رواية بين دروب قسوته الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بقلم ندا حسن
رواية بين دروب قسوته الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بقلم ندا حسن
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الحادي_عشر
#ندا_حسن
"اختارت الحُب وهو، دام الحُب ورحل هو"
صرخ بصوت عالي جهوري اهتزت له أرجاء غرفة المكتب وهو يسبها:
-اخرسي يا زبالة يا وسخـ*، ايه فكراها زيك.. مفكراني هصدقك يا حيوانه
ابتسمت بهدوء وقالت بجدية والسعادة تكبر مع كلمة تخرج منها إلى أذنه:
-مجبور تصدق يا عامر علشان ده اللي حصل فعلًا
صرخ مرة أخرى وهو لا يطيق الاستماع إلى هذا الحديث، لا يطيق وضعها في جملة واحدة مع غيره، ماذا عن الذي تتحدث عنه!:
-بقولك اخرسي.. اخرسي همـ ـوتك يا إيناس وديني همـ ـوتك
لوت شفتيها وأكملت ببرود وابتسامة شامته به وبها وقلبها يرفرف فرحًا وسعادة والحقد يكبر وبجواره الغل والكـ ـراهية:
-خليك كده مش مصدق عنها أي حاجه.. هشام دلوقتي عندكم في البيت رايح يطلب ايد سلمى من أبوك وبيعجل في الجوازة علشان اللي حصل.. بيحطوك قدام الأمر الواقع يا أهبل.. غلط معاها يبقى يشيل الليلة وده اللي هما عايزينه وأنت عبيط لسه عايز تتجوزها..
ثقلت أنفاسه بسبب ذلك الاهتياج والكلمات التي يستمع إليها تعصف بكل خلية به، عقله كاد ينفجر ولم يعد يشعر بنفسه حقًا، لكنه أردف بنبرة ثقيلة حادة غاضبة:
-حسابك تقل يا إيناس تقل أوي عندي وأنا مش هحاسبك دلوقتي.. هسيبك للناهية
أغلق الهاتف بوجهها، ونظر إلى شاشته التي أراد تحطيمها ولكن كان الهاتف يحتوي على كنز كبير سيجعل تلك الغبية تصدق حديثه وتبتعد عنها، وضع الهاتف في جيبه وتقدم من المقعد يأخذ جاكيته بسرعة وبحركات غير محسوبة..
وأخذ مفاتيحه من على المكتب ثم أنطلق سريعًا يفتح الباب راكضًا إلى الخارج تحت أعين "جومانا" المُتسائلة ما الذي يحدث..
أخذ السيارة ليعود إلى المنزل ويرى ما الذي تتحدث عنه، هل هو الآن هناك حقًا يود الزواج منها؟..
أول شيء لن يصدقها.. مهما حدث لن يصدقها، "سلمى" لا تفعل هذا.. يستحيل أن تترك نفسها لتنحدر في وادي الحرام وتكن من محبيه وزواره..
لا يعقل، لن يصدق ولن يواجهها بهذا الحديث الآن، لن يزعجها بحديث بغيض مثل ذلك ولن يفتحه أمامها سيفكر في شيء جدي لتلك الحقيرة ومن هنا سيجعل حبيبته تعلم بكل شيء.. ولكن الأكيد والمؤكد أنها لم تفعل ذلك ولن تفعله.. إلا معه
هناك شيء آخر كيف ذلك الحيوان الآخر في بيتهم يطلب يدها؟ أخذ منهم ميعاد ولم يقول له أحد؟ هل بقيت في المنزل اليوم لأجل ذلك؟ هل تريده حقًا..
أسئلة تتهاوى على عقله ولا يمتلك لها أي إجابة، يكاد قلبه يتوقف بسبب الذي استمع إليه، تشنج جسده بقوة وأصبح لا يدري ما الذي يحدث..
ولكن، هو يعرف ثلاثة أشياء فقط ويتأكد منهم كما أنه متأكد أنه "عامر القصاص" ألا وهما، أن "سلمى" لأ تفعل ذلك وأن هذه الزيجة لن تحدث وهي ستكون زوجته، وأن إيناس ستحاسب بقسوة مهما تركها تلهو معهم...
❈-❈-❈
تفهم "هشام" أن "عامر" علم بكل شيء وما كانت تضعه "سلمى" حجه أمامه قد اختفى، فانتهز الفرصة ودون حتى أخبارها بأنه قادم لخطبتها، فجأة قرر ذلك بعد أن أخذ إذن والده أن يقوم بفعلها وحده في البداية..
ثم يستكمل درب الانتقام معه، والذي سيكون شديد القسوة على الجميع وعليها هي ومن يرى نفسه رجـ ـل على الجميع..
إنها ستوافق رغمًا عنها بسبب تعليقها له كل هذه الفترة، الأمر الذي يعيق هذه الزيجة هي موافقة عمها ثم من بعده يضرب "عامر" رأسه في الحائط..
الآن هو جالس في منزلهم يتحاور مع عمها، ويراها تقف في الخارج تكاد تدلف توبخه أمام الجميع على هذه الحركة الصبيانية..
لقد علمت من "هدى" التي صعدت إليها تقول بأن "هشام" ذلك الذي تحدثوا عنه في الأسفل يريد الزواج منها، عقلها توقف للحظات عن العمل، كيف أتى دون اخبارها؟.. كيف يقوم بالتقدم لطلبها دون أن توافق من الأساس!..
لما وضعها في هذا الأمر الصعب، يضعها أمام الأمر الواقع وأمام الجميع حتى لا تستطيع أن تضع له حجه بعد اليوم.. ولكنها لا تريد!.. لا تريد الزواج منه!..
هذا العقل المشوش والقلب الخائن لا ينفعوها بشيء، لا ينفعوها بشيء أبدًا، واحدًا منهم يطالب بالزواج منه وهو لا يرغبه من الأساس والآخر يطالب بالعودة إلى الخائن الآخر الذي مثله..
استمعت إلى صوت عمها الجدي الهادئ في نفس الوقت:
-وأنت جاي من غير والدك ليه
رفع "هشام" وجهه المهذب الهادئ إليه وأجاب بصوت عاقل رخيم، الجميع هنا يجيد التمثيل ولديهم خبرة به:
-بصراحة أنا جاي أخد الموافقة المبدئية منك وبعد كده والدي هيجي معايا في الزيارة الجاية إن شاء الله
ضيق "رؤوف" عينيه عليه، وعقله به الكثير من التساؤلات عندما أدرك من هو "هشام الصاوي" لقد كان غافل عن الإسم وما خلفه، لأ يدري كيف لم يفكر في الأمر ولم يخطر على باله سابقًا، هل هذا من أحكام السن؟ أو من كثرة هموم عائلته! ولكنه عندما عرف نفسه إليه أدركه جيدًا وشعر بالخوف للحظات على ابنة شقيقه وهو ينظر في ملامح ذلك الشاب:
-وأنت واثق إنك هتاخد الموافقة؟
ابتسم بثقة وعينيه ثابتة عليه ثم أجابه:
-أنا واثق من رأى سلمى بس فاضل حضرتك طبعًا الرأي الأهم
يتحداه، إنه يعرف هذه النظرة جديًا، يقول شيء وداخله غيره والآن ازداد الخوف أكثر من ناحيته وتذكر أشياء مدفونه من الماضي، يبدو أنها تريد الخروج، تفوه عمها بجدية:
-أنا رأي هيكون على حسب مصلحة بنتي.. سلمى
أومأ إليه الآخر بنفس الابتسامة وهو ينظر إليه بهدوء:
-أكيد طبعًا
كاد أن يتحدث "هشام" مرة أخرى ولكن صمت الجميع وهم يستمعون إلى صوت وقوف سيارة بقوة، يصدر عنها صوت مُرتفع أفزع الجميع لوهلة وجعلهم في حالة صمت..
فتح باب الفيلا ودلف إلى الداخل بهمجية واهتياج وازداد بعد رؤيته للسيارة في الخارج، وقف في الردهة ونظر إليها بعمق وقوة ضاغطًا على أسنانه بعنف ووالدته تجلس في صالة الفيلا مع شقيقته خلف "سلمى"..
بادلته النظرات، ولكنها خائفة، مُتوترة مُرتبكة من كل ما يحدث ولم تكن تتوقع أن آخر ما ينهي ختام هذه الليلة هو حضور "عامر" وذلك الأبلة في الداخل..
وقف للحظات ينظر إلى عيناها يعيد على عقله وهو يرى تلك النظرة البريئة أنها لا تفعل ما قالته صديقتها، لا تخونه، لا تخون عائلتها ونفسها، ليست بلهاء لتقدم نفسها إليه بهذه الطريقة..
أخفض عينيه من عليها وسار إلى الداخل، توجه إلى غرفة الصالون ودلف إليهم ليراه يجلس مع والده، كانت الدماء تغلي وتفور داخل عروقه وقلبه ينبض بقوة وجسده بالكامل يريد أن يتعامل مع البشر بعنف وهمجية لأجل كل ما استمعه ويراه الآن ليس لأجل شيء واحد..
سار في الغرفة ببطء بعد أن وضع يده في جيوب بنطاله ثم أردف ببرود تحلى به بعد التفكير قليلًا:
-إحنا عندنا ضيوف ولا ايه
والده يريده الآن، يريده وبشدة، فور أن دلف ونظر إليه شعر أن الخوف الذي انقض عليه لن يجعله يذهب إلا "عامر"، وهو والده دوره أن يسانده في قراره الذي سيتخذه الآن ويرفض ذلك الشاب..
أردف بهدوء وهو يشير بيده إلى "عامر" الذي كان ينظر إلى الآخر:
-أقعد يا عامر عايز أخد رأيك
نظر عامر إلى والده باستغراب، أولًا بسبب نبرته الغريبة ثانيًا لأنه يريد أن يأخذ رأيه في زواجها!.. مستحيل، جلس "عامر" فقط لأجل نظرة والده إليه، فقال مرة أخرى:
-ده هشام الصاوي طبعًا أنت عارفه.. جاي يطلب ايد سلمى، أنت رأيك ايه يا عامر
نظرة والده ذات مغزى، سؤاله خلفه شيء، ما يحدث ليس طبيعي، نظر إليه بقوة يحاول أن يفهم ما الذي يريد الوصول إليه ولكنه في النهاية أجاب بعد أن نظر عليها في الخارج:
-مش موافق
عاد والده بظهره للخلف ونظر إلى "هشام" الذي كان يريد الفتك بابنه، هتف بهدوء وصوت جدي عاقل:
-عامر ابني هنا الكل في الكل.. مش بقولك إن كلامي مابيمشيش لأ، كلامي بيمشي بس عامر ليه نظره في الناس وفاهم الدنيا والبشر.. وأنا للأسف مش هقدر أخالف كلمته.. طلبك مرفوض
اعتدل "عامر" في جلسته، اتسعت عيناه على والده، حديثه كاذب، كل ما قاله كذب، إنه لا يستمع لأي حديث منه، لما يفعل ذلك؟ لقد قال إنه سيزوجها لمن تريد وسيقف أمامه إلى الممات ويدافع عن ابنة أخيه، لما جعله يرفضه ووافق هو الآخر..
وهي في الخارج شعرت بالذهول، عمها يتفوه بحديث غريب لم يحدث سابقًا، لم تتوقع من الأساس أن يسأل "عامر" عن رأيه في الزيجة، أتى الرفض في صالحها لأنها تراجعت عن الزواج به ولكن ما الذي يحدث حقًا..
اشتعلت النيران داخل "هشام" وهو يرى ذلك العجوز يقوم بترتيب لعبة لأجله، يحققها مع ابنه الذي لا يطيقه من الأساس، يقفون أمام مخططه هؤلاء الاثنين وهو لن يسمح بذلك..
أردف بقوة ونبرة واضحة مؤكدة أن حديثه صحيح ناظرًا إليه بعينين قوية حادة:
-سلمى اللي هتتجوز مش عامر.. يعني رفضه مايهمنيش مادام صاحبة الأمر موافقة
كاد أن يتحدث "عامر" ولكن والده سبقه بالحديث بثقة:
-وأنا لو جبت صاحبة الأمر وقولتلها إني رافض مش هتكسر كلامي
ابتسم بسخرية وقال:
-معتقدش
نظر إليه "رؤوف" بتحدي واضح ثم صاح بصوت عالي مناديًا باسمها، أجابته من الخارج ثم دلفت ببطء وارتباك
سألها بوضوح وقوة وعينيه على ذلك الذي لم يرتاح لدلوفه منزلهم منذ النظرة الأولى:
-أنا رافض الجوازة دي.. عندك مانع يا سلمى ولا اعتراض على رأي.. قولي ومتخافيش أنتي عارفه إن ليكي حرية الإختيار
نظر إليها "هشام" وكان يشعر بالنصر لأنها لن تخذله ولكن عند الاستماع إلى حديثها الجاد الذي خرج من بين شفتيها بارتجاف:
-لأ يا عمي الرأي الأول والأخير ليك أنت
وقف "عامر" على قدميه وأشار لها بالذهاب ففعلت ثم أشار للآخر قائلًا:
-ورينا عرض كتافك
وقف على قدميه، وعينه مثبتة على "عامر" بقوة وقسوة، والشراسة تندفع من داخله ناحيته..
لقد أنهى المهمة الخاصة به بكلمتين فقط؟ وتلك الحقيرة هدمت كل ما بناه هو بالخضوع إلى رأي عمها العجوز!.. تحولت نظرته من الهدوء والاحترام إلى نظرة شرسة عنيفة وملامحه تغيرت بالكامل تدل على الشر الخالص القابع داخله..
كل هذا رآه "عامر" وكان يعلم سببه جيدًا بينما والده نظرته ابتعدت إلى مناطق أخرى ربما يعلم تفاصيلها أكثر منهم..
سار "هشام" خارجًا من الغرفة بخطوات ثابتة قوية تهتز لها الأرضية، وقف على أعتاب الباب بعد أن خرج منه ينظر إليها على جانبه الأيسر تجلس مع زوجة عمها وابنته، ابتلعت ريقها ونظرت إليه بتردد وارتباك فبادلها نظرة حادة غريبة ثم استكمل طريقة مُقررًا داخله أنه لن يترك الأمر يفلت من بين يده..
لن يتركها له بهذه السهولة.. وسيحقق انتقامه مهما كلفه الأمر..
خرج عمها من الغرفة ومن خلفه ابنه، سار إلى أن وقف أمامها فوقفت هي الأخرى بوجهٍ باهت تطالعه بعينين ذابلة فقال هو بجدية يتخللها الحنان:
-هتكلم مع عامر شوية وأجيلك يا سلمى.. أنا عايزك
أومأت إليه برأسها موافقة على الرغم من استغرابها واستغراب الجميع لما يحدث بين "رؤوف" و "عامر" لأول مرة يطلب التحدث معه ولأول مرة يجعله يتحكم في أمر ما خاص بابنة أخيه.. الأمر داخله شيء مخفي..
سار إلى غرفة مكتبه وخلفه "عامر" الذي لم يكن يقل استغرابه عن أي شخص منهم..
أغلق باب المكتب من خلفه، جلس والده على الأريكة به فدلف إليه "عامر" يشاركه الجلسة..
نظر إليه للحظة ولم يكمل الأخرى إلا وهو يهتف مُتسائلًا باستفهام عاقدًا ما بين حاجبيه:
-ليه عملت كده؟ أنا مش فاهم حاجه
علق نظره بعينيه وهو يجيب على سؤاله بجدية وعقلانية كي يقنعه:
-مش مرتاح للولد ده ومش هرتاحله وخصوصًا إنه من عيلة الصاوي
ضيق "عامر" عينيه على وجه والده ولم يدلف حديثه عقله، أجابه مُعقبًا على حديثه بجدية هو الآخر:
-ما إيناس صاحبتها ومن عيلة الصاوي وياما اعترضت على ده وأنت ساكت والكل كده
أشار والده بيده وهو على اقتناع تام أن "إيناس" مهما كانت سيئة لن تستطيع أن تفعل لها شيء سيء بينما هو يستطيع أن يفعل كل شيء:
-إيناس غير الولد ده.. كفاية أنها لوحدها يعني مش عايشه معاهم وأهي في الأول ولا الآخر بنت متعرفش تأذي سلمى غير أنها كويسه معاها.. لكن الولد ده لأ
تسائل "عامر" مرة أخرى وهو يريد معرفة كل شيء:
-وأنت ايه اللي يخليك تقول كده؟
لا يريد والده الاستماع إلى كثير من الأسئلة لأنه لن يجيب عليه ولا يريد النبش في أشياء قديمة وهو يعلم عقلية ابنه كيف تكون:
-شكلك رجعت في كلامك، أسألتك بتقول إنك موافق على جوازها منه
نفى الآخر سريعًا بعنف فور الاستماع لكلمات والده:
-لأ طبعا أنا مقولتش كده
تسائل والده مرة أخرى:
-اومال ايه الأسئلة دي
اعتدل "عامر" في جلسته ونظر إلى والده بعمق ثم طرح عليه ما يريد معرفته منه وما جعل عقله يشعر بالاستغراب:
-عايز أفهم ليه رفضته، وليه عاملتني قدامه كده مع إنك كان ممكن ترفض من غير أي تدخل مني
أجابه بصدق وجدية يبادله الحديث كي يتفهم الوضع كيف يكون وما الذي يريد والده فعله حتى لا يخطأ ويحدث أمر آخر:
-قلقان منه وعايزاها تبعد عنه بأي طريقة وأنت الوحيد اللي تقدر تعمل كده بعيد عن أي خلاف بينا، وعملت معاك كده علشان اوريله إنك معايا وواقف في ضهري وأنا في ضهرك.. أكيد هو عارف كل حاجه عننا شكل علاقته بسلمى من زمان
هنا علم "عامر" أن والده يعلم جيدًا أنه الوحيد الذي يستطيع إبعاد "سلمى" عنه ويعلم أيضا أن القوة كامنه بيده هو ومن دونه سيكون الأمر صعب، عاد للخلف مُتسائلًا:
-اعتبر ده موافقة مبدئية على جوازي منها
نفى حديثه بجدية دون خوف منه أو تراجع عما قاله سابقًا هو وابنة أخيه الذي يعتبرها أهم من أبنائه الآن ويريد الحفاظ عليها:
-لأ طبعًا، أنا رفضت الولد ده لمصلحتها وطول ما هي رافضة الجواز منك أنا كمان رافض واللي هي عايزاه هيحصل بس أكون مطمن عليها..
