رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل السابع 7 بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل السابع 7 بقلم سيلا وليد
"لا إله إلا أنت أستغفرك واتوب إليك"
رويدًا... اهدءِ فلا تبتعدِ أكثر،
فكل خطوة منكِ تنزع شيئًا من روحي
اصبح غيابُكِ،خلفه صقيعًا لا يُحتمل، ما زلتُ أراك في تفاصيل الذكرى
في صمت الأماكن، في تنهيدة المساء…
كأنكِ لم ترحلِ قط، بل أنا من ظلّ معلّقًا بكِ!
يا كلّ الحنين…
لو تعلمي كم احتجتكِ حين خذلني العالم
كم بكيت في الخفاء،
وكم توسّلتُ للقدر أن يمنحني لحظة واحدة أراكِ فيها من جديد...
لم يعد في قلبي موضع لفرح،
ولا في أيامي متّسع لغيركِ
كل شيء بعدك شاحب…
وكل نبضٍ لا يحملك، كأنما لا يُحسب من الحياة!
قاد أرسلان سيارته وتحرَّك خلف إلياس وهو يتحدَّث بهاتفه:
-مالك، هبعتلك اسم عايزك تدوَّر وراه، وتجبلي كلِّ حاجة عنه.
-أمرك أرسلان باشا..
بالحارة عند إلياس..
تجمَّع الشباب من روَّاد المقهى حول إلياس، وعيونهم متَّقدة بنظراتِ الاتهام ولهيب الحنق..
دفعهم إلياس صارخًا بصوتٍ جهوري:
-باااس، منك له، دا شكل حرامي!!..
قاطعه آخر، يرمقه بازدراء:
– ما هو اللي زيكم دايمًا بيعملوا تمثيلية علشان محدِّش يشك.
رفع إلياس سببابته، عينيه تتقد بنار القهر، وهتف بعنف:
- أي واحد متخلف فيكم يحاول يستفزني، والله هموِّته.
أنا جاي أشوف بنتي ومراتي..
اقترب خطوة بثبات، وداخله تهدر كرامته، وهتف بغضبٍ ينفثه في وجه هؤلاء المتهورين:
- اللي هيقَّرب مني، هدفنه مكانه، ثم التفت صوب البيت الذي ولجته طفلته، وأشار إليه بصوتٍ أرعب كل من حوله:
– شمس إلياس الشافعي..بنتي.
في الأعلى...
هرولت شمس إلى حضن والدتها، لهاثها يسبق كلماتها المرتعشة:
- ماما! ماما! حرامي عايز يخطف شمس..
جثت ميرال أمامها، تقبض على كتفيها، تحدِّق في ملامح وجهها الصغير المتوتر:
- حبيبتي، اهدي، قوليلي..حرامي إيه؟
أشارت الطفلة بيدها المرتجفة ناحية الشارع:
- عمُّو...اللي شبه شجيع السيما... هو...هو الحرامي!
- شجيع السيما؟!..
ردَّدتها ميرال بدهشة، وتساءلت:
– فين دا ياحبيبتي؟!.
– تحت، عند القهوة..بيضربوه.
انتفضت واقفة، سحبت وشاحها، ونظرت إلى نعيمة متسائلة:
- مين عايز يخطف بنتي ياطنط نعيمة؟!.
قالتها وانطلقت مسرعة نحو الأسفل، خلفها نعيمة وابنتها، والخوف يعلو وجوههن..
وصلت، وجدت التجمع حول رجل، لم يظهر إليها كاملًا، كانت تدفعهُ الأيدي وتكاد تنهالُ عليه بالضرب، بينما هو يصرخ بصوتهِ المبحوح يعلن عن زوجته وابنته..
تجمَّدت خطواتها، شَحُب وجهها، وقلبها خفق بعنف: " إلياس"..
انتفضت برهبة بعدما استمعت إلى أحد الشباب:
- كذاب..
هتف بها أحد الشباب بازدراء، وتابع مفسِّرًا:
– بابا شمس مسافر من زمان وانقطعت أخباره.
اثبت إنها بنتك.
دي اسمها شمس إلياس السيوفي...
إنتَ مين يالا؟!
قبض آخر على ثيابه بقوة، يهتف:
– اتصل بالبوليس ياواد يا حودة..
هنا تجمَّدت الدموع في مقلتيها، ثم فرَّت كنهرٍ جارف...
تقدّمت بخطى مترددة، مع صوت ابنتها من خلفها:
- دا الحرامي ياماما...
التفت إلياس على الفور، بعدما استمع إلى صوت طفلته، وجدها تتقدَّم نحوه، بخطواتٍ كمن يمشي فوق الجمر.
اختنق الهواء من حوله، وكأنَّ روحه تسلَّلت خارجه، عيناهُ لا ترى سواها...
هنا تجمَّد العالم، وتلاشت الأصوات
وخمدت الأنفاس حوله، يردِّد اسمها بخفوت..
التفتت كلِّ العيون إلى حيث ينظر..
بعدما سقطت لكمة قوية على وجهه من أحدهم، لم يكترث، كأن لم يشعر بها، لم يعبأ لأي شيءٍ سواها، كل ما يراه...هي، هي فقط، ماذا عليه أن يفعل وهو يراها، تبكي في صمت، تهمسُ باسمه بصوتٍ مختنق:
– إلياس...
زمَّ شفتيه، وقلبه يحترق كالمرجل، بدقَّاتِ عشقها الملعون، دفع الرجال من حوله، وزأر كالأسدِ المفترس، بعدما شاهد ترنُّح جسدها تتراجع للخلف، مع ارتفاعِ شهقاتها، تهزُّ رأسها بانهيار، فركض نحوها..وهي تشعر أن الأرضَ تميد تحت قدميها، وجسدها يرتجف كأنَّها تسقط من السماء.
"لا..بنتي لا، مش هتاخد بنتي"
دفع إلياس الشباب بقوة، يشعر بنيرانٍ تحرقه بالكامل، ووصل إليها مع تراجعها للخلف تهزُّ رأسها بعنف:
-والنبي ياإلياس، بنتي لا..
قالتها وارتخى جسدها بالكامل لتسقط هاويةً على الأرض، كالجسدِ الذي لفظ أنفاسه..
اقترب منها وانحنى يحملها، وعيناه تصرخ بغضبٍ على مايصير..
راقبتهُ نعيمة مع اقتراب الشباب منه ليمنعوه، ولكنَّها هتفت بهم:
-الأستاذ جوز مروة..
هنا تجمَّد وانتفض جسده، ينظر لتلك الشاحبة بين ذراعيه، يردِّد اسمها:
-مروة!!.
أشارت إلى منزلها:
-بيتها فوق، طلَّعها نفوَّقها..
-لا..لكنَّها توقفت أمامهِ ترمقه بنظرةٍ تحذيرية:
-طلَّعها فوق تفوق الأوَّل ياباشا، لأنك مش هتمشي بيها وهي غميانة..
صعد بها دون حديث، مع هرولة نعيمة خلفه، تنادي على هند:
-ياهند، افتحي شقة مروة بسرعة..
صعد بها إلى أن وصل إلى تلك الشقة التي تمكثُ بها، دلف يبحث بعينيهِ عن مكانٍ يضعها به، أشارت هند إلى غرفةِ النوم، اتجه بها ووضعها بهدوء على الفراش..
اقتربت نعيمة تبحث عن عطرها:
-هشوف حاجة نفوَّقها بيها..
-اطلعوا برة..قالها وعيناهُ تطوف على ميرال الغافية، جسدها الذي ضَعُف، وشحوبِ وجهها ناهيك عن الإسمرار تحت جفنيها..
استمع إلى بكاء طفلته وهي تتمتم:
-ماما وقعت تاني ياتيتا، ليه كل شوية توقع؟!.
هنا شعر بنصلٍ حادٍّ يُغرز بصدره، كلَّما تخيل تعبها وهو لم يكن بجوارها..
التفت إلى ابنته، واقترب منها، ولكنها ابتعدت تختبئ خلف نعيمة تبكي:
-أنا عايزة ماما ياتيتا، خلي ماما تقوم
شمس بتعيط..قالتها تفرك بعينيها، رفعت نعيمة عينيها إليه:
-إحنا برة لحدِّ ماتفوق..انحنت وحملت شمس قائلة:
-البنت معايا، ومحدش هيقرَّب منها، لحدِّ ماأمَّها تفوق..
-اطلعي برة ياستِّ إنتي..هدر بها بغضبٍ متناسيًا وجود ابنته التي انكمشت بحضنِ نعيمة..
دقائق صمت مريبة وهو مازال واقفًا بجسدٍ ينتفض بغضب، كاد أن يطلق سراح الشياطين التي تتلاعب بعقله الآن..
دار بعينيه على الغرفة، يبحث عن عطرها، حتى توقَّفت نظراته على قارورةِ العطر الموضوعة أمام المرآة... خطا نحوها يسحبها برعشة، لكن وقعت عيناه على الدُرج المفتوح..
امتدت يده يسحب الصورة الموضوعة في الدرجِ ببطء، صورةٌ له مع يوسف في أحد أعيادِ ميلاده، كان الصغير بالكاد في سن التاسعة أو العاشرة..دقَّق بالصورة..
نعم إنها بإحدى احتفالاته مع طفله، بحضورِ إسلام وغادة بأحدِ الأندية، في ذلك اليوم قرَّرت غادة أن تفاجئَ الجميع بحفلةٍ بسيطةٍ داخل النادي، منعًا لحزن فريدة..
أطبق على الصورة بكفَّيه، ثم أعادها مكانها، واستدار نحوها ينظر إليها، كانت تغطُّ في غيبوبةٍ صنعها الوجع، وجسدهِ يرتعش من هولِ هيئتها، لقد ضعفت كثيرًا، وأكلها الشحوب، من هذه التي أمامه!!.هل هذه زوجتهِ التي يناديها بأحلامه ملكة جمال سيدات الكون، اقترب ومع كلِّ خطوة يقترب منها..عقلهِ يعيدهُ بمشاهد تصارع ذاكرته، يوم رأى طيفها أمام شركته وظنِّه هذيان حادثته..لكنها كانت هي!!..
انحنى فوقها بعناية، نثر شيئًا من عطرها على وجهها...
رفَّت أهدابها قليلًا..
تراجع بخطوةٍ ثقيلة، يجلس على المقعد المتهالك، يدفن وجههِ بين كفَّيه، يتنفس بصعوبة وكأنَّ كل جدار من هذه الغرفة يخنقه..كل زاوية تفضح تقصيرهِ في البحث عنها، وهو يعاتب نفسه أنَّه تركها وحدها تعاني..
مرَّت دقائق وهو لا يفعل شيئًا سوى النظر إليها، يرسمها بحنانِ عينيه الذي يخفيه عن العالم أجمع سواها، ولكن هل اليوم سينظرُ لها تلك النظرة، تنفس بعمقٍ يطرد زفيره الذي أشعره بالاختناق، ظل على حالته إلى أن انزلقت دمعةٌ من عينيها المغلقتين، ورفرفت أهدابها بخوفٍ كأنَّها تحلم.
وعلى الرغم من ذلك فإنَّه لم يتحرك.
حتى حينما بدأت شهقاتها الخافتة تدوي..ظل كماهو، يرسمُ بروده وداخله بركان كاد أن ينفجر..
اعتدلت، تفركُ جبينها بألم، لكن رائحة عطرهِ تسلَّلت إلى أنفها...
رفعت رأسها بسرعة، تقابلت عيناها بعينيه، حدَّقت حولها كأنها تبحثُ عن تأكيد أنَّ هذا ليس حلمًا..
جسدها ارتجف وهو يقترب، انحنى ببطء، يحيطها بذراعيه المرتجفتين، يطوف على وجهها بالكامل، ودَّ لو يسحقها بين ذراعيه، ورغم ذلك همس بنبرةٍ حاول أن يخفي بها انكساره:
"حمد الله على سلامة المدام."
نظرت إليه بعينينِ زجاجيتينِ لامعتينِ بالدموع، وشفتاها تتحركانِ بلا صوت، كأن الحروف تأبى الخروج، وكأن اللغة هجرتها كما هجرتها حياتها القديمة بفعل يديها..
هناك نظراتُ عتاب، وهناك نظراتُ رجاء..
تنهَّد، ثم قال بصوتٍ خافت:
"هستناكي في العربية تحت."
استدار ليغادر، لكنَّها همست:
"إنتَ مين؟ أنا..معرفكش."
توقَّف وزمَّ شفتيه، بسخريةٍ مريرةٍ شقَّت ملامحه، عاد إليها بنظرةٍ مكسورةٍ رغم سُخريته وقال:
"وماله يامدام؟ نتعرَّف."
اقترب، وهي تتراجعُ بجسدها المرتعش على الفراش، لكنه أشار إليها، وهتف بصوتٍ كان مشبعًا بالحزن:
"تحبي نتعرَّف بأنهي صفة؟ بصفتي جوزك؟..ولا ابنِ عمك؟..
عندِك حلِّين..وصدَّقيني، الاتنين أصعب من بعض..
اختاري، بس مفيش فيهم إنصاف."
صرخت فجأة، بعينينِ دامعتين:
"أنا معرفكش!!"
قالتها وكأنَّها تطعنُ قلبه.
نهضت متوقفة بجسدٍ مترنِّح، ودموعها خيرُ دليل على انهيارها، كانت تريد منه أن يحتويها بين ذراعيه، أن يربطَ على روحها الضائعة، ولكنه كعادته، نظرات خالية من حنانه الذي يحاول أن يبعده عن شخصيته:
-معنديش وقت هستناكي تحت، اقتربت كالمجنونة، لا تريد سوى أن يضمُّها لأحضانه فقط، هل حديث طفلها كان كاذبًا عن حالته، صرخت بقلبها قبل لسانها، ثم دفعت صدره بقوة، تصرخ وتبكي:
"اطلع برة!! برةااااا!!!"
قبض على كفِّه الذي تلكمه به، وارتجف جسده بالكامل من هيئتها، أراد أن يخبرها أنها له كانت الحياة، ولكن كلما تذكر ما فعلتهُ به يشعر بانكسار رجولتهِ قبل روحه..همس بفحيحٍ بعدما دعس على قلبه بحذائه:
-أنا مش جاي آخد رأيك، مش عايز أسمع نفسك، عشر دقايق وألاقيكي تحت وإلَّا وحياة كسرتي اللي حضرتك كسرتيهالي هوريكي وش عمرك ماشفتيه، انا جاي علشان شمس وبس، هخدها وامشي، ايه هتسمعي الكلام، ولا لا ..
طالعته بصمت باكي، إلى أن أشار بعدما ارتجف قلبه من حالتها:
- ياله وبلاش شغل معرفكش دي، لأنِّي مش هرحمك..صرخ بها..
لكن...حدث ما لم يكن في الحسبان..
دخلت طفلته تلكمهُ بكفِّها الصغير، تبعدهُ عن والدتها، وصرخت باسمِ والدتها:
- ماما..ابعد عن ماما يامتوحش..
كأنَّ الزمن توقَّف، فتجمَّد مكانه...
كأنَّ الحياة انسحبت من أطرافهِ فجأة.
تصلب جسده..حتى شعر بانسحابِ أنفاسهِ ليقع ميتًا وهو واقف..
ارتفع بكاء ميرال ونهضت من مكانها حينما وجدت تصلُّب جسده وعيناه التي امتلأت بالدموع:
-شم..س همست بها ميرال وهي تسحبُ طفلتها التي تنظر إلى إلياس بكره..حاوطت وجهها تمسح دموعها:
-حبيبتي إيه اللي بتعمليه دا؟!..
-عمو دا وحش، أنا شوفته وسمعته، هوَّ عايز يخطف شمس، صح ياماما، تيتا قالت لهند كدا.
أطبق على جفنيه، رسمت ابتسامة وقبَّلت جبينها قائلة:
-حبيبتي اقعدي برة هتكلِّم مع بابا شوية.
هزَّة عنيفة أصابت جسده، ينظر إليها بعتاب، فيما ابتعدت الطفلة:
-وعمُّو الوحش ياماما؟..
قاطعها إلياس:
-عمو الوحش!!...ردَّدها بينه وبين نفسه، وعيناه تغرز بعيني ميرال ثم نطق:
-اسمعي كلام ماما وخليكي برة، أصل عمو الوحش يخطفك زي ماتيتا بتاعتك بتقول..
توقفت ميرال أخيرًا، واقتربت منه:
-إلياس..
رفع سبَّباته إليها وأردف:
-هستناكي تحت، مش عايز كلمة واحدة..قالها وخطا بجسدٍ ثقيل يسحبُ أقدامه بصعوبة..ركضت خلفه وأمسكتهُ من ذراعه:
-استنى، توقف يواليها ظهره وأردف:
-قولت هستناكي تحت.
أنا مش راجعة معاك، أنا..التفت إليها سريعًا، وعيناه ترسل إليها نظراتٍ نارية لو تحرق لأحرقتها، ثم اقترب منها وقبض على ذراعها:
-اسمعيني علشان مرحش فيكي في داهية، بحاول أمسك أعصابي إنما هتتمادي هدوس عليكي..سمعتي ولَّا لأ..
دفعت نعيمة الباب وصاحت فيه بحدَّة:
– فيه إيه يابن الحلال، مالك داخل علينا كأنك نازل حملة تفتيش، نازل أوامر كده؟ البنت مش عايزة ترجع معاك..
تجاهل كلماتها كأنها لا تُرى، وحدَّق في ميرال بعينينِ تتقدانِ غضبًا، ثم زمجر:
– ايه هتقولي متعرفنيش، أظن ملهاش لازمة، اقترب خطوةً أخرى وانحنى لمستواها:
-شكلك نسيتي إلياس ياميرال، اتقي شري وخلَّصيني، مش ناقص دوشة..
أنا على أخري، يا حضرة المزيفة..
- إلياس، اسمعني لو سمحت..
تجمَّد بنظرةٍ نارية، كانت كالعاصفة... ظنّ أنها ستنهار إليه باكية، تتوسَّل قربه، لكنَّها خذلته بعنادها، استدار بجسده، وبقلبٍ صلبٍ لا يشبه قلبه الذي عشقها وأشار إليها:
-مفكرتيش إزاي بعد مالناس كلها عرفت إنِّك ميتة، هترجعي تاني من الموت، مفكرتيش في صورة جوزك والناس شايفة إنِّ مراته هربت منه، ماهم مايعرفوش حاجة..
انزلقت دمعةٌ رغمًا عنه، ارتجف قلبها:
– أنا آسفة...على كلٍّ اللي حصل..بس ماينفعش أرجع تاني لحياتك.
قالتها بصوتٍ خافتٍ مرتجف، من قلبها الذي ينزفُ من ابتعادها ورغم ذلك لا تستطع الاقتراب، لا تحتمل مأساة أخرى..
جاهد في إخفاء اعتصار أضلعه أمامها، ولكن ألمَ القلب خائن، ياالله
ما أقسى أن تشعر بأن لا وجودَ لك في حياةِ من أحببت حدَّ التلاشي..تسارعت نبضاتهِ وكأنَّ كلماتها ذبحته دون رحمة..
رفعت عينيها وارتجفت شفتيها مع دموعها:
-آسفة..حقيقي آسفة بس مبقاش ينفع زي ماقولت..
تنهيدة عميقة غادرت ضلوعهِ وهو يردِّد كلماتها باستهانةٍ ممزوجةٍ بمرارة:
– آسفة...
انطفأت ملامحه في لحظة، دقيقة واحدة كانت كفيلة بإنهاء كلِّ شيء..
كلمة قصيرة، لكنها ثقيلة كجبل، أشعلت جحيمًا داخلهِ لا يُطفأ.
اقترب منها وأغلق الباب بعنف، بعدما دافع نعيمة المتوقفة للخارج، ثم دفع ميرال إلى الداخل بعنف جعل كيانها يرتجف، ونظراتها تتوسَّل منه الرحمة، هي تعلم ثورانه، ولكن كيف تطلب الرحمة التي أحرقتها داخله..
– آسفة على إيه ياميرال؟.،على تمثيلية موتك؟.ولَّا على إنِّك كسرتيني وخليتيني أضرب نفسي مليون مرة لأني وثقت في واحدة زيك؟!
واحدة خلت جوزها أضحوكة..واحد عايش ومش عايش..
اقترب خطوةً أخرى، ودفعها بجنون
حتى صرخت متألمة، لكنه لم يتوقف.. لم يعد يسمع سوى صدى وجع قلبه بما فعلته به، وهدر بعنف:
-تعالي نعد أسفك..
– آسفة إنك حرمتيني من بنتي؟.
وخلِّيتيها تعيش في مستوى زي الزفت..
آسفة إنك موتي قصاد الناس وإنتي عايشة؟.وسايبة ابنك اللي لسه مكملش عشر سنين؟..
علشان أوهام مريضة؟.أوهام زرعتيها في دماغك؟.
صرخ، وتصاعد صوتهِ كعاصفة، وهو يطيح بكلِّ مافي الغرفة:
– ضيَّعتيني بسبب جنانك، دمَّرتي حياتي..وحياة ولادنا علشان اوهام مريضة
- آآآآه.
صرخت بها و خرجت كخنجر، ودموعها انهمرت كنهرٍ لا يُكفُّ عن الجريان اقتربت منه تنظر إليه بضياع:
– آه أنا مريضة..
مريضة علشان بحطِّ أوهام..
مريضة لأني فجأة لقيت حياتي كلَّها أمراض..
اتجوزتك وأنا بحاول أتعايش مع شخصيتك المتقلِّبة، وتنازلت عن نفسي علشانك، ومستعدة أتنازل تاني..
أنا مريضة، لأني ماقبلتش ابني يعيش نفس اللي أنا عشته..
أنا مريضة..لأني بنت راجل قتل أخوه، وشرَّد ولاده، واغتصب مراته..
أنا مريضة، لأني شفت أمي بتاجر بأختها، وبترمي ولاد بنتِ عمها اللي لسه مكملوش سنتين..
أنا مريضة، لأني رُحت أسحب ورقي من الجرنال..
فاستقبلني رئيس التحرير وهو بيضحك ويقول: "الحمد لله يامدام ميرال، اتخضِّينا من الشائعات، بس مصطفى باشا كذِّبها، وقال إنك مش بنتِ الإرهابي راجح".
أنا مريضة، وأنا راجعة أفرَّح جوزي بحملي..ألاقي أبويا بالتبني : "وهو بيأنِّبك إنك اتجوزت بنت المجرم؟!"
ونسِي إن المجرم دا..عمَّك..
اقتربت منه حتى التصقت مقلتاها بعينيه:
– أه..أنا مريضة لأني بعشقك وبموت فيك بس نصيبنا وقف، مريضة بكلِّ حاجة وهفضل طول عمري بعاني من أمراضي..
ابعد عن المريضة ياحضرة الظابط، واحمد ربنا إنِّ أبوك وأمَّك ناس نضيفة، دي نعمة كبيرة مش هيعرف نعمتها اللي فاقدها، عايز إيه من المريضة؟..
عايز تعرف إيه؟..
زوَّرت موتي علشان تنساني، وتعيش حياتك، روح عيش وسبني زي ماأنا، ابعد عن المريضة بدل ماتكرَّهك نفسك…
انساني زي ماأنا نسيتك، ومتفكرش كنت رايحة أشوفك علشان وحشتني، كنت عايزة أشوف ابني، وعرفت إنَّك نقلت بيت جديد، وعنوان الشركة بس اللي كان مكتوب، كلِّ مرة كنت بروح علشان أحاول أتكلِّم معاك بس مبقدرش..ميرال مبقتش موجودة، اللي قدَّامك دي مروة راجح الشافعي، اللي حاملة دم أبوها القذر، ذنبك إيه تتعاير بيَّا، على الأقل هنا الناس ميعرفوش حاجة، إنَّما هناك الطبقة الراقية كلِّ نفس بحساب، التفتت إليه وتعمَّقت بعينيه:
-صدَّقني أنا مرتاحة هنا وعايشة أحسن ماكنت عايشة معاك، هنا لاقية نفسي، هناك كلِّ نظرة بتخونِّي، ارجع لحياتك، شايفاك كويس، يوسف بس اللي واجع قلبي، يبقى فهِّمه أنا بحبِّه أكتر من أيِّ حاجة، والله بحبُّه أكتر من أي حاجة في الدنيا...آااااه..
مفكرتش ازاي بعدت عن ابني، مفكرتش قد ايه بتوجع علشانه، كل اللي فكرت فيه شكلك قدام الناس، انا حاولت اموت ياالياس، بس ربنا مااردش، قولي اعمل إيه تاني علشان اريحك وارتاح، واريح الكل مني؟!
ظلت تضرب صدرها بقوة وتصرخ كالتي فقدت عقلها:
-اوقف قلبي عن الحياة ازاي، عايزة أموت والله نفسي اموت علشان اريحكم كلكم..انهارت باكية
اقترب منها كالمجنون، وقد أحرقت نيران القهر آخر صفحة من قاموس صبره، حاوط خصرها يجذبها لأحضانه بقوة، بعدما انهارت باكية وفقدت توازنها:
-اهدي خلاص، اهدي..
حاوطت جسدهِ وبكت بنشيجٍ كاد أن يفقده توازنهِ ويحتضن ثغرها يبتلع بكاءها، سحقها بأحضانه مغمض العينينِ يسحب رائحتها يعبئُ رئتيه التي أحسَّ أنَّها فقدت أنفاسها، حاوطت عنقه وارتجف جسدها بالكامل من بكائها:
-اهدي ياميرال لو سمحتي، خلاص انسي أيِّ حاجة.
-إلياس مش عايزة أرجع تاني هناك، لو سمحت ابعد عنِّي وسبلي شمس، لو فعلًا حبِّتني في يوم من الأيام..
ارتفعت أنفاسهِ محاولًا السيطرة على جحيم غضبه، استمع إلى كلماتها:
-حياتنا مبقاش فيها رجا، أنا أصلًا خلاص نسيتك. أنا هنا مرتاحة معاك مش مرتاحة
نفض ذراعيها من رقبته بسرعة كمن لدغتهُ أفعى بعدما استمع إلى حديثها، وتراجع بجسدهِ للخلف، وتحوَّلت حالته وكأنَّه ليس ذلك الشخص الذي يضمُّها منذ لحظات:
-غيَّري هدومك دي، وجهِّزي البنت، واعملي حسابك هناخدها لدكتور قبل أيِّ حاجة، معرفش هتتقبِّل وجودي إزاي.
-إلياس!!.
نظر بساعته وتحرَّك للخارج مع ارتفاعِ رنين هاتفه، ليرفعه بعدما تكرَّر الرنين عدةِ مرَّات:
-أيوة ياأرسلان..فوق في البيت اللي جنب القهوة، أيوة..
قالها وأغلق الهاتف يرمقها بنظراتٍ عتابية:
-ماما هتموت عليكي من وقت ماعرفت إنِّك عايشة، ويوسف كمان دا لو لسة عندك أمومة له زي مابتقولي،
أنا يُعتبر ماسمعتش حاجة من كلامك الأهبل دا..لحدِّ دلوقتي بتعامل معاكي على إنِّي ابنِ عمِّك..متخلينش أقلب إلياس جوزك اللي مبقتيش بتفكَّري فيه..
قالها وتحرَّك للخارج، بينما هي هوت على المقعد تحتضنُ نفسها بذراعها تهمسُ لنفسها:
- طيب أقنعك إزاي ياإلياس، هرجع تاني أعاني من بنتِ راجح، هرجع أبرَّر للناس ليه أنا اتنسبت لمصطفى!..هزَّت رأسها بالرفض وتحرَّكت للخارج إليه:
-أنا مش هرجع هناك تاني، ولو على شمس ويوسف تعال نتفق زي أيِّ اتنين مختلفين..
ظلَّ ينظر إلى مرورِ الناس بذلك الشارع من الشرفةِ الواسعة التي تفصلُ الشقتين؛ وينفث سيجارتهِ بهدوء وكأنه لم يستمع إلى حديثها:
-اتأخَّرنا..قالها بوصول أرسلان إليهم، توقَّف للحظة يحتضنِ وقوفَ ميرال..اقترب خطوةً يهمس اسمها:
-ميرال..
دنت منه بخطواتٍ مرتعشة وطالعتهُ بعيونها الباكية:
-عامل إيه..اقترب منها ونزلت دمعة بجانب جفنيهِ وهو يراها بتلك الحالة، ثم التفتَ إلى أخيه الذي يواليهِ ظهره، ثم تراجعَ إليها:
-إحنا مش كويسين خالص من غيرك..
بكت تضع كفَّها على فمها تهمسُ بخفوت:
-آسفة، بس لازم تتعوِّدوا ياأرسلان، فتح ذراعيه بعدما شعر بحالةِ ضياعها، واحتراقِ أخيه وقال:
-عايز أحضنك، تعالي.
اقتربت منه بتردُّد مع نظراتها إلى إلياس الذي يواليهم ظهره، وصلت إليه جذبها لأحضانهِ يقبِّل جبينها:
-وحشتيني.
ارتفعت شهقاتها وهي تتشبَّثُ بقميصه، وقالت بنحيبٍ متقطِّع:
-وإنتَ كمان، كلُّكم وحشتوني..
احتضن وجهها يزيلُ دموعها:
-طيب إيه، مش يالَّه، أنا فكَّرت هتقابلوني تحت، إنتي عارفة بقالنا قدِّ إيه بندوَّر عليكي؟..
تراجعت لباب شقَّتها وقالت:
-مكنش له لزوم يابنِ عمي، اتعوِّدوا زي ماأنا اتعوِّدت.
سحب إلياس نفسًا طويلًا من سيجارته، تمنَّى أن لا يتنفس بعدها، بعد حديثها الذي فتَّت قلبهِ لشظايا محترقة..
حاوط أرسلان كتفيها:
-تعالي ياميرال نتكلِّم شوية..
-أرسلان تتكلِّم في إيه؟.خليها تشوف البنت فين علشان نمشي، إيه هنفضل هنا، أشار إلى الأسفل على بعض الشباب الذي يجلسون على المقهى:
-تخيَّل بنتي عايشة هنا، بص كدا شوف العيال قاعدين بيعملوا إيه، أنا وصلت وبنتي كانت بتلعب تحت في الشارع دا، رفع نظره إليها بعدما فقد سيطرته:
-أقسم بالله لو مانزلتيش معايا دلوقتي هعيِّشك أسوأ أيام حياتِك..
-مش هعيش أكتر من اللي عيشته ياإلياس، متخفش بايعة الدنيا..
اقترب منها بعدما أصابته بنوبةٍ جنونية، تراجعت تختبئ خلف أرسلان
بصعودِ نعيمة تحمل شمس التي تبكي تطالب بوالدتها..
هرولت إلى ابنتها تضمُّها تبتعد بها خلف أرسلان الذي ينظر إلى الطفلة بتدقيق، ثم قال:
-دي شمس؟..اختبأت الطفلة بأحضانِ والدتها تشعر بالخوف منهما، بينما إلياس الذي يشعر بلهيبٍ يحرق صدره من خوف طفلتهِ، قاطعت نعيمة النظرات متسائلة:
-طلباتكم ياباشوات.
هنا ابتعد إلياس بنظراته عن ابنته:
-صدَّقيني هودِّيكي في داهية، هعرَّفك إزاي تلعبي بيَّا إنتي والدكتور الكذاب..
بس الحق مش عليكم، الحق على المدام اللي عاشت وسط بلطجية.
-حيلك حيلك ياباشا، إحنا ممكن نكون فقرا أه، بس عايشين بكرامتنا، لا بلطجية وغيره، وبدل ماتشكرنا، نازل جلد، احمد ربنا إنَّها بخير.
دنا منها وكاد أن يُطبق على عنقها، إلَّا أنَّ أرسلان أوقفه:
-إلياس..توقف يشير إليها:
-مش دي اللي لعبت في ورق المستشفى، مش همَّا اللي ضحكوا علينا.
-طنط نعيمة مالهاش ذنب.
-صدَّقيني طنطك نعيمة دي هودِّيها ورا الشمس.
اقتربت منه وهتفت بقهر:
-خلاص هاجي معاك، بس طنط نعيمة مالهاش ذنب..تجمَّد جسدهِ للحظات محاولًا أن يستوعب قهرة رجوعها معه، هل لفظته من حياتها للأبد؟.
تحرك إلى الأسفل وقال لأرسلان:
-هاتها هستناكم تحت، توقف بعد عدةِ خطوات يلتفتُ إلى ابنته التي تتابعه بعينيها الصغيرة، ظلَّ للحظاتٍ يتمنَّى أن تهرول إليه ويضمُّها لأحضانه؛ ولكن نظرات الخوف التي تنبثقُ من عينيها جعلته يشعر بأنَّ هناك قيدًا من الحديد يلفُّ حول عنقه..
تحرَّك سريعًا بعدما فقد السيطرة على آلامه..
بعد فترة وصلت تحمل طفلتها بجوار أرسلان، في تجمُّعٍ من شباب المكان الذين توقفوا يراقبوا مغادرتهم..
هرولت إحدى الأطفال إلى ميرال:
-أبلة مروة أبلة مروة إيه مفيش درس النهاردة؟.
هنا رفع رأسه سريعًا وهو يستمع إلى اسمِ مروة، تقابلت العيون للحظات في ألمٍ نطقته العيون، تراجع بنظره إلى السيارة وأطبقَ على جفنيه، كلَّما تخيَّل حياتها المزيفة التي عاشتها بتلك الفترة..
كانت تراقب ردود أفعالهِ بصمت، أقسمت بداخلها أنَّها ستعاني منه لقبولها مرةً أخرى.
التفتت إلى الصغيرة التي أعادت نداءها وقالت:
-معلش حبيبتي خلِّي ماما تشوف لك مدرس تاني..بابا شمس جه من السفر وهنرجع بيتنا.
-مكنتيش تقولي كدا ياأبلة مروة إنه جوزك، والله هتقطعي بينا، يبقى تعالي زورينا..
قالها أحد صبيان المقهى، اقترب آخر منهم وهو يحاول أن يجذب شمس:
-هاتي حضن ياشمس هتوحشي حودة يابت،
تعلقت شمس في رقبته وقالت
-وانت كمان عمو حودة
-يبقى تعالي ياشموسة علشان اخبيلك غزل البنات ..ضحكت تقبله
- والعسلية، أشار إلى خده
-بوسة لحودة علشان العسلية
بينما نادت أخرى من البلكون:
-يامروة أنا زعلانة مين هيعملِّي البسبوسة ويجيب لي الطعمية والبتنجان الصبح، ومين هياكل معايا الرنجة والبصل في شمِّ النسيم..أوعي تنسيني يامروة، وحياة عمِّك غالي يبقى هاتيلي بسبوسة معاكي.
جحظت أعين إلياس من الأحاديث التي تُلقى على أذنه..
فتح باب السيارة بحدَّة:
-هنفضل واقفين فرجة للناس، خدي البنت من الواد دا، هرولت إحدى الفتيات إليها تعانقها وتقبِّلها بصوتٍ يخرج من شفتيها مما جعل إلياس يتحرَّك إلى القيادة..
واقتراب أرسلان منها، بعد سماعه لبعضِ الأحاديث من أحد الواقفين عنهم..
-ميرال اركبي العربية يالَّه..
التفتت إلى تلك الفتاة:
-هتوحشيني حبيبتي، يبقى سلِّميلي على ماما.
-يعني خلاص كدا مش هتيجي؟..طيب خالو هيزعل دا كان عايز يتجوزك.
ضرب على مقودِ السيارة بعدما فقد سيطرته وصاح بأرسلان:
-همشي، وخلِّي الأبلة في الحارة بتاعتها للعرسان..
-ميرال يالَّه..همس بها أرسلان وهو يساعدها على الركوب، بعدما وجد النيران تخرج من أعين ارسلان، مع اقتراب أحدهم يلهث وتوقف أمام السيارة:
-أنا عرفت إنِّك ماشية، عرَّفيني بس دول عايزين يخطفوكي، ولَّا غاصبينك على حاجة؟..
صاحت شمس باسمِ الرجل:
-عمُّو سيد، ماما عايزة تفضل هنا، ثم أشارت على إلياس:
-عمو دا ضربها..
ضرب المدعو سيد بقوة على السيارة:
-انزلِّي هنا، إزاي تمد إيدك على نوارة حارتنا؟.. اقترب الآخرون بعد سماعهم كلمات شمس يهجموا على السيارة
فرك إلياس وجههِ بغضب، محاولًا التحكُّم بنفسه، ترجَّل أرسلان من سيارتهِ مرةً أخرى بعدما تأزَّم الوضع باقترابِ بعض الشباب يحاصرون السيارة..
أتت لتفتح باب السيارة إلَّا أنَّه هدر بحدة:
-هدوس عليهم وأعدي، شوية الحلاليف دول مايساووش عندي جنيه، متخلنيش أفقد أعصابي..نظر إلى أرسلان الذي أخرج سلاحهِ وأطلق رصاصةً في الهواء ليبتعد الجميع عن سيارة إلياس، ثم صاح بغضب:
-دي شكل واحدة مخطوفة؟!..دا جوزها، اتلمُّوا بقى.
أشار إلى إلياس بالتحرُّك، لم يتوان لثواني ليسرع بسيارته بسرعةٍ جنونية من بشاعة المكان من وجهة نظره..
بمنزل إلياس..
تجمَّع الجميع بانتظار رجوعه، ظلت فريدة تتحرَّك ذهابًا وإيابًا من المنزل إلى البوابة الخارجية للكمبوند، إلى أن أُنهكَ جسدها، بينما اقترب طارق من يزن الجالس يحتضنُ رأسه بصمت:
-يعني إيه ميرال عايشة؟!.طيب كانت فين، وإزاي تخبي عليَّا موضوع مهم زي دا؟!.
هبَّ من مكانهِ وعيناهُ تنطق بالغضب:
-طارق الحكاية مش ناقصة، ممكن تهدى ولازم نفكر هنقنع إلياس إزاي أنه مايتهورش على أختك..
دفعه طارق بغضب:
-أنا مصدوم فيك الصراحة، بجد مصدوم..قالها وتحرَّك إلى البوابة ينتظرهم..
بينما جلست غرام بجوار رحيل:
-تعرفي أحسن خبر أسمعه من مدة كبيرة أوي، والله مبسوطة أوي ياراحيل..ياااه ميرال عايشة، أخيرًا السعادة هترجع بيت إلياس..
التفتت تحدجها بنظراتٍ حزينة، لأنها كانت على علمٍ بوجودها منذ فترة طويلة..
-شكلك بتحبِّيها أوي؟.
أومأت بدموع لم تستطع التحكُّم بها وقالت:
-ميرال أنضف شخصية قابلتها في حياتي، الِّلي يشوفها يقول مغرورة بس والله طيبة جدًا..
-إنتي قابلتي مين أصلًا ياغرام، آسفة بس علاقاتك محدودة.
تذكَّرت غرام سنين عملها قبل زواجها فأردفت قائلة:
-أنا كنت بشتغل وأنا عندي خماستاشر سنة، اشتغلت في أماكن كتير، واتعاملت مع ناس كتيرة، فيه منهم الغني المحترم وفيه منهم الواطي الحقير، والدي كان على قدِّ حاله، والحياة مكنتش أحسن حاجة معانا، وكنت لازم أصرف على نفسي وعلى أخوي..
-إنتي ليكي أخوات ياغرام، طيب مبيجوش عندك ليه؟!
مسحت دموعها وهزَّت كتفها قائلة:
-معرفش، بابا الأوَّل كان بيروح بيتنا القديم، بس من وقت ماجينا هنا المسافة بعدت عنُّه، غير طبعًا مبيحسش بالراحة، أرسلان دايمًا بياخدني هناك.
اقتربت غادة من جلوسهم:
-كلِّمت إسلام وعرَّفته، وجاي في الطريق، أنا فرحانة أوي، أوي..ميرال عايشة معقول بعد السنين دي كلها!..
التفتت غرام تبحثُ بعينيها عن يوسف فأردفت متسائلة:
-يوسف فين ياغادة كان معاكي؟..
أشارت على جلوسه بجوار رؤى وقالت:
-قاعد مع خالته.
ارتشفت رحيل من قهوتها وقالت:
-أهي خالتو دي أكتر واحدة المفروض يبعد عنها.
ضيَّقت غرام عينيها، بينما رمقتها غادة بصمت، في حين قالت غرام:
-مالك ومال رؤى يارحيل، على فكرة اشتكت لي منِّك، وأنا محبِّتش أدَّخل، متنسيش أنها اخت يزن وطارق
نهضت رحيل من مكانها وعيناها على رؤى:
-انسي ياغرام، هروح أشوف الولاد، وأه بالنسبة لشكوتها مش تهمِّني، ماهي اشتكتني لأخوها قبل كدا..
انحنت رحيل تستند بكفَّيها على الطاولة، وحدقت غادة بنظراتٍ عتابية:
-انا بشوفها بتلف عليكي، خايفة ترجعي تندمي تاني، اسمعي منِّي يمكن أنا علاقتي بيكي محدودة مش زيها، بس أنا شايفاكي بريئة أوي، معرفش غرضها منِّك إيه، بس نصيحة خافي من رؤى لأنَّها عاملة زي جلد التعبان ناعم بس بيموِّت..
قالتها رحيل واعتدلت مغادرةً المكان..
راقبتها غادة بصمت، هي تعلم ما تعنيه رحيل، ولكنها صمتت بعدما أمرها إلياس بأنها لاتحكي شيئًا، حتى يعلم مايدور بذهن رؤى
عند رؤى..
كانت تجلس بجوارِ يوسف الذي ينشغل بألعابه الإلكترونية على هاتفه، ظلَّت تطالعهُ بصمت ثم تحدَّثت وكأنها تحادث نفسها:
-يعني ميرال عايشة وسيباك وحيد زي اليتيم، هوَّ فيه أم تعمل كدا؟!.والله أنا لو من إلياس لأطلَّقها وأرميها..
رغم أنَّه استمع إلى حديثِ رؤى ولكنَّه ظلَّ منشغلًا بألعابه إلى أن جذبت هاتفه:
-يوسف إنتَ كدا هتبعد عن خالتو؟..هتنسى خالتو خلاص وتروح لماما اللي سابتك من سنين، وهترضى بابا يرجَّعها تاني؟..مش المفروض تزعل منه علشان رجَّعها وهو عارف إنَّها سابتك لوحدك؟!.
-خالتو هاتي التليفون، أنا معرفش إيه اللي بيحصل، بس أنا عارف بابا مستحيل يسيب ماما، اقترب وجذب الهاتف وهو ينظرُ إليها بنظراتٍ لم تفهمها قائلًا:
-بابا بيحبِّ ماما أوي، ومستحيل يتجوِّز غيرها أو يطلَّقها مهما عملت، بدليل إنَّها بقالها كتير مختفية زي ماحضرتك قولتي ورغم كدا ماتجوزش..
بعد إذنك هروح بيت عمو أرسلان لحدِّ مابابا يرجع، وأه ياخالتو متخافيش عليَّا أنا مستحيل أسامحها بعد اللي عملته، بس برضو مقدرشِ أقول لبابا اطرد مراتك..
قالها الطفل وتحرَّك متجهًا إلى منزل أرسلان، بعد تحركه لعدِّة خطوات، سمح لدموعهِ أن تنزل بصمت، نعم يشعر بالحزن على ماوصل إليه، كيف فعلت به والدته ذلك..خطا بخطواتٍ ثقيلة رغم صغر سنه، وتوقَّف ينظر إلى فريدة التي تنتظرهم عند البوابة، همس لنفسه:
-يارب يكون ظنِّي غلط ياماما وقتها هزعل منِّك أوي، يارب متكنش هيَّ، يارب أي واحدة تانية غير طنط مروة..
شعر بأحدهم يضع كفِّه على كتفه:
-حبيبي بتعمل إيه هنا؟..رفع عيناه الدامعة إلى مصطفى وقال:
-جدو أكيد مش هيَّ ماما صح كدا؟..
ارتبك مصطفى للحظات ثم ضمَّ كتفه، وتحرَّك معه إلى الحديقة، جلس وأشار إليه بالجلوس:
-يوسف إنتَ قولت لحدِّ تاني عن موضوع طنط مروة دا؟.
هزَّ رأسهِ بالنفي، ثم قال:
-كنت هقول لبابا، بس حضرتك قولت لي مش هيَّ أكيد.
احتضن وجههِ وأزال عبراته:
-اسمعني ياجدو، سواء هي ولَّا لأ، دي ماما حبيبتك، إحنا منعرفش ظروفها إيه، وليه عملت كدا، وإيه اللي حصل؟..
أهم حاجة تتأكد إنَّك غالي أوي عند ماما وهي بتحبَّك أكتر واحد في الدنيا..
-جدو أنا عارف إنَّك بتضحك عليَّا، وعارف إنَّك قابلت ماما، طنط مروة هيَّ ماما صح ياجدو؟.
ابتعد مصطفى بنظراتهِ عنه وقال:
-هتفرق يايوسف؟..إنتَ مبقتش صغير لازم تعرف الأسباب ياحبيبي.
كثرت دموعه وهزَّ رأسه:
-كنت حاسس إنَّها ماما، والله ياجدو كنت حاسس، بس ليه تعمل كدا؟!.
توقَّف مصطفى بعد أن رأى حالته، وقال بهدوءٍ موجوع:
- طيب ليه مفكرتش إنَّها عملت كده علشان بتحبَّك؟
هزَّ الطفل رأسهِ بانكسار وردَّ بحدَّة:
-بس أنا مبقتش عايزها خلاص.
قالها ثم هرول إلى منزله، في اللحظة التي توقَّفت فيها سيارة إلياس أمام البيت..
نزل منها ببطء، وبمجرد ظهوره، صاحت غادة وهي تركض نحوه بجنون:
"ميرال! فين ميرال؟!"
داخل السيارة، كانت ميرال ترتجف، عينها تجوبُ الوجوه بخوف، حتى وقعت عيناها على رؤى المتوقفة بجوار غرام، تشبَّثت ابنتها بعنقها تبكي:
- ماما، مش عايزة أنزل، عايزة أرجع بيتنا.
فتح إلياس الباب وقال بنبرةٍ هادئة حاسمة:
"هاتي البنت وانزلي"
لكن الصغيرة صرخت فجأة، ولكمتهُ بقوة، فتراجع إلياس وهو يتحمَّل الألم بصمت، وترك ابنته في حضنِ والدتها، ثم غادر للداخلِ دون أن ينطق بحرف، وداخله نيرانًا تريد إحراق الكون بأكمله، وسط ذهول الجميع..
وقفت ميرال في مكانها، تحتضنُ صغيرتها التي تنتحب، وعيونها تبحث بين الوجوه، إلى أن انطلقت غادة تصرخ:
ميرو..حبيبتي أنا مش مصدَّقة إنك عايشة..
رمت نفسها في أحضانها تبكي بحرقة، فاحتضنتها ميرال بكلِّ لهفة، تهمسُ من بين شهقاتها بعدما أنزلت طفلتها:
- وحشتيني أوي ياغادة..أوي.
- زعلانة منِّك ياميرو..بعد كلِّ السنين دي تكوني عايشة ومترجعيش، كده هونَّا عليكي؟..
-اعذريني حبيبتي كانت ظروف، وقعت عينا غادة على شمس التي تشبَّثت بساقِ والدتها، فانحنت تجذبها منها تقبِّلها:
- حبيبة خالتو وعمتو..أنا غادة.
بينما اقتربت غرام، ونظرت إليها بدهشة، قبل أن تهمس:
- ميرال وحشتيني...
ابتسمت ميرال تضمُّها:
-وإنتي كمان حبيبتي...حمد لله على سلامتك..الحمد لله إنِّك عايشة.
في تلك اللحظة، وصل يزن، وتعلَّقت عيناهُ بها بشوق، رفعت عينيها إليه، فتح ذراعيه وهمس:
-"ميرو!"
هرعت إليه، فرفعها إلى مستواه وضمَّها بشدة:
-حبيبة أخوكي...وحشتيني ياروحي.
- حبيبي، ربنا يخلِّيك ليا.
أعادها إلى الأرض برفق، وطبع قبلةً حنونةً على جبينها:
-"نوَّرتي بيتك ياروحي"
رفعت نظراتها إلى طارق، كان يراقبها بصمتٍ جارح..
اقتربت منه بتردُّد:
مش هتسلِّم عليا؟.
هزّّ رأسهِ بقسوة:
لأ..مش هسلِّم عليكي، إلَّا لمَّا تشرحيلي اللي عملتيه!..
شهقت بصوتٍ مخنوق، وانهمرت دموعها، تضع كفَّها على فمها لتكتمَ الألم، بينما هو ابتعدَ نحو سيارته، يغادر مع وصول أرسلان..
وضع يزن يدهِ على كتفها وقال:
- زعلان منِّي..عشان عرف إني كنت عارف إنك عايشة، سبيه يهدى.
أومأت برأسها، ثم تساءلت بقلق:
"ماما فريدة..مش هنا؟
أشارت غادة إلى ركنٍ هادئ، تجلس فيه فريدة، بعدما فقدت الحركة كأنَّ الانتظار أثقلَ جسدها..
اقتربت ميرال بخطواتٍ دامعة، بكت بصمت تحت نظراتِ والدتها، ثم سقطت على ركبتيها أمامها، تمسكُ يديها وتقبِّلهم:
- ماما..حتى إنتي مش هتسلِّمي عليَّا؟.
ساد صمتٌ ثقيل، إلى أن مدَّت فريدة يدها، تمسِّدُ وجه ابنتها المرتجف، وتهمس:
- إنتي..إنتي فعلًا حقيقية؟..يعني مش حلم؟!.
أومأت ميرال برأسها باكية، فصرخت فريدة من أعماقِ قلبها، وجذبتها إلى صدرها:
-آه ياحبيبة قلبي...وحشتيني ياروحي.. روح وقلب ماما ياميرال.
انفجرت ميرال في حضنها مع شهقاتٍ مرتفعة:
- وحشتيني أوي ياماما، أوي..آااه ياماما وحشتيني أوي، مكنتش محتاجة غير الحضنِ دا.
ضمَّتها فريدة بحنان تمسِّدُ على ظهرها:
-كدا ياميرو، أمِّك هانت عليكي يابنتي، طيب بلاش أنا، جوزك وابنك اللي حياتهم ادمَّرت مفكرتيش فيهم؟..
قبَّلت أيدي فريدة مع دموعها:
-حبيبتي أنا عارفة إنِّك أعظم أم، ومتأكدة إنِّ ابني هيلاقي الحنان اللي غمرتيني بيه.
صفعتها بخفَّة على وجنتها:
-غبية ومتخلفة يابنتِ فريدة، مفيش حد بيعوَّض حنان الأم.
هزَّت رأسها مع دموعها:
-بس إنتي عوَّضتيني ياأمِّي، محستش ولا لحظة إنِّك مش أمِّي..
سحبتها فريدة مرةً أخرى لأحضانها تضربها على ظهرها:
-علشان إنتي بنت فريدة، إنتي بنتي أنا واللي يقول غير كدا أموِّته.
خرجت من أحضانها تمسح دموعها:
-يوسف فين، ليه مش موجود؟..ولكنها توقَّفت عن الحديث بعدما استمعت إلى صوتِ رؤى:
-ميرال وحشتيني.
هبَّت من مكانها واستدارت إليها سريعًا، ثم ابتسمت بسخرية:
-وإنتي كمان يابنتِ راجح وحشتيني أوي..قطبت فريدة جبينها من كلمات ميرال، ولم يذهب مافعلته عن ذهن يزن، وخاصَّةً بعد تخطِّيها رؤى ودارت بعينيها متسائلة:
-ابني فين، يوسف فين؟.
اقترب أرسلان يشير للجميع:
-يالَّه ندخل، هتلاقوا يوسف جوَّا، نهضت فريدة تبحثُ عنه بلهفة وقالت:
-يوسف كان هنا من شوية.
قاطعهم صوت مصطفى:
-يوسف دخل البيت، هتلاقيه عند أبوه، قالها واقترب من ميرال التي تتهرَّب من النظرِ إليه:
-مش هتسلِّمي على بابا ياميرال؟.
-إزي حضرتك ياعمو؟.
دنا منها وحاوط كتفيها:
-وحشتيني.
أومأت ورسمت ابتسامة:
-وحضرتك..بعد إذنك هطلع أشوف يوسف بعد إذنكم..
بالأعلى بغرفةِ إلياس قبل قليل..
دفع باب الغرفة ودلف للداخل، يحاول أن يتنفس بهدوء، ولكن كيف عليه التنفس بحالتهِ تلك..
تساقطت دمعةٌ شريدةٌ رغمًا عنه، كلَّما تذكَّر خوف ابنته منه.
-اهدى..دا طبيعي البنت متعرفكش، لازم تهدى وتشوف هتتصرَّف إزاي..
قاطعه رنين هاتفه:
-عرفت كلِّ حاجة يافندم.
-قول..سامعك.
-بقالها سنتين تقريبًا، اشتغلت سنة في مدرسة نانا، وكانت شغالة في سنتر دروس.
أغمض عــيناهُ يحاول إسكات ذلك الجنون بداخل عقله بألَّا ينزل إليها ويعاقبها أشدَّ العقاب..
قاطعه صوت مالك:
ـ إلياس باشا معايا؟..مسح على وجهه يهزُّ رأسهِ قائلًا:
-أه معاك، قولِّي اسمِ المدرسة اللي كانت شغالة فيها.
-لحظة يافندم..قالها وهو ينظر بملفٍّ أمامه، ثم نطقَ اسمَ المدرسة التي جعلته يهبُّ من مكانه:
-إنتَ بتقول إيه..متأكد؟.
-والله يافندم زي مابقول لحضرتك، ومصادر موثوقة كمان.
رغم مخالبَ الألم التي تغرز بصدره وشعوره بأنه ينزف، ابتسم بسخرية على أفعال زوجتهِ المجنونة، ردَّ على مالك:
-شكرًا يامالك، المهم أنا مش هاجي بكرة الشركة، عايزك تهتم كويس، واتأكد من مختار العوضي دا، عايزك ترفض بشياكة نكمِّل الشغل معاه.
-اعتبره حصل.
قاطعه طرقاتٍ على باب غرفته فأذن بالدخول، بعدما أغلق هاتفه..
-بابا ممكن أتكلِّم مع حضرتك؟.
أشار إليه بالدخول، خطا يوسف إلى وقوف والده، ظلَّ للحظاتٍ صامتًا إلى أن تراجع إلياس وجلس على المقعد:
-عايز تسألني عن ماما مش كدا؟.
-لا..قطب جبينه وراقبه بصمت، إلى أن اقترب منه:
-عايز أقول لحضرتك أنا كنت عارف إنِّ ماما عايشة، وكمان قولت لجدُّو مصطفى، أنا مكنتش متأكد، بس حسيت إنَّها هيَّ..
ذهب إلياس بشروده لحديثِ مالك عن مدرسة يوسف، فأشار إليه بالاقتراب:
-تعال احكي لي كلِّ حاجة.
عند ميرال..
دلفت إلى داخل المنزل تتجوَّل بنظراتها الحائرة، ترمقُ كلِّ ركنٍ فيه تراه للمرَّة الأولى..لمعت عيناها بوميضِ ابتسامةٍ خافتة وهي تُعاين تلك التفاصيل الصغيرة التي لطالما أحبَّتها وتذكَّرها وفعلها..
ربتت غادة على كتفها بلطفٍ وأشارت نحو الداخل:
– عارفة إنِّك أول مرة تشوفيه، أي حاجة مش عاجباكي ممكن تغيَّريها.
لكن ميرال لم تعر كلماتها انتباهًا، فقد كانت عيناها تبحثانِ عن وجهٍ اشتاقت إليه كثيرًا، وجه طفلها الصغير..
– فين يوسف ياغادة؟
أشارت غادة إلى غرفة مكتب إلياس:
-جوَّا أكيد، لو يوسف مش في أوضة الرياضة هتلاقيه هناك..ميرو، أنا مش عارفة ردِّة فعل إلياس هتكون إيه، بس متأكدة إنُّه تعب جدًا في البُعد.
أومأت ميرال بصمت وتقدَّمت خطوة، لكن غادة أوقفتها:
هاتي شمس معايا، متخافيش عليها.
ركعت غادة أمام الصغيرة:
- تيجي مع خالتو ياشموس؟.هنجيب تشكوليت ونروح نلعب عند النانا.
نظرت شمس إلى والدتها التي أومأت برفق:
- حبيبتي دي عمِّتو، أخت بابا...
قاطعتها غادة سريعًا:
- وأختِ ماما ياحبيبتي.
شردت الصغيرة للحظة ثم سألت ببراءة:
– فين بابا دا؟
قالتها وهي تهزُّ كتفها الصغير ببراءة قاسية على قلب ميرال، فالتفتت غادة نحوها بدهشة:
– هي مشافتش إلياس؟ يعني إيه؟..
ربتت ميرال على ذراعها بصمت وأشاحت بوجهها، ثم تمتمت:
-خديها، خلِّيني أشوف يوسف.
أخذت غادة الصغيرة في يدها وهي تضحك:
– أكيد هنروح نلعب وناكل تشكوليت، يا مامي...
أما ميرال، فبقيت واقفة مكانها، تنظر حولها بعينينِ تكسوها الخذلان، والاشتياق..كلَّ خطوة نحو الداخل كانت كأنها تسيرُ فوق أشواكِ ذنبها في البعد، دارت بعينيها علَّها تتلمَّس ماضيها المفقود في تفاصيل المكان... كيف ستتعايش على أنَّها صاحبة هذا البيت وهي التي هجرتهُ بإرادتها؟
فجأة، انفتح باب المكتب..استدارت كالغريبة، تحدِّقُ في طفلها الذي خرج..
اقترب منها بملامحَ جامدة، لا تحمل سوى نظراتِ تفحُّص وحذر، وحين وقف أمامها، بسط كفِّه بهدوء، وقال: – أهلًا بحضرتك.
توقَّف لثوانٍ وهو ينظر إلى يدها، وعيناها تغرورقان بالدمع، أشار إلى كفِّه مجددًا:
- مش عايزة تسلِّمي عليَّا؟.ولَّا مستنية إني أجري عليكي وتاخديني في حضنك؟
ارتعش قلبها كما ارتعشت أطرافها، مدَّت يدها أخيرًا، لمح الساعة التي أهداها لها ذات يوم بالمدرسة... ابتسامة مريرة تشكَّلت على ثغره، تعلَّقت عيناه بعيني ميرال:
– نوَّرتي البيت..بابا قالِّي إنِّ حضرتك جيتي من شوية، آسف كنت مشغول بحاجة، على العموم..البيت بيتك بعد إذنك.
استدار ليرحل، فهتفت باسمه:
– يوسف...
توقَّف للحظة، يواليها ظهره، ودمعة انسابت بصمت على وجنته، أراد أن يرتمي في أحضانها، أن يصرخ ويعاتب ويبكي، لكنَّه لم يفعل..لا يستطيع.
اقتربت منه خطوة، لكنَّه قال:
– آسف، دا اللي أقدر عليه حاليًا، يمكن علشان اتعوِّدت أتعامل إنِّي راجل كبير، ومينفعش أستنى شفقة من حد..من خمس سنين كنت محتاج الحضن اللي حضرتك بتتمنِّيه دلوقتي...بس ما لقيتوش.
ثم التفت إليها، وهتف بصوتٍ متهدِّجٍ ونظرات مكسوة بوجعٍ دفين:
- بس منكرش إني محتاجه دلوقتي أكتر منِّك..بس مش قادر.
قالها وصعد إلى الأعلى، تاركًا خلفه قلبًا ممزَّقًا، وعيونًا مغرورقة، وأمًّا تُحاول لملمة ما تبقَّى من حبِّ أمومة طفلها..استمعت إلى خطواتٍ بالخلف، استدارت فوجدت فريدة متجهةً إليها..
بكت أمامها تهزُّ رأسها وقالت:
-ابني مش عايزني أحضنه ياماما، طيب أنا بعمل إيه هنا!..
أزالت دموعها وضمَّت وجهها:
-ميرو حبيبة قلبي، لازم تصبري..اللي عملتيه مش قليل يابنتي، ودا طفل، بعد ماأسَّس حياته إنِّنك مش موجودة.
صمتت فريدة ثم رفعت عينيها:
-ليه يابنتي عملتي كدا؟.
قالتها بهدوء رغم العاصفة النارية التي تحبس أنفاسها..
دارت بجسدها تنظر إلى أركان المنزل:
-حاسة البيت مش متقبِّلني ياماما، أنا مش عايزة أعيش هنا، بس إلياس..
قاطعتها فريدة تمسِّدُ على ذراعها:
-اطلعي غيَّري وارتاحي وبعدين نتكلِّم..
أرتاح!..أرتاح فين، حضرتك شايفة إنِّي هرتاح..
-ميرال أنا بقولِّك بلاش نتكلِّم دلوقتي يابنتي، علشان خاطر ابنك أجِّلي أي كلام دلوقتي.
خرج من مكتبهِ وصاح على الخادمة التي هرولت إليه:
-خدي المدام طلَّعيها الأوضة اللي جنب أوضة يوسف، وخلِّي النانا تهتم بالبنت، مش عايز غلطة.
هزَّت رأسها سريعًا:
-تحت أمرك ياباشا.
اقتربت فريدة منه:
-ليه الأوضة اللي جنب يوسف حبيبي؟..
بلاش تعمل فجوة بينكم.
-مع احترامي لحضرتك ياماما ممكن ماتدخَّليش بينا، المدام جاية مرغومة على الحياة هنا..عايزة أكدلها إنَّها هنا علشان خاطر الولاد..
أشار إلى ميرال:
-اطلعي غيَّري اللبس البيئة اللي إنتي لبساه دا، كفاية تقلِّي أكتر من كدا قدَّام ابنك.
-إلياس اتجنِّنت!..
حضرتك ناوية تباتي هنا؟..شايف بابا منتظر حضرتك برة.
-لدرجة دي!..وصلت إنِّك تطردني!!.
استدار وهو يهتف:
-شوفي هتقولي إيه للمجتمع بعد ماأعلنا إنِّ المدام..توقف عن الحديث بعدما عجز عن نطقها، ليهرب منه اللفظ فتابع سيرهِ دون حديث..
احتضنت فريدة ذراعها وتحرَّكت إلى المصعد:
-أكيد مش هقولِّك شخصية إلياس إزاي، بس متزعليش منه، إنتي غلطتي ومش غلطة هيِّنة يابنتي، إزاي قدرتي تبعدي ببنته السنين دي كلها؟..
صعدت بجوارها بصمت، فهي لم تقوَ على الجدال أو التفوُّه مع أحد، فتحت فريدة الغرفة:
-تعالي حبيبتي، ثم أشارت إلى الخادمة:
-انزلي جهِّزي العشا للكل.
أوقفتها ميرال قائلة:
-هاتي لي شمس..لكن فريدة أشارت لها بالتحرُّك، ثم التفتت إلى ميرال:
-مش جوزك قال النانا هتهتم بيها..
-ماما، البنت غريبة ومتعرفش حد، لازم الأوَّل أهيأها لكدا.
-طيب هيَّ عملت إيه مع إلياس؟.
قاطعهم طرقات على باب الغرفة، ثم دخلت رؤى:
-دوَّرت عليكي في الأوضة التانية، بس مالقتكيش فشوفت نور الأوضة فقولت أكيد إنِّك هنا.
-ماما هدخل آخد شاور، وخلي بالك من شمس.
-حاضر ياحبيبتي..أوقفتها رؤى:
-ميرال..ولكنَّها تابعت سيرها وقالت:
-مش فاضية ومش عايزة أكلِّم أي حد، لو سمحتوا عايزة أفضل لوحدي، وياريت حد يطلَّع بنتي..
قالتها وهي تدلف للداخل ثم أغلقت الباب خلفها..هنا سمحت لعينيها بالانفجار، لتضع كفَّيها تمنع صوت شهقاتها..
بمنزل أرسلان..
وضعت الطعام أمامه:
-يعني إيه ياأرسلان؟..
-غرام وحياة ابوكي الدنيا مكهربة، مش مطلوب منِّك غير إنِّك تهدِّي الوضع، إلياس وحافظه بعد اللي حصل واللي عرفه مستحيل يسامح، دا لو مش طلَّقها..
شهقت غرام تضع كفَّها على فمها:
-معقول ممكن يطلَّقها؟!.دا كان بيموت وهي بعيدة..
-الله، يعني إنتي شايفة اللي عملته دا يصح!..جلست بجواره بعدما أشارت للخادمة:
-هاتي باقي الأكل، ثم التفتت إلى زوجها:
-مش إنتَ قولت إنَّها كانت في غيبوبة، يعني مكنتش عارفة ترجع..
ابتعد بنظراتهِ وعيناهُ تموج بمشاعر عدَّة، الألم الذي يشعر به أخيه، والحزنُ الذي رآه بأعينِ ميرال، التفت إلى غرام:
-فيه تفاصيل إنتي متعرفهاش، ودا للأسف مسح أي عفو لميرال..أنا بجد مش عارف أعمل إيه، هيَّ غلطت وغلطت أوي كمان، مشفتيش المكان اللي كانت عايشة فيه، ولَّا البنت..
هزَّ رأسهِ عدَّة مرَّات وقال:
-لا لا..إلياس في وضع لا يُحسد عليه بصراحة، ودا كوم وموضوع موتها ورجوعها كوم، المشكلة أنا اللي ضغطت عليه أنه يعلن موتها، ورغم إنِّنا عرفنا إنَّها عايشة من فترة بس مكناش متأكدين، علشان معرفناش نوصل لحاجة.
-يعني إنتَ كنت عارف ومقولتليش؟!..
-يوووه ياغرام، أنا مصدَّع ومش وقت جدالك..قالها بدخولِ صفية:
-عمَّك جاي في الطريق هوَّ ودينا.
-عمُّو!..ليه خير؟.
-معرفش، كان بيكلِّمني وقالِّي هيجي يسهر معانا، أقولُّه إيه يابني..
-خلاص ياماما، نهض من مكانه:
-هروح أشوف إلياس قبل ماعمُّو يوصل.
-مش هتاكل؟..تساءلت بها غرام..
حمل هاتفه وهزَّ رأسهِ بالنفي:
-لا..ماليش نفس.
بعد عدَّةِ ساعات وهي جالسة بمكانها، نهضت من مكانها واتَّجهت إلى غرفة طفلها، طرقت على الباب ثم دلفت بعدما استمعت إلى صوته..
كان جالسًا على مكتبه يُنهي واجباته، أو هكذا أوهمَ الجميع..علم أنَّها التي دلفت من خطواتها المتردِّدة..
-ممكن نتكلِّم؟.
رفع رأسهِ من فوق كتابه، يقيِّمها بنظرةٍ صامتة للحظات، هنا انهارت حصونها، وهي تراه قطعةً مصغَّرةً من زوجها، ابتلعت ريقها بصعوبة بعد صمته، فأومأت له بعدما فشلت في النطق، استدارت متَّجهةً للخارج حينما علمت برفضهِ الحديث، نعم زوجها بكلِّ حالاته، فتحت الباب وخرجت بهدوء، ورغم هدوءِ تحرُّكها إلَّا أنها شعرت بأنَّ ساقيها تلتفُّ حول نفسها، أغلقت الباب خلفها، وشعرت بانسحابِ الهواء حولها، ضاق المكان، حاولت أن تصرخ وتعبِّئ الدنيا صراخ، ولكنها لم تقوَ وكأنَّها داخل قبرٍ مظلم..
-آااااه..قالتها تزحفُ بجسدها ساقطةً على الأرضية، تضع رأسها بين ساقيها، تكتمُ شهقاتها، بكت وبكت حتى تمنَّت من الله أن يسحب أنفاسها للأبد.
شعرت بوقوفِ أحد بجوارها..أطبقت على جفنيها بعدما شعرت بهويته..
انحنى بجسده يرفعها من فوق الأرض، وحملها بصمت، متجهًا إلى غرفتها، وضعها على الفراش بهدوء، ثم اتَّجه للهاتف وطلب من الخادمة عصير ليمون..
تحرَّك إلى الخارج لدقائق ثم عاد إليها بملابسها بعدما وجدها مازالت بتلك الثياب..وضعها أمامها على الفراش:
-غيَّري هدومك، أنا برَّة في البلكون..
كانت تنظر بنقطةٍ وهمية، قابلت حديثهِ بالصمت، دلفت الخادمة تحمل كوبًا من العصير، أشار إليها أن تضعه على الكومودينو..لحظات وخرجت الخادمة، بينما اقترب يحمل كوب العصير وجلس بجوارها:
-اشربي دا، هتهدي شوية، لازم تعذري يوسف.
-تفتكر هيسامحني؟.
سحب كفَّها ووضع به الكوب:
-لازم يسامح، غصب عنه هيسامح، ماهو بيحبِّك..نطق بها وتوقف يشير بعينيهِ للملابس:
-غيَّري، مينفعشِ تبقي بهدومك دي قدام الخدم..هستناكي، لازم نتكلِّم علشان شمس..
خطا لعدةِ خطوات ولكنَّه توقَّف بعدما استمع إلى همسها:
-وعرَّفه أنه أغلى من روحي، عملت كدا علشان بحبُّه..رفعت عيناها إليه تنظر إلى ظهره:
-عارفة إنِّي أذيته، بس خلِّيه يتأكد أنا كنت بموت أكتر منه، وصدَّقني غلطتي على قد ماطوِّلت بس كان غصب عني، فوقت بس الوقت كان اتأخَّر، أو زي ما بتقول كدا القدر لعبها معايا بقسوة أوي، لدرجة أقنعت نفسي إنِّ يوسف ميستهلش أكون أمُّه، كان يستاهل أحسن مني بكتير، زمان كان ممكن، بس بعدين لازم يكون أحسن واحد في الدنيا، حتى لو متّ كلِّ يوم، بس أهم حاجة عندي أنه يكون مرتاح وسعيد..
النظرة بتكسر أوي، ومحدش هيفهمها غير اللي مرِّ بيها..
استدار إليها ببطء وحاوط انكماشَ جسدها وعيناها التي ماتت بها الحياة:
-يوسف كان مستعد يموت مليون مرة، بس المهم يرجع آخر اليوم ويرمي نفسه في حضنِك، ممكن تفكيرك وصَّلك إنِّك بتنقذيه، بس للأسف إنتي دفنتيه حي..
نهضت تحملُ ثيابها وابتسمت بمرارة:
-باين أوي، بدليل الهدوم دي، علشان كدا لازم يعيش حياة يستاهلها..
قالتها واتَّجهت للداخل دون حديث آخر.
وقف يكوِّر قبضته بغضب، ونيران..نيران فقط كادت تحرق كلَّ مايقترب منه.
خرجت بعد وقت، جلست أمام المرآة تمشِّط خصلاتها التي تساقط معظمها، ودمعة شريدة انسدلت على وجنتها وهي تسترجع ماضيًا دفنته بيديها تحت التراب، تراجعت منكمشة على المقعد، وضعت رأسها فوق ساقيها، همست بصوتٍ مرتعش:
– هتعملي إيه ياميرال؟.
قاطعها طرقًا خفيفًا على باب الغرفة، تبعه دخول الخادمة وهي تحمل صينية الطعام، راقبتها ميرال بصمتٍ مثقل، إلى أن قالت الخادمة:
- الباشا بعتلك الأكل، وبيقولِّك إنه مستنيكي في أوضته..
أومأت لها بصمت، ثم نهضت واتجهت نحو الشرفة، فتحتها، أغمضت عينيها تستقبلُ نسيمًا ربيعيًا غريبًا، رغم حرارة الطقس..لم تعلم، أهي نسمة فجر؟ أم صفعةُ حنين؟ لكنَّها أحسَّت بها في قلبها.
ظلَّت واقفة بالشرفة لوقت، تتأمل الحديقة المظلمة إلَّا من خيوطِ الضوء المتسلِّلة من أطراف المنزل، وكأنها تراقب مكانًا لا تنتمي إليه، ثم وقعت عيناها عليه..جالسًا في شرفة غرفته، يدخنُ سيجارته بعنفٍ يفضح
مابداخله..ارتبكت، وتراجعت سريعًا قبل أن يراها.
خرجت من غرفتها تبحث بين الحجرات، حتى وصلت إلى غرفة ابنتها..فتحتها بخفَّة، فوجدتها تغطُّ في نومٍ عميق، تفقدت ملامحها وملابسها التي يبدو أنَّ إلياس أحضرها..تجوَّلت بعينيها في أرجاء الغرفة، فتجمَّدت حين وقعت على صورة..صورة تجمعها به ويوسف بينهما، موضوعة على الكومود..نفس الصورة التي لمحتها بجوار فراش يوسف.
انكمشت روحها، ثم اقتربت من صغيرتها، طبعت قبلةً على جبينها، دخلت المربية وهي تحمل كوبًا من القهوة.
- أهلًا بحضرتك يامدام، الباشا قالِّي أفضل معاها طول الليل.
- هيَّ عيَّطت قبل ماتنام؟
– لأ، أخدت شاور، وكانت عايزاكي، بس أستاذة غادة قالتلها إنك تعبانة.
أومأت ميرال لها ثم غادرت الغرفة..
وماإن فتحت باب غرفتها حتى فوجئت بخروجهِ من غرفتها..تسمَّرت، بينما تراجع خطوةً وأشار إليها بحدَّة:
- ادخلي..كنتي فين؟
وقعت عينيهِ على البورنس الذي ترتديه، زمَّ شفتيهِ ساخرًا:
- هيَّ قعدة الحارة نسِّيتك تطلعي من أوضتك كده؟ خارجة بالبورنس؟
دلفت للداخل وهي تلملم خصلاتها، ثم تمتمت بإرهاق:
– أنا تعبانة ومش قادرة أتكلِّم..ممكن نتكلِّم الصبح؟
ركل المقعد بقدمهِ في عنف، وصاح وهو يشير على المقعد:
– اقعدي، أنا مش هستنى منِّك أوامر... مايمكن أصحى الصبح ألاقي المدام هربت تاني، ولَّا يمكن عاملة موتة جديدة..والاهبل يصدَّق برضه.
– إلياس..لو سمحت..مش قادرة أتكلِّم..
قبض على ذراعها بعنفٍ حتى تأوَّهت، وقال من بين أسنانه:
– مش همشي غير لمَّا تحكيلي
يا"ميتة" إزاي عرفتي تضحكي عليَّا في موتك؟ ليه زوَّرتي اسمِ البنت واسمك؟ إزاي اشتغلتي في مدرسة الولد باسم مزوَّر؟ ومين اللي ساعدك تدخلي مدرسة زي دي؟ وإيه حكاية الجواز؟ والرسالة؟ ورؤى؟ جواز إيه وحرام إيه اللي بتقولي عليه؟!
ظلت تنظر إلى جنونهِ بصمت، إلى أن
دفعها بعنف حتى ارتطم جسدها بالجدار، طوَّقها بذراعيه، نظراته نارًا
تتوهج داخل عينيه:
– قوليلي ياميرال كلِّ حاجة، وإلَّا أقسم بالله، هموِّتك، وأدفنك بإيدي وإنتي كدا كدا ميتة..
تقطَّعت أنفاسها، واغرورقت عيناها بالدموع، وتمتمت بنبرةٍ مميتة:
– اقتلني..أنا موافقة، زي ماقولت، أنا كده كده ميتة.
كوَّر قبضتيه، انفجرت عروقه من الغيظ، وصاح:
– ميرال..
اقتربت منه خطوة، غرست عينيها بعينيه بحدَّةٍ قاتلة:
– ميرال ماتت...اللي قدامك دي مروة، مروة بنتِ راجح ورانيا..اللي قتلوا أبوك، واغتصبوا أمَّك، وخطفوك إنتَ وأخوك..
تجمَّد في مكانه، ثم دون وعي،كمن أفلت زمام عقله، قبض على عنقها يصرخ:
– اخرسي..اخرسي بقى!!.
قالها مع دموعه التي تساقطت رغمًا عنه، وهو يقبضُ على عنقها، وكلَّ
مايراه معاناتهِ السنوات الماضية، وقهرتهِ هو وطفله، وإذا بالباب يُفتح فجأة، فتجمَّدت اللحظة..تسمَّر كلًّا منهما في مكانه، وكأنَّ القدر اختار أن يسحقهُ دون رحمة..
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق