رواية غناء الروح الفصل الثالث والثلاثون 33بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)
رواية غناء الروح الفصل الثالث والثلاثون 33بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)
الفصل الثالث والثلاثون...
هبطت سيرا من سيارة الأجرة التي أوقفها يزن، والذي قرر أن يقلهما إلى عنوان الشقة التي استأجرها صافي زوج أختها حكمت، رفعت عينيها نحو السماء تتأمل البرج الشاهق الذي تمتد طوابقه لعنان السحاب، فاستقرت نظراتها المتفحصة على الواجهة الزجاجية العاكسة، وانتابها شعور مزدوج من الدهشة والارتياب، كيف وافقت أختها المعروفة بتحفظها الشديد للمال وعدم صرفه في تلك الأمور التافة، أن يختار زوجها شقة بهذه الفخامة؟ والأغرب من ذلك أنها تطل مباشرة على البحر في موقع لا يسكنه سوى أصحاب الثراء الفاحش!!!
لم تلبث أفكارها أن تلاشت حتى انتبهت إلى صوت يزن المتعب وقد بدا كمَن يجهد نفسه ليقاوم إغلاق عينيه بعد أيام متواصلة من الإرهاق، كانت الأيام الماضية ثقيلة على الجميع، وخصوصًا بعد إصرار حكمت وزوجها أن يجتمع الكل في الشقة الواسعة التي استأجراها على أمل أن يجدوا فيها الراحة والسكينة بعد هذا الزخم من الأحداث، تقرر أخيرًا أن ينال يزن قسطًا من الراحة فيما أصرت شمس على البقاء بجانب سليم، أما زيدان فقد اضطر للعودة إلى القاهرة، بعد أن وصله إخطار عاجل من عمله يُلزمه بالرجوع فورًا.
قطع صوت يزن حالة شرودها وهو يقول، بصوت يختلط فيه السخرية بالتعب:
-هتقفي كتير تتأملي البرج؟
حولت بصرها إليه فبدت نظراتها غائمة، وهي تهمس بشرودٍ مشوب بالقلق:
-أنا بخاف من الأدوار العالية.
انعقد حاجباه بتعجب حائر ثم سألها بسخرية خفيفة:
-يعني نمشي ونشوف شقة غيرها نقعد فيها أنا وانتي!
وعندما أدركت مغزى كلماته رمقته بنظرة نارية صارمة تفيض غضبًا خفيًا:
-احترم نفسك لو سمحت.
لكن ما إن أتمت عبارتها حتى قُطعت الأجواء بهتاف أنثوي دافئ امتزجت فيه الدهشة بالسعادة:
-مش معقول زوزي إيه اللي جابك الكس.
اتسعت عينا يزن بصدمة وقد تردد صدى الصوت في ذاكرته بوضوح مخيف، التفتت سيرا بدورها وما إن وقعت عيناها على الفتاة حتى أصابها ذهول قوي، إذ لم يكن جمالها الصارخ مجرد مظهر، بل كان يلفت الأنظار دون عناء، فقد كانت ترتدي سروالًا رياضيًا قصيرًا ضيقًا يُبرز انحناءات جسدها الرياضي، وسترة بيضاء قصيرة تُظهر جزءًا من بطنها المشدود.
بادرت الفتاة بالكلام بنغمة أقرب إلى الدلال المدروس:
-مالك يا زوزي ساكت ليه كده؟
خرجت كلماته السلسلة من فوهة فمه بسهولة لم يدركها إلا عندما جحظت عينا سيرا:
-ازيك يا ميرال؟
فما زاد من دهشتها أن يزن يعرف اسمها، نظرت إليه سيرا بصدمة وتورد وجهها بشكل ملحوظ، بينما ارتبك هو من نظراتها المتفحصة وسرعان ما حاول تدارك الأمر بتمثيل جلي:
-ليلى ولا إيه حاسس إن مش فاكرك....
قاطعته الفتاة وهي تقترب منه تهز كتفيها بدلع واضح:
-لا يا زوزي مش معقول هاتنسى اسمي بردو؟ ميرال يا قلبي صح.
تمتمت سيرا خلفها بسخرية هامسة:
-قلبي!!!
سمعها يزن فأسرع ليقول لها وهمس مستنكر:
-قلبها هي مش قلبي أنا، ركزي!!!
لاحظت ميرال التوتر بينهما فتطلعت إلى سيرا بشك:
-سوري ماخدتش بالي منك، أنا ميرال باسم البيست فريند ليزن.
كان يزن يحاول جمع شتات نفسه وهو يحرك يده توترًا، إلا أنه لم يتوقع ما فعلته سيرا بعد لحظات، إذ أمسكت بكفه وهمست بصوت أنثوي ناعم مشحون بثقة مستفزة:
-اممم، أنا سيرا خطيبة زوزي الشعراوي....اقصد يزن الشعراوي.
شهقت ميرال وقد وضعت يدها على فمها غير مصدقة:
-انت خطبت يا يزن بجد؟
هز رأسه عدة مرات مبتسمًا ابتسامة باهتة كأنما الموت ذاته دنا إليه من فرط الحرج، كانت نظرات سيرا الحانقة تُحاصره من كل زاوية ولم تملك نفسها حين انفجرت غيظًا وقالت من بين أسنانها:
-هو في إيه يا زوزي؟ هو انت عليك تار؟ ممنوع تخطب ولا مريض مرض خطير؟! قولي يمكن اعالجك!