ابتسم إليه بيقين أنه هو من سيتزوجها وقريب للغاية، ثم اتسعت ابتسامته وهو يفكر في كل لحظة مرت عليه هو ووالده وهم مُبتعدبن عن بعضهم وهناك فجوة بينهم، ثم الآن الأمر يختلف كُليًا:
-موافقة سلمى عليا جاية جاية.. المهم دلوقتي إني عرفت المعنى بتاع مثل أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب
وقف "عامر"على قدميه يود الرحيل بعد أن فهم ما الذي من المُفترض أن يفعله هو ولما فعل والده ذلك، ولكن والده استوقفه وهو يتوجه ناحية الباب قائلًا بصوت خافت حزين:
-عامر.. خد بالك منها وبالراحة عليها.. أنا هعتمد عليك
استدار له "عامر" نظر إليه للحظات وهو يعيد نبرة صوته داخله يستمع إليها مرة واثنان واستنتج أنه خائف، قال بجدية وعينين حادة تتعمق به:
-كلامك مش مريحني
ابتلع والده ما وقف بحلقه ثم عاد إليه بنبرة جادة قائلًا:
-لأ ارتاح.. أنا بس حابب أعتمد على ابني وفي الفترة دي هنسى كل خلاف بينا وأفتكر مصلحة بنت أخويا بس، ياريت تعمل زيي
أومأ إليه بهدوء ثم استدار يستكمل سيرة إلى أن خرج من غرفة المكتب، لم يدلف حديث والده عقله، ما به "هشام الصاوي" يجعله يرفضه هكذا ويريد لها الإبتعاد عنه، إنه كان يعلم بالأمر لما الآن فقط فعل هذا؟ لا يدلف حديثه إلى عقله أبدًا وإلى الآن يفكر ما الذي قد يكون حدث منه ليجعل والده هكذا!..
إنه متيقن أن هناك شيء ما جعله يحتاج إليه ليقف جواره في مثل ذلك الموقف التافهه الذي لو كان قام بدوره فيه وحده لانتهى الأمر قبل بدايته...
سار صاعدًا إلى غرفته في الأعلى وعقله يعمل بجدية على استنتاج أي أمر يجعله يفهم ما الذي يحدث، لأنه يعلم أن والده لن يصارحه بهذه السهولة..
❈-❈-❈
جلست "سلمى" في غرفتها بعد صعود زوجة عمها وابنتها إلى غرفهم، ذهبت هي الأخرى إلى غرفتها وجلست بها، تفكر فيما فعله "هشام" وما فعله عمها وتلك الأحداث التي أتت خلف بعضها هكذا دون سابق إنذار وقبل أن تخطط لأي شيء..
ربما ما فعله "هشام" كان مناسب لجعلها تتفهم ما الذي تريده هي، لقد كانت موافقة عليه وتود الإرتباط به على الرغم من أنها تحب "عامر" وتريده هو لكن ما بقيٰ منها يرفض ذلك فتركض بخبية أمل ناحية الآخر لتكمل ما بقيٰ من حياتها معه على أمل أن
تحبه يومًا ما..
ولكن حضور "هشام" المفاجئ إليهم ليتقدم لخطبتها جعلها تستفيق مما كانت به وأشعرها بالرهبة والخوف مما تفعله ومما هي قادمة عليه، كيف لها أن تكون بهذه الحقارة؟ تعشق رجـ ـل وتريد الزواج من آخر؟ وما ذنبه هو ليتحمل إمرأة خائنة القلب مثلها؟ ما ذنبه ليبقى معتقدًا أنا تحبه وتهواه من قلبها وذلك القلب الخائن من الأساس مع رجـ ـل آخر!..
لا تريد ذلك، لا تريد الزواج منه، هي لا تحبه، لا تريد تكملة دربها المفقود معه، قلبها إلى اليوم لم يجد أحد آخر غير الخائن حبيبها السابق ليكمل معه ذلك الدرب ومنذ الفراق وهو مفقود..
ما توصلت إليه اليوم وكان من أهم الأشياء التي حدثت أنها لا تريد الزواج من "هشام" تراجعت عن ذلك ولن تفعلها حتى لا تظلم نفسها وتظلمه هو من قبلها بزواجه من خائنة..
بينما ما فعله عمها لا تدري ما الغرض منه، ولما رفضه بهذه الطريقة؟، ولما الآن فقط وأمامه أقترب من "عامر"؟ تساؤلات كثيرة داخل عقلها ليست حاصلة على أي إجابة وربما لن تحصل ولكنها تريد أن تفهم لما قد يحدث كل هذا!..
قبل أن تكمل تفكيرها دق باب الغرفة، تقدمت ثم فتحته فطل من خلفه عمها، فتحت الباب إلى آخره وأشارت إليه بيدها ليدلف إلى الداخل ففعل وتوجه ليجلس على الفراش فبقيت هي واقفة على قدميها تنتظر منه الحديث..
لكنه أشار إليها لتأتي وتجلس جواره، تقدمت ببطء وفعلت كما طلب منها ثم نظر إليها وأردف بصوت هادئ حنون:
-سلمى يا حبيبتي أنتي عارفه إني عمري ما ازعلك ولا أاذيكي.. أنا بس عايز مصلحتك وأنا شايف أن مصلحتك مش مع ده
أردفت بجدية ويقين أنه يفعل ذلك لأجل الحفاظ عليها ولكن في تلك اللحظة داهم عقلها سؤال ألقته عليه:
-وأنت عارف إن عمري ما أكسرلك كلمة لأني عارفة ومتأكدة إن اللي بتعمله لمصلحتي.. لكن سؤالي هنا عايز تجوزني لعامر؟
رد رافضًا ما قالته بقوة داعمًا موقفها مهما كان:
-لأ طبعًا طول ما أنتي رافضة عامر أنا رافضة ومش موافق على جوازك منه
رفعت حاجبيها للأعلى وتسائلت باستغراب بعد تفهمها أنه مازال رافضًا زواجها من ابنه:
-طب أنا عايزة افهم ليه رفضت هشام؟ وايه اللي خلاك تقرب من عامر بالطريقة دي فجأة كده؟
أجابها بما صرح به لابنه بالأسفل وأكمل حديثه مُتسائلًا باستفهام:
-هشام ده مش سالك وأنا مش مرتاح ليه نهائي، تعرفي إن ده أكبر منافس لينا؟
تذكرت أن "عامر" كان قد قال لها هذا الحديث سابقًا ولكن ما دخلها بكل ذلك:
-عامر كان قالي قبل كده، بس أنا ماليش علاقة بأي حاجه بتحصل
استغرب كيف لها أن تقول هكذا، أنها هنا تمتلك مال وبيت وأسهم في الشركة كما الجميع، أوضح لها قائلًا:
-مالكيش إزاي يا سلمى.. أنا خايف عليكي صدقيني الناس دول لو وصلت معاهم للقـ ـتل علشان مصلحتهم يعملوها
اتسعت عينيها أكثر عن وضعها الطبيعي وتسائلت برهبة:
-يعني ايه؟
وضع يده فوق كف يدها الموضوع على ركبتها وقال بجدية مُحاولًا معها إلى أن تتفهم حديثه وتقتنع به:
-يعني اللي سمعتيه يا سلمى، هما مش زينا وعمرهم ما هيكونوا زينا، أنتي فكرك أنا ساكت عن إيناس ليه وأنا عارف إن عامر معاه حق؟
أكمل بجدية وهي تنظر إليه تستفهم من حديثه أي شيء:
-إيناس مهما راحت ولا جت مش هتعرف تعمل معاكي أي حاجه ولا توديكي في طريق غلط لأن أنا عارف تربيتنا عاملة إزاي.. لكن دلوقتي أنا ملاحظ إنك بداتي تتخلي عن مبادئك
أنكرت ما قاله بشدة ودافعت عن صديقتها وابن عمها أمامه ولم تكن تعلم أنها بلهاء تدافع عن من يريدون إلحاق الأذى بها:
-لأ يا عمي أنا متخلتش عن مبادئ اللي حصل كان غلطة وإيناس بنت كويسه حتى هشام مشوفتش منه حاجه وحشه
أردف بصوت جاد وبه بحه من الرجاء الخالص لها:
-سلمى أبعدي عنه الولد ده وخلي علاقتك بايناس محدودة.. علشان خاطر عمك يا سلمى أنا خايف عليكي
وقفت على قدميها تنظر إليه وعقلها لم يستوعب أي كلمة مما قالها، هتفت بجدية شديدة وهي تتسائل بضيق وانزعاج لما يحدث وهي لا تفهم شيء:
-خايف عليا من ايه أنا مش فاهمه حاجه.. عمي أنت كلامك من الشرق والغرب وبجد مش فاهمه فيه ايه
رد عليها بتفهم وجدية واضحة مؤكدة حديثه السابق مرة أخرى:
-اللي قولته واضح يا سلمى، ناس مش كويسه يمكن طمعان فيكي يمكن ليه غرض تاني المهم أنهم مش كويسين أنا عارفهم يابنتي..
أكمل بهدوء لكي تقتنع أنه لا يغصب عليها في شيء وأن لها حرية الإختيار:
-أنا لسه عند رأي اللي أنتي عايزاه هيحصل ولو مش عايزة عامر يبقى لأ وليكي حرية الإختيار لكن ده لأ يا سلمى لأ
وقفت أمامه ونظرت إليه للحظات، ترى صورة والدها به، إنه يحبها ويستحيل أن يلحق الأذى بها ويعرف ما الذي يتحدث عنه، لو كان والدها لسارت خلف حديثه وهي مغمضة العينين ولأنه شقيقه ستفعل ذلك:
-على الرغم من أني مش مقتنعة بالكلام ده لكن كلامك هيمشي
وقف على قدميه وأقترب منها مُحتضن إياها وهو يحمد الله داخله أنها اقتنعت بحديثه لكي تبتعد عن ذلك الشاب الذي يشعر أن الخراب سيأتي من أسفل رأسه:
-هي دي بنتي
بقيت للحظات ساكنة في أحضانه ولكن عقلها لم يهدأ أبدًا...
بعد خروج عمها من الغرفة استمعت إلى صوت رنين هاتفها، تقدمت منه لتراه هو "هشام" يهاتفها..
أخذت الهاتف وقامت بالايجاب عليه ثم رفعته على أذنها ولم تتحدث بحرف واحد إلا وكانت تستمع لصوته الغاضب عبر الهاتف:
-ايه اللي عملتيه ده.. بعد ما أعملك مفاجأة علشان افرحك وأجي اخطبك ترفضيني عادي كده علشان خاطر عمك وابنه
أجابت على حديثه بجدية وعينيها تدور في المكان من حولها قائلة بقوة وتأكيد:
-أنا مرفضتش أنا وافقت على كلام عمي لأني مقدرش أكسر كلامه.. عمي هنا يبقى مكان بابا وهو ولي أمري
صرخ بعنف وهو يهتف بقوة عبر الهاتف وكانت شرارات الغضب تقطر منه من كل جانب بسبب فشل مخططه:
-يعني ايه ولي أمرك هو أنتي عيله أنتي عندك ستة وعشرين سنة بلاش شغل عيال صغيرة
ضغطت على حديثها الجاد حرف خلفه الآخر كي يلزم حده معها:
-كلمني بأسلوب كويس ووطي صوتك
مرة أخرى يهتف بنبرة حادة وفي نهاية حديثه يتسائل باستغراب وقوة:
-أنتي خليتي فيها كويس.. أنا مش متخيل إزاي قدرتي توافقي كده بسهولة معقولة أنتي بتحبيني.. معقولة!
صمتت للحظة كانت بها لا تعرف ما الرد المناسب على حديثه الحقيقي، تقول أنها لا تحبه حقًا؟ أم تكمل في الكذب وتقول أن هذه رغبة عمها:
-هشام الموضوع مش كده
استمعت إلى صوته الحادة الذي تسائل بقوة وغل استشعرته به:
-لأ كده وأبو كده.. ولا تكونيش لسه بتحبي عامر
ضغطت على نفسها لتكمل ذلك الحديث الكاذب، فهي لن تستطيع أن تعترف بما فعلته ستكون خائنة وهي تعرف جيدًا معاناتها كيف تكون:
-أنا لو بحب عامر مكنتش هوافق على جوازنا
صرخ مرة أخرى بصوته الحاد على ذكر ابن عمها وقال بقوة واستغراب حقيقي لأنه كان متوقع أن توافق عليه دون تفكير:
-واديكي رفضتي وابن عمك عامل نفسه كبير عليكي وبيرفض بقلب جامد وأنتي ساكتة.. إزاي مش عارف
جلست على الفراش بضعف ثم أجابته بقلة حيلة وضيق شديد احتل كيانها:
-أنا مكنش ينفع أكسر كلام عمي يا هشام.. صدقني غصب عني اللي حصل ده
هددها وبنرة حادة وهو يعلم أثر كلماته عليها الذي سيخفيها بعد قليل وكأنها لم تأتي ولكن ستزرع الرهبة بها:
-كلميه وقوليله إنك موافقة على الجواز مني وبتحبيني وإلا مش هيحصل كويس
للحظة شعرت بالخوف واستمعت إلى كلمات عمها المحذرة إياها منه في أذنها ولكنها تسائلت باستنكار:
-قصدك ايه
أصبحت نبرته لينة ضعيفة، رخيمة تحمل إليها الحب والحنان وما بدر منه ما هو إلا غضب لأجل سرقـ ـتها منه:
-قصدي إني بحبك يا سلمى وأنتي عارفه كده، وعارفه بقالي قد ايه بصبر نفسي علشان تكوني ليا ومعايا وبعد كل ده نبعد كده عادي
حاولت الحديث والبدأ باعتراف كي تستطيع أن تكمل:
-أنا آسفة بس...
مرة أخرى يلعب على ذلك الوتر الحساس وهو يڨاطعها:
-مابسش أنا مستعد أجي مرة تانية وانسى كل اللي حصل علشان خاطرك.. علشان نكون مع بعض
يعلم أنها تحب "عامر" ولكن يعلم أيضًا أن ضميرها لا يتركها يوميًا بسببه، بسبب أنها جعلته ينتظرها منذ عام على أمل الزواج منها، لن تكسر خاطرة وتكون خائنة كما "عامر":
-أنا مش هقدر استغنى عنك بالسهولة دي يا سلمى.. مستحيل أنا حياتي كلها واقفة عليكي دلوقتي وأنتي كنتي موافقة من الأول مكنتش أعرف إن كل ده هيحصل
أجابته بقلة حيلة وهي ترى نفسها المخطئة هنا:
-ولا أنا كنت أعرف إن ده هيحصل
تحدث بجدية وقوة قائلًا:
-يبقى تتصرفي.. أنا أبويا وافق على الجواز وسألني ومقولتش أنه رفض أنا قولت إنكم هتفكروا ياريت بقى تخلصي الموضوع ده
أومأت برأسها عدة مرات وكأنه يراها ثم نطقت بكلمة الموافقة من بعدها تهربت لإغلاق الهاتف:
-طيب.. أنا هقفل دلوقتي
فعلتها دون حتى الاستماع إلى حديثه، أنها الآن في موقف لا تحسد عليه أبدًا، لقد وقعت في شر أعمالها، كانت تحاول أن تنساه فجعلت غيره يقع في حبها وهي تمادت في الأمر وجعلته يتعلق بها إلى درجة بعيدة وأصبح البعد عنه شيء صعب عليها للغاية
ضميرها لن يتركها ترتاح لأنها من فعلت به ذلك وفتحت له الطريق للإقتراب منها وهي من أعطته الموافقة في بداية الأمر وجعلته يتعايش على أمل الزواج منها..
لم تكن تعلم أنها ضعيفة إلى هذه الدرجة وستعود عما كان في رأسها وتتطالب بشخص غيره وغيره وغيره إلى أن تصل إلى مرادها المرفوض "عامر"
ليتها رحلت مع من رحلوا منذ عامين، كان الوضع سيكون أفضل من هذا بكثير.. على الأقل لن تكون وحيدة إلى هذه الدرجة..
ليتها تستطيع أن تفهم لما عمها قام بفعل ذلك، ولما تحدث عنه هو ووالده بهذه الطريقة لأول مرة، ولأول مرة بحياتها تراه يتحدث عن أي أحد بالسوء من الأساس، ليتها تستطيع أن تغير ما حدث وما فعله الجميع..
ليتها تستطيع أن تنزع حب "عامر" من قلبها وتضع ذلك الأحمق الآخر مكانه لتستطيع أن تقف في وجه الجميع وتطالب بالزواج منه مهما كانت العواقب..
الشجاعة مسلوبه منها لفعل أمر كهذا والأسباب كثيرة كأنها لا تحبه من الأساس، كأنها لا تريد الزواج منه، كأنها لن تجعل حديث عمها يضرب به عرض الحائط لأجل سواد عيناه..
يطلب منها حل وينتظرة، ما الذي بيدها تفعله؟ لقد وافقت على حديث عمها بل وقالت له أنها ستبتعد عنه من الأساس، وحتى لو لم تقول هكذا ولم يفعل عمها هذا من البداية، "عامر" لم يكن ليتركها تفعل ما يحلو لها معه، لم يكن ليتركها تذهب وتخرج هكذا دون وقفة حادة منه معها، هو من الأساس يتحدث عن الزواج منها بكثرة هذه الأيام وقلبها يرتاب منه ومن أفعاله الدنيئة التي اعتادت عليها..
أتدري ما عليها فعله! الانتظار.. حقًا هذا هو..
أن تجلس بهدوء وحدها في ركن بعيد عن الضجيج المزعج منتظرة العاصفة المُدمرة، التي ستسلب منها كل ما بقيٰ، أو تعطيها حتى ترضى
❈-❈-❈
"اليوم التالي"
وقفت "سلمى" في غرفة المكتب التي كانت تخص والدها الراحل، وقفت في أحد زوايا الغرفة أمام مكتبة الكتب الخاصة به، تنظر إليها بعينين ذابلة حزينة، توزع نظراتها عليها وهي غير واعية لما تبصره من الأساس..
عقلها منشغل بما حدث معها، وما الذي عليها فعله بعد ليلة أمس وأحداثها الغريبة كُليًا، كم تحاول تصفية ذهنها وعدم التفكير في أي شيء يجعل رأسها يداهمه الصداع الشرس الذي ينهش به..
مدت يدها وأمسكت بكتاب من بين الكتب الموضوعة على رفوف المكتبة أمامها.. أمسكته تنظر إليه بعينيها ثم مرة أخرى وضعته في مكانه بضيق وتشتت واستدارت بجسدها تعود للخلف ذاهبة لكنها اصطدمت به!..
منذ لحظات وهو يقف هنا خلفها مباشرة يتابع ما تفعله، تأخذ الكتب وتضعها مرة أخرى في مكانها، يبصر بعينه خصلاتها السوداء اللامعة بالبُنية، يبصر كل زفره ضيق ويستمع إليها مُستمتعًا بأي حركة تصدر عنها، يستنشق عبيرها الرائع الذي يدغدغ أنفه كلما تحركت خطوة بسيطة..
استدارت تذهب لكنها تعثرت به، وجدته جسد صلب شامخ يقف أمامها ولا يفصل بينهم شيء، عادت للخلف خطوة واحدة لترى أن المكتبة خلف ظهرها فلم تستطع الإبتعاد أكثر عنه..
بنظرة من عينيها على خاصته قد ظهر له أنها لا تفكر في أي شيء الآن، نظرة واحدة فقط فهم منها وأدرك أنها حتى لا تريد التفكير، تبدو مُشتتة، حزينة وهو أتى ليزيدها حزنًا ثم سيسلبة منها مرة واحدة دون أي إنذار..
بقيت تنظر إليه، عينيها تبادله النظرات الحزينة، الضعيفة، أزاحت كل شيء عن عقلها وبقيت تنظر إليه، هل هذا يكفيها منه؟ بعض النظرات فقط؟..
تنهدت بعمق أمامه مغلقة عينيها بهدوء ثم فتحتهما وأشارت إليه بيدها قائلة بنبرة خافتة:
-عديني
أخذ دورة للتعمق بنظراته عليها وخاصة عينيها ذات اللون الزيتوني، وقال بجدية مُلقيًا حديثه عليها:
-استني.. عايز أتكلم معاكي
أجابته بهدوء كما هي تبصره بدقة:
-نعم
أردف بجدية شديدة ووضوح تام وبعينين قوية فعلها ناظرًا إليها:
-أظن كده كفاية أوي.. إحنا لازم نتجوز
فتحت عينيها المُتسعة عليه بصدمة وذهول تام، كيف له أن يكون هكذا؟ يتحدث وكأن الأمر حتمي ويجب فعله، ابتسمت بسخرية لاذعة ثم قالت:
-مين قال إنه لازم؟ ومين قال إني هتجوزك يا عامر... أظن أن أنا وأنت والعيلة كلها في غنى عن كلامي اللي بقوله كل شوية واللي هو إني مش هتجوزك مهما حصل
عاد للخلف خطوة بعد أن وضع يده داخل جيوبه ثم أعطاها ظهره قائلًا بتأكيد وثقة:
-ده كلام فارغ مش هيحصل منه حاجه
أطلقت الكلمات منها بعنف بعد أن أغضبها حديثه الذي يصر عليه:
-هتتجوزني غصب؟
استدار بهدوء تام ونظر إليها بعينين حادة قائلًا بثقة:
-لأ برضاكي وهاخد الموافقة منك دلوقتي
رفعت يدها الاثنين أمام صدرها ونظرت إليه بسخرية شديدة ثم أردفت:
-ودي هتعملها إزاي بقى؟
ابتسم هو الآخر يبادلها تلك السخرية ولكنه كان كالصقر الجارح، كان فهد، في تلك اللحظات وبعد سخريته مثلها كان كالصياد الماهر المنتظر القبض على فريسته، أقترب منها ما ابتعده ويده مازالت في جيبه، تحدث ببرود وقسوة ظهرت على منحنيات وجهه:
-أنا مكنتش أحب أخد موافقتك كده لكن أنتي اللي بتضطريني.. بس معلش ولأخر مرة هسألك موافقة على جوازنا يا سلمى برضاكي؟..
أقتربت الأخرى خطوة مثله، تقلصت المسافة بينهم أكثر، وقفت أمامه وجهًا لوجه وبكل عنف وقوة أجابته ماحية كل مرة ضعف شعرت بها:
-نجوم السما أقربلك مني.. إنك تمسك نجمة من السما أقرب من إنك تتجوزني وتلمس مني شعرة واحدة يا عامر
أبتعدت شفتاه الرفيعة عن بعضهما وهو يبتسم ببرود، نظر إليها للحظات وأخرى بثبات وعيناه تلقي عليها ما لم تفهمه، ثم في لحظة أخرج يده من جيبه ساحبة معها هاتفه ليفتحه أمام وجهه ثم يأتي بما يريد أن تراه وهنا نستطيع القول إنه انخفض إلى أبعد من مستوى الدنائة...
مد يده إليها بالهاتف فنظرت إليه باستغراب وعدم فهم، لكنها بالأخير أخذته منه، أشار إليها بعيناه أن تنظر به ففعلت..
ابتعد عنها وأخذ يُسير في غرفة المكتب ببرود تام، ثم تحدث بكل القسوة الموجودة في العالم، وبكل القهر أشعرها بذلك قائلًا:
-بصوابع ايدك الحنينة الحلوة اللي كنتي بتمسكي بيها ايد هشام الصاوي فري في الموبايل وتأملي نفسك وجمالك الخلاب
استدار في سيره ينظر إليها بوقاحة وخبث شامتًا بها:
-الصور فيها هضاب ومرتفعات بس جامدة الصراحة، تخيلي بقى بعد موت عمي اللي يرحمه الراجل الطيب الأصيل بنته تعمل فيه وفي سمعته كده؟ لأ لأ مايصحش.. تعرفي إني الصور دي في صالحي من أي إتجاه
وقف ثابتًا على بعد خطوات منها ينظر إليها بثبات وقوة ولم يحمل لها في تلك الكلمات إلا القسوة والذل:
-مهو أصل أنا لو نشرتها هتتفضحي وعمي الله يرحمه معاكي والعيلة كلها وبعدها هتجوزك علشان نلم الفضيحة.. ولو حبيتي نمسح الصور هنمسحها وتتجوز من غير فضيحة وكان يعز عليا والله إني احطك في الموقف ده بس أنتي اللي عملتي كده
انهمرت الدموع من عينيها بغزارة، تنظر إلى صورها الفاضحة في هاتفه، تستمع إلى حديثه القاسي الذي ينهش بجسدها دون رحمة أو هوادة، انهمرت الدموع بكثرة وهي لم تستطع الحديث أو النظر بوجهه، كيف له ان يفعل بها ذلك؟ كيف؟
بقيت على وضعها لحظات وعقلها لا يطرح عليها إلا التساؤلات الغير موجود لها إجابة، في لحظة خاطفة رفعت عينيها الباكية عليه لتراه يتعمق بالنظر عليها..
فور أن رأته ينظر إليها دون ذرة شفقة بعينيه فارت الدماء بعروقها واشتعل الغضب داخلها، تقدمت منه بخطوات سريعة متعثرة ثم ألقت الهاتف بوجهه لكنه تمسك به جيدًا ونظر إليها مُبتسمًا بسخرية..
أقتربت أكثر ثم رفعت يدها في الهواء لتهوى عليه بصفعة تذكره بمن هي ومن هو ولكنه لم يجعلها تحذر بأن ذلك سيحدث، أمسك بذراعها وثناه خلف ظهرها ثم أمسك بالآخر بعد أن ألقى الهاتف من يده على المقعد جواره، جعلها تستدير إليه لتواجهه بظهرها وضغط على ذراعيها الاثنين بعنف وقسوة هاتفًا بضراوة بجوار أذنها بعد أن قربها منه للغاية:
-الفرح هيبقى بعد شهر من دلوقتي وهتقولي للكل إنك موافقة بمزاجك وإلا أنتي عارفه اللي هيحصل
استمع إلى نحيبها الذي خرج منها ولم يرأف بها أبدًا متذكرًا خيانتها لثقته وخروجها مع ذلك الحيوان فصاح بعنف وشراسة أكثر وهو يضغط على ذراعيها:
-مش هسيبك تروحي مني مهما حصل.. مش هتكوني لحد غيري
أردفت بضعف ونبرة خافتة خرجت من بين شهقاتها المستمرة بفعل بكائها:
-أنا بكرهك
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الثاني_عشر
#ندا_حسن
استمع إلى نبرة صوتها الخافت الباكي يخرج بضعف وارتعاش مُصرحًا بكرهها له!..
قربها منه أكثر وبقيٰ بمحاذاة أذنها وقال بتأكد وثقة ونبرته قوية حادة:
-بلاش كدب بقى مش هينفعك بحاجه.. أنا عارف إنك بتحبيني وللنهاردة وبكرة ولبعد سنين بتحبيني
حاولت جذب يدها الاثنين منه وأبتعدت برأسها للناحية الأخرى مُبتعدة عنه وصاحت بقوة والدموع تنهمر على وجنتيها بقهر وحزن شغر أنحاء قلبها:
-لو كنت بحبك فأنا بعد اللحظة دي بكرهك.. بكرهك أوي، مكنتش أتخيل إنك ممكن تعمل معايا كده في يوم من الأيام
ابتسم بسخرية والألم داخله يزداد لحظة بعد الأخرى وهتف بانكسار:
-ولا أنا كمان كنت متخيل إنك تعملي معايا كده
صرخت به وهو يشدد على يدها لتبقى كما هي تحت رحمته:
-بلاش تعيش دور الضحية أنا معملتش فيك حاجه
أسودت عيناه وابتغى قتـ ـلها هي وذلك الأبلة الحيوان الذي رافقته دون علمه وتحدث بقسوة وغضب:
-خونتيني!. ولا دي كمان بقت عادي
جذبت يدها في لحظة ضعف منه شعرت بها أن قبضة يده تثقل على يدها، فجذبتهم منه بقوة وابتعدت للخلف خطوة تقف قبالته صارخة بعنف والبكاء لا يتوقف لديها:
-أنا مخونتكش أنت كداب.. أنت اللي خونتني أنت، أنت اللي بعدت عني وخطفت أهلي مني وبكل بجاحه حاولت تخليني أحس إني أنا السبب.. أنت اللي قسيت عليا بدل ما تحتويني
نظر إليها بذهول وعينين مُتسعة عليها ثم تقدم الخطوة التي أبتعدتها وصاح مُشيرًا إلى نفسه باستنكار:
-أنا؟ أنا قسيت عليكي؟ أنا حاولت معاكي بدل المرة مليون وأنتي اللي كنتي رافضة أي حاجه من ناحيتي.. دا أنتي كنتي رافضة الكلام حتى جايه دلوقتي تقولي قسيت عليكي
صرخت مرة أخرى بعنف أكبر من السابق وانهمرت الدموع أكثر تهتف ببكاء حاد ونبرة مُرتعشة:
-أيوة قسيت عليا ولسه قاسي والدليل أهو.. أنت اللي سرقت موبايل إيناس
أكملت وهي تعود للخلف مُبتعدة عنه متذكرة ما حدث منذ عامين قبل أن تنقلب حياتهم رأسًا على عقب:
-الصور دي كانت على موبايل إيناس لما كنت معاها في الرحلة إياها، اتصورتهم وأنا لابسه مايوه زيي زي أي حد وإحنا لوحدنا ووقتها الموبايل انسرق منها وأنت مكنتش تعرف أصلًا لكن جيت وقولتلي أبعدي عنها وأصريت إني أقطع معاها فترة
نظرت إليه بعمق وعينين ضائعة بين الحقائق الزائفة:
-دلوقتي بس فهمت كل حاجه.. أنت اللي سرقت الموبايل بتاعها ولحد النهاردة شايل الصور دي معاك علشان مستني الفرصة اللي تظهرها فيها.. يعني مكنتش بتحبني أنت بس عايز تمتلكني مش أكتر
عاد هو الآخر للخلف مثلها بعد أن استمع لحديثها الساخر، أيعقل أن تكون تفضل صديقتها الحقيرة عنه إلى هذه الدرجة!.. حتى وإن كان خائن، وإن كان حيوان وذئب بشري وإن كان شيطان ألا تعرفه إلى هذه الدرجة؟ ألا تتذكر أنها كبرت معه في منزل واحد؟ ألا تتذكر أي شيء فعله لأجلها؟..
ابتسم بسخرية والذكريات تتهاتف على عقله لأجل ما تحدثت عنه، والحقيقة بهذه الذكريات تقول أن صديقتها هي من قامت بإرسال الصور له وقامت بتهديده أنها في أي لحظة تستطيع أن تقوم بعمل فضـ ـيحه لحبيبته وابنة عمه فما كان منه إلا أنه يسرق هاتفها ليستطيع حمايتها، وعندما لم يستطع أن يفتحه قام بتكسيره وإلقاءه في المياة وبقيت الصور التي أرسلتها إليه معه..
في ذلك الوقت حاول أن يشرح لها ما الذي حدث من قِبل صديقتها ولكنها لم تستمع إليه كالعادة وأظهرت عنادها فعاندها هو الآخر وبقيٰ ما حدث داخله وجعلها تبتعد عنها بالقوة ولكنها عادت إليها مرة أخرى رغمًا عنه..
ابتسم إليها ببرود ثم ألقى الكرة بالملعب الخاص بها لتحصل على الإجابة وحدها:
-ولما أنتي بتقولي إني مكنتش أعرف حاجه سرقت موبايلها بناءاً على ايه؟
حركت رأسها إليه وجذب انتباهها حديثه، تعمقت بعينيها على عينيه الساخرة منها وتسائلت:
-قصدك ايه؟
رفع حاجبيه للأعلى بلا مبالاة ولوى شفتيه قائلًا:
-شوفي أنتي بقى
رفعت يدها الاثنين على وجهها ومسحت الدموع المنهمرة عليه بأصابعها، ثم للحظات فقط ركزت عقلها على التفكير فيما حدث في هذا الوقت، لما قد يسرق الهاتف وهو حقًا لا يعرف بما به؟.. لما في ذلك الوقت بالتحديد قد يجعلها تبتعد عنها بالقوة! لما يبغضها من الأساس ولما هي لا تحبه؟
أبصرته مُتسائلة باستغراب:
-أنت كنت عارف أن الموبايل فيه صور ليا؟
استهزأ بها وهو يُسير أمامها في الغرفة قائلًا بسخرية:
-شوفي إزاي! وياترى بقى أنا بشم على ضهر أيدي ولا في حد قالي ولا في حد وراني؟
وقف أمامها من بعيد وتعمق بالنظر في عينيها وما داخل حديثه كثير من المشاعر العميقة المتألمة منها ومما يحدث:
-عارفه المهم في الموضوع ده ايه؟ هو إني بطلع وحش في الآخر بس مش مهم أنا اتعودت على كده.. حتى منك
للحظة أخرى فكرت وهو يتحدث، كيف له أن يأخذ الهاتف دون سبب؟ لما لا يحب إيناس ويحذرها منها دائمًا، إن كانت هي من بعثت له بالصور ثم قام هو بأخذ الهاتف لحمايتها فهنا هو معه كامل الحق، تتذكر أنه في ذلك الوقت أراد أن يشرح لها شيء وكان غاية في الغضب وهو يعبث بهاتفه ليريها ولكنها منعته عن ذلك!:
-إيناس بعتتلك صوري؟ ولا قالتلك؟
لوى شفتيه ساخرًا ثم أكمل بحزن لم يظهره لها:
-هسيبك تفكري فيها شوية بلاش أقولك يمكن تخترعي حاجه جديدة تتهميني بيها
غمزها بعينيه اليسرى وأشار إليها بيده يذكرها بما قاله عن العرس قبل قليل:
-ومتنسيش الفرح بعد شهر
ناداته بإسمه بضعف، بحزن وضيق، والذل طغى على كل هذه المشاعر وأكملت بنبرة خافتة تنظر إليه كامرأة هواها الحب بجماله وتركها لألامه فقط:
-عامر.. أنا مش عايزة
بادلها تلك النظرات الحزينة التي تهطل عليه من عينيها، بادلها الضعف، إنها تعلم أنه ضعيف وما خرج منه ما هو إلا تهديد وقح وقذر ليس لديه أي سبيل آخر إلا هو ليحصل عليها، أردف بجدية وقوة وادعى اللا مبالاة بما تريد:
-بس أنا عايز
خرجت الدموع مرة أخرى بصمت من عينيها منهمرة على وجنتيها المُكتنزة وهي تطالعه بضعف قائلة بتأكيد تعرفه داخلها:
-أكيد مش هتعمل فيا كده.. ولا هتعمل حاجه بالصور دي أنا عارفه إنك بس بتهددني
أشار إلى صدره بإصبع يده اليمنى ونظر إليها بعمق وقسوة والشراسة تهطل من حديثه بعنف:
-اللي عملتيه من ورايا يخليني أعمل أسوأ من كده
أقتربت منه وهي تقول برجاء محاولة التوضيح له أنها لم تفعل شيء:
-بس أنا معملتش حاجه صدقني.. أنا حتى أول ما رفضت أنت وعمي أنا كمان رفضت
أقترب بخطوات هوجاء وارتفع صوته وهو يوضح لها قليل مما فعلته هي وهو يعطي إليها الثقة الكاملة مُعتقدًا أنها مازالت حبيبته البريئة:
-بقالك سنة بتتسرمحي معاه وأنا مديكي الأمان والثقة، سنة بتخـ ـوني عامر اللي منع عن نفسه أي معرفة بأي سـ ـت تانية غيرك من وقت ما بعدتي
صرحت بما يعرفه الآخرون وما تقوله لا يمت بصلة إليها:
-أنا مخونتكش.. أنا وأنت مافيش بينا حاجه علشان اخونك لا أنا مراتك ولا خطيبتك
أبصرها بجدية شديدة وخرجت الكلمات من بين شفتيه كالسيف الحاد على علم بطريقه جيدًا:
-أنتي عارفه أنتي ايه كويس أوي يا بنت القصاص.. أنا مديكي مهلة شهر كده كويس أوي
تخشى الرفض بعناد كما كانت تفعل دائمًا فتغلبه غيرته وتهوره، وطبعه الغلاب على كل مشاعر داخله ويفعل ما قال عنه، تعلم بقرارة نفسها أنه من المستحيل أن يفعلها أو أن يعرض جسدها بهذه الطريقة الرخيصة ولكن لن تستطيع ألا تخاف، فقالت بنبرة خافتة:
-لا أنت هتعيش ولا أنا هعيش يا عامر
أخذ هاتفه المُلقى على المقعد ووضعه في جيبه وهو يبتسم بسخرية واستهزاء من حديثها وأردف ببرود ولا مبالاة:
-أنا كده مش عايش وكده مش عايش يبقى وأنتي مراتي أحسن
تسائلت رافعة حاجبيها الاثنين بذهول منه:
-ورفضي ليك! مالوش أي أهمية
أردف بجدية وقال الصدق وما كان سيحدث حقًا، فهو من المستحيل أن يجعل إمرأة تتزوجه وهي تبغضه ولكنه يعلم أنها تحبه إلى المنتهى ولن تتخلى عنه مهما حدث:
-لو كنتي رفضتي علشان مش بتحبيني مستحيل كنت اتجوزك.. لكن أنا عارف رفضك ليه ومادام بتحبيني وبحبك يبقى خير البر عاجله
استدار ليذهب من هنا تاركًا إياها ولكنه وقف عند باب غرفة المكتب واستدار إليها ناظرًا إلى عينيها مباشرة بقسوة وخرجت الكلمات منه بغضب وتهديد واضح:
-شهر يا سلمى وإلا وديني المرة دي هتشوفي وش وسـ* معداش عليكي قبل كده
خرج من الغرفة وتركها بها، يعلم داخله أنه من المستحيل أن يقوم بفعل أي شيء يؤذيها به، من المستحيل أن يترك هذه الصور على هاتفه من الأساس، أنها تدلف طريق ليس مناسبًا لها مع الحقيرة "إيناس" ومهما فعل فهي تعانده وبقوة وهذه هي الطريقة الوحيدة التي بها يجعلها ترضخ إليه وتفعل ما يطلبه منها.. ومن هنا يستطيع أن يجعلها زوجته ليحميها من شر عائلة "الصاوي"..
تراه الآن دنيء، حيوان؟ لا يحبها؟ تراه ما تريد هذا لا يهمه المهم إليه الآن أن يحميها من أي شخص يستطيع أن يؤذيها ولو بكلمة والأمر الأهم من المهم أن تكون زوجته.. حلاله وله وحده وهذا ما سيفعله حتى لو طبقت الأرض فوق السماء...
تركها في الداخل، تقدمت وجلست على المقعد وانحنت على نفسها تبكي بقوة، خرجت الدموع من عينيها بغزارة نادمة على ما فعلته مع "هشام" نادمة على عدم استماعها لحديث "عامر"، تشعر أن الحياة تلتف عليها هي وحدها وتريد أن تسلب منها روحها وما بقيٰ منها..
تخاف منه ومن تهديده وبشدة ولكن هي على دراية أنه لن يفعل ما هددها به، ومع ذلك الخوف تربع داخل قلبها والرهبة ارتعشت بجسدها.. والتفكير لم يتركها لحظة واحدة، كيف له أن يفعل ذلك بها؟ كيف له أن يكون دنيء إلى هذه الدرجة!
ولكن إن كان حقًا سـ ـرق الهاتف من "إيناس" بعد أن علم بما به فهنا سيكون شيء مازال مخفي وهي لا تعرفه، سيكون معه كامل الحق وهي الوحيدة الغبية التي لم تستطع أن ترى الأشخاص بحياتها جيدًا، إن كانت "إيناس" من فعلت ذلك لن تسامحها أبدًا..
"عامر" يحذرها من إيناس وعمها يحذرها من "هشام" وعائلته بالكامل، إن كان "عامر" مخطئ أو يريد إبعاد الناس عنها لتكون معه وحده فعمها لن يكون كذلك!..
هناك أمر لا تعلمه هي يخص عائلة "الصاوي" وإلى أن تعرفه عليها أن تقوم بتوخي الحذر من ناحيتهم..
في لحظة خاطفة ترك عقلها كل ما كانت تفكر به وطرح عليها سؤال واضح وصريح، هل ستتزوج من "عامر"؟
❈-❈-❈
بعد أن تحدث معها والدها في أمر "تامر" مُحاولًا إقناعها بالموافقة بحديثه وأنه يريد الزواج منها وأخذ فرصة وحيدة لتكملة حياتها كما أي شخص ينعم بأقل حقوقه.. وبعد الحديث مع ابنة عمها وشقيقة زوجها الراحل اكتشفت أنها هكذا تضيع ما بقيٰ من عمرها.. لو لم تكن تشعر بانجذاب ناحية "تامر" لم تكن لتفكر في الأمر من الأساس ولكنه يشغل تفكيرها في الآونة الأخيرة حقًا ويسلب الجزء المفكر داخل عقلها في الليل مستعيدة حديثه بالكامل عن "ياسين" وعنها..
حديثه صحيح! والجميع حديثه صحيح ولكن حبها لزوجها كان يفوق كل الحدود.. لم تنعم معه بالسعادة التي أرادت الحصول عليها ولم تبني الكثير من الذكريات لتتذكرها.. لم تأخذ ما أرادته منه بل هو أخذ كل شيء معه ورحل..
وإلى الفترة الماضية كان هو من يشغل عقلها وقلبها إلى أن شعرت أن الجميع محق وبدأ "تامر" يتخلل ثنايا عقلها بحديثه اللبق ونظراته الصافية المحبة نحوها..
من هنا ستحاول أن تعطي له فرصة ولنفسها وبتلك العلاقة التي أخذت القرار فيها في سواد الليل بعد الاستماع إلى حديث الجميع وترك الذكريات الماضية في ركن بجانب الزاوية.. فرصة واحدة فقط لهذه العلاقة وإن لم تنجح فلتعود إلى ما كانت عليه..
أمام الموظفين جلست على الطاولة المستديرة في كافيتريا الشركة مع "تامر" الجالس مقابلًا لها مُبتسمّا بسعادة وحب وائتمان لأجل أنها وافقت على إعطاءه فرصة..
حرك شفتيه قائلًا بصوت هادئ وبنظرة مُبتسمة:
-أنا مبسوط أوي إنك وافقتي تديني الفرصة دي.. لو كنت أعرف أنك هتيجي من بعد الكلام مع والدك كنت عملتها من زمان
رفعت يدها أعلى الطاولة، نظرت إليه بجدية تامة ثم أردفت قائلة موضحة له ما خطر على بالها:
-مش الكلام مع بابا هو اللي خلاني اديك الفرصة دي بس زي ما تقول كده هو كان زقة.. زقة بسيطة خلتني أشوف الصح واللي المفروض يحصل.
ابتسم بوجهها وأظهر وجهه البشوش وهو يتحدث قائلًا:
-الحمدلله.. على كل حال أنا مش هخليكي تندمي أبدًا يا هدى
صمت للحظة ثم أكمل بيقين وهدوء وهو يحاول أن يجعلها تتقبل فكرة وجوده هو في حياتها عوضًا عن "ياسين":
-أنا عارف إن ياسين كان فارشلك الأرض ورد وكنتي بالنسبة ليه حاجه كبيرة أوي وعارف بردو إنه لسه مطلعش من حياتك بس اوعدك على قد ما أقدر هحاول أكون أحسن منه وهخليكي تنسيه
نظرت إليه مُطولًا ثم تحركت شفتيها بالرفض وهي تقول بجدية وقوة:
-بس أنا مش عايزة أنساه
بادلها نفس النظرة ثم بجدية تامة عقب على حديثها موضحًا مقصده مما قال:
-لما ربنا يوفقنا وأكون جوزك لازم تنسيه.. ومتفكريش غير فيا
رفعت حاجبها الأيمن ونظرت إليه بقوة تدقق في النظر إلى ملامح وجهه لتتفهم تعابيره ثم ألقت عليه سؤالها:
-أنت ايه اللي مخليك مصمم على الجواز من واحدة أرملة؟
أجابها قائلًا بنبرة جادة قوية:
-عايزك يا هدى.. حبيتك وشايفك المناسبة ليا ولا هو عيب؟
لوت شفتيها وضيقت عينيها عليه ومازالت تكرر نفس السؤال:
-مقولتش إنه عيب بس بقول إنك تقدر تتجوز أي واحدة تشاور عليها ليه واحدة زيي
تفوه بكلمات جادة حنونة في ذات الوقت من بين شفتاه ليجعلها تشعر بأنها ليست كما أحد.. بل أفضل منهم:
-أنتي مش ناقصك حاجه علشان تقولي واحده زيي.. أنتي ست البنات اللي ملت عيني وخلتني مش شايف غيرها
نظرت إليه بقوة وعينيها مُثبتة عليه ثم تدريجيًا بدأت شفتيها في الابتعاد عن بعضهم البعض راسمين ابتسامة واسعة خجلة قد حدثت على أثر استيعابها لما قال..
-الله الله.. قاعد تحبلي؟ علشان كده بقى رميت اللي بينا في أقرب سلة زبالة قابلتك
استمعت معه إلى هذا الصوت النسائي الذي تردد على مسامعهم يهتف بهذه الكلمات الساخرة بطريقة مُتهكمة..
وقف على قدميه بعد أن علم هويتها التي ظهرت له من الاستماع إلى صوتها، استدار إليها بجسده وهو يقف أمامها ناظرًا إليها باستغراب جلي:
-أنتي هنا بتعملي ايه؟
صاحت بعنف وصوت عالي نسبيًا استمع إليه من حولهم:
-جايه أشوفك وأنت حبيب... هي دي اللي سبتني علشانها
وقفت "هدى" على قدميها فور أن علمت أن الحديث يذهب إلى منحدر لا تريده ولن تحبه أبدًا، نظرت إليه مُتسائلة:
-مين دي؟
-أجابها وهو يبعد عينه من على الأخرى باشمئزاز واضح:
-منه.. اللي كانت خطيبتي.. أظن واضح قدامك سيبتها ليه أهو
أردفت الأخرى بصوتٍ عالي وطريقة سوقية لا تناسب المكان المتواجدة ولا تناسب الأفراد الذين أمامها أيضًا:
-هو ايه ده اللي واضح.. أنت سيبتني علشان مرات صاحبك اللي مات، هتستهبل ما أنا عارفه كل حاجه
نظر إليها بغضب وعصبية شديدة ثم صرخ بها:
-اخرسي
أردفت "هدى" باستغراب واستنكار لما تقوله وقد فهمت الآن لما قال لها "تامر" أنه لا يستطيع التكملة معاها فهي مختلفة عنه كامل الاختلاف:
-دي مجنونة
أجابها وهو ينظر إلى الأخرى بعينين حادة قائلًا:
-مجنونة وستين مجنونة
ارتفع صوتها الهائج وهي تقول ملوحة بيدها الاثنين إليهم:
-أنا مجنونة.. دا أنا هفضحك هنا، خطبتني وسيبتني من غير سبب ايه هي بنات الناس لعبة في ايدك
أكملت بسخرية وصوت عالي مُتهكمة عليه وأظهرت أن ما تريده منه ما هو إلا أشياء مادية:
-ولا تكونش فاكر إني هبلة وهسكتلك بعد ما تدخل بيتنا وتخرج كده عادي.. لأ مش هطلع من المولد بلا حمص
ظهر عليه الحنق الشديد فقال بطريقة مُهلكة ناظرًا إليها باشمئزاز:
-يا شيخه منه لله اللي كان السبب في إني أعرفك.. ده ايه القرف ده
هتفت "هدى" وهي تبتعد عن الطاولة بجدية تامة:
-تامر.. الناس بدأت تتفرج أنا طالعة مكتبي ومشي البتاعه دي من هنا
صرخت الأخرى بها وارتفع صوتها أكثر بعد أن تمسكت بيدها كي لا تجعلها تذهب:
-بتاعه.. بتاعة مين يا أم بتاعة تعالي هنا وأنا أعرفك البتاعه دي ايه
نفضت "هدى" يدها منها بقوة ونظرتها نحوها لا تعبر عن أي شيء إلا التقزز وقد استوعب عقلها كل شيء حدث حقًا:
-سيبي يا مجنونة أنتي
جذب يدها التي أمسكت بها الأحرى ونظر إليها بقوة وعمق صائحًا بغضب:
-أنتي بتعملي ايه؟ فاكره نفسك في الشارع بتاعكم أمشي من هنا أمشي
عاندته بوضوح وقوة وهي تضع يدها الاثنين في وسط خصرها:
-مش همشي مش أنا اللي تاخدني لحم وترميني عضم..
نظر إلى "هدى" وترك الأخرى وهو يقول لها بجدية:
-روحي اطلعي وأنا هتصرف مع دي
أومأت إليه برأسها ونظرت إليها باشمئزاز وتقزز ثم سارت مُبتعدة عنهم ففعل الآخر شيئًا لا يليق به، تمسك بها من معصم يدها ثم سار بها وهي خلفه شاعرًا بالحنق الشديد من وجودها بحياته وكأنها كـ اللاصق لا تخرج بسهولة...
وصل معها إلى مدخل الشركة ثم ألقاها في الخارج وهتف لأفراد الأمن بقوة:
-الست دي متدخلش الشركة تاني
لم ينتظر حتى أن يستمع أو ينظر إلى ردة فعلها بل استدار وذهب إلى الداخل مرة أخرى لاعنًا الساعة التي تعرف عليها بها والتي كانت غاية في الهدوء والرقة.. بها من الأخلاق ما يكفي بنات العالم أجمع ولكن مرة بعد الأخرى كان يظهر كل شيء بوضوح إلى أن طفح الكيل منها ومن عائلتها فلم يستطع الإنتظار أكثر من هكذا معها..
حان دور الذي اختارها قلبه، ستكون العوض والعون، سيبادلها بالسند والظهر.. وستكون حياتهم معّا جنة الأرض..
❈-❈-❈
جلست على الطاولة أمامه بوجهٍ باهت حزين مُشتت ونظراتها عليه ضائعة مترقبة لأي حركة قد تصدر منه تؤكد حديث عمها و "عامر" عنه وعن عائلته، مُنتظرة أن يثبت أنه هو الآخر خائن كاذب ومخادع لا أمان له وهناك غرض آخر خلف معرفته بها
أصبحت لا تثق بأي شخص في حياتها، لقد تعرضت للخيانة من الجميع حتى من كانت تظنه أقرب الأشخاص إليها ومهما ابتعدت عنه وفرقهم الزمن سيكون سندها والحامي الأول والأخير لها..
انقلبت الموازين وتحلى بوجهٍ آخر فوق وجهه ليصبح قناع دائم من القسوة الذي يخلفها كسرة قلب وقهرة لا نهاية لها..
بعينيها الباهتة نظرت إليه بضعف وقلة حيلة وقد خجلت كثيرًا مما تريد قوله إليه بعد المدة التي أعطته بها الأمل الأكبر بحياته، بشفتين ترتعش ونبرة غير متزنة قالت:
-هشام أنا.. أنا آسفة على كل حاجه بس إحنا، إحنا مش هينفع نتجوز
أقترب إلى الأمام بعينين مُتسعة حادة عليها تحولت مئة وثمانون درجة:
-بتقولي ايه؟
فركت يدها الاثنين بتوتر أمامه محاولة شرح موقفها له بنبرة خافتة حزينة:
-اللي سمعته.. أنا آسفة أقسم بالله ما كان قصدي كده بس اللي حصل وأنا مقدرش أكسر كلام عمي
أبعد من أمامه كوب القهوة الخاص به ونظر إليها بقوة وانزعاج تام صارخًا بعصبية:
-أنتي اتهبلتي ما تكسريه ولا تنيليه بنيلة
ابتلعت ما وقف بحلقها وأبعدت عينيها ذات اللون الزيتوني عنه ثم عادت بخجل شديد قائلة:
-أنا هتجوز أنا وعامر
صرخ بعنف مرة واحدة وعينيه منصبه عليها بتركيز شديد وقد ثار البركان بداخله واشتعلت النيران الذي ستحرقه هو ووالده إن لم ينفذ ما قاله له وخطط إليه:
-لا دا أنتي اتجننتي بقى.. هتتجوزي عامر إزاي مش المفروض إنك بتحبيني ولا كنتي كدابه وخاينة زيه بالظبط وبترسمي عليا الحب
ضيقت ما بين حاجبيها وضيقت عينيها هي الأخرى عليه قائلة بصدق وجدية:
-أنت عارف إني مش كده والله العظيم بس الظروف أقوى مني
عاد للخلف ضاغطًا على فكة بقوة وعنف شديد، ثبت عينيه الحادة على خاصتها وقال بجدية مُميتة:
-هنهرب أنا وأنتي ونتجوز وهنرجع وإحنا متجوزين وبكده تبقي قتـ ـلتي الظروف ونحطهم قدام الأمر الواقع
نفت ما قاله سريعًا معترضة عليه بقوة وانزعاج:
-لأ طبعا مستحيل أعمل كده ايه اللي أنت بتقوله ده
أكمل بإصرار ليضعها في موضع الخائنة أمام نفسها وهو يعلم أن هذه عقدة تعاني منها:
-يبقى أنتي لسه بتحبيه هو وموافقة على الجواز منه
عارضت ما قاله بشدة وبنبرة جادة:
-أقسم بالله مش موافقة أنا مغصوبة بس لازم ده يحصل مضطرة
صرخ مرة أخرى بعنف وعصبية وهو يرى ما خطط إليه يذهب إلى البعيد المطلق حريته:
-ليه مضطرة لــيــه
ابتعدت عينيها عنه، مؤكد لن تقول أن ابن عمها يقوم بتهديدها بصورها الفاضحة، أردفت بخفوت وضيق احتل كيانها منذ أول لقائها بـ "عامر":
-مضطرة وخلاص يا هشام.. مضطرة أوافق
أشار عليها بإصبع يده السبابة وأردف حديثه الحاد الجارح:
-كدابة وستين كدابة بتحبي عامر وعايزاه هو وأنا كنت لعبة في ايدك
لقد كانت تعتقد أنه يفعل ذلك لأجل حبه لها فعارضت مبررة موقفها أمامه مدافعه عن نفسها:
-والله العظيم أبدًا
لم يصمت للحظة واحدة بل تابع حديثه الحاد وهذه المرة كان حاد غاضب مهددًا لها وبكل جدية ووضوح ناظرًا إليها بعينين صائد سُلبت منه فرسيته عنوة لحمايتها:
-أنتي مفكراني ايه؟ لأ أنا مش عيل صغير ينضحك عليه كده.. قسمًا برب العزة إن ما لغيتي فكرة الجواز من عامر لكون متصرف تصرف مش هيعجبك لا أنتي ولا أهلك
اتسعت عينيها عليه واعتدلت نبرتها بجدية ووضوح مُتسائلة باستغراب واندهاش:
-أنت بتهددني؟
أكمل حديثه مُجيبًا عليها وأشار برأسه مؤكدًا بقوة:
-آه بهددك ولو منفذتيش يبقى أنتي اللي جنيتي على نفسك
وقفت على قدميها وتمسكت بحقيبتها التي كانت موضوعة على جانب الطاولة بينهم، نظرت إليه باندهاش واضح وذهول تام لتحوله المفاجئ ثم قالت باستنكار:
-أنت إزاي بتكلمني كده.. طلعت زي ما قالوا!
رآها تتركه وتتحرك بعد جملتها فوقف هو الآخر مُمسكًا بيدها بعنف مُتسالًا:
-رايحه فين؟
نفضت يدها منه بقوة وعنف شديد وصرخت به أمام الجميع في المكان العام الذي يجلسون به:
-اوعا كده سيب ايدي.. مش عايزة أشوف وشك ده تاني أبدًا
نظر إليها بوجه جامد حاد كما أول مرة رأينا بها وجهه الحقيقي، وبنفس نظرة القاتل هذه أجابها بتأكيد وثقة:
-هتشوفيه يا سلمى لكن وقتها مش هيعجبك
نظرت إليه بنفور ثم استدارت ترحل فاستمعت إلى حديثه المهدد إياها مرة أخرى:
-أقرب رد على اللي حصل دلوقتي هيبقى بالليل استني المفاجأة مني واستحمليها
خرجت من المكان تسير بقدمين ترتعش وخطواتها غير مُتزنة بالمرة، صعدت إلى سيارتها وبقيت بها ولم تتحرك، لقد خدعت به!.. تعرفه منذ الكثير وكان يمثل عليها الحب كما قال عمها!، حديثه وانزعاجه الشديد وتهديده الواضح لها يقول أن هناك غرض آخر كان يريده منها غير أنه يحبها..
يا الله ماذا لو كانت تزوجته.. ماذا لو لم يرفض عمها هو وابنه الزواج منه، كانت ستكون ضحية لغرض داخله لا تعرف عنه شيء، ستكون مسلوبة الإرادة متزوجة من شخص لا تعرف عنه شيء حتى أنها لا تعرف ما الذي يريده منها..
كيف إلى اليوم وهي تعرفه ولم يظهر عليه أي مما رآه عمها وابنه؟ هل هي إلى هذه الدرجة مخدوعة بالبشر المحاوطين لها؟ أول شخص حبيبها "عامر" ومن خلفه كان شقيقها "ياسين" والآن "هشام"؟!..
من هناك غيرهم في حياتها يقوم بخداعها؟ من هناك غيرهم يراها غبية وحيدة لا تستطيع التصرف في الأمور والحكم على الأشخاص يقوم بالضحك عليها بسخرية ويراها ساذجة؟..
تحركت بالسيارة بعد أن قامت بتشغيلها وابتعدت عن المكان وعقلها داخله قنابل تفجر به الأفكار لتظل تزداد إلى أن تنفجر رأسها هي الأخرى من كثرة التشتت..
❈-❈-❈
"في المساء"
بعد أن تعرض إلى حرقة قلب وقهره لا نهائية من تلك الغبية التي كان من المفترض قتـ ـلها كما أمره والده توجه إلى منزل "إيناس" ابنة عمه لتساعده في الورطة التي وقع بها وليقوم بالانتقام منها ومن ذلك الحقير ابن عمها الذي تحداه بثقة وسلبها منه عنوة.. لن يتركهم أبدًا
دلفت "إيناس" بالصينية الموضوع عليها كوب كبير من عصير الليمون ليقوم بتهدئة أعصابه التالفة منذ أن أتى، وضعت الصينية على الطاولة وجلست مقابلة له ثم أردفت بخبث ومكر مدسوس في حديثها:
-اهدى بس يا هشام أكيد سلمى عامر اللي غصبها على كده وأنت أكيد مش هتسيبهم يتجوزو
-بنت الكلب ضحكت عليا.. بقى أنا ينضحك عليا من واحدة غبية زي دي؟
لقد كان قلب "إيناس" يحترق بالفعل وأكثر منه، لن تجعل "عامر" ينعم بالحب معها، لن تجعله يتزوجها بهذه السهولة وتخرج هي من حياتهم الوحيدة الخاسرة، حتى ابن عمها لم يخسر شيء... إن تركتهم يتزوجون ستخرب عليهم كل شيء، سيكون زواج مفعم بالانتقام:
-وأنت هتعمل ايه
أردف "هشام" بحرقة وقلبه يزداد في عذابه:
-بنت الكلب دي مستحيل توافق تتجوزني بعد تهديدي ليها ولو وافقت الكلاب اللي عندها مش هيوافقوا هي كده متقفلة بس أنا لازم اشفي غليلي النهاردة قبل بكرة والباقي هعمله على رواق
رفع نظرة عليها مرة واحدة ثم قال بجدية شديدة جعلتها تتفاجئ منه:
-وأنتي اللي هتساعديني أنا عارف إنك مش بطيقيها أصلًا بس كنت ساكت علشان مصلحتي
نظرت إليه باستغراب، كيف علم أنها لا تحبها وكل ما تفعله كذب؟ الغبية الأخرى لم ترى منها شيء سيء هو كيف علم؟:
-وعرفت منين بقى؟
تحدث بانزعاح وضيق شديد وهو يشعر بعدم الصبر والتعجل في الانتقام منهم الليلة:
-بقولك ايه انجزي معايا كده أنا عارف اللي فيها بس ايه السبب الله أعلم وهعرفه منك بس مش دلوقتي لازم الأول اتصرف معاهم
اعتدلت في جلستها ونظرت إليه بتعمق ثم أخرجت كل ما عندها ومحت دور الصديقة المخلصة وكشفت عن وجهها قناع البراءة:
-طب بما إنك بقى عارف إني لا بطيقها ولا بطيقه وهتعرف مني السبب يبقى أنا كمان أعرف أنت بتعمل كده ليه ما أنت كنت راسم عليها دور الحب قدامي وأنا معرفتش اهرش عمايلك
تحدث بنفاذ صبر:
-كل ده مش وقته دلوقتي
تفوهت بالكلمات المنجية إياه والذي يريد الاستماع إليها منذ أن أتى إلى هنا:
-ماشي وأنا عندي اللي يدمرهم سوا بس عندي شرط
مرة أخرى بقوة وانزعاج يردف:
-ايه اخلصي
ابتسمت بسخافة وقالت بجشع:
-خلي أبوك يزودلي مصروف الشهر
أومأ إليها برأسه واعتدل في جلسته مُتقدمًا للأمام منها بقوة مُنتظر حديثها الذي سيشفيه:
-موافق.. قولي بقى
أردفت بهدوء وهي تعيد ظهرها للخلف تستند إلى ظهر الأريكة:
-هتكلم عامر
أشار إليها بيده بحدة يلح عليها في الحديث بنفاذ صبر:
-هعمل بيه ايه انجزي
بمنتهى الخبث والحقد القابع داخل قلبها، وبمنتهى الكـ ـراهية والبغض المزروع في قلبها تجاه "سلمى" البريئة من كل شيء سوى البراءة نفسها تحدثت ببرود:
-اتقل.. هتكلم عامر وتقوله إن سلمى عملت معاك علاقة وإنك كنت رايح تخطبها علشان كده وأنها رافضة الجواز منه لنفس السبب
صاح بعنف وانزعاج لأجل الغباء الذي تتحدث به:
-وكده بقى هو هيصدق؟ أنتي يابت أنتي عبيطة
ابتسمت ببرود وسخرية، وظهر على ملامحها القسوة الشديدة الذي استشعرتها من "عامر القصاص" الذي جعلته مُدمرّا لحياتها لتلقيها على حبيبته بالنيران الملتهبة التي تريد أن تشوه بها جمالها، أكملت بنفس الكـ ـراهية والقسوة تجاهها:
-ما قولتلك اتقل.. أنا سبق وقولت لعامر الكلام ده وهو مصدقنيش لكن المرة دي أنت هتأكد كلامي وبالدليل كمان وهنا بقى هيصدق وقول عليهم هما الاتنين يا رحمان يا رحيم أصلك متعرفش عامر بيموت في التراب اللي بتمشي عليه وهو أصلًا واحد شهواني ونسوانجي بقاله سنين مستني تبقى مراته مش معقول بعد كل ده تتاخد منه كده وبرضاها كمان
ضيق عينيه بقوة عليها، كم بدت شريرة أمامه بعد الاستماع منها إلى ذلك المخطط القذر، كم من واحدة مثلها في حياة البشر؟، تسائل بصوت جاد بعد أن ألقى تلك الأفكار من رأسه الآن:
-وايه هو الدليل ده
رفعت قدم فوق الأخرى وجلست بأريحية وبدت واثقة من نفسها وهي تقول:
-قوله الحسنة البني اللي في نص ضهرها
عاد هو الآخر للخلف بعد أن ارتاح قلبه وأخذ داخله وسيلة الانتقام الصغرى منهم ليقول بعدم تصديق:
-يخربيت دماغك
أكدت حديثه بثقة عالية وهي تتابع:
-اومال.. لو كانت أمها تعرف مكان الحسنة فهي ماتت قبل حتى أنت ما تظهر في حياتها وأبوها وأخوها يعني مافيش حد يقولك عليها ولا حتى أنا دا أنا شوفتها بالصدفة كده يعني من الآخر أنت اكتشفتها بنفسك
ارتسمت الابتسامة على شفتيه واتسعت بقوة واستمعت إلى كلماته المريحة قائلًا:
-حلو أوي الكلام ده.. يبقى اتقل زي ما قولتي وأكلمه بالليل
كل ما اجرمت به أنها لم تستمع إلى حديث حبيب عمرها وسـ ـارق أحلامها، كل ما اخطأت به هو أنها تركت طيبة قلبها تتعامل مع البشر وكذبت إصراره على عدم الوثوق بهم.. الآن ستكون ضحية لتفكير شيطاني من أشخاص قدمت إليهم كل الحب والاحترام.. ستكون ضحية حبيب عمرها.. من حذرها من البشر أجمع إلا هو..
❈-❈-❈
بعد أن صف سيارته في كراج الفيلا خرج منه وتقدم يسير في الحديقة الخاصة بهم مُتقدمًا من بوابة الفيلا الداخلية ليصعد إلى غرفته لينعم ببعض الراحة قليلًا.. لقد أصبح العمل شاق جدًا بالنسبة إليه في هذه الفترة..
استمع إلى صوت هاتفه يصدر رنين عاليًا ينم عن وصول مكالمة إليه، أخرجه من جيبه ونظر إلى شاشته فوجده رقم غير معروف.. ابتسم بسخرية واستنتج أنها ستكون هي كالمعتاد فأجاب مع تحفظه لفعل نفس الشيء كالمرة السابقة ليضمن الدليل القاطع الذي سيكون سيف قطع رقبتها..
خابت توقعاته عندما استمع إلى صوت رجل آخر يهتف بنبرة ساخرة عبر الهاتف:
-ازيك يا أبو الرجـ ـولة.. أكيد مش عارفني أنا هشام
ابتسم "عامر" بسخرية وأردف بجدية وتساءل بلا مبالاة:
-أنت أخدت الوسيلة من بت عمك الوسخـ* ولا ايه
استمع إلى صوت "هشام" على الناحية الأخرى يقول:
-تقريبًا كده بس المرة دي أنا جاي أحذرك
عاد "عامر" إلى الحديقة مرة أخرى يبتعد عن باب الفيلا ثم نقل الهاتف إلى أذنه اليمنى ليردف بسخرية شامته وتهديد:
-تحذرني.. ايه اتحرقت لما قالتك هتجوز عامر، اخلع منها علشان أنت مش قدي أنا بس اللي بحب الصبر
ضحك "هشام" على الناحية الأخرى بل وتعالت ضحكاته كثيرًا ثم قال بشماته يردها إليه:
-إهدى بس على نفسك وأسمع البوقين دول.. أنا متحرقتش ولا حاجه.. اتحرق ليه على حاجه مجربها
صمت "عامر" عندما استمع إلى هذه الكلمات الساخرة منه والشامته به، ولم يُجيب عليه لأنه لم يستطع تحديد موقفه فاستمع إلى الآخر يُكمل:
-بتسأل مجرب ايه مش كده؟ ياعم مش هخلي فضولك يقـ ـتلك وهقولك.. أصل الحقيقة كده يعني زي ما جه في بالك أنا مجرب بنت عمك
أردف "عامر" ألفاظ دنيئة بذيئة بصوتٍ عالٍ صارخ وهو يثور في الحديقة بهمجية واهتياج والعنف احتل جسده:
-أخرس يا وسـ* يا كلب وديني هطلع ميتيـ**، هخليك مرا يا ابن الكلب
قابله الآخر بالبرود التام يؤلف حديث من عقله هو وابنة عمه ليجعل القصة كاملة ويصدقها المشاهد مُستمعًا بما يحدث للآخر أمامه:
-براحه على نفسك يا ابن القصاص.. أنا بس بفهمك اللي حصل بنت عمك كانت معايا وأظن بنفسك جبتها قبل كده من بيت إيناس مكنش بيتي الحقيقة بس كنا بنتقابل هناك وغلطت معايا ولما جيت أخطبها كان علشان أصلح الغلط يا نِور.. بفهمك بس علشان متلبسش
ضرب الطاولة بقدمة ومن خلفها المقعد ليقع على الأرضية وهو يُجيب عليه بعدم تصديق وداخله يعلم أن هذه لعبة قذرة منه:
-آه انتوا متفقين سوا بقى وعايزني أعمل الغلط
بمنتهى البرود واللذة الخالصة أكمل بشماته وكذب ولكنه أحكمها جيدًا ليشعر بالمتعة وليعود الأمر عليه بتحقيق الإنتصار:
-لا يا حبيبي أنا متفقتش مع حد بنت عمك عندك وتقدر تتأكد كمان بالحسنة اللي في ضهرها بني هي وفي نص ضهرها كمان أكيد أنت مشوفتهاش.. معلش مش هقدر أقول أي أمارة تانية دي أعراض ناس بردو وآه هي كانت هتتكلم مع عمها تاني علشان تستر على نفسها هي بس طاوعتكم علشان منظركم قدامي
لم يستمع إلى صوت الآخر فأكمل مرة أخرى بنبرة شامته:
-رفضتك علشان كده يا جامد خايفه تعرف اللي حصل بينا.. تشاو
أغلق الهاتف، أبعده "عامر" عن أذنه نظر إلى شاشته وعينيه لم تكن معه من الأساس، شامة في ظهرها لونها بني؟ هو رآها! يؤكد حديث ابنة عمه الحقيرة ويقول أنه أقام علاقة معها؟ حديث "إيناس" كان صحيح؟ لقد خدعته! خانته وسلمت شرف العائلة وشرفه إلى ذلك الحقير!؟..
خانته؟ طعنته بظهره بسـ ـكين تالمه؟ قتـ ـلت كل الحب الموجود بقلبه لها؟
إنه يشعر بالمـ ـوت الآن؟ يشعر وكأن هناك من يسلب منه روحه بالقوة.. إنه أسفل المياة ولا يستطيع التنفس بشكل جيد.. يغرق في أعماق البحر.. خـ ـانته؟
حرك عينه على شرفة غرفتها.. استعاد صورة عمه الذي كان والده أمامه ثم من بعدها بلحظة أخرى استنتج أنه لن يصدق هذا الحديث!.. لن يصدقه مستحيل لن يجعل قلبه يكـ ـرهها ويمـ ـوت الحب داخله.. لن يترك هذا الأبلة يفعل بهم هكذا..
إنه كاذب، يؤلف كل هذا فقط لأجل أن يفرق بينهم، حبيبته لا تفعل ذلك.. لا تخونه، لا ترمي جسدها في أحضان غيره، لا تخيب ظنه بها، إنها تحبه..
سيتأكد من كل ذلك، سيتأكد بنفسه ومن بعدها يقرر من الكاذب والمخادع هنا..
ضيق عينيه على شرفة الغرفة ثم تقدم إلى الفيلا بخطوات ثابتة حادة تسير بسرعة شديدة ليصل إليها، سيفعل ما يجب عليه فعله ليتأكد إن كان كاذب أو لا.. ليتأكد إن كانت كما هي ابنة عمه وحبيبته ومن هواها قلبه من بين كل الناس، سيفعل ما يجب عليه فعله ليتأكد إن كانت خائنة أو لا..
دلف إلى الفيلا وقد كانت هادئة للغاية، تذكر أن والديه وشقيقته ليس موجودين هنا يالا حظه السعيد، سيحلو له كل شيء الآن وما سيفعله سيكون في هدوء تام..
فتح باب الغرفة الخاصة بها على مصراعيه بيده اليمنى وتقدم بقدم واحدة إلى داخل الغرفة ينظر إليها..
كانت تقف أمام الفراش استدارت فجأة بفزع عندما وجدت الباب يُفتح هكذا وليس هناك أحد معها في الفيلا سوى العاملين بها ولا أحد يتجرأ على فعل شيء كهذا..
نظرت إليه بعينيها الزيتونية وقد رأت مظهره غريب عنها لا يبشرها بالخير، لم تتحدث وتثور عليه وتأخذ أي ردة فعل إلا عندما وجدته يدلف ويغلق الباب من خلفه بعينين صائد ماهر..
صاحت بجدية شديدة وضربات قلبها أصبحت تزداد عنفًا مرة واحدة لتجعلها تشعر بالرهبة:
-في ايه.. أنت داخل كده ليه
تقدم إلى أن وقف أمامها دون أي حديث، دون أي إشارة واحدة منه، نظر إلى عينيها مباشرة وكانت عينيه البُنية الحزينة تخاطبها بالخوف القابع داخل قلبه.. خوفه أن تكون فعلت ما هتف به ذلك الحيوان هو وابنة عمه.. يخاف أن تكون قد تخلت عن حبه لها ومحت حبه من قلبها..
رهبة تقـ ـتله وخوف يهزم كل خلية حية به أن تكون تخلت عنه وعن كل ما كان بينهم، حبه لها جنوني قـ ـاتل ينافس به أي شيء، يا ليتها تعلم ذلك..
استحضر لون عينيه الأسود القاتم في تلك اللحظات التي ستكون فارقة في حياة كلاهما، وأمر القسوة أن تتجسد به وبكل حركة تصدر عنه وقد كان ذلك..
جذبها من يدها الاثنين على حين غرة ثم جعلها تلتف عنوة عن نفسها وقام هو باحتضان جسدها بيد واحدة جاعلها تلتصق بجسده بقوة مانعًا حركتها مقيد جسدها بالكامل بيده اليسرى فقط..
صرخت بفزع عندما وجدته يفعل ذلك وهي لا تفهم أي شيء وحاولت أن تبتعد عنه وتبعد يده عنها وهي تتمتم بالكلمات المتسائلة عن ما الذي يفعله بها..
حاولت بكثرة أن تدفعه عنها ولكنه كان الأقوى وكان مُحكم لقبضته عليها وجعلها لأ تستطيع الحراك
مد يده إلى سحاب فستانها من الخلف وهي تتلوى أسفل يده بفزع ورهبة شديدة، ثم صرخت به بعنف واهتياج:
-أنت بتعمل ايه.. اوعا أبعد عني يا عامر
لم يستمع إلى أي من حديثها وبقيٰ كما هو يحاول السيطرة عليها إلى أن ينتهي مما يريد فعله، وأكمل في فتح سحاب فستانها تحت صرخاتها المستمرة عليه والخائفه منه وعقلها يقودها إلى كثير من الأشياء البشعة الذي يريد فعلها بها كما هددها قبل سابقًا..
وصل إلى ما كان يريد رؤيته، ظل يفتح السحاب على أمل أن ينتهي ولا يرى شيء مما يريده وينتظره ولكن خاب أمله كثيرًا وهو ينتهي بفتح السحاب إلى آخره وقد ظهر من خلفه الشامة!..
في تلك اللحظة يقسم أنه استمع إلى تكسير حاد في قلبه لم يستمع إليه من قبل.. احتل العنف جسده واهتاج أكثر وهو ينظر إلى ظهرها يحاول أن يتأكد.. يحاول أن يرى غيرها أو أن يمحيها.. يحاول فعل أي شيء يقول أن كل ذلك كذب وهي كما هي حبيبته وابنة عمه الشريفة..
لا يستطيع وصف ما يشعر به، يقسم أنه لا يستطيع أن يشرح أي شي أو يشعر بأي شيء سوى أن قلبه قد كُسر حقًا
رفع سحاب الفستان إلى آخره مرة أخرى بحدة وعنف يد ثم دفعها أمامه لتلتف هي في هذه اللحظة إليه صارخة بعنف واستنكار لما فعله:
-أنت حيوان وزبالة يا عامر أطلع بره وإلا قسمُا بالله مش هيحصل كويس بينا
أتدري أن عامر لا يشعر بأي شيء سوى قسوة ونيران حارقة في قلبه بعد أن كُسر؟ أتدري أن عامر قلبه تحطم وعقله لا يستطع استيعاب ما حدث؟ أتدري أن عامر لحظة آخرى لو بقيٰ بها على وضعه هذا يكمل في الصمت الذي حل عليه سيقع على الأرضية يلقى حتفه؟
استغربت نظراته عليها ولم تدري لما فعل ذلك وما الذي يريده منها ومرة أخرى صرخت عليه بقهر كان هذه المرة يأخذ مكان أكبر في نبرتها ولكنها لم تشعر بعدها بأي شيء سوى أنها أخذت لطمة على جانب وجهها جعلتها تقع على الفراش ناظرة للناحية الأخرى بعيده عنه..
لم يتحمل أكثر من هذا، لم يتحمل الاستماع إلى صوتها ورؤيتها هكذا دون أن يعبر عن رفضه لكل ما يحدث.. فلم يجد شيء يفعله سوى أنه صفعها بكل قوة لديه على وجنتها دون أي حديث منه..
انهمرت الدموع من عينيها بغزارة وهي تضع يدها على وجنتها وقد شعرت بسائل ينهمر على كف يدها من جانب شفتيها غير دموع عينيها المتألمة..
تقدم منها بخطوة واحدة وضع قدمه اليمنى على الفراش والأخرى على الأرضية وهي تجلس بالمنتصف على الفراش، جذب خصلات شعرها من الخلف وجعلها تنظر إليه بعينين مقهورة باكية متألمة يتعمق بعينيه على وجهها المطبوع على جانبه أصابع يده وشفتيها الذي يسيل منه خط دماء، يتعمق على عينيها الباكية المخادعة، ثم أردف بقهر وضعف شديد:
-خونتيني معاه؟ ليه تعملي كده؟ ليه؟ نمتي معاه لــيــه
نظرت إليه بذهول تام واستنكار لا نهائي لما يقوله، لقد تفهمت ما السبب خلف تصرفاته ولكن أيعقل أن يكون هذا؟. صاحت بعنف وعينيها متسعة عليه تنفي ما قاله:
-أنت مجنون ايه اللي بتقوله ده اوعا أبعد عني
شدد يده على خصلات شعرها القصير وجذبه أكثر لتتألم بقوة أمامه ولكنه صاح بجنون وقسوة العاشق داخله هي المسيطرة على الوضع بينهم:
-مش هسيبك يا سلمى.. مش هسيبك
انهمرت الدموع أكثر وأردفت بشفتين ترتعش بخوف وضعف شديد ونبرتها تنم عن القهر والذل التي تتعرض له الآن:
-أنا معملتش حاجه يا عامر ده كدب أنت إزاي مصدق اللي بتقوله
دفعها على الفراش للخلف بعنف فاصطدم ظهرها بالفراش بقوة وانحنى فوقها يهتف بنبرة حادة شرسة:
-خونتيني.. بيعتي نفسك وبيعتي حبي بالرخيص يا بنت القصاص
رأته يقدم يده منها وعيناه تنوي على فعل الشر بها فصاحت بصوت عالي وعيناها تترجاه بأن يبتعد:
-أبعد عني يا مجنون معملتش حاجه
وضع يده الاثنين حول عنقها وضغط عليه بقوة وعنف ولم يكن هو بحالة جيدة ليفهم ما الذي يفعله بل كانت حرقة قلبه وقسوة الحب الذي تعايش به معها الذي يتصرفان:
-مش بالساهل يا سلمى.. مش بالساهل، همـ ـوتك
رفعت يدها الاثنين هي الأخرى على يده تجذبهم بعيد عنها شاعرة بالألم الممزوج بالرهبة والخوف الذي يكاد يوقف قلبها عن النبض منتقلًا مع أهلها في عالم آخر:
-آه.. شيل ايدك همـ ـوت
ضغط بيده أكثر وأكثر واسودت عيناه أكثر من السابق وقلبه لا يوجد به شيء من الرحمة ولا الشفقة على مظهرها ورهبتها التي تتحدث من ملامح وجهها:
-همـ ـوتك يا سلمى... همـ ـوتك وأغسل عارك واشفي
غليلي
صمم على قتـ ـلها ولم يتراجع عن فعلها ورآها وهي لا تستطيع الحديث ووجها يحدث به الألوان السبعة، تفوه بالكلمات الحادة ولكن كانت عيناه غلفتها الدموع التي تنم عن قهرة رجل عشق حقًا:
-همـ ـوتك يا بنت عمي.. همـ ـوتك
في لحظة شعر أنها بعينيها تهتف بكم تحبه وتودعه وفي اللحظة التي كانت بعدها زاغت عيناها عنه وثقلت يداها الموضوعة فوق يده تبعده عنها واختنق وجهها وشفتيها باللون الأزرق الذي وقفت عليه اختلاف الدرجات.. في تلك اللحظة سقطت من عينه دمعة فقط تتحدث عن كم الألم الموجود بالدخل وهو لا يستطيع التعبير عنه، تتحدث عن ألمه القادم بعد فقدانها!!..
❈-❈-❈
"يتبع "
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الثالث_عشر
#ندا_حسن
"حاول سلب روحها الخائنة فلم يستطع، لحظات وسُلبت منه روحه"
جلس في حديقة الفيلا الخاصة بهم بعد أن قام بتنفيذ انتقامه ناظرًا إلى السماء ونجومها البراقه، الآن أرتاح قلبه قليلًا بعد أن نال منهم هم الاثنين، يعلم أن تأثير ما قاله سيكون صعب على كلاهما إذًا فهو مُتأكد من أن العواقب ستكون وخيمة..
يريد النيل منهم هم الاثنين معًا، يريد أن يرى كل منهم ذليل أمامه ليمتع عيناه بقهرهم وذلهم، يريد أن يشبع أنظاره من رؤية القهر على وجوههم وملامحهم تتحدث به..
لم يكن "عامر" عدو له من الأساس، إنه كان يريدها هي فقط، يريدها وحدها ليستطيع النيل منها وتشكيل العذاب عليها كما يريد ولكن "عامر" كان الحامي لها، كان "عامر" سـ ـارق قام بسـ ـرقة فريسته منه ليجعل انتقامه متوقف على بعده عنها وقد كان ولكنه كان الأقوى في قربه منها حتى في الفراق..
لم يكن يريد منه شيء ولكن عندما وقف أمامه وقام بتعطيل ما يريده منها جعله من أوائل المُسجلين في قائمة الانتقام لديه من بعد والدها وعائلتها بأكملها..
رفع نظرة إلى السماء مرة أخرى بعد أن اخفضها ونظر إلى النجوم المنيرة بها، وضع يده الاثنين أمام صدره وتكرمش جسده وعيناه تتابع النجوم باهتمام..
عادت ذاكرته لمشهد وقع أمام عيناه منذ سنوات عديدة، مشهد حُفر داخل عقله بالنيران المُشتعلة وهو طفل بعمر الستة سنوات!!..
"كان طفل بعمر الستة سنوات يلعب ويلهو في حديقة منزل والده وعائلته، وهو يضع الرمال في عربته المُحملة بالكثير نظر إلى البوابة ليجد والده يخرج منها بوجهٍ متهجم جامدة تعابيرهه ثم سار إلى الخارج..
بعينين طفل بريء للغاية نظر إلى المنزل وخفق قلبه للحظة لا يعلم لما حدثت وما سببها..
ترك السيارة ورماله التي كان يعتبرها بضاعه تباع وتشترى منه هو وألعابه الكثيرة، وقف على قدميه ثم نفض الغبار عن ملابسه ومسح بيده الاثنين بقوة حتى يدلف إلى والدته نظيف كي لا تعنفه على توسيخ ملابسه التي ارتداها في الصباح ولم يفت عليها وقت طويل.. يعلم هذه الإسطوانة جيدًا..
سار بخطوات هادئة وعيناه السوداء تتابع المنزل والطريق إلى أن دلف إلى الداخل.. كان تارك والدته في المطبخ قبل خروجه تعد له الكيك والحلوى الذي يحبها فتوجه في سيره إلى المطبخ ليراها ولكنها لم تكن موجودة به عند دخوله إليه، اشتم رائحة الكيك الخاصة به فدلف إلى الداخل أكثر ثم مد يـ ـده إلى الطاولة في المطبخ والتي كانت موضوع عليها قطع شهية من مأكولاته المفضلة..
أخذ قطة منهم بيده وبدأ في تناولها بنهم واستمتاع شديد ثم سار إلى الخارج من أخرى وأتجه في سيره إلى الأعلى ليصعد إلى والدته.. همهم في أثناء صعوده الدرج وود شكر والدته على هذا الطعم المثير الذي يجعله يستمتع كثيرًا وهو يتناوله..
وصل إلى الرواق يسير إلى أن وصل إلى غرفة والدته وقطعة الكيك بيده يأكل منها، بيده اليمنى كان يقربها من فمه ليأكل وبالأخرى كان يفتح مقبض باب غرفة والدته..
في لحظة جحظت عيناه السوداء البريئة، وقعت قطعة الكيك الشهية من يده على الأرضية الرخامية، أطبق شفتاه فوق بعضهما مُحاولّا ابتلاع ما وقف بجوفه، ارتعش جسده وانخفضت يده لا إراديًا عن مقبض الباب.. طفل صغير لا يدري ما الشعور الذي يراوده الآن سوى أنه خائف وبشدة ينظر إلى والدته المعلقة في الهواء من عنقها في حبل متصل بسقف الغرفة، بعينين مفتوحة على وسعيهما وجسده مُتدلي لا يتحرك..
بلل بنطاله برعب قفز إلى قلبه وهو يقف عند ايطار باب الغرفة ينظر إليها بعينين دامعة.."
عاد مرة أخرى إلى واقعة، رفع يده الموضوعة أمام صدره إلى أسفل عيناه يزيل تلك الدموع التي انهمرت منه وهو لا يشعر، دموع تسارعت خلف بعضها على وجنتاه وهو لا يدري بها حزنًا على ما مر به في طفولته التعيسة..
تنهد بصوت مسموع وأخذ نفس عميق ناظرًا بسواد عيناه إلى النجوم المنيرة، مُعتقدًا منذ صغره أن والدته واحدة منهما، تنظر إليه في كل وقت وتحدثه وتنتظر منه القدوم إليها ليجلس هذه الجلسة وينظر إليها متحدثًا بقلبه عما يشعر به..
إنه الآن شاب في الثلاثين من عمره، ولم يتخطى تلك الحادثة ولن يتخطاها أبدًا، إنه منذ ذلك الحين وإلى الآن يتيم فقد حنان والدته في لحظة لم يشعر بها، ولكن طفولته التعيسة وعذابه المُستمر منذ أربعه وعشرون عامًا لن يذهب هباء.. سينتقم أشد انتقام وكما تعذب هو كل ذلك الوقت سيجعلها هي في الأيام القادمة تنال عذاب يعادل عذابه لكل هذه السنوات.. سيكون دون رحمة، لم يبقى إلا هي لينال منها وذلك الاخرق ابن عمها الذي أوقع نفسه في طريقه دون مجهود منه..
عليهم الإنتظار والصبر كما قال "عامر" سيتبع هو الآخر طريقته، سيكون هذه المرة صياد ماهر ولن يتخلى عن فريسته..
❈-❈-❈
كان الحُب هو السبيل الوحيد لجعله يعيش بين البشر حيًا بروحه وقلبه، أتى الفراق فمات القلب وسُلبت منه روحه، ولكن الأمل بقيٰ بداخله للعودة والآن وبعد سنوات اكتشف بمرارة قلب عاشق أن من أحبها خانت العهد!..
قلبٍ مفتور حزنًا على حبه الضائع، على ثقته الذي ألقاها عليها من كل جانب قائلًا بأنها حبيبته وروحه الموجودة بجسدها، لم يكن يدري أنها ستطعن قلبه بذلك الخنجر وهي تبتسم..
نظر إليها بعينيه الدامعه، وجدها تبكي بغزارة وتنحدر دموعها على جانبي وجهها ولم تعد تستطيع أن تتمسك بيده لقد خارت قوتها ولم تعد أعصابها تتحمل الضغط عليها، كانت تنظر إليه بعينين ذائغة توضح له كثير من الأشياء وتنظر إليه نظرات خلف الأخرى جميعها ذات مغزى وأولهم أنها تحبه، لم تخونه، وتعذبت من فراقه، تودعه بسلام وتقول بتلك العينين الزيتونة أن لا ينساها ويخلد ذكراها بقلبه وستكون راضية إن مـ ـاتت على يده، فإن لم تنعم بالعيش داخل أحضانه غارقة بحبه وغرامه لها فلا مانع أن تمـ ـوت على يده، كانت على وشك غلق عينيها ففي لحظة واحدة جذب يده عنوة عن نفسه وأبعدها عن عنقها..
لم يكن هو من يخنقها، لم يكن هو من يريد قتـ ـلها كان هذا الحب الذي جمعه بقلبها ليتربع على عرشه في الداخل فعاد مُنتقم بعد أن خانت كل ما حدث بينهم..
جذب يده عنوة وكأن هناك شخص آخر لا يريده أن يبتعد عنها، يريد مـ ـوتها في الحال..
بعد أن أبعد يده تنفست بقوة وعنف، استمع إلى لهاثها بوضوح وهي تأخذ أنفاسها الذي سلبها منها لتلقى حتفها في لحظات ويكن هو الجاني والمجني عليه.. وتكن هي الأخرى كذلك..
مال عليها وجذبها من يدها اليمنى لتقف على قدميها ولكنها كانت في عالم آخر تمـ ـوت وهو لا يدري، أنفاسها مسلوبة وجسدها مُسترخي ولا تستطيع أن تميز ما الذي يحدث في تلك اللحظات..
ولكنه لم يعطيها الفرصة جذبها من يدها لتقف أمامه مُتمسكّا بها ثم وضع الأخرى خلف ظهرها جاعلها تستند عليه وسار بها بثبات وجدية وجسده متصلب، سار إلى باب المرحاض الموجود بغرفتها ودفعه بقدمه ليُفتح..
ثم دلف إلى الداخل بها وجعلها تقف أمام حوض الغسيل ومد يده إلى صنبور المياة يفتحه من بعدها بدأ بملئ كف يده بالماء والقاءه عليها، مرة خلف الأخرى وهي تشهق بعنف كلما فعلها..
سالت الدماء التي كانت على جانب شفتـ ـيها ومحيت بالمياة ولكن مظهرها كان يثرى له، المياة تغرق مقدمة صدرها وما طالته من خصلاتها القصيرة الغير مُرتبة بعد أن جذبها منها عدة مرات..
وجهها باهت حزين، يتحدث بملامحه الجميلة الفاتنة كم هو حزين مقهور مسلوب الإرادة.. يبرر فعله ليست لها بها ذنب...
مرة أخرى دفعها للخارج ليخرج من المرحاض ثم دفعها بيده لتجلس على الفراش وهي في صمت تام، كل تفكيرها به بعد أن استفاقت، لقد صدق أنها تخونه وتخون عائلتها، صدق أنها تخون والدها وتربيتها، تخون حبيب عمرها وسـ ـارق أحلامها؟ تخون عامر؟ من لم تقع عينيها إلا عليه وحده، من اشتهى القلب وجوده وحبه وحنانه..
مرة أخرى تسائلت، قارب على قتـ ـلها؟ خنقها بيد العاشق المُتألم داخله وسمح لنفسه أن يقتـ ـلها؟ يستطيع التخلي بهذه السهولة وتكون قُتـ ـلت على يده!..
عذاب قلبها في تلك اللحظات لا مثيل له، عند الاستفاقة على يد حبيبها تذبـ ـحها حقًا وليست كلمات!..
أقترب منها بوجهٍ لا يوجد عليه أي تعابير سوى القسوة:
-وديني يا بنت عمي لتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه.. لو كنت حبيتك في يوم فأنا دلوقتي بكرهك أضعاف
عقبت على حديثه الذي نغز قلبها بقوة بلهاث ودموع تنهمر دون صوت ولكن قلبها المتحدث:
-صدقني أنا معملتش حاجه.. أنا لسه زي منا أقسم بالله ما عملت اللي بتقوله ده يا عامر أنت ظالمني والله العظيم ظالمني
نظر إليها بعينين حادة قوية، داخلها ألم لا ينتهي وعذاب يكفيه إلى مـ ـوته ولكنه ضغط على نفسه مُنتظرًا خروجه من هنا، أخرج من جيبه هاتفه ثم عبث به أمامها للحظات وهي تنظر إليه باستغراب لما يفعله ولكن لحظة وقد فهمت وهي تستمع إلى صوت صديقتها المقربة "إيناس".. وهي تطعن بشرفها لإبن عمها وتسبها بألفاظ بشعة.. تقول أنها أقامت علاقة مُحـ ـرمة مع ابن عمها الحقير لذلك أتى لخطبتها..
بكت بقوة مرة أخرى وارتفع صوت بكائها واضعة يدها على فمها لتكتم شهقاتها وهي تستمع إلى ذلك الحديث الذي وقع على أذنها كالسيوف الحادة التي تـ ـذبح بها، لقد حذرها منها! منذ سنوات وسنوات وهو يحذرها منها، يبعدها عنها وهي تقترب، يهتف بأنها ليست صالحة لتكون رفيقتها وهي تعاند، يفعل كل ما بوسعه لتكون بأمان في مكان لا تراها به وهي لا تقتنع فتعود إليها مرة أخرى مُعتقدة أنه كاذب ولا يحبها بدون سبب واضح وصريح.. اعتقدت أنه كان يريدها مجردة من البشر وحيدة أمامه ومعه وحده..
ظهر الحق وأتضح أن "عامر"هو أكثر من خاف عليها، أتضح لها أنها كانت تقهر قلب مظلوم من جميع البشر وينتظر العوض منها فقامت هي الأخرى بقهره..
استمعت إلى سبه لها ونكرانه لما تقوله، استمعت إليه وهو يقول أنها شريفة لا تفعل ذلك ويثق بها أكثر من نفسه والأخرى تُصر على حديثها.. يلا قهرة قلبها الآن!!
رفعت أبصارها إليه بعينين دامعه حمراء بشدة من كثرة البكاء الذي تعرضت إليها اليوم وفهمت من ذلك الحديث أنه كان منذ أن أتى "هشام" ولم يصدقه إذًا ما الذي حدث مرة أخرى..
أخفض عيناه من عليها ثم قام بتشغيل الآخر من خلفه وجعلها تستمع مرة أخرى إلى صوت ذلك الحقير الذي قام بتهديدها اليوم صباحًا وفهمت ما كان قصده عندما قال أن أجابته على ما فعله ستصل إليها في المساء..
من أين علم بالشامة الموجودة بظهرها؟ لا تستطيع أن تقول أن إيناس من قالت له لأنها لم تراها من الأصل!.. عندما كانت ترتدي ذلك الثوب المشؤوم كان مغلق من الخلف فلم يكن ظهرها مُتعري!
لن تفكر في الغدر الذي تعرضت له عليها فقط الآن أن تقنعه أنها لم تفعل ذلك، وقفت عن الفراش واتجهت نحوه بنظرة مُعاتبة مُرهقة ثم أردفت بصدق وألم:
-صدقني يا عامر.. والله العظيم كدابين أقسم بالله كدابين أنت بنفسك اللي كنت بتحذرني منهم إزاي دلوقتي هتصدقهم
بادلها النظرات ولكن خاصته كانت غيرها تمامًا كانت نظرات حادة قوية عليها ونبرته رجـ ـولية مجروحه:
-عندك دليل على كلامك
خرجت الدموع من عينيها أكثر من السابق وانتحبت بقوة وهي تتقدم لتقف قبالته ثم تسائلت من بين بكائها الحاد:
-أنت محتاج مني دليل يا عامر؟ محتاج من سلمى دليل؟ أنت أكتر واحد عارف أنا ايه؟ أكتر واحد عارفني إزاي بتطلب مني دليل ومصدق إني أعمل كده
لحظة خلف الأخرى يتابع الدموع المنهمرة على وجنتيها وينظر إلى عتابها عليه ويستشعر كل كلمة خرجت من بين شفتيها، ولكنه لا يستطيع التمرير بهذه السهولة فأجاب على حديثها بقسوة وجمود:
-أنا معرفكيش!.. أنا كنت أعرف واحدة والظاهر إنها فعلًا ماتت من سنتين مع بقيت أهلها
تقدمت أكثر منه ووضعت يدها على قميص بدلته تجذبه ناحيتها منه وهي تلح عليه بالصدق ليستمع إليها والقهر مُرتسم على كافة ملامحها:
-لأ مموتش.. أنا لسه عايشه وزي منا.. والله العظيم دي لعبة منهم هما الاتنين أنا النهاردة كنت قابلته وقولتله إني مش عايزاه هددني أنه هيعمل حاجه مش هتعجبني وأهو عملها وأنت صدقت
وضع يده فوق يدها وتسائل بعينين حادة دون تفكير:
-المفروض مصدقش؟ قوليلي طيب إيناس شافت الحسنة اللي في ضهرك دي؟
أردفت بعدم تصديق لما يحدث ونفت أنها أظهرتها لها سابقًا وهذا شيء هي متأكدة منه:
-لأ مشافتش أنا والله هتجنن إزاي عرف بس والله العظيم أنا مظلومة معملتش حاجه صدقني
دفع يدها بعيدًا عنه بنفور وعاد للخلف خطوة ناظرًا إليها بقسوة وشراسة ثم أردف ببرود:
-الفرح بعد أسبوع يا بنت عمي مش شهر.. بكرة الصبح تعرفي الكل إنك موافقة جهزتي مجهزتيش مش مشكلتي
تفوهت بضعف وخوف يسيطر على قلبها:
-بلاش يا عامر علشان خاطري
ابتسم بسخرية دون داعي وقلبه ينـ ـذف ألمًا ثم سخر منها وجرح ما تبقى منها قائلًا:
-ايه؟ خايفة؟ خايفة أعرف إنك كدابة؟ متخافيش مش عامر اللي ياخد حاجه مستعملة
حركت رأسها يمينًا ويسارًا تنفي ما تحدث به وما ألقاه على قلبها المُدمر والمخذول منه هو وحده:
-والله العظيم لأ.. لأ والله لأ يا عامر أنت إزاي مصدق أنت عارفني
تذكر ما فعلته معه وعاد بذاكرته للخلف، ثم هتف به ليذكرها هي الأخرى وليجعلها تعلم أن الأيام تستعيد ما حدث مرة أخرى ولكن هي التي في موضع الإتهام:
-وهو أنتي مكنتيش عرفاني؟ ما أنتي كنتي أكتر واحدة عرفاني وبردو كدبتيني وأنا بجري وراكي من مكان لمكان وبحلفلك إني مخونتكيش
أشارت إلى نفسها وهتفت بثقة:
-بس أنا شوفتك
صاح بجنون وعنف وهو يسأل بصوت مرتفع حاد:
-شوفتيني بعمل ايه؟ شوفتيني في السرير
لم يستمع إلى رد منها فقط بقيت بعينيها الباكية تنظر إليه ومشاعر كثيرة تخاطبه فصاح هو مرة أخرى قبل أن تغلبه هي:
-ما تردي!
وضحت له ما حدث في الماضي وما يحدث الآن والاثنان شتان وهو الوحيد الجاني عليها ومن يهمها من بين الجميع:
-أنا مقدرتش استحمل صدقني والله مقدرتش كنت خلاص تعبت من كل حاجه.. لكن دلوقتي غير أنت بتسمع لناس عارف أنهم كدابين وكتير حذرتني بس أنا اللي كنت غبية
قال بجدية وهو يوثق ما حدث منذ لحظات في كلمات بسيطة تدعوه لتصديق ما قاله والنيل منها وأي شخص عاقل أو غير عاقل سيصدق ما استمع إليه كما هي قامت بفعلها سابقًا:
-سألت شاف الحسنة فين مش عارفة طب إيناس شافتها لأ.. نتجوز بردو لأ.. أصدق ولا مصدقش!.. اديني عقلك
نظر إليها بضعف وحزن، بقهر وألم ولكنه لن يكون ذلك الذي اضعفه حب وقتـ ـله أمامها بل سيكون ذلك القائد القوي الذي يهزم وهو وحده، بصوته الحاد وبنبرته القوية الشرسة استمعت إليه يهتف بقسوة:
-الفرح الأسبوع الجاي.. واحدة زيك متستاهلش تلبس فستان أبيض من أساسه بس إكرامًا لعمي اللي كان واخد دور أبويا هعملك فرح متعملش في البلد كلها
خرجت الدموع أكثر وأكثر من السابق وارتعشت نبرتها مرة أخرى وهي تهتف:
-أنت بتظلمني والله العظيم أنا ما عملت حاجه والله والله
عاد للخلف بجسده ومازال ينظر إليها ذاهبًا إلى الباب ليخرج منه، ناظرًا إليها بعيناه السوداء القاتمة ولم يبخل عليها بقوله القـ ـاتل:
-بكرهك يا سلمى.. أنتي من النهاردة بنت عمي وبس
خرج من الغرفة وجذب الباب خلفه بقوة شديدة أصدرت صوتًا عاليًا، بقيت واقفة تنظر إلى الباب بعد خروجه، عيناها لم تتوقف عن البكاء في صمت، لحظات وهي لا تستوعب ما حدث ووقف عقلها هنا عنده هو فقط ثم في لحظة لم تحسب أنها قادمة مرة أخرى بحياتها وقعت جالسة على الأرضية تبكي بقهر وألم حاد داخل قلبها يكاد يقتـ ـلها..
وضعت يدها الاثنين على فمها لتكتم شهقاتها العالية التي ملئت الغرفة عليها، وانحنت على نفسها للأمام والألم داخلها يزداد لحظة بعد الأخرى..
هي لن تفعل شيء، لقد اتُهمت بأبشع الجـ ـرائم، لقد وقع على عاتقها تُهمة لو كان السيف على رقبتها وفعلها هو المنجي لها لن تفعلها.
إنها يا "عامر" لم تستطع الزواج من غيرك ومجرد إقتراب الفكرة عليها دق قلبها بعنف وارتعش جسدها مُفكرًا بك وبغرامك الأبدي القـ ـاتل لقلبها..
على الرغم من أنك سـ ـارق أحلامها ولكنها تحبك! تهواك وأتى الفراق عليكم لعامان ولكن قلبها كان متعلق بكل ذكرى جمعتكم لتبقى أنت فقط في قلبها المغروم...
ازداد بكائها وارتفع صوتها ولم يعد كتم فمها بيدها ينفع بشيء فكان الألم كثير والقهر أكثر، عذاب مُستمر ولم يتوقف عليها إخراجه بتلك الصرخات والدموع المُتتالية...
عندما خرج من الغرفة سند بيده على بابها، وقف للحظات خلف الباب وهو رافض أن تبكي عيناه ولكنه كان ضعيف للغاية، كان أضعف مما يكون فانهمرت الدموع على وجنتيه للمرة الثانية ولكن والله هذه المرة ألمها يفوق الأخرى..
استمع إلى بكائها في الداخل، وبادلها هو في الخارج وقلبه يدق بعنف وقوة شديدة مُحذرة إياه،
الخيانة شعور صعب للغاية ويالا حظك التعيس إن كان من خانك من أعظم احبائك..
لقد ثار قلبه وعقله توقف عن التفكير، تشنج جسده وانخفضت الدماء بعروقه ووالله حينها شعر بأن قلبه قد كُسر..
سلبت نفسها منه عنوة وهو الذي أحبها حد الجنون، باعت ما كان بينهم بأرخص الأتمان وابتعدت عنه جاعلة الفراق يأكل ما كان بينهم أكثر وأكثر منها..
كأنها طعنته في مُنتصف قلبه، أو مُنتصف ظهره لا يدري ولكن في الحالتين هي كانت تبتسم بسعادة، لأنها تبتعد عنه وتقترب من غيره لتسلم إياه نفسها ولتكن أخرى غير حبيبته التي يعرفها..
دمعات "عامر" لم تتوقف عن الهبوط ويده ارتفعت إلى قلبه يضعها فوقه بعد الشعور بأنه حقًا سيتوقف على أثر ضرباته العنيفة المُتتالية، ثم لم يترك نفسه لتلك البقعة فابتعد عن غرفتها وهو مازال يبكي خارجًا من المنزل بأكمله..
❈-❈-❈
أطفأت نيران قلبها قليلًا، فقط قليلًا، ما فعلته بهم الليلة لا يساوي دمعة واحدة خرجت من عيناها في تلك الليالي الحزينة التي سببها إليها "عامر القصاص" كما تسميه قاهر قلوب العذارى..
خمد دخان النيران التي كانت مُشتعلة في قلبها وعقلها وروحها التي كانت مسلوبة منها بقهر وحزن شديد شعرت به لكثير من الوقت بسببه هو وحده ومن بعده ابنة عمه المصون.. التي ستجعل حياتها بمثابة الجحيم..
مؤكد أن "عامر" قال لها أن هي وابن عمها من تحدثوا عن شرفها بالسوء، ستكون غبية حقًا هذه المرة إن لم تصدقه ولكنها على كل حال ستعرف..
فقط ينتظر قليلًا وستقوم بحرقة الأخضر واليابس المُحيط به، ستشعل حياته بالنيران المُلتهبة التي تأكل كل شيء في طريقها من حياته..
ستجعله تعيس إلى المُنتهى وستأخذ منه حبيبة عمره أو أن تجعله حزين العمر كله عليها.. لن تتركه ينعم بحياته هذه المرة فقد طال الإنتظار وهي تمثل الحب عليها فقط لكي تحصل على ما أرادت وما خططت له..
قد أتى وقته وكانت الفتيلة منذ عامان عندما فرقتهما، صحيح لم تكن تعلم أن عواقب فعلتها ستكون موت أهلها وهي ربما كانت تكون معهم ولكن حدث ما حدث.. ستكمل ما بدأته منذ عامان وستسير على نفس هذا النهج وتفرق بين هذان القلبان.. ستجعلهما يتألمان شاعرين بأن نهاية العالم قد بدأت من موضع النبض لديهما.. ستكون ضريبة خيانته لها غالية الثمن.. غالية للغاية..
بعينيها وذاكرتها عادت للخلف قبل خمس سنوات حيث كانت في ذلك الوقت هي وحبيبته في عامهم الواحد والعشرون..
"جلست على مقعد عالي قليلًا أمام البار في داخل الملهى الليلي وبيدها كوب به مشروب مُحـ ـرم تناوله ولكنها في ذلك الوقت كانت فتاة صاخبة كالموسيقى الصاخبة في المكان الجالسة به، مليئة بالحيوية والنشاط في مُقتبل عمرها الذي أضاعته هباء في كل هذه الأفعال المُحـ ـرمة التي قامت بها..
خصلاتها سوداء تتخطى كتفيها، عينيها سوداء حادة حالكة لا تحبها أبدًا، شفتيها مضمومة للأمام بلونها البنفسج البارز هذا، كانت ملامحها حادة ولكن ربما تكن أيضًا جميلة، لكنها أضاعت جمالها بطريقتها المُخفية وتصرفاتها المنافية للآداب والأخلاق..
تتراقص بجسدها العلوي على المقعد وتحرك الكأس بيـ ـدها بطريقة راقصة، تنظر بعينيها في كل إتجاه وكأنها تبحث عن شخص ما.. إلى أن وجدته..
ثبتت في مكانها وتوقفت عن الرقص، رفعت الكوب إلى فمها وارتشفته مرة واحدة ثم تركته على البار أمامها بحدة وعينيها على من يدلف إلى الداخل مُتقدمًا منها وقد ارتسمت الابتسامة على شفتـ ـيها فور أن رأته..
وقف أمامها بعد أن أقترب منها ولم يكاد يتحدث فوجدها هي التي تهتف بقوة وصوت عالي كي يستمع إليها من بين أصوات الموسيقى العالية:
-وحشتني
ابتسم بسخرية شديدة مُحركًا رأسه يسارًا ويمينًا مُستنكرًا حديثها ثم صاح بقوة هو الآخر:
-أنتي لسه عرفاني من يومين وحشتك إزاي يعني
ذمت شفتـ ـيها البارزة بقوة وهتفت بما شعرت به ونظرة جدية:
-وهو أنت زي أي حد بردو.. طب ورحمة أمي من وقت ما شوفتك أول مرة وأنت واحشني
صعد على المقعد المقابل لها هو الآخر وصاح بجدية ناظرًا إليها:
-طب بس بلاش تجيبي سيرة الميتين خليهم في حالهم هما نقصينك أنتي كمان
عاد النادل بملئ الكأس الذي أمامها وقام بملئ واحد مثله إليه فأخذته وارتشفت منه ثم هتفت وهي تنظر إليه بعينين مُدققة به ربما تهواه:
-مش هتعرفني عليك أكتر!..
نظر أمامه بعيد عنها يتابع بعينيه الخبيثة النساء أمامه بطريقة وقحة، أجابها قائلًا بثقة:
-مش كفاية عليكي اسمي
نظرت إليه مُطولًا، إنه محق يكفي اسمه وهيبته، مظهره ووسامته، عقبت على حديثه وهي تراه يُتابع بعينيه الكثيرات أمامه:
-اسمك لوحده هيبة ومركز يا.. يا عامر
عاد بعينيه إليها مُستديرًا برقبته فقط ثم هتف قائلًا بنبرة جادة:
-وأنتي منا بردو معرفش غير اسمك
استندت بيدها على البار واقتربت منه بوجهها ثم أردفت بصوت ناعم يملؤه الشغف تجاهه:
-عايز تعرف ايه تاني وأنا أقولك
ابتسم بسخرية داخلة وهو ينظر إليها ويراها هكذا وهي في مثل هذا السن الصغير، أردف بنفي ثم دللها بعينين خبيثة:
-لأ مش عايز أعرف.. كفاية عليا ناني وحياتك
بادلته نفس النظرة الخبيثة وتفوهت بالكلمات المُبادلة له الدلال والرقة:
-هستغنى عن إيناس ده خالص، ناني طالعة منك فوديكا
تسائل بشفتيه وهو ينظر إليها:
-أنتي ايه اللي جابك هنا النهاردة
أجابته بنعومة ورقة بالغة وهي تريه أنها وقعت في شباكه في لمح البصر:
-جيت أشوفك مش قولت إنك بتيجي حد وخميس.. أنا كمان بقيت باجي الحد والخميس
ابتسم بشفتيه ابتسامة واسعة وهو يعقب على حديثها مُهينًا لكرامتها داخل حديثه:
-دا أنتي واقعة أوي.. طب داري نفسك شوية
عادت للخلف رافعة حاجبيها للأعلى قائلة باستنكار:
-أنت واضح وأنا واضحة يبقى ليه أداري
تحدث مؤكدًا حديثها الكاذب:
-عندك حق وحياتك
تسألت بعينين وقحة وهي تنظر إليه نظرات مراهقة وليست شابة ناضجة:
-طب ايه؟
تسائل بعينيه قبل شفتيه وهو يراها كالمجنونة أول مرة لها أن تتعرف على رجل ولكنه كان واثق في قدراته مع الجـ ـنس الآخر:
-ايه؟
ضغطت على جانب شفتيها بأسنانها بطريقة مغرية للغاية وهتفت برقة ودلال:
-ما تيجي نرقص
نظر إليها بعينيه وكأنه تسلبه نحوها لفعل شيء بشع يود فعله منذ زمن ولكن حبيبته تعوقه، يريده معها هي وحدها وليس غيرها..
ارتفع صوت الهاتف بجيبه ولكنه لم يشعر برنينه ولم يستمع إليه في ظل أنه مُثبت نظره عليها يرى كم هي وقحة أو مجنونة بل شعر باهتزازه داخل جيبه، أخرج الهاتف ونظر إلى شاشته فوجد من يقوم بمهاتفته حبيبته رفع وجهه إلى الجالسة أمامه ثم عاد مرة أخرى إلى شاشة الهاتف ينظر إلى الإسم المدون عليها والذي كان حبيبتي أغلقه ثم أعاده إلى جيبه مرة أخرى ونظر إلى "إيناس" وكأنه فكر بها بعقله فأتت إليه لتجعله يعود عما في رأسه كما كل مرة..
تحدث بجدية ليخلي مسؤوليته بطريقة غير مباشرة وليهتف بحديث ظاهر فقط وعندما يتعمق يقول ها قد قلت لك..
تحدث بحنية ورقة ومعها الجدية الكاملة ليشتتها ويكون فعل ما وجب عليه فعله:
-بصي يا ناني أنا باجي هنا علشان اتسلى.. أي حاجه بتحصل هنا بتبقى تسلية، ماشي يا ناني
نظرت إلى تغيره بعينيها واستشعرته حقًا بعد رنين الهاتف ونظرته إليه وإليها:
-ده أكيد كان حد مهم اللي كلمك علشان كده خوفت
ابتسم بثقة ثم قال بتأكيد:
-مش عامر اللي يخاف أنا بس بعرفك
استشعرت ثقته أيضًا وحديثه المؤكد الواثق، هيئته ونبرته، فقالت مُتسائلة:
-مش هترقص؟
وقف على قدميه وارتشف من كأسه ثم أخرج ورقة مالية وتركها على البار غامزًا له في نهاية حديثه:
-لأ همشي.. وهبقى أكلمك
تحرك من أمامها فتحدثت هي الأخرى وعينيها عليه:
-هستناك.... يا عامر"
عادت إلى واقعها مرة أخرى بعد أن أغلقت ذكرى رؤيته للمرة الثالثة في ملهى ليلي، كانت هذه المرة الثالثة الذي رأته بها، تعرفت عليه، جلست معه، تحدث إليه، تقابلا مرات كثيرة بعدها، وكم كانت الأمور تسير بشكل جيد إلى ذلك اليوم المشؤوم.. ولكنه هو من قام بخداعها!.. هو من فعل كل ذلك فعليه تحمل النتيجة وحده هو وحبيبته..
❈-❈-❈
لم يجد مكان يحتويه سوى الملهى الليلي!.. بعد أن انهارت حصون قلبه ووقعت قلعته مُتدمرة بعد غزو الخائنة حبيبته عليه..
سالت الدموع من عيناه فور أن خرج من الفيلا إلى وصوله هنا وكأنه لم يبكي عندما كان طفل، كأن عيناه لم تعرف البكاء يومًا..
شعوره لا أحد يستطيع وصفه ولا حتى هو يعرف بماذا يشعر، لقد مـ ـات قلبه ودُفن بعد أن اكتشف خيانة وقسوة الحب الذي كان بحياته..
لا يعرف لما يحدث معه هكذا؟ هل هي ليست مكتوبة لأجله؟ هل هي مقدرة لغيره وهو يكابر!، منذ زمن وكلما أقترب من الحصول عليها يحدث شيء يبعدهم الآن بدأ في الإقناع أنها ليست له.. ولكن مع ذلك لن يتركها.. سيجعلها ترتشف من كؤس العذاب كما حدث له..
لا يدري لما يشعر الآن أنه وحيد حقًا، هو كذلك ولكن الآن يشتد عليه هذا الشعور وبقوة، لا والد له ولا صديق ولا هي من كانت له الدنيا وما فيها..
تنهد وهو يبتسم بسخرية مُتذكرًا قبل سنوات وعمه على قيد الحياة ووالده يشتد عليه يوم بعد الآخر...
"عندما كان عمره سبعة وعشرون عامًا، عاد وقرآن صلاة الفجر يقرأ في الثالثة صباحًا صف السيارة ثم خرج منها وهو يترنح بقوة للخلف والأمام بسبب ثمالته التي نتجت عن شربه الكثير من الكحوليات، دفع باب السيارة بقوة أصدرت صوتًا عاليًا ثم سار في وجسده غير مُتزن يترنح من هنا إلى هنا وعقله ليس معه، رفع نظرة إلى شرفة حبيبته التي لا تريد أن تحنن قلبها عليه وتوافق على الخطبة في هذا العام.. يا لها من قاسية كل يوم تأجل زواجهم ليست صغيرة هذه إنها بالغة صاحبة واحد وعشرون عام لما لا تتزوجه وتجعله ينعم معها بكل ما يريد..
أخفض وجهه إلى الأرضية وأكمل سيره إلى الداخل ولكنه وجد عمه "أحمد" يخرج إلى الحديقة ينظر إليه بانزعاج وضيق شديد، وقف أمامه ونظر إليه بقوة قائلًا بجدية:
-ليه كده يا عامر مش كنا اتفقنا إنك مش هترجع للطريق ده تاني
صمت ولم يجب عليه فقط نظر إليه بسخرية وهو من الأساس ليس معه، أمسك عمه بذراعه ليساعده وهو يهتف:
-أمشي تعالى أغسل وشك من الحنفية اللي ورا قبل ما تدخل أبوك مستنيك
أردف "عامر" بنبرة مهزوزة ولكن حديثه يحمل الجدية:
-مش لازم يا عمي هو متعود مني على كده
جذبه من ذراعه بقوة وهو يُسير باتجاه جانب الفيلا حيث هناك صنبور مياة في الأرضية يخص الزرع الأخضر والورود الموجودة بحديقة الفيلا، أخذه إلى هناك ثم فتح الصنبور وبدأ في السكب على وجهه كميات كبيرة من الماء بقوة لتجعله يستفيق مما هو به..
كان الآخر مُنزعج بشدة وحاول الإبتعاد ولكن عمه لم يتركه يفعل ذلك لأن والده إن وقعت عينيه عليه وهو في هذه الحالة لن يحدث خير أبدًا..
صاح "عامر" وهو يبتعد للخلف:
-خلاص فوقت
وضع يده الاثنين على جانبي رأسه يضغط عليه بقوة بسبب الألم الذي داهمه بعنف وشراسة، أغمض عينه ضاغطًا عليهما ثم فتحهما مرة أخرى ووقف معتدلًا ناظرًا إلى عمه الذي هتف بقوة وجدية:
-أبوك قاعد جوا لحد دلوقتي علشان مستنيك، هتدخل معايا وتحترم كلامك يا عامر معاه مهما يقول متردش بطريقتك عليه لأنه المرة دي معاه حق مليون المية
احتدت نبرته وأسودت عيناه وهو ينظر إليه قائلًا بعنف وحدة:
-معاه حق ولا لأ هو أخر واحد ممكن يتكلم معايا
نظر إليه عمه بقوة وهتف بتأكيد يذكره بما كان يحدث:
-متنساش إنه أبوك وإنه حاول معاك كتير وأنت اللي كنت بتعاند وتبجح
تسائل الآخر بعينين حادة مُثبتة عليه ثم أجاب على نفسه بقسوة:
-وبعدين؟ عمل ايه بعدين؟ بقى يطردني برا البيت ويقولي روح للصيع بتوعك، بيسيبني للصيع بتوعي ليه؟ وأنا واثق إنه هيطردني دلوقتي وهتشوف
نظر عمه إلى الناحية الأخرى ثم دفعه مُربتًا على كتفه وهو يقول:
-مش هيطردك يا عامر.. يلا أدخل
سار معه إلى الداخل وهو مُنزعج بشدة والحنق سيطر عليه من كل جانب غير ذلك الصداع الذي احتل رأسه وكأنها مكانه..
دلف من البوابة وعمه معه وهو بتلك الهيئة، طوله الفارع ووجهه الطويل وتلك النظرة الحادة المزروعة بوجهه وملابسه السوداء مبلله ولكن لم يظهر ذلك..
وقف "رؤوف" والده في مُنتصف الصالة عندما وجده يدلف إلى الداخل وضع يده الاثنين خلف ظهره ورفع وجهه إليه بشموخ ثم صاح بقوة:
-كنت فين يا عامر لحد دلوقتي
أجابه الآخر بنبرة جدية مُعتدلة كما قال عمه له في الخارج:
-كنت سهران مع صحابي
استنكر والده حديثه وتسائل بسخرية:
-مع ستات وخـ ـمرة
بجح به الآخر وبقوة وهو يهتف أمامه أنه كان يحتسي الخـ ـمر دون أي خجل منه:
-خـ ـمرة بس ماليش في الستات
صاح عمه من خلفه مُناديًا بإسمه بقوة وحدة كي ينبه أن يعتدل في الحديث مع والده:
-عامر
استهزأ به واستدار ينظر إليه بمزاح ولا مبالاة:
-ايه أكدب يعني
تقدم والده منه بخطوات ثابتة وهو ينظر إليه نظرات حادة تهطل من عينيه عليه قائلًا في سيره بقسوة:
-لأ إزاي متكدبش قول كل اللي عندك ماهو أصل أنا اللي غلطان نسيت اربيك يا عديم التربية
حرك "عامر" يده إليه بلا مبالاة وعدم اهتمام كبير لحديثه وهو يردف بملل:
-اسطوانة كل يوم، لو في جديد قوله علشان ننجز مش معقول كده كل يوم يعني نفس الكلام لازم نغير بردو
أشار والده هو الآخر عليه بغيظ شديد لأنه لم يعد يستطيع أن يفعل معه أي شيء ولم يأتي أي مما قام به معه بالنفع فصاح بقوة وعنف موضحًا له ما يستحقه:
-أنت ولد قليل الأدب ومش متربي والعيشه اللي أنت عايشها دي متستهلش ربعها لأنك بترفص النعمة برجليك وكمان سُكري ونسوانجي دا أنت مليان ذنوب ومعاصي أرحم نفسك
داخله تألم لأن والده يعلم أنه في مثل هذا العمر وملئ بالمعاصي والذنوب ولم يحاول مرة واحدة أن يجعله يعود عنها باللين والهدوء، هتف مرة أخرى بلا مبالاة:
-لو قولتها بطريقة أحسن من كده كان ممكن أقتنع
نظر إلى أخيه في الخلف الذي دائمًا يُدافع عن ابنه وينصحه باللين ولا يفعل بما يقوله له، أشار إليه بغضب وعصبية وهو يقول بصوت عال:
-شايف البيه اللي أنت بتحبه وبتقولي دا طيب وغلبان عايز اللي يحتويه؟ الشحط ده عايز اللي يحتويه ولا هامه واقف يهرج ويبجح في اللي عايش من خيره
أردف "عامر" هذه المرة بجدية شديدة مُتخليًا عن تبجحه ولا مبالاته:
-أنا عايش من خير نفسي بشتغل وبشغلي بتدفعلي فلوس مش باخد منك رحمة ونور
تقدم منه والده وقال بعصبية موضحًا له مركزة:
-لأ وأنت الصادق أنت لسه يدوب من كام سنة شغال لكن طول عمرك عايش في خيري وبتاكل منه
تحدث "عامر" بتبجح مرة أخرى وهو يُشير إليه بعصبية وغضب بعد أن فارت الدماء بعروقه من كثرة ثرثرته يوميًا:
-أنت مش خلفت يبقى تشيل ولا عايز تخلف وتجري
أقترب عمه منه في خطوات سريعة وأمسك به يدفعه للداخل كي يصعد إلى غرفته:
-أخرس يا عامر بقى.. أمشي أطلع اوضتك
أشار إليه والده مرة أخرى وأردف بقسوة وحدة وصوته عالي في منتصف صالة الفيلا:
-عايز تجوزه بنتك يا أحمد.. ده عايز تأمن على بنتك معاه، ده هيبقى أب وزوج ويشيل مسؤوليه!
عاد إليه "عامر" وابتعد عن عمه ليقف أمامه بقوة وعنف متحدثًا بجدية شديدة وشراسة ليوضح إليه أن "سلمى" لن تكون لغيره:
-بقولك ايه.. أعمل أي حاجه وقول اللي أنت عايز تقوله بس كله إلا سلمى علشان أنا هتجوزها غصب عن الكل
أقترب والده منه ليقف أمامه مُباشرةً وتسائل بجدية:
-غصب عن مين
نظر "عامر" في عينيه بقوة وعنف ولم يتراجع عن أي مما يفعله أو يقوله بل أكمل قائلًا بشراسة:
-عنك أنت أول واحد
رد والده عليه بصفعة قوية على جانب وجهه بكفه العريض، التف وجه "عامر" على أثرها الناحية الأخرى..
شهقت بعنف وتفاجئ وهي تراه يصفعه هكذا واضعة يدها على فمها وكتمت شهقتها بها كي لا يراها أحد أو يستمع إليها..
ضغط على شفتيه بأسنانه بقوة شديدة قد جرحت على أثرها وخرجت منها الدماء، كور قبضة يده الاثنين بعنف كي يحاول التحكم بنفسه بعد هذه الصفعة التي تلقاها منه..
عاد ناظرًا إليه ليراه يبعث إليه القسوة الخالصة..
جذبه عمه من يـده بقوة ودفعه إلى درج السلم قائلًا بصراخ:
-أطلع فوق... أطلع
عادت للخلف سريعًا عندما وجدته يصعد وذهبت إلى غرفتها ركضًا حتى لا يراها ويعلم أنه رأته في ذلك الموقف الذي لا يحسد عليه..
بعد أن تأكدت من أن كل منهم دلف إلى غرفته، ذهبت بتلك المنامة إلى الأسفل لتفعل له فنجان من القهوة وتأخذ إليه الحبوب المسكنة للألم.. ليته يعود عما يفعل.. ليته يترك الطريق الذي دلف إليه فجأة دون سابق إنذار..
صعدت على الدرج بهيئتها الفاتنة وجمالها الأخذ، بخصلات شعرها الطويلة قليلًا ذات اللون الذهبي، عينيها الزيتونية وشفتيها الوردية المُكتنزة.. لقد كانت كتلة جمال متحركة أمامه..
دقت باب الغرفة فلم يجب عليها، علمت أنه في المرحاض فدفعت الباب ودلفت إلى الداخل تاركه الفنجان ومعه مُسكن للألم..
عادت إلى باب الغرفة وفتحته لتخرج فوجدته هو الآخر يخرج من المرحاض ناظرًا إليها بعينين خالية من أي مشاعر.. فتركته هي الأخرى بعد أن أشارت له على ما جلبته إليه..
الوحيدة التي تفكر به، على الرغم من كل ما يحدث أمامها مازالت هي ووالدها فقط من يقفون معه.. انحدر بطريق الخطأ ولا يستطيع الرجوع عنه، لما لا يجعله يعود باللين؟.. لما يفعل معه هكذا.. إنه لا يحب نفسه بهذه الطريقة، لا يريد أن يكمل على نفس هذا النهج.. إنه يريد أن يعود "عامر القصاص" كما عاهدوه.."
عاد "عامر" من تذكره لتلك الأمور التي مضى عليها كثير من الوقت والأعوام، ترك الكأس الذي كان بيده وأخرج من جيبه المال وتركه على الطاولة ثم وقف على قدميه مُتحركًا للخلف بظهره ليذهب من هنا..
اصطدام بأحد خلفه وعلى أثر الاصطدام وقع كأس الآخر منه مُتهشم على الأرضية، إلتف ينظر إليه بجدية وكان سيعتذر عن ذلك الخطأ ولكنه وجد الآخر يهتف بتبجح وصراخ:
-ما تفتح يا أعمى ولا تحب افتحك أنا
نظر إليه وإلى من معه بثبات ثم أجابه بثقة:
-عندي اوبشن أحسن، أنا ممكن أعميك أنت
صرخ الآخر عليه وتقدم منه بجسده الصلب العريض وهو يقول بصوت خشن عالي:
-وريني كده يا أبو الرجـ ـولة
رفع عامر يده ليلكمه في وجهه بقوة وعنف عندما وجده يقترب منه ثم قام بدفعه للخلف فدافع عن نفسه بقوة..
أقترب الآخرين منه واحدًا منهم لكمه في وجهه كما فعل هو بالآخر فرد له لكمته بقوة وعنف..
وقف صوت الموسيقى وارتفعت أصواتهم الرجـ ـولية المزمجرة عاليًا وحاول "عامر" أن لا يترك لهم الفرصة في النيل منه وهو يتبادل معهم الضربات..
ولكنه على حين غرة وجدهم يبتعدون عنه تاركين الفرصة لمن تشاجر معه في البداية ليقترب منه بجسده العريض بثبات وثقة ليقف أمامه ثم فجاة ودون سابق إنذار أخرج من خلفه مدية وقام بفتحها ليدفعها بكل قوته في مُنتصف بطنه لتخترق القميص الذي كان يرتديه ومن خلفها خرجت الدماء بغزارة تُسيل مغيرة لون القميص من الأبيض إلى الأحمر..
جذب الآخر المدية وظهر على وجهه الإجرام والقسوة وهو ينظر إليه بثبات كما كان، وضع "عامر" يده على بطنه موضع الجرح الذي يخرج منه الدماء بغزارة وصرخ بقوة متألمًا وتغيرت ملامح وجهه بالكامل ثم وقع على الأرضية وهو لا يحتمل ذلك الألم والدماء تسيل منه بغزارة دون توقف..
❈-❈-❈
"يُتبع"
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق