القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الخامس وعشرون 25بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات

 

رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الخامس وعشرون 25بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات




رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الخامس وعشرون 25بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات



ـ ٢٥ ـ


~ في ايد أمينة ؟! ~


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


لم يغمض لها جفن تلك الليلة، كأن النوم قد نُفي عن عينيها نفيًا، وظلت تحدق في الهاتف الملقى على الطاولة أمامها بعينين شاردتين، يتناوب عليهما الغضب والانكسار.


كانت تدرك أنها ربما قد أساءت التصرّف، وأن ما فعلته لن يُصلح شيئًا، بل سيُعمّق الهوّة بينهما ويجعلها أكثر اتساعًا. لكنها، في اللحظة ذاتها، لم تجد بديلًا. 


لقد حاولت مرارًا، وعصرت قلبها وهي تكتب له بأنها تحطمت آلاف المرات عبر سنوات عمرها، لكن تلك الصورة مع تلك الشابة حطمتها على نحو لم تختبره من قبل؛ تحطيمًا فجًّا، جارحًا، كأن أحدهم انتزع شيئًا من كيانها.


غير أنها تراجعت، ومسحت كل ما كتبت، حين أدركت أن ما ستقوله لن يكون إلا بابًا مفتوحًا على العتاب… وربما على ما هو أعمق وأقسى، شيء لا تملك الشجاعة لمواجهته.


ومع هذا التردد، كانت نار الغضب تتأجج في صدرها. كانت حانقة، ومجروحة، ومثقلة بالخذلان. كيف سمح لنفسه أن يتصرف هكذا وهو يعرف كم تشتعل غيرتها؟ 


يدرك تمام الإدراك أنّ غيرتها جامحة، كطفلة صغيرة قد تنفجر بالبكاء لمجرّد أن تلتصق به إحداهن عن غير قصد، ويعي أنّ حبّها له مملوك بالكلّية، متشبّث به كما تتشبّث الروح بجسدها، ويعلم أنّها تهيم به عشقًا عاصفًا، بعنفوان الموج وطيش الرياح، وباندفاع قلب لم يتعلّم الحذر يومًا.


فكيف يسوغ له أن يفعل بها ذلك؟! كيف يرضى أن تدنو منه أخرى حتى هذا القرب الموجع؟! وأيّ ابتسامة لعينة تلك التي ازدهرت على شفتيه في غير موضعها؟! أكان يتعمّدها، كمن يغرس خنجرًا في موضع الجرح، ليعيد إليها الألم مضاعفًا، مستثمرًا ضعفها الذي لم تخفه عنه يومًا؟ 


طوت جسدها الضئيل بين ذراعيها، وأسندت رأسها إلى ركبتيها، وبدأت تبكي بتخبط موجع. كان في داخلها مزيج مربك من المشاعر، تتزاحم دون أن تدري أيها تواجه أولًا.


أحست بالاختناق، وبالاقتراب المقلق لنوبة هلع تشبه تلك التي أصابتها يوم رحيله. انتفضت واقفة، دخلت الحمام، ورشّت وجهها بالماء مرارًا، ثم خرجت مسرعة من المنزل.


كان الصباح لا يزال في بداياته، قبل السابعة بقليل، والهدوء المهيمن على الشوارع منحها شيئًا من الطمأنينة، لكنه في الوقت نفسه بثّ في قلبها خوفًا غامضًا.


أرادت أن تركض، أن تفرّ من كل شيء، لكن جسدها لم يطاوعها، فمشت ببطء، يداها في جيبي معطفها، وأنفاسها ثقيلة، كأنها مع كل زفير تترك خلفه سكينًا مغروسًا في صدرها.


توقفت وسط الطريق، تتلفت أمامها وخلفها…


 إلى أين يا نغم ؟!


أيّ طريق تسلكين الآن؟ فالطريق وراءك ملغوم، والمستقبل أمامك وعِر، مكدّس بالعثرات. أي خطوة تختارين؟ وأي مآلٍ تنتظرين؟


واصلت سيرها ببطء، حتى لاحظت ظلًا يقترب منها، يتماشى مع ظلها. التفتت بحذر، فإذا هو عمر، يركض بخفة، وحين بلغها خفّف سرعته حتى سار بمحاذاتها. وقال بصوت ودود:

ـ صباح الخير يا نغم .


ارتسمت على وجهها ابتسامة باهتة وهي ترد:

ـ صباح الخير يا عمر.


ـ إيه النشاط ده كله؟ صاحية بدري ليه كده!


تنهدت وهي تحدّق في الطريق أمامها:

ـ قلت أتمشّى مع نفسي شوية…


نظر إليها بانتباه، ثم قال:

ـ طيب… أنا آسف لو كنت بزعجك دلوقتي.


هزّت رأسها بخفة، وقاطعته بصوت هادئ:

ـ لا أبدًا… مفيش ازعاج ولا حاجه..


أومأ، وسارا صامتين، كلٌّ منهما غارق في شروده، يبحث عن ومضة تخرجه من هذا الفراغ.


إلى أن تحدث هو مبددًا الصمت بينهما إذ قال :

ـ كلمت فريد امبارح .


كادت خطواتها أن تتعثر، غير أنها جرت قدميها جَرًّا، وأغمضت عينيها متثاقلة الأنفاس. ألم تهرب منه ومن ذكراه؟ فلماذا يلاحقها كظلّ لا ينفك عنها؟


رسمت على شفتيها ابتسامة هادئة وقالت محاولةً أن تبدو غير متأثرة :

ـ كويس .


أومأ بهدوء وتابع :

ـ و أصر إني أفتح موبايلي.. ففتحته ، وبعدها حسن كلمني ، طلب مني أعرفه مكاني لكن أنا رفضت .


تساءلت ببديهية مع تقطيبة حاجبين مندهشين:

ـ انتوا متخانقين مع بعض؟


هز رأسه بنفي وقال مسرعًا : 

ـ إطلاقا.. حسن ملوش دخل بأي حاجة، أنا بس حسيت إني محتاج وقت لنفسي بعيد عن كل حاجه وأي حاجة.


أومأت بتفهم،.بينما هو قد تابع وقال :

ـ فكرت أسافر لفريد الحقيقة، لكن هداني تفكيري في النهاية إني أجي عنده البيت .


عادت تومئ بهدوء، تسحب أنفاسها ببطء وتزفرها، وعيناها تبحثان في الأفق عن أي مشهد يشتت ذاكرتها عنه.


التفت إليها، يقرأ في عينيها انقباضًا كلما ورد اسمه، وتردّد في أن يسأل عن سبب تلك الفجوة بينهما، لكنه آثر الصمت.


ظلّا على تلك الحال نحو نصف ساعة، يسيران ولا يسمعان إلا وقع أنفاسهما، حتى قال فجأة:

 ـ يومك هيمشي ازاي بقا ؟ ناوية تعملي إيه ؟


رمقته سريعًا، ثم أشاحت ببصرها وقالت:

ـ ولا حاجه.


ـ ممم.. حلوة الولا حاجة.. أحيانا بيكون كل اللي محتاجينه إننا منعملش ولا حاجه فعلا .. 


ابتسمت بهدوء، ثم أومأت وقالت:

ـ و انت ؟ ناوي تعمل إيه النهارده ؟ ولا حاجه بردو ؟!


تنهد تنهيدة مطولة، ثم قال :

ـ والله أنا بفكر في مشوار كده .. بفكر أروح أزور الأطفال في الدار ، فريد مش موجود… والأطفال هناك متعودين إنه دايما كان بيزورهم يعني فمش حابب أسيبهم لوحدهم .


ابتسمت ابتسامة دافئة، وقد راودها طيف ذكرياتها يوم زارت الدار برفقة فريد، وقالت برقة:

ـ فكرة حلوة جداا.. يا ريت تزورهم كتير، مش المرة دي بس.


أومأ وقال :

ـ إن شاء الله، بفكر في كده.. 


ثم صمت هنيهة قبل أن يلتفت إليها ويسأل باقتراح لطيف:

ـ إيه رأيك تيجي معايا ؟؟!! 


༺═────────────────═༻


كانت الطائرة تشق طريقها فوق المحيط الأطلسي، والسواد الحالك ينسحب ببطء ليكشف عن خيوط الفجر الأولى على الأفق البعيد. من النافذة بجوار مقعدهما، امتدّ البحر بلا نهاية، تعلوه بقع بيضاء متفرقة من الغيوم التي بدت وكأنها جزر صغيرة تسبح في الفضاء.


عاصم، وهو يلمح الأرقام على الشاشة أمامهما، مال نحوها مبتسمًا وقال:

ـ بصي يا نسومه… إحنا دلوقتي تقريبًا فوق نص المحيط، فاضل حوالَي خمس ساعات ونوصل كوبا .


رفعت حاجبيها بدهشة وهي تتأمل الخريطة على الشاشة:

ـ يعني خلاص عدّينا أوروبا كلها؟


ـ أيوة، وعدّينا سواحل البرتغال كمان… دلوقتي الساعة سبعة الصبح في مصر، لكن في كوبا لسه الساعة عشرة بالليل ..


مطّت شفتيها بإعجاب وقالت وهي تنظر من النافذة الدائرية بجوارها:

ـ سبحان الله.. 


ونظرت إليه مجددا وقالت بابتسامة تجمع بين الحماس والدهشة :

ـ تعرف إني كان حلم من أحلامي أسافر بلد تكون عكس توقيتنا ؟! علشان أعيش اليوم هناك وأحس بالليل والنهار بطريقة مختلفة .


ضحك عاصم بخفة، والتقط يدها مقبّلا إياها، وهو يقول:

ـ وأنا قلت لك كل أحلامك أوامر.. أوعدك طول مانا عايش هحقق لك كل اللي بتتمنيه ونفسك فيه، عندي استعداد أتفرغ بس لتلبية احتياجاتك وتحقيق أمنياتك يا مولاتي .


ضحكت فضحك وهو يرفع أصابع يدها الخمس ويعد عليها قائلا :

ـ كده حلم السينما وحققناه، والكورنيش والدرة المشوي وأكلناه، والبلد اللي توقيته مختلف عننا وسافرناه.. لسه تلت أمنيات.. تركبي خيل، وتعملي تخييم في الجبل، وتقضي الليل في مكان كله نجوم !


نظرت إليه واتسعت ابتسامتها بحب خالص، وهي تراه يعدد أمنياتها التي حققها والتي لازالت قيد التنفيذ ، وكيف هو مهتم بها وبكل ما يسعدها.


بينما هو يتابع قائلا :

ـ أنا صممت نسيب الجزء التاني ده لحد ما نسافر كوبا .. هناك التجربة هتكون أجمل وأروع .


تألقت ابتسامتها أكثر، وأسندت رأسها على كتفه من جديد، تلوذ بذلك الأمان الدافئ، ثم همست بصوت يحمل يقينًا لا يتزعزع:

ـ أنا متأكدة إن كل لحظة معاك هتكون أجمل وأروع من اللي قبلها… أياً كان إحنا فين.


خفض عاصم رأسه قليلًا، ينظر إليها وكأنها الكنز الوحيد الذي وجده وسط هذا العالم المترامي، ثم مرّر يده برفق على شعرها، وقال بنبرة عميقة يتخللها بعض الدفء والمزاح الخفيف:

ـ والله أنا في حياتي كلها ما شفت أجمل ولا أروع ولا أطعم منك يا طعم انت .


ظلّا على حالهما، يراقبان الأفق الممتد من نافذة الطائرة، حيث تتلوّن السماء بدرجات البرتقالي والذهبي مع شروق الشمس في مكانٍ ما على الأرض، وكأنها ترسم لوحة خاصة لهما، لا يراها غيرهما.


وبينما كانا يتحدثان، مرت مضيفة الطيران بعربة فضية صغيرة تحمل أطباق الإفطار. وضعت أمامهما صينية أنيقة.


على الصينية وُضع طبق صغير يحوي كرواسون ذهبي اللون، وإلى جواره قطعة من الجبن الأبيض الكريمي، وشرائح فاكهة طازجة ؛ شرائح أناناس وأخرى من الكيوي والفراولة، بجانبها كوب عصير برتقال .


إلى جانب الكرواسون والجبن والفاكهة، وُضع أمامهما طبق صغير يحتوي على أومليت بلون ذهبي فاتح، محشوّ بقطع الفلفل الملون والطماطم الكرزية، وتعلوه رشة خفيفة من الأعشاب، وإلى جانبه شريحة خبز توست محمصة، يرافقها قطعة زبدة صغيرة وعلبة مربى فراولة.


كما تضمّن الفطور قطعة صغيرة من الكيك الإسفنجي بنكهة الفانيليا، تُزينها طبقة خفيفة من السكر البودرة، وفي الزاوية وضعت زجاجة ماء معدني باردة، مع منديل ورقي مطوي بعناية.


المشهد بأكمله كان أشبه بطاولة فندق خمسة نجوم، لكن وسط السحاب، حيث تلتقي رفاهية الخدمة بروعة السفر في سماء لا يحدها شيء.


بدأا بتناول الفطور على مهل، وفي كل لحظة كان عاصم يتفنن في تدليلها، يختار لها أطيب اللقم، ويقرّبها إليها، يراقب ملامحها وهي تتذوق، فيزداد رضاه وكأن سعادتها هي غذاؤه الحقيقي، كان يقطع لها الخبز برفق، ويمسح به القليل من المربى ثم يقدمه إليها، ويصب لها العصير بيد ثابتة وعينين لا تفارقان ابتسامتها، حتى غدت اللحظات بينهما لحظات مفعمة بالحب.


༺═────────────────═༻


وقفت زينب بغرفة سالم بعد أن وضعت له طعام الإفطار وقالت:

ـ تؤمر بحاجة تانية ؟! 


هز رأسه وهو ينظر أمامه بشرود ويقول:

ـ لأ.. 


أومأت بموافقة، وهمت بالانصراف فاستوقفها قائلا :

ـ كلمتي نسيم ؟!


التفتت إليه مجددا وقالت:

ـ تليفونها مقفول .


تنهد بضيق وقال :

ـ وبعدين ؟! دي بقالها كم يوم تليفونها مقفول !! معقول الخبر موصلهاش اني كنت تعبان؟! ولا وصلها وعاملة نفسها متعرفش علشان متسألش عليا ؟!


نظرت إليه زينب بصمت، فتابع وقال :

ـ ولا يمكن جوزها اللي مانعها ؟!!


تنهدت بقلق يراودها، فقال :

ـ ابقي روحي زوريها النهارده ، وقوليلها إني عاوز أشوفها، مش معقول يعني من يوم ما اتجوزت مشوفتهاش !! جوزها يقول إيه ؟! ما صدقت خرجت من البيت ومش عاوزة تعرفنا تاني ؟!!


نظرت إليه زينب ولو أن النظرات تنطق لنطقت : هل هذا كل ما يعنيه؟ ما سيفكر به زوجها وماذا سيعتقد؟! 


زفر سالم زفرة مطولة، ثم قال :

ـ يلا.. هعتب على مين ولا مين؟! واحد من يوم ما سافر مهانش عليه يرفع سماعة تليفون ويسأل على أبوه! والتاني مستخبي الله العالم هو فين، والتالتة راحت وقالت عدوا لي .. 


طُرق الباب، ودخل حسن مبتسما، فبادره سالم بابتسامة صادقة، وقال :

ـ تعالى يا حسن !


اقترب حسن وانحنى ليلتقط يده مقبلا إياها وهو يقول؛

ـ صباح الفل يا حاج سالم يا سكرة.


قهقه سالم بهدوء، وقال :

ـ صباح الخير ، اقعد يلا افطر معايا .


جلس حسن، ونظر إلى زينب التي ترمقه بنفس الطريقة وكأن على لسانها حديث تريد أن توجهه له، فقال حسن بهدوء :

ـ لو مش هتعبك يا ست الكل ، فنجان قهوة من ايدك الحلوة .


أومأت زينب بصمت، وانصرفت، فنظر حسن إلى والده وقال :

ـ هي زينب دي حكايتها إيه بالظبط ؟!


نظر إليه والده بتوتر قليلا وقال:

ـ مالها زينب ؟!


ـ مش عارف ، بحسها كده جواها كلام كتير عاوزة تقوله وكتماه، وبعدين بتتعامل معايا بود أوي ، ودلوقتي بتبص لي وحاسس إنها عاوزة تلطشني قلمين مش فاهم ليه ؟!


مالت شفتي سالم في ابتسامة هادئة وقال:

ـ يمكن لأنها كانت صاحبة أمك الله يرحمها، فبتعاملك بود من منطلق انك ابن صاحبتها يعني ..


مط حسن شفتيه وقال : 

ـ جايز بردو .. 


أومأ سالم وبدأ بتناول طعامه رفقة والده الذي أدار دفة الحديث نحو منعطف مختلف تماما:

ـ كلمت أخوك ؟!


ليجيبه حسن بعفوية وهو ينظر بطبقه :

ـ أنهي واحد فيهم ؟!


رفع سالم نظره إليه قليلا، ما قاله حسن أثار بداخله شيئا من السكينة، وتابع :

ـ عمر بيه .


ـ رنيت من خمسة مردش.. جايز نايم لسه .


ـ ونسيم ؟! انت مش قلت إنك زرتها في البيت ؟! مكلمتهاش تاني ؟!


ـ نسيم تليفونها مقفول طول الوقت، على العموم ممكن أعدي عليها النهارده.


ـ لأ.. زينب هتروح لها .


مط شفتيه وأردف:

ـ اللي تشوفه.


ـ قوللي.. كنت قلت لي إنك فكرت ووصلت لمشروع كويس.. إيه هو ؟


أومأ حسن مؤكدا ، وتنحنح ثم قال وهو يفرك يديه بحماس:

ــ مزرعة خيول !! 


نظر إليه سالم باهتمام، وتوقف عن تناول الطعام، فنظر إليه حسن وبدأ بطرح الفكرة كاملة :

ـ مزرعة لتربية الخيول العربية ، وتهجين الخيول علشان ننتج منها سلالات قوية ونادرة ، تشارك في السباقات وتتباع بأسعار عالية .


وتابع :

ـ طبعا أنا عارف إن الموضوع مش سهل، وهيتكلف، لكن في نفس الوقت العائد منه هيغطي أي تكاليف، غير انه هيكون مشروع له قيمة، هيساعدنا نبني اسم وسمعة في المجال ده، ومع الوقت اسمنا هيبقى علامة مسجلة كمان .

أومأ والده باعجاب وقال :

ـ طيب ليه متبدأش من المزرعة بتاعتنا في العزبة ؟


ـ لأ.. الأرض هناك مش مجهزة، والاسطبلات مش مناسبة، عاوزين أرض أوسع، وبعدين أنا عايز المشروع يكون في مكان يلفت نظر الملاك والمربين، مش في مكان بعيد عنهم .. 


ونظر إليه وتنهد ثم قال بوضوح :

ـ غير ان السبب الأساسي إن العزبة مش بتاعتي لوحدي، اخواتي ليهم فيها ، زائد إن الخيول اللي في العزبة غالية جداا ومش عاوز أعمل عليها تجارب تهجين لأن الموضوع هيكون فيه مخاطرة ؛ فمينفعش أجرب في حاجه مش بتاعتي، لأن المشروع ده زيه زي أي مشروع وارد ينجح ووارد يفشل !! علشان كده خليني أبدأ بعيد عن العزبة وأخوض التجربة لوحدي زي ما بيقولوا .. 


ابتسم سالم وهو يهز رأسه ببطء، وكأنه يستوعب كلام حسن جيدًا، ثم قال:

ـ كلامك صح يا حسن.. أنا عارف إنك مش بتهرب من المسؤولية، لكنك بتحسبها كويس.


ثم مال إلى الأمام وأردف بنبرة جادة:

ـ على العموم لازم تطرح الفكرة على نادر الأول علشان يفكر معاك في كل الأبعاد، أنا شخصيا باخد رأيه في كل خطوة حتى لو صغيرة، وبعدها هنبدأ نشوف هنستعد ازاي .


أومأ حسن موافقا ، وقال :

ـ أنا كمان نويت أبلغ عمر لما أكلمه علشان أخليه يتشجع ويرجع علشان نبدأ التحضيرات مع بعض.


تنهد سالم، وقال :

ـ ربنا يقدم اللي في الخير .


في تلك اللحظة رن هاتف سالم برقم نادر ، فأجابه سالم بهدوء وقال:

ـ صباح الخير .. ها … وصلت لحاجة ؟!


ـ متقلقش يا باشا ، عمر في بيت فريد بيه .


أومأ سالم وقال :

ـ كنت متوقع .. على العموم النهارده حسن محتاجك في موضوع ، ابقا عدي عليه .


ـ تحت أمرك يا باشا ، مع السلامه.


أنهى سالم الاتصال، وأكمل فطوره رفقة حسن بصمت لم يقطعه أيهما، ولكن تخلله الكثير من الفكر .


༺═────────────────═༻


جلس عمر بسيارته ينتظر نغم حيث اتفقا على الذهاب سويًا للدار، إلى أن رآها تغادر منزلها وهي تحمل بين يديها شيئا، على ما يبدو أنه قالب كعك !


كان الحماس يبدو عليها قليلا، وهي تتوجه نحو السيارة، دخلت فنظر إليها مبتسما  وهو يتساءل:

ـ ده إيه ده ؟


فأجابته بإيجاز :

ـ كيك.. المرة اللي فاتت عملت لهم كيك برتقان وعجبهم جدا.. فقلت أعمل لهم المرة دي كمان .


أومأ بإعجاب وبصمت، ، وانطلق بسيارته في طريقه نحو الدار.


طيلة الطريق كان الصمت حليفهما، كان عمر شاردا يفكر كيف سيكون لقاءه بميرال للمرة الثانية .. وهل ستتذكره أم لا ؟


بينما نغم، التي كانت تسترجع ذكريات ذلك اليوم بكل تفاصيله، وكعكة البرتقال التي أعدتها لفريد وكانت في النهاية من نصيب أطفال الدار .


اتسعت ابتسامتها لا إراديًا وهي تتذكر فرحتهم بها، واحتلت المرارة معالم وجهها من جديد عندما استوعبت أن كل شيء الآن قد انتهى.


في طريقهما، صمم عمر أن يتوقف عند أحد المتاجر الخاصة بلعب الأطفال ، وبالصدفة كان هو نفس المتجر الذي ارتادته رفقة فريد من قبل.


اقترح عليها عمر أن ترافقه لتختار معه، ولكنها تذرعت بأنها لا تفقه شيء في هذه الأمور.


دخل هو وظلت نغم بالسيارة في انتظاره، ترمق لافتة المتجر وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة للذكرى.


وبعد أن أنهى عمر الأمر سريعا، تحرك ليكمل طريقه.


بعد قليل، توقفت السيارة أمام الدار، وترجل كلا من عمر ونغم، حملا سويا حقائب الألعاب، ثم سارا حتى دخلا، لتستقبلهما شابة هادئة تدعى ' ياسمين ' رحبت بهما ترحيبا حارا ، وقادتهما نحو الداخل .


فور رؤية الأطفال لها، هتفوا باسمها، متجاهلين عمر الذي أبدى حنقًا مصطنعًا وقال:

ـ هو أنا شفاف للدرجة دي ولا إيه؟


سحب أحد الأطفال قالب الكعك من بين يديها، وتدافع الآخرون حولها، متسائلين بصخب:

ـ فين أنكل فريد؟ مجاش معاكي ليه؟


اقتربت إحداهن تشق الطريق إلى نغم بين سيل متدفق من الأطفال ، حتى وصلت إليها، تذكرتها نغم على الفور ، وانحنت قليلا لتعانقها، ولكن الفتاة جمدتها فورا إذ قالت:

ـ أنا زعلانة منك انتي وأنكل فريد علشان عملتوا الفرح من غيرنا .


تجمد لسانها وعجزت عن النطق، وكأن الهواء قد انسحب من حولها، فيما تسارعت دقات قلبها مثقلة بالحزن. حاولت أن تخفي ارتباكها بابتسامة باهتة، وهي تمسح على وجنة الصغيرة برفق قائلة:

ـ متزعليش يا حبيبتي، إحنا ما عملناش الفرح ولا حاجة.


فبادرتها الطفلة في براءة:

ـ أومال إمتى هتعملوه؟


غامت عيناها بحزن، ولم تجد ما تقول، فآثرت الصمت. عندها التقط عمر ما ألمَّ بها، فبادر إلى لفت انتباه الأطفال بعيدًا عنها، وقال بصوت جهوري مفعم بالحماسة:

ـ مين عاوز يشوف أنا جبتله إيه؟


فالتفت إليه الأطفال جميعًا في الحال، حتى نغم التي أسرعت بمسح دمعة انحدرت من عينها، وألقت عليه نظرة تحمل حماسًا فاترًا، تتابعه وهو يوزع الاهتمام والمرح بينهم بأسلوب يليق به وبهم.


بدأ عمر بتوزيع الهدايا، يمنح كل فتاة لعبة تناسبها، وكل صبي ما يلائمه، حتى بقيت حقيبة واحدة في يده، تشبث بها وهو يطوف بعينيه باحثًا، إلى أن وقعت أنظاره عليها...


كانت تقف في ركن بعيد، تتابع المشهد بابتسامة هادئة، وكأنها تراه طفلًا طويل القامة يلعب بين الصغار. غير أن ابتسامتها انطفأت فجأة عندما رأت عمر يتجه نحوها بخطى ثابتة، وكأنه يقصدها وحدها.


تلاشت ابتسامتها، وحاولت الانصراف سريعًا، لكنه استوقفها مناديًا:

ـ آنسة ميرال...


توقفت في مكانها، فاقترب منها مبتسمًا، يحمل الحقيبة ويمدها إليها قائلًا:

ـ اتفضلي... الهدية دي علشانك.


رمقته ميرال بهدوء، ثم نظرت إلى الحقيبة بتعجب وسألت:

ـ هدية بمناسبة إيه؟!


لم يسعفه الجواب، فهو يعلم أن قول "بدون مناسبة" سيدفعها لرفضها فورًا. فالتفت بسرعة نحو نغم، وكأنه يستغيث بها، وقال:

ـ مش عارف، هي نغم اللي اختارتها علشانك...


ثم رفع صوته نحوها:

ـ مش كده يا نغم؟!


كانت نغم تراقب الموقف بملامح متعجبة؛ فها هو عمر، الذي بدا مأخوذًا بهذه الفتاة الهادئة الملتزمة، يستدعيها هي لتشاركه مشهدًا غامضًا. اقتربت بخطوات حذرة، فنظر إليها عمر بإشارة ذات مغزى خفي، وقال:

ـ آنسة ميرال رافضة تاخد الهدية اللي انتي اختارتيها بنفسك.


أدارت نغم رأسها في تساؤل، لا تعرف عن أي هدية يتحدث، ولا متى اختارتها، ولا كيف تُهديها لفتاة لا تعرفها أساسًا ! لكنها قررت أن تمضي في كذبته للنهاية، فنظرت إلى ميرال قائلة بهدوء:

ـ ليه يا ميرال؟! دي هدية بسيطة ..


انضم عمر إلى الحوار وهو يتظاهر بالتعجب:

ـ أيوة بجد.. ليه يا ميرال؟! دي هدية بسيطة..


رمقته ميرال بنظرة حادة، ثم حدقت في الحقيبة مترددة، قبل أن تمد يدها وتأخذها قائلة:

ـ هو أنا في العادة مش باخد هدايا من أي حد، لكن المرة دي بس علشان إنتِ اللي جيباها لي!

حد عمر فكان يتابع المشهد بدهشة، قبل أن يتدخل قائلًا:

ـ أنا كمان اختارت معاها الهدية على فكرة...


فنظرت إليه ميرال نظرة صامتة متجهمة، ثم انسحبت، بينما كانت نغم تكتم ضحكتها وهي ترى جهوده تذهب هباءً أمام فتاة تتعامل معه وكأنه قطعة قلقاس لا أكثر؛ فقالت له وهي تراقب إحباطه الواضح:

ـ بصراحة تستاهل...


ابتسم ابتسامة ماكرة وقال:

ـ شُفتيها؟! جميلة أوي مش كده؟!


أومأت وهي تحاول كبح ضحكتها:

ـ أيوة... بس أنا قصدي عليك إنت، إنت اللي تستاهل!


تبدلت ملامحه، وخفت بريق ابتسامته، فابتسمت هي بسخرية قائلة:

ـ مفيش حد يهادي بنت ما يعرفهاش ويتوقع إنها هتطير من الفرح بالهدية! وبعدين ازاي تحطني قدام الأمر الواقع بالشكل ده؟ معقول يعني هجيبلها هدية وأنا مشفتهاش غير مرة واحدة ؟! 


حك جانب عنقه بحرج وقال:

ـ عادي بقا يا نغم، إن شاء الله تكون مخدتش بالها .


طالعته شزرًا، ثم تنهدت مطولا وقالت :

ـ وبعدين البنت شكلها ملتزمة جدًا، ومش هتيجي بالطريقة اللي إنت بتحاول بيها دي أصلا .


حك ذقنه بتفكير، ثم أومأ قائلًا:

ـ طب أعمل إيه بقى علشان أوقعها في شباكي وأخليها تغرم بيا، وتفضل طول الليل مش قادرة تبطل تفكير فيا؟


اتسعت عينا نغم دهشة، ثم انفجرت ضاحكة رغمًا عنها، فما كان منه إلا أن ضحك بدوره قائلًا:

ـ أنا مش بهزر والله، أنا فعلًا عاوز ألفت انتباهها بأي طريقة.


ثم أضاف بلهجة ممتزجة بالحنق والدهشة:

ـ انتي مش شيفاها بتعاملني إزاي؟! هو أنا للدرجة دي ميئوس مني؟!


حاولت نغم كتم ضحكتها وهي تتأمل ملامحه المعبّرة عن الانزعاج وكأنه في معركة مصيرية، ثم قالت وهي تحاول التخفيف من وقع كلامها عليه:

ـ لأ، إنت مش ميئوس منك ولا حاجة... مشكلتك بس إنك فاكر إن كل البنات بتتعامل بنفس الطريقة دي.


نظر إليها واقترب منها خطوة، وجديّة واضحة في عينيه، وقال:

ـ طب ما تكسبي فيا ثواب وتقوليلي أعمل إيه؟!


حدقت فيه نغم بدهشة ممزوجة بالحيرة، فإذا به يضيف:

ـ اعتبريني أخوكي الصغير وانصحيني…


ضحكت مجددًا، بينما استمر في حديثه:

ـ انتي متعرفيش أنا مشغول بيها أد إيه… اقفي جنبي وحاولي تقربي المسافات بينا ربنا ما يوقعك في ضيقة .


حاولت كتم ضحكتها وقالت بدهشة:

ـ انت بتتكلم بجد؟!


ابتسم بجدية ممزوجة بالهزل وقال:

ـ والله جد الجد! ده أنا فاضل حبه والدمعة هتفر من عيني!


ثم عبس قليلاً عندما رآها تكافح لوقف الضحك، وقال بلهجة منفعلة:

ـ ها.. هتساعديني ولا هتقضيها ضحك وخلاص؟


تنهدت بهدوء، وردّت:

ـ مش عارفة… طيب أنا لو المفروض أساعدك، هساعدك إزاي؟ هعمل إيه؟!


أجابها مبتسمًا:

ـ الموضوع بسيط… كل اللي هتعمليه إنك هتجيبي لي رقمها.


رفعت حاجبيها، وتجهمت وقالت:

ـ والله؟! لأ طبعا…


توسّل إليها قليلاً وقال:

ـ عشان خاطري يا نغم… طب بلاش عشان خاطري… وغلاوة فريد عندك!


رمقته نغم بضيق، وهزت رأسها وتنهدت، ثم رفعت يدها إلى جبهتها، فإذا به يستطرد محاولًا إقناعها:

ـ أقسم بالله أنا ناوي خير، أنا عاوز أتجوزها مش كلام وخلاص… انتي متعرفيش أنا جرالي إيه لما شفتها، أنا حاسس إني بحبها.


حدقت فيه نغم بتعجب، وهزت رأسها باستفهام وقالت:

ـ يعني إيه حاسس إنك بتحبها دي كمان؟! ما هو يا إما بتحبها يا إما لأ…


راوغ محاولا الضغط عليها:

ـ ماهو أنا لسه مش قادر أحدد ماهية الاحساس ده بالظبط، انتي بقا هتساعديني أفهمه وأحدد الخطوة الجاية إيه ؟


نظرت إليه دون إبداء رد فعل، وأخذت تفكر قليلا ثم قالت:

ـ لأ.. لا يا عمر متزعلش مني مش هقدر أساعدك.. 


وأضافت بشيء من الانفعال :

ـ إذا كنت مش معايا رقمها أصلا هديهولك ازاي ؟! ده انت عجيب جدا !!!


وهزت رأسها بتعجب وهي تتخطاه وتتجه نحو إحدى الفتيات التي تحاول نزع الغلاف عن لعبتها ، جلست بجوارها، وأخذت ترمقها بابتسامة حانية، كانت طفلة في الخامسة تقريبا، ملامحها أشبه بملاك حزين، جعلت نغم تحدق فيها بتركيز وتتأملها وبداخلها تتساءل: ما ظروفها ؟! هل هي يتيمة؟ أم طفلة من أطفال الشوارع ؟! 


نظرت إليها الطفلة وكأنها تطلب منها المساعدة بعينيها، فأمسكت نغم اللعبة، ونزعت غلافها البلاستيكي وأعطتها لها وهي تقول:

ـ ممكن أعرف إسمك إيه ؟! 


أجابتها الطفلة وهي تستكشف لعبتها بحماس:

ـ بدر !! 


قطبت نغم حاجبيها وامتلأت عيناها بالدموع وهي تضمها بكلتا ذراعيها وتقول :

ـ الله….. اسمك غالي أوي يا بدر .


نظرت إليها بدر وقالت بفضول بديهي :

ـ انتي كمان اسمك بدر ؟!!


ضحكت نغم بخفوت وهي تلتقط دمعة نزلت من عينيها وقالت:

ــ لا.. أنا اسمي نغم ! مامتي الله يرحمها اسمها بدر .


ـ مامتك ماتت شبهي ؟! 


أومأت نغم والدموع تتهاوى من عينيها بصمت، فقالت بدر:

ـ طيب ليه مش بتيجي تعيشي معانا هنا ؟! 


ضحكت نغم بهدوء، وقالت وهي تنظر حولها سريعا:

ـ والله يا ريت ، بس أنا كبرت خلاص !


فابتسمت بدر وقالت:

ـ عادي الكبار يعيشوا هنا . ميرال وياسمين وليلى كمان كبار .. 


وتابعت بثقة :

ـ لما ييجي أنكل فريد هطلب منه انك تعيشي معانا لأنك كمان مامتك ميتة .. وهو بيحب كل اللي ماماتهم ميتة وبيعاملهم كويس… اتفقنا ؟


ضحكت نغم مجددا، وانهالت الدموع أكثر دون توقف، وأومأت بصمت تؤكد ما قالته بدر، هو بالفعل يعامل الجميع بحنو لا يسع لبشر سواه أن يملكه، فهو أحن رجل رأته على الإطلاق .


ومسحت دموعها وهي تحاول تثبيت تلك الابتسامة على وجهها، وقالت بنبرة مرتجفة :

ـ اتفقنا يا بدر . 


على الجانب الآخر، كان عمر يجلس على المكتب الخاص بمديرة الدار التي رحبت به ترحيبا بالغا وأصرت أن تستضيفه بمكتبها وتقدم له واجب الضيافة بنفسها.


ـ وبعدين يا مس رئيفة ؟! عملتوا فيها إيه بقا بعد ما اكتشفتوا إنها بتزعق للولاد وتخوفهم ؟!


نظرت إليه رئيفة، وهزت رأسها بأسى وهي تقول :

ـ والله يا بشمهندس عمر كان يوم طويل، فريد بيه طاح في الكل وكان هيفصلني لولا إني فضلت أترجاه وأعتذر له.. وفين وفيـــــن لما قبل اعتذاري .. ومن يومها واحنا مستحيل نقبل أي مشرفة قبل ما يتعمل لها تدريب وتأهيل كامل، ونتأكد إنها فاهمة دورها كويس قبل ما تتعامل مع الأطفال، فريد بيه حط نظام صارم ممنوع فيه أي تهاون .


ابتسم عمر وهو يستمع إليها، وقال بنبرة فيها مزيج من الإعجاب والتقدير :

ـ والله يا مس رئيفة كل مرة ببقا فخور أكتر ان فريد أخويا الكبير .. لما باجي هنا وأشوف إزاي بتشتغلوا وتتعبوا مع الولاد بكل قلبكم وده تحديدا السبب اللي مخلي الأطفال هنا مرتاحين وحاسين بالأمان بحس أكتر بالفخر.


هزت رئيفة رأسها بخجل قليل، وقالت:

ـ شكرًا يا بشمهندس، بس الحقيقة كله تعب ومجهود جماعي.. كلنا هنا بنحبهم وبنسعى نديهم حياة طبيعية على قد ما نقدر.. بداية من المشرفات والمعلمات، ومنسقات الأنشطة ، والمربيات، وحتى قسم الإدارة.. كلنا هنا أهم حاجة عندنا مصلحة الأطفال وتوفير الرعاية الكاملة ليهم .. وطبعا على رأس القائمة فريد بيه ربنا يبارك في عمره .


اتسعت ابتسامة عمر وهو يوميء مؤكدا ما تقوله، ثم قال بمراوغة:

ـ أنا لاحظت إن واحدة من المشرفات تقريبا اسمها ميرال بتتعامل مع الأطفال بحدة شوية.. أسلوبها معجبنيش ابدا.


نظرت إليه المديرة متفاجئة وقال:

ـ ميرال ؟! معقولة ؟! دي من أحن وأطيب المشرفات اللي في الدار.


مط شفتيه بتردد وقال:

ـ مش عارف ، شفت موقف كده بصراحة ضايقني..  أعتقد إنك لازم تراجعيها .


أومأت بموافقة، وقالت مع لمحة من الغضب:

ـ أكيد هعمل كده، هيتحقق معاها فورًا، ولو استدعى الأمر نفصلها، هنفصلها.


نظر إليها بدهشة، وأحس وكأنه على وشك ارتكاب خطأ جسيم، فحاول التراجع قائلاً:

ـ لأ، تفصلوها إيه.. مش مستاهلة الفصل أبداً.


قالت بتصميم:

ـ لأ يا بشمهندس عمر.. مصلحة الأطفال أولا ..


ـ اوكي بس اللي حصل..


فقاطعته بإصرار :

ـ لو سمحت يا استاذ عمر.. مصلحة الأطفال أولا.. 


ـ يا مس رئيفة استني.. مصلحة الأطفال على عيني وراسي بس الموقف لا يستدعي الفصل نهائي .


تنهدت، وفور رؤيته أنها قد هدأت وتراجعت عن حدة انفعالها، ارتاح قليلاً، وهدأ قلبه وهو يحدق فيها، إذ قالت بهدوء بعد عاصفة غضبها المفاجئة:

ـ خلاص، اللي حضرتك شايفه.


زفر بهدوء، وحاول تمرير هدفه الأساسي من كل هذا، قائلاً:

ـ أنا شايف إنك تديني رقمها وأكلمها بنفسي، ألفت نظرها بهدوء، وأكيد لما أنا أتكلم معاها نفسي مستحيل إنها تكرر خطأها مرة تانية.


نظرت إليه بشك وكأنها تفكر في الأمر، فقال محاولا اقناعها :

ـ مع إني مكنتش حابب أتدخل يعني لكن زي ما انتي عارفة مصلحة الأطفال أولا.


أومأت بموافقة، وأخرجت ملف ميرال الخاص من درج المكتب، وقامت بكتابة رقم ميرال بورقة وأعطتها له وهي تقول:

ـ بجد لفتة طيبة منك يا بشمهندس انك تلفت نظرها بنفسك .


هز رأسه موافقًا بهدوء، مصطنع الجدية، وكأنه يمنح الأمر هالة الالتزام الوطني، وقال وهو يضع الورقة في جيبه بثقة واطمئنان:

ـ متقلقيش أبدًا يا مس أمينة، الدار في إيد رئيفة… آآ.. أقصد متقلقيش يا مس رئيفة، الدار في إيد أمينة.


ضحكت رئيفة بهدوء، وأومأت برضا، فنهض واقفًا ومد يده لمصافحتها، ثم خرج من المكتب ليأخذ نفسًا عميقًا، وهو يتمتم لنفسه:

ـ إيه ده!! أنا لو كنت عاوز أجيب رقم " مونيكا بيلوتشي " كان ممكن يكون أسهل بكتير.


اقتربت نغم منه في تلك اللحظة، لتراه ينظر إليها بثقة وهو يضبط نظارته بفخر، فقالت بسخرية:

ـ ده إيه الغرور ده كله؟!


ـ ولا الحوجة ليكي!


قطبت جبينها باستفهام، فإذا به يقترب قليلًا وهمس بخفوت وهو يضم قبضة يده:

ـ رقم ميرال الآن في قبضتي!!


نظرت إليه بدهشة:

ـ ازاي؟! جبته منين؟


ضيّق عينيه بفخر وقال:

ـ هه.. وانتي فاكراني هغلب؟! جبته بطريقتي الخاصة طبعًا.


أومأت بهدوء وانصرفت عنه بصمت، فلحق بها متعجبًا من حالة الضيق التي ارتسمت على وجهها، إذ كانت أكثر انفتاحًا قبل قليل، فذهب خلفها بعد أن ألقى نظرة على ميرال التي كانت منشغلة بعملها.


توجهت نغم نحو السيارة، ففتح الباب أوتوماتيكيا، فاستقرت في مقعدها، والوجوم لا يزال باديا عليها، فجلس خلف المقود وسألها باهتمام صادق:

ـ مالك يا نغم؟! حصل حاجة ضايقتك؟


أجابته وهي تحدق من نافذتها المجاورة:

ـ لأ، أبدًا…


ـ أومال مالك؟!! واضح إنك متضايقة!!


تنهدت بحيرة بين مشاعرها المتضاربة، هل تقول له إنها شعرت بجرح كل طفل وطفلة في الدار لأنها مثلهم، بلا أم وأب، أم تقول إنها تذكرت مالك الدار ومالك قلبها معًا، أم تعترف أنها فور دخولها هذا المكان على الفور تتذكر أول زيارة لها للدار؟!


وفي النهاية، وعندما أدركت أن الحديث لن يجدي نفعًا، تنهدت بهدوء متناقض مع حالها وقالت:

ـ مفيش يا عمر، أنا كويسة…


ولكي تشتت انتباهه عنها، سألت:

ـ جبت رقم ميرال ازاي؟


ابتسم فورًا وقال:

ـ من مدام رئيفة، مديرة الدار… عملت حوار كده لحد ما خدته…


ثم ضحك وهو يهز رأسه بيأس من حماقته وقال:

ـ هو أينعم كنت على وشك إني وأنا بكحلها أعميها، لكن الحمد لله ربنا ستر.


أومأت بابتسامة باهتة دون التعمق في التفاصيل، وحولت نظرها إلى النافذة مجددًا، ملتزمة الصمت.


༺═────────────────═༻


المكان : مطار خوسيه مارتي | هافانا ـ كوبا

الزمان : الساعة 4:30 فجرًا بتوقيت هافانا ، 12:00 ظهرًا بتوقيت القاهرة .


خرجت نسيم وعاصم من بوابة الطائرة بخطوات هادئة، والهواء الدافئ المحمّل برائحة البحر الاستوائي يلفح وجهيهما فور أن لامستهما نسمة الفجر الأولى. كانت أضواء المطار الصفراء تنعكس على الأرض المبللة بندى الليل، وصوت محركات الطائرات البعيدة يمتزج مع همسات المسافرين حولهما.


تقدمت نسيم وهي تنظر حولها بدهشة طفولية، تتأمل اللافتات المكتوبة بالإسبانية، أما عاصم فكان يسير إلى جوارها، يجر حقيبتهما ويتأكد بعينه من اتجاه السير نحو صالة الوصول، بينما يبتسم كلما لمح انبهارها.


اقتربا من حافلة صغيرة تنقل الركاب إلى مبنى المطار، فصعدا وجلسا بجوار النافذة. من هناك، رأت نسيم أجنحة الطائرات مصطفة في صفوف، وعمّال المطار يتحركون بخفة وسط الأضواء، كأنهم جزء من عرض مسرحي متقن.


حين توقفت الحافلة أمام مبنى الوصول، نزل الاثنان، ودخلا إلى صالة المطار الهادئة، توجّها بخطوات واثقة نحو طابور الجوازات، كانت الصالة تتزين بأعلام كوبا الملوّنة وصور القائد الشهير "تشي جيفارا" معلّقة على الجدران. خلف نوافذ ختم الدخول، جلس موظفون بزيّ رسمي، يبتسمون أحيانًا ويراقبون بعين دقيقة أحيانًا أخرى.


وقفت نسيم أمام أحد الموظفين، سلّمته جواز سفرها وهي تحاول أن تخفي توترها بابتسامة صغيرة. قلب الموظف الصفحات بتمهّل، ثم رفع نظره إليها وسألها بالإسبانية بنبرة هادئة، فتدخّل عاصم سريعًا بالإنجليزية موضحًا سبب الزيارة ومدة الإقامة.


ابتسم الموظف وأومأ، ثم وضع الختم بقوة على صفحة الجواز، ذلك الصوت المميز كان بمثابة إعلان رسمي أن كوبا فتحت لهما أبوابها.


تنحت نسيم جانبًا تنتظر عاصم، الذي لم يلبث أكثر من دقيقة حتى خرج من عند موظف الجوازات، يلوّح بجواز سفره بابتسامة ظافرة. تقدّم نحوها، فسارا معًا باتجاه سير الأمتعة، التقطا حقائبهما، ثم عبرا البوابة الزجاجية إلى الخارج.


فور أن لامس وجهيهما الهواء البارد، عطست نسيم على غفلة، فابتسم عاصم مازحًا:

ـ خلاص كده، أخدتي تأشيرة دخول كوبا رسمي!


انفجرت ضاحكة وهي تتشبث بذراعه، وعينيها تتأملان المكان بانبهار، بينما أصوات سيارات الأجرة الكلاسيكية، بألوانها الحمراء والزرقاء اللامعة تحت أضواء الفجر، ترسم لوحة من زمن آخر.


اقترب منهما سائق خمسيني، أسمر البشرة، يرتدي قبعة «فيدورا» قديمة وقميصًا بألوان استوائية زاهية. ابتسم بحرارة وهو يقول بالإسبانية:

ـ «¡Bienvenidos a La Habana! ¿Taxi?»

ابتسم عاصم وردّ:

ـ «Sí, al Hotel Nacional, por favor.»


ولم يفته أن ينظر إلى نسيم ويترجم لها قائلا :

ـ بيقولك: "أهلا بيكم في هافانا! تاكسي؟"… وأنا قلت له: "آه، على فندق ناسيونال لو سمحت."


ابتسمت نسيم وهي تتأمل طريقة نطقه للإسبانية وكأنها تستكشف جانبًا جديدًا فيه، ثم قالت مازحة:

ـ واضح إني مش هحتاج جوجل ترانسليت طول الرحلة.


ضحك عاصم وهو يساعدها على الصعود إلى السيارة، قائلاً:

ـ طول ما أنا معاكي الترجمة خدمة شاملة ضمن الباكج..


ثم غمز لها بعينين يملؤهما العبث الذي يتشوق لتنفيذه؛ وقال:

ـ بس اعملي حسابك.. على مبدأنا .. خدمة مني قصادها خدمتين منك .. هو ده العدل .


رمقته بحنق يحبه، فقرص خدها وهو يقول :

ـ مش عاوز أقوللك هتستمتعي بالرحلة ولا هتعيشي يومين مفيش زيهم ولا كل الكلام ده.. كل اللي أقدر أقولهولك.. هتموتي يا سوسو !


تخضبت وجنتاها بخجل مباغت، ونظرت إلى السائق ثم إليه وهي تقول بخفوت :

ـ ما تحترم نفسك شوية ؟! في إيه ؟!


أمال رأسه للأمام قليلا وهو يقول وكأنه يستعد لمعركة كلامية :

ـ أنا اللي في إيه ولا انتي اللي في إيه؟ أنا ماسك نفسي بالعافية بقالي نص يوم في الطيارة علشان مفيش كلمه تتنطور مني كده ولا كده ويبقا شكلنا مش تمام .. إنما هنا محدش عارفنا ولا فاهم احنا بنقول إيه أصلا ! 


بدا عليها الاقتناع قليلا، فصمتت وأسندت رأسهل على كتفه ويدها بين أحضان كفه العريض، يحتويها ويبث فيها الدفء والحنان.


انطلقت السيارة بهدوء ، تمرّ عبر طرق تحيط بها أشجار النخيل العالية، فيما بدأت خيوط الفجر تكسو السماء، كانت نسيم ملتصقة بعاصم، وعيناها تتجولان من النافذة، تلتقط كل تفصيلة: مبانٍ ملونة بألوان الباستيل، جدران متقشرة تحمل عبق التاريخ، لافتات دعائية قديمة لماركات مشهورة، وأصوات موسيقى السالسا تتسلل من بعض المحلات المفتوحة باكرًا.


بعد حوالي 25 دقيقة، بدأت معالم فندق «Nacional de Cuba» تلوح أمامهما، شامخًا على تلة تطل على مضيق فلوريدا، تحيط به حدائق غنّاء وأشجار النخيل، بينما علم كوبا يرفرف فوقه بفخر. توقفت السيارة عند المدخل الكبير ذي الأعمدة البيضاء، ونزل السائق ليساعدهما في إنزال الحقائب.


ترجّل عاصم أولًا، ثم مد يده لنسيم التي نزلت بخطوات حذرة، وعيناها تتفحصان المكان بفضول لا تخفيه. 


دلفا إلى ردهة الفندق الواسعة، حيث الأرضية الرخامية اللامعة تعكس أضواء الثريات الكريستالية الضخمة، والجدران المزينة بلوحات قديمة تحكي تاريخ كوبا. على الجانب، كان عازف جاز يعزف مقطوعة هادئة على البيانو، تمنح الجو دفئًا إضافيًا.


اقتربا من مكتب الاستقبال، حيث استقبلهما موظف شاب بابتسامة رسمية وهو يقول بالإنجليزية:

ـ Welcome to Hotel Nacional. Do


أنهى عاصم الإجراءات ، ثم فتح باب المصعد ببطء، ودخلا معًا.. ضغط عاصم على زر الطابق الخامس، ثم أسند ظهره إلى الحائط، ناظرًا إلى انعكاسهما في المرآة الكبيرة داخل المصعد.


قال بنبرة مازحة وهو يلتفت نحوها:

ـ إيه رأيك نصوّر أول سيلفي لينا في كوبا هنا… علشان يبقى ذكرى بداية الرحلة.


ضحكت نسيم، لكنها هزّت رأسها:

ـ لأ، خلّينا نطلع الأول. ونتصور من البلكونة أكيد المنظر هيكون أحلى .


أومأ موافقًا، وفور أن وصل المصعد، خرجا إلى ممر طويل مفروش بسجاد أحمر فاخر، تتوزع على جدرانه إطارات صور بالأبيض والأسود لنجوم عالميين زاروا الفندق في الماضي.


أخرج عاصم البطاقة وفتح باب الغرفة، لينكشف أمامهما مشهد يسرّ العين: سرير واسع مغطى بملاءات بيضاء ناعمة، وفوقها ورود حمراء، وأمامهما شرفة زجاجية كبيرة تطل مباشرة على المحيط، حيث كانت الأمواج تتلاطم برفق على الشاطئ البعيد.


تقدمت نسيم بخطوات سريعة نحو الشرفة، وفتحت الباب لتستقبلها نسمة بحرية منعشة. وقفت هناك، عيناها تتسعان بإعجاب وهي تقول:

ـ ياااه… دي أجمل حاجة شفتها النهارده.


أغلق عاصم الباب بهدوء، ووضع الحقيبة على الأرض، ثم اقترب منها حتى وقف خلفها، وأحاط خصرها بذراعيه بحنان، وطبع قبلة دافئة على وجنتها وهو يقول بصوت مفعم بالشوق:

ـ وانتِ أجمل حاجة شفتها في حياتي كلها.


التفتت إليه بابتسامة خجولة، فترك قبلة أخرى فوق شفتيها، ثم أدارها برفق لتواجهه، وتلاقت عيناه بعينيها في لحظة صمت قصيرة، بدت وكأن الزمن توقف فيها. كانت أنفاسهما تتقارب، وفي ملامحه مزيج من الحنان والرغبة.


مرّر أنامله برفق على وجنتها، يتأمل تفاصيل ملامحها كما لو كان يحفظها في ذاكرته للأبد، ثم قال بنبرة هامسة تحمل صدقًا عميقًا:

ـ بحبك أكتر منا تتخيلي !


تلاقت نظراتهما، فرأت في عينيه اشتعالًا لا يخفى، ولهفة تعانقها قبل أن تلمسها يداه. شعرت بحرارة أنفاسه تقترب، حتى صار بينهما نبض واحد، فتسللت ابتسامة خجولة إلى شفتيها، بينما كان هو يطوّق وجهها بكفّيه، وكأنّه يحمي كنزًا لا يقدّر بثمن.


اقترب أكثر، حتى لامس جبينها بجبهته، وأغمض عينيه لحظة، ثم همس:

ـ أنا مش عاوز من الدنيا غيرك انتِ وبس، انتِ البداية والنهاية.


أطبق ذراعيه حولها بقوة أكبر، وكأنه يخشى أن يختطفها الزمن منه، ثم مال برأسه قليلًا وطبع قبلة طويلة على شفتيها، قبلة حملت شوق السفر، ولهفة اللقاء، ووعدًا صامتًا ألا يتركها أبدًا.


تجاوبت معه برقة، حتى شعرت بأنفاسه تختلط بأنفاسها، ودفء صدره يكسوها أمانًا لم تعرفه إلا بين يديه. أبعد وجهه قليلًا، وظل ينظر إليها وكأن عينيه تكتب قصيدة بلا حروف، ثم ابتسم وهو يهمس:

ـ وانتي في حضني بحس إن كل الدنيا بقت ملكي.


رفعت كفيها لتحتضن وجهه، وقالت بصوت يقطر صدقًا:

ـ وانت كل الدنيا بالنسبة لي يا عاصم .


أغمض عينيه مستسلِمًا لوقع كلماتها العذبة على قلبه، ثم ضمّها إليه أكثر، وطبع على شفتيها قبلة عميقة، تحمل جوع العاشق الذي لا يكتفي، وكأنه يريد أن يخبرها دون كلام : هنا، بين ضلوعي، مكانكِ الوحيد، ولن أسمح أبدا لشيء، أو لأحد، أن ينتزعك مني !


༺═─────────────═༻


#يتبع

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا 

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع
    close