مدت ميرال يدها تُربت على ذراعه بنعومة أخرجته تمامًا من طوره وقالت بإعجاب ظاهر:
-لا أصل زوزي كان من رابع المستحيلات يرتبط ببنت رسمي، أنا حاسة إنها كدبة إبريل صح يا زوزي؟
غرزت سيرا أصابعها بقوة في جنب يزن وهمست بغيظ متصاعد:
-رد يا زوزي قولها دي كدبة إبريل ولا إيه؟
تألم من شدة غرز أصابعها لكنه أجاب بابتسامة شاحبة:
-لا فعلاً أنا خطبت.
لم يُضف شيئًا آخر فحدقت ميرال في يديه بتفحص وسألت بشك:
-امال مفيش دبلة في ايدك ليه يا زوزي؟
ردت عنه سيرا بنبرة حادة:
-عنده حساسية منها يا حبيبتي، في سؤال تاني ولا مش هنخلص؟
نظرت إليها ميرال بازدراء واضح فلم تتحمل سيرا مزيدًا من المهزلة القائمة، وانطلقت نحو مدخل البناية تجذب يزن خلفها بقوة ظاهرة، تمتم ساخرًا وهو يوجه كلامه للخلف:
-معلش أصلها متوحشة.
وقفا معًا أمام المصعد فسألته سيرا بغيظ ناري:
-انت كنت بتقولها إيه؟
أشار نحو نفسه بتظاهر بريء:
-أنا!!! منطقتش.
دخلت المصعد وذراعاها معقودتان أسفل صدرها، بينما أخذت تمتم بسخرية:
-زوزي....زوزي، وانت مبسوط اوي، لا وفاكر اسمها من أول ما شوفتها!!! ذاكرة حديدية، لا والبت استغربت اوي إنك خطبت، ليه بقى يا كازانوفا؟، استغربت ليه؟، رد وقولي؟ كنت مواعدها بحاجة؟
وبعدين إيه البنت القليلة الادب اللي انت عارفها دي؟ خسارة كنت فاكرك مؤدب! طلعت...
قاطعها وهو يرمقها باستنكار:
-فاكرني مؤدب!! أنا الأدب عمره ما دخل حياتي يا حبيبتي!!
رفعت حقيبتها تضربه بها بغيظ:
-متقوليش يا حبيبتي، أنا مش حبيبتك يا سافل يا قليل الادب يا للي بتعرف بنات....
وفجأة فُتح المصعد فإذا بـحكمت واقفة أمامهما، تراقب المشهد بدهشة بينما سيرا منهمكة في ضرب يزن بحقيبتها وهو يضحك متراجعًا للزاوية:
-إيه ده في إيه؟ مالكم؟
خفضت سيرا حقيبتها تستعيد ما تبقى من هدوئها، بينما هو رد وهو يمرر أصابعه في شعره:
-لا مفيش...امال إيه الجمال ده يا أبلة؟
ابتسمت حكمت بفخر وهي تنظر لعباءتها الصفراء:
-كلك ذوق يا يزن، تعالو يلا ادخلوا زمانكم تعبانين.
تحرك نحو الممر التي أشارت إليه حكمت في صمت، ولكن توقفوا بسبب ظهور فتاة أمامهم وما إن رأته حتى صاحت بسعادة:
-مش معقول زيزو....يزون انت هنا بجد!!
ثم التفتت الفتاة إلى الشقة الواقعة خلفها، ورفعت صوتها بحماس طفولي لا يخلو من الغنج وهي تنادي:
-بنات الحقوا يزن الشعراوي هنا.
لم تكن تلك الفتاة تختلف كثيرًا عن سابقتها، نفس الملامح المصقولة نفس الثقة الزائدة في إطلالتها، ونفس الأناقة المتكلفة التي ترنو إلى لفت الأنظار.
أما سيرا فلم تحتمل إذ تصدعت أعصابها من فرط الغضب، وتجسد حنقها الطفولي في دبدبات قدميها على الأرض كطفلة تُسلب منها لعبتها المفضلة، بينما تجمعت الدموع في عينيها كالسحاب المتراكم، وأيقنت حينها أن البقاء أمام تلك الفتاة لحظةً أخرى سيفجر طاقتها المكبوتة إلى ما لا تُحمد عقباه.
وبخطى متعجلة، ولجت الشقة التي استأجرتها أختها، لم تكد تخطو عتبة الباب حتى لحقت بها حكمت وهي تهتف من خلفها بقلق صادق:
-بت يا سيرا مالك؟ انتي يا بت؟ دخلتي ليه كده؟
استدارت سيرا بوجه غمره الوجع وانسحبت منه الصلابة، تمسح دموعها بظاهر كفها المرتجف، ثم توجهت بعتاب موجوع:
-يا ابلة قولتلك افركش زفت قراية الفاتحة دي، يا أبلة قولتلكم إنه بتاع بنات، وإنه يعرف بنات بعدد شعر راسه، قولتيلي لا كملي، حلو وأنا مقهورة كده؟!
لكن حكمت بطبيعتها الاستفزازية وتفكيرها البسيط، لم تُدرك حجم الغليان داخل أختها، فردت بتردد مفعم بالشك:
-يمكن قرايبه يا سيرا؟ ليه سوء الظن ده؟
لم تكن كلماتها إلا وقودًا جديدًا يشعل فتيل الغضب الذي حاولت سيرا كتمانه فهتفت وقد علا صوتها يكاد ينفجر غيظًا:
-قرايبه؟! بقولك قليل الادب ويعرف بنات بعدد شعر راسه، حورية قالتلي بيتسلى بالبنات زي ما بيتسلى باللب السوبر!!
لكنها جفلت فجأة حينما أطلت رأس يزن من خلفها، ينظر إليها بنظرة مستنكرة وصوته يحمل شيئًا من التوبيخ:
-اهو المشكلة في حورية دي؟ متتعوديش تمشي ورا كلام صحابك، خلي رأيك من دماغك، وبعدين أنا مابحبش اللب السوبر.
استدارت إليه والدمع لم يجف من عينيها، ونار الكرامة المهدورة تشتعل في وجنتيها، وصاحت في وجهه بصوت مخنوق:
-يا سلام!!! ده أنا شايفة بعيني محدش قالي، البت اللي كانت تحت، والبت اللي لسه مفيش ثواني كانت هتطير من الفرحة عشان انت حارمهم من طلتك.
حاول أن يصطنع البراءة وهو ينظر إلى حكمت يفتش عن طوق نجاة في حضورها:
-دول قرايبي يا أبلة، البنات دول قرايب أمي بس من بعيد وبعدين أنا بحب اوصل صلة رحمي، ولو مش مصدقاني ابقي اسألي سليم اخويا لما يقوم بالسلامة..
زمت حكمت شفتيها في ضيق وعتاب واصطنعت أنها بدأت تميل لتصديقه، فقالت بحزم لطيف:
-شوفتي ظلمتيه وطلعوا قرايبه زي ما قولتلك!
لكن ملامح سيرا لم تلن ولم يزل الغضب مرسومًا على وجهها كأنما ترسخ فيه، فسألت بسخرية موجعة:
-وميرال القمورة اللي كانت تحت؟ اللي كانت متفاجئة إنك خطبت يا زوزي!! البيست فريند.
أجابها بتلقائية وهو يلوح بيده كمَن يتنصل من المسؤولية:
-دي تبقى بنت بنت عم أو بنت خال اخت ابويا، حقيقي مش فاكر!!! بس يعني في زون صلة الرحم!
ولم يمهلها لترد إذ وجد في اقتراب صافي وهو ينهي صلاته فرصة للهرب فقال بنبرة متهللة:
-حرمًا يا حج صافي.
أما حكمت فاستغلت لحظة انسحابه، ووجهت نظرات قاسية لأختها تهمس بانزعاج:
-انتي يا بت عاملة زي الحمار المتهور ليه؟ ما تلمي نفسك ومتتكلميش مع خطيبك بصوت عالي.
لم تجبها سيرا مباشرة بل كتمت أنفاسها المنفلتة بصعوبة ثم سألت بجفاء:
-ابلة الاوضة اللي هتنيل أنام فيها فين؟
فأجابت حكمت وهي تحاول الحفاظ على هدوئها:
-هناك على الشمال، مش هتاكلي الاول؟
-ماليش نفس.
مر بعض الوقت وهي داخل تلك الغرفة الصغيرة تجلس وحيدة فوق الفراش تنظر إلى البحر الذي تطل عليه شرفة غرفتها بشرود وذلك بعد أن أبدلت ثيابها بثياب أخرى مريحة وارتدت فوقها ما يسمى "إسدال" واسع تحسبًا لخروجها في أي وقت، تنهدت بعمق وهي تنهض من على الفراش لشعورها بحاجتها للماء، خرجت من الغرفة تبحث عن المطبخ فقابلها يزن في منتصف الطرقة الطويلة وهو يضع يده في جيب سرواله مبتسمًا بهدوء وعيناه تميل إلى الشقاوة:
-سبحان الله كنت بدور عليكي، ابلة حكمت قالتلي اناديكي عشان تاكلي.
عبست بوجهه وهي تقول بلا مبالاة، محاولة أن تتخطاه:
-وأنا قولتلها مش عايزة، ماليش نفس.
أوقفها بيده عندما وضعها أمامها يعيق تحركها دون أن يلمسها، وتحدث بنبرة هادئة وقد بدا أنه يحاول أن يرقق الأجواء بعفوية غير موفقة:
-الاكل مالوش دعوة بزعلك مني، وبعدين انتي بقالك يومين مابتاكليش حلو، تعالي دي عاملة طاجن بامية عالمي.
ضغطت فوق أسنانها وهي تحاول جاهدة أن تتمالك أعصابها أمام برودة أعصابه، فقالت بسخرية ساخطة:
-هو انت يا فاكر يا يزن إن ممكن ماكلش عشان زعلانة منك!! ليه فاكر نفسك محور الكون؟ ثقتك عالية اوي في نفسك!!
فرد بابتسامة ساخرة يمتزج بها لمحة من المكر:
-ولما أنا مش محور الكون، ليه بتكلميني وانتي مبوزة كده!
مطت شفتيها وهي تتظاهر بالتفكير، وبذات الوقت تواجه سخريته منها بسخرية أكبر:
-ميمشيش معاك إن أنا مرهقة تعبانة!!! عايزة أنام.
وكأن كل محاولتها لتجاهله تضيع هباءًا، في ظل إصراره الرهيب لفرض حصاره عليها:
-طيب تعالي كلي الاول وبعد كده اتقمصي مني براحتك.
ظهر صوت حكمت من الخارج بنبرة حاسمة:
-يلا يا سيرا الاكل هيبرد.
تنهدت بثقل وهي تتقدم نحو الصالة الخارجية باتجاه طاولة السفرة، فوجدت أختها وزوجها جالسين ينتظران قدومهما، جلست على مضض بجانب المقعد الذي يجلس عليه، وبدأوا في تناول الطعام في صمت، فقد كانت حزينة للغاية مما مرت به، عندما بدأ الجانب السلبي في شخصيته يطفو على السطح، رغم كل تلك المميزات التي شعرت بها خلال الأيام الماضية، لكن ذلك الجانب وحده كفيل بأن يجعلها تكرهه وترفض كل سبل الوصال بينهما.
أما هو فكان يأكل الطعام بتلذذ كبير، متجاهلًا مصائبه، ومتغافلًا عن غضبها في ظل سعادة حكمت وفرحتها بانبهاره بجمال طعامها، أما صافي فكان كعادته يعيش في عالمٍ موازٍ، لا يكاد يُعنى بما يدور حوله.
لاحظت يده التي مدها نحو الطاجن كمَن يعانق صديقًا قديمًا طال غيابه، مد الملعقة إلى الداخل وخرجت وهي تقطر عصارة البامية بالصلصلة الحارة، فوضعها في فمه ثم أغمض عينيه بتنهيدة درامية قائلاً بنبرة مبالغ فيها:
-الله! طاجن البامية مبينزلش في معدتي عادي كده، ده بينزل يطبطب على قلبي!
رمقته سيرا من طرف عينيها كأنها ترى مخلوقًا فضائيًا وهو يتمايل في مكانه طربًا مع كل قضمة، بينما بداخلها إعصار كامل من الغضب، أما هو فكان في عالمه الخاص، يغمغم بين لقمة وأخرى:
-البامية دي عالمية لا بتتهري ولا ماسكة نفسها زيادة... بامية عندها ثقة بنفسها أكتر من ناس كتير!
ضربت الملعقة في الطبق بقوة حتى أصدر صوتًا كصفارة إنذار، ومع ذلك لم يرفع عينيه بل تمادى وقال وهو يُشير بالمعلقة نحو الطاجن:
-عارفة يا أبلة حكمت أنا عمري ما حسيت طاجن البامية أكل.
عقدت حكمت حاجبيها بعدم فهم وهي تتساءل بفضول:
-امال ده إيه؟
-ده احتواء.
سعل صافي في صمته المعتاد بينما حكمت كتمت ضحكتها في كم عباءتها، وسيرا تنظر إليه كمَن يقيم خياراته في الحياة هل تضرب الطاجن في رأسه؟ أم تدفع رأسه داخل الطاجن؟
ولكنها قالت له أخيرًا بنبرة باردة ساخرة:
-حتى البامية بتكلمها زي البنات اللي بتعرفهم.
رفع حاجبيه بدهشة مصطنعة وهو يضع الملعقة جانبًا، ثم وضع يده على صدره وقال:
-إنتي كمان غيرانة من البامية؟!
رمقته باستشاطة بينما هو استأنف الأكل بفرحة طفل فاز بلعبته المفضلة، فيما نظرت إليه سيرا نظرة جعلت حكمت تهمس لصافي:
-يا خوفي لا تكب الطاجن على وشه دلوقتي!
همس صافي بهدوء المعتاد:
-بصراحة يستاهل، بس انتي عرفتي منين إنه بيحب البامية كده!
-من سيرا، أصلها عرفت من مقصوفة الرقبة حورية صاحبتها.
نظر صافي إليها بتيه، فغمزت إليه وهي تقول بهمس:
-هبقى احكيلك بعدين، حوار كده.
هز رأسه بإيجاب وبدأ في تناول الطعام في صمت مراقبًا هو وحكمت المباراة الكلامية التي تدار أمامهما على طاجن البامية.
***
في منتصف الليل...
رغم الإرهاق الذي كان يهاجم عقلها ويثقل جفنيها استعصى عليها النوم، وبقيت تغوص في دوامة التفكير بمستقبلها الغامض، كانت الأفكار تزدحم في رأسها تتصادم وتتقاطع، حتى باتت تشعر بأن جمجمتها تضيق بها، ولكن ما العمل؟ لا مفر من مواجهة المصيبة التي ارتبطت بها رغمًا عنها، والتي لم تعد قادرة على احتمال برودة أعصابه ولا مواقفه المستفزة التي تتخطى حدود الاحتمال!
راودها شعور ثقيل كصخرة جاثمة على صدرها، كلما اقتربت فكرة خيانته من خيالها، تُرى....كم فتاةٍ وعدها ذلك المحتال بالحب والزواج؟ كم ضحية سقطت في فخ كلماته المعسولة وسحره الزائف؟ زفرت بضيق وقد بدأت أفكارها تغلي بغضب مكتوم.
لكن فجأة انتبهت لصوت خافت... على ما يبدو أنه صوت باب الشقة يُغلق بهدوء مريب، عقدت حاجبيها بفضول واستغراب...سارت بخطى متوترة نحو الخارج، وعندما وقفت أمام باب غرفته ورأته شبه مفتوح اجتاحها القلق، فتساءلت داخلها بذعر...أهو غادر فعلًا؟ ولكن إلى أين؟! وفي مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟!
تسللت نحو الباب الرئيسي التصقت عيناها بـ"العين السحرية"، فشاهدته يطرق باب الشقة المجاورة بخفة، ثم يدخل بابتسامة عريضة وسعادة غير مفهومة وهو يخلع سترته القطنية بحماس يثير الريبة! شهقت بذهول وهمست بانفعال مكتوم:
-يا سافل يا منحط يا حيوان.
لم تحتمل أكثر فتحت باب الشقة بعصبية، وخطت خطواتها الحادة نحو الشقة المجاورة، تطرق الباب بعنف يكشف اضطرابها، وما إن فُتح الباب حتى ظهرت لها فتاة بثياب قصيرة، فعبست واشمأزت وأغمضت عينيها وهي تهمس بامتعاض:
-استغفر الله العظيم إيه القلة الأدب دي!!
لكنها لم تنتظر بل دفعتها جانبًا واقتحمت المكان، تبحث عنه بلهفة يتداخل فيها الغضب مع الشك، حتى رأته فوق طاولة في منتصف الصالة يتراقص على أنغام أغنية شهيرة "دلعنا"، والفتيات يلتففن حوله كأفاعٍ راقصة يضحكن بخلاعة، ويتمايلن بدلال مدروس، تسمرت في مكانها عيناها تتسعان في صدمة، لم يكن الرقص وحده ما فجر ذهولها، بل الدخان الكثيف المتصاعد من السجائر وأكواب الخمر التي تتعالى في الأيدي، صرخة مكتومة اندفعت من بين شفتيها...ثم استيقظت فجأة على وقع أنفاسها المتسارعة، وقد تبللت جبينها بقطرات العرق.
جلست جالسة في الفراش تحدق في العتمة، تحاول تنظيم أنفاسها التي خرجت متلاحقة كأنها ركضت آلاف الأميال وقد أرهقها ما رأت في الحلم، لقد خانها في كابوسها مع سبع فتيات دفعة واحدة!
وضعت يدها على صدرها تتحسس ببطء الاضطراب العميق الذي أصابها بسبب ذلك الكابوس، بل بسبب واقعه أيضًا فهو لم يكتف بإزعاجها في اليقظة، بل اقتحم حتى نومها بأحلام مشوهة تُشبهه همست بصوت مرتجف يشوبه الحزن والأسى:
-يا ربي....ده كله بيحصلي واحنا لسه مخطوبين امال لو اتجوزنا!!!
لكنها توقفت فجأة كأن شرارة انتباه قد أضاءت في رأسها، أيمكن أن يكون الحلم إشارة ربانية؟ تنبيهًا من السماء لكشف حقيقته؟ انتفضت فجأة من سريرها وارتدت إسدالها بعجلة، حاولت إحكام الحجاب على رأسها بأي طريقة، عازمة على اكتشاف الحقيقة وإثبات الخيانة.
فتحت باب الشقة بحذر، وما إن خطت أولى خطواتها في الرواق حتى تجمدت في مكانها، باب غرفته كان مفتوحًا بالفعل تمامًا كما رأت في الحلم فشهقت همسًا:
-يالهوي..يعني هو عندهم دلوقتي!
تقدمت بخطى مسرعة نحو شقة المجاورة، ووقفت تضع أذنها على الباب تسترق السمع، تنتظر أن تسمع ولو نغمة واحدة من تلك الأغنية اللعينة التي باتت تكرهها، ولكن لا شيء سوى صمت ثقيل يملأ المكان.
أزاحت طرف الحجاب عن أذنها محاولة أن تسمع بشكل أوضح، ولكن فجأة لمسة مفاجئة امتدت خلفها وأعادت الحجاب إلى موضعه، وصوت مألوف يهمس بسخرية:
-يعني الطرحة اللي مش هتخليكي تسمعي!! وأنا اللي مفكرك عاقلة!
انتفضت بفزع وهمت بالصراخ، لكنه وضع يده على فمها بسرعة ليمنعها هامسًا:
-بس يا مجنونة ماتبقيش مفضوحة وهبلة.
أزاحت يده بنزق وعيناها تلتمعان بالغضب والحرج، ثم أشارت نحوه بإصبعها صارخة بهمسة:
-ينفع تخضني بالشكل ده؟
أخذ قضمة من التفاحة التي يحملها بيده وحدق فيها بنظرة عتاب ساخر:
-وانتي ينفع تعملي اللي انتي بتعمليه ده!
أشارت إلى نفسها وقد غلبها التوتر والارتباك:
-أنا!! أنا بعمل إيه؟
اقترب منها ومال قليلًا نحوها، وعيناه تلتمعان بشقاوة مستفزة:
-واقفة تتصنتي على باب شقة الجيران!
أسرعت إلى الدفاع عن نفسها تهز رأسها وتتنصل من التهمة:
-لا أنا مبصنتش، أنا...أنا...أنا...
ضحك ساخرًا وهو يتسلى بتلعثمها:
-إيه الشريط سف، أنتي إيه؟
همست فيه بغيظ وقد فقدت أعصابها، مشيرة بأصابعها برقم سبعة:
-أنا كنت بحاول أثبت خيانتك اللي حلمت بيها، ربنا اداني إشارة إنك بتخوني مع سبع بنات.
ضحك أكثر مقلدًا حركتها ورفع سبع أصابع ساخرًا:
-سبع بنات، إذا كان كل اللي جوا هما أربعة، هخونك كع سبعة ازاي، أنتي مش مخطوبة لهركليز.
شهقت بذهول كأن الصدمة تُجدد نفسها فهتفت بانفعال خافت:
-انت كمان عارف إنهم أربعة، أه يا خاين...
وفجأة ركض يزن نحو غرفته بعدما قرأ في ملامحها عاصفة قادمة لتهاجمه، فسارع بإغلاق الباب في وجهها بإحكام، أما هي فاندفعت خلفه تمسك مقبض الباب وتحاول فتحه، تهمس بغيظ يكاد يُشعل الهواء:
-افتح يا يزن، افتح، افتح متخافش...مش هقتلك.
ضحك من خلف الباب وصوته يفيض سخرية:
-لا...الاحتياط واجب، وانتي واحدة مجنونة.
تنفست بعمق محاولة السيطرة على انفجارها ثم قالت بهدوء زائف:
-أنا هتكلم معاك بالعقل.
رد مستهزئًا وما زال يضحك:
-عقل إيه يا مجنونة الساعة ٣ الفجر اختك لو صحيت ولقيتك واقفة قدام باب الاوضة، هقولها إنك ***** بيا.
شهقت بصدمة وخجل، ثم قالت بنبرة مختنقة:
-اه يا قليل الادب، انت واحد... واحد....مش لاقية شتيمة توصفك غير إنك قليل الادب بجد، أنا مش عايزة أعرفك تاني.
ثم ولت هاربة إلى غرفتها خوفًا من أن تكتشف أبلة حكمت أمرها، لكن الغضب في صدرها لم يخفت، بل تصاعد كأبخرة البركان مما زاد من اختناقها، توجهت إلى الشرفة لتستنشق بعض الهواء، وما إن فتحت الباب ودخلت، حتى شهقت بفزع!
يدٌ قوية جذبتها إلى زاوية منخفضة في الشرفة الطويلة، تلك الشرفة التي تطل على الغرفتين الملتصقتين...حاولت الصراخ ولكنها تسمرت عندنا وجدت صوتًا مألوفًا همس في أذنها بنبرة مازحة:
-مش ناوية تهدي وتطفي نار الغيرة اللي هتولع فينا في الآخر.
دفعته بقوة وهي تلتقط أنفاسها ثم رمقته بنظرة حانقة وقالت:
-انت اللي مش ناوي تهدى، وبعدين أنت مش كنت خايف مني من ثواني ومش راضي تفتح لي الباب.
ضحك وهو يتكئ على السور الحديدي يرمقها بعينين لامعتين، ثم قال بسخرية محببة:
-خايف منك!!! ولما أنا كنت خايف، واقف قدامك دلوقتي بعمل أيه؟
عبست بوجهها وقالت بامتعاض:
-والله أنا مشوفتش في بجاحتك، يعني بتخوني وواقف عادي قدامي.
اقترب خطوة منها، وكأن كلماته القادمة يحملها على مهل ليستفزها أكثر:
-بخونك في أحلامك!! خدي بالك أحلامك اللي عقلك الباطن وحورية صاحبتك مسيطرة عليها، فمتجيش تلوميني.
كلماته كانت كافية لإشعال غضبها، ففقدت أعصابها وردت باستهزاء حاد:
-انت واحد مكانك المفروض يتكسف، أنت متخيل أنا شوفتك ازاي؟!...انت كنت واقف بترقص في وسط سبع بنات وبتشربوا سجاير وخمرة...
تظاهر باللامبالاة ورفع حاجبيه ساخرًا:
-طيب والله كويس مش جايلك بنكد عليكي، انتي المفروض تفرحي إن خطيبك شخص فرفوش...
زفرت بحدة ثم صاحت بلهجة تنذر بالغضب:
-يزن متهزرش، ده حلم مش كويس أبدًا.
نظر إليها بثبات ثم قال بنبرة ساخرة تختبئ خلفها ملامح وقحة خفية:
-ليه بقى؟ عملت إيه تاني؟ أنا أحب أعرف كل أخطائي لو سمحتي عشان اتفاداها المرة اللي جاية وأنا جاي ازورك في أحلامك.
تراجعت خطوة وقد بدا عليها الضيق:
-انت قصدك إيه؟ انت طريقة كلامك معايا مش عجباني، لو سمحت التزم بحدودك معايا.
-حدود إيه؟ أنتي جاي تقوليلي كنت بخونك وبرقص وبشرب إيه...
أجابت بتسرع وحماقة:
-سجاير وخمرة.
لوح بيده كمَن يدفع تهمة عنه ثم قال بنبرة حادة ممزوجة بالسخرية:
-اهو ده يثبت إنك مفترية وبتتبلي عليا، أنا عمري ما حطيت سيجارة في بوقي، ولا شربت حاجة تغضب ربنا مني.
رمقته بنظرة طويلة ثم قالت بتهكم:
-على أساس كده إن أنا هغير نظرتي فيك، طيب وبالنسبة للبنات اللي تعرفهم!!
أدار وجهه لحظة ثم التفت قائلاً بتحدٍ:
-مالهم!! حد قالك قبل كده إن أنا اتمسكت في شقة مشبوهة مع بنات!! يا بنتي أنا واحد محترم، كفاية افترااا بقى على الناس الغلابة اللي زيي.
قالت وهي تشيح بنظرها عنه بعدما سئمت من سخريته المعتادة:
-مش كل حاجة تتريق عليها يا يزن، أوقات اللي قدامك بيبقى محتاج تتكلم جد عشان يرتاح.
اقترب خطوة منها أخرى وقد بدت ملامحه أكثر جدية وهو يجيبها:
-طيب أنا لو ريحت اللي قدامي، هو هيسكت ويقتنع باللي هقوله، ولا هيفضل يجادل ويتحمق لكلام صحابه!!
ترددت لحظة ثم ردت بنبرة خافتة:
-هو حر بقى يقتنع ولا ميقتنعش، بس المهم إنه يحس إن في تقدير وإن اللي قدامه حابب يثبت عكس الصورة اللي وصلت له!!
نظر إليها طويلًا ثم قال بنبرة صادقة رغم سخرية وجهه:
-طيب ما أنا من الصبح بحاول أثبت عكس الصورة، وبردو مش مصدقاني.
رفعت حاجبيها وهي تقول بحدة:
-والله!!! انت شايف كده؟
ابتسم بمرارة غريبة:
-المجتمع اللي ضدي، بس انتي لو بصيتيلي بشكل مختلف هتلاقيني ببذل مجهود جبار.
ضحكت بسخرية باهتة:
-مجهود جبار!! غريبة مشوفتش أي مجهود خالص.
-عشان ظالمة ومفترية، هتشوفي ازاي ومفيش أي رأفة من ناحيتي!
لم تعقب على سخريته وكأنها اعتادتها قصمتت برهة ثم نادته بهدوء:
-يزن...
أجاب بهدوء وهو ينظر إليها بنظرة خطفتها كانت بها لمعة مختلفة:
-نعم.
تجرأت وسألته بسؤال يطرق كثيرًا أبواب عقلها مؤخرًا:
-هو انت حبيت وعرفت بنات كتير صح؟
تنهد بثقل وهو ينظر بعيدًا ثم أجاب بصوت خفيض:
-عرفت بنات كتير الصراحة اه، لكن حبيت لا....ماحبتش قبل كده.
نظرت إليه بريبة ثم سألته بتعجب:
-ازاي يعني؟ دي فزورة!! اللي يعرف بنات كتير، أكيد كان في علاقات ما بينهم ووصلت لإعجاب وبعدها حب.
هز رأسه بنفي وهو يجيبها بهدوء قاتل:
-لا ده العرف المشهور لعلاقة أي واحد وواحدة، بس عرفي أنا غير ومش زي أي حد.
اقتربت منه خطوة ورفعت حاجبيها ونظرت إليها في صمت ولكن عينيها كانت مرآة تعكس صورته بها وهو يحترق بين نيران غيرتها التي لم تطفأها اعترافه بعد، فقال بصوت ثقيل وهو يبتسم ساخرًا:
-هقولك عشان الفضول هيموتك.
ثم تحول فجأة وخص حديثه بابتسامة واثفة، وهو يقول بنبرة مرحة:
-يعني عادي ربنا خلقني عندي موهبة فريدة لساني حلو وبعرف اشد انتباه أي حد ليا... وفي النهاية شكل العلاقات اللي بتبقى ما بينا صداقات بريئة، بكرر تاني اهو بريئة...مفيش حاجة أزيد من كده.
رمقته بشك ساخر:
-بتلعب معاهم على الهادي يعني، طيب انت اختلفت إيه يعني عن أي واحد بيرتبط ببنت وبيوقعها في غرامه...
هز رأسه نافيًا وهو يعبس بوجهه عندما وصله اتهامها له:
-لا لو سمحتي تفرق، أنا عمري ما اعترفت لبنت بحبي ولا سهرت الليل أقولها كلام غرام، أنا عمري ما كسرت قلب واحدة، ولا واحدة عملت معايا مشاكل إن أنا سيبتها ولا إنها اتقهرت بسببي، أنا قولتلك من الاول أنا حالة فريدة، كل البنات اللي عرفتهم هتلاقيني بيني وبينهم علاقة احترام، بيحترموني في أي وقت وأي مكان ويتمنوا يخدموني في أي مصلحة أو أي حوار.
ردت عليه ببرود:
-دي حاجة متفرحش على فكرة ولا حاجة تخليني أنبهر بيك.
ابتسهم بخفة وهو يقول:
-محدش قالك إن أنا عايزك تنبهري بيا، أنتي سألتي سؤال وأنا جاوبت بكل صراحة.
نظرت إليه بعينين تملؤهما الحيرة، وقالت بصوت خافت:
-صراحتك مخوفاني ومخلياني على طول مخنوقة وحاسة بالمصيبة جاية جاية.
تنهد وهو ينظر إلى الأفق:
-عشان قاعدة مستنية تثبتي الصورة اللي انتي متخيلاني فيها، أو الصورة اللي رسمتهالك حورية صاحبتك، بس عايز اقولك انتي لو قعدتي مية سنة يا سيرا عمرك ما هتعرفي تثبتيها غير في أحلامك...تصبحي على خير.
استدار ليغادر، لكنها استوقفته سريعًا بضيق:
-انت رايح فين؟ بترمي كلام وخلاص، أنت لو حطيت نفسك مكاني هتعرف وتقدر ليه أنا واقفة متضايقة منك ومش طايقك، أنا بعد اللي شوفته وسمعته منك النهاردة هفضل عايشة حياتي في توتر.
توقف لحظة، ثم قال بصوت خافت لكنه حازم:
-انتي اللي بتحكمي على نفسك بكده، مع إنك ممكن تعيشي عادي حياتك ومتدوريش ورا حاجات قولتلك مش هتعرفس تثبتيهى غير في أحلامك.
سكتت "سيرا" للحظة، وبدت نظراتها وكأنها تهيم في فراغٍ ما، كأنها تحاول أن تمسك بطرف خيطٍ هارب من عقلها، أما "يزن"، فقد ظل واقفًا في مكانه، يشيح بنظره عنها وكأن كلماته الأخيرة قد أنهكته أكثر مما أراحته.
تقدمت خطوة واحدة فقط خطوة صغيرة لكنها مثقلة بالخوف...بالحيرة، بكل ما لم يُقال، ولكنها تشجعت وقالت بصوتٍ منخفض بالكاد يُسمع:
-طب لو كنت فعلاً مختلف...اثبتلي.
لم يلتفت، لم ينبس بكلمة...لكنها رأت كتفيه يهتزان قليلًا كما لو أن تلك الكلمات أصابته في العمق، أكثر مما تجرأ على الاعتراف به، ومع ثوانٍ معدودة كان قد اختفى في العتمة، وتركها وحدها وسط أفكارها الهائجة من عدم إجابته وصمته الغريب.
***
في اليوم التالي...وتحديدًا داخل مكتب "نوح" بعيادته الهادئة، دخلت "حسناء" بخطوات واثقة وهي تبتسم ببهجة ظاهرية مفرطة، كانت في قمة حماسها وغنجها، مدفوعة باطمئنانها إلى أن "يسر" لم تحضر اليوم إلى المحل، بل ظل مغلقًا منذ الصباح، وهذا ما سيساعد خالها، كما ظنت، في تنفيذ الخطة التي تم الاتفاق عليها مسبقًا.
رفع "نوح" عينيه عن الملف الذي كان بين يديه، وحدق بها بنظرة غامضة لم تفهم معناها للوهلة الأولى، ثم أشار نحو المقعد أمامه وهو يقول ببرود:
-اقعدي يا حسناء عايزك دقيقة.
جلست فورًا وقد ارتسمت على وجهها ملامح اهتمام مبالغ فيه، فردت بنعومة مصطنعة:
-معاك يا دكتور.
ظل يرمقها لثوانٍ صامتة ثم مال برأسه قليلًا، وتلاعب بالقلم بين أصابعه في حركة رتيبة أثارت التوتر أكثر مما أخفته، ثم قال بنبرة باردة توحي بالخطر:
-تصوري خالك جالي بليل امبارح على بيتي!!
جف حلقها فجأة وابتلعت لعابها بصعوبة محاولة أن تُبقي على ملامحها متماسكة، ورغم الارتباك الذي غلف أنفاسها تساءلت بنبرة بدت ثابتة:
-خالي!! وعايز إيه؟
أسند مرفقيه إلى المكتب واقترب منها قليلًا وكأن صوته لا يريد أن يتجاوز الجدران:
-عايز يقولي أنك طلبتي مني تسقطي يسر مراتي مقابل عمولة حلوة!!
لم تملك "حسناء" ردًا تجمدت للحظة، كأن الكلمات أصابتها في مقتل، وحده صوت قلبها كان يضرب في صدرها كطبول حرب انكشفت قبل موعدها.
________________
قراءة ممتعة 🤩🥀
أنا بكتبلكم براحة عشان بطول في الفصل والله مبقتش انزل فصل صغير يا حبيايبي 🥀🤩♥️ رفقا بيا يا حلوين 😘
هستنى تفاعلكم الخطير ورأيكم الجامد 🥹
__________________
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااا


تعليقات
إرسال تعليق