رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثاني (حب أعمى)الفصل الثامن عشر 18بقلم ناهد خالد حصريه
رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثاني (حب أعمى)الفصل الثامن عشر 18بقلم ناهد خالد حصريه
الفصل الثامن عشر من الجزء الثاني..
"قال عثمان بن عفَّان: الدنيا خضرة، قد شُهِّيَتْ إلى الناس، ومال إليها كثيرٌ منهم، فلا تركنوا إلى الدنيا، ولا تثقوا بها، فإنها ليست بثقة، واعلموا أنها غير تاركة إلاَّ من تركها"
وصل لفيلا "نصر العقاد"..
ليترجل من سيارته وعاصفة غصبه تسبقه وخلفه رجاله فأشار لهم بالانتظار وتبعه "غسان"، حتى وصلا لبهو فيلا" نصر" فقابلهما" رأفت" الذي هتف متسائلاً:
_خير يا شاهين بيه؟ إيه الموضوع المهم اللي يجيب حضرتك بدون ميعاد سابق.
بوجه صارم وملامح يبدو أنها تتحكم في الغضب بالكاد سأله:
_نصر باشا فين؟
وقبل أن يجيب "رأفت" صدح صوت "نصر" الذي كان ينزل درجات السلم الداخلي في هدوء وكأنه كان ينتظر قدومه:
_أنا هنا يا شاهين.. وكنت مستنيك، عارف إنك مش هتهدى غير لما نتكلم.
التزم "شاهين" الصمت حتى وصل أمامه، فوجه نظره ل "غسان" يسأله مستغربًا:
_طب هو جاي يعرف اللي يخصه، إنما انتَ منورنا ليه يا بلتاجي؟
اجاب "غسان" متحفظًا:
_بحاول الم الدنيا، انا عارف إنه مش هيسكت، وهو لما بيهيج بيبقى غبي، وسعادتك عارف اللي جوه دايرتنا مينفعش يتغابى.
ضغط "شاهين" على نواجزه غاضبًا وهو ينظر لها بسخط:
_هو انتَ فاكر إن وجودك هيمنعني من حاجة عاوز اعملها! وبطل تغلط عشان مبوظش لك معالم وشك.
حرك "غسان" رأسه بلا معنى ولم يرد، وقال "نصر" خافيًا ابتسامته:
_يعني بدل ما تشكره إنه خايف عليك!
لم يعقب، بل عاد بنظره له يسأله مباشرًة:
_ مين اللي عملها؟ مين اللي اتجرأ يبعت ناس تقتلني؟
ابتسامة بسيطة سخيفة ارتسمت على وجه "نصر" يقول:
_انتَ فاكر إني هقولك؟ زي ما صاحبك قال، في حالتك دي مينفعش تعرف مين عملها، بس عمومًا ماتقلقش، انا هشد ودنه وهخليه يحرم يقرب منك.
قطب ما بين حاجبيهِ بتعجب، وسأل وكأن عقله انتبه لهذه النقطة للتو:
_انتَ بتعمل معايا كده ليه؟ إيه يدخلك بيني وبين الشخص ده؟ وإيه اللي جابك وقت الحادثة؟
حاول "نصر" الثبات وهو يجيبه:
_انا جيت مكان الحادثة لما رأفت عرف باللي هيحصل، كنت بحاول الحقك.
_وتلحقني ليه؟ اصلاً كان كفاية تبعت رجالتك، معتقدش إنك كل ما يوصلك خبر ان في راجل من الرجالة هيتقتل بتجري على هناك!!
هز رأسه بتأكيد وقال:
_معاك حق، بس انا بعتبرك في مكانة تانية، انتَ عزيز عندي يا شاهين، بيعجبني تفكيرك وقوتك وخطواتك الثابتة، معتقدش إني هحب اخسر راجل زيك، بالعكس أنا من يوم ما عرفتك وانا بعاملك كأنك ابني او راجل من رجالتي المخلصين، فأكيد لما اعرف بخطر بيحوم حواليك هحاول انقذك.
لم يعبأ بكافة حديثه بل قال في هدوء مصطنع:
_جميل، بس ياريت بقى تقولي هو مين، اكيد لو انا زي ما بتقول عزيز عندك مش هتحب تسبني على ناري كده.
ابتسم له "نصر" ابتسامة صادقة هذه المرة وهو يخبره بما جعله يستشيط غضبًا:
_واني اقولك أنا هتصرف معاه مش كفيل يطفي نارك؟
- هو انا اكتع؟ ولا مشلول عشان حد يجيب حقي، انا حقي هيرجع بأيدي، وحتى لو مقولتش هو مين انا كده كده هعرف، بس قولت اجي أسألك بما إنك عارف، بس لو مقولتش انا هعرف بردو، ووقتها بقى مش هو بس اللي هيطوله أذايا.
اتسعت أعين "غسان" بصدمة ولكزه في ذراعه يحذره هامسًا:
_شاهين انتَ اتجننت؟ اظبط كلامك متقومش الدنيا عليك.
ولكن همسه وصل ل "نصر" الذي قال محافظًا على ابتسامته وهدوءه كما لا يفعل مع أي أحد آخر، فيقسم لو أن أحد غيره لمحَ بتهديد له لكان أراه من الويل أشكال، لكنه "شاهين" ولده الحبيب، وقرة عينه، وقلبه الملكوم ببُعده، فبالطبع سيمررها له:
_ واضح إن صاحبك الموقف مأثر عليه لدرجة انه واقف في نص بيتي يهددني.. يهددني أنا!
أردف جملته الأخيرة ساخرًا وما إن أوشك "شاهين على الرد حتى قاطعه يقول بعدما اختفت ابتسامته:
_خد صاحبك وامشي يا غسان، وهديه، ده لمصلحته، ولو عرفت مين اللي عملها ابقى اعمل ما بدالك.
قال جملته الأخيرة موجهًا حديثه ل" شاهين" الذي نظر له بصمت غاضب، وعيناه تتوعد بالكثير، قبل أن ينسحب مهرولاً للخارج واتبعه "غسان" بعد أن القى نظرة أخيره على "نصر".
_شاهين مش هيسكت غير لما يعرف مين اللي عملها.
قالها "رأفت" بحقيقة مؤكدة، فقال "نصر" وهو مازال ينظر لمحل ذهابه:
_واحنا هنقطع عليه كل طريق يوصله للحقيقة، شاهين لو عرف إن يسري اللي عملها مش هيتردد يقتله، وانتَ عارف إن ده هيقلب عليه البشوات الكبار اللي يهمهم حياة يسري عشان مصالحهم تمشي.
_مش وارد يشك فيه؟
_لأ، مش وارد، لأن في ناس كتير اوي لهم عداوة مع شاهين، خصوصًا إن يسري ساكت على حقه بقاله ٣ سنين.. يعني مش منطقي لسه فاكر ينتقم من شاهين.
_ وحضرتك خلصت الموضوع مع يسري؟
صمت "نصر" وهو يتذكر آخر حديثه مع "يسري" حين هتف الأخير بغضب:
انا مش هسيب حقي اللي عنده، وإن كنت ساكت السنين اللي فاتت فسكت عشان مختار المنشاوي كان مُصر يحاميله، وكان بيني وبينه مصالح كتير مينفعش اخسرها، لكن انا عرفت انه بقى على خلاف بمختار وإنه خلاص رفع ايده عنه، فمبقاش في حاجة توقفني عن أذيته.
سخر "نصر" يقول:
_عرفت؟ ولا اتقالك! مختار بلغك انه مبقاش يخصه فتعمل فيه اللي انتَ عاوزه! عمومًا لو مختار رفع ايده فانا ايدي لسه محطوطه، ومش هسمح بلعب العيال ده، قولنا اللي حصل زمان كان شاهين معاه حق فيه، وبناءً عليه انتَ ملكش حق اصلاً عنده.
_ده اللي انتَ شايفه، لكن انا شايف إن ليا حق، وهاخده من حبة عنيه.
_يسري!
هتف بها "نصر" في غضب تمكن منه، وأكمل بصرامة:
_لو قربت لشاهين تاني انا اللي هقفلك.
نهض "يسري" واقفًا يسأله باستنكار:
_طب مختار كان عمه، انتَ بقى تبقاله إيه عشان تحاميله؟
وقف "نصر" هو الآخر وقال بثبات:
_شاهين راجل من رجالتي، ولما حد يقربله ويأذيه تبقى إهانة ليا.
_بس شاهين مش راجل من رجالتك، شاهين راجل في المنطمة وانتَ بترأسه مش اكتر!
ضجر من ضغط "يسري" في الأسئلة حول هذه النقطة فقال منهيًا الحديث بقوة:
_ميخصكش، المهم إنك تعقل وترجع تعمل نفسك مش شايفه زي ما كنت عامل طول السنين اللي فاتت.
ظهر الغضب على ملامح الأخير وهو يقر:
_انتَ مش أعلى مني ولا بترأسني عشان تكلمني كده، انا وانتَ في نفس المكانة يا نصر، فملكش تأمرني، وانا مش هنفذ اللي بتقوله.
_انا مش بأمرك، بس لو كملت اللي في دماغك انتَ عارف انا واصل لفين، فهخلي الأعلى مني ومنك يأمرك تبعد عنه، متخليناش نوصل للنقطة دي.
وانتهى اللقاء، ويبدو أن "يسري" اهتزَ من تهديد "نصر" وربما يفكر في العودة للصمت الذي طبقه على نفسه لسنوات مضت من أجل مصالحه الشخصية، وأما عن "نصر" فسيكون مترقب جيد له، ولن يعطيه الأمان ابدًا.
-------------------
وفي سيارة شاهين...
أعرب عن غضبه من قدوم "غسان"..
_انتَ جاي معايا ليه! هو انا عيل صغير ماشي وراه ليتوه!
سخر "غسان" يقول ناظرًا أمامه:
_سلامة الشوف.. مانتَ شايفني وانا جاي معاك، جاي تتكلم بعد ما المشوار خِلص...
رد بغيظ:
_عشان مكنتش فايق وانا جاي، كان كل همي اوصل لنصر واعرف منه اللي عاوز اعرفه.
_المفروض متكونش فايق اكتر وانتَ راجع، بعد ما مشوارك طلع فشنك وماستفدتش حاجه.
_عرفت منين كل اللي حصل؟ وعرفت منين مكاني؟
نظر له وهو يراه يسأل السؤال الأهم والمنطقي فأجاب بمرح زائف:
_حمد الله على السلامة.
ونظرة "شاهين" الحادة جعلته يجيب بجدية:
_كنت قاعد مع مختار ووصله الخبر.. انتَ عارف مفيش حاجه بتخفى عنه.
سخر "شاهين" معقبًا بما فاجئ الآخر:
_مفيش حاجه بتخفى عنه ولا مراقبني.
_انتَ عارف؟
_انتَ أهبل؟ هيكون في حد مراقبني وانا معرفش!
_وسايبه ليه؟
أردف بلامبالاة:
_خليه يتسلى، هو فاكر أنه كده بيعرف عني كل حاجة، لكن انا بعرفه اللي عاوزه يعرفه، زيه زي الأهبل التاني.
ضحك "غسان" مغمغمًا:
_اكيد قصدك مازن.
_هو كمان فاكر إني مغفل ومعرفش إن في حد من طرفه مخصصه يراقب كل تحركاتي، لكن اللي ميعرفوش إني بخليه يعرف اللي انا عاوزه يعرفه، زي النهارده كده، مكنتش عاوز يوصله خبر عن مكاني.. واكيد موصلش.
قطع حديثهما رنين هاتف "غسان" فرفعه مجيبًا:
_ايوه يا فريال.
صمت قليلاً ثم أجاب:
_مشوار مهم خِلص خلاص، نص ساعة وجاي.... تمام.. تمام يا فريال نتكلم بعدين!.. ماشي سلام.
أغلق معها لينظر فورًا بتلقائية ل "شاهين" فوجد ما توقعه تمامًا، علامات السخرية تزين وجهه، وغمغم:
_بقالك ست تشكمك، حلو.. اصلك من زمان عيارك فالت، الله يعينها عليك.
_متقولش إنك معرفتش بجوازي!
رد بلاهتمام:
_عرفت.. متجوز من سنه باين! واستغربت، مكنتش اتخيل إنك من الرجالة اللي بتدور على الاستقرار، او حتى يكتفي بست واحده.
_انا كمان اتفاجئت إنك هتتجوز تاني، فكرت شدوى عقدتك بس طلع لسه عندك نفس تجرب تاني.
حسنًا إنها حرب تتحدث فيها الأسلحة، كلاً منهما يلقي الآخر بما فيه ويعرفه عنه، دون مراعاة لأي شيء او شعور.
_ما عاش ولا كان اللي يقطع نفس ابن المنشاوي، وبعدين فكرتك هتفرحلي.
ورغم تهكمه في جملته الأخيرة، وشعور "غسان" بذلك، لكنه أجابه بجدية:
_مبقتش افرحلك ولا ازعلك، مبقاش في حاجه بتربطنا ببعض عشان اهتم بيك اصلاً.
_كداب.
قالها "شاهين" باسترخاء تام، وأكمل بابتسامة سِمجة:
_ووجودك النهاردة معايا دليل على كدبك.
_اقف على جنب.
قالها "غسان" بحدة للسائق الذي نفذ ووقف، ليكمل بعدها ل "شاهين" :
_وجودي النهاردة غلطة مش هتتكرر، بس اني احميك من جنانك هيتكرر، لأني للأسف فاكر العيش والملح اللي كان بينا.
وترجل بعدها من السيارة فورًا دون النظر خلفه، تنهيدة عميقة خرجت من "شاهين" تحمل كمًا هائلاً ينتابه الآن من المشاعر السلبية، قبل أن يأمر السائق:
_اتحرك.
وبعد ثواني رن هاتفه برقم "معاذ"، ليجيبه فوجده يقول:
_شاهين انتَ فين؟ انا في المستشفى ومعايا نورهان.
_جاي يا معاذ، جاي..
وأغلق المكالمة ناظرًا أمامه، شاردًا في عتمة السماء رغم وجود القمر!
--------------
_أخيرًا فتحت تليفونك، انتَ فين يا بني آدم!؟
هدر بها "مازن" غاضبًا، ليجيبه الرجل عبر الأثير:
_يا باشا تليفوني فصل شحن، وعلى ما قدرت اشحنه كان خد وقت انا اسف، بس هو في حاجه؟
تنفس "مازن" بقوة مهدئًا نفسه وسأله:
_قولي إيه الأخبار عندك؟
_مفيش حاجه يا باشا، شاهين بيه مخرجش من الفيلا من وقت ما رجع من الشغل، بس رجالته خرجوا لوحدهم من يجي ساعة ونص كده، ومن شوية صغيرين خرجت نورهان هانم بعربيتها.
_متأكد أن شاهين مش مع رجالته؟
سأله "مازن" بحذر ليجيبه بيقين:
_متأكد يا باشا.
تنفس براحة وهو يقول:
_تمام أي حاجه تحصل بلغني.
وأغلق المكالمة مطمئنًا أن الأمور على ما يرام، ويبدو أن "شاهين" بالفعل يوصل له ما يحب إيصاله!
----------
صباح اليوم التالي...
قبل أن تذهب لعملها بالفيلا، وبعد انتهائها من بيع الفل في ساعتها الصباحية، جهزت بعض الأطعمة السخنة الشهية لوجبة الإفطار، وأخذتهم على صينية متوسطة الحجم، متجهه لمحل عمل "مجد"...
اقتربت منه وهي تراه يعمل في أحد السيارات وألقت السلام لينتبه لها وبعدها بادرت في قول:
_لما عديت ولاقيت الورشة مفتوحة، فرحت وقولت لازم اجبلك حاجه بالمناسبة الحلوة دي.
مسح كف يده السليم في قماشة حمراء حال لونها للأسود من اتساخها، لتلاحظ المفاجأة الثانية والتي جمدتها لثواني بينما كان يقول:
_مناسبة! هي أول مرة افتح الورشة؟!
_انتَ... دراعك!
تمتمت بتلعثم وهي تنظر لذراعه، فأجابها في هدوء:
تستمر القصة أدناه
_ركبت طرف صناعي.
رفعت نظرها له، وأدمعت عينيها وهي تسأله:
_بالسرعة دي؟ يا ترى انتَ عاوز كده دلوقتي ولا عملت ده عشان في خطوبتنا محدش يبصلك نظرة تضايقك؟
_هتفرق؟
سألها بوجوم واضح، فأجابته بإصرار:
_جدًا.
زفر أنفاسه ثم قال:
_الاتنين... مش متقبل نفسي بالشكل ده، وكنت عاوز حاجه اداري وراها دارعي اللي خسرته، على الاقل في اوقات بنسى انه صناعي واحس بدراعي عادي، وعشان بردو يوم الخطوبة مش هتقبل نظرة الناس، لا هتقبل شفقة ولا هتقبل نظرة معناها ازاي وافقت عليه.
ابتسمت ابتسامة صافية خرجت من قلبها فوصلت لقلبه في سلام:
_إن كان عليك انتَ فطبيعي تحس بحاجة غريبة في الأول وتستغرب نفسك، ويمكن بردو متقدرش تتقبل الحقيقة على طول كده، بس لازم تعود نفسك تتقبل شكلك في أي حالة، لأن اكيد مش هتفضل مركبه طول الوقت عشان ماتتعبش، وإن كان على الخطوبة فمتقلقش انا اصلاً مش هعمل هيصة، يكفيني نروح نشتري الدهب والبسه عند الصايغ، وفي الفرح نبقى نعمل اللي هوانا فيه، ومتركزش مع الناس، الناس في كل وقت وفي كل حال بيتكلموا، واللي يركز معاهم يتعب... ووقت ما نعمل فرحنا ان شاء الله مش هنركز مع حد غيرنا، اكننا احنا الاتنين بس اللي موجودين محدش حوالينا.
غمغم في هدوء:
_ان شاء الله.
أكملت بنفس ابتسامتها:
_بعدين اسمع ان اللي بيخسر جزء من جسمه في الدنيا بيسبقه على الجنة، يعني دلوقتي دراعك قاعد متهني هناك ومستنيك.
قالت جملتها الأخيرة بمرح، فضحك بخفوت وهو يعقب:
_يا عالم هروحله هناك ولا هيفضل هو في الجنة لوحده.
_لا إن شاء الله ربنا يوعدنا بالجنة، المهم ده فطار كده يعني على القد بس اللي لحقت اعمله أصل لسه راجعة من شغل الصبح، ويا دوب الحق شغلي التاني...
_ماشي، بس اعملي حسابك، بعد جوازنا ان شاء الله لا في ده ولا ده، انا مش عاوز اقولك اقعدي من دلوقتي عشان....
قاطعته تقول:
_عشان انا مش هقبل اقعد وتصرف عليا وانتَ حياله خطيبي، ولا هقبل علاج ابويا تكون انتَ دافع فلوسه، وعشان كمان اجهز نفسي، وإن كان على بعد الجواز فربنا يحلها ولو قعدت هكون بعمل مشروع او حاجة تجيب مصاريف ابويا.
نظر لها مستغربًا يسألها:
_وتجيبي مصاريف ابوكي ليه؟ وانا روحت فين؟
نفت برفض قاطع:
_ لا معلش، انتَ ملزم بيا اه، لكن ابويا لأ، ومش هقبل حد يصرف على ابويا حتى لو جوزي، وابويا مش هيكون مرتاح.
نظر لها نظرة معاتبة:
_بتعملي يعني فرق من اولها! وبتقولي ابويا وابوك.
_لا مش فرق، بس الدنيا مش مضمونه، وإن كنت حلو معايا النهاردة الله أعلم ببكره، اكيد مهما حصل مش هتيجي في يوم من الايام تعايرني إنك كنت بتصرف عليا وبتأكلني وبتشربني، عشان انا في الاخر مسؤوليتك وده واجبك، لكن ابويا مش واجب عليك تعمل معاه كده، وانا مش هستنى لما يتقالي في يوم انا كنت بصرف على ابوكي وبعمل وبعمل... انا عارفه انك ابن أصول ومتعملهاش، بس زي ما قولتلك الواحد لازم يحرص، ولازم نعمل حساب لغدر الأيام.
_رغم ان كلامك حاسس في إهانه ليا، بس مش قادر اقولك إنك غلط، عشان لو حطيت نفسي مكانك مش هقبل حد يمد ايده بجنية لابويا، زي ما عاش عمره كله معززني، جه الدور عليا اعمل كده، بس بردو وقتها أي مبلغ مني له ميعتبرش لا واجب ولا جميل، هيكون حب في الراجل الطيب ده، ولا انتَ ناسية ان هو وبابا صحاب وانا طول الوقت بحبه وبحترمه.
تسللت إليها الراحة بعد حديثه، ووضعت الصينية على أحد السيارات المجاورة، وقالت:
_ربنا يقدم اللي فيه الخير، وبألف هنا الأكل، همشي انا بقى عشان الشغل.
ذكرها بما جعل وجنتيها تحمر خجلاً، وقلبها يرقص على نغمات الفرح، وعيناها تشع بهجة ولهفة.
_متنسيش بعد بكرة هننزل نشتري الدهب.
وكان هذا بناءً على اتفاقهم يوم ان تقدموا لخطبتها.
وهو الأمر بالنسبه له تقليديًا بحت، حتى أنه لا يجد شعور لا للسعادة ولا للحزن، شعوره فاتر.. وكل ما في الأمر انه سيخطب..!
-------------------
في المستشفى....
جلست بجواره تناوله كوب القهوة اولاً، فأخذه منها مبتسمًا ابتسامة بالكاد تُرى، مدت له كفها ببعض البسكويت فرفض هازًا رأسه، مما جعلها تقول بضيق:
_يا حبيبي مينفعش كده، لازم تاكل حاجه، انتَ من امبارح العصر ماكلتش، من وقت الغدا، وكمان عمال تشرب قهوة وسجاير وده غلط.
اشعل بالقداحة لفافة أخرى وأشار لها بكفه:
_مش عاوز يا نورهان، وبالله عليكي ما تضعطيش عليا، انا دماغي مصدعة ومش قادر اجادل، كفاية صممتِ تباتي معايا في المستشفى.
_ايوه طبعًا اومال كنت عاوزني امشي واسيبكوا كده.
_والله انتوا الاتنين وجودكوا مكانش له داعي... صباح الخير.
قالها "معاذ" الذي اقتحم جلستهما في أحد غرف الاستراحة المفتوحة، لترد "نورهان" تحية الصباح بينما قال "شاهين" :
_مينفعش امشي واروح انام مرتاح في بيتي وهي يا عالم هتكون كويسة ولا لأ.
عقب "معاذ" :
_يا شاهين ما امبارح الدكتور نفسه قال وجودكوا ملوش داعي لو حصل أي حاجة هيبلغنا في التليفون، عمومًا اللي حصل حصل.. يلا عشان تروح بقى تغير هدومك دي اللي عفنت عليك.
رفع "شاهين" حاجبه مستنكرًا:
_عفنت إيه ده الحرس جابوهم امبارح بليل وغيرت هدومي اللي كانت كلها دم.
عقبت "نورهان" موضحة:
_يا حبيبي انتَ غيرت اه بس ماخدتش شاور، وريحة الدم ماسكة فيك، الأحسن تروح تاخد شاور وتريح ساعتين وتاكل وترجع.
نهض واقفًا وهو يقول بصرامته المعهودة:
_هاخد شاور واغير وارجع... ويلا معانا عشان تفضلي في البيت وجودك هنا ملوش داعي لحد ما تفوق.
وقبل أن تقاطعه قال:
_نورهان لو سمحتي! قولتلك مش عاوز جِدال.
وانسحب مبتعدًا عنهم، لينظر لها "معاذ" وقال ناصحًا:
_بلاش تعارضيه في حاجه لأنه فعلاً على آخره.
_أنا خايفة عليه.
غمغمت بها في حزن واضح، فابتسم لها يطمئنها:
_متقلقيش مش هسيبه، لولا ان كان في شغل ضروري لازم يخلص في الشركة الصبح مكانتش سيبته.
_انا واثقة من ده، وشكرًا على تعبك معانا.
قالتها بأعين ممتنة، ليبتسم لها وقال:
_ده واجبي.
--------------------
بعد ثلاث ساعات.....
وصل أمام فيلا شاهين وهو كالبركان النشط، أو كالقنبلة الموقوتة، ينتظر فقط أن يراه لينفجر في وجهه، منذُ حدثته "مستكة" تخبره بما حدث ل "فيروز" وعفاريت الجان تتلبسه، لم يحسب للأمر، ولم يفكر فيه ثانية واحدة، فقط انطلق تاركًا عمله ولم يعبأ بشيء، فقط ليصل له، ويلكم وجهه السخيف، ويخبره أن يُعيد له الفتاة التي كاد أن يقضي على حياتها، هو لا يعلم ماذا حدث لها، هو فقط علم بإصابتها بطلق ناري ووجودها في المستشفى، ويرجح أنه هو من اطلق عليها، لربما عرف حقيقتها فأحب أن ينتقم، فتبًا لخطته وعمله، فقط ليعيدها سالمة، فلن يتحمل ذنب موتها، ولا لوم والدتها، فقط ليعيدها وتنتهي القصة لكنها مستمرة بينهما هما.
وفي نفس لحظة وصوله ودلوفه بسيارته للبهو الداخلي للحديقة وترجله من السيارة، كان "شاهين" و "معاذ" يخرجان من الباب الداخلي للفيلا، ليقف "شاهين" على حافة الدرج الخارجي، وهو يرى "مازن" يصعده إليهِ بملامح صارخة غضبًا..
وقف أمامه ليس تمامًا فبينهما مسافة لا بأس بها، فهدر "مازن":
_فيروز فين؟
_قصدك خطيبتي؟
سألها "شاهين" في هدوء ساخر، ليصرخ فيه الآخر غاضبًا:
_خِلصت يا شاهين، خرج فيروز من كل حساباتك، انا عارف إنك خطبتها كيد فيا، وعارف أنها مش فارقة معاك ولا تهمك، بس فارقة مع ناس تانية، خليني ارجعها لأهلها، انا غلطان إني دخلتها بينا من الأول وهي ملهاش ذنب في حاجة، مش هقبل يحصلها حاجة، خليها ترجع لحياتها... وانا وانتَ نبعد عنها.
أجاب في صرامة:
_انتَ تحكم على نفسك مش عليا، وبعدين ده احنا خلاص حددنا ميعاد كتب الكتاب.
جحظت عيناه متفاجئًا، وصدحت بعدها نبرته الغاضبة:
_اخلص وقول هي فين؟ قول اسم المستشفى وانا هروح اخدها من هناك على بيتها.
_هي في غيبوبة اصلاً ولسه مفاقتش.
هتف بها "معاذ" وأكمل ساخرًا:
_هتروح تاخدها بردو في حالتها دي؟
هز رأسه في جنون يصرخ في "شاهين":
_غيبوبة! انتَ عملت فيها إيه؟ مش هتبطل الاجرام اللي فيك ده، فاكر نفسك في غابة وبتاخد حقك بأيدك..لو حد ضايقك بس بتأذيه، رد هي فين... وانا هفضل جنبها لحد ما تفوق ومش عاوز المحك قريب منها.
ضحك ضحكة مستهزأه وهو يقول:
_ثقتك عجباني، بس مين بقى هينفذ الهبل ده؟ دي خطيبتي وهتبقى مراتي، يعني محدش هيكون جنبها غيري، وطرقنا بقى عشان مش وقتك.
_هتنفذ يا شاهين وإلا...
رفع "شاهين" سبابته يقول:
_ايوه، والا... وإلا ايه بقى؟
سأل الأخيرة في استخفاف واضح، فنظر له "مازن" بصمت لثواني قبل أن يحرر مسدسه الميري من حزامه وهو يوجهه له صارخًا فيه:
_وإلا هخلص عليك..
تحفز الجميع، ورفع الحرس أسلحتهم، ليشير لهم "شاهين" أن ينزلوها ففعلوا مرغمين، لكنهم ظلوا يتابعون متيقظين لأي حركة غادرة، واخرج "شاهين" سلاحه من وراء ظهره، فقط يريه ل "مازن" دون أن يرفعه وقال:
_مانا كمان اعرف اخلص عليك واسهل منك حتى...
وصمت لثواني، غامت عيناه بسحابة حزينة، ونظرة معاتبة تلوح في أفق بياض عينيهِ، وتحكم في نبرته وهو يقول:
_بترفع السلاح في وش اخوك!
شوف انا توقعت منك حاجات كتير لدرجة إني ما بقتش بتفاجئ باللي بتعمله بس مش هنكر إنك المرادي قدرت تفاجئني، يعني ما شاء الله كل مره بيطلع عندك حاجات جديده اوس* من اللي قبلها.
لم يهتز له جفن ولم تتخاذل يده المثبتة للسلاح في وجه الآخر، بل وأجاب بكل تبجح:
_ وهفاجئك اكتر لما افضي خزنته في دماغك ويا ريت ما تبقاش غبي وما تتوقعهاش مني.
وفي نفس اللحظه كان أحد حراس" شاهين" يسحب سلاحه المخفي خلف ظهره في اتجاه مازن الذي يعطيه جانبه، يسحبه مقررًا أن يضغط على زناده فورًا; لحمايه رب عمله، وبالفعل ما هي إلا ثانية واحدة وكانت رصاصة تنطلق مخترقه الفراغ، وصداها يتردد في اذان كل الواقفين وقد عرفت تجاهها الصحيح... فسكنت الجسد مدرجه الدماء....
صرخة قوية صدرت من "نورهان" التي خرجت للتو من باب الفيلا، مع صرخة أخرى خافتة خرجت من الحارس الذي أصابت الرصاصة ذراعه فألقى سلاحه أرضًا وامسك ذراعه بالآخر بوجع بعد أن اسنده زميله، وقال "شاهين" ببرود بعدما انزل سلاحه:
_خده عالجه... وحسابنا بعدين.
شعر بجسد "نورهان" يضم ذراعه بقوة خائفة، فأحاط جسدها بذراعه فورًا مرددًا:
_متخافيش يا حبيبتي مفيش حاجه.
والجميع وكأن على رؤوسهم الطير...
خاصًة "مازن" الذي لم يفهم تصرف "شاهين" أو يفهمه لكنه لا يريد الاعتراف، فحين رفع "شاهين" سلاحه ظن أنه سيضربه، وأن الطلقة موجهه له، ومن صدمته لم يتحرك ولم يتصرف، حتى فوجئ أنها ليست له، بل لحارس الآخر الذي أراد إنقاذ سيده فتلقى رصاصة بدلاً من ثناء!
_ليه؟
رددها ببهوت وكأنه غير واعي لقولها، ولكنها وصلت جيدًا لشاهين الذي أجاب بمرواغة:
_يوم ما احب اخلص منك هعملها بنفسي...
_كفاية...
صرخت بها "نورهان" وهي تخرج من حضن أخيها، وأكملت بانهيار حقيقي ودموع لا تتوقف:
_كفاية بقى.. انتوا إيه؟؟؟ ليه بتعملوا كده، انتَ مكنتش هتقتله...
قالتها موجهها حديثها لمازن وأكملت:
_كان تهديد أهبل لكن مكنتش هتعملها، وانتَ
ضربت الحارس عشان خوفت عليه مش عشان عاوز تقتله انتَ...كفاية بقى، كفاية تعاندوا، كفاية تبقوا زي الديابه في بعض وكل واحد بيتفنن يظهر كرهه وحقده للتاني ازاي...والله لو ما وقفتوا اللي بتعملوه ده لهسيبكوا انتوا الاتنين واغور في أي داهية بعيد عنكوا.. انا اعصابي مبقتش متحملة..
ولم يعلما أن تهديدها ليس مجرد تهديد في وقت غضب وأنها سترحل بالفعل!
وفي المستشفى....
فتحت عيناها ببطء، وهي تسمع أصوات متداخلة حولها لكنها لا تميزها، وبعد وقت استطاعت ان تفهم جملة قالها الطبيب:
_انتِ كويسة؟ أنسة فيروز؟
فسقطت دمعه من عينها اليمنى، وبداخلها تردد..
لقد نجوت..
مازلت على قيد الحياة..
لم يأخذني الموت على غفلة..
عدت للدنيا مرة أخرى... وطالما عدت لن اقع في أخطائي ثانيًة...
يكفي كذب،
يكفي خداع،
يكفي تلاعب،
يكفي بُعد عن والدتي...
ففي طرفة عين كدت لا أراها مرة أخرى..
#يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق