القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الرابع 4 بقلم سيلا وليد

 

 رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الرابع 4 بقلم سيلا وليد





رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الرابع 4 بقلم سيلا وليد






وكأنها لي الحياة..الجزء الثاني من شظايا قلوب محترقة



الفصل الرابع


 


"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "


أما الآن...

فهي تنام في غرفٍ لا تحفظ صدى صوتها.

وتحمل جسدها كمن يحمل جثةً يعرف أنها لن تُدفن.

تحاول أن تبتسم للغرباء، لكنها تعرف… أن الوجع لا يُخفى بملامح مهذبة.

تستيقظ وفي صدرها فراغ على هيئة طفل لم تُقبّله،

وزوجٍ لا تعرف إن كان يبكيها... أم يلعنها.


تحاول أن تكتب في دفترٍ صغير عن يومها،

لكن الصفحة تبقى بيضاء...

فما معنى الأيام حين لا يراك أحد؟

الخيبة تسكنها كغرفةٍ بلا نوافذ،

وكل فكرة كانت تبدو شجاعة ذات ليلٍ باكٍ،

تحوّلت إلى وحشٍ ينهش أطرافها كلما نامت.


تلك التي قررت ألا تكون عبئًا على أحد

أصبحت عبئًا على نفسها.

المرأة التي خافت من ماضيها

فباتت هي الخطيئة التي ستحكيها الأقدار من خلف الستائر.

أما الخذلان...

فلم يكن ممن تركتهم،

بل من نفسها، التي وعدتها بالراحة بعد الهروب

فلم تُعطها سوى برد الغياب.


"وها هي الآن...

لا تنتظر من أحدٍ خلاصًا،

ولا تطلب من الحياة شيئًا سوى أن تمرّ بلطفٍ لا يوجع.

تمشي، لا لأنها بخير... بل لأنها تعلّمت كيف تحيا مكسورة دون أن تُصدر صوتًا."


قبل قليل، بمنزلِ إلياس...

أنهى ارتداءَ ملابسه، وعلَّق ساعتهِ في معصمه، ثمَّ نثر بعضًا من عطره، لكنَّه توقَّف فجأة، لتصفعهُ الذكريات المؤلمة كما تفعلُ الريحُ بالأبواب..


وقف أمام المرآة، يحدِّثُ انعكاس صورته بنبرةٍ خافتةٍ مليئةٍ بالخذلان:

– إزاي النهاردة أكون أخو إسلام الكبير، أفرح معاه، وأبان له إنِّي سعيد علشانه...طيب أعمل إيه في قلبي اللي بينزف؟

معقول خلاص؟ دي النهاية؟

سنة وأسبوع ياميرال.

مش معقول تكوني لسه عايشة، بس كمان مش قادر أصدَّق إنِّك خلاص مش موجودة...

مستحيل تكوني عايشة وتبعدي عن يوسف كلِّ الوقت ده.


جلس على المقعد، وضمَّ رأسهِ بين كفِّيه، وذكرياتها تضرب رأسهِ كزخَّاتِ المطر في الليالي الباردة، حتى شعر ببرودةِ جسده، كلُّ يومٍ وهناك أمنيات أنَّها تعود..ولكن هل بعد ذلك الوقت ستعود؟..يبقى أكيد هيَّ مش موجودة، خلاص هيَّ مش موجودة.

-آااااه حارقة ألهبت جميع خلاياه، وهو يهزُّ رأسهِ بالأسى:

– طيب يوسف..اللي ببني له أمل إنِّك هترجعي!!.

كور قبضته، يضغط عليها كأنُّه يكتم صراخ جوَّاه، قاطع مأساته رنينُ هاتفهِ فجأة.

– إلياس، اتأخَّرت ليه؟

تساءل بها إسلام، ليردَّ بنبرةٍ مبحوحة، حاول أن تخرجَ متَّزنة:

– هلحقك هناك، أنا بجهز...

قاطعه إسلام:

– لا، تعالَ على هنا، ماما قالت لازم كلِّنا ندخل مع بعض.

– لازم؟

– أيوه، لازم...يالَّه تعال.

– تمام.


أغلق الهاتف، واتَّجه إلى غرفةِ طفله..

– خلَّصت يابابا؟

– أيوه، هلبس الشوز بس.

– طيب حبيبي هستناك تحت.


قالها واستدار للخروج لكنَّه توقَّف عندما سمع ابنهِ يقول:

– بابا، خالتو رؤى جت تحت، عايزة تروح معانا


توقَّف لحظة، ثمَّ أومأ برأسهِ دون كلام..

هبط، فوجدها تتحدَّث في الهاتف، انتظرها حتى انتهت..

– عاملة إيه؟

– كويسة...


طالعها بنظراتٍ فاحصة ثمَّ قال:

– يزن مش جاي؟

هزَّت رأسها:

– لا..قال مفيش غير الأهل، مالوش لزوم.


– هاتي يوسف، هستنَّاكم في العربية.

– حاضر...


قالتها بابتسامةٍ حاولت تثبيتها على ملامحها المرتبكة، ثمَّ تحرَّكت خلفهِ تستنشقُ عبير عطرهِ بولهٍ تهمسُ وهي تغمضُ عينيها:

– يارب يحنِّن قلبك بقى ياإلياس...



نظرت لنفسها في مرآةِ المدخل، ابتسمت بثقةٍ مصطنعة، تمرِّر أناملها على ردائها بعناية..تتذكَّرُ كلماتِ صديقتها:

– مفيش راجل بيبكي على ست... ادلَّعي عليه بس وادعيلي



أخرجت أحمر الشفاه، وضعته بشكلٍ جريء، حتى نزل يوسف:


– أوووه، خالتو القمر.

انحنت تقبِّله، دارت أمامه:

– إيه رأيك؟ حلوة ياجو؟

– قمر يا خالتو...صمت وتجلَّى الحزن على وجههِ قائلًا:

- كان نفسي ماما تكون موجودة النهاردة، كانت هتكون حلوة أوي.


تفاجأت بصراحته، لكنَّها جلست أمامه، تُخفي انكسارها بابتسامةٍ حنونة:

– حبيبي، مش أنا قلتلك؟ ماما عند ربِّنا، ولازم نتعايش على كده..وبعدين، هوَّ أنا مش شبه ماما؟.

طالعها الطفل لثوانٍ بحزنٍ نطقته عيناه،ثمَّ قال:

– بس بابا بيقول ماما هترجع.

-حبيبي ماما لو عايزة ترجع كانت رجعت، بابي مش عايز يزعَّلك، وبعدين متفقناش تعتبرني ماما..

- بابا رفض ياخالتو، وقالِّي مفيش زي ماما أبدًا...وأنا كمان مش عايز حد معايا بعد ماما..

صمت، ثمَّ أضاف سريعًا:

– متزعليش ياخالتو، ماما حلوة أوي

وأنا بحبَّها جدًّا، وأنا بصدَّق بابا، هوَّ قالِّي هترجع..أرجوكي ياخالتو، متقوليش ماما مش هترجع تاني لأنِّي بحلم بيها ..



شعرت بالصدمة من حديثِ الصغير فنهضت بهدوءٍ رغم النيرانِ التي تحرقُ داخلها، وأشارت له بالخروج:

– يالَّه، علشان اتأخَّرنا على بابا...


وصلت لبابِ السيارة الأمامي وفتحته، لكن إلياس أشار لها من النافذة:

– خلِّيه يقعد هنا، يوسف كبر، المفروض يقعد جنبي، مش كده حبيبي؟

‏– Of course يابابا.


توقَّفت للحظاتٍ تستوعبُ حديثه..ثمَّ ابتلعت ألمها، وأغلقت الباب بهدوء..جلست في الخلف، لكن نيرانَ الغضبِ كانت مشتعلة داخلها، تنخرُ في قلبها بهدوءٍ قاتل...

-بابي يعني فرح عمُّو إسلام النهاردة؟.

-لا حبيبي النهاردة هنكتب كتابه.

-يعني إيه؟.

التفت إليه ولم يعلم كيف يجاوبه، حمحمت رؤى قائلة:

-يعني طنط ملك هتكون مراته حبيبي.

-مش لازم يتجوِّز الأوَّل؟.

زفر إلياس وصمت قائلًا:

-ماهو علشان يكون متجوِّز بيكتب كتابه الأوَّل وبعد كدا بيعمل فرح.




هزَّ الطفل رأسهِ وقال:

-وحضرتك عملت إنتَ وماما كدا؟.

هنا توقَّف فجأةً ليصطدمَ الطفل للأمام..طالعه يفحصهُ معتذرًا:

-حصلَّك حاجة؟..

هزَّ الطفلُ رأسهِ بالنفي، رسم إلياس ابتسامة:

-ماأخدتش بالي حبيبي..هنزل أشوف نانَّا وجدُّو، خلِّيكوا في العربية.

-حاضر يابابا.

خرج الياس وهرب من أمام طفلهِ محاولًا السيطرة على نفسه، واتَّجه إلى داخلِ فيلا السيوفي..



عند ميرال..

رفعت نعيمة الهاتف الذي رنَّ لعدَّةِ ثوان، نظر يوسف إلى الهاتفِ أمامهِ ثمَّ تراجع إلى رؤى التي تنشغلُ بهاتفها:

-خالتو موبيل بابا بيرن، أنزل أودِّيه؟..

هاته كدا لو حدِّ نعرفه نرد، ممكن يكون عمُّو أرسلان..

-لا دا مكتوب عليه دكتور حمدي.

طيب حبيبي ردِّ كدا.

رفع يوسف الهاتف على أذنه:

-ألووو.

ردَّت نعيمة:

-إلياس السيوفي معايا؟..

قطب الطفلُ حاجبيهِ وقال أنا ابنه يوسف

شحب وجهها ولم يعد لديها القدرة على التفوُّه، حتى نطق يوسف:

-مين حضرتك؟.

توقَّفت رؤى عن فحصها لهاتفها، عندما علمت من يتحدَّث سيدة، فقالت:

-هات حبيبي أشوف مين.

استدار يوسف يعطيها الهاتف..

-أيوة مين؟.

-أنا نعيمة اللي مدام ميرال عندها، ..لحظات مريبة شعرت وكأنَّها تختنق، لحظات كفيلة أن تموتَ قهرًا ممَّا تخطِّطُ له، هزَّت رأسها وصوتُ صديقتها بأذنيها:

-حتى لو رجعت، هتكوني خلاص وصلتي ووقتها ليكي الحقِّ تدافعي، مش دا اللي اتنازلت عنُّه بأيِّ حق ترجع؟..

استمعت إلى كلماتِ نعيمة:

-مدام ميرال عندي ولكن قاطعتها رؤى وقالت:

-معرفش إنتي تقصدي مين، شكلك واحدة فاضية، ولو عايزة قرشين علشان عرفتي فرحه النهاردة..قالتها وأغلقت الهاتف سريعًا لينتفضَ جسدها بالكامل تهمسُ لنفسها:

-ميرال!..يعني ميرال عايشة؟!..

رأت قدومِ إلياس عليهما فوضعت الهاتف مكانه، بعدما فشلت في فتحهِ لمسحِ الرقم، ارتعشت شفتيها، ثمَّ قالت:

-حبيبي بلاش بابا يعرف الستِّ المتخلِّفة دي.

-ليه حضرتك قولتي فرحه، فرح مين؟.

تلعثمت فالطفلُ استمع حديثها، حاولت تغيير الحديث:

-لا أنا قصدي على عمُّو، المهم بلاش بابا يعرف الستِّ الهبلة دي.

-حاضر.

وصل إلياس واستقلَّ السيارة بصمت، وهي تتآكلُ من داخلها بالخوفِ إلى أن هتفت:

-إلياس ممكن تفتح تليفونك، عايزة آخد رقم يزن أو طارق، معرفش إيه المشكلة عندي في الفون.

-إزاي يعني؟.

أشارت بالهاتفِ أمامه على شاشتهِ البيضاء التي تعمَّدتها وقالت:

-معرفشِ جايب على الأسماء شاشة بيضة، هاخد الرقم علشان حد يعدِّي ياخدني.

-تمام..فتح الهاتف دون النظر به وأعطاها إيَّاه، لتدخل على آخرِ مكالمة وقامت بحذفها ووضعت الرقم في الحظر..ثمَّ اتَّجهت وقامت بالرنينِ على هاتفِ طارق:

-عدِّي عليَّا بفيلا الجارحي بعد نصِّ ساعة.

أجابها طارق:

-حاضر، عندي شغل نصِّ ساعة وأجيلك.


أمَّا عند نعيمة...

ارتجف جسدها كورقةِ خريفٍ في مهبِّ إعصار، واتَّجهت بعينيها تغرفها بدموعِ الألم بأعينِ ميرال، التي تنتظرُ حديثها بلهفة، شعرت بسكِّينٍ يخترقُ ضلوعها وهي ترى حالتها، هل تبوحُ لها بما سمعته، وتغرزُها بسكِّينٍ باردٍ يغوصُ في صدرها..فاقت من كبحها ألمَ مااستمعت إليه على سؤالها الخافتِ المؤلم:


– قالِّك إيه؟

سؤال أخرجتهُ كهمسةٍ متقطِّعة، تشبهُ زفيرَ من يحتضر وتخرجُ روحهِ ببطء.


رفعت نعيمة عينيها نحو حمدي، وتوقَّفت الكلماتُ في حلقها مثل غصَّة، وأجابت وهي ترتجف:

– م…مفيش حدِّ رد.




طالعتها ميرال بعيونٍ لم تصدِّقها، وأردفت بصوتٍ ينزفُ شكًّا:

– إزاي؟ أنا سامعة صوت حد بيكلِّمك…اقترب حمدي بعدما وجد شحوبَ ميرال ومؤشِّراتها على الجهاز والانخفاض:


– ماتنطقي يانعيمة!.

قولي إيه اللي حصل.


– مفيش حد ياحمدي…

قالتها نعيمة في محاولةٍ بائسةٍ للهروب، لكنَّ الهروب من الحقيقة وهم مؤقَّت..


زمجر حمدي واقتربَ منها، وهو يرى نبضَ القلبِ يتلاشى:

– هاتي التليفون، أنا هتِّصل

وهتكلِّم بنفسي، هفتح السماعة، نعيمة مش بتعرف تتصرَّف..

-هيَّ البنت أمَّها مكتوبة باسمي إزاي؟..


قالتها ميرال، بصوتٍ أضعف من أن يقاومَ الألم الذي يحرقُ روحها.

-مش فاهمة...رفعت عيناها الذابلة

– مين الأم؟


سؤال مثل رصاصة اخترقت صدورهم،

تهرَّبت نظراتُ حمدي، وتسلَّلت نحو الأرض:

– ماإنتي كنتي في غيبوبة…

فـ…خلِّيت البنت على اسمي واسمِ مراتي.

نعيمة جوزها متوفِّي...


انفجرت نيرانٌ داخل ميرال..نارًا تشعرها  بكمِّ الألم...أمومة تنزف، كرامة تُدهس، وذاكرة بزوجها تُشوَّه.


شهقت، ومدَّت يدها بنزقٍ تنتزعُ الإبر من ذراعها كأنَّها تنتزعُ خناجرَ طُعنت بها:

– هاتي التليفون، دلوقتي أنا اللي أستاهل.

صرخت بجنون، وكأنَّ عينيها تنزفُ دمًا قبل الدمع.


– طيب…أنا هتَّصل، بس اهدي…

قالتها نعيمة برجاء، لكن ارتجفَ صوتها من عاصفةِ ميرال الجنونية، بعدما نزعت كلَّ الأجهزة، ونهضت بجسدٍ مترنِّح، تهتف بضياع:


– بنتي..شمس بنتي، دي بنتي، 

دي شمس إلياس..إزاي كتبتوها باسمِ حدِّ غيرنا؟!.


ارتفع صوتُ بكاءها الضائعِ بين آلامها:

- أنا السبب ربِّنا ياخدني...استندت على الفراش ونزلت بساقيها المرتعشة وهي تتمتم:

خدني يارب، دمَّرتي ولادك ياميرال... دمَّرتيهم بإيدك.


لم تحتمل ساقاها الحركة، فسقطت على الأرضِ كجسدٍ بلا روح..

ركضت نعيمة، واحتضنتها بقلبٍ يتفتَّت:

– اهدي ياحبيبتي...واللهِ هنعملِّك اللي إنتي عايزاه...بس بالله عليكي اهدي، حمدي هيروح حالًا يغيَّر الاسم.


لكن ميرال لم تعد تستمع إليها، صورةُ غضب إلياس ونفورهِ تتجسَّدُ أمامها، نظرت إلى نعيمة بعيونٍ تائهة ضائعة:


– عايزة أكلِّمه، اتِّصلي بيه دلوقتي.


تبادلت نعيمة نظراتها مع حمدي، نظرة ثقيلة..أشار إليها صارخًا، وهو يرى انهيارِ ميرال:

-مدام ميرال لو سمحتي اهدي علشان دا غلط..إنتي كان عندك نزيف، الدماغ لسة مش بكامل حالتها، ثمَّ استدار إلى نعيمة:


– ماتتِّصلي بدل مانروح في داهية، البنتِ حالتها مش كويسة، ممكن تضيع.

قالها حمدي بصوتٍ خافت..



تطلَّعت إليه  نعيمة، ثمَّ إلى ميرال التي تراقبها قائلة:

-وثقت فيكي، إنتي مش قدِّ الثقة دي، أنا عايزة أكلِّم جوزي دلوقتي.

شعرت نعيمة بالحزن من اتِّهاماتها وبدون مقدمات، ألقت الحقيقة في وجهها:

– جوزك...اللي موِّتي روحك علشانه...

النهاردة بيعيش، النهاردة..فرحه.




صمتٌ قاتلٌ اجتاح الغرفة كالإعصار، وتسلَّلت أنفاسُ ميرال خارج صدرها ببطء، كأنَّها تلفظُ أنفاسها الأخيرة:


"فرحه"!!...خرجت من فم نعيمة كأنَّها صفعة باردة، لكن وقعها في قلبِ ميرال كان بركانًا تفجَّر من رمادِ قلبها، حرق كلَّ ما تبقَّى منها..


تجمَّدت عينها، واهتزَّ جسدها كما يهتزُّ من صعقةِ كهرباء، تهمس بتقطُّعٍ كالذي يلفظُ أنفاسهِ الأخيرة:

-بيتجوِّز!!..قالتها وبدأ جسدها بالارتعاش..زاغت عيناها على أناملها.. أناملها التي بالكاد استعادت القدرة على الحركة، تراها تنقبضُ وترتعشُ رغمًا عنها..

تراجعت بجسدها للخلف حتى التصقَ بالحائط، كأنَّها تحتمي من نعيمة التي وضعتها بموضعِ الاتهام:

-إنتي كذَّابة!..

اقتربت نعيمة بحذر:

-والله يابنتي مابكذب، طفل صغير رد عليَّا، على ماأظن ابنك،  علشان قالِّي أنا يوسف.


– يوسف!!


خرجت الكلمة من فمها كأنَّها تنزفُ معها دمًا، بصوتٍ أجش، محمَّلًا بكلِّ الخيبة والخذلان.


أومأت نعيمة برأسها، ودموعها تنحدرُ دون رغبة.


هنا تجمَّدت عيناها، لم تبكِ، لم تصرخ...

بل تسارعت أنفاسها بشكلٍ مخيف، واختنق صوتها، وبدت وكأنَّها تغرق في بحرٍ من الألم، حتى شحبَ وجهها كشحوبِ الموتى، اقترب حمدي بحذر:

-مدام ميرال..اسمعيني كويس، لازم تهدي، كلِّ حاجة هتتحل.


نظرت إليه بتيهٍ وتمتمت:

– إلياس...بيتجوِّز؟




قالتها بعينينِ زائغتين، تتفحَّصُ الفراغ حولها، لا ترى سوى سوادٍ من ذكريات..من صور وكلماتٍ معسولة، هل أصبحَ كذبًا، هل مافعلتهُ كسر كلَّ مابنيَ بينهما؟..


استمعت إلى همهماتِ الطفلة، فاستدارت، وتقدَّمت خطوة تسحبُ قدمها بصعوبة وتستندُ على الفراش تترنَّح ونعيمة خلفها، تحاول ضمَّها، ولكن أشارت إليها بالتوقُّف، ثمَّ رفعت عينيها إلى ابنتها:

- أبوكي بيتجوِّز...أبوكي ما صدَّق نسي ميرال، بيتجوِّز، بسهولة كدا...كسرني!!.




اهتزَّت ركبتاها فجأة، وضرب قلبها صدرها كطبولِ حرب، و يوسف ابني..


تمتمتها كأنَّها تكتبُ وصيَّتها، قبل أن تدورَ بها الأرض، وتسقطُ ككتلةٍ من الألم، منكسرة، هامدة...

ارتطم جسدها بالأرضِ بقوَّة، وأغمضت عينيها كما لم تفتحهما من قبل..تهمس بتقطُّعٍ حروفَ اسمه كأنَّه جمرةً ناريَّةً تحرق أحشاءها، لتغيب بعدها عن الوعي كالذي لا يريدُ الحياة.



صرخت نعيمة برعب:


-ميرال!!!

ركض حمدي إليها، انحنى بجوارها يفحصُ النبض:

- مفيش نبض...القلب وقف ليه؟!..دا اللي كنت خايف منُّه.



صرخ للممرِّضة:

- جهِّزي جهاز الصدمات حالًا!!

-يعني إيه ياحمدي، هيَّ حصلها إيه؟،

معرفش..صرخ بها وبدأ في ضغطِ صدرها بكلِّ قوته:

- استحملي ياميرال، ما تستسلميش..


ثوانٍ، ثمَّ دقيقة، ليشعر بنبضٍ ضعيفٍ

ثمَّ عاد، هشَّا، خافتًا...


تنهَّد حمدي وهو يعيد توصيلَ الأجهزة..


هزَّ رأسهِ بأسى:

-ربِّنا يستر وتفوق.


رفعت نعيمة عينيها في ذهول:

- يعني إيه؟

- يعني لازم فحص كامل، خايف يكون الضغط العصبي أثَّر على دماغها وترفض ترجع...جسمها سهل  يستجيب لأنَّها بتعاني نفسيُا.


وقف ونظر إليها بنظرةِ لومٍ مر:

– قسيتي أوي بالكلام يانعيمة...البنت كانت على الحافَّة، وإنتي وقَّعتيها.




انفجرت تبكي بنحيبٍ موجوع:

- أنا  مقصدتش...واللهِ ماقصدت، بس إنتَ شوفتها كانت بتعمل إيه..


تنهّدَ حمدي وهزَّ رأسه:

– روحي...مش هتفوق دلوقتي.

توقَّف عند الباب واستدار:

- دا لو فاقت أصلًا...




ساد الصمت...

ينظرُ إلى سريرها، أصبحت جسدًا ساكنًا، وروح غائبة...تغرقُ في ظلامٍ اختارتهُ بإرادتها، لأنَّها لم تعُد تُريد الحياة..


ظلَّ ينظرُ لها لبعضِ اللحظات ثمَّ قال:

-بكرة اتِّصلي بجوزها تاني، لازم يجي العريس لبنته، واللهِ خسارة فيه..

قالها حمدي وتحرَّك للخارج.

ظلَّت نعيمة تراقبها لبعضِ الوقت ثمَّ نهضت واقتربت منها، طبعت قبلةً مطوَّلةً وكأنَّها قبلةُ اعتذار..


عند إلياس..


توقَّفت السيارة أمام قصرِ الجارحي..

ترجَّل إلياس ببطء، رمق المكان بنظرةٍ متحجَّرة، كأنَّ قدميهِ تأبى السير نحو الداخل...

كيف يحتفل؟ كيف يشاركهم الفرح وقلبهِ ينزف؟!

كيف يخونُ ذكراها بابتسامة؟!


– بابا...نطقها يوسف بصوتهِ الطفولي، فانتشلهُ من شروده:

– انزل ياحبيبي، عمُّو وجدُّو دخلوا.


تقدَّم من سيارةِ إسلام، وقال بصوتٍ خافت:


- عندي شغل مهم بعد ربعِ ساعة، مش عايز أطوِّل.

- فهمت ياإلياس...


دخل الجميع، فاستقبلهم فاروق وإسحاق عند الباب، بينما بقيت صفية ودينا بالداخلِ بجوار أحلام التي تراقب الجميع وكأنَّ القصر يُدار بأمرها.


توقَّفت فريدة فجأة، أمسكت بذراعِ إلياس:


- مالك؟ وشَّك مخطوف...


- مفيش.


– إلياس، مش هتسيبك من الجمود دا وتفتكر إنِّي أمَّك؟ أنا قلبي مش مرتاح عليك ياحبيبي.


تستمر القصة أدناه


ربت على يدها بلطف، وقال بصوتٍ جامدٍ كأنَّه يؤدي واجبًا:


– أنا كويس، حضرتك بس اللي دايمًا مركِّزة معايا وبتحاولي تطلَّعيني غلطان.


- شايف كده؟

- آه..ولو سمحتي لا المكان ولا الوقت  مناسبين للكلام ده..

-يعني إيه؟..توقَّف أمامها:

-ماما أنا كويس ومبقتشِ صغيَّر، اهتمي بصحِّتك وبس، ماتشيِّليش نفسك طاقة فوق طاقتك، أنا كبير وعارف بعمل إيه، بلاش إنتي كمان تقلقيني..قالها وتحرَّك مبتعدًا وهو يتمالكُ نفسهِ بصعوبة.


اقترب من فاروق وإسحاق اللذان يستقبلانِ مصطفى وإسلام:


– ألف مبروك...ربِّنا يتمِّم على خير.


خرجت الكلمات من فمهِ كجمرة، تحرقُ جوفهِ كأنَّها خيانة لما يشعرُ به.


– الله يبارك فيك يابني، نوَّرتنا..

قالها فاروق بابتسامة، ثمَّ اقترب من فريدة ورؤى وغادة، يقابلهم فقالَ ببشاشة:

نوَّرتونا...

– منوَّرين بأهلها..قالتها فريدة وتقدَّمت للداخل.. 


جلس الجميع في الصالةِ الواسعة، وجوهٌ تبتسم، بعضها فرحًا حقًّا، وبعضها الآخر يرسمُ السعادة فقط.


تقدَّمت أحلام بنظراتها على الجالسين، ثمَّ قالت بنبرةٍ لا تخلو من سُمّ:


– معرفشٍ إزاي بنتِ فاروق الجارحي الوحيدة يتكتب كتابها كده،

دي تبقى أخرتها، بنت المفروض إنَّها تشيل اسمِ الجارحي بامبراطوريته!.


حاول مصطفى تهدئتها بلطف:


– إحنا آسفين يامدام أحلام...بس ظروفنا كده.


– ظروفكم!..طب وإحنا ذنبنا إيه، كنتوا عرَّفونا وإحنا نعملها في أفخم مكان في مصر..


قاطعتها رؤى، بعينينِ تلمعُ بالغضب:


– آسفة لحضرتك، بس واضح حضرتك فهمتي غلط...



أختي، مرات إلياس، لسه محدش عارف هيَّ فين، وإحنا مش ينفع نعمل فرح.


شهقت أحلام ساخرة:


– أختك؟!

ثمَّ التفتت إلى إسحاق، بحاجبٍ مرفوع:

– ومين دي بقى؟!

أنا أعرف العريس له أخت واحدة، هيَّ دي.

قالتها وهي تشيرُ إلى غادة، ثمَّ وجَّهت نظراتها نحو إلياس بتهكُّم:



– ولو تقصدي على الظابط ده، فأحبِّ أقولِّك إنُّه مش من العيلة، وإنتي وأختك ماتهمِّناش.


هبَّ مصطفى من مكانه:


– إيه الإهانة دي؟!



لكن إلياس أوقفه، وضع يدهِ على كتفهِ وقال بهدوءٍ ناري:


– بابا، لو سمحت، المدام ماغلطتش،

الغلطة عندنا، لمَّا الرجَّالة تسكت، والعيِّلة ترد..فدي هتكون النتيحة، قالها ثمَّ رمق رؤى بنظرةٍ جامدة، لو كانت تقتل، لقتلت، ثمَّ استدار نحو أحلام:




– المدام عندها حق...

اللي اتحرم من حب، ومن حضن، ومن ضهر مش حيحسِّ بينا،

آسف يامدام...


ثمَّ التفت إلى فاروق بنظرةٍ أكثر حسمًا:


– إحنا جايين نكتب الكتاب، لو حضرتك لسه عندك نية،

إحنا مش لسة جايين نعرَّف العيلتين على بعض..

إنتوا عارفينا من قبلِ الخطوبة...

عارفين إنِّ إسلام مش أخويا بالدم...

لكنُّه أغلى من روحي، ووجودي هنا أكبر دليل...وأنا لسه معرفشِ مراتي فين




ساد الصمتُ للحظة..


تقدَّم إسحاق، بصوتهِ المعتاد:


– المأذون على وصول.

اتفضَّل يامصطفى باشا...وآسف مدام أحلام متقصدش ومكنتشِ تعرف.


رفعت فريدة رأسها وسألت:


– هوَّ أرسلان فين؟

لسه ماجاش؟


صمتٌ مفاجئ خيَّم على المكان...

نظراتٌ توزَّعت...والقلوبُ انكمشت،

قاطعهم نزول ملك بفستانها الأبيض البسيط، وحجابٌ يزيِّن جمالها..رفع إسلام نظرهِ إليها وابتسم، فلقد فاجأته بتلك الطلَّة..

وصل المأذون الذي سيتمُّ عقد القرانِ

بعدما شُحنت القلوب بالأسى من حديثِ أحلام..توقَّف إلياس يسحبُ إسلام باتِّجاهِ والدهِ ليتمَّ عقد القرانِ حتى يهرب من ذلك المنزل الذي يُطبقُ على صدره..


انتهى عقد القران الذي كان كالجمرة على الجميع، نهض متَّجهًا إلى أخيهِ وقام بمباركتهِ ثم همس:

-أنا همشي عندي شغل.

أومأ له يربتُ على كتفه:

-شكرًا إلياس، رغم ظروفك بس مسبتنيش لوحدي.

رسم ابتسامة وأجابه:

-إنتَ أخويا يالا، الإخوَّة مش بالدم بس، ربِّنا يسعدك حبيبي..قالها والتفت يبحثُ عن يوسف..وجدهُ جالسًا بجوار مصطفى..اتَّجه إليه:

-حبيبي يالَّه بينا.

رفع نظرهِ إلى والدهِ باعتراض:

-لسة بدري يابابا، عايز أتصوَّر مع العروسة.

-سيبه ياإلياس وإحنا هنعدِّيه على البيت.

مسَّد على خصلاتِ طفله:

-عايز تفضل يابابا؟.

هزَّ رأسهِ وقال:

-عايز أبات عند جدُّو النهاردة ينفع يابابا.؟.اتَّجه بنظره لوالدتهِ التي أومأت له:

-خلِّيه وأنا أخلِّي إسلام يوصَّله الصبح للمدرسة.

تمام..بلاش شقاوة مع تيتا وكمان تنام بدري.

-حاضر..داعبهُ ثمَّ استدار وتحرَّك مغادرًا المكان..هرولت رؤى خلفه:

-إلياس..توقَّف مستديرًا إليها:

-نعم..

-إنتَ ماشي بدري ليه؟.

-إنتي مالك، أستغفر الله ياربِّي..قالها واتَّجهَ إلى سيارته، وقام بمهاتفةِ أرسلان الذي أجابه:

-إنت فين؟.

-في البيت..فيه حاجة؟.

-انزل وقابلني في النادي بتاعك.

-فيه حاجة؟..تساءل بها أرسلان بقلق..

توقَّف عن القيادة وقال:

-علشان عايز أشوفك يبقى فيه حاجة!!.

انزل وخلاص لازم أقدملك تقرير، لسة منستشِ وظيفتك.

-أه نسيت زي ماإنتَ نسيت.

بمنزل يزن..


خرجت من الحمَّام، وقفت أمام المرآة تجفِّف خصلاتها..ثمَّ اتَّجهت إلى خزانة الملابس، تقلِّب بين الثياب، إلى أن توقَّفت عيناها على فستانٍ أصفر ناعم..ارتسمت بسمةً على شفتيها، حين قفز إلى ذاكرتها تعليقهِ الساخر عن هذا اللون…




تذكَّرت ذلك اليوم..اليوم الذي فتحا فيه قلبيهما لبعضهما البعض.


يزن، ليه ربطت طلاقنا بليلة؟

ظلَّ يحدِّقُ فيها للحظات، ثمَّ قال بهدوءٍ متسائل:


وإنتي ليه طلبتي الطلاق؟ وليه هربتي بأولادي؟


يزن، إنتَ بتردِّّ سؤال بسؤال..

نهض من مكانه، وأمسك بيديها وأجلسها إلى جواره:


طيب، إيه رأيك نسأل سؤال أهمِّ من دا؟

صمتت في انتظاره، فأكمل:


إنتي عايزة تكمِّلي معايا ولَّا لأ؟ رحيل، عايزة نبدأ من جديد ولَّا فعلاً عايزة ننفصل؟..

نظرت إليه نظرةً ممتلئةً بالخذلان، وقالت:


- وإنتَ سألت نفسك الأوَّل؟ ولَّا دايمًا عايز رحيل هيَّ اللي تجاوب؟


انحنى نحوها وهمس:


مش عايز غيرك…والله ماعايز غيرك..ولا كنت ناوي أطلقك، أنا بس ساومتك على الطلاق علشان كنت متأكد إنِّك هترفضي،  صدمتيني آه، بس كانت أحسن صدمة في حياتي.

ارتجف جسدها، وانهمرت دموعها دون إذن:


- أنا تعبت، تعبت منَّك أوي..ماكنتش عايزة غير أمان وحماية، بس إنتَ استغليتني…


- أبدًا…واللهِ عمري ما فكَّرت أستغلك..آه، دخلت حياة راجح عن طريقك، بس كلُّه صُدَف..ماكنتش أعرف مالك العمري، ولا راجح الشافعي..كلِّ اللي حصل كان ترتيب قدر.


- تقوم تستغل ثقتي؟


-ما أنا قولتلك، القدر كان بيجهزنا علشان نكون سند لبعض ونرجَّع حقِّنا.


نهضت وهي تبكي بحرقة:


- إنتَ قهرتني، أنا ما هربتش بولادك، أنا هربت من قلبي، كنت خايفة أرجعلك، واكتشفت حملي وأنا مسافرة، وقتها كنت قرفانة من أي حاجة تربطني بيك..

استدارت ونظرت إليهِ بحزن:


- ومع كدا…مقدرتش أستغنى عن أولادي، كنت مستعدة أضحِّي بنفسي بس مايعيشوش بعيد عنِّي..ولمَّا سافرتلي كنت خايفة، خايفة تعرف الحقيقة وتاخدهم منِّي..خوفت، لأنَّك ابنِ راجح.

اقتربت منه، تحدِّق فيه بعمق:


- ماسبتليش ذكرى حلوة أعيَّط عليك غير ولادك…


ارتجف هو الآخر، وقام وضمَّها إلى صدره:


- خلاص…اهدي، أنا آسف.

رفعت وجهها الغارقِ في الدموع إليه:


إنتَ استغلِّيت خطيبتك علشان توصل لحقَّك، إزاي كنت عايزني أصدَّقك وأنا شايفة قدَّامي واحد تاني خالص؟


- اششش، خلاص انسي كلِّ حاجة، بترجاكي..ضمَّ وجهها وتعمَّق بعينيها:

- أنا بحبِّك، وحقيقي مش عايز الطلاق..فرحت بالولاد لأنُّهم كانوا طوق نجاتنا…مش علشان بس ولادي، علشان لقيت أمل إنِّنا نرجع تاني..

انحنى إليها، وهمس عند شفتيها:




ولو الزمن رجع بيَّا، هعيد اللي عملته تاني..مش علشان تهديد، علشان أنا بحبِّك…


مسحت دموعها وتنهَّدت:


- أنا كمان مش عايزة نفترق، مش علشانك، علشان ولادي..مش عايزاهم يتربُّوا من غيري ومن غيرك، ماينفعشِ يكون أبوهم موجود وهم أيتام..


ابتسم بتنهيدة:


يعني دا بس السبب؟ مش علشان بتحبِّيني؟

ارتبكت، وهربت بنظراتها نحو المائدة:


- الأكل برد…وبالمناسبة، أنا ما بعرفشِ أطبخ، ولا حتى بعمل شايَك اللي مدمن عليه، أعرف أسلق بيض بس..


قهقه واقترب يضمُّها من الخلف:


وأنا بموت في البيض، ومستعد كلِّ يوم آكله لو إنتي اللي هتسلقِيه.


- يعني مش هتزهق؟..


مش ممكن أزهق من اللي بحبَّها…


ارتبكت من اقترابه، وتراجعت بخفَّة:


- طيب، مش هتفطر؟

-بس أنا عايز افطر على حاجة تانية..

ارتبكت ورمشت بأهدابها عدَّةِ مرَّاتٍ تهربُ من نظراتهِ المخترقة لها..

أدار وجهها إليه:

-بصِّيلي، بلاش النظرات دي، مبحبهاش.

- يزن لسة مش واثقة فيك، رجَّعلي الثقة تاني.

مسح على جانبِ وجهها:

-حقِّك ومقدرشِ أقول حاجة.

ابتسمت هامسة:

-شكرًا..ردَّ قائلًا:

-على إيه..دا حقِّك.

فركت كفَّيها وقالت:

-طيب الشغل.

اتَّجه إلى طاولةِ الطعام وقال:


مش قبل ماتقوليلي ناوية على إيه…


إزاي يعني؟

جلس يسحبُ الخبز وقال:


- سفرك مش عاجبني، و شغلك كلِّ يوم.

جلست وهي تتنهد:


-إنتَ بتتكلِّم جد!!..عايزني أسيب تعب أبويا علشان حضرتك مش عاجبك؟


- ليه ماتقولييش بغير عليكي؟! ودا حقِّي.


-بجد؟..قالتها بفرحة نطقتها عيناها قبل شفتيها..

سحب كفَّيها وهمس وهو يطبعُ قبلةً على أناملها:


- جدًا جدًا، فوق ماتتخيَّلي…

ابتسمت بصفاء أنار وجهها:


- طيب، هشوف طارق ونقعد، بس مش معناه إنِّي هسيب الشغل..بس هوقف السفر، وأظبَّط شغلي في الشركة…

ربتَ على خصلاتها بحنان:


وأنا معاكي…ومش هسيبك..بس بشرط.


- شرط تاني يايزن؟


أيوه، مش اتصالحنا، لازم كلِّ يوم تليِّفيني..ولمَّا تيجي من إيدك تبقى بتسوى الدنيا.


- ليه؟ هتاكلها؟


- لأ…أحضنها، نفسي أخدها في حضني وأنام طول الليل، أنا خلِّلت على فكرة..

زوت حاجبيها متسائلة:

- هيَّ إيه دي؟.

لم يُجب..بل ترك الإجابة لقبلةٍ عنيفةٍ انتزعت منها قدرتها على النُطق.


خرجت من شرودها وضحكت بخفَّة، ثمَّ سحبت الفستان الأصفر دون تردُّد، ترتديه الآن وقد عاد الأمل يدقُّ بابَ قلبها من جديد…


ارتدته، وأضفت لمساتٍ تجميلية خفيفة على وجهها، ثمَّ هبطت بخفَّة إلى حيث يجلس الجميع.


مرَّت أوَّلاً على المطبخ.


– جهَّزتي العصير؟.

أشارت لها الخادمة بابتسامة:

– أيوة يامدام، هطلَّعه دلوقتي.

– لا، سيبيه وأنا هطلَّعه، روحي حضَّري أوض الأولاد.

– حاضر ياهانم.


حملت صينيةِ الأكواب بخفَّة واتَّجهت إلى الحديقة، ألقت تحيَّةَ المساء وهي تضعُ الصينية على الطاولة:

– مساء الخير ياطارق.

– أهلاً يارحيل، عاملة إيه؟

– الحمدلله...كويس إنَّك جيت، كنت هكلِّمك..قالتها وهي تقدِّم إليه العصير، ثمَّ قدَّمت كوبًا آخر ليزن، ثمَّ لأطفالها، وجلست إلى جوارهِ بهدوء..


– كنت عايزة أسألك عن الشركة اللي طالبة شراكة، مفهمتش حاجة من الورق اللي بعتُّه..


قاطعهما يزن بنبرةٍ عاتبةٍ خفيفة:

– مش قلتلك ابحث عنها كويس قبل ما تبعت الورق لرحيل؟

– دوَّرت، وطلعت شركة لمالك مصري كان عايش في أمريكا، ورجع من سنة، فتح كذا شركة، وبيسعى لشركاء..أنا شايف إنُّه صفقة رابحة، خصوصًا بعد ما راجعت آخر مشروع عمله...شكله منافس تقيل.


التفتت إليهِ رحيل، بملامح متردِّدة:

– مش عارفة ليه مش مرتاحة، محتاجة معلومات أكتر علشان أقرَّر، إنتَ رأيك إيه؟

– من حقِّك طبعًا.

التفتَ لطارق:

– بلَّغهم إنِّ صاحبة الشركة محتاجة وقت.


– أوكيه، بس متتأخَّريش يارحيل، أنا شايف إنَّها فرصة كويسة، قالها وهو يضع كوبَ العصير جانبًا، ويهمُّ بالقيام..

– هروح أجيب رؤى من قصرِ الجارحي.


استوقفته رحيل، وكأنَّ شيئًا انتبهت له للتو:

– هوَّ صاحب الشركة...اسمه إيه؟

– مختار العوضي.


ردَّدت الاسم بصوتٍ شبه خافت، نظرتها شاردة نحو الَّلاشيء:

– مختار..العوضي.

ثمَّ صمتت بقلق..


اقترب منها يزن، وجمع خصلاتها على جانبِ كتفها برفق:

– بتفكَّري في إيه؟

– الاسم..حاسَّة إنُّه عدَّى عليَّا قبلِ كده...بس مش فاكرة فين..


لمعت عيناهُ بحذر وهو يراقبها:

– بصِّي، خدي وقتك، وراجعي كلِّ حاجة على مهلك، ولو مش مرتاحة، يبقى نرفض وخلاص.

– أنا شايفة المشروع يستحق، بس التمويل اللي عندي مش كفاية...

– أنا عارف إنِّك قدَّها، خدي قرض واشتغلي لوحدك، بلاها شريك ووجع دماغ.

– تفتكر أقدر؟ المشروع مش سهل.

– أقدر أراهن على رحيل لمَّا تشغَّل دماغها صح.


ابتسمت وهي تتَّكئُ برأسها على كتفه:

– ربِّنا يخلِّيك ليَّا..


– بالأصفر دا؟ ماأظنِّش..

ضحكت بصوتٍ عالٍ، ثمَّ لكزتهُ بخفَّة:

– بس بقى، كلِّ ماأفتكر اللي حصل وقتها، أضحك غصب عنِّي..كلُّه كوم، والليفة دي كوم تاني..هي فين صحيح

-هي ايه دي ..؟!

ضحكت بقوة تقلده وهو يمسك الليفة

-فاكر لما دخلتلي بالبتاعة الصفرة الكبيرة دي وبتقولي دي الليفة بتاعة التليف




لمعت عيناهُ بسعادة، ونظر لها مطوَّلًا وكأنَّه يحفظُ ملامحها..

توقَّفت على نظراته:

-عايز تتليِّف ولَّا إيه؟.

-تؤ..عايزك تضحكي على طول، بتكوني حلوة.

وضعت رأسها على كتفه، وخلَّلت أناملها:

-طول ماإنتَ والولاد جانبي لازم أكون سعيدة.

سحب نفسًا وأخرجهُ ببطء:

-أنا كمان، بس هرتاح أكتر لو لقيت ميرال..

اعتدلت تنظرُ إليه باستفامٍ قائلة:

-أوعى تكون لسة مقولتش لإلياس إنَّها عايشة وكلِّمتك؟!.

هزَّ رأسه وتنهَّد بغصَّةٍ متألِّمة:

-هيَّ رفضت، عايزها تثق فيَّا الأوَّل علشان أعرف أوصلَّها، كلِّ يوم ببصِّ في الموبايل مليون مرَّة على أمل إنَّها تتصل، بس مفيش فايدة، عدَّى أكتر من ستِّ شهور، أنا اعتقدت إنَّها خايفة أكون قولت لإلياس وخافت يكون بيراقب التليفون.

-طيب ليه يايزن تبعد عن إلياس حرام..

-إنتي ليه بعدتي عنِّي؟.

-لا دا غير دا..اللي عرفته إنِّ علاقتهم كويسة، إنتَ طلَّقتني، لا لا الموضوع مختلف..

-أنا هتجنِّن يارحيل، بقول يمكن علشان كلام مصطفى السيوفي، برجع أقول طيب ليه سابت إلياس لو الموضوع متعلِّق بمصطفى..شكل الموضوع فيه حلقة ناقصة، دي سابت ابنها، وكمان كانت حامل، إلياس مش من النوع اللي بيحكي حاجة تخصُّه مهما كانت صغيرة..فأنا منتظر على أساس تتِّصل تاني، وقتها هعرف أوصلَّها..


-بس لو إلياس عرف مش هيسكت أبدًا، وممكن كمان يعاملها وحش..

هزَّ كتفه وقال:

-مش من حقُّه، دي هربت من حياتها، والواحدة مادام وصلت لدرجة ميرال يبقى السبب كبير، ومتنسيش إنَّها كانت بتتعالج من الضغوطات، وكان أوَّلهم إلياس.

هزَّت رأسها وقالت:

-الصراحة معرفشِ يايزن، عقلي مشوَّش، قاطعهم صوت طفلتها التي وقعت من فوق أرجوحتها..نهضت سريعًا وقالت:

-رولا..قالتها وهرولت إليها


عند إلياس...


وصل إليه أرسلان خلال دقائق..كان إلياس يحتسي قهوتهِ بصمتٍ ثقيل، وعيناهُ لا تبرحانِ الفراغ أمامه..جذب أرسلان المقعد وجلس قبالته:


– مالك؟ فيه إيه؟

وضع إلياس الفنجان ببطء، ثمَّ نظر إليه بعينينِ فارغتينِ من الحياة:

– احكيلي..واعتبرني أخوك بجد، إيه اللي حصل بينك وبين بيتِ الجارحي؟




اقترب منه النادل:

-أرسلان باشا، تحبِّ تشرب إيه؟

- قهوة سادة.


تحرَّك النادل مبتعدًا، بينما ظلَّ أرسلان يتأمَّل ملامح إلياس المتعبة..


– أنا بس عايز أفصل...زي ماقولت..مش ده اللي إنتَ عايزه

ياإلياس؟..

أمال إيه؟ مش كنت بتقولِّي دايمًا ابعد عن بيت الجارحي؟

– ابعد آه…بس متقطعش، أختك كتب كتابها النهاردة...معقول متحضرش؟!.

– بس هيَّ مش أختي.


صُعقَ الياس من الرد، ثمَّ انحنى قليلًا، يتأمَّل عينيه، كأنَّه يبحث فيهما عن تفسير.


– في حاجة أكبر، الموضوع مش أنا.



تنهَّد أرسلان، كأنَّ صدرهِ لا يتَّسع لهذا الوجع، وقال بصوتٍ منخفض:

- إلياس...رجاءً، بلاش نفتح الجرح ده تاني.

– بس الجرح مفتوح.


وصلت القهوة، فرفع أرسلان الفنجان إلى شفتيه، ارتشف منه قليلًا، ثمَّ وضعه بعناية يبتعد بنظراتهِ عنه..


– المهم..يوسف عامل إيه؟ مشوفتوش النهاردة.

– كويس..كان عنده تدريب، النهاردة الاتنين، وجدوله مضغوط.

– ربِّنا يعينَك على تربيِّته..

(ثمَّ سكت لحظة، قبل أن يسأل بشيءٍ من التردُّد)

– مفيش أي أخبار عن ميرال؟


جحظت عينا أرسلان، وارتبك:

- ولو فيه كنت هخبِّي؟ والله بدوَّر، وإسحاق كمان..بس الموضوع معقَّد... لو كان علني، كنَّا وصلناها.


– علني؟!

ارتفع صوت إلياس، ثمَّ انخفضَ فجأة، وهو يتمتم بمرارة:

– يعني نفتح للناس باب يقذفوا فيه بشرف مراتي؟! محدش هيفهم ليه اختفت..كلِّ واحد هيطلع بحكاية، وأنا مش قادر أتحمِّل.


(سكت لحظة ثم تابع بصوتٍ منكسر)

– حاولت أقول للناس إنَّها سافرت... بس بقالها سنة، أرسلان..سنة كاملة...

ارتجفَ صوته..

– تفتكر، ممكن تكون لسه عايشة؟


ربت أرسلان على كفَّيه، وقال بصوتٍ هادئ:

- قول يارب..بس من رأيي..تعلن وفاتها.



أطبق إلياس جفنيه، شعر أنَّ أحدهم يخنقه، خرج صوتهِ متحشرجًا:


– مش قادر..حتى فكرة إنَّها ماتت بتكسرني.


- بس هوَّ ده الصح..بقالها سنة، وكانت حامل، ومافيش أوراق تثبت هويِّتها ولا هوية الطفل، يعني من الآخر... ميرال مش موجودة.


آآآه حارقة انطلقت من صدره، كأنَّ روحه انتُزعت..نهض فجأة، تلفَّت حولهِ برعب، رغم أنَّ المكان مفتوح، إلَّا أنَّه شعر وكأنَّه يُحشرُ داخل قبرٍ لا يتَّسع لأنفاسه.


ركض أرسلان خلفهِ وأمسك بذراعه:

-إلياس، أنا آسف، بس لازم تواجه ده.


أزاح إلياس يدهِ برفق، وقال والدمعة تخنقُ صوته:

-كان عندي أمل...بس إنتَ صح..لو كانت عايشة، كانت رجعت.


لحظة صمت ثمَّ همس:

– نزِّل نعي ياأرسلان، أنا مش هقدر.


قالها وتحرَّك بخطواتٍ متثاقلة، ظهره محني كأنَّه يحملُ جبالًا من الحزن.


مرَّت الأيام...


أُعلنَ نعي ميرال رسميًا، وبدأ الجميع يقتنع أنَّها ماتت، سوى  يوسف.


ذبُلَ الطفل..ماتت ضحكته، و صار انطوائيًّا، لا يُجالس أحدًا سوى عمِّه أرسلان..وكأنَّ قلبهِ الصغير لم يحتمل كذبة الكبار.



ذات ليلة...دخل إلياس منزل أرسلان يبحث عنه، أشارت له غرام:

- في البيسين مع الولاد.


اتَّجه إلياس بهدوء، وتوقَّف بعيدًا عنهم..يراقبه وهو يسبح مع بلال، ضحكاتهما تملأُ المكان..



همس إلياس لنفسه، بدمعةٍ شريدةٍ تسلَّلت دون استئذان: مبقاش غيرك من ريحة ميرال...يايوسف.


ربت أحدهم على ذراعه، فمسح دمعتهِ سريعًا ورسم ابتسامةٍ مصطنعة..


– خلاص، استوليت على الواد؟

– دا هيبقى جوز بنتي، لازم أربِّيه كويس.


تهكَّم إلياس، وردَّ بسخريةٍ موجوعة: 

-آه جوز بنتك..طيب، عرَّفني ميعاد الفرح.


لمح يوسف والده، فخرج من حمَّامِ السباحة واقترب منهما..توقَّف أمامه، وجههِ مبلَّل بالماء، وعيناهُ ممتلئتانِ بالعناد..


– عايز أروح عند جدُّو مصطفى.


– روح البس، وهنرجع على بيتنا..مفيش جدُّو، ومفيش عمُّو..إنتَ قاعد هنا بقالك شهر، وساكت، هتدلَّع؟ هقلب عليك.


– بس أنا عايز أروح دلوقتي.


صرخ بها يوسف، لكن قاطعهُ إلياس بنظرةٍ كانت كالسيف:

– أنا هرجع على البيت، هتتأخَّر؟ متلومش غير نفسك.


– إلياس، اهدى..

– علشان هوَّ كدَّاب..بابا كدَّاب، قال لي ماما هترجع، ضحك عليَّا...أنا بكرهك علشان كدَّاب..


ركض يوسف إلى الداخل، بينما تجمَّد إلياس بوجهٍ شاحب، كأنَّ الروح فرَّت من جسده..


– أنا كويس..قالها و يدهِ تهتزُّ على كتفِ أرسلان، ثمَّ تحرَّك بخطواتٍ هشَّة كأنَّ جسدهِ يحملُ نيرانًا تحرقُ العالم من الداخل.

وصلت غرام إلى أرسلان، نظرت نحوهِ بقلق:

- متسبوش...خلِّيك معاه.


- حضَّري الولاد، وودِّيهم لماما صفية، أبعتهم مع إلياس.


- وإنتَ مش هتروح؟

- لا...هيَّ هتيجي، زي كلِّ مرَّة.


- أرسلان، كفاية عتاب بقى...بكرة عيد ميلاد حمزة، والكلِّ هيسأل عنَّك.


– اعملي اللي بقولِّك عليه...وبس، يا غرام.


ثلاثةُ أشهرٍ أخرى مرَّت كأعوامٍ طويلةٍ على قلوبِ الجميع..

عند ميرال…

كأنّ الزمن يتعمَّد أن يمدَّ ليلها بحبالِ الوجع، ويُجبرها على استنشاقِ الحياة عنوة، بينما روحها تأبى أن تعود.


بعد إفاقتها من الغيبوبة مرَّةً أخرى...

رغم انتكاستها الأخيرة، ورغم تدهورِ حالتها حتى غدت أجهزتها عاجزة عن دعمها، اختارت الحياة أن تُبقيها، لكن بروحٍ ممزَّقة، وعينينِ تائهتين.


جلست نعيمة إلى جوارها، تُمرِّر أناملها برفقٍ على شعرها المبعثر، بينما تداعبُ الطفلة "شمس" التي بلغت من العمرِ ستَّةَ أشهر..

ضمَّتها إلى صدرها وهي تهمس بابتسامةٍ حزينة:

– دي شمس ياميرال...بنتك، نوَّرت الدنيا ياقلبي

رفرفت عينا ميرال بصعوبة، كأنَّها تصارعُ نفسها لتبقى هنا، كأنَّ اسم "بنتها" نثر بعض النورِ في دهاليزها.


قرَّبت الطفلة منها، فمدَّت الطفلة يدها الصغيرة، أمسكت بإصبعها المرتعش، ثمَّ ضحكت ضحكتها الطفوليَّة العذبة..رفعت ميرال عينيها التي هربت منها الحياة تنظر إلى ابنتها وكأنَّها لا تعرفها، قرَّبتها نعيمة أكثر إلى أحضانها، فرفعت الصغيرة كفَّيها على وجهِ ميرال وبدأت تهمهمُ بحروف..

لمست كفُّ الصغيرة وجه والدتها ليهتزَّ الجدار العضلي داخل صدرها…

بصوتها الناعمِ البريء، كسرت شيئًا في أعماقها..

ارتجفت شفتاها، ودمعة خرساء انسدلت على وجنتها…

ربَّما لم تعد قادرة على النطق…لكن قلبها توقَّف وهي تنظرُ إلى ابنتها، وصوتُ إلياس في أذنها:

"شمس أبوها"

لا يوجد سوى دموعها الخرساء التي تحكي معاناتها، هل خسرت كلَّ شيء، حتى صوتها، لم يعد لديها حتى النطق..


أزالت نعيمة دموعها بحنان:

-وبعدهالك يابنتي، قطَّعتي قلبي عليكي، إيه رأيك ننزل نتمشَّى على البحر شوية؟.

أومأت لها بصمت، نادت نعيمة إلى هند:

-خدي شمس واسبقينا على البحر.

أومأت لها وهي تحملُ الصغيرة:

-مين حبيبي أنا..صفَّقت الصغيرة إلى هند وارتفعت ضحكاتها بالمكان..

بينما أسندت نعيمة ميرال وساعدتها بالحركة حتى وصلتا إلى مكانهم المفضَّل على الشاطئ.



بالقاهرة وخاصَّةً

في الفندق الذي يقامُ به حفل الزفاف، وصل إلياس برفقةِ يوسف، قابلته غادة بفستانها الأبيض المضيء.


– حبيبي، أخيرًا جيت.

– دودي..إزيك.

– محتاجة حضن، وساعتها أبقى كويسة.


ضحك، قرص وجنتيها، ثمَّ قالت:

- واللهِ لازم ناخد سيلفي، اضحك بقى...


طبعت قبلةً سريعةً على خدِّه، وقالت:


– أخويا..ومحدش له يتكلِّم.


قالتها وتحرَّكت إلى الداخل، بينما هو ظلَّ يراقبها بعينينِ حزينتين.


– ياريتنا ماعرفنا ماضينا...مكنَّاش قابلنا بعض كغرب، يمكن كنَّا ارتحنا.


ثمَّ راح يبحثُ عن يوسف، فوجدهُ يرقصُ مع ضيّ بنتِ عمُّه في منتصف القاعة، وابتسامتهما تنيرُ الظلام.


ظلَّ إلياس يراقبه، يبتسم...

لكن داخله؟

كان يُصفَع بكلِّ ذكرى..

بكلِّ ليلة انتظر فيها عودةِ روحهِ ولكنَّها  لم تأتِ.


عند ميرال..

ظلَّت تنظر إلى البحر الذي أصبح ملجأها في أيَّامها الاخيرة، اقتربت هند وجلست بجوارها وهي تحملُ طفلتها:

-أنا معرفشِ إيه اللي عمل فيكي كدا، بس أنا زعلانة عليكي أوي، نفسي ترجعي تتكلِّمي تاني، وحشني صوتك، وكمان وحشني وقوفنا في المطبخ مع بعض، علشان خاطري، طيب علشان خاطر شمس..

وقعت عيناها على الطفلة التي تمسكُ الببرونة، وصمتت، دقَّقت بملامحها وتذكَّرت طفلها، هل سيظلُّ يفتكرها أم أنَّها أصبحت ذكرى عندهِ تحت الرماد..


بمسافةٍ قليلة كان يقف حمدي بعدَّةِ أوراق..

-شوفي أنا خلَّصت الورق أهو، وعايز أقولِّك أخدو فلوس ولاد الحرامية..

أمسكت شهادة ميلاد ميرال:

-المهم كويس أنُّهم اقتنعوا إنِّ ورقها كلُّه اتحرق..

الخطوة اللي بعدِ كدا؟.

-حاولت أسحب قسيمة جوازهم، ودفعنا كالعادة ومنتظرين بكرة، وإن شاءالله دي أهم خطوة، لو عرفنا نجدِّد قسيمة الجواز من غير مشاكل، يبقى كدا البنت هتتثبِّت باسمِ أبوها عادي.

ربتت على كتفه

-شكرًا ياحمدي..

بس إنتَ نبِّهت على الظابط دا ولَّا إيه؟.

-متخافيش، كلِّ ماأقول لأيِّ حد أنا تبع كذا الدنيا تمشي، أنا بس خايف من حاجة..

-جوزها لو راح له خبر هتكون مصيبة.

ضحكت وقالت:

-يبقى خلِّيه يسافر وراك أمريكا.

ضحك وقال:

-قدَّامي يومين بس يانعيمة مش هعرف أجِّل السفر.

-إن شاءالله ربِّنا هيمشِّيها..


مرَّ يومين ونجح حمدي بمساعدةِ أحدِ  الأشخاص الذي له وظيفة مرموقة، وتمَّ إثبات الطفلة بقسيمةِ زواجها،

وكُتبت باسمِ

"شمس إلياس السيوفي"

كما يوجد بعقدِ الزواج.


أيَّامًا أخرى..بمكتبِ أرسلان..

-أرسلان باشا، جالنا إخطار بوجود مدام ميرال بمحافظة الإسكندرية، بمستشفى عام.

هبَّ من مكانهِ قائلًا:

-إيه اللي بتقوله دا؟!..


عند إلياس..

خرج من مكتبه، متَّجهًا إلى سيارته،

استمع إلى رنينِ هاتفه:

-إلياس فيه حد جدِّد قسيمة جوازك من مدام ميرال الله يرحمها، وجالي إخطار باسم

"شمس إلياس السيوفي"

عند ميرال انتهت من جمعِ أشيائها هي وطفلتها..دلفت هند ترفعُ يدها بسعادة:

-أخيرًا هنرجع القاهرة..

قالتها تنظرُ إلى ميرال الشاردة،

اقتربت منها:

-مروة مالك؟.

هزَّت كتفها بصمت، فربتت على كتفها:

-طيب أقعدي وأنا هغيَّر لشمس..

أمسكت هاتف هند الموضوع على الكومودينو، وفتحتهُ ثمَّ كتبت اسم إلياس تبحثُ بصفحته، ولكن كالعادة لايوجد بها شيء، اتَّجهت إلى غادة لتدخل صفحتها..

ارتجفَ جسدها بصدمة وهي تراها بأحضانِ إلياس:

"النهاردة أخيرًا أحسن فرحة في حياتي، ربِّنا يخلِّيك ليَّا ياروح قلبي"

ضيَّقت عيناها تهمسُ لنفسها:

-إلياس وغادة!!.

معقول يكون اتجوِّز غادة؟!.




عند إلياس

قاد سيارته بسرعة جنونية متجهًا إلى الأسكندرية..بينما خرج ارسلان وهو يهاتف اسحاق

-معلش ياعمو اتأكدلي تاني، لا هروح لوحدي اتأكد الأول

على الجانب الآخر

-اديني دقايق اتأكد برضو

-معاك ...مرت دقائق وهو متجه بسيارته إلى الإسكندرية، قاطعه رنين هاتفه

-الكلام اكيد، بس ناقص حاجة مهمة

صمت ارسلان منتظر حديثه

-البنت كانت مكتوبة باسم شمس حمدي الربيع

توقفت السيارة مرة واحدة، حتى دارت حول نفسها وكادت تنقلب به، لولا تحكم ارسلان بالقيادة

-يعني ايه ...!!!

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




تعليقات

التنقل السريع