رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثاني (حب أعمى)الفصل الثالث عشر 13 بقلم ناهد خالد حصريه
رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثاني (حب أعمى)الفصل الثالث عشر 13 بقلم ناهد خالد حصريه
الفصل الثالث عشر من الجزء الثاني
فراشة في سكّ العقرب
ناهد خالد
"في أشد المواقف صعوبة قد يمر أي شيء إلا ردود الأفعال القاسية، ستظل تتذكرها دومًا، حتى وإن سامحت، مع أي موقف مشابهه مهما كان صغيرًا ستعيد ذاكرتك أحداث ذلك الرد القاسي، لذا حاول مهما كان غضبك ممن أمامك أن تتحكم بهِ، على الاقل ألا تجرحه أو تهينه، وأن تتذكر أنها لربما ساعة يوسوس لك فيها شيطانك، والساعة التالية ستهدأ لتندم على رد فعلك القاسي والمؤذي"
تجهمت ملامحه وهو يبصر الواقفة أمامه، وما لبث أن ترك الباب مفتوحًا ودلف للداخل واقفًا في منتصف الصالة، دلفت خلفه تقول بعتاب:
_مكنتش متخيلة إن قلبك يقسي عليا كده زي ما قسي على اخوك!
التف ينظر لها بنظرات عدائية تراها في عينيهِ لأول مرة ولا تصدق انها موجهة لها!
_بلاش تجيبي سيرته بينا لاني مش طايقك كده كده، وطبعًا قعدتك معاه خلتك تشوفيه ملاك وتشوفيني شيطان.
هزت رأسها بيأس منه وقالت:
_انتوا الاتنين اخواتي، ليه لازم اشوف حد منكوا ملاك والتاني شيطان! انا شيفاكوا انتوا الاتنين احسن اتنين في الدنيا بس.. بس سوء التفاهم اللي بينكوا هو اللي مضيعكوا.
زفر نفسه بقوة وبعدها سألها بضجر:
_انتِ جاية لحد هنا عشان تحنني قلبي عليه!؟ لو ده سبب وجودك فاتفضلي امشي.
اتسعت عيناها وقد ادمعت في الوقت ذاته، وسألته بنبرة متحشرجة من غصة البكاء:
_بتطردني يا مازن؟
اشاح بنظره بعيدًا عنه وكأنه يتجاهل أي ندم أو إحساس بالتعاطف قد ينتابه، تهاوت دموعها وهي تقول:
_بتطردني زي ما رفضت تقابلني في كل مرة جتلك فيها الشغل؟
على صوتها وقد فاض بها وهي تفضي ما في جعبتها بغضب:
_ ده انتَ حتى ياخي مفكرتش تخرج تشوفني محتاجه إيه، مش يمكن كنت في مصيبة وبلجألك؟ مش يمكن اتخانقت مع شاهين وكنت عاوزه ارجع هنا؟ مقلقتش عليا خالص! كان عادي بالنسبالك ادخل القسم عشان اشوفك وانتَ تخلي العسكري يمشيني، على فكرة انا مكانش المفروض اجي النهارده بعد اللي عملته..
أخذت نفسها الذي شعرت بهِ قد حُبس واكملت بنظرات مليئة بالألم واللوم، الحسرة والغضب:
_شاهين قالي مقللش من نفسي واحاول اقابلك تاني، بس أنا اللي غبية.. انا اللي قولت لنفسي ميصحش ده مازن... مازن اخويا وشقيقي واللي عيشت معاه سنين سواء وماما معانا او بعد ما ماتت، شيطاني وسوسلي إن ازاي افضل مع شاهين اللي معيشتش معاه قد اللي عشته معاك، واللي مش اخويا شقيقي، وسوسلي إن أكيد انتَ أولى بيا وابقالي منه، لكن كل ده غلط... شاهين ابقالي منك وهو الأولى بيا، شاهين عمره ما جرحني بنظرة مش زي نظراتك ليا دلوقتي كأني عدوتك! شاهين رغم اني لسنين قطعت علاقتي بيه وكنت يدوب بكلمه في التليفون زي الحرامية أول ما لجأتله شالني فوق راسه وجوه عينه..
لم تغفل ابدًا عن نظراته الغاضبة التي كان يحدقها بها، بل المشتعلة، لم تغفل عن وجهه الذي أحمر غيظًا وكأن شياطين الجان قد تلبسته، وقبل أن تكمل حديثها وفجأة وجدته يندفع إليها يقبض على ذراعها بعنف ويدفعها للخروج من الشقة وهو يصرخ بها:
_خلاص روحيله.. روحي اترمي تحت رجله وخليه ينفعك، روحي عيشي عيشته الحرام واتبسطي بيها وبيه.. انا مش محتاجك... مش محتاجك ولا محتاج حد.
اغلق باب الشقة بعدما نجح في اخرجها بقوة، وقفت ظهرها للباب وعيناها ثابتة بشكل مخيف، وكأنها تلقت خبر وفاة أحدهم للتو، من هذا؟ أهذا شقيقها؟ أهذا هو مازن الذي عاشرته لسنوات؟ مازن الذي فضلته على أخيها ووقفت بصفه ضد الآخر، مازن الذي كانت تراعي مشاعره وتتواصل مع "شاهين" سرًا كي لا تضايقه؟
تحرك بآلية تامة، لم تبكي ولم تذرف دمعة أخرى، واستقلت المصعد هابطة للاسفل ومنها لخارج البناية، جلست في سيارتها لدقائق طويلة... طويلة جدًا، تنظر أمامها في صمت مطبق، وعقلها يكرر عليها المشهد وحديثه مرارًا وتكرارًا، وبعد تلك الدقائق وجدت نفسها تمسك هاتفها تطلب أحدهم، وما إن أجابها قالت بصوت مختنق وخافت:
_شاهين.. تعالالي.
وفي الأعلى..
بعد أن قام بطردها وتكسير ما طالته يده وشعر أنه أخرج طاقة غضبه ولو قليلاً، جلس فوق الكرسي الموجود في الصالة، يلتقط انفاسه بعنف، يتذكر الآن طرده لها، ويشعر أنه قد انتصر.. قد اوجعها كما اوجعته حين أخذت صف عدوه، المته حين فضلت الآخر عليهِ وذهبت معه رغم رفضه، والآن قد أخذ حقه كاملاً منها، الآن فقط يشعر ببعض الراحة وإن غضبه الكبير الكامن داخله طوال الفترة السابقة منها بدأ يخفت شيئًا فشيء.
*******
لولا اتصال "نورهان" بهِ وقلقه الكبير عليها لِمَ تركها قبل أن يعرف إجابة سؤاله، ولكن ولحظها الجيد مؤقتًا أنه قد اتاه اتصال اخته قبل أن تجيبه هي بحرف، نظرت له بقلق فطري انتابها من تغير ملامحه خاصةً وقد هتفت باسم "نورهان" لتسأله:
_ هو في ايه؟ نورهان كويسه؟
قال وهو يتجه لغرفته:
_ مش عارف..
دلفت غرفتها سريعًا تلتقط معطف من خزانتها ترتديه فوق "الترنج الضيق" كما وصفه هو، واتجهت فورًا لغرفته عازمه على أن تذهب معه يدفعها هذا علاقتها بنورهان التي توطدت في الفترة الأخيرة وقلقها الحقيقي عليها، قابلته في منتصف الردهة لتجده قد بدل قميصه فقط بآخر بنصف أكمام، والتقط مفتاح سيارته ليقول فور أن رأها وهو يتابع سيره للأسفل:
_ انتِ رايحه فين؟
اجابته وهي تتبعه بخطوات سريعة تلائم سرعته:
_ هاجي معاك، افرض هي في مشكله اكيد هتبقى محتاجه بنت معاها.
قال وهو يفتح باب المنزل:
_ خليكي هنا مفيش داعي تيجي.
لم تتوقف واستمرت في اتباعه وهي تقول بضيق:
_ هو ايه اللي خليكي هنا؟ هو انت شايلني فوق كتفك.
ودون كلمة زائده منه أو منها بعدما استقل السيارة دون أن ينتظر سائقه أو حتى حراسه استقلت مكانها جواره، لينطلق بالسياره فورًا في سرعة كادت أن تصيبها بسكته قلبيه.. ولكن هل لها أن تعترض!
*****
فيلا نصر..
_خير يا مختار، دي تقريبًا خامس مره ترن عليا، انتَ اكيد عارف إنك لما بترن عليا و ما بردش من أول مرة ببقى مشغول.
اتاه صوت "مختار" الغاضب وهو يقول:
_ وانتَ كمان اكيد عارف إن مدام رنيت عليك كذا مره يبقى الموضوع ضروري وما يستناش.
تنهد "نصر" بصبر يسأله:
_طيب إيه هو الموضوع اللي ما يستناش؟
توحشت نبرة "مختار" وهو يبدأ في الحديث:
_ اسمع أنا عملت اللي ميتعملش مع ابنك، وقفت جنبه كتير وحميته كتير من ناس كانوا عاوزين يجيبوا أجله، لكن بعد كل ده المحروس ابنك مشاليش جميلة واحده تخليه يصون عرضي ويحفظ بنتي، ابنك طلق بنتي ورماها هي وابنها، بعد كل اللي عملته معاه، لكن انا بعد كده مش هقف في وش اي حد عاوز يأذيه.
احتدت نبرة "نصر" وظهر بها الغضب واضحًا يقول:
_ انتَ بتهددني يا مختار ولا إيه؟ انا اعرف ازاي احمي ابني بوجودك او من غيره.
اتاه صوت الآخر ساخرًا:
_ لولايا، ولولا إني كنت دايمًا جنبه وفي ضهره عمرك ما كنت هتطمن عليه خصوصًا في وجود مدحت، حتى انتَ نفسك أنا اللي ساعدتك تكون نصر الميناوي ومتتكشفش، انا اللي حذرتك يوم الحفلة اللي شاهين كان عاملها إنك متجيش عشان ابوك هيكون موجود، انا دايمًا الجندي المجهول في حكايتك انتَ وابنك.
_ مبتعملش حاجه ببلاش، ولا بتعمل ده عشان انا اخوك وهو ابن اخوك، انتَ بتعمل كل اللي بتعمله عشان بتستفيد، متحسسنيش بقى إنك بتتجب علينا.
ظهرت نبرته الغاضبه وهو يقول:
_ وكانت جازاتي في النهاية إيه؟ رغم إني عملت كتير أوي وابنك عارف ده كويس وفي الآخر، كان عمل إيه؟ حتى ما احترمش كلامي لما قلتله ما يطلقهاش، ما فكرش انه يخليها على ذمته وفي بيته تقديرًا ليا.
قاطعه "نصر" وهو يقول بغضب واضح:
_ ابني فضل ست سنين سايبها على ذمته وفي بيته تقديرًا ليك ولا انتَ كنت عاوزه يفضل طول العمر متدبس فيها عشان يعجب حضرتك؟ انتَ تحمد ربنا ان ابني راجل واصيل ووافق أنه يتحمل بلوة بنتك، أي راجل غيره كان مستحيل يقبل على نفسه إنه يتجوز واحده مخلفه عيل من راجل تاني و مش راضيه حتى تعترف عليه، لا ويكتب الواد باسمه، انا ابني عامل اللي عليه وزياده أوي، وكونك عاوزه يفضل طول العمر شايلها وسايبها على ذمته فدي أنانيه وبجاحه منك، انا كنت متخيل ان بعد ما يتجوزها بسنه أو بسنتين انتَ اللي هتطلب منه إنه يطلقها ويعيش حياته، مش تبقى عاوزه يرتبط بيها عمره كله ويوقف حياته ودنيته عليها، كفايه أنانيه يا مختار... كفايه اللي مدلك ايده تاكل دراعه.
رد "مختار" بنبرة قوية:
_بالضبط كفاية.. حتى كفاية اشغل نفسي بيك وبابنك، انا مش حامي الحمى بتاعكوا، وإن كان على مصالحي اللي بتقول انك بتردلي بيها اللي بعمله فكده كده هتمشي لان بينا شغل ملوش علاقة بمشاكلنا الشخصية، وطالما انتَ جامد وبتعرف تحمي ابنك فهو عندك اهو، احميه بقى وشيل عنه زي مانا كنت شايل، وانا هشيل ايدي خالص منه ومنك.. لكن لو ابنك فكر يفضحني ويفضح بنتي ويطعن في نسب تيم وقتها... وقتها هتحتاج تحميه مني انا كمان.
قال جملته الأخيرة بتهديد واضح واغلق المكالمة فورًا، ليلقي "نصر" الهاتف فوق المكتب وهو ينظر للأمام بشرود، وعقله يردد
"مختار بات خطرًا، هو خير من يعرفه ويعرف انه حين يختلف مع أحد يمكنه أن يغدر شر غدرة،
مختار لا يُعطى له الأمان ابدًا، يعرف جيدًا كيف يضرب ولا يُمسك عليهِ دليلاً، يخشى أن يستغل جهل شاهين بالأمور ويغدر بهِ.. إذًا عليهِ التصرف، ولكن كيف؟"
*******
وصل للمكان الذي اخبرته به اثناء طريقه حين هاتفها مرة أخرى، ليدرك قبل أن يصل إليها أين هي ومن معرفة المكان استطاع أن يخمن ما حدث، توقف بسيارته جوار سياراتها وترجل فورًا هو و فيروز ليجدوها جالسه في مقعد السائق تضع رأسها فوق المقود ويبدو أنها إما تبكي إما انهكها البكاء فغفلت وكان التوقع الثاني هو الأصوب حين فتح "شاهين" باب سيارتها فوجدها ترفع رأسها وتنظر له بأعين ظهر فيها النعاس رغم أثار الدموع التي خطت فوق وجنتيها وعينيها الحمراء بشدة وكأن الجحيم اشتعل بها، امسك رأسها بين كفيهِ وهو يسألها بقلق اتضح على ملامحه:
_ إيه اللي حصل؟ وانتَ بتعملي إيه هنا؟
عادت دموعها وعاد بكائها وشهاقاتها وهي تجيبه:
_ ما كنتش اتخيل... إن... إن لما اجيله البيت يعمل كده.. ما كنتش فاكره إنه ممكن يتعامل معايا أنا بالطريقه دي... فكرت انه أكيد.. هدي بعد.. كل الفترة دي وانا دلوقتي هعرف اتفاهم معاه.. اصلح الامور.. ما بينا لكن انا... انا كنت غلط.. مين ده ؟ ده مستحيل يكون اخويا! مستحيل يكون مازن اللي عشت معاه سنين طويله! مستحيل يكون هو.. هو اللي كنا بناكل ونشرب مع بعض.. وبنسهر ليالي طويله.. نشكي همنا لبعض.
كان قد وصل القلق مبلغه منه فسألها بعصبيه وحدة:
_ هو عمل إيه؟؟؟
اجابته وهي تحاول أن تلتقط انفاسها من بين شهقاتها:
_ طردني .. تخيل!
ثم اخذت تحرك زراعيها وكأنها توصف له المشهد تمامًا:
_ شدني من دراعي وسحبني بره الشقه وهو بيقولي انه مش عاوزني في حياته، مش عاوز أي حد في حياته، طردني وقفل الباب في وشي... حسيت.. حسيت اني لو فضلت قدامه دقيقة كمان كان... كان ضربني..
انهت حديثها ولم تستطع التحكم في بكائها أكثر فانفجرت باكيه:
_ لتسرع فيروز في الالتفاف والجلوس في المقعد المجاور لها وبحركه تلقائيه كانت تجذبها لأحضانها تحاول تهدئة روعها وهي تهمس لها بكلمات معتذرة، لا تعرف هل تعتذر عن فعلته أم تعتذر عن قسوة الموقف فقط!
لم يتحرك "شاهين" لدقائق قليلة فقط، ينظر لنورهان المنهاره في أحضان فيروز وجملها وما أخبرته بهِ يتكرر في عقله الذي يجسد له المشهد، فشعر ببراكين من الغضب والسخط تضرب بجسده، ليبتعد فجأه عن الباب المفتوح وهو يلتف بجسده وبخطوات مسرعه؛ ليصعد للأعلى والمقصود معروف..
صرخت " فيروز" وهي تراه يندفع بهوجاء للمنزل، لتنتبه "نورهان" لفعلته فصرخت باسمه هي الأخرى، واسرعت الفتاتان يركضان خلفه في محاوله لالحاق بكارثه قد تحدث ان تواجه الاثنان حاليًا..
******
جلس لجوار ولده الذي كان يسبح في ملكوت أفكاره، وهذا حاله على الأغلب منذُ خرج من المستشفى، ربط على فخذه وهو يطيب خاطره بربطته تلك، لينظر له "مجد" بانتباه فوجد معه ظرف لا يعرف محتواه، ولكنه كشفه له بعد قليل وهو يفتحه ويقول:
_ دول تحويشة عمري.. انا عارف انهم مش كتير بس اهي نوايه تسند الزير.
نظر له باستغراب وهو يسأله بهدوء:
_ وانتَ جايبهم ليه؟ انا معايا فلوس تكفينا لحد كام يوم كده وهنزل افتح الورشة.
_ بس انا مش جايبهم عشان اكلنا وشربنا، انا جايبهم عشان حاجه تانيه.
نظر له باستفهام صامت ليكمل "شاكر":
_ خدهم ولو معاك فلوس محوشها كمل عليهم وشوف حوار الطرف الصناعي.
تغيرت ملامحه ولم يجيب، ليقول "شاكر" بإصرار:
_ احنا اتفقنا نواجه الوضع اللي حاصل، وكنت اتكلمت معاك في موضوع الطرف الصناعي ده لكن شايف إنك مدتش اهتمام للموضوع.
زفر أنفاسه المختنقة وهو يجيبه:
_مش وقته يابا..
نفى "شاكر" يقول:
_بالعكس ده هو ده وقته، انا عاوزك لما تنزل شغلك وتتعامل مع الناس تكون مركبه، متحسش إن في حاجه غريبه، وبعدين يا حبيبي هيساعدك في الشغل، والطب اللي بيتقدم ده لازم نستغله ومادام بقى في حلول ليه ما نستخدمهاش، صدقني هيفرق كتير في نفسيتك وفي شغلك كمان، قولت إيه يا مجد؟
صمت "مجد" لعدة ثواني وكأنه يفكر أو يحاول استيعاب وضعه الآن، وفي النهاية قال:
_ايوه بس بيكون غالي، وانا حاليًا الفلوس اللي معايا يدوب تكفينا اكل وشرب لحد ما افتح الورشة.
نظر له "شاكر" بقوة ثم قال:
_والفلوس اللي محوشها؟ هتفضل محوشها لإيه يا مجد؟ هييجي إيه أهم من اللي انتَ فيه دلوقتي؟
وكأنه تغافل عنها تمامًا فسأله:
_فلوس إيه؟
_ال١٥٠ ألف اللي كنت شايلهم عشان جوازك من البت فُلة.
انتفض واقفًا فور انتهاء جملة والده ليقول برفض قاطع:
_لأ..
نهض "شاكر" يقف أمامه يسأله باستنكار:
_لأ؟ وليه لأ؟ داهية لتكون لسه حاطط أمل فيها؟ فوق لنفسك بقى يابني، فوق وشوف فين مصلحتك.
وتركه ودلف لغرفته، ليجلس "مجد" مكانه مرة أخرى وعقله يتسائل، هل انتهت قصته معها وأُغلقت بقفل موصد؟ أأصبحت بعيدة عنه بعد النجوم عن الأرض؟ هل عليه أن يستسلم للواقع ويغلق صفحتها للأبد؟ والسؤال الأهم هل سيقدر؟
********
وضعت صينية العشاء وهي تقول بفخر كاذب:
_أحلى طبق جبنة بالأوطة، وبيض بالبصل والفلفل، ورغفين سخنين هتاكل صوابعك وراهم.
ضحك والدها وهو يقول بهم:
_مفيش اشطر منك في إنك تحلي اللقمة في عيني، تحسسيني إن طبق البيض طبق لحمة، وإن طبق الجبنة طبق كفتة، يابخت اللي هيتجوزك يابت يا أمل.
لوت فمها بضيق تقول:
_بردو أمل؟ محدش غيرك بيقولي أمل غيرك يابو أمل، ده نسيت اسمي من كتر ما بقاش حد يناديني بيه.
تناول رغيف الخبز يقطع منه قطعة صغيرة وهو يقول:
_مانا بفكرك بيه اهو، طول مانا عايش هتفضلي فكراه، لكن بقى لما اموت...
قاطعته "مستكة" بغضب:
_بعيد الشر، متقولش كده يابو أمل، هو انا ليا غيرك يا راجل عشان تسبني وتمشي؟
ابتسم لها ابتسامة صغيرة يقول وكأن جملته لم تكن عبثًا، بل هي بداية لحديث طويل يريد أن يخوضه معها:
_وعشان لو موت هتكوني لوحدك، مش هكون مطمن عليكي، الموت في إيد الله، وانا مش ضامن عمري، لكن عاوز اضمن اني مطمن عليكي يا بنتي، وانتي مبقتيش صغيرة انتي ماشاء الله عروسة حلوة وكملتي ال٢٤ سنة، طمنيني عليكي يا أمل وريحي قلبي.
ابتسمت له في تعجب وهي تقول:
_واعمل إيه بس يابو أمل، اروح انا اشوفلي عريس واخطبه؟ ماهو على يدك محدش جه وقولت لأ، ومين هييجي لوحدة بتلف في الشوارع بفل والناس بيكون في دماغها إن كل الرجالة عدت عليها، لأ وإيه آخر اليوم بروح اخدم في فيلا كبيرة، يا عالم إيه بيحصل جواها.. ده تفكير الناس يابو أمل، قولي بقى اعمل إيه؟
نظر لها بتمعن وهو يقول:
_بس انا حاسس ان في حد في حياتك، في حد شاغلك، اوقات كتير بتكوني مهمومة وسرحانة، فيكي حاجة غلط بقالك فترة طويلة، قوليلي في حد شاغلك؟
تنهيدة قوية، حزينة، مهمومة، متألمة، ومقهورة:
_ وحتى لو فيه، انا يعني اللي هروح اخطبه؟ وبعدين مش كل اللي بنتمناهم بيكونوا لينا يأبو أمل، وانتَ اكتر واحد عارف معنى الكلام ده كويس.
ابتسم لها والدها بهدوء يقول:
_قصدك يعني عشان الحكاية اللي قولتهالك اللي كانت بيني وبين بنت عمتي، بس مكانش ليا نصيب فيها، في النهاية اتجوزت أمك وبالعشرة كانت غالية عندي ونسيت بنت عمتي دي خالص، حتى لما كنت اشوفها مكانتش بتشغل بالي خالص، بقت زيها زي أي حد، مش كل اللي بنتمناه بنطوله يا بنتي، والحياة بتمشي عمرها ما وقفت على حد، وبعدين لو قولتلك ان في عريس متقدملك تقولي إيه؟
بهُتت ملامحها، وظهرت الصدمة جلية على وجهها، وهي تردد بذهول:
_عريس؟
_يبقى ابن خالة أم سعيد جارتنا، جاتلي امبارح وقالتلي عليه، وظروفه حلوه، شغال عامل في مصنع على ماكنة قماش، وله مرتب ثابت، وعنده شقه في بيت ابوه، وهو لسه صغير يعني عنده ٢٩ سنه، وورتني صورته الراجل ميتعايبش، قولتي إيه؟ اقولها تحدد معاه ميعاد؟
توترت بشدة وهي مازالت تحت صدمتها ولكنها قالت بارتباك:
_اصبر بس يا بابا، يعني مالك مستعجل كده، اديني يوم ولا اتنين افكر.
_تفكري في إيه؟ هو انتِ شوفتيه؟ يابنتي اقعدي معاه وشوفيه بعدين خدي ٤ ايام ياستي فكري، بس تشوفيه الأول.
لم تجد مفر من والدها الذي يصر على أن ترى الشاب، فقالت باستسلام وعقلها يفكر في ألف شيء:
_ماشي... اللي تشوفه.
وهل أُذن لها أن تنتهي قصتها هي الأخرى؟ أم أن القدر لم يقول كلمته بعد؟
*********
وقفت أمامه بعد ركضت باقصى سرعتها لتصله، والآن لحقت بهِ على سلم العمارة بعد أن كان المصعد مشغول فلم ينتظره، وهذا طبعًا لحسن حظ الفتاتين، حدقها بنظرة مشتعلة كي تتنحى جانبًا، ولكنها لم تهتم وهي تحاول التقاط أنفاسها اللاهثة، وقد وقفت "نورهان" هي الأخرى خلفه وكأنهما يحتجزناه بينهما.
_مش صح تطلعله دلوقتي.. مينفعش اصلاً تواجهه دلوقتي.
_ابعدي.
قالها بصرامة ونبرة مخيفة ورغم قلقها البالغ منه تصنعت الصمود:
_لأ، خلينا نمشي دلوقتي وبعدين اعمل اللي تعمله، بس مش وقت غضبك وغضبه، لو طلعت دلوقتي هتقتلوا بعض.
لم يجيبها فقط امسك ذراعها يزيحها بقوة جانبًا، لتتمسك بعنقه تلقائيًا كي لا يقدر على ازاحتها، فحدقها بنظرة ساخرة وهو يقول بتهكم:
_يعني انا مش قادر اشيلك كلك اهبدك ورايا؟
لم تترك تمسكها بهِ وهي تقول هامسه بوجهها القريب من وجهه:
_قادر.. بس صدقني لو طلعتله نورهان مش هتسامح نفسها انها السبب في اللي هيحصل بينكوا، وهتخليها بعد كده لو مازن ضربها حتى مش هتقولك وهتخاف منك عشان ميحصلش مشكلة بينك وبينه.
ويبدو انه اقتنع إذ تراخت قبضته القابضة على ذراعها، ولكن الأمر لم يكتمل حين سمعوا صوت "مازن" يقول:
_حامي الحمى وصل!
نظروا جميعًا محل الصوت لتهمس "فيروز" بخوف حقيقي:
_شكلنا هنشوف فيلم الحرافيش حصري!....
#يتع
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق