَأْخُذُ بَالَهِ بِخُروجها، وينظر في الناحية الآخرى فهو رأها ويه تدخل البيت
فحينما صعد إلى بيتها وجد حسني سلم عليهم وتحجج بأي شيء وهبط، فهو لا يشعر مع حسني بالارتياح الكافِي ورُبما هو شُعُورٌ مُتبادل بينهم
((قاسم في الرابعة والعشرين من عُمره يعمل في الصباح في شركة أدوية، خريج من كلية العلوم منذ عام تقريبا وفي المساء يقف في إحدى الصيدليات مع صديقه ثلاث أيام في الأسبوع فقط وباقي الأسبوع يساعد والده أحيانا أو يذهب في الحملات التي تقام لتوعيه الناس فهو شَغُوفٌ جِدًّا بالنشاطات وتكوين العلاقات الاجتماعية
فهو عكس هدير تَمَأمًا فهي افشل شخص من المُمكن ان يتعرف على الناس او تكوين صداقات وعلاقات مع كِلا الْجنسين، لا تشعر بالارتياح نهائيا في الاماكن التي بها اعداد وتجمعات هذا شعور داخلي رُبَّمَا تحاول الا تظهره، فالأيام التي ذهبت فيها إلى مدرستها بعد وفاة والدتها قليله جدا فدائما كانت تجعله هاجر تقدم لها شهادات مرضية وتَاخُذُ الدُّرُوسِ في أقل المجموعات عَدَدًا))
علي لسان هدير :
قاسم هو اللي بقالي سنين بصحي من النوم و اشوفه في وشي ده جارنا ابن عم خليل الفكهاني وعنده سوبر ماركت، وحيد زيي كان عنده اخت وماتت تقريبا في وقت موت والدتي، واحب ابلغكم اننا بناكل الفاكهة ببلاش دايما
ده الشخص الوحيد اللي بحس انه كل شيء بالنسبة ليا وكان معايا في كل خطوه في حياتي علاقتنا مكنش ليها مسمي بس لما الدنيا بتيجي عليا ببقي عارفه ان قاسم موجود ودي لوحدها كانت كفاية بالنسبالي
هدير بانزعاج وعيون متورمة من كثرة البكاء حينما وجدت الطُوبَة بيده
- احدفها في وشي احسن انا عايزة اعرف جايب الطوب ده منين والله
قاسم بِغَضَبٍ بسبب تأخيرها وكَأَنَّ الرُّوحَ عَادْتْ في جسده حينما استطاع رؤية صغيرته
- ناسية تليفونك ولا علي بالك وصاحبتك مين اللي كنتي عندها دي لغايت دلوقتي
هدير بلا مبالاة فيكفيها ما تشعر به ولكنها لا تستطيع ان تُنكر ان بمُجَرَّدَ رُؤيته تَبُثُّ في نَفْسِهَا الرَّاحَةَ وَتَعَلَّمَ انها ليست وحيدة
- عند ميار والتليفون نسيته هنا في البيت وبعدين وطي صوتك الناس كلها هتشاركنا من البلكونات
- اه واللي عايز يطمن عليكي يتحرق
هدير بانزعاج وتأفف
- ما انتَ اكيد جبت النتيجة يعني ما انتَ معاك رقم الجلوس وحافظه اكتر مني
ركز قاسم في تلك الْعُيُون التي يعلمها جيدا مُتجاهلا اسلوبها الْفَظُّ الذي يعلم انه يحمل ورائه الكثير من الْهُمُومِ فلا يَصْعُبُ عليه مُعَرَّفُهُ رَفيقَةُ دَرْبِهِ
- مالك يا هدير انتِ كنتي بتعيطي وله ايه
هديرهَزّْت رأسها نافية وكأنها نَسْتَ علي من تَكْذِبُ فهو يعرفها اكثر مما تعرف نفسها
- انا بس عيطت ساعه النتيجة، انا عايزة انام شويه ويعتبر كنت هنام وقمت بسبب دوشتك الشيش خلاص هيتكسر في يوم بسببك وهتصلحه علي حسابك ده من ايام جدي
ثُمَّ حاولت مُحَاوَلَةٌ فَاشلة اَنْ تُخفي كَسَرَتها عَلي رَفِيق دَرْبَها
- ياريت تطفي الاغاني اللي مش بفهم منها كلمه دي شكلك مش بتتكيف الا لما ام محمد تردح لينا زي كل يوم وتعملنا حريقه في الشارع
قاسم بِعَدَمِ اقْتِنَاع فهو يعلم جيدا ان هناك شيء بها
- سألتك سؤال .. في ايه ؟
هديرمازالت تحاول ان تَكْذِبُ عليه
- ايوه عيطت بسبب النتيجة مفيش حاجه تانية صدقني
قاسم باقتراح حتي يُخْرِجُهَا مما هي فيه و يستطيع ان يعلم ما بها
- تحبي ننزل نتمشي زي كل يوم
هدير بعدم معرفة وَتَلَعْثَمٍ فهي تريد إنهاء الحوار لعلها تستطيع الانفراد بِنَفْسِهَا
- مش عارفه الوقت اتأخر
- خلاص نتقابل الصبح ونروح نسحب الملف بتاعك من المدرسة
- تمام يا قاسم امين افندي و بعدين الصبح انتَ هتكون موجود ازاي انتَ مش وراك شغل وله طردوك ؟
- قاسم خليل يا ام لسان طويل، قاسم امين ده اللي خلانا نسمع صوت لاشكالك اما بالنسبة للشغل انا أجازه بكرا
ثم أكمل قاسم بغرور مزيف
- ميقدروش يستغنوا عني وانا برضو مقدرش استغني عنهم ورايا جمعيات و لو قعدت من الشغل ام محمد لو مدتهاش فلوس الجمعية كل شهر هتعلقني علي باب بيتكم
ضحكت هدير وكأنه استطاع ان يرسم البسمة على وجهها، فخرجت أم محمد تلك الجارة التي تقيم في الدور الذي يلي شقه هدير، وخرجت من شرفتها بانزعاج من حديثهما وصوتهما
فهي في العقد الخامس من عمرها لديها ولدين احدهما يقضي خدمته في الجيش المصري هذا العام وهي تمتاز بصفه يمتلكها اغلبية الناس في الحارات الشعبية وهي التدخل في شؤون الاخرين، وكأن الانسان الْجَيِّدَ يأتي عِند ذِكره
- جرا ايه يا عصافير الكناريا، هو انتَ يا ابن خليل واحنا نايمين واحنا صاحين سامعين صوتك يا ابني ارحمنا بقا تعالي اقعد عندنا انتَ وهي احسن
أردف قاسم بمرح و هو يرفع بصره اليها
- ما تقولي مساء الخير يا ام محمد الاول وبعدين مش الاوضة اللي فيها البلكونة نايم فيها محمد و هو دلوقتي في الجيش يعني ملكيش دعوه باللي بيتقال وبالصوت و اقعدي في النصف التاني احسن ابو محمد هيطفش وربنا
لم تستطع هدير سوي ان تُطْلِقُ ضحكاتها، فتقريبا هذا هو السيناريو الْمُعتاد كُل يَوْمٍ ولكن الْخَطَأَ كُلَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِمَا فُهِمُ مِنْ يُزْعِجوا الناس باحاديثهم
ام محمد بغيظ ومكَرٍ
- ابقي قابلني لو قبضت الجمعية وحيات الصداع بتاع اغاني بليل و كلامكم طول النهار
قاسم وهو يُخَفِّفُ من نبرته و يهدأ تماما و يتحدث بمرحٍ
- اسف يا ام محمد، وام محمد ايه ده انتِ ام قاسم والله اكتر من امي انا داخل اهو يا ستي
ثم أكمل بخبث ليغير الحوار
- و بعدين باركي لهدير علشان نجحت خلاص
(زغرطت) م محمد زغروطة رنت في الشارع بأكمله ليتسأل الناس كحال الشعب المصري هل تدل علي خطبه ام قراءه فاتحة، نجاح ام زواج
ام محمد بابتسامة واسعة
- الف مبروك يا هدير يا بنتي والله فرحتلك، فين الحاجة الساقعة بتاعت ام محمد اللي بشرتك بحلمها
هدير وهي تتوعد لقاسم بسبب هذه الضوضاء التي استطاع ان يُحدثها لها فهي منزعجه مما سمعته، فأجابت بنبره حاولت جعلها مهذبة قدر الامكان
- الله يبارك فيكي يا طنط من عنيا
قاسم بابتسامة خبيثة ليتركها بين يَدَيْ ام محمد ويَنْجو منها هو
- الحق اصلي العشاء انا بقا عن اذنكم
ثم دخل الي غرفته وبعد ربع ساعه او اكثر من الحديث، دخلت هدير غرفتها و تخلصت من ثرثرة ام محمد بعد ان وعدتها انها غدا ستوزع علي الشارع بأكمله و الجيران زجاجات من المياة الغازية لنجاحها كعاده لدي المصريين للاحتفال بالنجاح او بالمناسبات
بعد وقت دقت هاجر الغرفة حينما ذهب حسني الي منزلة وجدتها جالسة علي الفراش فجلست بجانبها
- هدير اوعي تزعلي يا بنتي
- انا زعلانه علي نفسي عمري ما كنت أتصور انه بايعني للدرجاتي
- ده حال الدنيا محدش واخد كل حاجة، الدنيا كلها اختبارات واي حد اتخلي عننا حتي لو اقرب ما لينا لازم نكمل و نقف علي رجلينا
اخذتها هاجر في احضانها وحاولت بث التفاؤل في قلبها والا تجعلها تنزعج بسبب والدها حتى ذهبوا إلى النوم سَوِيًّا في احضان بعضهما، فلا نَدْرِي مِنْ هُوَ عَوَضُ اللَّهِ إِلَى الاَخْرِ
_________________________________________
في الصباح الباكر تَحْدِيدًا في شقة الحاج خليل والد قاسم
كان يجلس قاسم علي السفرة و يتناول الفطار مع أبيه وأمه، وجد هاتفه يعلن عن اتصال من هدير وعلى ما يبدو انها تنتظره في الأسفل فنهض قَائِلًا بِاسْتِئْذانِ
- الحق اطير انا بقا
أردفت امينة باستغراب
- رايح فين يا ابني مش اجازة
أجاب قاسم عليها بهدوء
- ايوه اجازه بس رايح مع هدير عشان هتسحب الملف بتاعها من المدرسة
امينه بانزعاج : هدير تاني استغفر الله العظيم
قاسم باستغراب من انزعاج والدته فهو لم يفهم التلمحيات من وراء حديثها
- مش فاهم مالها هدير ؟
أردفت امينه بغضبٍ وَانزِعاجٍ من ابنها الذي يبالغ فِي اهتمامه بهدير
- اللي المفروض تفهمه هدير مبقتش صغيرة دي ما شاء الله بقت عروسة وكبيرة ومرواحك معاها في الرايحة والجاية غلط، بعد كده كلام الناس هيكون سم عليك وعليها هي قبلك
قاسم بانزعاج واستغراب من لهجه والدته الجديدة فهي تشعره انه مُتهم في جريمة لا يَعْرِفُهَا ولم يَرْتَكبها
- ايه اللي بتقوليه ده يا ماما ؟!! هدير اختي وعوض ربنا بعد موت اختي الله يرحمها و بقف جنبها كأني اخ ليها انا ميهمنيش كلام الناس، انا عارف انا بعمل ايه وبعدين من امته حضرتك بتفكري كده
كان خليل يتركهما فِي الْمَعْرَكَةِ وَيُتَابِع فقط، فَأَدَرِفِتْ اَمِينَةً بضيقٍ مِن ابنها العنيد
- تقدر تقولي انتَ لو قمت خطبت واحده هتشوف علاقتك بيها وخروجك معاها في كل حته ازاي ؟ ودلوقتي لو جالها عريس ووافقت في راجل هيقبل بيك وعلاقتك بيها كاخ ؟؟ اصل انتم مش راضعين علي بعض لسمح الله ده انتم الفرق بينكم ست سنين
انزعج قاسم بشده من حديث والدته القاسي والحاد وكأنها طعنته ووجهت له كلمات لأول مره يسمعها و كأنه مُذنب و قالت له اشياء لم يفكر فيها من قِبَلُ، لم يستطيع ان يُحَدِّدُ هل هو غاضب بسبب حديث والدته وطريقتها ام بسبب صِحَّةِ حَدِيثِهَا ؟
قاطع نقاشهم الحاد حينما تحدث خليل أخيرا
- انتِ وابنك مش عاملين حساب اني قاعد وانتَ يا قاسم اتكل علي الله وروح مشوار
خرج قاسم بعدما أردف والده هذه الكلمات وكأنه أعطاه طَوْقَ النَّجَاةِ ليهرب بعدما انقطعت انفاسه، فهو لا يجد من الكلمات ما قد يُسعِفهُ، فَلِوَهَلِهِ شِعْرَ انه مُذَنَّبٌ وذَنْبَهُ هو عَطْفَهُ عليها
خليل بعتاب بعدما تأكد من نزول ابنه
- بقا في حد يقول كده مره واحده
امينة وهي تري ان معها كل الحق فيما قالته، فهي لن تنتظر ان يتحدث الناس في سُمْعَةِ ولدها أو سُمْعَةِ هدير ايضا فيجب أن توقظه مما هو فيه
- اللي انا قولته ده هو الصح، يسمعها من امه احسن ما يسمعها من الغريب انا مش بكره هدير بالعكس انا بحبها وبعتبرها بنتي وهاجر عشرة عمري
خليل بُحَيْرَةٍ شديدة فمن الصعب قول ان حديثها ليس بالصحيح ولكن الطريقة كانت خاطئة فهي تتحدث مع شاب تخطي الثالثة والعشرون من عمره، فهو ليس مراهق أو طفل كان من الممكن الحديث بهدوء
- كل اللي قولتيه كان هو الأصول والصح بس طريقتك كانت غلط طلعتي في الواد مره واحده، مينفعش واحد بقاله سنين واخذ علي وضع تيجي مره واحده تقوليله الوضع ده غلط و لانه مش صغير
- انا عارفه ابني اكتر من اي حد وعارفه انه متربي بس لازم ابنك يعرف ان هدير يا هتبقي جاره ليه ويقولها السلام عليكم لو شافها في اي مكان او قابلها في حته و يمشي مش اكتر من كده زيها زي غيرها او يحط مسمي لعلاقتهم
أردف خليل بحيرة
- والله كل اللي بتقوليه صح
رُبما كانت امينة تريده ان يعلم حقيقه مشاعره تجاها، فهي قالت ما يجب تطبيقه طِبْقًا للدين والْأُصُولِ، فيجب ان يَكُفُّ عن المساعدة التي ستجلب لهما نتيجة عكسية تَمَامًا
فهي تحب هاجر وعائلتها وَيُحَبَّبُ لقلبها ان تكون هدير زوجه لابنها رغم فشلها في الأعمال المنزلية ولكنها تعلم تربيتها جيدا فيعتبر نشأت امام اعينهم
______________________
علي لسان قاسم
انَا لَسُتُ فَيْلَسوفًا ولَسُت شَيْخًا أَيضًا وَلَمْ اكْنْ يومًا عَالِمًا، وَلَكِنِّي اؤْمِنْ انَّني كنت انسان فقط
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق